عمدة الأحكام - كتاب الطهارة (2)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)) ولمسلم: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الخامس:
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)) ولمسلم: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب))".
((لا يبولن أحدكم)) (لا) هذه هي الناهية، يبولن: فعل مضارع مجزوم، وإن كان مبنياً على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والأصل في النهي التحريم، فالبول في الماء الدائم الذي لا يجري محرم، والمراد بالدائم هنا الساكن الذي لا يتحرك ولا يجري، وإن كان لفظ الدائم من الأضداد هو في الأصل من الأضداد ذكره ابن الأنباري وغيره، قال: الدائم الساكن والمتحرك، الدائم يطلق على الساكن كما يطلق على المتحرك، لكن المراد به هنا في هذا الحديث: الذي لا يجري، وهو الساكن، الراكد كما جاء في بعض الروايات.
((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) عرفنا أن (لا) ناهية، والأصل في النهي التحريم، فيحرم على الإنسان أن يبول في الماء الدائم، هذا مقتضى النهي، وهل للبول أثر على الماء أو لا أثر له عليه؟ الماء لا يخلو إما أن يكون قليلاً ولا شك أن النهي للتحريم في هذه الحالة؛ لأن البول يفسده ويذهب ماليته، وإضاعة المال حرام، وأيضاً يحرم الناس من استعماله، فإذا حرم البول في الطريق فلئن يحرم في الماء من باب أولى، يحرم البول في الماء الدائم إذا كان قليلاً؛ لأنه يفسده ويذهب ماليته، وإن كان كثيراً لا شك أنه يقذره على غيره وإن كان لا أثر للبول فيه من حيث الطهارة والنجاسة، ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) وكون غلبة النجاسة على لونه أو طعمه أو ريحه يحكمون بنجاسته، هذا لإجماع أهل العلم وإلا فالزيادة ضعيفة إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه، ضعيفة باتفاق الحفاظ، فعندنا الماء إما أن يكون كثيراً، أو يكون قليلاً، والحد الفاصل بين القليل والكثير يختلف فيه أهل العلم كل على مذهبه، فالحنابلة والشافعية الحد الفاصل عندهم القلتان، فإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، يعني إذا زاد على قلتين، بلغ قلتين فما زاد لا تؤثر فيه النجاسة إلا إن تغير في حديث عبد الله بن عمر، وإذا لم يبلغ الماء قلتين فإنه ينجس لمجرد ملاقاة النجاسة، فالبول ينجسه إذا كان دون القلتين، والقلتان تقدران بخمس قرب تقريباً عند أهل العلم، هذا على القول بثبوت حديث القلتين وإلا تصحيحه وتضعيفه أمر معروف عند أهل العلم، صححه طائفة، وحكم عليه بالاضطراب في متنه وسنده آخرون، وعلى كل حال شيخ الإسلام ابن تيمية يثبت الخبر، ابن حجر يصحح الخبر، فالحد الفاصل على هذا القلتان، فإذا لم يبلغ القلتين تؤثر فيه النجاسة، ويحرم استعماله حينئذٍ؛ لأنه يكون نجساً.
إذا زاد على القلتين ولم يتغير لونه ولا طعمه ولا ريحه فإنه لا ينجس، لكن يبقى أن البول فيه محرم لعموم هذا الحديث: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) يعني ولو كان كثيراً.
الحنفية عندهم الحد الفاصل بين القليل والكثير إن حُرك أو إذا تحرك طرفه بتحريك طرفه الآخر صار قليلاً، وحده محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة بالغدير الذي طوله عشرة وعرضه عشرة، فإذا كان الماء لم يبلغ هذا المقدار فإنه يتأثر بالنجاسة، والإمام مالك -رحمه الله تعالى- لا يفرق بين القليل والكثير، إن تأثر لونه وطعمه أو ريحه بنجاسة نجس وإلا فلا، ولو كان قليلاً يسيراً، وإليه يجنح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، يميل شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى قول الإمام مالك، وهو أنه لا يتأثر الماء إلا بالتغير.
إذن كيف يصحح شيخ الإسلام حديث القلتين مع أنه لا فرق بين القلتين وأكثر أو أقل؟ شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يصحح حديث القلتين، لكن حديث القلتين له مفهوم وله منطوق، منطوقه أنه إذا بلغ الماء القلتين فما زاد لا تؤثر فيه النجاسة، ومفهومه أنه إذا لم يبلغ القلتين أثرت فيه النجاسة، شيخ الإسلام يقول: منطوقه نعمل به، إذا كان قلتين فما زاد ووقعت فيه النجاسة ولم تؤثر فيه لا ينجس، يعمل بمنطوقه، لكن مفهومه لا يعمل به شيخ الإسلام؛ لأنه معارض بمنطوق حديث أبي سعيد: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) فشيخ الإسلام مع كونه يثبت الخبر إلا أنه يعمل بمنطوقه، ويلغي مفهومه؛ لأنه معارض بعموم حديث أبي سعيد.
((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)) ((ثم يغتسلُ فيه)) بالرفع، الرواية بالجزم ((ثم يغتسلْ)) ظاهرة تعطف مجزوم على مجزوم، ((لا يبولن)) مجزوم بـ(لا) الناهية، ((ثم يغتسلْ)) عطفت مجزوم على مجزوم، ((ثم يغتسلَ)) رواية النصب بـ(أن) مضمرة بعد (ثم) المنزلة منزلة الواو، الأصل أن (أن) تضمر بعد (واو) المعية و(فاء) السببية، قالوا: (ثم) هنا بمنزلة (الواو) فالفعل بعدها منصوب بـ(أن) مضمرة، رواية النصب تدل على أن التحريم إنما هو عن الجمع بين البول والاغتسال، لكن إن بال فقط لا تدل هذه الرواية على التحريم، إن اغتسل فقط لا تدل الرواية على التحريم إلا إذا اقترنا معاً.
رواية الجزم ويؤديه رواية مسلم: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) تدل على تحريم البول وحده، وتحريم الاغتسال وحده، رواية رفع الفعل ((ثم يغتسلُ)) لا بد من تقدير ثم هو يغتسل فيه، يكون مآله بعد البول أن يغتسل فيه، يعني يحتاج إليه فيغتسل فيه، ومثله حديث: ((لا يضرب أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها)) يعني يضطر إلى مضاجعتها فيضاجعها، وهنا يضطر إلى استعمال الماء فيستعمله، فيكون من باب عطف الجملة على الجملة، لا الفعل على الفعل، ليس الفعل على الفعل، ثم هو يغتسل فيه.
عطف الاغتسال على البول وإفراد الاغتسال في بعض الروايات، عرفنا أن النهي عن البول لأنه ينجسه، طيب ماذا عن الاغتسال؟ الاغتسال لا شك أنه يقذره، يعني أنت إذا احتجت إلى أن تشرب، أو احتجت إلى أن تأخذ ماءً تطبخ فيه طعامك، ورأيت شخص يغتسل ما تقدم عليه، تستقذر هذا الماء، فهو يقذره على غيره، هذا الاغتسال.
الحنفية عندهم قول في مذهبهم: أن الاغتسال ينجس الماء ولو لم يبل فيه، ليش؟ لأنه قرن بالبول، فإذا نهي عن البول لأنه ينجس نهي عن الاغتسال لأنه ينجس أيضاً، كما هو الحاصل في الروايتين، لكن هذا أخذ بدلالة الاقتران، ودلالة الاقتران ضعيفة عند أهل العلم.
الصواب البول إن كان له أثر في الماء أنه ينجس، إن لم يكن له أثر على مذهب الإمام مالك واختيار شيخ الإسلام فإنه لا ينجس، على مذهب الشافعية والحنابلة إن كان دون القلتين له حكم، وإن كان قلتان فأكثر فله حكم، على ما سبق تفصيله.
بعض من يسلك أو يقرب مذهبه من مذهب أهل الظاهر يقول: يحتاج إلى الماء يغتسل، كيف يصنع؟ شخص جنب عنده ماء دائم، راكد، يقول: يتحايل عليه، إيش يسوي فيه؟ نعم؟ كلام أبي هريرة ماذا يصنع يا أبا هريرة؟ قال: "يتناوله تناولاً" نعم عندك ((ثم يغتسل فيه)) تدل على التناول، أنه لا مانع من أن يأخذ منه، لكن بعض الروايات: ((ثم يغتسل منه)) هذا إذا بال فيه، أبو هريرة يقول: "يتناوله تناولاً".
الشوكاني وقال بقوله صديق حسن خان في الروضة الندية، قال: يتحايل عليه، يتحايل على الماء، يلقي فيه حجر أو خشبة أو شيء، يجعله يتحرك ثم يغتسل، هذا قريب من مذهب الظاهرية، قريب جداً من مذهب الظاهرية، طيب البرك برك السباحة يجوز الاغتسال فيها وإلا ما يجوز؟
طالب:........
لماذا؟
طالب:........
هاه؟
طالب:........
قلنا: إذا كان أكثر من قلتين يقذر الماء على غيره فالعلة موجودة، هل هناك فرق بين البرك المفلترة التي يخرج منها الماء ويرجع أو لا فرق؟ في فرق؛ لأن الماء مع الحركة يتغير بلا شك، هو إذا ركد وأجن في مكانه، وطال مكثه في مكانه لا بد يتغير رائحته، لكن علاج هذا التغير بالتحريك، فهذا الفلتر لا سيما إدخال المواد المطهرة أو شبهها مع الماء مع وجود الفلتر، لا شك أن له أثر على عدم قبوله للتغير.
رواية: ((لا يغتسل أحدكم في الماء وهو جنب)) تدل على المنع من الاغتسال وحده، تدل على المنع من الاغتسال وحده إذا كان الماء لا يجري، إن كان الماء دائم لا يجري مستقر، نعم، ومع المنع من البول فيه والاغتسال فيه إذا لم يتغير فإنه يبقى طهور يرفع الحدث، أما إذا تغير بالنجاسة انتقل حكمه اتفاقاً، التفريق بين القليل والكثير كما هو مذهب الشافعية والحنابلة والحنفية خلافاً للإمام مالك لا شك أن رأي الإمام مالك مريح، ترتب على قول الأئمة الآخرين حرج وعنت ومشقة إذا قلنا بالقلة والكثرة؛ لأن هذه القلة وهذه الكثرة لم تنضبط بضابط دقيق، القلتان اختلف فيهما، لكن الأكثر على أنها معروفة الصنع، معلومة المقدار من قلال هجر، تسع القلة قربتين وشيء، كلام ابن جريج: هما قربتان وشيء، يقال: والأحوط أن يجعل الشيء نصف، كونه: وشيء، وكون أيضاً القرب متفاوتة بعضها يسع خمسين كيلو، وبعضها ثلاثين كيلو، متفاوتة، فهذا يدل على أن الحديث ليس فيه إن ثبت شيء من التحديد، وإنما هو شيء تقريبي، على أن جمعاً من أهل العلم حكموا عليه بالضعف؛ لاضطراب سنده ومتنه؛ لأنها جاءت القلتان، وجاءت قلة، وجاءت قلتين أو ثلاث، وجاء أربعين قلة، ثم اختلف في القلة ما مقدارها؟ منهم من قال: القربتين، ومنهم من يقول: ما يقله الرجل المتوسط، يعني يحمله، ومنهم من قال: القلة ما يبلغ قمم الجبال، فعلى هذا لا بد أن يكون طوفان، وما دونه ينجس، هذا الكلام مما يبين ضعف التمسك بهذا الحديث، وقوة قول من يقول بضعفه.
رأي الإمام مالك مريح، الآن لو تصورنا أن هذا الإناء فيه قلتان......، وقعت فيه نجاسة ونحن نرى النجاسة في أسفله ولم تؤثر فيه، أعلاه طاهر وإلا نجس؟ لم تؤثر فيه؟ طاهر، جئنا وأخذنا سطل، نقص عن القلتين، أخذنا منه سطل والنجاسة باقية، يقول الشافعية كما قال النووي في شرح المهذب: ما في داخل السطل طاهر؛ لأنا أخذناه من الماء قبل أن ينقص، لكن ما على جوانب السطل ويش يصير؟ نجس؛ لأنه باشر النجاسة وهو أقل من القلتين، مثل هذه التفريعات التي توجد حرج ومشقة على الناس لا شك أنها تبعد من طبيعة الشريعة الإسلامية السمحة، ولذا نجد في تفريعات الفقهاء الذين يفرقون بين القليل والكثير شيء من الحرج والمشقة، ولذا تمنى الغزالي وهو شافعي المذهب أن لو كان مذهب الإمام الشافعي مثل مذهب الإمام مالك لزال حرج كبير، يا أخي ما الذي يلزمك بمذهب الشافعي؟ عليك أن تنظر في النصوص وترجح الراجح، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يرجح رأي الإمام مالك -رحمه الله تعالى-.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً)) ولمسلم: ((أولاهن بالتراب)).
وله في حديث عبد الله بن مغفل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعاً، وعفروه الثامنة بالتراب)).
في هذا الحديث يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً)) يقول الحفاظ: تفرد مالك بقوله: ((إذا شرب)) والرواة كلهم يقولون: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم)) كيف شرب في إناء أحدكم؟ يمكن أن يأتي؟ شرب، أولاً تناول الكلب وما في حكمه للماء ليس شرباً؛ لأن الشرب هو عبارة عن عب الماء، هو عب الماء الشرب، بينما الكلب إنما يأخذ من الماء بلسانه، ولا يأخذ بشفتيه، فهو ولوغ وليس بشرب، هذا من حيث اللفظ اللغوي، الأمر الثاني: أنه من يتصور أن الكلب يشرب في الإناء، الكلب يلغ في الإناء، لكنه كيف يشرب في الإناء؟ هل معنى هذا أن الكلب يرفع الإناء ويشرب منه، فيجعله آلة يشرب فيها، أو أنه يدخل لسانه في الإناء ويلغ فيه؟ لا شك أن تناول الكلب من الشراب يسمى ولوغ، حتى تعدية شرب بـ(في) تدل على أن شرب مضمنة معنى الولوغ.
((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً)) يعني سبع مرات، ((أحدكم)) الإضافة هذه لا مفهوم لها، لكن الغالب أن الإنسان هو الذي تولى تنظيف إناءه بنفسه، لكن لو شرب الكلب أو ولغ الكلب في إناء شخص آخر، وأردتَ أو أراد استعمال هذا الإناء، ونظفته أنت غسلته على الطريقة المأمور بها كفى، ما يلزم أن يكون إناءك.
((فليغسله سبعاً)) اللام هذه لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، والسبع أو التسبيع مقصود لا بد من غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات، وبهذا قال عامة أهل العلم، والحنفية يقولون: يكفي، ولوغ الكلب ما هو بأشد من بول الإنسان وعذرته، يغسل ثلاث مرات، وقد أفتى أبو هريرة بغسله ثلاثاً، ويقولون: العبرة برأيه، لو كان عنده شيء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في السبع ما عدل عنها إلى الثلاث، كيف يفتي بهذا؟ وعندهم قول الصحابي مرجح على روايته خلافاً للجمهور، الجمهور يقولون: لا، العبرة بما روى لا بما رأى، مع أنه ثبت عنه الأمر بغسله سبعاً، موقوفاً عليه، موافقة لما جاء في الحديث المرفوع، فالواجب غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات.
ولمسلم: ((أولاهن بالتراب)) في رواية: ((إحداهن)) أو ((أخراهن)) وفي رواية: ((اغسلوه سبعاً، وعفروه الثامنة بالتراب)) يغسل سبع مرات بالماء يكون في إحدى هذه الغسلات تراب، والأولى أن تكون هذه الغسلة التي فيها التراب -يخلط معها التراب- هي الأولى من الغسلات، لكي يأتي ما بعدها من الغسلات فينظف الإناء من أثر التراب؛ لأن التراب لو كان في آخر غسلة لاحتيج إلى غسلة زائدة من أجل تنظيف هذا التراب، لكن الأولى أن يجعل التراب في الغسلة الأولى؛ لكي يذهب أثر هذا التراب بالغسلات اللاحقة.
الحديث دليل على نجاسة الكلب؛ لأنه إذا كان لعابه ولسانه وفمه مأمور بغسل..، بمباشرتها الإناء فنجاسة باقيه من باب أولى، وعند الإمام مالك أن الكلب طاهر، إذن كيف يؤمر بغسل الإناء منه؟ قال: تعبد، نغسل ولو كان طاهراً، هنا تعبد، كيف تعبد؟ قال: ولو لم يكن تعبد لأمرنا باطراد حتى فيما يصيبه الكلب لا بد أن نغسله سبعاً ونعفره بالتراب.
الآن ما يصيده الكلب حلال وإلا حرام؟ ما يصيد الكلب من الصيد؟ كلب معلم وسمى عليه يغسل؟ ما يغسل، إذن كيف هنا يغسل وهناك ما يغسل والمسألة نجاسة وطهارة؟ لو قلنا بالنجاسة لقلنا: حتى الصيد يغسل، قالوا: لا، هذا يغسل، الصيد لا يغسل لأن العلة معقولة، يعني هناك أثر للكلب على الإناء وله أثر على الصيد، أثره على الإناء يذهب بالماء مع التراب، وأثره على الصيد يذهب بالطبخ، فلا نحتاج إلى غسله، طيب، تراب ما وجدت تراب، ما وجدت إلا صابون وإلا شامبو يكفي وإلا ما يكفي؟ نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
...... إذا قلت هذا قلنا: لا يكفي، إذا قلت: إن فيه جرثومة لا يقضي عليها إلا التراب، قلنا: ما يكفي إلا التراب، لا بد، يتعين التراب، وهذا هو الظاهر، يعني لو جئنا بصابون مثلاً أو شامبو أو غيره.... وجعلناه مع الماء وغسلنا ما ولغ فيه الكلب الأصل أنه لا يتعدى المنصوص عليه، فلا بد من التراب حينئذٍ، والسبب في ذلك ما ذكرنا، يؤيده التحاليل الطبية التي أثبتت هذه الدودة التي لا يقضي عليها إلا التراب، وبهذا يظهر لنا معجزة من معجزات النبي -عليه الصلاة والسلام-، حيث أثبت الطب أن هناك جرثومة لا يقضي عليها إلا التراب، مهما جئت من المنظفات ما يكفي.
((وعفروه الثامنة)) إيش معنى ثامنة؟ نعم؟ يعني هل يكفي غلي...
طالب:.......
لا، النصوص تنزل منازلها ومواردها، فلا يكفي في الإناء غليه، حتى يغسل سبعاً أولاهن بالتراب، هذا منصوص عليه، وإن عقلت العلة يعني العلة إذا لم تكن منصوصة إذا كانت العلة مستنبطة من النصوص ما دار معها الحكم، بخلاف ما إذا كانت منصوصة بأصل النص، هنا ((وعفروه الثامنة بالتراب)) كيف صارت ثامنة؟ لأن عندنا سبع غسلات بالماء مع إحدى هذه الغسلات تراب، التراب مطهر، والماء مطهر، فنعتبر غسلة التراب عن غسلتين، فيكون المجموع ثمان، طيب هذا في بالإناء الذي فيه سائل مائع، لكن لو كان الذي في الإناء وعندنا رواية في مسلم: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه)) يعني يرق ما فيه من ماء، لكن لو قدر أن الذي في الإناء جامد صحن فيه رز فأخذ منه الكلب، نريق الرز أو نلقي ما ولغ فيه وما حوله وما عدا ذلك لا تسري فيه النجاسة، المائع تسري فيه النجاسة، تختلط فيه النجاسة، لكن السائل لا تسري فيه النجاسة، ولذا يلقى وما حوله كالفأرة تموت في السمن الجامد تلقى ما حولها، نعم.
عن حمران مولى عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض، واستنشق، واستـنـثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى الـمرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً، ثم قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)).
نعم هذا حديث عثمان -رضي الله عنه- في صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، في وضوئه نحو وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني مثل وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، حث على الركعتين بعد الوضوء، هذا مما جاء في صفة الوضوء النبوي.
حمران مولى عثمان من الموالي، وهو من سبي عين التمر، "أن عثمان -رضي الله عنه- يعني مولاه- دعا بوضوء" الوضوء بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به، "فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات" يعني أفرغ من الإناء على اليدين، أفرغ من الإناء بيده اليسرى على اليمنى، يعني أكفأ الإناء، وتلقاه باليمنى فغسل إحداهما بالأخرى ثلاثاً، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم توضأ.
"ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً" تمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً ثلاثاً، يتمضمض ويستنشق، ثم يتمضمض ويستنشق، ثم يتمضمض ويستنشق، ثلاثاً ثلاثاً.
المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، يأخذ بيده الماء اليمنى ثم يتمضمض بمعنى أنه يدخل الماء في فمه ويحركه بلسانه ثم يمجه، ومن هذه الغرفة يستنشق يعني يجذب الماء إلى داخل الأنف بالنفس ثم يستنثر، يخرج الماء بالنفس، وهل مسمى المضمضة يتناول إخراج الماء؟ أو لو قدر أنه تمضمض أدخل الماء في فمه وحركه بلسانه ثم ابتلعه يقال: تمضمض وإلا ما تمضمض؟ نعم؟ أخذ بكفه من الماء فأدخله في فمه ثم أداره داخل فمه ثم ابتلعه، يكون تمضمض أو من مسمى المضمضة المج كما في القاموس وغيره، أنهم أدخلوا المج من المضمضة.
إخراج الماء من الأنف بالنفس استنثار، وإدخاله استنشاق، فيكون الاستنشاق خاص بالإدخال، والاستنثار خاص بالإخراج، لكن لو جاء أحدهما فمن لازمه الثاني، يعني الماء في المضمضة يتصور بلعه، لكن في الاستنشاق نعم لا بد أن يخرج، لا بد أن يخرجه، قد يذهب منه شيء يسير، لكن ما يمكن أن يذهب جميعه، ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثاً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] فاغسلوا وجوهكم وهذا مجمل بينه فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بإدخال المضمضة والاستنشاق في الوجه وبكونه ثلاثاً، وقد ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وثبت عنه أنه توضأ مرتين مرتين، ومرة مرة، وتوضأ ملفقاً، بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين وهكذا.
"ثم غسل وجهه ثلاثاً" والوجه معروف الحدود، "ويديه إلى المرفقين ثلاثاً" جاء في آية الوضوء: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] يعني هذه الآية مقيدة، اليد مقيدة في هذه الآية، وقد جاءت اليد مطلقة في آية التيمم وفي آية السرقة، هنا مقيدة بكونها إلى؟ إلى إيش؟ إلى المرفقين، لكنها في آية التيمم جاءت {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم} [(6) سورة المائدة] نعم وجاءت في آية السرقة {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] من غير تقييد، فهل نحمل المطلق على المقيد ونقول: نغسل إلى المرافق؟ نمسح في التيمم إلى المرافق؟ نقطع في السرقة إلى المرافق؟ أو لا نحمل المطلق على المقيد؟ لماذا؟ لماذا؟ اليد تطلق ويراد بها الكف، تطلق ويراد بها إلى المرفق، تطلق ويراد بها إلى المنكب، لكن عندنا آية مطلقة وآية مقيدة، والمعروف عند أهل العلم أن المطلق يحمل على المقيد، لكن هل هذا على إطلاقه أو لا بد من تقييده؟ نعم؟ كيف نقيد هذا الكلام؟ نريد قواعد تضبط هذا النص وغيره من النصوص.
الآن عدنا الدم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] هذا مطلق وإلا مقيد؟ في هذه الآية؟ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] نعم؟ هذا مطلق، لكن {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] هذا مقيد كونه مسفوح، وهل يحمل المطلق على المقيد هنا أو لا يحمل؟ نعم؟ يحمل بالاتفاق، لماذا؟ لماذا يحمل المطلق على المقيد هنا؟ للاتحاد في الحكم والسبب، الحكم واحد تحريم أكل الدم في المطلق وفي المقيد، والسبب أيضاً واحد، في المطلق والمقيد السبب واحد، في كفارة الظهار جاءت الرقبة مطلقة، الرقبة جاءت مطلقة في كفارة الظهار، لكنها جاءت في آية القتل مقيدة نحمل المطلق على المقيد وإلا ما نحمل؟ نعم؟ يحمل وإلا ما يحمل؟
طالب:........
كيف؟
طالب:.......
ليش؟ الاختلاف في إيش؟ الحكم متحد، يجب العتق في هذا وفي هذا، الحكم واحد، السبب مختلف لا بأس، هذا قتل وهذا ظهار، لكنه في مثل هذه الصورة يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر خلافاً لأبي حنيفة للاتحاد في الحكم وإن اختلف السبب.
العكس إذا اتحد السبب واختلف الحكم، اختلف الحكم واتحد السبب، اليد في آية الوضوء مع آية التيمم السبب واحد الحدث، لكن الحكم مختلف، هذا غسل وهذا مسح، وحينئذ لا يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر، أما إذا اختلفا في الحكم والسبب فلا يحمل المطلق والمقيد اتفاقاً كاليد في آية الوضوء واليد في آية السرقة، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
إذا عندنا الصور، صور المطلق مع التقييد أربع: إما أن يتفقا في الحكم والسبب وحينئذٍ يحمل المطلق على المقيد، يتفقا في الحكم دون السبب يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر، يتفقا في السبب دون الحكم لا يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر، يختلفا في الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، ظاهر، متقابلة، قسمة رباعية.
"ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى الـمرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه" مسح برأسه إيش مسح برأسه؟ هل هو يمسح الماء برأسه أو يمسح رأسه بالماء؟ هاه؟ يمسح الماء بالرأس أو الرأس بالماء؟ نعم؟
طالب:........
الممسوح إيش؟
طالب:........
طيب، الممسوح به إيش؟
طالب:........
كيف قال: "ثم مسح برأسه" {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [(6) سورة المائدة]؟
طالب:........
كيف؟
طالب:........
الآن الممسوح الرأس وإلا الماء؟ هل أنت تأتي برأسك وتمسح به الماء أو تمسح الماء به؟ المقصود أن الممسوح هو الرأس، والممسوح به هو الماء.
الباء هذه منهم من يقول: للتبعيض فيكفي بعض الرأس، ثم يختلفون منهم من يقول: يكفي الربع، ومنهم من قال: الثلث، ومنهم من قال: شعرات، أدنى ما يطلق عليه المسح، لكن الممسوح الرأس، والرأس لا يطلق إلا على جميعه في الأصل، ولذا الواجب تعميم الرأس بالمسح بالماء، منهم من يقول: الباء هذه لإيش؟ للإلصاق، وإذا ألصقنا الممسوح بالممسوح به وجد أثره عليه، ولولا هذه الباء {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [(6) سورة المائدة] لولا هذه الباء لقلنا: إنه يكفي مسح الرأس باليد بدون ماء وبدون بلل.
"ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً" مسح برأسه ما قال ثلاثاً، غسلهما ثلاث مرات، أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً، غسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، مسح برأسه من غير عدد، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً، فيه دليل للأكثر الذين يقولون: إن المسح مرة واحدة، وأنه لا يثلث، وهذا قول الجمهور، قال بعضهم كالشافعية: أنه يمسح ثلاثاً؛ لعموم حديث: "توضأ ثلاثاً ثلاثاً" مقتضى ذلك أنه بما في ذلك مسح الرأس، "توضأ ثلاثاً ثلاثاً" بما في ذلك مسح الرأس، لكن هذا مجمل بينته النصوص مثل هذا، بينته النصوص التفصيلية في مثل هذا.
"ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً" أما الرأس هو الوحيد الذي ما قال فيه: ثلاثاً، فدل على أن حكمه يختلف عن حكم غيره، ولو كررنا المسح ثلاث مرات لصار غسلاً.
"ثم قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ نحو وضوئي هذا" (نحو) عندنا (نحو) وعندنا (مثل) توضأ نحو وضوئي هذا، أو توضأ مثل وضوئي هذا؟ قالوا: إن المماثلة لا يمكن أن تتحقق مهما حرص الإنسان على التطبيق، ودقة التطبيق، ولذا جاء في الحديث، لو قال: (مثل) صار عنت شديد، يمكن ما يدرك هذا الفضل أحد، لو قال مثل؛ لأنه يقتضي المماثلة من كل وجه، لكن نحو وضوئي هذا يعني شبيه بالوضوء هذا في الجملة، وهذا أوسع وأرحب.
"ثم قال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا))" -عليه الصلاة والسلام- ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين)) وهل هما ركعتا الوضوء أو غيرهما؟ المقصود أنه يصلي ركعتين بعد الوضوء، ((ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه)) يحضر قلبه، ويحرص على عدم تشويش صلاته من قبل الشيطان، ((لا يحدث فيهما نفسه)) من المعلوم أن حديث النفس يؤاخذ عليه وإلا معفو عنه؟ نعم؟ معفو عنه، كيف يكون حديث النفس معفو عنه وجاء في الحديث: ((لا يحدث نفسه)) يتعمد الحديث نفسه، ((لا يحدث فيهما)) وحديث النفس معفو عنه، عندكم هاجس وخاطر وحديث نفس وهم وعزم.
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا
|
|
فخاطر فحديث النفس فاستمعا
|
فحديث النفس معفو عنه، لكن كون حديث النفس معفو عنه يعارضه هذا الحديث، أو هذه مرتبة فوق مرتبة العفو الموجود في الحديث؟ الآن هل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((عفي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل)) نعم هل يقتضي هذا أن يغفر له ما تقدم من ذنبه لمجرد مثل حديث النفس؛ لأنه معفو عنه؟ نقول: عدم تحديث النفس أكمل من تحديث النفس؛ لأنه لولا العفو عن حديث النفس لحصلت المؤاخذة صح وإلا لا؟ إذن كونه لا يحدث نفسه أكمل من كونه يحدث نفسه؛ لأن حديث النفس معفو عنه، وشتان بين أمر معفو عنه، وبين أمر رُتب عليه ثواب عظيم غفر له ما تقدم من ذنبه، فلا تعارض، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ نعم؟
((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) قد يقول قائل: لماذا الآن رتب على عدم حديث النفس وحديث النفس معفو عنه؟ نقول: نعم حديث النفس معفو عنه، لا يؤاخذ عليه، نعم؟
طالب:........
منشغل، لكنه مع ذلك لا يؤاخذ، لكنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، فكونه يحدث نفسه مع كونه معفو عنه، حديث النفس إلا أنه مفضول، إلا أنه لولا هذا العفو لكان مؤاخذاً، نعم يعني أيهم أفضل شخص قاتل عفي عنه، عفى عنه أهل الدم، وشخص ما قتل، نعم الذي لم يقتل أفضل، وقاتل أدنى منزلة وإن عفي عنه؛ لأن العفو يدل لولاه على المؤاخذة، لولا العفو لدل الحكم على المؤاخذة، فكونك تفعل فعلاً الأصل أن تؤاخذ فيه، لكن عفي عنك أفضل منه أن لا تفعله أصلاً، قد يقول قائل: إن فاعل الذنب، ما هو بحديث نفس، فاعل ذنب، فاعل كبيرة من كبائر الذنوب تاب منها هل هو أفضل ممن لم يفعل أو ليس بأفضل إذا تاب؟ {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] شخص جالس في بيته صلى العصر وخرج من المسجد وجلس في بيته إلى أذان المغرب ما فعل قربة، ولا ارتكب محظوراً، جالس يتكلم كلام مباح، أو جاب الفراش ونام إلى أذان المغرب، وشخص خرج وفعل معصية ثم تاب منها توبة نصوحاً، أيهم أفضل؟ نعم؟ عندنا ثلاثة أشخاص، شخص صلى العصر في المسجد وجلس يقرأ القرآن إلى أن صلى المغرب، هذا على طاعة، ثاني صلى العصر ثم ذهب إلى فراشه ونام إلى أذان المغرب، هذا لا له ولا عليه، شخص ثالث صلى العصر ثم فعل معصية كبيرة من كبائر الذنوب فتاب منها توبة نصوحاً وصلى المغرب، الرابع تتميم القسمة فعل هذه المعصية ولا تاب.
الذي جلس في المسجد يقرأ إلى أذان المغرب هذا أمره مفروغ منه، هذا على خير هذا، والذي فعل المعصية ولم يتب أيضاً مفروغ منه، هؤلاء ما هم محل البحث، نحن بين الاثنين، الذي نام إلى أن أذن المغرب، وبين الذي فعل المعصية وتاب منها، آية الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [(68 - 69) سورة الفرقان] الأمر عظيم ليس بالسهل، ثم استثني من تاب {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] هذا الذي تاب توبة نصوحة بشروطها أفضل من الذي نام، لكن هل هو أفضل من الذي جلس يقرأ القرآن؟ نعم؟ لماذا؟ هذا بدلت سيئاته حسنات، وهذاك من الأصل حسنات، أيهما أفضل؟
طالب:........
لماذا؟ حسنات وهذا صارت حسنات، بفضل الله -عز وجل-، فضل الله لا يحد، انقلبت حسنات، يعني لو افترضنا أن شخصين بلغا من العمر -توأم اثنين أخوان– سبعين سنة، أحدهما منذ أن نشأ وهو في طاعة الله، والثاني منذ أن نشأ وهو جرائم ومنكرات، ثم في نهاية السبعين هذا تاب توبة نصوح وهذا استمر في طاعته أيهما أفضل؟ هذا كسب حسنات من عمل الطاعة، وهذا كسب حسنات هي في الأصل سيئات انقلبت إلى حسنات، أنت افترض مثلاً أنه هذا كسب مليون حسنة، هذه مسألة تقريبية الذي عمل طول عمره بالحسنات، عمل كسب مليون حسنة، والثاني عمل مليون سيئة وتاب منها فانقلبت حسنات، الذي عمل الحسنات الحسنة بعشر أمثالها، والذي عمل السيئات وانقلبت حسنات البدل له حكم المبدل، السيئات لا تضاعف، إذن الحسنات بدلها ما تضاعف.
نعود إلى حديثنا حديث...
طالب:........
ومن خشيته سوء العاقبة...، الآن واحد شخص يدرس مثلاً يعلم الناس الخير قال الله وقال رسوله، خمسين ستين سنة، وفي النهاية يقول: ليت الكفاف؛ لأنه ما يدري ويش يقارف ها النية هذه؟ ويش؟ لأن العلم الشرعي والأعمال الصالحة من أعمال الآخرة المحضة التي لو يحصل فيها أدنى خدش في الإخلاص والنية يتضرر صاحبها، فأمر النية ليس بالسهل، أمر الإخلاص شأنه عظيم، يعني لو وقفنا عند قوله -جل وعلا-: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] يعني شخص جالس على الكرسي في المسجد ليل نهار يعلم الناس الخير، الناس تظنه في مصاف الأنبياء، سبعين ثمانين سنة يعلم الناس الخير، وهو يمكن أنه أول من تسعر به النار يوم القيامة، المسألة ليست بالسهلة، ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) المسألة ليست بالسهلة، كل إنسان يتمنى المخلاص والكفاف، لكن الله يعفو ويسامح، الله يتجاوز عن الجميع.
نعود إلى ما تسبب في خروجنا عن الموضوع واستطرادنا هذا الاستطراد.
((ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) نعم إذا حدث نفسه نقص أجره، لماذا؟ لأنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، وفي هذا حث على المجاهدة، مجاهدة النفس ومجاهدة الشيطان الذي إذا أذن أدبر وله ضراط، إذا أذن للصلاة أدبر وله ضراط، ثم إذا فرغ الأذان أقبل، ثم إذا ثوب بالصلاة وأقيم لها أدبر، ثم إذا فرغ من الإقامة أقبل يوسوس للناس، ويذكرهم بما لم يذكروا، كل هذا من أجل نقص الأجر المرتب على هذه العبادة، فإذا حصل حديث النفس نقص الأجر، والله المستعان.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الأصل فيما يزيل أثر الخارج من السبيلين الماء والأحجار، يقوم مقام الأحجار الأجسام الخشنة التي تنقي المحل، تقوم مقام الأحجار، فالتراب إذا أنقى المحل وليس المقصود لا في الاستجمار بالحجارة، ولا فيما يقوم مقامه بالإنقاء بمعنى عودة خشون المحل مائة بالمائة كالماء، لا، ألا يبقى إلا أثر لا يزول إلا بالماء، إذا بقي أثر لا يزول إلا بالماء فحينئذٍ أدت الحجارة أو ما يقوم مقامها الغرض، وإلا ما يمكن أن يكون الحجارة أو ما يقوم مقامها بمثابة الماء، الماء يزيل بالكلية، والحجارة ضابطها: ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، فإذا أدى نفس الغرض كالخشب مثلاً مما لا يضر، أو المناديل الخشنة واستعملت حتى أنقت، والتراب أيضاً عند عدم الجميع لا بأس، لكن الأشياء الصقيلة مثل هذه لا تزيل الخارج، الصقيلة مهما كانت، فالزجاج وما في حكمها ما يمكن أن تزيل أثر الخارج لأنها صقيلة، ينبو عنها هذا الموجود من أثر الخارج، فلا تسن، نعم.
أما حديث: ((ويل للأعقاب من النار)) جاء في بعض الطرق أنه رفع صوته بها ثلاثاً، نعم.