عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (09)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: سجود السهو
عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي، قال ابن سيرين: وسماها أبو هريرة، ولكن نسيت أنا، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: ((لم أنسَ ولم تقصر)) فقال: ((أكما يقول ذو اليدين؟)) فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم، ثم كبر، وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه ثم سلم، فنبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم.
هذا يسأل عن كلام ابن القيم الذي أشرنا إليه قريباً في شرح حال المقربين.
هذا في طريق الهجرتين، رسم منهج وخطة يسير عليها المقربون من أول اليوم إلى آخره، وبعد أن رسمها بدقة أقسم أنه ما شم لهم رائحة، لكن عل الله -جل وعلا- أن يفيد منها بعض المسلمين، فيكتب له مثل أجره، وهي خطة مرسومة بدقة، تنبئ عن حال من يقوم بها، ويطبقها، والله المستعان.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: سجود السهو
الباب مر بنا مراراً، والسجود معروف، الهيئة المعروفة المعهود في الصلاة، وإضافة السجود إلى السهو من إضافة المسبب إلى سببه، فالمسبب هو السجود، وسببه السهو في الصلاة، والسهو والغفلة والنسيان أمور متقاربة جداً، السهو والغفلة والنسيان كلها عزوب ذكر الشيء عن القلب.
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي" إما الظهر أو العصر، هاتان هما صلاتا العشي، وجاء في رواية عند مسلم الجزم بأنها العصر، يقول: وسماها "قال ابن سيرين: وسماها أبو هريرة، و... نسيت أنا، قال: فصلى بنا" هذا هو السبب في ذكره في السند وإلا فالأصل الاقتصار على الصحابي، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم؛ لأنه لو قال: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي، ولم يذكر تعيينها أو الشك فيها نسب الإبهام إلى أبي هريرة، لكن أبا هريرة سمى الصلاة، لكن الذي نسيها ابن سيرين، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، صلاة الظهر أو العصر، قد يقول قائل: هذا النبي -عليه الصلاة والسلام-، فعلى أسلوب العامة: "إحنا ما علينا شرهة" لو نسلم من ركعة، إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- سلم من نصف الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بشر ينسى كما تنسون، لكن إنما ينسى ليسن، يعني لو لم يقع مثل هذا متى يتبين الحكم، من نعم الله -جل وعلا-، وفي هذا سلوة للمسلمين أن نسي النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته، والمسلمون ينسون كغيرهم، وجاء الحث على أن يعقل المسلم صلاته، ويحرص على ذلك، لكن لا يمنع من وقوع السهو في الصلاة، والإشكال في السهو عن الصلاة، أما السهو في الصلاة، فهو حاصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، حتى ذكر بعض أهل العلم الخلاف في الشخص الذي يحصل منه ويقع منه السهو في صلاته، والذي لا يقع منه السهو ألبتة، أيهما أفضل؟ وإذا لحظنا أن بعض الناس إذا كان منفرد أو مأموم كثر السهو عنده والغفلة، وإذا صار إمام تمر السنين ما سها ولا غفل، هذا يوضح لنا مأخذ الخلاف، لماذا لا يسهو إذا كان إمام، وإذا كان مأموم أو منفرد لا يحضره قلبه؟
نعم مراعاة المأمومين، فيخشى من مرآتهم، أما مراعاتهم وتصحيح صلاتهم؛ لأنه ضامن من أجل أن تصح صلاة من خلفه، هذا مطلوب، لكن الإشكال في المرآة، بعضهم يقول: الذي يسهو في صلاته أفضل من الذي لا يسهو، لماذا؟ لأنه يقول: إنه منتبه إلى حقيقتها ولبها، غافلاً عن صورتها، والذي لا يسهو مهتم بالصورة غافل عن اللب؛ لأن العقل عند بعضهم لا يحتمل الالتفات إلى كل شيء، لكن ما يمنع، الناس يتفاوتون في هذا، بعض الناس يدرك كل ما يدور حوله، وبعض الناس يدرك خلقة ثلاثة أرباع ما يدور حوله، وبعض الناس ما يدرك الشيء الذي أمامه، الله -جل وعلا- وزع هذه المواهب، لكن يبقى أن على المسلم أن يهتم لصلاته، للبها الذي هو الخشوع، وأن يخرج منها بأكبر قدر ممكن من أجرها، قد يقول قائل: إنه لا يتصور إنسان لا يغفل ألبتة، لكن لا يكون مثل الذي خرج بعشرها بربعها، يحرص على أن يخرج بأكبر قدر ممكن، وبعض الناس لا يدري هل هو في المسجد أو لا؟ من الغفلة، وعدم حضور القلب، والمشاريع إنما تزاول في الصلوات، ويمهد لأمور الدنيا، ويخطط لبقية يومه إذا صف يصلي، برنامجه اليومي يرتبه إذا صف، هذا خذلان، هذه خسارة، فعلى الإنسان أن يهتم لهذا.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم ركعتين، ثم سلم "فقام إلى خشبة معروضة في المسجد" هو عنده إحساس بشيء، لكن لا يكاد يجزم به "فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها، كأنه غضبان" يعني وضعه وضع الغضبان، لكن هل يغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا إذا انتهكت محارم الله -جل وعلا-، لا، لكن الصحابة توقعوا للأمر الذي أهمه شيء يجول في نفسه، كأنه غضبان، يتوقون هذا "ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه" كيف وضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه؟ هذا وضع اليد اليمنى على اليسرى، معروف، لكن شبك بين أصابعه، يعني ما هو في آن واحد، أول الأمر وضع اليمنى على اليسرى، ثم شبك بين أصابعه، وشبك بين أصابعه، التشبيك بين الأصابع مكروه في الصلاة، وقبل الصلاة لقاصد الصلاة؛ لأنه في صلاة ما انتظر الصلاة، لكن بعد الانتهاء من الصلاة لا بأس، فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، شبك بين أصابعه؛ لأنه انتهى من الصلاة، أما داخل الصلاة، وقبل الصلاة حال انتظار الصلاة فلا، مكروه، طيب شخص انتهى من صلاته، وأراد أن ينتظر الصلاة التي تليها، انتهى من صلاة المغرب، ويبي يجلس إلى صلاة العشاء، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لما فرغ من الصلاة شبك بين أصابعه، فهل نقول: أنت فرغت من الصلاة شبك، أو نقول: ما دمت تنتظر الصلاة فأنت في صلاة فلا تشبك؟ وهل في حكم التشبيك المكروهات الأخرى في الصلاة، الفرقعة بين الأصابع، وبعض الحركات المكروهة في الصلاة، يعني سلم وبدأ يطقطق أصابعه، نقول: ما دام شبك، وهذا مكروه، وفرغنا من الصلاة انتهينا، هل الحكم واحد؟ أما من ينتظر الصلاة فهو منهي عن التشبيك.
الطالب:.......
نعم مكروه أن يشبك بين أصابعه، لا في الصلاة ولا في انتظار الصلاة، وأما ما بعد ذلك فالأمر فيه سعة، إلا لمن ينتظر الصلاة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما قام إلى الخشبة المعروضة، وشبك بين أصابعه، وخرجت السرعان، العطف بالواو لا يقتضي الترتيب، فقد يكون خروجهم قبل قيامه، كما يلاحظ على بعض الناس، كأنه طير في قفص، مجرد ما يسمع الإمام يقول: السلام عليكم ورحمة الله يقوم، ولا يدرى ما الذي أعجله؟ هل هناك حاجة لهذا القيام؟ لا بأس، لكن في الغالب أنه لا حاجة، وقل مثل هذا في الذين يمشون يجوبون الشوارع في سياراتهم بسرعة متناهية، طيب وواحد من الفضوليين يقول: "ودي بس أشوف ها اللي طاير شو بيزيين لو وصل بيته؟" ما هذا الأمر الذي يفوت؟ وقل مثل هذا فيمن إذا سلم الإمام قام، هذا يوحي بعدم الرغبة في الخير، الملائكة تصلي على المصلي ما دام في مصلاه، هل أنت غني عن هذا الدعاء، اللهم اغفر له، اللهم أرحمه، أنت بأمس الحاجة لمثل هذا الدعاء، فما الذي يعجلك؟
"خرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة" قَصُرت وضبطت، بـ(قُصِرت) إضافة القصر إلى الصلاة نفسها، قصرت الصلاة، وإضافة القصر إلى المجهول، إسناد القصر إلى المجهول، والذي قصرها هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلما حذف قصرت الصلاة، على الرواية الثانية، يعني قصر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة، بل نزل أمر أو خبر جديد بمشروعية قصر الصلاة في الحضر، هذا التردد الذي حصل سببه ما حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلاة رباعية ركعتين، هذه صفة الصلاة المقصورة.
"قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه" النبي -عليه الصلاة والسلام- له هيبة عظيمة، مع أنه من أحسن الناس وأطيبهم خلقاً، والهيبة ليس مردها إلى الخوف، بل مردها التعظيم، والتعظيم لا يلزم أن يقترن بقوة، كما يقول الشاعر:
أهابكِ إجلالاً وما بكِ قدرة |
| عليّ ولكن ملء عين حبيبها |
فالهيبة سببها التعظيم، وتجد من أضعف الناس بنية وخلقة، بل قد تجد شخص معوق مشلول تهابه، تعلوك الرحضاء، ويتصبب العرق من رؤيته وهو لا يحرك أطرافه، تأتي وهو من أهل العلم لتسأله، عندك عشر مسائل ما تسأل إلا واحدة، وتنسى الباقي، هذا تعظيم، وهذا الهيبة بقدر الإرث من النبي -عليه الصلاة والسلام- في العلم والعمل، والنبي عليه الصلاة نصر بالرعب مسيرة شهر، وفي رواية: مسيرة شهرين، وبعض الناس يتطاول عليه السفهاء، وإن كان عنده شيء من العلم، لماذا؟ لأن الله -جل وعلا- نزع الهيبة في قلوب العباد له؛ لأن ما عنده من علم، وإن أدعاه علماً وهو في الحقيقة ليس بعلم؛ لأن العلم إنما هو ما نفع، فهذه الهيبة ليس مردها إلى القوة ولا إلى البطش، ولا إلى الخوف، لا، مردها إلى التعظيم، يعظمون النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"فهابا أن يكلماه" طيب عطاء بن أبي رباح من يعرف أوصافه؟ تهابه الملوك، وهو رجل مصاب بعاهات كثيرة، الهيبة هذه مردها إيش؟ مردها الإرث من هذه الهيبة النبوية، وكل بحسبه.
"وفي القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو اليدين" واسمه الخرباق "يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله" أين الهيبة يا ذا اليدين؟ لا بد أن يوجد في الأمة مثل ذي اليدين، لو هاب الناس كلهم، ما بان كثير من الأحكام، وهناك مسائل وقضايا يجب أن يكون هناك تبادل، تقدير واحترام وتعظيم بين الراعي والرعية، العالم والطلاب، وما أشبه ذلك، لكن لا بد أن يوجد شخص..، قد تستدعي الحال في بعض الأوقات أن تقول: عل الله -جل وعلا- أن يسوق لنا شخصاً ما يستحي ولا يهاب، ولذا الصحابة -رضوان الله عليهم- لما نهوا عن السؤال، كانوا يتمنون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية ليسأل، هناك قضايا يتتابع عليها الناس، هيبة لمن يرتكب هذا الأمر، أو تقديراً وتعظيماً له، واستحياء منه، ثم يأتي شخص ما عليه من أحد، نعم الحياء لا يأتي إلا بخير، لكن الخجل الذي يمنع من إنكار بعض الأمور، تقول: لعل الله -جل وعلا- أن يبعث شخص في عرف الناس ممن لا يستحي يقول مثل هذا الكلام، فوجود مثل هؤلاء تجعل الإنسان يحسب لهم حساب، وإلا فقد يقول قائل: لماذا أبو بكر وعمر يهابون الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- مهيب هيبة شرعية ربانية، فكيف ذو اليدين لا يهابه؟ والله -جل وعلا- جعل من الأجر لهذا بسبب الهيبة، وجعل من الأجر لهذا بسبب ما ظهر من سؤاله من خير، بسببه من خير وعلم.
"فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: ((لم أنسَ ولم تقصر))" طيب ركعتين صليت، النبي –عليه الصلاة والسلام- نفى النسيان ونفى حدوث أمر جديد بناء على غلبة ظنه، والأمور إنما تبنى على غلبة الظن، حتى أجاز العلماء أن يحلف على غلبة الظن، كيف تحلف على غلبة الظن؟ الذي أقسم بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- "والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أفقر مني" هل يجزم بأنه بحث عن البيوت، بيوت المدينة بيتاً بيتاً، وجزم وقطع أنه لا يوجد أحوج منه، هذا بناء على غلبة ظنه، كثير من الناس يتوقع أنه في حالة لا يوجد أسوأ منه حالاً، فيغلب على ظنه ذلك، وهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لم أنس ولم تقصر)) هذه غلبة ظن، مشى عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخرج من صلاته بسببها، عورضت غلبة الظن بقول واحد، معارضة غلبة الظن بقول الواحد توجد شك، يعني غلبة الظن عند الشخص، هل ينقض غلبة الظن الذي عنده بقول شخص، لا ينزل عنده مستوى الجزم إلى الشك، يتردد، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أكما يقول ذو اليدين؟)) يبي مرجح، الآن غلبة ظنه -عليه الصلاة والسلام- قاومها كلام ذو اليدين؛ لأن عندنا المعلوم، ويقولون: ما عنه الذكر الحكمي، الذي هو المعلوم، إما أن لا يحتمل النقيض ألبتة، يعني نتيجته مائة بالمائة، هذا علم، هذا لا يمكن أن ينقض بأي خبر من الأخبار، إذا نزلت هذه النسبة أفاد الظن، الظن الغالب، وإذا تساوى الاحتمالان صار شك، إذا نزل عن النصف صار الاحتمال المرجوح يقال له: وهم، والاحتمال الراجح يقال له: ظن، والمساوي هو الشك، نزلت نسبة الاحتمال الراجح من الظن الغالب إلى الشك، الآن إذا وجد الشك وتساوت المرتبتان تساوى الاحتمالان، لا بد من إيش؟ لا من مرجح ((أكما يقول ذو اليدين؟)) يعني لو قالوا: نعم ترجحت كفة ذو اليدين، لو قالوا: لا، ما هو صحيح كلامه، ترجحت كفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، صار ما يقوله ذو اليدين لا قيمة له، ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- طلب مرجحاً ((أكما يقول ذو اليدين؟)) قالوا: نعم، خلاص انتهى، صار ما عند النبي -عليه الصلاة والسلام- بدل أن يكون غلبة ظن، سلّم بسبب غلبة الظن، ثم أورث عنده كلام ذو اليدين شك، ثم بترجيحهم لكلام ذي اليدين صار كلامه وهم، احتمال مرجوح، فترجحت كفة ذي اليدين، وهذا كله من أجل التشريع، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي في الظروف العادية، في الأمور البلاغية، التي يبلغ بها الدين، لا يمكن أن يقال مثل هذا الكلام، لا يعارض قوله بأحد كائناً من كان، لكن في مثل هذه الأمور التي فيها تشريع، يعني لو تصورنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما سها في صلاته أبداً، ولا نام عن صلاة الصبح، ويش تصير حالنا؟ هذه تسلية لنا، كونه وقع منه السهو، وقع منه النوم عن صلاة الصبح، لكن ليس في هذا حجة لا من قريب ولا من بعيد لمن يتساهل في صلاة الصبح، أو في غيرها من الصلوات؛ لأنها حصلت مرة واحدة في العمر، إذا حصل منك مرة أو مرتين في عمرك، أو مرات يسيره، هذا سهل، لك أسوة، أما أن يكون ديدنك، تركب الساعة على الدوام، تقول لي: والله النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى الصبح إلى أن أيقظهم حر الشمس، ما هو بصحيح، وقد لا يركب الساعة على الدوام ينام بالسطح، ومعروف أنه إذا قرب الدوام احترت الشمس، يقول: ما يوقظنا إلا حر الشمس، نقول: لا يا أخي، لا بد من بذل الأسباب، ولا بد من انتفاء الموانع؛ لأنك بصدد ترك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، النبي -عليه الصلاة والسلام- وكل إيقاظهم إلى بلال، فنام بلال، وأخذ بنفسه الذي أخذ بنفس النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا مصلحة كبرى، مصلحة تشريعية.
"((أكما يقول ذو اليدين؟)) قالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم" تقدم لأنه قام من مجلسه، ولو قدر أنه كان في مجلسه يستقبل القبلة، ثم يقوم إلى الركعة الثالثة، يقوم من غير تكبير؛ لأنه كبر في الانتقال من السجود أو ما كبر؟ لأنه في التشهد، المسألة مسألة تشهد أول، يعني لو كان سلم من ثلاث نقول: كبر من انتقاله من السجود، وفي مثل هذه الصورة يحتاج إلى تكبيرة انتقال من التشهد إلى الركعة الثالثة.
"فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم" صلى الركعتين الأخريين ثم سلم ثم كبر "وسجد مثل سجوده أو أطول" يعني على هيئة سجود الصلاة، ويقال فيه ما يقال في سجود الصلاة "ثم رفع رأسه فكبر، ثم كبر فسجد مثل سجودها أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه ثم سلم، قال: فنبئت" ربما للتقليل، ربما سألوا الراوي هل سلم النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ هل قال: "ثم سلم" وجزم بها عمران بن حصين، لكن ابن سيرين لم يجزم بالنسبة إلى عمران، بل "قال: فنبئت -بواسطة- أن عمران بن حصين قال: "ثم سلم" ولا شك أن الخروج من الصلاة إنما يكون بالتسليم، وهذا السهو مشتمل على زيادة أو على نقص؟
هذا يقول: ما رأيكم في من يتعمد السهو حتى يرشد الناس بعد الصلاة إلى أحكام السهو؛ لأن ذلك أجدى مما لو شرح لهم دون حدوث السهو في الصلاة؟
لا يجوز التعمد، صار عمد هذا، ولا يشرع له سجود، فإن تعمد ترك واجب بطلت الصلاة، إن تعمد ترك سنة فلا سجود لها، والسجود إنما يكون للسهو زيادة ونقصاً، وللشك وأما العمد فلا سجود له.
ترجم الإمام البخاري في كتاب الصلاة: باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، فهل هذا إيماء منه إلى أن الأحاديث الواردة في تشبيك الأصابع معلولة؟
التشبيك المطلق الذي لا ارتباط له بالصلاة لا يثبت، لكن التشبيك في الصلاة، وفي انتظار الصلاة، وفي الطريق إلى الصلاة هذا ثابت.
الطالب:.......
يقول: ربما سألوا أبا هريرة، يعني هل سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذه الصلاة أو ما سلم؟
الطالب:.......
ثم قال: ثم سلم، فربما سألوه، يعني هل قال: ثم سلم أو ما قال؟ هذا تردد؛ لأن ربما للتقليل الأصل فيها، لكن جزم بها عمران بن حصين، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن بحينة، وكان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين، ولم يجلس، فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم.
هذا حديث عبد الله بن بحينة، عبد الله بن مالك بن القشب، وبحينة أمه على ما تقدم، وكان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الظهر" هل نحن بحاجة إلى أن يقال: كان من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد صلى خلفه الظهر؟ لا، لسنا حاجة، لكن هو تصريح بما هو مجرد توضيح "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس" يعني التشهد الأول، ما جلس في أثناء الصلاة في منتصفها، فترك الجلوس، وذكره الذي هو التشهد الأول "ولم يجلس، فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الصلاة تسلميه، كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم" إذا ترك التشهد الأول، نسي التشهد الأول وقام أهل العلم يقولون: إذا لم يستتم قائماً يلزمه الرجوع، وإذا استتم قائماً كره الرجوع، وإذا شرع في القراءة حرم الرجوع، وهنا استتم قائماً -عليه الصلاة والسلام- فلم يرجع، أو شرع في القراءة والأمر آكد، على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرجع، لم يجلس، وقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم.
في حديث ذي اليدين السجود بعد السلام، وفي حديث عبد الله بن بحينة السجود قبل السلام، والعلماء يختلفون في موضع السجود على أنه نقل الاتفاق على الجواز، على أنه يجوز أن يسجد للسهو قبل السلام وبعده، نقل الإجماع على هذا، لكن الخلاف في الأفضل، فالحنفية عندهم السجود كله بعد السلام، فلا يُجمع إلى الخلل الذي حصل في الصلاة زيادة على ما شرعه الله فيها في الأصل، فهذه الزيادة ينبغي أن تكون جابرة لما حصل من خلل في الصلاة، كالنافلة التي بعد الصلاة، تجبر الخلل، فموضع السجود حينئذٍ يكون بعد السلام، وهذا رأي الحنفية، الشافعية يقولون: الأفضل في السجود كله أن يكون قبل السلام، وهذا بالنسبة للمأمومين سواء منهم المدرك للصلاة كلها والمسبوق هذا لا شك أنه أضبط لصلاة المأموم، يعني ينتهي من الصلاة قبل أن يسلم؛ لأنه إذا سلم حصل اضطراب من المأمومين، منهم من..، السرعان يخرجون من المسجد، والذين يقضون الصلاة ينوون الانفراد، هذا عند الشافعية يكون أضبط فهو أفضل، هذا رأي الحنفية والشافعية، المالكية يستدلون بحديثي الباب، ويقولون: إذا كان السجود سببه الزيادة في الصلاة فيكون موضعه بعد السلام؛ لئلا تشتمل الصلاة على زيادات، يعني زائدة عن المسهو عنه، المسهو فيه نزيد أيضاً سجدتين داخل الصلاة، وهي الأصل فيها زيادة؟! لا تشتمل الصلاة على هذه الزيادة كلها، وإذا كان السجود عن نقص كما في حديث عبد الله بن بحينة يكمل هذا النقص بسجدتين قبل السلام، مذاهب الأئمة واضحة وإلا ما هي بواضحة؟ ومآخذها ظاهرة، الحنفية يقولون: كله بعد السلام، والشافعية يقولون: قبل السلام، والمالكية: إن كان لزيادة بعد السلام، وإن كان لنقص قبل السلام، والحنابلة الإمام أحمد -رحمه الله- يرى السجود كله قبل السلام، إلا ما ورد النص فيه أنه بعد السلام، ومنه إذا سلم عن نقص، كما في قصة ذي اليدين، ومنها إذا ما بنى الإمام على غالب ظنه، وفيه: ((فليتحر ثم ليسجد بعد السلام)) يعني الأصل أن الصلاة تختتم بالتسليم، وكل ما يتعلق بها يكون قبل التسليم؛ لأنه خاتمتها، هذا الأصل، لكن جاء بعض الصور ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سجد بعد ما سلم، تكون هذه على خلاف الأصل، ويقتصر فيها على مواردها، على كل حال الأمر فيه سعة، والاتباع هو المطلوب، فإذا كان النص يدل على أن السجود قبل السلام أو بعده يتبع النص، وما عدا ذلك كونه قبل السلام هو الأصل، ومسائل السهو كثيرة جداً، متعلقات الباب فرعها الفقهاء بتفريعات كثيرة، فتراجع كتب الفروع، نعم.
عفا الله عنك.
باب: المرور بين يدي المصلي
عن أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)) قال أبو النضر: لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنةً.
باب: المرور بين يدي المصلي
لا شك أن المرور بين يدي المصلي يشوش على المصلي صلاته، يشوش عليه صلاته، والمطلوب في الصلاة حضور القلب والخشوع، تدبر ما يقرأ وما يسمع، فإذا مر بين يدي المصلي شيء لا شك أنه يشوش عليه، ولذا جاء الوعيد الشديد، في حديث الباب يقول: "عن أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يقف بين يديه))" لو يعلم، لو هذه حرف امتناع لامتناع، يعني امتنع وقوف هذا المار لامتناع علمه بالإثم ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم)) من الإثم هذه ليست في الصحيحين، وانتقد الحافظ ابن حجر الحافظ عبد الغني حيث ادخلها؛ لأنه صنيعه يوهم أنها في الصحيحين ((لو يعلم المار ماذا عليه)) من الإثم لا توجد في الصحيحين، انتقد ابن حجر مؤلف العمدة، وذكر أنها لم تثبت إلا في رواية أبي الهيثم الكشميهني، وهو ليس من العلماء، إنما هو من الرواة لصحيح البخاري، فتوجد هذه في روايته تفرد بها، وروايته ليست قوية مثل الروايات الأخرى؛ لأنه ليس من أهل العلم، الكشميهني، ومع ذلك الحافظ ابن حجر ينتقد الحافظ عبد الغني، ويوردها في البلوغ، أوردها في البلوغ، فيتجه عليه الانتقاد مثل ما انتقد، والنقد بابه مفتوح، إذا كان القصد منه النصيحة، فالنصيحة لا بد منها، والدين النصيحة، وحينما انتقد من أدخل هذه اللفظة يشكر على هذا الانتقاد؛ لأنه بين للناس، وكونه يقع فيما انتقد ليعلم العلماء وطلاب العلم أنه ليس هناك عصمة، كونه ينتقد، ويقع في الخطأ، وهو من الحفاظ -رحمه الله-، ما هو بإنسان عادي، لكن يقع، وكثيراً ما ينتقد الإنسان ولا أقصد ابن حجر، ينتقد الإنسان في شيء ولا يكون في ذلك مخلصاً فيقع فيه، وقيل لشخص من الأئمة المعروفين: إن فلاناً قرأ الآية كذا فضحك، فقرأها كما قرأها من ضحك عليه، وقع فيها، ولا أريد أن أذكر الآية؛ لئلا يعرف الطرفان؛ لأن المسألة مشهورة، على كل حال النقد إذا كان القصد منه النصيحة، يعني لو أن الحافظ عبد الغني موجود في وقت الحافظ ابن حجر، المناسب أن يكتب له أن هذه اللفظة لا توجد في الصحيحين، فيتولى هو نفسه حذفها، بدلاً من أن يكون هذا في مصنف يقرأ إلى يوم القيامة، هذا تمام النصيحة، لكن شخص مات وانتشر كتابه لا بد أن ينبه، ينبه عليه ويبين، وليس القصد من ذلك تنقص أهل العلم، ليس الهدف من ذلك نتقص أهل العلم، وإنما القصد منه بيان الحق، وتصحيح ما يقع من أوهام وأخطاء، وأوصي طلاب العلم أن يقرؤوا في مقدمة (موضح أوهام الجمع والتفريق) للخطيب البغدادي؛ لأنه يصحح على الأئمة الكبار، يصحح على البخاري وأحمد وغيره، يصحح على الكبار (موضح أوهام الجمع والتفريق) طالب العلم إذا تصور موقف الخطيب وهو إمام من أئمة المسلمين، ويقول مثل هذا الكلام بالنسبة للكبار عرف كيف يتعامل أهل العلم بعضهم مع بعض بصدق وإخلاص، وأن القصد من ذلك كله بيان الحق، والوصول إلى الصواب، والاعتراف بالفضل لأهله، هذا أمر مطلوب؛ لأنه قد يجول بخاطر شخص يقول: إن هذا يصحح على البخاري ومسلم وأبي حاتم وأبي زرعة وأحمد وابن معين، وش يصير هذا؟ ولولا هذه المقدمة التي ذكرها، والتي على كل طالب علم أن يراجعها مع ما كتبوه كثير في هذا الباب، بين الخطيب -رحمه الله- أنه لولا هؤلاء ما صار شيء، لكن لا يمنع أن يهم الإنسان ويخطئ، يقع في شيء من الخطأ هذا أمر لا ينفك منه أحد.
((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين)) أربعين إيش؟ ما يدرى هل هي أربعين يوم أربعين شهر أربعين سنة؟ هي مبهمة، إذا لم يذكر التمييز فالمميز مبهم، ولذا لما جيء بالتاريخ، بداية التاريخ من قبل عمر -رضي الله عنه- جاء إليه شخص بصك فيه دين على شخص إلى شعبان، يعني يحل في شعبان، لكن شعبان سنة كم؟ ما فيه، قال: شعبان الماضي أو شعبان القادم؟ ما يدرى، وبعض الناس يعرف أنه مولود في نصف رمضان، لكن سنة كم؟ ما يدري، هذا موجود، وهنا: ((لكان أن يقف أربعين)) وأحياناً يحذف التمييز للتفخيم؛ ولتعظيم الأمر وتهويله، وش الأربعين ذا؟ ما هذه الأربعين؟ احتمال تكون أربعين قرن بعد، احتمال ((لكان أن يقف أربعين خيراً له)) فيحذف المتعلق، أحياناً يحذف المفعول، وأحياناً يحذف الظرف ليسرح الذهن كل مسرح، كل ما يخطر على البال يتصوره هنا، فيكون أشد وأعظم ((لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يدي المصلي)) الأمر ليس بالسهل، ليس بالهين.
"قال أبو النضر" الراوي "لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة" والمسألة خمس دقائق، تجد السرعان يخترقون الصفوف ويتخطون المصلين من أجل خمس دقائق أو أقل، وهنا: ((لو يعلم المار)) يقف أربعين الأمر ليس بالهين، والمسألة مسألة إثم عظيم، أبيحت المقاتلة من أجله، فليس من السهل أن يمر الإنسان بينه وبين سترته وهو يصلي، وهذا يدل على تحريم المرور بين يدي المصلي إذا استتر، كما سيأتي في الحديث الذي يليه، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان)).
يقول -رحمه الله تعالى-: "عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره))" هذه يستدل بها أهل العلم على أن الأمر باتخاذ السترة ليس على سبيل الوجوب، وإنما على سبيل الاستحباب ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) مما يدل على أن له أن يصلي إلى غير سترة، وسيأتي بحديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بالناس بمنى إلى غير جدار، وجاء توضيحه في بعض الروايات: "إلى غير سترة" والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى في المسجد الحرام إلى غير سترة، والطائفون يمرون بين يديه، فدل على أن الأمر باتخاذ السترة ((ليستتر أحدكم في الصلاة ولو بسهم)) هذا الأمر للاستحباب، وليس على سبيل الوجوب، وهو قول عامة أهل العلم، أوجبه بعضهم للأمر، لكن هذا صارف ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس)) فالسترة مستحبة، وتكون بالجدار، وتكون بمؤخرة الرحل، وتكون بالسهم، المقصود أنها تكون بشيء يعرف المار أن هذا يصلي، شيء شاخص.
وأما الخط ((فإن لم يجد فليخط خطاً)) هذا الحديث مثل به ابن الصلاح للمضطرب، فقد روي على نحو عشرة أوجه مختلفة، مثل به للمضطرب، وابن حجر -رحمه الله- رجح بعض الطرق على بعض، وانتفى عنه الاضطراب، وقال في البلوغ: ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حديث حسن، فعلى هذا تكون السترة بالخط، وفي حكم الخط طرف السجادة، عند من يقول بأن هذا يجزئ، وإلا فالحديث فيه كلام طويل لأهل العلم، والحكمة من السترة عند أهل العلم ليكف المصلي بصره عما وراءها، ينظر في موضع سجوده، وليمنع من أراد الاجتياز دونها، أما إذا لم يستتر فليس له أن يمنع.
((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس)) يعني ما تتصور أن الساتر بحيث لا يراه الناس، لا، ولو مؤخرة رحل، عنزة وإلا عصا، وإلا جدار وحائط قصير، أو أدنى شيء، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، أي أحد كائناً من كان ((فليدفعه)) يرده الأسهل فالأسهل، إذا كانت ترده الإشارة فليفعل، إذا كان لا يرده إلا الدفع باليد يفعل ((فإن أبى فليقاتله)) رفض، دفعه رجع، دفع رجع.. ((فليقاتله)) يعني ينتقل من الأسهل إلى الأشد، لكن هل يصل الأمر إلى أن يخرج المسدس من جيبه ويقتله؟ هذا ليس بقتل، ما قال: فليقتله، إنما قال: ((فليقاتله)) لتكون مدافعة بين الاثنين هذه هي المقاتلة ((فإنما هو شيطان)) هذه هي العلة، فإنما هو شيطان، لا شك أن الشخص الذي يصر على أن يؤثر في صلاة أخيه المسلم هذا شيطان، مثل هذا شيطان ليست له حرمة، منهم من يقول: ((فليقاتله)) هذا من باب المقاتلة، كما تقول: قاتل الله فلاناً، قاتل الله اليهود والنصارى يعني لعنهم، فليقاتله بالسب والشتم، هذا قول قيل به، لكنه قول ضعيف؛ لأن السب والشتم ينافي مقتضى الإقبال على الصلاة، بل هذا مبطل للصلاة، قاتل الله فلان يعني لعنه، أنت تشتم وأنت في الصلاة بعد، هذه مشكلة، هذا قيل به، وهو قول ضعيف، فكأن مثل هذا استبعد مسألة القتل، قال: شتمه ولعنه أسهل من قتله، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) وليس في هذا مستمسك لمن أراد أن يتقصد الناس يكون بينه وبينهم شيء يصلي في طريقهم إذا أراد أن يجتاز ومعه مسدس، لا، لا، ليس المراد به القتل، المقاتلة هي المفاعلة بين الاثنين، يكون فيه شيء من المدافعة، أما أن تصل إلى القتل فلا.
تأتي صيغة المفاعلة وهي من طرف واحد، لكن ليس هذا منها ((فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه)) يجب الدفع؛ لئلا يعرض صلاته لخلل، والمالكية عندهم تفاصيل وتفاريع، فعندهم أنه إذا صلى الشخص في طريق الناس والمار ليست له مندوحة عن هذا الطريق، ما في طريق إلا هذا، والمصلي قد استتر فبرئت عهدته، والمار ليست له مندوحة، إذا لا إثم عليه يمر ولا عليه شيء، وإذا كان للمار مندوحة والمصلي مستتر، فالإثم على المار، وإذا كان المار ليست له مندوحة ما له طريق ثاني، والمصلي لم يستتر فالإثم على المصلي دون المار، وإذا لم يستتر المصلي والمار له مندوحة فالإثم عليهما، لكن في هذا الحديث استتر فأراد أحد أن يجتازه، وسبب الحديث أن شاباً من بني أبي معيط أراد أن يجتاز بين أبي سعيد وسترته، فدفعه أبو سعيد فنظر الشاب فلم يجد مساغاً، ما وجد طريق إلا هذا، فدفعه أبو سعيد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) فقال أبو سعيد: "سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره))... إلى آخره، فالشاب لم يجد مساغاً، ليست له مندوحة، ومع ذلك دفعه أبو سعيد، فعليه أن ينتظر، وفي الحديث السابق: ((لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يدي المصلي)) ولو لم يكن له مندوحة، ينتظر يا أخي، لكن على المصلي أن يلاحظ صلاته، ويلاحظ المارين، ما يعرض صلاته للبطلان، بعض الناس إذا صف يصف في مكانه كأنه يقصد أن يمر الناس بين يديه، كأنه مختبئ بحيث لا يشعر به أحد، مختبئ من اليمين والشمال وإلا القدام مفتوح ما في ستره، صحيح هذا يفعله بعض الناس، تجد بعض الناس يصف بأي مكان، ما عليه من أحد، مثل هذا..، عليك أن تحتاط لصلاتك ((إذا صلى أحدكم فليستتر)) أقل الأحوال الاستحباب، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان، والمقاتلة المراد بها المدافعة.
نعم نأخذ الحديث الذي بعده.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: أقبلت راكباً على حمار أتان، وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد.
جاء في الحديث الصحيح أنه يقطع صلاة الرجل إذا مر بين يديه المرأة والحمار والكلب، وجاء في بعض الروايات تقييد بالأسود، وهنا في هذا الحديث حديث ابن عباس، قال: أقبلت راكباً على حمار أتان، لو قال: على أتان ما يكفي؟ هي أنثى الحمار، فالحمار يطلق على الجنس مثل الإنسان على الذكر والأنثى، والأتان خاص بالأنثى، ولذا لا يقال: أتانة "أقبلت راكباً على حمار أتان، وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام" النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي في منى في السنة العاشرة، وابن عباس ولد قبل الهجرة بثلاث، يعني عمره ثلاثة عشرة سنة، ما احتلم، ناهز الاحتلام "ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي" والحال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي "بالناس في منى إلى غير جدار" يقول ابن دقيق العيد: لا يلزم من عدم الجدار عدم السترة، وجاء التفسير في بعض روايات الحديث إلى غير جدار، يعني إلى غير سترة "فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع -ترعى- ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد" والعبرة بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، إلا أنه لو كان مما ينكر لبادر الصحابة بالإنكار عليه، كما بادروا بالإنكار على من بال في المسجد، ابن عباس يريد أن يستدل على أن مرور الأتان بين يدي المصلي لا تقطع صلاته، واستدل به بالحديث، وبحديث عائشة الآتي: أن الصلاة لا تقطع بمرور شيء، لا يقطع الحمار الصلاة، وحديث عائشة الآتي: المرأة لا تقطع الصلاة، فحملوا القطع على النقص من الأجر، لا البطلان، والمشهور عند الحنابلة أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم، وأخرجوا الحمار بحديث ابن عباس، وأخرجوا المرأة بحديث عائشة، والاستدلال إنما يتم لو مر الحمار بين يدي المصلي وسترته، وهو يصلي منفرد أو إمام، أما بالنسبة للمأموم فحكمه معروف، سترة الإمام سترة لمن خلفه، ومنهم من يقول: الإمام سترة لمن خلفه، فلو مر بين يدي الإمام بطلت صلاته، وتبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، فلا يتم الاستدلال بمثل هذا الحديث على عدم بطلان الصلاة بمرور الحمار؛ لأن الحمار ما مر بين يدي لا إمام ولا منفرد، والمأموم سترته إمامه، وجاء في بعض الأخبار أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، لكن مثل هذا..، ما جاء في هذا الحديث يحمل على هذه الحالة، فإذا مر بين يدي المأموم لا يؤثر، بخلاف ما إذا مر بين يدي الإمام أو المنفرد، ويبقى الحديث محفوظ ببطلان صلاة المصلي بمرور الحمار، ومثله المرأة على ما سيأتي، فصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف بالحمار، فكونه مر بين يدي بعض الصف ولم يمر بين يدي الإمام ولا المنفرد، لا يستدعي هذا أن يخرج الحمار من عموم ((يقطع صلاة الرجل))... الثلاث المذكورة، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما، والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح.
وهذا حديث: "عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما، والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح" المؤلف وهو من الحنابلة، من أئمتهم المعروفين، يريد ويقصد من إيراد حديث ابن عباس وحديث عائشة تخصيص الحديث ((فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود)) رواه الجماعة إلا البخاري، ولو كان الحديث على شرطه لأورده قبلهما، لكنه أورد مفردات مسلم، على كل حال هذا الحديث صحيح، القطع بمرور الثلاثة صحيح، والمؤلف يريد استثناء الحمار، وإخراجه من عموم الحديث، ويريد استثناء المرأة من شمول الحديث لها، وعرفنا ما في الحمار أنه لا يستثنى من الحديث إلا لو كان مروره بين مصلي وبين سترته، والإمام سترة لمن خلفه، ومنهم من يطلق سترة الإمام سترة من خلفه، فالمأموم لا يطلب له سترة، وعلى هذا للإنسان أن يمر بين يدي الصف، لا سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، أحياناً في الحرمين الشريفين يحتاج الإنسان إلى أن يمر بين يدي الصف، ولا أثر له في صلاة المأمومين، فلا يتم الاستدلال بالاستثناء إلا لو مر بين يدي منفرد أو إمام، وكذلك حديث: "عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني" طعن بأصبعه في رجلها "فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما" الحجرة ضيقة، لا تستوعب واحد يصلي وواحد نايم، وهنا نتصور عيشه -عليه الصلاة والسلام-، أفضل الخلق، وأشرف الخلق، في غرفة لا تستوعب نائماً ومصلياً "كنت أنام" وهذا يدل على أنه تكرر هذا، والصيغة للاستمرار "بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني" ويحتمل أن يكون بحائل، يعني مستترة، ويحتمل أن يكون بدون حائل، لكن من غير شهوة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يملك إربه "فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما" تحتاج إلى بسط الرجلين "والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح" هذا اعتذار منها؛ لأنه قد يقول قائل: لماذا ما تكف الرجل وتبسط من غير غمز؟ ما تدري هو راكع وإلا ساجد وإلا قائم وإلا..؟ لأنها ليس فيها مصابيح، ليس فيها إضاءة ولا كهرباء، ولا سرج، هكذا كانت الحياة، حياة الناس إلى وقت قريب، يعني إن شئت فقل: نصف قرن، أو أقل، ليس فيها مصابيح، فهذا الذي يجعلها تحوجه إلى غمز، لو كان فيها مصابيح كفت رجلها بمجرد ما يهوي إلى السجود، والحنابلة يستدلون بهذا على أن المرأة لا تقطع صلاة الرجل، لكن هل صنيع عائشة هذا مرور؟ وهل حكم القار هو حكم المار؟ لا، يختلف، يعني لو صلى إنسان إلى إنسان، جالس وصلى إلى شخص، لا بأس، لو اتخذ إنسان سترة، هذا ما هو بمرور ذا، والحكم معلق بالمرور، حكم القطع معلق بالمرور، وليس القار كالمار، فاستثناء عائشة واستثناء المرأة من عموم حديث: ((يقطع صلاة الرجل إذا مر بين يديه))... الثلاثة، لا يستقيم ولا يتم إلا لو مرت بجسمها كاملاً، عائشة تستنكر على من يروي الحديث، وتقول: "ساويتمونا بالحمر والكلاب" يعني هل الملحوظ في هذا استواء الرتبة بين النساء والحمر والكلاب؟ أو الملحوظ أن المرأة وافتتان الرجل بها، ومرورها بين يديه أشد من الحمار والكلب؟ لأنه قد يسمع بعض الناس المفتونين مثل هذا الكلام ويقولون: وين حقوق الإنسان؟ وين...؟ سووا امرأة بكلب وحمار؟! لا، لا، المسألة الملاحظ فيها المصلي، وحفظ صلاته عن كل ما يشغله، أعظم ما يشغل الرجال النساء، فلو قيل: إن المرأة في هذا الباب أشد من الكلب، وأشد من الحمار، هل يعني أنها أخس من الكلب والحمار؟ لا، ليس هذا، وإنما هي تفتن الرجل أكثر من الكلب والحمار، يعني هذه الدلالة دلالة اقتران، هل هي تدل على الاشتباه بالحكم من كل وجه؟ أولاً: دلالة الاقتران ضعيفة عند أهل العلم، وضعفها عند جماهير أهل العلم معروف، الأمر الثاني: أن وجه الشبه بين الثلاثة شغل القلب، القلب ينشغل بمرور هذه الأمور، وإن لم تكن المرأة أشد فليست بأقل، وليس قرنها مع الكلب والحمار لخستها مثل الكلب والحمار، لا، المقصود أن ما قالته عائشة -رضي الله عنها- مرده إلى اجتهادها، مما يدل على أنها لم تسمع الحديث من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإلا لو سمعته منه -عليه الصلاة والسلام- ما كان لها خيرة في الأمر أبداً، وليس لها أن تناقش أو تجادل، نعم يوجد من يناقش ويجادل في الأحاديث الصحيحة الصريحة، لكن هؤلاء قوم من المفتونين، أما من كان هواه تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، من رضي الله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، لا يمكن أن يناقش إذا صح الخبر {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [(36) سورة الأحزاب] ما لأحد كلام، وفتح باب النقاش والحوار بالمسائل الشرعية حقيقة مؤذن بخطر عظيم، إذا صح الخبر انتهى الإشكال، ما لأحد كلام، الإنسان معبد مذلل لله -جل وعلا-، ليس له أن يناقش، الله المستعان، فيبقى الحديث: ((يقطع صلاة الرجل إذا مر بين يديه الحمار والمرأة والكلب)) محفوظ، فمرور هذه الأمور بين يدي المصلي مبطل لصلاته، والجمهور يحملون البطلان على نقص الأجر، لا على أنها لا تجزئ ولا تصح، لا، والحنابلة معروف مذهبهم أنه لا يبطل الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم، وأخرجوا الحمار بحديث ابن عباس، والمرأة بحديث عائشة، وعرفنا ما في ذلك، حديث: ((إذا صلى أحدكم)) يشمل كل مصلي، نعم؟
طالب:.......
لا، إذا قلنا: إن المرأة داخلة في مثل هذا يكون الذي يقطع صلاتها الرجل، باعتبار أنه هو الذي يشغل قلبها، وإذا كانت العلة منصوصة، وأنها شغل القلب، لو كانت منصوصة في حديث من الأحاديث قلنا: إن الحديث يدور معها، لو وجد شخص لا حاجة له بالنساء ألبتة، ومرور رجل أو امرأة أو طفل، لا فرق، بعض الناس تمر من عنده المرأة الفاتنة في كامل زينتها كما لو كانت محمولة على الأعناق، جنازة، بعض الناس هكذا، هل نقول: إن مثل هذا لا تبطل صلاته، لا؛ لأن العلة ليست منصوصة، إذا نصت العلة دار الحكم معها، وإذا استنبطت لا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"لا شك أنه تقويه بكثرة الطرق معروف، التقوية بكثرة الطرق معروفة، ولذا يحكم الترمذي على حديث بأنه حسن صحيح، لو نظرت إلى سنده وجدت فيه ضعف، لكن إنما صححه لما يشهد له في الباب، يقول: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، فهو يقوي حديث الباب بهذه الشواهد، فالعمل معروف عندهم، التقوية بالطرق، لكن التسمية ما يلزم، المصطلحات منها ما هو موجود، ومنها ما هو حادث، والاصطلاح إذا لم يخالف أمراً متقرراً في علم من العلوم مقرر عند أهله، إذا لم يخالف ما عليه الناس فلا مشاحة في الاصطلاح، وهذه يطلقها أهل العلم، وهي مقبولة إلى حد ما إذا لم تتضمن مخالفة لما عليه الناس، فلو قال شخص لنفسه: أنا أصطلح لنفسي "السماء تحت، والأرض فوق" نقول: لا يا أخي، هذا يخالف ما عليه الناس، ويخالف ما عليه سائر العقلاء، لكن لو قال: أنا في الخارطة، في الخريطة يعني في الرسم، الناس يجعلون الشمال فوق، أنا بحط الجنوب فوق، يقلب الخريطة، هذا ما فيه شيء، هذا لا يتضمن مخالفة، ولا يترتب عليه مخالفة لما عليه الناس، ابن حوقل في صورة الأرض جعل الجنوب فوق، ما يضر هذا، لو قال: أنا أؤلف في الفرائض وأسمي أخ الأب خالاً، وأخ الأم عماً، قلنا: لا يا أخي أنت تخالف، وهذا يترتب عليه حكم شرعي، هذا فيه مخالفة، تشاحح في اصطلاحك، لكن لو قال: أسمي والد الزوجة الذي يسمونه الناس خالاً أنا اسميه عم، قلنا: لا مشاحة في الاصطلاح، ما يخالف؛ لأنه ما يترتب عليه حكم شرعي، كونه عم أو خال أمره سهل، فهذه ينبغي أن يتنبه لها، فالاصطلاحات التي لا تتضمن مخالفة مقبولة عند أهل العلم، ولا مشاحة فيها.
النبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على صيام عاشوراء، ولم يثبت عنه أنه داوم على الصلاة بالنعل، بل صلى حافياً ومنتعلاً.
يتورك بعد الثانية له التي هي الثالثة بالنسبة للإمام.
يقبض يده اليسرى باليمنى، ويضعهما على صدره.
لكن إلى الله المشتكى، والمشايخ جزاهم الله خير أدوا بعض الواجب، هناك مكاتبات وهناك مناصحات، نسأل الله -جل وعلا- أن تجد آذاناً صاغية من المسئولين؛ لتكف هؤلاء السفهاء.
جاء الأمر به، وجاء تركه، فمن أهل العلم من يرى أن الترك نسخ، ومنهم من يقول: إنه صرف للنهي، أو للأمر من الوجوب إلى الاستحباب.
نعم افتراش.
ما أدري إذا كان القصد السبب الحجم هذه مشكلة؛ لأن مسألة الحجم سهل بالنسبة للفائدة العظمى المرجوة من هذه الطبعة التي هي أفضل الطبعات.
جوامع الأخبار هذا هو للشيخ ابن سعدي، يشتمل على تسعة وتسعين حديثاً من الأحاديث الجامعة، وشرحه الشيخ نفسه في كتاب مشهور أسماه (بهجة قلوب الأبرار).
إذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما أو جمع من طرقه ما يصحح به، فالقدر الزائد زيادة خير -إن شاء الله-، لكن ليس بلازم، يجمع من طرقه ما يصح بها، فإذا وصل إلى درجة الصحة فإن عورض يجمع من الطرق ما يرجح به على معارضه، وإلا فلا يلزم أن يُخرج الحديث من عشرة مصادر، عشرين مصدر، عشرين طريق، ما يلزم، إذا صح انتهى الإشكال.
لا كلما أكثر البحث كلما بانت له أطراف المسألة وخفاياها، فعليه أن يستقرئ الكتب سواء كانت من كتب الفقه، أو شروح الأحاديث، أو التفاسير التي تعنى بالأحكام.
لا يوجد طبعة سليمة، لكن كل هذه الطبعات مفرعة عن الطبعة الهندية، في أربعة مجلدات كبار، هي الأصل لكل هذه الطبعات.
الخلل موجود، والتقصير حاصل، وعلى كافة المستويات، لكن نسأل الله -جل وعلا- أن يلطف بنا، وكل شخص مسئول عن نفسه، وإذا كانت الرجعة إلى الله -جل وعلا- مطلوبة، والتوبة واجبة في كل زمان ومكان فلئن تكون في هذا الوقت الذي كشرت فيه الفتن عن أنيابها أوجب وآكد، فلا بد من الرجوع إلى الله -سبحانه وتعالى-، والرجوع يبدأ من الأفراد، إذا أصلح كل إنسان نفسه ومن تحت يده صلحت الأمة -إن شاء الله تعالى-.
التدليس له أغراض، فالأغراض الحاملة عليه مختلفة من شخص إلى شخص، منهم من يدلس للتفنن، ومنهم من يدلس للاختبار والامتحان، ومنهم يدلس لتغطية أمر الراوي، إلى غير ذلك.
من يقصد بهذا؟ يقصد بها جميع من جاء إلى المسجد، أو يقصد من أخل بصلاته؟ هو بعد ما صلى، ما بعد دخل المسجد، لا هذا لا يصلح توزيعه، هناك من الأحاديث والعبارات ما هو أنفع من هذا، إنما هذا خطاب يتجه لمن أخل بصلاته.
لا التدليس في الأصل غش.
اليمين هو الأفضل، فإذا ظهرت الزيادة في يمين الصف ترجح القرب منه، من الإمام، لا سيما في صلاة الصبح، لكي يستمع لقراءة الإمام، ويتدبر ما يقوله الإمام؛ لأن هذه الصلاة مشهودة، ابن القيم -رحمه الله تعالى- أطال في تقرير هذا في شرح حال المقربين، من طريق الهجرتين، فليرجع إليه، كلام في غاية النفاسة، وجاء في الخبر عند ابن ماجه لكنه ضعيف ((من عمر شمال الصف كان له كفلان من الأجر)).
إذا قام من الجلسة إلى القيام.
إيش معنى الموافقة؟ وإيش معنى المخالفة؟ إذا تضمن مخالفة لا يحتج به.
الطالب:.......
يعني حديث تفرد به، وهو لا يحتمل تفرده، ووجد ما يشهد له، هو ما تفرد، الصدوق الآن يحسنون حديثه، يكون حسن لذاته، لكن يبقى أن الحديث إذا تفرد به من لا يحتمل تفرده يحكم عليه أهل العلم بالنكارة، لكن إن وافقه مثله عرف أن له أصل، لو جاءت كلها غير شديدة الضعف تدل على أن له أصلاً -إن شاء الله-.
على كل حال هذه مفاضلة بين سنن، فإذا خشي أن تفوت الصلاة على الجنازة، فالأمر الذي يفوت عند أهل العلم مقدم على ما في وقته سعة، فإن أتمها خفيفة، وأدرك صلاة الجنازة فهو أفضل، وإن لم يستطع ذلك قطعها ثم كبر، صلى على الجنازة، ثم أتى بالراتبة صنع خيراً -إن شاء الله-.