تعليق على تفسير سورة آل عمران (05)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران:23-25].
يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، الْمُتَمَسِّكِينَ فِيمَا يَزْعُمُونَ بِكِتَابَيْهِمُ اللَّذين بِأَيْدِيهِمْ، وَهُمَا: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، وَإِذَا دُعُوا إِلَى التَّحَاكُمِ إِلَى مَا فِيهِمَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ فِيهِمَا، مِنَ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تولَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْهُمَا، وَهَذَا فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنْ ذَمِّهِمْ، وَالتَّنْوِيهِ بِذِكْرِهِمْ بِالْمُخَالَفَةِ وَالْعِنَادِ.
ثُمَّ قَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [آل عمران:24] أَيْ: إِنَّمَا حَمَلَهُمْ وجَرّأهم عَلَى مُخَالَفَةِ الْحَقِّ افْتِرَاؤُهُمْ عَلَى اللَّهِ فِيمَا ادَّعَوْهُ لِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، عَنْ كُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ فِي الدُّنْيَا يَوْمًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
ثُمَّ قَالَ تعالى: {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمران:24] أَيْ: ثَبَّتهم عَلَى دِينِهِمُ الْبَاطِلِ مَا خَدَعُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ مِنْ زَعْمِهِمْ أَنَّ النَّارَ لَا تَمَسُّهُمْ بِذُنُوبِهِمْ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ، وَهُمُ الَّذِينَ افْتَرَوْا هَذَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ وَافْتَعَلُوهُ، وَلَمْ يُنَزِّلِ اللَّهُ بِهِ سُلْطَانًا، ثم قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَهَدِّدًا لَهُمْ وَمُتَوَعِّدًا: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران:25] أَيْ: كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُمْ وَقَدِ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُ وَالْعُلَمَاءَ مِنْ قَوْمِهِمْ، الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاللَّهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَمُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهِ، وَمُجَازِيهِمْ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران:25] لَا شَكَّ فِي وُقُوعِهِ وَكَوْنِهِ {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران:25]".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
ففي قول الله –جلَّ وعلا-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} [آل عمران:23] وهم اليهود والنصارى أنزل الله على موسى وعيسى، على موسى التوراة، وعلى عيسى الإنجيل –عليهما السلام- فبلَّغوهم، لكنهم ما حملوا ما أُمِروا بحمله، بل حرَّفوه وزادوا ونقصوا، وكذبوهما فيما أمروهم بالإيمان به، ومن اتباع محمدٍ –صلى الله عليه وسلم-، فعصوهم في ذلك.
{أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} [آل عمران:23] يعرفون أن حكم الله قاضٍ عليهم، ولكنهم يطلبون التحاكم إلى غيره كمثل المنافقين في هذه الأمة.
{ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [آل عمران:23]؛ لأنهم يعلمون أن هذا الفريق الذي سوف يُحكَم عليه، وهو مدعٍ دعوة باطلة، ويؤمر إلى التحاكم إلى الله وإلى كتابه، هذا المدعي الباطل هو كاتم للحق، هذا يعرف أنه سوف يُقضى عليه، ثم هذا الصنف يتولى، وهكذا الشأن في مسائل القضاء، قسم محكومٌ له، والقسم الثاني محكومٌ عليه؛ ولذا يقول: ابن الوردي في لاميته:
إنّ نصْفَ النَاسِ أعْداءٌ لمنْ |
|
ولـيَ القضاء هذا إن عَدَلْ |
نصفهم يعني النصف المحكوم عليه، ولا شك أن هذا وجوده في أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- ليس كثيرًا؛ لأن هذا من عظائم الأمور {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، لا بُد من هذا كله، لا بُد من التحاكم إلى شرع الله، ثم الرضا به والتسليم.
هؤلاء {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [آل عمران:23] ما الذي حملهم على ذلك؟ زعمهم ودعواهم أنهم لن يُعذَّبوا إلا أيامًا معدودة وقدَّروها بسبعة أيام، قالوا: عن كل ألف سنة يومًا، وهذا فرية من تلقاء أنفسهم، ودعوة من عندهم لم يُنزِّل الله به سلطانًا.
ويُوجد في أخبارهم ما يدل على أن الدنيا سبعة آلاف سنة، وقالوا: نُعذَّب سبعة أيام عن كل ألف سنة يومًا، وهذا كله لا دليل عليه، وكثيرٌ من المؤرخين المسلمين بنوا على هذا، وأن الدنيا سبعة آلاف سنة، ولكن لم يرد به نص صحيح ملزم من كتابٍ ولا سُنَّة، وإن تلقاه الناس أو المؤرخون عن بعض أهل الكتاب، وسلَّموا به، وبنوا عليه ما بنوا، فبمقدمات التواريخ يذكرون هذا، وأن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، ولا شك أن هذا لا دليل عليه.
هؤلاء اليهود والنصارى بنوا على ذلك أنهم سوف يُعذَّبون عن كل ألف سنة يومًا، لكن ما دليلهم على ذلك؟ حتى على التسليم بأن الدنيا سبعة آلاف سنة ما دليلهم أنهم يُعذَّبون؟ لزعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ما يمكن أن يمكثوا مُددًا متطاولة وهم أبناؤه وأحباؤه.
الأمر مع التسليم بذلك كله يجلس الواحد منهم في النار نار الدنيا التي هي جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم، يجلس يومًا واحدًا ويرى، هو رضي أن يُعذَّب سبعة أيام! اجعلوه يجلس ساعة واحدة.
{ذَلِكَ} [آل عمران:24] العلة {بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [آل عمران:24] وجاء في بعض الآثار أنهم زعموا أنهم يُعذَّبون أربعين يومًا بقدر عبادتهم العجل.
وعلى كل حال سواءٌ كان هذا أو ذاك فالنار لا مصبر عليها ولا ساعة واحدة، مما يدل على أنه مجرد استهلاك كلام، حتى السبعة الأيام لن يُطيقوها ولا السبع ساعات ولا سبع دقائق.
{وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمران:24] ما الذي حملهم على ذلك افتراؤهم هذه الفِرى التي منها زعمهم هذا الباطل؟
{فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران:25] لا شك فيه ماذا يكون جوابهم عن فريتهم إذا سُئلوا عنها في يومٍ لا ريب فيه، ثم يجيء الحساب وتُوفى كل ما نفسٍ ما كسبت وهم لا يُظلمون.
الله –جلَّ وعلا- لا يظلم مثقال ذرة، والله المستعان.
طالب: ..............
لا، هو على حسب معرفة القاضي، وأنه أهلٌ للحكم وأهلٌ للاجتهاد فهذا يجب التسليم له، لكن بعضهم يقول: مع كثرة القضاة وتيسير السُّبل للاعتراضات؛ لأنه يُعطى لوائح تأتيه يعترض فيها، هذا هو الذي يسَّر هذه الاعتراضات، ووجود من هم أقل من المستوى المطلوب للقضاء سهَّل هذا في نفوس الناس، وإلا فالاعتراض أمره عظيم، وشأنه كبير.
ومنهم من يقول: إن الوعيد في الآية خاصٌّ بالاعتراض على حكمه -عليه الصلاة والسلام- {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:65]، الذي من لازمه الإصابة لا يجوز الاعتراض عليه؛ لأنه حكم الله.
أما أحكام القضاة على مدار العصور ففيهم الذي تكثر إصابته وهو الأصل، وفيهم من يكثر فيه الخطأ؛ ولهذا يُوجد الاعتراض من بعض الناس.
وعلى كل حال لا تثبت قنطرة الإسلام أو قدم الإسلام إلا على قنطرة التسليم، هذا قاضٍ ولاه ولي الأمر على هذا المرفق العظيم، وأنت ما عليك إلا هذه المقدمات التي تُقدَّم للقاضي، فيحكم على ضوئها، ففي الغالب الإصابة، لكن بعض الناس يُدرك بعض الخصوم يُدرك بقدر ما آتاه الله من علم وفَهم يُدرك أن القاضي قد يكون فاهمًا خطأً منه أو من خصمه، فيُراجعه وإن لم يمتثل اعترض عليه.
والإشكال في هذا كله أن أمور الاعتراض مشرَّعة من قِبل الجهات.
ماذا يقول الشيخ؟
طالب: ................
ماذا قلت؟
طالب: ...............
ما عندك شيء؟
طالب: في التسليم؟
نعم.
طالب: هو يعترض على إجراء القاضي لا على حكم الشريعة.
يقول: قد يكون اعتراض المعترض على الإجراء الذي اتخذه القاضي، ولا شك أن القاضي ليس بمعصوم، ولكن الأصل هو التسليم.
لو حكم القاضي بحكمٍ مبني على مقدمات شرعية وأخطأ في النتيجة، وهذا الخصم عنده شيءٌ من العلم الذي يُدرك به مثل هذا الخطأ، واعترض عليه يمكن أن يُلام؟ لا ما يُلام.
طالب: ..............
لا، هو ما يعترض على هذه الأمور المقررة في الشرع.
طالب: ..............
أو يُبرئ القاتل؛ لعدم اكتمال الدلائل، وأولياء المقتول يكون في أنفسهم شيء من هذا، معروف أن المسألة، أقول: النفوس مبنية على الشُّح، كل شيءٍ من جهته يُريد فيه الكمال، الآن لو فيه أدنى الأمور حصل حادث سيارة تصادم سيارتين، وجاء والد أحد المتصادمين يُريد أن يدفع عن ولده بقدر الإمكان ولو بغير حق، هذا كثير في الناس، والله المستعان.
نعم.
"{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:26-27].
يَقُولُ تبارك وتَعَالَى: {قُلْ} [آل عمران:26] يَا مُحَمَّدُ، مُعَظِّمًا لِرَبِّكَ وَمُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ، وَشَاكِرًا لَهُ وَمُفَوِّضًا إِلَيْهِ: {اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران:26] أَيْ: لَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ، {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران:26] أَيْ: أَنْتَ الْمُعْطِي، وَأَنْتَ الْمَانِعُ، وَأَنْتَ الَّذِي مَا شِئْتَ كَانَ وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ".
مثل هذا لو جاء سائل إلى غني فأعطاه، ثم جاء آخر بنفس الحاجة ونفس الأدلة الدالة على الحاجة فمنعه، لا شك أن الثاني سوف يجد في نفسه شيئًا، وقد تقدما إلى هذا الغني في وقتٍ واحد وبكتاباتٍ متماثلة وبشهودٍ عدول أن هذا مدينٌ بمبلغ، وهذا مدينٌ بمبلغ كذا، والأموال متوافرة عند هذا الغني أعطى هذا وقال للثاني: ما عندي لك شيء، لا شك أن الثاني سوف يجد في نفسه شيئًا، ولكن إذا عرف أن المعطي هو الله، والمانع هو الله –جلَّ وعلا-، وأن مالك المال، المال في أصله مال الله ليس لهذا الغني ولا لذاك مال، لهذا مجرد أنه أعطى فهذا هو أُمِر أن يعطي وأُمِر بأن لا يُعطي هذا، لكن إذا كانت الظروف واحدة، والعلامات والقرائن واحدة، وقوة الحاجة واحدة عند الاثنين فالأصل ألا يُفرِّق بينهم، لكن إذا حصل نرجع إلى الأصل العام وهو أن المعطي هو الله، والمانع هو الله -جلَّ وعلا-.
"وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَنْبِيهٌ وَإِرْشَادٌ إِلَى شُكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذِهِ الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تعالى حَوَّلَ النُّبُوَّةَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْقُرَشِيِّ الْأُمِّيِّ الْمَكِّيِّ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَرَسُولِ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، الَّذِي جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ مَحَاسِنَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَخَصَّهُ بِخَصَائِصَ لَمْ يُعْطهَا نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا رَسُولًا مِنَ الرُّسُلِ، فِي الْعِلْمِ بِاللَّهِ وَشَرِيعَتِهِ وَإطْلَاعِهِ عَلَى الْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ".
"وَإطْلَاعِهِ" الله الذي أطلعه على ذلك، أطلعه على ما أطلعه عليه منها، وبقي أشياء لا يعلمها النبي عليه الصلاة والسلام، {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65]، نعم.
"وَإطْلَاعِهِ عَلَى الْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ وَكَشْفِهِ له عَنْ حَقَائِقِ الْآخِرَةِ وَنَشْرِ أُمَّتِهِ فِي الْآفَاقِ، فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَإِظْهَارِ دِينِهِ وَشَرْعِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، وَالشَّرَائِعِ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [آل عمران:26] أَيْ: أَنْتَ الْمُتَصَرِّفُ فِي خَلْقِكَ، الْفَعَّالُ لِمَا تُرِيدُ، كَمَا رَدَّ َتَعَالَى عَلَى مَنْ يحكم عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ، حَيْثُ قَالَ: {وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزُّخْرُفِ:31].
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَدًّا عليهم: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزُّخْرُفِ:32] أَيْ: نَحْنُ نَتَصَرَّفُ فِي ما خَلْقِنَا كَمَا نُرِيدُ، بِلَا مُمَانِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ، وَلَنَا الْحِكْمَةُ وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ، وَهَكَذَا يُعْطِي النُّبُوَّةَ لِمَنْ يُرِيدُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الْأَنْعَامِ:124]، وَقَالَ تَعَالَى: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا} [الْإِسْرَاءِ:21]".
{وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزُّخْرُفِ:31] هؤلاء المتكبرون الذين لما بُعِث فيهم النبي –عليه الصلاة والسلام- وهو قد نشأ يتيمًا في كفالة جدِّه، ثم في كفالة عمِّه، واليتيم في الغالب عند الناس لا سند له ولا ظهر، فهو ضعيف، وهم يُريدون هذا الأمر الذي فيه نوع رئاسة، وفيه نوع سُلطة يقيسونه على مُلك الدنيا، لا بُد أن ينزل الأمر على رجلٍ عظيم، ولا يُناسب هذا اليتيم، وإنما قالوا ذلك تكبرًا وعنادًا.
فالرجل العظيم من الطائف اسمه عروة بن مسعود الثقفي، أو مكة من هو؟ المقصود أن هذا هو الدافع، في الظاهر يُريدون رجلًا عظيمًا، ما يُريدون هذا الرجل اليتيم الذي يقودهم وينزل عليه الوحي من بينهم، فيُريدون هذا العظيم الذي يُمكن أن يُذعنوا له، والحامل على ذلك هو الكِبر والجبروت، فهُم يُريدون رجلًا عظيمًا يقودهم، ما يُريدون هذا اليتيم، اقترحوا فردَّ الله عليهم: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزُّخْرُفِ:32]، الله –جلَّ وعلا- هو القاسم وهو المعطي وهو المانع، كما تقدم.
وأعظم ما يُقسَم هو –بالنسبة للبشر- الرسالة والنبوة {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ} [الزخرف:32] معيشتك التي أنت لك يدٌ في جمعها وفي إنفاقها وتصريفها، القاسم والمعطي والمانع هو الله -جلَّ وعلا- لا تستطيع أن تفعل شيئًا بنفسك لذاتك خارجًا عن إرادة الله –جلَّ وعلا- ومشيئته- فكل شيءٍ بقضاء الله وقدره.
طالب: ...............
لا، هو خُيِّر بين الملك والنبوة؛ فاختار النبوة.
طالب: هنا كما رد تعالى على من يحكم عليه أو من تحكَّم؟
لا، هو من حكم عليه، يعني يقترح عليه.
طالب: على من يحكم عليه تمشي؟
طالب: ...............
نعم.
طالب: كَمَا رَدَّ َتَعَالَى عَلَى... في نسخة يتحكَّم.
على هذا إن كان كذا فهي....
طالب: من تحكَّم عليه.
نعم، هم ثلاثة يتحكَّم كأنها أوضح، والمراد به الاقتراح هم يقترحون؛ لأن الصيغة {لَوْلا} [الزُّخْرُفِ:31] لمجرد الحض.
"وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "إِسْحَاقَ بْنِ أَحْمَدَ" مِنْ تَارِيخِهِ عَنِ الْمَأْمُونِ الْخَلِيفَةِ: أَنَّهُ رَأَى فِي قَصْرٍ بِبِلَادِ الرُّومِ مَكْتُوبًا بِالْحِمْيَرِيَّةِ، فَعُرِّبَ لَهُ، فَإِذَا هُوَ: بِاسْمِ اللَّهِ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا دَارَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ فِي الْفَلَكِ إِلَّا بِنَقْلِ النَّعِيمِ عَنْ مَلِك قَدْ زَالَ سُلْطَانُهُ إِلَى مَلِكٍ. ومُلْكُ ذِي الْعَرْشِ دَائِمٌ أَبَدًا لَيْسَ بِفَانٍ وَلَا بِمُشْتَرِكٍ".
لكن هذا شعر أم نثر؟
طالب: ...............
هل مكتوب بصيغة الشعر أم مجموعة؟
طالب: بصيغة الشِّعر.
هذا مكتوب بسطرين، بسطرين لكن ليس بينهما فاصل، "هُوَ: بِاسْمِ اللَّهِ مَا" في آخر السطر "اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا دَارَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ فِي الْفَلَكِ إِلَّا بِنَقْلِ النَّعِيمِ عَنْ مَلِك قَدْ زَالَ" انتهى السطر "سُلْطَانُهُ إِلَى مَلِكٍ" جاء على أنه نثر، كُتِب بناءً على أنه نثر.
طالب: ...............
والله إذا بقي وزنه يصير شِعرًا، أما إذا اختل وزنه فما صار شِعرًا.
"وَقَوْلُهُ تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [آل عمران:27] أَيْ: تَأْخُذُ مِنْ طُولِ هَذَا فَتَزِيدُهُ فِي قِصَرِ هَذَا فَيَعْتَدِلَانِ، ثُمَّ تَأْخُذُ مِنْ هَذَا فِي هَذَا فَيَتَفَاوَتَانِ، ثُمَّ يَعْتَدِلَانِ. وَهَكَذَا فِي فُصُولِ السَّنَةِ: رَبِيعًا وَصَيْفًا وَخَرِيفًا وَشِتَاءً.
وَقَوْلُهُ: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران:27] أَيْ: تُخْرِجُ الحبَّة مِنَ الزَّرْعِ وَالزَّرْعَ مِنَ الْحَبَّةِ، وَالنَّخْلَةَ مِنَ النَّوَاةِ وَالنَّوَاةَ مِنَ النَّخْلَةِ، وَالْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ، وَالدَّجَاجَةَ مِنَ الْبَيْضَةِ وَالْبَيْضَةَ مِنَ الدَّجَاجَةِ، وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:27] أَيْ: تُعْطِي مَنْ شِئْتَ مِنَ الْمَالِ مَا لَا يَعده وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إِحْصَائِهِ، وَتَقْتُرُ عَلَى آخَرِينَ؛ لِمَا لك فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَالْعَدْلِ.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَّابِيُّ، قال: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ جسْر بْنِ فَرْقَد، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَمْرو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اسْم اللهِ الأعْظَمَ الَّذي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، فِي هَذِهِ الآيةِ مِنْ آلِ عِمْرانَ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26]»".
هذا الخبر كما في التخريج ضعيفٌ جدًّا جعفر بن جسر له مناكير، وأبوه ضعيف، وكلاهما في السند؛ فالخبر لا يثبت.
"{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران:28].
نَهَى اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُوَالُوا الْكَافِرِينَ، وَأَنْ يَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ يُسِرُّون إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ تَوَعَّدَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران:28] أَيْ: مَنْ يَرْتَكِبُ نَهْيَ اللَّهِ فِي هَذَا فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ كَمَا قَالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النِّسَاءِ:144]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الْمَائِدَةِ:51]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الْمُمْتَحِنَةِ:1]، إِلَى أَنْ قَالَ: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الْمُمْتَحِنَةِ:1]".
فيه تقديم وتأخير في الآيات، لكن ما يضر.
"وَقَالَ تَعَالَى -بَعْدَ ذِكْرِ مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالْأَعْرَابِ-: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الْأَنْفَالِ:73].
وَقَوْلُهُ: {إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران:28] أَيْ: إِلَّا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات مِنْ شَرِّهِمْ، فَلَهُ أَنْ يُتَّقِيَهُمْ بِظَاهِرِهِ لَا بِبَاطِنِهِ وَنِيَّتِهِ".
عندنا "يَتَّقِيَهُمْ" المتاقاة مفاعلة بين اثنين هم يخافون منه وهو يخاف منهم، أما إذا كانت المصانعة والمدارة من جهةٍ واحدة فالمعنى الذي عندنا أصح "أن يَتَّقِيَهُمْ بِظَاهِرِهِ" إلا إذا كان عنده من القوة ما يخافون بها من شرِّه وقوته وغلبته، فهو يخاف منهم ويخافون منه يُتاقيهم، وإلا إذا كان هذا الخوف من طرفٍ واحد فإنه يَتقيهم، ويكون هذا في الظاهر في الكلام لا في الأفعال.
وجاء في صحيح البخاري: باب المدارة، وذكر فيه حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- لما طُرِق عليه الباب، فقال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ»، فلما أُذِن له، ودخل ألان له الكلام، وانبسط معه؛ اتقاءً لشرِّه، قالت له عائشة ما قالت، فقال: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ»، فهذه مداراة، بخلاف المداهنة التي يُتَنازل فيها عن بعض الحق من أجل فلان أو علان.
"كَمَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّا لَنَكْشرُ فِي وُجُوهِ أقْوَامٍ وَقُلُوبُنَا تَلْعَنُهُمْ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ التَّقِيَّةُ بِالْعَمَلِ إِنَّمَا التُّقِيَّةُ بِاللِّسَانِ".
يضبطونها بــ"التَّقِيَّةُ".
طالب: ..............
لا، هي نُكشِّر يعني: نضحك في وجوههم.
طالب: التَّقية أصح؟
نعم.
طالب: ..............
نعم المجاملة، لكن المداهنة هو التنازل عن الحق من أجل العيش مع فلان أو فلان أو على ما يُسمى بالتعايش، التعايش بمعنى أنك لا تعتدي عليهم، ولا تبخسهم حقوقهم، أما أن تتنازل عن شيءٍ مما أوجب الله عليك أو ترتكب شيئًا مما حرَّمه عليك من أجلهم فلا، هذه مداهنة، والله –جلَّ وعلا- يقول: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9]، وهذه محرَّمة.
طالب: .............
{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [الْمَائِدَةِ:51] من عظائم الأمور.
طالب: .............
هذا على حسب ما يقر في القلب وما يحمل عليه، وحسب ما بلغه من علم أو قد يُعذر بجهله وما أشبه ذلك، الأمور يحتفها ما يحتفها وإلا هذا الأصل في الحكم.
طالب: .............
لكن لا غيبة لفاسق، لا غيبة لفاسق لاسيما المجاهر بفسقِه المُعلِن به، فمثل هذا لا يستحق أن يُحتَرم عِرضه، مثل هذا هو الذي امتهن عِرضه.
طالب: .............
المقصود أنه ذكر العلة –عليه الصلاة والسلام- أنه ممن يُخشى شره.
طالب: .............
مثل هذا ليس بجهل.
"وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ التَّقِيَّةُ بِالْعَمَلِ إِنَّمَا التَّقِيَّةُ بِاللِّسَانِ، وَكَذَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا التَّقِيَّةُ بِاللِّسَانِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَالضَّحَّاكُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَيُؤَيِّدُ مَا قَالُوهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106].
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ الْحَسَنُ: التَّقِيَّةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:28] أَيْ: يُحَذِّرُكُمْ نِقْمَتَهُ، أَيْ مُخَالَفَتَهُ وَسَطْوَتَهُ فِي عَذَابِهِ لِمَنْ وَالَى أَعْدَاءَهُ وَعَادَى أَوْلِيَاءَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران:28] أَيْ: إِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمُنْقَلَبُ، فَيُجَازِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ قال: قام فينا معاذ بن جَبَلٍ، فَقَالَ: يَا بَنِي أَوْدٍ، إِنِّي رَسُولُ الله".
رسول رسول الله.
"إني رسول رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَعَادَ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ إِلَى النَّار".
طالب: .............
أن المعاد وإما.
قوله تعالى: "{قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:29-30].
يُخْبِرُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عِبَادَهُ أَنَّهُ يَعْلَمُ السَّرَائِرَ وَالضَّمَائِرَ وَالظَّوَاهِرَ، وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، بَلْ علمه محيطٌ بهم في سائر الأحوال والآنات واللحظات وجميع الأوقات، وجميع ما في وَالْأَرْضِ السموات".
"في سائر الأحوال والأزمان والأيام واللحظات وجميع الأوقات" هذه نسخة، وفي بعضها "والآنات" جمع آن وهو: الوقت والحين.
"وجميع ما في الْأَرْضِ وَالسموات لَا يَغِيبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ، وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَالْبِحَارِ وَالْجِبَالِ، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:29] أَيْ: وقُدْرَتُهُ نَافِذَةٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
وَهَذَا تَنْبِيهٌ مِنْهُ لِعِبَادِهِ عَلَى خَوْفِهِ وَخَشْيَتِهِ؛ لئلا يَرْتَكِبُوا مَا نَهَى عَنْهُ وَمَا يَبْغضه مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ أُمُورِهِمْ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مُعَاجَلَتِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ".
إذا كان علمه محيطًا بما دون السِّر وما هو أخفى من السِّر، فكيف بمن هو أوضح من ذلك وأكثر علانية؟! السِّر الذي لا يعلمه أحد من المخلوقين، ما دون هذا السِّر، يعني إذا تكلمت في نفسك المخلوق ما يدري عنه والله يعلمه، وإذا أكننته في نفسك ولم تتكلم به فالله يعلمه، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، فعلمه محيطٌ بكل شيء.
"وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مُعَاجَلَتِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ وإنْ أَنْظَرَ مَنْ أَنْظَرَ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ يُمْهِلُ ثُمَّ يَأْخُذُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ هَذَا: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران:30]، يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْضُرُ لِلْعَبْدِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ مِنْ خَيْرٍ وَمن شَرٍّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [الْقِيَامَةِ:13] فَمَا رَأَى مِنْ أَعْمَالِهِ حَسَنًا سَرَّهُ ذَلِكَ وَأَفْرَحَهُ، وَمَا رَأَى مِنْ قَبِيحٍ سَاءَهُ وَغَاظَهُ، وَوَدَّ لَوْ أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَمَدٌ بَعِيدٌ".
يعني بين العامل وعمله بينهما مفاوز وأشياء، «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ».
"كَمَا يَقُولُ لِشَيْطَانِهِ الَّذِي كَانَ مُقْتَرِنًا بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ الَّذِي جرَّأه عَلَى فِعْلِ السُّوءِ: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزُّخْرُفِ:38].
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُؤَكِّدًا وَمُهَدِّدًا وَمُتَوَعِّدًا: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:30] أَيْ: يُخَوِّفُكُمْ عِقَابَهُ، ثُمَّ قَالَ –جلَّ جلاله- مُرْجِيًا لِعِبَادِهِ لِئَلَّا يَيْأَسُوا مَنْ رَحْمَتِهِ وَيَقْنَطُوا مَنْ لُطْفِهِ: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:30].
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مِنْ رَأْفَتِهِ بِهِمْ حَذَّرَهُمْ نَفْسَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيْ: رَحِيمٌ بِخَلْقِهِ، يُحِبُّ لَهُمْ أَنْ يَسْتَقِيمُوا عَلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ وَدِينِهِ الْقَوِيمِ، وَأَنْ يَتَّبِعُوا رَسُولَهُ الْكَرِيمَ".
عليه الصلاة والسلام.
"قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:31-32].
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ حَاكِمَةٌ عَلَى مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَإِنَّهُ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، حَتَّى يَتَّبِعَ الشَّرْعَ الْمُحَمَّدِيَّ وَالدِّينَ النَّبَوِيَّ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وأفعاله وَأَحْوَالِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أمْرُنَا فَهُوَ رَدُّ»، وَلِهَذَا قَالَ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] أَيْ: يَحْصُلُ لَكُمْ فَوْقَ مَا طَلَبْتُمْ مِنْ مَحَبَّتِكُمْ إِيَّاهُ، وَهُوَ مَحَبَّتُهُ إِيَّاكُمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْأَوَّلِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْعُلَمَاءِ : لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُحِبّ، إِنَّمَا الشَّأْنُ أَنْ تُحَبّ".
ولذا يقول القائل:
تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تَزعُمُ حُبَّهُ
|
|
هذا لَعَمْرِي فِي القِيَاسِ شَنِيعُ |
لو كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لَأَطَعْتَهُ |
|
إنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحبُّ مُطِيعُ |
ولذلك المتصوفة في جلساتهم وزعمهم وأناشيدهم محبة الله ومحبة رسوله في الموالد وغيرها، وهم يرتكبون المحرمات، ويُزاولونها، ويعصون الرسول بما أمرهم به من عدم الإحداث في الدين ويُحدِثون، ويزعمون أنهم يُحبونه، هذا حبٌّ كاذب؛ لأنه مخالفٌ لما جاء عن الله وعن رسوله.
طالب: ................
ما هو؟
طالب ..............
الله المستعان، الضلال ليست له نهاية، الضلال هو درجات بل دركات، يقول ابن عربي:
وَكُنْتُ امْرَأً مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ فَارْتَقَى |
|
بِيَ الحالُ حَتَّى صَارَ إِبْلِيسُ مِنْ جندي جُنْدِي |
نسأل الله العافية، ويقول:
ألا بِذِكْرِ الله تَزْداد الذُّنُوب |
|
وتَنْطَمِسُ البَصَائِرُ والقُلُوب |
وأي محادةٍ أشد من هذا؟ ومع ذلك تُزعَم له الولاية، ويُطاف بقبره، ويُعبَد من دون الله، وتُنذَر له النذور، والله المستعان
"وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ، فَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31].
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنافِسي، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَهَلِ الدِّينُ إِلَّا الْحُبُّ والْبُغْضُ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:31]» قَالَ أَبُو زُرْعَة: عَبْدُ الْأَعْلَى هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ".
نعم يقول:
وَمَا الدِّينُ إلاَّ الْحُبُّ وَالبغْضُ وَالوَلاَء |
|
كَذَاكَ البَرَاء مِنْ كُلِّ غَاوٍ وَآثِمِ |
أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.
"ثُمَّ قَالَ تعالى: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] أَيْ: بِاتِّبَاعِكُمْ لِلرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْصُلُ لَكُمْ هَذَا كُلُّهُ من بَرَكَةِ سفَارَتِهِ".
يعني من بركة ما ينزل عليه من الوحي وهو السفير المُبلِّغ عن الله- جلَّ وعلا-.
"ثُمَّ قَالَ تعالى آمِرًا لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ خَاصٍّ وَعَامٍّ: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا} [آل عمران:32] أَيْ: تُخَالَفُوا عَنْ أَمْرِهِ {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:32]، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَتَهُ فِي الطَّرِيقَةِ كُفْرٌ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ، وَمن ادَّعَى وَزَعَمَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يُحِبُّ لِلَّهِ وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ، حَتَّى يُتَابِعَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ خَاتَمَ الرُّسُلِ، وَرَسُولَ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّذِي لَوْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ -بَلِ الْمُرْسَلُونَ، بَلْ أُولُو الْعَزْمِ مِنْهُمْ- فِي زَمَانِهِ مَا وَسِعَهُمْ إِلَّا اتِّبَاعُهُ، وَالدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعُ شَرِيعَتِهِ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ:31]، إِنْ شَاءَ الله تعالى".
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد.