تعليق على تفسير سورة آل عمران (12)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:77].
يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَعْتَاضُونَ عَمَّا عَاهِدَوا اللَّهُ عَلَيْهِ، مِنَ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذِكْرِ صِفَتِهِ النَّاسَ وَبَيَانِ أَمْرِهِ، وَعَنْ أَيْمَانِهِمُ الْكَاذِبَةِ الْفَاجِرَةِ الْآثِمَةِ بِالْأَثْمَانِ الْقَلِيلَةِ الزَّهِيدَةِ، وَهِيَ عُرُوضُ هَذِهِ الحياة الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ، {أُولَئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ} [آل عمران:77] أَيْ: لَا نَصِيبَ لَهُمْ فِيهَا، وَلَا حَظَّ لَهُمْ مِنْهَا".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قد يقول: إن الثمن الذي يعتاضونه في مقابل ما ذُكِر ليس بقليل قد يكون ملايين، والجواب أنه قليل مهما بلغ، فالدنيا كلها لا شيء بالنسبة للآخرة، «ومَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما فيها».
والدنيا بجميع ما تحتوي عليه من مُتع كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، فهي مهما بلغت قليلة والثمن الذي يُعتاض فيها في مقابل ما ذُكِر كله قليل، ولو كان الدنيا بحذافيرها ولو كان مُلك دولة أو دول كله لا شيء بالنسبة للآخرة حينما يؤتى آخر من يدخل الجنة، أو آخر من يخرج من النار ويدخل الجنة، يُقال له: تمنَّ، رجل منكسر يعني مُشفق ألا يخرج من النار ومع ذلك يُقال له: تمن، تنقطع به الأماني ما يدري ماذا يقول، ثم يُقال له: أتريد أن يكون مُلك أعظم ملك في الدنيا؟ فيقول: إي وربي، فيُقال: هو لك ومثله، ومثله، ومثله، ومثله عشرة أمثال، تصور أن له عشرة أضعاف مُلك هارون الرشيد، وهذا من هو، هذا أبو بكر أو عمر؟ هذا آخر من يدخل الجنة، فماذا تعدل الدنيا بالنسبة لهذه الأشياء التي جاء ذكرها في القرآن وصحيح السُّنَّة {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17].
يقول: "بِالْأَثْمَانِ الْقَلِيلَةِ الزَّهِيدَةِ" هذا إذا كان ثمنًا كبيرًا مقابلًا فهو لا يزال من حطام الدنيا الفانية التي لا تساوي شيئًا عند الله –جلَّ وعلا-، فليجعل المسلم نصب عينيه هذا الأمر عندما يُسَاوَم، وما هو بالضرورة أن يُسَاوَم من ملك أو من وزير أو من كبير، قد يُسَاوَم من آحاد الناس، وقد تُساومه زوجته، فيُقدِّم أمرها وطاعتها على طاعة الله ورسوله، والله المستعان.
"{وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:77] أَيْ: بِرَحْمَةٍ مِنْهُ لَهُمْ، يعني: لَا يُكَلِّمُهُمْ كَلَامَ لُطْفٍ بِهِمْ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ".
وإلا فالكلام أصله لكل أحد، «مَا مِنْكُمْ مِن أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ»، والنظر كذلك، لكن الكلام على كلام الملاطفة، والنظر نظر الرحمة، فهذا خاص بالمؤمنين.
"{وَلا يُزَكِّيهِمْ} [آل عمران:77] أَيْ: مِنَ الذُّنُوبِ وَالْأَدْنَاسِ، بَلْ يَأْمُرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:77]، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَلْنَذْكُرْ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ".
يعني ذُكِر فيها مثل هذا الوعيد، أحاديث ذُكِر فيها مثل هذا الوعيد على أقوامٍ فعلوا ما يستحقون به هذا الوعيد، ولو لم يكن من الموعود عليه في الآية.
"الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: عَلِيُّ بْنُ مُدْرِك أخْبرَني قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَة، عَنْ خَرَشة بْنِ الحُر، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلاثَة لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ خَسِرُوا وخَابُوا. قَالَ: وَأَعَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: «المُسْبِل، والمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكاذِبِ، والمنانُ»".
جاء في المُسبِل أحاديث منها ما يُوافق هذا الحديث في الوعيد مع تقييده بالخيلاء، ومنها المطلق مع اختلاف الوعيد بتوعُّده في النار، ولا شك أن ما في هذا الحديث أشد من مجرد التوعد بالنار؛ ولذا هنا هذا الوعيد مع نظيره في المُسبِل خُيلاء، اتفق الحكم فيُحمَل المطلق على المقيد هذا الوعيد يستحقه من؟ من جرَّ إزاره خُيلاء، ليُحمَل المطلق على المقيد، أما مجرد الإسبال فيُحمَل على الوعيد بالنار فقط؛ لأنه أخف، ولا يُحمَل المطلق على المقيد فيمن جرَّ ثوبه خيلاء، هذا تقييد على حديث «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزار فَفِي النَّار» للاختلاف في الحكم، وإذا اختلف الحكم لا يُحمَل المطلق على المقيد؛ لأن بعض الناس تقول له: أنت مُسبل، قال: لكن ما هو بخيلاء، والوعيد على الخيلاء، الوعيد بالنار لمجرد الإسبال، والوعيد الشديد في هذه الأمور لمن جرَّ ثوبه خيلاء، نحن نعرف أنه يُحمَل المطلق على المقيد متى؟ إذا اتحد الحكم، أما إذا اختلف الحكم فلا يُحمَل المطلق على المقيد.
طالب: ............
ما يكون في القلب.
طالب: ............
لا، ما هو بخيلاء هذا ليختلف الأمر؛ ولذا قال النبي –عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر: «أنت لَسْتَ مِنْهُمْ أو لا تفعله لذلك»، هذا شهد له الرسول –عليه الصلاة والسلام- لكن الذي يفعله ويقول: ما هو بخيلاء، قلنا: ما هو بصحيح أنت تُزكي نفسك، ولماذا جررته؟ إذًا أنت مجرد إذا سلِم قلبك من الخيلاء على سبيل التنزل فهو في النار.
طالب: ............
هو ينزله.
طالب: ............
لكن لو قال: على سبيل التنزل أنا ما أجره خُيلاء، قلنا: ما أسفل من الكعبين ففي النار، ترضى هذا؟ لو لم تكن خيلاء، ولو كنا لا نُصدقه؛ لأنه يُزكي نفسه إذا قال: ما أفعل الخيلاء.
طالب: ............
هو علامة ودليل بلا شك وبرهان، لكن لو افترضنا وجود واحد نزَّل ثوبه أسفل من الكعبين، ويقول: أنا ما أفعل الخيلاء، قلنا: في النار، تُريد هذا؟ وأنا أعنيك أنت، أنت ما شاء الله عليك ثوبك...
طالب: ............
لا، ما نقول له إلا إذا بان عليه من القرائن وكذا.
طالب: ............
ما فيه قلب ما يدخله الخيلاء إلا القليل النادر ممن صفت قلوبهم وسلمت، لكن مجرد الخيلاء موجودة في كثيرٍ من الناس وإن لم يدَّعوها أو تظهر عليهم علاماتها، لكن مع ذلك على سبيل التنزل قال: أنا ما أجره خيلاء، قلنا: يكفيك أنك في النار.
طالب: ............
لا، هذا يحملون المطلق على المقيد، وإذا اختلف الحكم فما يُحمَل المطلق على المقيد.
طالب: ............
ما فيها خلاف، لا لا إذا اختلف الحكم؟
طالب: ............
تقطع يد السارق مع المرفق؟
طالب: ................
ليس فيه خلاف.
"وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَهْلُ السُّنَنِ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الجَريري".
عن الجُريري.
"عن الجُرَيري، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّير، عَنْ ابن الأحْمَس قَالَ: لقيتُ أَبَا ذَرٍّ، فقلتُ لَهُ: بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ تُحدِّث حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَا يُخَالُني أن أكذبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
عندنا "لا تخالني" "أَمَا إِنَّهُ لَا تخَالُني أكذبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ" يعني: أنت ما تظن بي أني أكذب على رسول الله.
طالب: بالتاء؟
على ما عندنا بالتاء.
"قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَا تُخَالُني أن أكذبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، فَمَا الَّذِي بَلَغَكَ عَنِّي؟ قلتُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ، وَثَلَاثَةٌ يَشْنَؤهم اللَّهُ. قَالَ: قُلْتُهُ وَسَمِعْتُهُ. قُلْتُ: فَمَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ يَلْقَى الْعَدُوَّ فِي فِئَةٍ فَيَنْصِبُ لَهُمْ نَحْرَه حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَفتح".
يُفتح.
" يُفْتَحَ لِأَصْحَابِهِ. والقومُ يُسَافِرُونَ فَيَطُولُ سِرَاهُمْ حَتَّى يَحنُّوا أَنْ يُمْسُوا الْأَرْضَ فَيَنْزِلُونَ، فَيَتَنَحَّى أَحَدُهُمْ يُصَلِّي حَتَّى يُوقِظَهُمْ لِرَحِيلِهِمْ. والرجلُ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ يُؤْذِيهِ جواره، فَيَصْبِرُ عَلَى أذاهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ ظَعْن.
قُلْتُ: وَمَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَشْنَأُهم اللَّهُ؟ قَالَ: التَّاجِرُ الْحَلَّافُ –أَوِ قال: الْبَائِعُ الْحَلَّافُ- وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ، وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ. غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَدِيّ بْنُ عَدِيٍّ، قال: أَخْبَرَنِي رَجَاءُ بْنُ حَيْوة والعُرْس بْنُ عَمِيرة، عَنْ أَبِيهِ عَدِي".
عن أبيه أم عن أخيه؟
طالب: عندنا عن أبيه.
ما الذي معك؟
طالب: .............
لأن هذا العُرس بن عَميرة عن أخيه عَدي بن عَميرة، وأخيه يعني موضوعة بين معكوفين، يعني لا تُوجد في بعض النُّسخ فيكون عن عَدي بن عَميرة سواء كان أبوه أو أخوه.
"عَنْ أَبِيهِ عَدِي -هَو ابْنُ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيُّ- قَالَ: خَاصَمَ رَجُلٌ مِنْ كِنْدةَ".
يعني العُرس بن عَميرة جده عَميرة ليس أباه؟
طالب: ...........
ما فيه ما يمنع، لكن عندنا عن أخيه عدي وهو ابن عميرة.
طالب: العُرس بن عدي بن عميرة.
ماذا؟
طالب: العُرس بن عدي عن أبيه.
ماذا؟
طالب: .............
لا، العُرس بن عَميرة عن أبيه وهو ابن عَميرة الكندي.
طالب: أحسن الله إليكم في (الاستيعاب) العُرس بن عَميرة الكندي أخو عدي.
رأيت "أخو عدي" ليس بابن عدي.
طالب: .............
العُرس معروف يا أبا عبد الله، كلهم يعرف العُرس.
طالب: يقول: أخو عدي السابق.
نفس الشيء.
طالب: .............
ما علينا منه هو العُرس معروف، لكن ماذا صار؟
طالب: صار أخا عدي.
هنا في الأزهرية التي هي أول النُّسخ عن أبيه عدي بن عَميرة، ولكن كل هذه توافق ما في هذه النُّسخة وأن عدي أخوه وأبوهما عَميرة.
"قَالَ: خَاصَمَ رَجُلٌ مِنْ كِنْدةَ يُقَالُ لَهُ: امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ رَجلا مِنْ حَضْرمَوْت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فِي أَرْضٍ، فَقَضَى عَلَى الْحَضْرَمِيِّ بِالْبَيِّنَةِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَقَضَى عَلَى امْرِئِ الْقَيْسِ بِالْيَمِينِ. فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: إِنْ أَمْكَنْتُهُ مِنَ الْيَمِينِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذهبتْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَرْضِي. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ؛ لِيقتطِعَ بِهَا مَال أحَد لَقِيَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»، قَالَ رَجَاءٌ: وَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران:77] فَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: مَاذَا لِمَنْ تَرَكَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «الْجَنَّةُ»، قَالَ: فاشهَدْ أَنِّي قَدْ تَرَكْتُهَا لَهُ كُلَّهَا.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ، بِهِ
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قال: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقيق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِر؛ لِيقْتَطِعَ بِهَا مَال امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ الله -عَزَّ وجَلَّ- وَهُوَ عَليْهِ غَضْبَانُ».
فَقَالَ الْأَشْعَثُ: فِيَّ وَاللَّهِ كَانَ ذَلِكَ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ فجَحَدني، فقدَّمته إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
هنا يقول: "وجحدني أرضي" هنا ما في جحدني.
طالب: .............
يقول: "فجحدني أرضي"، والأزهرية ما فيها: "فجحدني أرضي" قال فيها: "فجحدني" مثل ما عندك.
"فقدَّمته إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلَكَ بَيَّنة؟» قلتُ: لَا، فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: «احْلِفْ» فقلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا يَحْلِفُ فَيَذْهَبُ مَالِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران:77] الْآيَةِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ".
طالب: .............
الذي تنازل أجره على الله معروف هذا، لكن إذا عُرِف شخصٌ بالتعدي على أموال الناس، فمثله لا يُتنازل عنه، ويؤخذ منه الحق، ويُصرَف في وجه من وجوه البِر، المسألة تحتاج إلى شيءٍ من التفصيل، والحديث ما نحن نتكلم في أصل الحديث، لكن أصل الخصومات على هذا، شخص مؤذٍ، شخص يتعدى على حقوق الناس نقول: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:40] يعني اتركوه؟ ما يصير، لا بُد أن يُردَع؛ ولذلك الأصل في الحدود الستر، لكن إذا وُجِد شخص مبارز، محارب، مجاهر، فمثل هذا إقامة الحد عليه هو الأصل، كما قال مالك وغيره.
"طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاش، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُود، عَنْ شَقِيق بْنِ سَلَمَةَ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مسلمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان»، قَالَ: فَجَاءَ الأشْعث بْنُ قَيْس فَقَالَ: مَا يُحدِّثكم أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَحَدَّثْنَاهُ، فَقَالَ: فِيَّ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ، خاصمتُ ابْنَ عمٍّ لِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بِئْرٍ لِي كَانَتْ فِي يَدِهِ، فجَحَدني، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيِّنَتكَ أنَّها بِئْرُكَ»".
يعني: أحضر بينتك.
"«بَيِّنَتكَ أنَّها بِئْرُكَ وَإلا فَيَمِينُهُ» قَالَ: قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي بَيِّنَةٌ، وَإِنْ تَجْعَلْهَا بِيَمِينِهِ تَذْهَبُ بِئْرِي إنَّ خَصْمي امْرُؤٌ فَاجِرٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مسلمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان»، قَالَ: وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:77]".
طالب: .............
غيره قصةٌ أخرى، أو أرضٌ فيها بئر، أو بئرٌ في أرض.
طالب: .............
قصة ثانية يُحمَل على تعدد القصة.
طالب: .............
ابن أبي النجود القارئ المشهور.
الخطب سهل، يعني إن أمكن تصحيح الطرق كلها، وتُحمَل على تعدد القصة وهذا مسلك لجمع من أهل العلم، وإن تعسَّر وتعذّر الجمع بين الروايات فيُرجَّح الراجح، ويُترَك المرجوح.
"الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلان، قال: حَدَّثَنَا رشْدين عن زَبّان، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إنَّ لِلَّهِ تَعَالى عِبَادًا لَا يُكَلِّمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلا يَنْظُرُ إلَيهِمْ»، قِيلَ: وَمَنْ أُولَئِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مُتَبَرِّئٌ مَنْ وَالِدَيهِ رَاغِبٌ عَنْهُمَا، ومُتَبَرِّئٌ مِنْ وَلَدِهِ، وَرَجُلٌ أنْعَمَ عَلِيْهِ قَوْمٌ فكَفَر نعْمَتَهُمْ، وتَبَرَّأ مِنْهُمْ»".
طالب: .............
معروف رشدين ومن بعده ضعفاء، وزبان كلهم ضعفاء.
"الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قال: حَدَّثَنَا هُشَيْم، قال: أَنْبَأَنَا الْعَوَّامُ -يَعني ابْنَ حَوْشَبَ- عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي السَّكْسَكي- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أوْفَى: أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً لَهُ فِي السُّوقِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطي بِهَا مَا لَمْ يُعْطه، ليُوقع فِيهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} الآية [آل عمران:77] وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنِ الْعَوَّامِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، عن الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَة وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، ولَهم عذابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ مَنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ فَضْلَ مَاءٍ عِنْدَهُ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ -يَعْنِي كَاذِبًا-، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا، فَإِنْ أَعْطَاهُ وَفَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ»".
«رَجُلٌ مَنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ» لاسيما المضطر المحتاج، وهذا القدر زائد عنده، والناس في الأصل شركاء في ثلاثٍ منها: الماء، أما إذا تعب عليه وحازه إلى رحلِه، وبذل فيه الأموال فإنه يملكه، ولا يصير معه شركاء فيه، لكن من احتاج يجب دفع حاجته.
«وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» بعد العصر هذا الوقت مُغلَّظ، وجاءت الإشارة إليه من بعد الصلاة في القرآن، يعني صلاة العصر، وجاء في العصر في كُتب التفسير أشياء في تفسير سورة العصر منها المقبول، وكثيرٌ منها مردود.
وعلى كل حال الحلف مع الكذب محرَّم وإذا كان في وقتٍ فاضل ومُغلَّظ، والقضاة يعرفون كيف يُغلظون الأيمان، ومنها ما كان بعد العصر.
«وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا» يعني: خليفة، «فَإِنْ أَعْطَاهُ وَفَى» إن أعطاه وأرضاه بالمال وفى له البيعة، «وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ» نقض هذه البيعة.
طالب: .............
مغلَّظ العصر.
طالب: .............
لماذا؟ الله أعلم غلظته النصوص وليس أنا.
طالب: .............
في آخر العصر.
طالب: .............
المقصود أنه في آخر العصر، الصعود والصبح يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الصبح، ثم يصعدون في آخر الوقت.
"وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حسن صحيح.
قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:78].
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْيَهُودِ- عَليهم لَعَائِنُ اللَّهِ- أَنَّ مِنْهُمْ فَرِيقًا يُحَرِّفون الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، ويُبَدِّلون كَلَامَ اللَّهِ، وَيُزِيلُونَهُ عَنِ الْمُرَادِ بِهِ؛ ليُوهِموا الْجَهَلَةَ أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَيَنْسُبُونَهُ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا وَافْتَرَوْا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:78]".
هو مسألة لعن المعين المسلم لا يجوز، هذا أمر معروف عند أهل العلم إلا من جاء لعنه، ويُلعَن من غير تعيين، وأما بالنسبة لغير المسلمين فالخلاف فيهم ضعيف أنهم لا يُلعنون؛ ولذلك الحافظ ابن كثير يلعن، قال: فلان لعنه الله، وهو مُعين وغيره كثير من أهل العلم لاسيما في كُتب التواريخ يُطلقون اللعن، والإمام أحمد قال له عبد الله: أيلعن فلان؟ قال: نعم، قال: لماذا لا تلعنه؟ قال: هل عرفت أباك لعَّانًا؟
فصيانة اللسان عن اللعن لا شك أنه أحوط وأحرى، «ليس المؤمنُ باللَّعَّانِ ولا بالطَّعَّانِ».
طالب: .............
على كل حال ما دام كافرًا والوصف متحققٌ فيه فهو مستحق.
"وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} [آل عمران:78] يُحَرِّفُونَهُ.
وَهَكَذَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ وَيَزِيدُونَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ، لَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ: يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ.
وَقَالَ وَهَبْ بْنُ مُنَبِّه: إِنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ كَمَا أَنْزَلَهُمَا اللَّهُ لَمْ يُغَيَّرْ مِنْهُمَا حَرْفٌ، وَلَكِنَّهُمْ يُضِلّونَ بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ، وَكُتُبٍ كَانُوا يَكْتُبُونَهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:78]، فَأَمَّا كُتُبُ اللَّهِ، فَإِنَّهَا مَحْفُوظَةٌ لَا تُحَوَّلُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ".
أما الحفظ من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان فهذا خاصٌّ بالقرآن الذي تكفل الله بحفظه، وأما ما عداه من الكتب المنزَّلة فالله –جلَّ وعلا- استحفظ أهلها عليها؛ ولذا لم يحفظوها، ولم تسلم من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، وهذا أمر معروف، التوراة والإنجيل بأيدي أهل الكتاب في وقته –عليه الصلاة والسلام- مُحرَّفة، محرَّفة اللفظ والمعنى، وأحبارهم ورهبانهم يزيدون وينقصون، ويضلون العامة، ويُكثِّرون أتباعهم بهذه الطريقة.
في قصةٍ ذكرها البيهقي –رحمه الله- في (دلائل النبوة)، وذكرتها مرارًا وهو أن القاضي يحيى بن أكثم دعا يهوديًّا إلى الإسلام، فلم يستجب، وبعد سنة جاء إليه معلنًا إسلامه، ثم سأله: ما الذي جعلك تُسلم بعد أن رفضت؟ قال: لما انصرفت منك عمدت إلى التوراة فنسخت منها نُسخًا كتبت منها نُسخًا، وزِدت فيها ونقصت؛ فعرضتها على سوق اليهود فاشتروها وقرأوها وعملوا بها، تخطَّفوها من يدي، وفعل مثلها في الإنجيل، فاشتروها وعمِلوا بها وقرأوها وهي مُحرَّفة، هو قام بتحريفها بنفسه، ثم يقول: عمدت إلى القرآن فنسخت منه نسخةً واحدة وزِدت فيه حرفًا واحدًا، فلما عرضته على سوق المسلمين كل من نظر إليه رماه في وجهي؛ فعرفت أن هذا هو الدين الحق المحفوظ الباقي، فحجَّ يحيى بن أكثم، وقصَّ القصة على سفيان بن عُيينة، وقال: هذا منصوصٌ عليه في القرآن {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، يعني تكفل الله بحفظه، وقال في كُتبهم: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا} [المائدة:44] استُحفظوا ولم يحفظوا، ائتمنوا على ذلك فخانوا، والله المستعان.
"رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، فَإِنْ عَنَى وَهْب مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَهَا التَّبْدِيلُ وَالتَّحْرِيفُ وَالزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ، وَأَمَّا تَعْرِيبُ ذَلِكَ الْمُشَاهَدِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَفِيهِ خَطَأٌ كَبِيرٌ، وَزِيَادَاتٌ كَثِيرَةٌ وَنُقْصَانٌ، ووَهْم فَاحِشٌ. وَهُوَ مِنْ بَابِ تَفْسِيرِ الْمُعَنى الْمُعْرَبِ، وفَهْم كَثِيرٍ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ، بَلْ جَمِيعُهُمْ فَاسِدٌ. وَأَمَّا إِنْ عَنَى كُتُبَ اللَّهِ الَّتِي هِيَ كُتُبُهُ مِنْ عِنْدِهِ، فَتِلْكَ كَمَا قَالَ مَحْفُوظَةٌ لَمْ يَدْخُلْهَا شَيْءٌ".
وهي في اللوح المحفوظ، التي عنده هي في اللوح المحفوظ لا يمكن أن يصل إليها أحد فيعبث بها كما في الكُتب المُنزَّلة وبأيديهم أكثرهم خونة ومرتزقة كما هو الواقع.
طالب: ..............
نعم، لكن هو يقول: التحريف للمعنى في الأثر الأول عن وهب، لكن ليس بصحيح.
"قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:79-80].
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن أبي محمد، عن عِكْرِمة أو سعيد بن جُبَير، عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ القُرَظِي، حِينَ اجْتَمَعَتِ الْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ: أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ نعبدكَ كَمَا تَعْبُدُ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيٌّ يقال له الرئيس: أوَ ذاك تُرِيدُ مِنَّا يَا مُحَمَّدُ، وَإِلَيْهِ تَدْعُونَنَا؟ أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَعَاذَ اللهِ أنْ نَعْبُدَ غَيْرَ اللهِ، أَوْ أنْ نَأْمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِه، مَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي، وَلَا بِذَلِكَ أَمَرَنِي» أَوْ كَمَا قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [آل عمران:79]، إِلَى قَوْلِهِ: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:80]
فَقَوْلُهُ: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:79] أَيْ: مَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ والحُكْم وَالنُّبُوَّةَ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ: اعْبُدُونِي مِنْ دُونِ اللَّهِ. أَيْ: مَعَ اللَّهِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يَصْلُحُ لِنَبِيٍّ وَلَا لِمُرْسَلٍ، فَلِأَنْ لَا يَصْلُحَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرهمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى".
من النواقض لدين الإسلام من عُبِد من دون الله وهو راضٍ، أو أمر بعبادة غير الله.
"وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَا يَنْبَغِي هَذَا لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِعِبَادَتِهِ. قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ كَانَ يَعْبُدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا -يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ- كَانُوا يَتعبَّدون لِأَحْبَارِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التَّوْبَةَ:31]، وَفِي الْمُسْنَدِ، وَالتِّرْمِذِيِّ -كَمَا سَيَأْتِي- أَنَّ عَديّ بْنَ حَاتِمٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَبَدُوهُمْ. قَالَ: «بَلَى، إنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ وحَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلالَ، فَاتَّبَعُوهُمْ، فَذَلِكَ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ».
فَالْجَهَلَةُ مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ وَمَشَايِخِ الضَّلَالِ يَدْخُلُونَ فِي هَذَا الذَّمِّ وَالتَّوْبِيخِ".
الأحبار والرهبان جاء التنصيص عليهم في القرآن والسُّنَّة، ومشايخ الضلال والطُّرق البدعية أمرهم أيضًا واضحٌ للعيان، مَن نوَّر الله بصيرته بمعرفة الحق هذا لا يشك في ذلك، وأما الأتباع الجهلة فإنهم يدعونهم من دون الله ويُقربون لهم القرابين وهذه هي العبادة، فضلًا عن كونهم يأمرونهم بتحليل وتحريم، فيُحلون ويُحرِّمون، نسأل الله العافية.
"بِخِلَافِ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، فَإِنَّمَا يَأْمُرُونَ بِمَا يأمَرَ اللَّهُ بِهِ وَبَلَّغَتْهُمْ إِيَّاهُ رُسُلُهُ الْكِرَامُ. وإِنَّمَا يَنْهَوْنهم عَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ وَبَلَّغَتْهُمْ إِيَّاهُ رُسُلُهُم الْكِرَامُ، فَالرُّسُلُ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجمعينَ- هُمُ السُّفَرَاءُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فِي أَدَاءِ مَا حَمَلُوهُ مِنَ الرِّسَالَةِ وَإِبْلَاغِ الْأَمَانَةِ، فَقَامُوا بِذَلِكَ أَتَمَّ قِيَامٍ، وَنَصَحُوا الْخَلْقَ، وَبَلَّغُوهُمُ الْحَقَّ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79] أَيْ: وَلَكِنْ يَقُولُ الرَّسُولُ للناسِ: كُونُوا رَبَّانيين. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو رَزِين وَغَيْرُ وَاحِدٍ، أَيْ: حُكَمَاءَ عُلَمَاءَ حُلَمَاءَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: فُقَهَاءَ، وَكَذَا رُوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبير، وَقَتَادَةَ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: يَعْنِي أَهْلَ عِبَادَةٍ وَأَهْلَ تَقْوَى".
وجاء تفسير الرباني بأنه هو من تعلم وعمِل وعلَّم، والتعليم منصوصٌ عليه {بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ} [آل عمران:79]، ولا يكون ربانيًّا إلا بعد أن يتعلم قبل ذلك، ثم يُعلِّم الناس، ويعمل بما علِم، فإذا اجتمعت هذه الأوصاف الثلاثة كان ربانيًّا، وكل ذلك تابعٌ للإخلاص لله –جلَّ وعلا-، فإن دخله شيءٌ من الرياء أو النفاق فالأمر عظيم لا يكفي أن يخرج كفافًا لا له ولا عليه ، نسأل الله العافية.
"وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ: {بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79] حَقٌ عَلَى مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ أَنْ يَكُونَ فَقيهًا".
يعني يتفقه فيه، أما مجرد أن يتعلم ولا يتفقه ليعمل ويُعلِّم ما فيه فائدة «خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ».
"تَعْلَمُون" أَيْ: تُفَهِّمُونَ مَعْنَاهُ. وَقُرِئَ: {تُعَلِّمُونَ} [آل عمران:79]".
الأولى تَعلَمون، والثانية تُعلِّمون.
"وَقُرِئَ {تُعَلِّمُونَ} [آل عمران:79] بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّعْلِيمِ، {وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79] تحفظون ألفاظه.
ثُمَّ قَالَ الله تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا} [آل عمران:80] أَيْ: وَلَا يَأْمُرُكُمْ بِعِبَادَةِ أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ، لَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلَا مَلَكٍ مُقَرَّب، {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:80] أَيْ: لَا يَفْعَل ذَلِكَ؛ لأنَّ مَنْ دَعَا إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ دَعَا إِلَى الْكَفْرِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِنَّمَا يَأْمُرُونَ بِالْإِيمَانِ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الْأَنْبِيَاءِ:25] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} الْآيَةَ، [النَّحْلِ:36] وَقَالَ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزُّخْرُفِ:45]، وَقَالَ: إِخْبَارًا عَنِ الْمَلَائِكَةِ: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ:29]".
والقرآن كله من أوله إلى آخره مملوء بمثل هذا من الدعوة إلى توحيد الله، وإفراده بالعبادة، والتحذير من ضده.
اللهم صلِّ على محمد.