في قوله –جلَّ وعلا-: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] ذكر ابن كثير عن سعيد بن جُبير قال: (هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه وفي نيته وقلبه أنه لا يؤاخذ بها، وفي روايةٍ لا يُريد إلا الخير بذلك، فقال: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ})، ولا شك أن في تصرفات الابن أو الولد عمومًا بالنسبة لأبويه أنه قد يُظهر له من الطاعة والمودة والرحمة والرأفة ما يكون بعضه بخلاف ذلك أو أقل مما أظهره، وقد يُظهر له تقديمه على غيره من زوجةٍ أو ابنٍ أو نحوهما وفي نفسه ما هو أقل من المستوى الذي يُظهره، وقد يكون أعلى من ذلك، هذا بالنسبة للوالدين، ولا شك أن التعامل معهما في الظاهر هو الذي تُرتَّب عليه الأحكام وتُبنى عليه الأمور، وما في القلوب يعلمه الله –جلَّ وعلا- ولا يخفى عليه؛ ولذلك قال: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ}.
ويُوجد من الأولاد مَن يُفضِّل في داخل نفسه وفي قرارة نفسه الزوجة –مثلًا-، أو الأولاد على الوالدين، ولكن المقصود ألَّا يُظهر ذلك لهما، والتعامل كله على الظاهر.
{إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ} يعني صادقين في هذا الشعور الذي تبدونه لهما، فإن الله –جلَّ وعلا- {كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا}.
وذكر أيضًا ابن كثير عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في قوله: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} قال: (الذي يُصيب الذنب ثم يتوب منه، ثم يُصيب الذنب ويتوب منه)، أوَّاب يعني: رجَّاع إلى الله –جلَّ وعلا-، وهذه صيغة مبالغة تدل على الكثرة، وعلى كل حال الذي يتوب من الذنب كمن لا ذنب له، فإذا كانت التوبة بشروطها فإن التوبة تهدم ما كان قبلها.
وجاء في الأوابين أنهم الذين يصلون الضحى، وفيه خبر «صلاة الأوَّابين حين تَرْمَضُ الفصال» [مسلم: 748]، يعني صلاة الضحى بالنسبة للأوابين إذا رمضت الفصال، أي: إذا اشتدت حرارة الشمس، فليست في أول الوقت، وإنما يؤخرونها حتى تشتد حرارة الشمس.
وعلى كل حال الأواب مشتقٌ من الأوبة، وهي الرجوع إلى الله –جلَّ وعلا-، فكلما أذنب تاب، وكلما غفل رجع إلى ربه وتذكَّر. وهذا بلا شك دليل على فضل التوبة والمسارعة فيها، بل التوبة واجبة من الذنب {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور: 31]، ومن لم يتب يُعرِّض نفسه للعقوبة المرتَّبة على الذنب، وقد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: 222]، والله أعلم.