في قوله –جلَّ وعلا-: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 92] نجاة بدنه حصلت بالدليل القطعي، لكن الكلام هل استمرتْ نجاة البدن -مع هلاك النفس والروح- إلى يومنا هذا فيما يُرى في المتاحف المصرية أو لا، أو أنه نُجِّي حتى صار عبرةً لمن هو في وقته ولمن حضر واعتبر بهذا؟ هل هذا المطلوب أو ذاك؟ الله أعلم، لكن الاستفاضة عند المصريين وأهل الآثار يقولون: إنها هي، ولكن ما فيه ما يدل على أنها هي، وأما العبرة فقد حصلتْ بنجاته سواء كانت مؤقَّتة أو دائمة، والله –جلَّ وعلا- حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، وهذا من باب الكرامة، ولا يمنع أن يُحرِّم على الأرض أن تأكل جسد هذا الطاغية للعبرة. ويذكرون من باب المُعاياة أن كافرًا لا تأكل جسدَه الأرض، وهو كافر! ويذكرون في الجواب أنه الذي خُسِف به فهو يتجلجل في الأرض إلى قيام الساعة، قالوا: هذا ما تأكله الأرض؛ إذ لو أكلتْه الأرض لما تجلجل فيها، ولذهب جسده، فكونه يبقى بهذه الطريقة لا لإكرامه، بل لمزيد عذابه والنكاية به واعتبار مَن خلفه به.
وعلى كل حال المسألة مُحتملة، يقول الحافظ ابن كثير: (قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} قال ابن عباس وغيره من السلف: إن بعض بني إسرائيل شكُّوا في موت فرعون، فأمر الله تعالى البحر أن يُلقيه بجسده بلا روح وعليه درعه المعروفة على نجوةٍ من الأرض، وهو المكان المرتفع؛ ليتحقَّقوا موته وهلاكه، ولهذا قال تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ} أي: نرفعك على نشزٍ من الأرض {بِبَدَنِكَ}، قال مجاهد: بجسدك، وقال الحسن: بجسم لا روح فيه، وقال عبد الله بن شداد: سويًّا صحيحًا، أي: لم يتمزَّق؛ ليتحقَّقوه ويعرفوه، وقال أبو صخرٍ: بدرعك. وكل هذه الأقوال لا منافاة بينها كما تقدم، والله أعلم. قوله: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} أي: لتكون لبني إسرائيل دليلًا على موتك وهلاكك، وأن الله هو القادر الذي ناصية كل دابةٍ بيده، وأنه لا يقوم لغضبه شيء؛ ولهذا قرأ بعض السلف: {لتكون لمن خَلَقَكَ آيةً وإن كثيرًا من الناس عن آياتنا لغافلون}).
وفي (تفسير القرطبي) يقول: (قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} أي: نُلقيك على نجوةٍ من الأرض، وذلك أن بني إسرائيل لم يصدِّقوا أن فرعون غرق، وقالوا: هو أعظم شأنًا من ذلك، فألقاه الله على نجوةٍ من الأرض، أي: مكانٍ مرتفعٍ من البحر حتى شاهدوه...وقرأ اليزيدي وابن السميقع: (نُنَحِّيك) بالحاء من التنحية، وحكاها علقمة عن ابن مسعود، أي: تكون على ناحيةٍ من البحر، قال ابن جريج: فرُمي به على ساحل البحر حتى رآه بنو إسرائيل، وكان قصيرًا أحمرَ كأنه ثور).
لكن ما في الآية ما يدل على الاستمرار إلى قيام الساعة، أو إلى يومنا هذا، المهم أنها حصلت العبرة والاتعاظ، وسواء كان هذا أو ذاك فالعبرة حاصلة على كل حال، والله أعلم.