قبل الآية قوله –جلَّ وعلا-: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [الشعراء: 217]، أي: اعتمد في أمورك كلها على الله –جلَّ وعلا-، فيكون اعتمادك وتوكلك على الله –جلَّ وعلا-، والتوكل نوعٌ من أنواع العبادة التي لا تُصرَف لغير الله -جلَّ وعلا-.
{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء: 218] يقول السائل: (هل هو القيام بعد الجلوس، أو قيام الصلاة؟)، قال ابن عباس: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} يعني: إلى الصلاة. وقال عكرمة: يرى قيامه وركوعه وسجوده. وقال الضحاك: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} من فراشك أو مجلسك. وقال قتادة: الذي يراك قائمًا وجالسًا وعلى حالاتك. يعني: في جميع تصرفاتك يراك الله –جلَّ وعلا-، ولا يخفى عليه من أمرك شيء، فعليك أن تُراقبه، وأن تعبده كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذه مرتبة الإحسان، وهي مرتبةٌ عليا في الدين، وقد أجاب النبي –صلى الله عليه وسلم- جبريل حينما سأله عن الإحسان، فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» [البخاري: 50/ ومسلم: 8]، فلا بُد من المراقبة لله –جلَّ وعلا- في جميع الأحوال، ومنزلةٌ المراقبة من الدين هي ترجمة لمنزلة الإحسان الذي بيَّنه النبي –عليه الصلاة والسلام- في جوابه لجبريل –عليه السلام- حينما سأله عن الدين، والدين بعمومه وشموله يشمل: الإسلام، والإيمان، والإحسان، لكن أعلاها مرتبة الإحسان التي هي فوق المراتب التي قبلها، فالإسلام أدناها، والإيمان مرتبةٌ متوسطة، والإحسان مرتبةٌ عليا. وجميع هذه المراتب داخلة في مسمى الدين؛ ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في آخر الحديث: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» ولذا يُخطئ من يقول في حديث معاوية -رضي الله عنه- «مَن يُرد الله به خيرًا يفقِّهه في الدين» [البخاري: 71]: إن المراد بـ«يفقِّهه في الدين» الأحكام العملية، وهذا خطأ؛ لأن الدين يشمل جميع ما أمر الله به في كتابه أو على لسان نبيه –عليه الصلاة والسلام-، سواء كان عمليًّا أو اعتقادًا قلبيًّا فإنه من الدين، ولذلك الإسلام بأركانه من الدين، والإيمان باعتقاده من الدين، والإحسان كذلك، فلما أجاب النبي –عليه الصلاة والسلام- عن المراتب الثلاث، قال: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم»، فليس الدين الوارد في النصوص خاصًّا بالأحكام العملية، ولكن الاصطلاح عند العلماء في تقسيم العلوم يجعلون الفقه في الدين هو الأحكام العملية التفصيلية المستنبطة من الأدلة، والله المستعان.