هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، هل الأفضل تكثير الركعات، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أَعنِّي على نفسك بكثرة السجود» [مسلم: 489]، فهذه كثرة، أو تقليل عدد الركعات، مع إطالة القيام، وكثرة القراءة، وإطالة الركوع والسجود؟ خلاف بين أهل العلم، ولكلٍّ دليله، والمرجَّح في حقِّ كل شخص ما يرتاح إليه، ويحضر فيه قلبه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بالليل فقرأ البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، في ركعة [مسلم: 772]، وهذا يدل على الإطالة، وجاء أعداد من الركعات أُثِرَتْ عنه -عليه الصلاة والسلام-، فجاءت الخمس [مسلم: 737]، وجاءت السبع [مسلم: 746]، وجاءت التسع [مسلم: 746]، وجاءت الإحدى عشرة [البخاري: 1147]، وجاءت الثلاث عشرة [البخاري: 698]. المقصود أن الإنسان يقوم من الليل قسطًا كافيًا يَمثُل فيه بين يدي ربه، ويُناجيه، وينكسر بين يديه، ولا شك أن الإطالة تُمكِّن الإنسان من تدبُّر ما يقرأ، وإطالة السجود تُمكِّنه من حضور قلبه في الدعاء، و«أقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد» [مسلم: 482]، فإذا أطال الركوع والسجود حضر قلبه، بخلاف ما لو أسرع.
وعلى كل حال بعض الناس لا يُطيق طول القيام الذي هو القنوت، {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، ويتعب من ذلك، فحينئذٍ يقوم ما شاء أن يقوم، ثم يجلس، وبعضهم لا يستطيع أن يُطيل الركوع ولا السجود؛ لأن عنده شيئًا من الرَّبو، أو أمراض تتعلق بالقلب، أو ما أشبه ذلك، فمثل هذا يُكثر مِن القيام والركوع والسجود، ولا يشق على نفسه، فيفعل الأرفق به.
ومثل ما ذكرنا المسألة خلافية: هل الأفضل إطالة الركعات مع تقليلها، أو الأفضل كثرة الركوع والسجود مع تخفيف القراءة، وتخفيف الركوع والسجود؟ وعلى كل حال كلٌّ خير، والمنظور إليه مقدار المدة: ثلث الليل، نصف الليل، ثلثا الليل، لكن على الإنسان أن يوازن بين جميع المصالح، بحيث لا يكون عَمَل على حساب عمل آخر، فيُسدِّد ويقارِب.
ومن رحمة الله -جلَّ وعلا- بأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أن نوَّع لها العبادات؛ ليجد كلُّ مسلم ما يناسبه، ولا يُحرم من هذه العبادات؛ لأن بعض الناس عنده استعداد أن يبذل الأموال الطائلة فيما يُقرِّبه إلى الله -جلَّ وعلا-، وتصعب عليه الأعمال البدنية، وبعض الناس بالعكس، تجده عنده استعداد لأن يصلي عشرات الركعات، ولا يبذل شيئًا من ماله، إلَّا ما أوجب الله عليه، فالواجب من هذا مستثنى، ولا يُعذَر فيه أحد، لكن المقصود القدر الزائد على الواجب، فإذا كانت نفسه ترتاح إلى العمل والنفع الذي يتعدَّاه إلى غيره، سواء كان ماليًّا أو بدنيًّا، فهذا لا شك أنه أفضل، أما إذا كان لا يستطيع ذلك، وعنده قدرة على الأعمال اللازمة: من صلاة، وتلاوة، وصيام، وغير ذلك، فعليه ألَّا يَحرم نفسه من هذا؛ لأن كل هذه من الأسباب الموصِلة إلى الجنة.