قد يوجد مثل هذا النوع، ويكون مردُّه إلى وهم الراوي الثقة، وهذا لا يقدح في أصل الصِّحة بالنسبة للصحيح، مثل ما جاء في الصحيح: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوَّج ميمونة -رضي الله عنها- وهو مُحرِم» [البخاري: 1837]، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، وابن عباس قريب من ميمونة؛ فهي خالته، ومع ذلك وهم ابن عباس؛ لأن ميمونة نفسها تقول: "تزوَّجني النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو حلال" [مسلم: 1411]، وكذلك أبو رافع -رضي الله عنه- السفير بينهما [الترمذي: 841]، فالوهم والخطأ من الراوي لا يَسلم منه أحد؛ لأنه ليس المفترض في راوي الصحيح، أو من أُجمع على توثيقه أنه معصوم، فمالك -رحمه الله- نجم السنن، ولا يحتاج إلى أن يُبحث في عدالته، فقد اكتفوا واستغنوا بشهرته عن البحث في عدالته؛ ومع ذلك وقع له شيء من الوهم، فالوهم من الراوي لا يقدح في أصل الصِّحة، وثبوت الخبر إليه. ولا شك أن مثل هذا الكلام يُشكِل على بعض طلاب العلم الذين لا يُدركون مثل هذه الحقائق، لكن إذا أمكن حَمْل ما جاء عن الراوي الثقة على وجه صحيح؛ تعيَّن، وإذا لم يمكن؛ فما بُد من أن يقال: (إن الراوي وهم)، (إن ابن عباس وهم)، ما المانع؟ وعائشة -رضي الله عنها- استدركتْ على الصحابة -رضي الله عنهم-، وللزركشي مصنَّف في هذا، وابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في رجب، وهذا في الصحيح [البخاري: 1775]، وعائشة تقول: «ما اعتمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في رجبٍ قطُّ» [البخاري: 1776]، فمثل هذه الأوهام من طبيعة البشر، ولا بد أن تقع، وليس معنى هذا أن هذا قدْح في الراوي، نعم، إذا كَثُر الوهم في حديث الراوي يُردُّ حديثه، لكن إذا وقع منه الخطأ، والخطآن، والثلاثة؛ فهذا لا إشكال فيه.
والدفاع عن الصحيحين بقدر الإمكان هو وظيفة العالم والمتعلِّم؛ حتى لا يتطاول الناس على الصحيحين اللذيْن أجمعت الأُمَّة على تلقيهما بالقبول، حتى قال بعض أهل العلم: (إنه لو حَلَف حالف بالطلاق أن جميع ما في الصحيح صحيح؛ لم يحنث)، فالتلقِّي بالقبول وحده كافٍ، نعم، هناك أحاديث تكلَّم فيها بعض الحفَّاظ، وهذا منها، ولا يقدح هذا في الصحيح، ويبقى (البخاري) أصحُّ كتاب بعد القرآن.