شرح الموطأ - كتاب الطهارة (8)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-:
باب: المستحاضة
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش: يا رسول الله إني لا أطهر افأدعُ الصلاة، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنكِ، وصلي)).
عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستفتت لها أم سلمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة أنها رأت زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي.
عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أن القعقاع بن حكيم، وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله كيف تغتسل المستحاضة؟ فقال: "تغتسل من طهر إلى طهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت".
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلًا واحدًا، ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة".
قال مالك: الأمر عندنا أن المستحاضة إذا صلت أن لزوجها أن يصيبها، وكذلك النفساء إذا بلغت أقصى ما يمسك النساء الدم، فإن رأت الدم بعد ذلك فإنه يصيبها زوجها، وإنما هي بمنزلة المستحاضة.
قال مالك: "الأمر عندنا في المستحاضة على حديث هشام بن عروة عن أبيه، وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: المستحاضة
المستحاضة هي التي لا يرقأ دم حيضتها، كما قال ابن سيدة، وقال الجوهري: استحيضت المرأة أي: استمر بها الدم بعد أيامها، فالمستحاضة هي التي ينزل عليها الدم في غير وقت العادة.
يقول الأزهري: الحيض جريان دم المرأة في أوقات معلومة يرخيه قعر الرحم بعد بلوغها، والاستحاضة جريانه في غير أوانه، يسيل من عرق في أدنى الرحم دون قعره، الأزهري نقل عن ابن سيدة في الاستحاضة والمستحاضة التي لا يرقأ دم حيضتها، والجوهري يقول: استحيضت المرأة أي استمر بها الدم بعد أيامها.
والأزهري يقول: الحيض جريان دم المرأة في أوقات معلومة يرخيه قعر الرحم بعد بلوغها، والاستحاضة جريانه في غير أوانه، يسيل من عرق في أدنى الرحم دون قعره، تلاحظون النقل مع أن هؤلاء من المتقدمين من أهل اللغة، وتنبغي العناية بهم؛ لأن المتأخرين تأثروا بالاصطلاحات والمذاهب، المتأخرون من أهل اللغة تأثروا بالمذاهب الأصلية والفرعية، فتجدون لمذاهبهم أثرًا في كتبهم، وهذا مسائل تختلف فيها المذاهب، فإذا ذهبت إلى كتاب متأخر لتبحث عن معنى هذه الكلمة في اللغة تجد أن المذهب الفقهي له أثر أو العقدي، فالأولى بطالب العلم أن يعني بالمتقدمين، وكثير من طلاب العلم عنايتهم بكتب -وإن كانت محسوبة ومعدودة من كتب اللغة- إلا أنها تخدم مذاهب بعينها، كثير من الإخوان يرجع في تعريف الاصطلاحات الفقيه إلى المصباح المنير مثلًا، هذا يخدم غريب الفقه الشافعي، والباحث ينبغي أن يكون متجردًا، إذا أراد أن يبحث أصل المسألة يبحثها من كتاب متجرد، أو يجمع بين كتب تجمع المذاهب كلها؛ ليتبين له هذه الفروق المؤثرة؛ لأنك مثلًا لو أردت تعريف الخمر، وذهبت إلى المطرزي مثلًا، وجدت أثر المذهب في تعريف الخمر، وإن عرفته من كتب من الطرف الآخر الذي يختلف مع الحنفية في حقيقة الأمر، نازعك الحنفي في التعريف، فإما أن تذهب إلى كتب المتقدمين، وهو الأولى لك، ومن خير ما يرجع إليه كتاب تهذيب اللغة للأزهري، الجوهري في صحاحه على أوهام فيه فهو أولى، أولى من كتب المتأخرين.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: قالت فاطمة بنتُ أبي حبيش" القرشية الأسدية "يا رسول الله إني لا أطهر" أي: لا ينقطع عنها الدم "أفأدع الصلاة؟" يعني حتى ينقطع، ولو مكث سنة، سنتين؛ لأن منهن من استحيضت سبع سنين، فهل تدع الصلاة هذا المدة الطويلة، أشكل عليها أن تصلي والصلاة يطلب لها الطهارة، ونزول الدم ناقض للطهارة، والحائض ممنوعة من الصلاة، بل تحرم عليها، أشكل عليها هذا، فسألت: "أفأدع الصلاة؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما ذلك عرق))" في أدنى الرحم ((وليست بالحيضة)) يعني على اصطلاح الناس اليوم يسمونه نزيفًا ((إنما ذلك عرق وليس بالحيضة -التي تمنع من الصيام والصلاة- فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة)) وجوبًا، فيحرم على الحائض أن تصوم، أو أن تصلي وقت حيضها؛ ولذا يقول أهل العلم: "ولا يصحان منها بل يحرمان".
((فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي)) قدرها من الوقت، نعم، يعني قدر ما كانت تحيض قبل الاستحاضة، فإذا كانت عادتها سبعة أيام في وقت معلوم من الشهر، إذا جاء هذا الوقت تترك الصلاة فيه.
ومقتضى هذا أنه ولو كان لون الدم واحدًا لم يتغير، وهذا يحتج به من يقول: إن المستحاضة تعمل بالعادة، بعادتها، ولا تنظر إلى الدم؛ لأنه يقول: ((فإذا أقبلت)) إذا أقبلت الحيضة كيف تعرف الحيضة؟ إما بالوقت أو بالتمييز، باللون والرائحة، وجاء ما يدل على الوقت، وجاء ما يدل على التمييز، وبكل منهما قال جمع من الأئمة.
((فإذا ذهب قدرها)) أي زمنها ((فاغسلي عنك الدم وصلي)) بعد الاغتسال من هذه العادة المقدرة، ولو لم يتحدد لها أول ولا آخر.
ونرى في الحديث الذي يليه، يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن امرأة" قال أيوب السختياني: هي فاطمة بنت أبي حبيش التي في الحديث السابق، القصة واحدة "أن امرأة كانت تهراق الدماء".
روى الليث وغيره عن سليمان بن يسار أن رجلًا أخبره عن أم سلمة، هنا يقول: عن سليمان بن يسار عن أم سلمة مباشرة، وروى الليث عن سليمان بن يسار راويه، يكون عندنا أن رجلًا أخبره عن أم سلمة فهو على هذا منقطع.
قال النووي في الخلاصة: حديث صحيح، رواه مالك والشافعي وأحمد أبو داود والنسائي بأسانيد على شرط البخاري ومسلم، فلم يلتفت النووي إلى رواية الليث، ولا يمنع أن يكون سليمان رواه بواسطة مرة، ومرة بغير واسطة، مرة رواه بالواسطة ومرة بغير واسطة، الذي يقدح إذا لم يروه إلا بواسطة، ثم أبهم الواسطة في طريق، وأسقطها في طريق آخر، هذا يضر، يؤثر، لكن إذا روى الخبر بغير واسطة، أو رواه بواسطة، ثم تيسر له أن يصل إليه بغير واسطة، العلو مطلوب، فكونه يسقط الواسطة لا بأس، وكونه يذكر الواسطة أحيانًا، ويسقطها أحيانًا لا بأس، وهذا إذا غلب على الظن ذلك؛ لأنه لا يحكم بحكم مطرد في مثل هذا، أن سليمان رواه بواسطة أو بدون واسطة، إذا دلت القرائن على أنه رواه بغير واسطة كما استروح إليه النووي في كلامه الذي ذكرنا، فالأمر ليس بمستبعد، فهو ممكن، أقول: ممكن، سليمان أدرك أم سلمة.
"أن امرأة كانت تهراق الدماء" يعني من كثرته "في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستفتت لها أم سلمة" استفتت لها بأمرها إيّاها، يعني طلبت منها أن تستفتي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي الحديث السابق هي السائلة، في الحديث الذي قبله ماذا قالت؟ "يا رسول الله إني لا أطهر أفأدع؟" هي السائلة، فيحتمل أنها أمرت أم سلمة أن تسأل، ثم سألت لتتأكد، أو أنها سألت أولًا، ثم نسيت، فأمرت أم سلمة، خجلت أن تسأل ثانية، مثلما تقدم في حديث علي: "كنت رجل مذاءً فأمرت المقداد" وفي بعض طرقه أنه سأل، ويطلق على الآمر أنه سائل، إذا كلف أحد يسأل فقد سأل، وعلى كل حال الأمر سهل في مثل هذا.
"فاستفتت لها أم سلمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لتنظر))" اللام لام الأمر "((إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة))" يعني والصيام قدر ذلك من الشهر ((فإذا خلفت ذلك فلتغتسل)) خلفت تلك الأيام، يعني تركتها وراء ((فلتغتسل، ثم لتستثفر)) تشد فرجها بثوب ((ثم لتصلي)) عندكم ياء أم ما في ياء؟ اللام لام ماذا؟ يأتي لام الأمر مع الياء؟ أو نقول: الياء للإشباع؟ {إنه من يتقي ويصبر} [(90) سورة يوسف].
"ألم يأتيك والأنباء تنمي" هذا إشباع.
في حديث فاطمة هذا براويتيه دليل على العمل بالعادة، وهذا بالنسبة للمعتادة، غير المعتادة لا تخلو إما أن تكون مميزة أو غير مميزة، فإن كانت مميزة، ماذا يعني مميزة؟ يعني بلغت سن التمييز؟ أي: تميز الدم، تميز دم عادتها من غيره، إن لم تكن معتادة وكانت مميزة تعمل بالتمييز، إن لم تكن معتادة ولا مميزة تنظر إلى عادة قريباتها، لكن إذا وجد معتادة مميزة في الوقت نفسه، يعني عادتها قبل الاستحاضة سبعة أيام، ثم جاءتها الاستحاضة ستة أشهر مثلًا، وفي كل شهر يأتيها الدم الأسود المنتن خمسة أيام مثلًا، هل تجلس سبعة أيام باعتبار عادتها السابقة وهي معتادة، أو تجلس هذه الخمسة؟ وبأسلوب آخر أو بعبارة أخرى هل المقدم العادة أو التمييز؟
الآن عندنا في الحديث العادة، وجاء ما يدل على اعتبار التمييز، والنظر إلى لون الدم، فإنه أسود يُعرِف، يعني له رائحة، أو يُعرَف، فهل المقدم العادة أو التمييز؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، فالحديث فيه عمل المعتادة بعادتها، وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد قوليه، سواء كانت مميزة أو لا، تعمل بالعادة، ومذهب مالك وأصح قولي الشافعي أن المميزة تعمل بالتمييز، وإن كانت غير مميزة دمها لا يتغير فالعادة، نعم؟
طالب:.......
يعني كالمبتدئة؟ يعني كالمبتدئة إذا تكرر ثلاثًا استقرت عادتها، نعم؟
طالب:.......
لا، هو عندنا النصوص كلها تدل على العادة أو التمييز، أو ترد إلى نسائها، فأن كانت معتادة ومميزة في الوقت نفسه فالخلاف يحصل، إن كانت معتادة فقط دون تمييز ترد إلى عادتها، إن كانت مميزة دون عادة ترد على التمييز، إن كانت معتادة مميزة فالخلاف، نعم؟
طالب:.....
لا، الذي يظهر أن القوة في التمييز أكثر من العادة، القوة في التمييز، في تمييز لون الدم في وقت الصحة، يعني قبل الاستحاضة نعم له لون معين، ويأتي هذا اللون في أثناء مدة الاستحاضة، لا شك أن هذا أقوى من مسألة أيام؛ لأن جريان الدم لمدة شهر كامل عادتها تأتي في الثلث الأول، ما الفرق بين الدم الذي في الثلث الأول إذا كان لا يتغير عن الدم الذي في الثلث الثاني؟ يعني لولا وجود هذه النصوص التي ترد فيها المرأة إلى عادتها اختلطت الأمور، لكن التمييز شبه يقين، فالذي يترجح عندي العمل بالتمييز أقوى من العمل بالعادة، لكن إذا لم يوجد تمييز ترد إلى عادتها، والنصوص صحيحة وصريحة في الباب، نعم؟
طالب:.....
المسألة إذا انتهت عادتها فلا تعتبر، إذا كانت في أثناء وقت العادة تعد، والمسألة مفترضة في مستحاضة، الدم جارٍ فلا يرد مسألة صفرة ولا كدرة.
طالب:.....
هذا في حيض أم في استحاضة تأتي صفرة وكدرة؟ الدم جارٍ باستمرار، يعني الصفرة والكدرة التي كانت تأتيها قبل الاستحاضة، هذه الكدرة والصفرة كانت تأتيها في أثناء مدة الحيض أو بعد نهايته؟ المقصود أنها إذا رأت الطهر فلا اعتبار بصفرة ولا كدرة، إذا لم تر الطهر فالصفرة والكدرة حيض، قول أم عطية، هل كانت ترى هذه الصفرة والكدرة بعد الطهر أم قبل الطهر؟ قبل الطهر حيض، نعم، وفيها الصفرة والكدرة، لكن هذه الصفرة قبل رؤية الطهر، الحد الفاصل هو رؤية الطهر، فإذا وجد الطهر فما قبله معتبر، وما بعده غير معتبر.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة"
الوسواس عند النساء كما يحصل في الطهارة، في الوضوء، في النية، وما أشبه ذلك يأتي هنا، امرأة منذ أيام، وهي تتصل وتقول: إنه يزيد وينقص؟ طيب، أنت ميزي، تقول: لا أدري، ترين طهرًا؟ تقول: أرى طهرًا، وما نوع هذه الرؤية؟ ما تدري، يعني امرأة معتادة من سنين، لكن سببه الوسواس؛ لأنها تقول: أخشى أكفر، ما هنا كفر، أنت تأكدي فقط، هل حيض أم ليس بحيض؟ وإن كان حيضًا حرام أن تصلي بعد، فالمسألة تحتاج إلى أن تتفقه النساء في هذا الباب، لا بد أن يتفقه النساء في هذا الباب؛ لأنه مثلما ذكرنا سابقًا أن الاحتياط فيه صعب، ما يمكن الاحتياط فيه، إن صلت في وقت العادة ارتكبت محرمًا، وإن تركت الصلاة في وقت الطهر فالأمر أعظم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة أنها رأت زينب بنت جحش" التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي.
بنات جحش مبتليات، ثلاث، زينب التي هي أم المؤمنين -رضي الله عنها-، وكانت تحت زيد بن الحارث {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [(37) سورة الأحزاب] ولم تكن في يوم من الأيام تحت عبد الرحمن بن عوف، هذه واحدة، الثانية أم حبيبة، زينب هذه كان اسمها: "برة" فغيره النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى "زينب"، الثانية أم حبيبة هي زوج "عبد الرحمن بن عوف" وهذه كنية، ولا يبعد أن يكون اسمها: "زينب" لأن الاسم الثاني طارئ بالنسبة لأختها، والثالثة "حمنة" وهي زوج طلحة بن عبيد الله.
طالب:.......
احتمال، لكنها بلا شك زوجة طلحة بن عبيد الله، وكلهن مبتليات بالاستحاضة.
"أنها رأت زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي" يعني إذا ذهبت، أو إذا ذهب وقت عادتها، ذهبت حيضتها تغتسل وتصلي.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن القعقاع بن حكيم" الكناني "وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله، كيف تغتسل المستحاضة؟ فقال: "تغتسل من طهر إلى طهر" يعني إذا ذهبت عادتها اغتسلت، وما عدا ذلك فلا تغتسل "تغتسل من طهر إلى طهر" بالمهملة طهر، من الرواة من رواه: "من ظهر إلى ظهر" بالظاء المشابهة، يعني تغتسل مرة واحدة في اليوم، نعم تغتسل من طهر إلى طهر، يعني إذا ذهبت حيضتها اغتسلت، وما عدا ذلك لا يلزمها أن تغتسل، بل تتوضأ لكل صلاة كغيرها ممن حدثه دائم، كمن به سلسل بول، سلسل ريح مثلًا، من به جرح لا يرقى، على كل حال تتوضأ لكل صلاة وجوبًا عند الأكثر.
وقال بعضهم: استحبابًا، ولا يجب إلا بحدث، وهذا فرع عما تقدمت الإشارة إليه، وهو أن مثل هذه الطهارة هل هي رافعة أو مبيحة؟ فمن قال: تتوضأ وجوبًا بناءً على أن هذا الطهارة لا ترفع الحدث، بل تبيح الصلاة، ومن قال: استحبابًا، قال: إن الطهارة ترفع الحدث، والوضوء لا يجب إلا بالحدث، حدث جديد، هذا قول الأكثر أحوط، تغتسل وجوبًا "فإن غلبها الدم استثفرت"...
طالب:.......
لكل صلاة، نعم.
طالب:.......
وضوء لكل صلاة، أما الاغتسال إذا ذهبت حيضتها، إذا ذهب وقتها، أو تمييزها على ما تقدم تغتسل، ثم بعد ذلك تتوضأ لكل صلاة، نعم؟
طالب:.......
لا، هو لو قيل بوجوب الاغتسال لكل صلاة، قيل: يتجه الجمع، أما مسألة الوضوء كغيرها من الأصحاء.
هنا يقول أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط، وقد ورد في بعض الروايات: ((اغتسلي لكل صلاة)) لكن الصواب: "توضئي لكل صلاة" الأمر بالوضوء لا بالغسل.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلًا واحدًا" يعني عند انقضاء مدة حيضها غسلًا واحدًا؛ لأنه المأمور به "ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة" وجوبًا عند الجمهور، واستحبابًا عند مالك، مالك يرى أنه يرفع.
"قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا أن المستحاضة إذا صلت أن لزوجها أن يصيبها" وبهذا قال الجمهور، وفي البخاري عن ابن عباس: "لزوجها أن يصيبها إذا صلت، الصلاة أعظم" وكذلك النفساء؛ لأنه لو منع منها زوجها لحصل ضرر وعنت ومشقة لطول المدة، بخلاف الحائض التي تنقضي مدتها بالأسبوع أو أقل أو أكثر بقليل مثل هذا لا يتضرر.
وكذلك النفساء إذا بلغت أقصى ما يمسك النساء الدم، وأقصاه عند مالك ستون يومًا، وقال الأكثر: أربعون يومًا، وهو المرجح، فإن رأت الدم بعد ذلك فإنه يصيبها زوجها، يعني بعد انقضاء مدة النفاس، وكل على مذهبه، مالك الستين، والجمهور على الأربعين، إذا رأت الدم بعد الأربعين عند الجمهور فإنه في حكم الاستحاضة، ما لم يصادف وقت عادة، فإن لزوجها أن يصيبها؛ لأنها في حكم المستحاضة.
"قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا في المستحاضة على حديث هشام بن عروة عن أبيه، وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك" يعني ليس عليها إلا أن تغتسل غسلًا واحدًا إذا انقضت عادتها، ثم تتوضأ لكل صلاة.
ابن حجر في فتح الباري عد المستحاضات في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- من الصحابيات وصل العدد إلى عشر: بنات جحش الثلاث، وفاطمة بنت أبي حبيش، وسودة بن زمعة، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، وسهلة بنت سهيل، وأسماء بنت مرثد، وبادية بنت غيلان، عشر: ثلاث بنات جحش، الثلاث، وفاطمة بنت أبي حبيش، وسودة، وأم سلمة، يعني ثلاث من نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأسماء بنت عميس، نعم وكانت تحت جعفر ثم أبي بكر، ثم علي -رضي الله عن الجميع-، وسهلة بنت سهيل، وأسماء بنت مرثد، وبادية بنت غيلان، عشر.
على كل حال هو حدث، والطهاة هذه من حدث، ووضوؤها التي تتوضأه لا يرفع الحدث، ولو رفع الحدث لقلنا: إنه لا يلزمها أن تتوضأ لكل صلاة، ما لم تحل بحدث آخر.
طالب:.......
هو إذا خرج من مخرجه نقض بلا شك، لكن إذا خرج من غير المخرج السبيلين، من البدن، هل ينقض أو لا ينقض؟ هذا محل الخلاف، هو يخرج من عرق.
على كل حال ذكرنا الخلاف سابقًا، كما هو معروف، ودُوّن، وفي زيادة، وعرفنا أن مالك لا يرى وجوب الوضوء لكل صلاة، إنما يستحب ذلك استحبابًا، فعلى هذا يوجه كلامه، وتوضئي لكل صلاة استحبابًا.
طالب:.......
المقصود أنه إذا مر عليها وقت فأكثر لا بد أن تتوضأ.
يقول في تنوير الحوالك: عن القاضي يونس بن مغيث في كتابه: (الموعب) في شرح الموطأ، أن بنات جحش كل واحدة منهن اسمها زينب؛ زينب الكبرى، زينب الوسطى، زينب الصغرى، نعم بنات جحش كل واحدة منهن اسمها زينب، ولقب إحداهن حمنة، وكنية الأخرى أم حبيبة، نعم هذا ما فيه إشكال، مثلما ذكرنا سابقًا أنه حتى لو لم يكن هذه التسميات موجودة، فلا يمنع أن تكون أم حبيبة اسمها زينب؛ لأن زينب كان اسمها برة.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في بول الصبي
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: أوتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصبي فبال على ثوبه، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بماء فأتبعه إياه.
عن مالك عن ابن شهاب عن عبيدة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أم قيس بنت محصنة أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجلسه في حجره، فبال على ثوبه، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بماء فنضحه ولم يغسله.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في بول الصبي
الصبي يجمع على صبيان، أي ما حكمه؟ أو ما جاء في حكمه.
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: أوتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصبي فبال على ثوبه" فبال على ثوبه، الضمير يعود على ثوب من؟ في ثوبه، ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام- أو ثوب الصبي نفسه؟ نعم، يقول ابن شعبان وهو من كبار المالكية: الضمير يعود على الصبي، الصبي بال على ثوبه، ثوب نفسه، لكن هذا قول غريب، والصواب أنه بال على ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"أوتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصبي" ويأتي في الحديث الذي يليه: لم يأكل الطعام، وهو وصف مؤثر لا بد منه "فبال على ثوبه، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتبعه إياه" أتبعه بإسكان المثناة، أي أتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البول الذي على الثوب الماء، يصبه عليه، زاد مسلم: "فأتبعه ولم يغسله" وسيأتي في الحديث اللاحق التصريح بأنه نضحه ولم يغسله.
الحديث الذي يليه يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أم قيس" قال ابن عبد البر: اسمها جذامة، وقال السهيلي: اسمها آمنة، وهي أخت عكاشة بن محصن الذي اشتهر بحديث السبعين الألف "بنت محصن الأسدية، أنها أتت بابن لها صغير" يقول ابن حجر: لم أقف على اسمه "لم يأكل الطعام" والمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يحنك به، والدواء ونحوه، ما عدا ذلك لا يستقل به، إذا كان يعطى مع اللبن شيئًا يسيرًا لا يغنيه عن اللبن، يلعق عسل، أو يهرص له تمر، أو ما أشبه ذلك، لكنه لا يغنيه عن اللبن، فهو داخل فيما يدل عليه الحديث من حكم.
"لم يأكل الطعام، إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجلسه" في بعض الروايات أنه جيء به ليحنكه يوم ولادته، فأجلسه يعني وضعه؛ لأنه في يوم ولادته لا يجلس "في حجره، فبال على ثوبه" أي ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسبق أن ذكرنا قول ابن شعبان من المالكية، نعم؟
طالب:.......
لكن ما الداعي إلى غسل الثوب؟ المقصود أن الغسل والرش إنما يطالب به المكلف للصلاة، يعني لو استمر الصبي وثوبه نجس ماذا يضر؟
على كل حال المقصود ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام- سواء قلنا بهذا أو ذاك.
"فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بماء فنضحه ولم يغسله" عندنا صبي هل تلحق به الصبية؟ وهو صبي هل يلحق به الكبير؟ يعني هل تلحق الأنثى بالذكر؟ وهل يُلحق الكبير بالصغير؟ النص في الصبي، وهو الذكر الصغير، والوصف لم يأكل الطعام المعتبر.
وأخرج الإمام أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي بإسناد صحيح عن علي -رضي الله عنه- مرفوعًا: "ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية" وله شاهد من حديث لُبَابَة بنت الحارث، أخرجه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة وغيره، من حديث أبي السمح عند أبي داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة أيضًا، فالفرق ثابت، يعني تنصيص على التفريق بين الذكر والأنثى ثابت.
التفريق بين الكبير والصغير أيضًا يدل عليه قوله: "لم يأكل الطعام" والوصف بكونه صبيًّا، وإن قال بعضهم: يرش من بول الذَّكر كبيرًا كان أو صغيرًا، ومنهم من نظر إلى السن فقال: يرش من بول الصغير ذكرًا كان أو أنثى، لكن النص وارد في الصبي من الذكور، الصغير من الذكور الذي لم يأكل الطعام.
ففي الحديث فوائد عظيمة، هذا الصبي جيء به ليحنكه النبي -عليه الصلاة والسلام-، والتحنيك حصل منه -عليه الصلاة والسلام- مرارًا، يحضر الصحابة أولادهم للنبي -عليه الصلاة والسلام- ليحنكهم، والشُّراح يقولون: فيه مشروعية إحضار الصبيان لأهل الخير والفضل من أجل تحنيكهم، من أجل التبرك بهم، لكن هذا القول ليس بصحيح، أولًا: مثل هذا أو التبرك خاص بمن جعل الله فيه البركة، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ولذا لا يعرف أن أحدًا من الصحابة أحضر ولده لأبي بكر مثلًا ليحنكه، أو لعمر وما أشبه ذلك.
إن كان هذا التحكنيك ينفع الصبي من الناحية الطبية يتولاه من يتولاه، نعم؟
طالب:.......
نعم، ليس بصحيح إلا إذا كان من الناحية الطبية نافع، فلا يلزم أن يتولاه أهل الصلاح.
طالب:.......
لا، ما يلزم إن كان القصد به التبرك فهو خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.
فيه الندب إلى حسن المعاشرة، والتواضع والرفق بالصغار، وفيه أيضًا الفرق بين بول الغلام والجارية، كما ذكرنا فيرش من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية، وفي المسألة أقوال أصحها ما ذكر، وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وغيرهم، وهو المصحح المرجح عند الشافعية.
والثاني النضح فيهما، يعني في الذكر والأنثى، وبه قال الأوزاعي، وحكي عن مالك والشافعي، يعني ملحظ هذا القول بغض النظر عن النصوص التي ذكرناها، وفيها التفريق بين الذكر والأنثى، يعني من خلال نصوص الباب، وفيها التنصيص على العلة "لم يأكل الطعام" كأنهم شموا من هذه العلة أن الطعام له أثر في البول، وإذا كان التخفيف الوارد في الحديث من أثر الطعام فلا فرق بين الذكر والأنثى، نعم، إذا كان هذا التخفيف بسبب الطعام لم يأكل الطعام إذًا الأنثى مثله، إذا لم تأكل الطعام، لكن النصوص التي سقناها من حديث علي -رضي الله عنه- ولبابة بنت الحارث والسمح كلها تفرق بالنص بين الذكر والأنثى، وهي كلها مصححة.
والقول الثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قال الحنفية، وهو المعروف عند المالكية.
هنا يقول: قال محمد بن الحسن: قد جاءت رخصة في بول إذا كان لم يأكل الطعام، وأمر بغسل الجارية وغسلهما جميعًا أحب إلينا.
الثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قال الحنفية، يقول: وغسلهما جميعًا أحب إلينا، وهو قول أبي حنيفة، قالوا: وبهذا نأخذ، نتبعه إياه غسلًا حتى ننقيه، نعم؟ وهو قول أبي حنفية.
على كل حال إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، فالنصوص صحيحة وصريحة، ولسنا بحاجة إلى أقوال تخالف هذا النصوص، مع أن هؤلاء أئمة كبار، يعني لا أحد يتطاول عليهم لمجرد قول مرجوح، أو لرأي رأوه، هم أئمة مجتهدون إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد.
بول الصبي مع كونه ينضح ما جاء من النصوص في التخفيف في تطهيره، هل في ذلك ما يدل على طهارته؟ هو نجس على كل حال، لكنها نجاسة مخففة، يكفي فيها النضح كالمذي، ولا يفهم من حديثي الباب طهارته، وسبب التفريق بين بول الصبي وبول الصبية ما ذكره بعضهم أن النفوس تتعلق بالصبي أكثر من تعلقها بالصبية، فيكثر حمل الصبي، ويشق التحرز من بوله، هذا قول، ومنهم من قال: إن بول الصبي ينتشر، ويشق غسل جميع الثوب من أجله، بينما بول الصبية لا ينتشر موضعه واحد، فغسله متيسر، وعلى كل حال هذه علل مستنبطة، والعبرة بالنص، النضح أصله الرش، وجاء التصريح به "يرش من بول الغلام" نعم.
أحسن الله إليك
باب: ما جاء في البول قائمًا وغيره
عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: دخل أعرابي المسجد فكشف عن فرجه ليبول، فصاح الناس به حتى علا الصوت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتركوه)) فتركوه فبال، ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذنوب من ماء فصب على ذلك المكان.
عن مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر يبول قائمًا.
وسئل مالك عن غسل الفرج من البول والغائط، هل جاء فيه أثر؟ فقال: بلغني أن بعض من مضى كانوا يتوضؤون من الغائط، وأنا أحب أن أغسل الفرج من البول.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في البول قائمًا وغيره
"حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال: دخل أعرابي" اختلف في أسمه فقيل: هو ذو الخويصرة اليماني، وقيل: ذو الخويصرة التميمي، رأس الخوارج، يعني الذي قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: اعدل، وقال بعضهم: هو عيينة بن حصن، وقيل: الأقرع بن حابس، وعلى كل حال هي أقوال، وجاءت بعض الآثار التي يمكن تفسير المبهم بها، مع أن بقائه مبهمًا أولى، سترًا عليه.
"دخل أعرابي" هذا الأعرابي روى الترمذي من طريق ابن عيينة في أوله: أنه دخل المسجد فصلى، ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لقد تحجرت واسعًا)) فلم يلبث أن بال في المسجد، هذه الرواية تدل على أنه لما دخل صلى، ثم قال ما قال: اللهم ارحمني ومحمدًا، وكل هذا قبل البول، ثم لم يلبث أن بال، هذه الراوية، لكن المناسب لقوله: اللهم ارحمني ومحمدًا" أن يكون قبل البول أم بعده؟ بعد البول، المناسب أن يكون بعد البول، لما قام إليه الصحابة وكادوا أن يهموا به، وزجروه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: دعوه، دعوه، اتركوه، يناسب أن يقول: اللهم ارحمني ومحمدًا، لكن راوية الترمذي على كل حال هي مقدمة على مجرد التوجيه، وإن كان المعنى واضح.
"دخل أعرابي المسجد، فكشف عن فرجه ليبول، فصاح الناس به" هل بال قائمًا أو قاعدًا هذا الرجل؟ لأن الترجمة: باب ما جاء في البول قائمًا، الحديث ليس فيه دلالة صريحة.
طالب:.......
فكشف، طيب فكشف يعني العطف بالفاء التي تقتضي التعقيب، دخل فكشف، يعني لو كان دخل فجلس، ثم كشف، واضح، يعني لو قيل: ثم كشف، يعني فيه فرصة في وقت لئن يجلس وكذا، يعني العطف بالفاء يشم منه -وإن كان ليس بصريح- أنه بال قائمًا؛ لأنها تقتضي التعقيب، لكن لو قال: ثم كشف عرفنا أنه صار في مدة بعد دخوله.
على كل حال في البول قائمًا حديث حذيفة عند السبعة، من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ولا إشكال فيه، وسيأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-.
"فكشف عن فرجه ليبول، فصاح الناس به -زجرًا له- حتى علا الصوت" ارتفع، وفي راوية: فزجره الناس، وأخرى: "فتناوله الناس" يعني تناولوه بالكلام، وشددوا عليه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتركوه)) لا شك أنه فعل منكرًا، واشترك الجميع في الإنكار عليه امتثالًا لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من رأي منكم منكرًا فليغيره بيده)) يعني ما أنكر عليهم أنهم أنكروا، أنكر عليهم لما يترتب على هذا الإنكار من منكر أعظم منه "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتركوه))" يعني اتركوه يبول، يعني لئلا يؤدي قطع البول إلى ضرر كبير يحصل له، وقد يغلبه البول قبل الخروج من المسجد فيودي إلى انتشار النجاسة، وتوسع رقعتها، اتركوه "فتركوه، فبال في المسجد" يعني أكمل البول "ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الآن العبارة: فكشف عن فرجه ليبول، فصاح الناس به حتى علا الصوت، فقال: ((اتركوه)) فتركوه، فبال، يعين ظاهر هذه السياق أنه لم يبل بعد، أدركوه قبل أن يبول، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اتركوه يبول، لكن الروايات الأخرى تدل على أنهم أنكروا عليه بعد أن باشر البول؛ لأنه لو لم يباشر البول ما في أثر مترتب على الإنكار، نعم ليس فيه أثر مترتب على الإنكار، لكن لما باشر البول يترك، أما قبل أن يباشر لا يترك، نعم؟
طالب:.......
ما هو من أجل العورة، الإنكار منصب على أنه بال في المسجد، كما في بعض الروايات، باشر البول، "فبال، ثم أمر سول الله -صلى الله عليه وسلم-" لما انتهى الرجل من بوله "بذنوب" دلو ملئ من الماء "فصب" وفي رواية: فأهريق "على ذلك المكان، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين))" هم ما جاءوا بشيء، يعني في بادئ الأمر أنكروا منكرًا، وإنكار المنكر واجب، لكن باعتبار الأثر المترتب على هذا الإنكار من منكر أعظم منه، اتجه الأمر بتركه، وهذه قاعدة إنكار المنكر واجب باليد مع الاستطاعة، أو باللسان مع عدمها، أو بالقلب مع عدم استطاعة الإنكار باللسان، هذا هو الأصل، لكن إذا كان يترتب على هذا الإنكار منكر أعظم منه فإنه حينئذٍ عاد على حسب الأثر المترتب عليه، أحيانًا قد يصل إلى درجة التحريم، على حسب الأثر المترتب عليه، إذا كان ينكر المنكر بيده بأعظم مما يستحقه المرتكب، شخص فعل منكرًا محرمًا، لكن ضربه ضربًا أكثر مما يستحق، لا يجوز له ذلك، إذا كان الضرر المترتب على الإنكار متعدٍ للمنكِر وغيره أيضًا لا يجوز.
إذا كان الضرر والأثر المترتب على الإنكار لازمًا للشخص نفسه، للمنكر، فالمسألة دائرة بين عزيمة ورخصة، له أن يترخص، ما دام يوجد ضرر، وإن ارتكب العزيمة فالأمر إليه.
((فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)) فالرفق الرفق، والرفق ما دخل في شيء إلا زانه، والخبر مرسل عند الإمام -رحمه الله تعالى-؛ لأنه يروي عن يحيى بن سعيد، ويحيى بن سعيد يروي قصة لم يشهدها، وهو موصول عند الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- من طريق عبدان، عن عبد الله، عبدان ما اسمه؟ نعم، عبد الله بن عثمان العتكي، عن عبد الله ابن المبارك.
قال: "أخبرني يحيى بن سعيد، قال: سمعت أنس بن مالك" ورواه أيضًا من طريق خالد وسليمان بن بلال عن يحيى، مخرج وموصول من طرق عند الإمام البخاري وغيره، فالحدث صحيح، وفي الحديث: ارتكاب أخف الضررين، وتحصيل أعظم المصلحتين، وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع؛ لأنه مجرد ما انتهى صبوا عليه الماء، وهنا مبادرة إلى إزالة المفسدة عند زوال المانع.
وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسة، وأنه لا يشترط حفر الأرض، ولا نقل تربتها، مجرد ما يصب عليها الماء يطهر، وفيه أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة، يعني لو قيل بنجاستها لقلنا: إنه بمجرد صب الماء تتوسع رقعة النجاسة، لكن الغسالة طاهرة، وفيه الرفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف، إذا لم يكن فعله على جهة العناد والإصرار، وإذا عرف أنه فعل ذلك على جهة العناد والإصرار فإنه يعاقب العقاب المناسب.
يعني وجد في مسجد من المساجد المصاحف -نسأل الله السلامة والعافية- كلها مفتوحة، وقد مر عليها شخص وبال عليها، نقول: مثل هذا يرفق بالجاهل؟ لا، ليس من هذا النوع أبدًا، على كل حال إذا حقق معه، وعرف القصد والهدف -الله المستعان- يلقى الجزاء المناسب، والشرع لن يضيق بالحكم المناسب له.
طالب:.......
الأصل التراب، والسجاد يكرر عليه صب الماء ويفرك؛ لأنه يتشرب أكثر.
فيه رأفة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحسن خلقه، وفيه أيضًا تعظيم المساجد، وأنها أنما بنيت للذكر والصلاة، وتنزيهها عن الأقذار.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر يبول قائمًا" لأن مذهبه جواز ذلك بلا كراهة، وبذلك قال أبوه وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وابن سيرين والنخعي وأحمد.
حديث حذيفة عند السبعة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم فبال قائمًا، استدل به أهل العلم على جواز البول قائمًا، شريطة أن يستتر ويأمن الرشاش ألا يرتد إليه بوله، لا بد أن يستتر؛ لئلا تنكشف عورته أمام الناس، ولا بد أن يأمن الرشاش، فإذا تحقق الشرطان جاز البول قائمًا.
طالب:.......
ولو فرض ثبوته عنها هذا حسب علمها، لكن حذيفة رأى وحفظ قصة معروفة عند أهل العلم، وكرهه تنزيهًا أكثر العلماء، كراهة تنزيه، وأجابوا عن حديث حذيفة أنه لم يجد -عليه الصلاة والسلام- مكانًا يصلح للقعود.
وبعضهم قال: إن هذا سببه وجع كان في مأبضه باطن الركبة، ومنهم من يقول: إن العرب تستشفي بالبول قائمًا من وجع الصلب، على كل حال هذه علل مستنبطة، والحديث نص في الجواز، فلا داعي للتضييق، وما في شك أن الجلوس أستر، ويغلب على الظن أنه ما يرتد إليه بوله، ولا رشاش، نعم، لكن فعله -عليه الصلاة والسلام- لبيان الجواز، ولا يمنع أنه إذا فعل شيئًا لبيان الجواز أن يكون غيره أكمل منه وأفضل.
"قال يحيى: وسئل مالك عن غسل الفرج من البول والغائط هل جاء فيه أثر؟" يعني لو وجه هذا السؤال لطالب في الابتدائي، أن مالك نجم السنن، إمام دار الهجرة، إمام متبوع، صاحب سنة وأثر، لو سئل أصغر طلاب العلم هذا السؤال: عن غسل الفرج من البول والغائط هل جاء فيه أثر؟ ماذا يقول؟ وماذا قال مالك -رحمه الله-؟ "بلغني أن بعض من مضى كانوا يتوضؤون من الغائط" ماذا يدل؟ على أي شيء؟ "بلغني أن بعض من مضى كانوا يتوضؤون من الغائط، وأنا أحب أن أغسل الفرج من البول أيضًا" يعني وإن جاز في الحجر، يعني عبارة تدل على ورع، عبارة تدل على تمام الورع، حفظ عنه أنه سئل عن أربعين مسألة، وأجاب عن أربع أو ثمان أكثر ما قيل، وقال في الباقي: لا أعلم، والسائل يقول له: مالك، مالك إمام دار الهجرة، وقد جاءه من بعيد، قال: اذهب إلى العراق وقل لهم: إن مالك يقول: لا أدري.
وآحاد الطلاب وصغارهم يستنكف ويستكبر أن يقول: لا أدري، والله المستعان، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في السواك
عن مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في جمعة من الجمع: ((يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدًا فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك)).
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)).
عن مالك عن ابن شهاب عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أنه قال: "لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في السواك
والسِّواك بكسر السين على الأفصح، مذكر، وقيل: مؤنث، وأنكره الأزهري، مشتق من ساك إذا دلك، أو من قولهم: جاءت الإبل تتساوك، يعني من الهزال تتمايل، ويطلق على الفعل الذي هو التسوك، ويطلق أيضًا على الآلة التي هي العود وجمع السواك: سُوك، بواو واحدة، مضموم.
يقول: "حدثني عن يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق" عبيد بن السباق المدني من ثقات التابعين "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في يوم جمعة" بضم الميم جُمُعة، لغة الحجازيين، وفتحها لغة تميم، جمَعة كهمزة ولمزة، وإسكانها لغة، لغة عقيل، وبها قراء الأعمش، إسكانها، {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمعَةِ} [(9) سورة الجمعة].
"في يوم جمعة من الجمع" الجمع جمع جمعة ((يا معشر المسلمين)) المعشر الطائفة الذين يشملهم وصف واحد، الشباب معشر، والشيوخ معشر، والنساء معشر، وهكذا ((يا معشر المسلمين)) المسلمون يشملهم وصف وهو الإسلام، واحدهم معشر، وهم أيضًا معاشر إذا نظرنا إلى الأوصاف الجزئية.
((يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدًا)) يعني لهذه الأمة ((فاغتسلوا)) ولما قال اليهودي: لو علينا نزلت هذه الآية، يعني قوله تعلى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة] لاتخذنا اليوم الذي نزلت فيه عيدًا، فماذا قال عمر -رضي الله عنه-؟ قد علمت متى نزلت؟ وأين نزلت؟ نزلت يوم جمعة، وهو عيد بالنسبة للمسلمين، ويوم الجمعة شأنه عظيم في الإسلام، خلاف بين أهل العلم في المفاضلة بينه وبين يوم عرفة، عموم الناس بما في ذلك بعض طلاب العلم لا تجد فرقًا بين يوم الجمعة ويوم السبت، ما نرى فرقًا.
((إن هذا يوم جعله الله عيدًا فاغتسلوا)) والأمر الأصل فيه الوجوب، ويؤيده حديث: ((غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)).
وبهذا قال بعض العلماء والجماهير على أنه سنة، جماهير أهل العلم على أن الغسل يوم الجمعة سنة، والأمر فيه للندب؛ لحديث: ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)) وأيضًا صنيع عثمان -رضي الله عنه- حينما دخل وعمر -رضي الله عنه- يخطب، وذكر أنه اقتصر على الوضوء ولم ينكر عليه.
إذًا قوله في الحديث: ((غسل الجمعة واجب)) محمول عند الجمهور إلى أنه متأكد، يعني مثلما تقول: حقك واجب علي، رضاؤك علي فرض، أحيانًا تقول كذا، وليس معنى أنك تأثم بتركه، فهو متحتم، ولا شك أن هناك اختلاف بين الاصطلاحات، أو بعض الألفاظ الشرعية مع الاصطلاحات العرفية، يعني الاصطلاح عند أهل العلم العرف الخاص عندهم أن الواجب يأثم لتركه، في الإطلاق الشرعي عند عامة أهل العلم لا يأثم لتركه.
يعني لما يقول ابن عمر: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان، ويقول الحنفية: زكاة الفطر ليست بفرض، نقول: عناد هذا؟ يعني لما يأتيك سؤال في الامتحان في الفقه، في أبواب المعاملات، ويقول لك: عرف المفلس، وتأتي ورقة الإجابة: المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال.. ويأتي المدرس ويقول: خطأ، صفر، ماذا نقول؟ هل نقول: إن المدرس ضال، الرسول يقول: المفلس كذا، ويقول خطأ؟ نعم، لأن المسالة تحتاج إلى شيء من البسط؛ لأن بعض الناس يظن هذا عناد، الرسول يقول: واجب، وأنت تقول: ما هو بواجب؟ ما معنا هذا؟ ابن عمر يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والحنفية يقولون: ما هو بفرض.
يعني لو قال شخص، أقسم أنه ما رأى في يوم من الأيام جمل أصفر، ماذا تقول؟ وهو منصوص عليه بماذا؟ {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] نعم في القرآن، ماذا تقول؟ نعم الحقائق تختلف، حقائق عرفية، وحقائق شرعية، وحقائق لغوية، قد يكون الإطلاق اللغوي غير الإطلاق العرفي، والإطلاق الشرعي غير الإطلاق اللغوي وهكذا.
المقصود أننا ننتبه من هذه، نضع هذه على بالنا؛ لئلا نقع في حرج، يعني الإنسان الرسول يقول: ((غسل الجمعة واجب)) وأنت تقول: ما هو بواجب؟! ما معنى هذا الكلام؟ يعني الأئمة أهل علم وعمل وورع، وعرفوا ما خفي عليهم هذا الحديث، واجب هذا إطلاق شرعي لا يقتضي مطابقته مع الاصطلاح العرفي عند أهل العلم، يعني أهل العلم اصطلاحهم أن الواجب يأثم بتاركه، لا يلزم أن يأثم هنا.
((فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه)) والطيب في الجمعة والعيد سنة عند الجمهور، وأوجبه أبو هريرة -رضي الله عنه-.
((وعليكم بالسواك)) أي: الزموه؛ لتأكد الاستحباب، وإلا فليس بواجب، وابن حجر -رحمه الله تعالى- غمز هذا الحديث، وما جاء من معناه مما يدل على وجوب السواك.
هذا الحديث كما ترون عند الإمام مالك عن ابن السباق، وهو تابعي، من ثقات التابعين "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال" مرسل وصله ابن ماجه.
يقول ابن ماجه: حدثنا عمار بن خالد الواسطي، قال: حدثنا علي بن غراب عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عبيد بن السباق عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال، وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر ضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات، على كل حال هو ضعيف بسبب صالح بن أبي الأخضر.
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك))" تمامه عند البخاري: ((مع كل صلاة)) وهو مخرج في البخاري من طريق عبد الله بن يوسف.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال: "لولا أن يشق على أمته لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" "لآمرهم" نعم.
هو أصل الحديث المرفوع هذا من كلام أبي هريرة الحديث المرفوع: ((لولا أن أشق على أمتي)) كسابقه ((لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء)) جاء الوضوء وجاء الصلاة، والصلاة في الصحيحين، والوضوء عند أحمد مرفوعًا أيضًا من طريق مالك عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة مرفوعًا، عند ابن خزيمة والبيهقي، هو حديث صحيح، ما فيه إشكال، وأصح منه الذي قبله؛ لأنه في الصحيحين.
والحديث بلفظة: ((لولا أن أشق)) (لولا) حرف امتناع لوجود، فامتنع الأمر لوجود المشقة، والأمر الممتنع هو أمر الوجوب، وإلا فأمر الاستحباب باق، ودلائله كثيرة، والإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول: "الحديث فيه دليل على أن السواك ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجبًا لأمرهم به، شق عليهم أو لم يشق" وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر العلم، بل ادعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكى الشيخ أبو حامد وتبعه الماوردي.. من أبو حامد هذا؟ والماوردي يتبعه؟ الماوردي متوفى سنة كم؟ أربعمائة وخمسين، يعني قبل الغزالي بخمس وخمسين سنة، نعم أبو حامد الإسفرائيني، وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه قال: هو واجب لكل صلاة، فمن تركه عامدًا بطلت صلاته.
وعن داود أنه قال: هو واجب لكن ليس بشرط، يعني يأثم تاركه ولا أثر في تركه على الصلاة، واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجه: ((تسوكوا)) وفي الموطأ: ((عليكم بالسواك)) يعني حديث الباب، قال ابن حجر: ولا يثبت شيء منها، فحديث الباب: ((لولا أن اشق)) و"لولا أن يشق" دلالة على أن السواك ليس بواجب، وهو الحديث -حديث الباب- من أظهر الأدلة على أن الأصل في الأمر الوجوب؛ لأنه امتنع أمر الوجوب لوجود المشقة، نفي الأمر بالحديث مع ثبوت أمر الاستحباب، فالمنفي في الحديث هو أمر الوجوب، فدل على أن الأصل في الأمر الوجوب، مع قوله -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النــور] والسواك سنة في كل وقت، ويتأكد عند الصلاة والوضوء، والقيام من النوم، وتغير الفم، ولا يمنع منه الصائم ولو بعد الزوال لعموم الأدلة؛ ولضعف ما ورد في ذلك.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
"يقول: الجوربين الأولى هل توضأت أم لا؟ وبقيت على الجوارب الثانية؟ أيهما العليا يقول: يوم الجمعة بعد أن اغتسلت ولبست الجوارب، وفي يوم السبت بعد المغرب قمت بتبديل الجوارب.
بدلها غيرها.
طالب:.....
لا، ما يصلح، يقول: "في يوم السبت بعد المغرب" احتمال أنه ما مسح العصر، ما مسح إلا المغرب، وهنا يقول: في يوم السبت بعد المغرب، إن كان مسح العصر فينتهي المسح بصلاة العصر، لا يجوز له أن يمسح العصر السبت.
وبقيت علي الجوارب الثانية، ما أدري بعدما لبست الجوارب الثانية، ما يدري هل توضأ أم لا؟
إلى يوم الأحد في الحادية عشرة ليلًا تقريبًا هذا وأنا أعلم بأن المقيم يمسح على الجوارب يوم وليلة، ولكني نسيت هذا الحكم، علمًا بأني أسكن في الرياض للدارسة الجامعية؟
على كل حال لا يجوز لك أن تمسح أكثر من يوم وليلة، فإذا لبستها بعد اغتسالك لصلاة الجمعة، ومسحت عليها العصر تخلعها عصر يوم السبت، ولا يجوز لك أن تزيد على ذلك، فإذا زدت فقد صليت بوضوء ناقص، لم يؤذن لك بالمسح على الجوارب، وحينئذٍ تعيد الوضوء، وتعيد الصلاة.
لا، هو تبرك على كل حال، والصلاح لا يسري بمثل هذا، نعم بالدعاء يرجى.
ما يلزم؛ لأنه ما دام ما هو بتجليد المجمع، احتمال المجلد -وهو العادة- أن المجلد يفك الملازم، ينثرها نثرًا، ثم بعد ذلك يخيطها من جديد، فاحتمال أن يكون بعضها تقدم، وبعضها تأخر، فلو وجد من تجليد المجمع بهذا الترتيب المخل، لا شك أن هذه أمر عظيم، والذي نعرف أن المجمع فيه عناية فائقة، يعني في أوائل بداية الطباعة في الطبعة الأولى يقولون: إنهم وجدوا في المراجعة مائة وأربعين شيئًا لا يمكن يعني شيء سهل جدًّا، فهم تعبوا عليه، وأتقنوه وضبطوه، ولا شك أن عمل البشر معرض للخطأ، لكن هذا الكتاب محفوظ مصون، تولى الله -جل وعلا- حفظه والعناية به، ما وكله إلى أحد، لكن الذي يغلب على الظن أن الترتيب هذا من المجلد، لكن لو أتي بتجليد المجمع وهو معروف المجمع يجلد، ووجد هذا الخلل صار له أصل.
هذا يؤيد القول بأن مس الذكر ينقض الوضوء.
كأن يقول السائل: "اللهم إني أسألك بوجهك كذا" جاء في الخبر: ((لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)) وما عدا ذلك فلا.
على كل حال هذا اليسير، اليسير إن كان يسيرًا جدًّا فهو معفوٌّ عنه، وإن كان يمنع وصول الماء إلى البشرة، وكان كثيرًا واليسر والكثرة أمور نسبية، قد يكون يسيرًا في نظرك وهو في الحقيقة كثير، وعلى كل حال إيصال الماء إلى البشرة لا بد منه، فإذا وجد ما يمنع من وصول الماء إلى البشرة وجبت إزالته.
أما بالنسبة للإلية فلا، وأما الخصيتين جاء فيه: ((من مس ذكره وأنثييه)) هذه الزيادة بعضهم يرى أنها مدرجة، وبعضهم يرى أنها من أصل الحديث، وعلى كل حال الأصل مس الذكر.
طهرها في اليوم السادس إن كانت ترى الطهر القصة البيضاء، فما يأتي بعدها ليس له حكم الحيض، وإن كانت لا ترى الطهر، ثم ينقطع عنها الدم، ثم يعود إليها، فما يعود إليها إذا كان بنفس المواصفات -مواصفات دم الحيض من اللون والرائحة- فهو حيض وإلا فلا.
المضمضة والاستنشاق في الغسل القول بها أقوى من القول بها في الوضوء، فالذي لا يرى المضمضة والاستنشاق مطلقًا يكفي، لكن الذي يرى المضمضة والاستنشاق في الوضوء يراها في الغسل من باب أولى، والقائلون بالمضمضة والاستنشاق في الغسل أكثر من القائلين بهما في الوضوء.
هم من عدا الثمانية الأصناف، الذين ذكروا في آية التوبة.
إن أمكن أن تضرب التراب بيديه -بيدي المريض- فهو أفضل، وتمسح بهما، وإن لم تستطع فاضرب بيديك وامسح وجهه ويديه، وحينئذٍ تمسح ظاهر الكف وباطنه.
بعدا لأربعين لا حكم له، يكون حكمه حكم الاستحاضة.
لا شك أن الناس يتفاوتون، منهم القوي في الفهم والحفظ، فهذا لا يحتاج من الجهد ما يحتاجه من هو أضعف منه فهمًا وحفظًا، على أن الجهد ينبغي أن يبذل؛ لأن العلم لا نهاية له، حتى من رزقه الله الحافظة القوية والفهم الثاقب هذا ينبغي أن يبذل جهدًا، وإذا علم النتيجة هان عليه الأمر، وعلى كل حال المطلوب التسديد والمقاربة؛ لأن العلم عبادة، وقد أمرنا بالتسديد والمقاربة في العبادات كلها.
فلا ينبغي أن يكون الإنسان مثل المنبت الذي لا ظهرًا أبقى، ولا أرضًا قطع، يحمل نفسه ما تطيق، وإذا عرف أن قدرته لا تتحمل حفظ ورقة، نصف ورقة الحمد لله، ربع ورقة، آية في كل يوم، آيتين، حديث واحد، حديثين، ومع الوقت يدرك -إن شاء الله-، لكن الإشكال الذي يحمل نفسه ما لا تطيق، ويكون عنده الحرص أكثر من طاقته، فيريد أن يحفظ مثلًا القرآن في شهر، أو في شهرين، أو في ثلاثة، أو في أكثر أو أقل، والحافظة لا تساعد مثل هذا ينقطع، يمل وينقطع، لكن لو عمل بالتدريج، وأخذ العلم بالتوقيت شيئًا فشيئًا، حتى ينمو العلم، ويحصل منه ما يكفيه -إن شاء الله-، ويعينه على أمور دينه ودنياه.
المقصود أن على الإنسان أن يتوسط في أموره كلها، لا يبذل من الجهد ما يشق عليه، ويحمل على الترك، ((مه، عليكم من العمل ما تطيقون، إن الدين يسر، ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه)) والله المستعان.
أم حبيبة يقصد بنت أبي سفيان أم المؤمنين، وهذه غير بنت جحش، هي غيرها.
يأخذوا النسبة في مقابل ماذا؟ أولًا: بالنسبة لمسألة هذه الزيادة في مقابل شراء سيارة، وأجرة بيت، هذا يجوز أن يباع به نسيئة متفاضل لا شك، لا إشكال، لكن لا بد أن يسأل عن هذه الزيادة، هذا النسبة بسبب ماذا؟ لأنها هي أولًا: لا مدخل لها في الربا؛ لأنك تستأجر إن دفعت كاش ثمانية عشر ألف، وإذا أخرت تسعة عشر، ما المانع؟ ولو صارت مؤجلة بخمسة وعشرين ألف ما المانع؟ لكن يُسأل عن سبب هذه الزيادة، هل لأن الثمانية عشر مقبوضة هي المقابلة للتسعة عشر غير مقبوضة؟ هذا شيء، وإذا كانت أجرة المحل تزيد وتنقص تبعًا لتعجيل الدفع هذا لا إشكال فيه نهائيًّا.
طالب:.......
لا هذا دراهم بدراهم، يعني إذا كان سؤاله عن هذا، إذا كان يأخذ منهم ثمانية عشرة ألفًا ليستأجر بها، أنا توقعت أن الذي يأخذ الزيادة صاحب المحل، أما إذا كان البنك الذي يأخذ، أو المصرف الذي يأخذ، هذا عين الربا.
هي التي على ما كان عليه -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، ممن اتبع النبي -عليه الصلاة والسلام- في أقوله وأفعاله، على ما كان عليه -عليه الصلاة والسلام-، هي الفرقة الناجية.
النبي -عليه الصلاة والسلام- اتخذ الخاتم، اتخذه حينما قيل له: إن فارس لا يقرءون إلا ما كان مختومًا؛ ولذا يرجح بعض أهل العلم أنه سنة لمن يحتاجه، من يحتاجه من أمير وقاضي ووالي وموظف ومدير، أو ما أشبه ذلك، يحتاجه، أما من لا يحتاجه فيرونه من باب العادات.
على كل حال إن تيسرت لك ملازمة الكبار فالزم.
طاعة الأم واجبة، برها واجب متعين، وإذا لم يكن هناك غيرك من يقوم بحاجتها فلا بد لك من إجابتها، ومع ذلك عليك أن تحرص على غض بصرك بقدر الإمكان.
أهل العلم يقولون: إذا تحرك ثلاث حركات في ركن واحد بطلت الصلاة.
لبس الحديد جاء ما يدل على أنه حلية أهل النار، لكن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم بلبس الحديد، وأورد حديث الواهبة: ((التمس ولو خاتمًا من حديد)) فالحديث يدل على جواز لبسه، وهو في الصحيحين، يدل على أنه يضعف الحديث الآخر، والحديث الآخر في السنن، الحديد يشترك فيه الرجل والمرأة، لكن حديث الواهبة وفيه: ((التمس ولو...)) يدل على الجواز للجميع، يطلبه من الرجل يقول: هات من أمك خاتمًا؟ نقول: أنت هات خاتمًا، يدل على أنه خاتم عنده، فلولا جواز لبسه لما أقره في حديث الواهبة، ما في شك في السنن ((حلية أهل النار)) وصححه بعضهم، لكن يبقى أن هذا اختيار الإمام البخاري، ذكرت أن الإمام البخاري ترجم بالحديث لبس خاتم الحديد، وأورد حديث الواهبة، فماذا يدل عليه هذا؟ يدل على أنه ضعف الحديث الآخر.
كونه اعترض على البخاري في أحاديث يسيرة من ألوف مؤلفة من الأحاديث، هذا لا يعني أن البخاري محل للنقد، الأمر الثاني: أن ما اعترض عليه في الغالب الراجح قوله، فلا يرد مثل هذا الكلام، هذا الكلام يشم منه التقليل من شأن صحيح البخاري، وإذا تطاولنا على أعظم كتاب في السنة فنترك فرصة للسفهاء أن يتطاولوا على ما دونه، والله المستعان.
نعم يقطع الصلاة؛ لأن صحة التيمم مشروطة بفقدان الماء، وهو الآن واجد للماء.
تفسير الصحابي عده بعض أهل العلم من المرفوع، وإن لم يصرح برفعه؛ لأنه لا يتصور أن يقول في كلام الله -عز وجل- برأيه، مع علمه بالتشديد في ذلك، لكن الواقع يشهد بخلاف ذلك، وإن قال به الحاكم، يقول: تفسير الصحابي له حكم الرفع، لكن أهل العلم حملوا كلام الحاكم على أسباب النزول.
وعدّ ما فسره الصحابي
رفعًا فمحول على الأسبابِ
فالصحابة أعرف الناس بتفسير القرآن.
الجهاد فريضة من فرائض الدين، ماضية إلى قيام الساعة، لكن بالنسبة لمن دهمهم العدو فرضًا عليهم على الأعيان، ومن سواهم فرض على الكفاية.
الآن دروس التفسير لا شك، لكن هو يريد ما كنت أنويه، وطرحته على بعض الإخوان، أننا ننشئ تفسيرًا إنشاءً، لكن الإشكال يرد على أن الإنشاء الذي ليس له خطام ولا زمام، ما سبق أن قررناه في تفسير الجلالين، يعني سنة ونصف، ثلاثة فصول دراسية في ورقة من البقرة، يعني في الفاتحة وورقة واحدة من البقرة، لكن لو وضع له ترتيب معين، وخطة سير معينة، يكون متوسطًا، ليس بالطويل ولا بالقصير، لا شك أن هذه أمنية نسعى -إن شاء الله- إلى تحقيقها، القرطبي الآن من سنة ثلاثة عشرة، أحد عشر عامًا، وقد قطعنا نصفه، الآن نحن في سورة الإسراء.
ويقول: نتمنى أن يكون لكم درسًا في تفسير القرآن، والنظر في هذا الموضوع نظرًا جادًا؛ لئلا يصدق علينا القول: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [(30) سورة الفرقان].
الهجر موجود، والتقصير حاصل، ونسأل الله -جل وعلا- العفو والمسامحة.
على كل حال أهل العلم كتبوا في الباب أمورًا كثيرة لمثل هذا الظرف ولغيره من الظروف، والفتور لا بد أن يوجد، من كان فتوره إلى سنة فنعم ما يفتر إليه، لكن لا يفتر عن ترك واجب، أو يفتر بحيث يفعل محرمًا، لا، الزواجر من القرآن والسنة كثيرة، وأحاديث الرقاق التي يسأل الأخ السائل عنها، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أبدع في هذه الأبواب، فعلى طالب العلم أن يداوم النظر فيها.
إذا روى الصغير، تحمل في حال الصبا قبل البلوغ، يصح تحمله إذا أداه بعد البلوغ، نعم التبليغ البلوغ، عند عامة أهل العلم، والتحمل يصح بعد التمييز، والأداء لا بد من أن يكون مكلفًا، أما بالنسبة للصحابة -رضوان الله عليهم-، حتى ولو قدر أنهم لم يسمعوه من النبي -عليه الصلاة والسلام- لصغر، أو لتأخر إسلام، أو لغيبةٍ عن التحديث، فمراسيل الصحابة مقبولة عند عامة أهل العلم، وقد نقل عليه الاتفاق، وإن خالف في ذلك أبو إسحاق الاسفراييني.
أما الذي أرسله الصحابي
فحكمه الوصل على الصوابِ
إذا أضاف الصحابي الفعل إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع "كنا نعزل، والقرآن ينزل" "ذبحنا فرسًا على عهد رسول الله" عده أهل العلم من المرفوع؛ لأنه في وقت التنزيل، وإن فرق بعضهم بين ما يخفى وما لا يخفى، على أن قول جابر: "كنا نعزل، والقرآن ينزل" مما يخفى.
يتقرب بها، إذا كانت دراسة العلوم الشرعية يتقرب بها؛ لأن الأصل فيها القربة، فإذا أخلص النية في دراسته النظامية ما المانع؟ لكن الدارسة النظامية يعتريها مما يعترض في طريق النية أكثر مما يعتري غيرها، لأن فيها شهادة في المستقبل، وفيها أمور، هذا الذي يجعل كثير من طلاب العلم يقولون: لا نستطيع أن نخلص، لكن إذا أخلص الحمد لله فما المانع؟ هو علم من العلوم، وكذلك العلوم الأخرى -علوم الدنيا- إذا قصد بها وجه الله -عز وجل-، وإلا فالأصل فيها الإباحة.
بعد صلاة الفجر إن كان هناك من أهل العلم من يفوت علمه ولا يدرك في غير هذا الوقت فيقدم، وإلا فالأصل أن مثل هذا الوقت من أنفع الأوقات لحفظ القرآن، من أنفع الأوقات للحفظ، فلو استغل هذا الوقت إلى انتشار الشمس في الحفظ كان أطيب، وإن كان هناك من يفوت علمه وليست له دروس إلا في هذا الوقت فيستغل، ويعوض للحفظ وقت آخر.
حضور دروس الشيخ ابن جبرين للمبتدئ، الشيخ من العلماء البارزين المحققين في العصر، وتحديد المبتدئ من غيره فيه اضطراب الآن؛ لأنه الشيخ أحيانًا يشرح كتب تصلح للمبتدئين، وينزل في الأسلوب أحيانًا بما يناسب المبتدئين، فحرمان المبتدئين من حرمان الشيخ ما هو بوارد، لكن يستفاد منه بقدر الإمكان.
إن لم يضفه، كنا نفعل، لم يضفه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، إن كان يستدل بهذا القول على حكم شرعي، فالذي يغلب على الظن أنه يريد عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يصرح به؛ لأنه بصدد الاستدلال على حكم شرعي، وإن كان في مسألة عادية فالأمر سهل.
لا يجزئ، النذر واجب مستقل لا يدخل فيه غيره، فيفي بالنذر إن شاء قبل الست أو بعده، المقصود أنه لا يدخل فيه.
إن كنت مضطرًا إلى عملك فالزم عملك، ولا تنس العلم، اقتطع له من وقتك ما يكفي، واجمع بين الأمرين، وإن كنت في غنية عن هذا العمل فاستغلال الوقت في العلم والعمل أولى، {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص].
إن كان يستشيره ينبني على ذلك أنه يصدقه نسأل الله العافية، وإذا كان مجرد الذهاب إلى الساحر لم تقبل صلاته أربعين يومًا، ومن صدق الساحر كفر بما أنزل على محمد -نسأل الله العافية-.
كيف نتعامل معه؟
ينصح إن امتثل وإلا فيُهجر ويترك.
يقول: ويأخذ مني النقود ليعمل على ما يريد الساحر؟
لا توافق على دفع النقود إليه، بل امتنع، نعم امنعه من مالك ليرتدع ويزدجر، ولا يجوز لك أن تعينه على مثل هذا العمل، أنت بدفعك المال إليه عون له، والله -جل وعلا- يقول: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [(2) سورة المائدة] وهذا من أعظم الإثم -نسأل الله السلامة والعافية- الهجر لمثل هذا إذا لم يرتدع فلا بد منه؛ لأن ضرره متعدٍ بمجالسته.
على كل حال إذا كثر وشق، واستنجى الاستنجاء المطلوب، ونضح سراويله يكفي، ولا يلتفت إلى ما يخرج بعد ذلك، لكن إذا لم ينضح وتأكد أنه خرج منه شيء، انتقض وضوؤه.
الجادة المعروفة عند أهل العلم أن تحفظ المتون الصغيرة، ثم بعد ذلكم يترقى إلى ما هو أكبر منها، وجاء في بيان معنى الرباني المذكور عن ابن عباس: "الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره" فتحفظ الأربعين والبلوغ أو المحرر، وقبلهما العمدة، ثم بعد ذلكم يترقى إلى ما هو أولى.
الموطأ فيه أقوال كثيرة من أقوال الإمام مالك، ومن الأخبار المقطوعة الموقوفة على التابعين، فمن بعدهم، فالصحيحين أولى منه.
على كل حال هو ليس بمستبعد، ليس بمستبعد أن تكون الأسماء ثلاثة، ويتميز إحداهن باللقب، والثانية بالكنية، أو بالوصف الصغرى، والكبرى، والوسطى، على كل حال الأمر سهل، يعني ما هو بمعضل هذا.
ابن قرقول له كتاب نفيس في غريب الصحيحين والموطأ اسمه: (مطالع الأنوار).
السبب قالوا: إنه قائم في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وما قام سببه ولم يفعله -عليه الصلاة والسلام- فهو داخل في حيز الابتداع، لكن ينبغي أن ينظر إلى السبب هل هو بمستوى السبب القائم الآن، أو أضعف، أو أكثر، يعني إذا قلنا مثلًا: الصفوف، ننظر إلى مسجده -عليه الصلاة والسلام-، وهو مفروش بالرمل، تراب، فلا يتأتى فيه الخط، الأمر الثاني: أن عرضه ما هو مثل عرض الصفوف مثل المساجد الآن الكبيرة التي لا ينتظم فيها المصلون، فالسبب قائم، لكنه ليس بمستوى السبب الذي عليه الناس الآن، والناس يمتثلون أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عند تسوية الصفوف إذا قال: استووا، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني بتسوية الصفوف، لكن مع غفلة الناس اليوم وإعراضهم وإدبارهم، الإمام يقول: استووا، وهم في الصفوف متقدم ومتأخر، كذلك الخط الموجود في حذاء الحجر الأسود نفس الشيء واحد يسأل يقول: إنه بدأ الطواف من رجل إسماعيل، كيف رجل إسماعيل؟ يعني لولا وجود مثل هذا الخط، واتفاق الناس عليه من البداءة منه لخفي على كثير من الناس من أين يبدأ؟ مع جهل الناس وإعراضهم عن تعلم دينهم، ولا نقول: إن هذا مبرر لبقاء مثل هذا الخط، أو هذه الخطوط، لكن هذه وجهة نظر من يقول بأنه الأولى بقاؤها؛ لأنها تحقق مصالح، ولا يترتب عليها مفاسد، أما في صفوف المساجد فلا مفسد ألبتة، في محاذاة الحجر فيه مفاسد، وفيه زحام، لكن ينبغي أن توسع دائرة هذا الخط؛ لكي تستوعب أكبر قدر ممكن، هذا عند من يقول ببقائها، والمطالبة قائمة الآن بإزالة الخط؛ لأنه ترتب عليه زحام، وترتب عليه أمور، وهو لا يوجد في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا عصر السلف الصالح، فهذا مبرر لإزالته، لكن يترتب عليه بطلان هذا الركن من ذلك النسك، الذي هو ركن من أركان الإسلام، الطواف ركن، والحج ركن من أركان الإسلام، فإذا بطل هذا الركن بطل ما طلب له.