شرح الموطأ - كتاب الوصية (3)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: أمر الحامل والمريض والذي يحضر القتال في أموالهم
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: أحسن ما سمعت في وصية الحامل، وفي قضاياها في مالها، وما يجوز لها أن الحامل كالمريض، فإذا كان المرض الخفيف غير المخوف على صاحبه، فإن صاحبه يصنع في ماله ما يشاء، وإذا كان المرض المخوف عليه لم يجز لصاحبه شيء إلا في ثلثه.
قال: وكذلك المرأة الحامل أول حملها بشر وسرور، وليس بمرض ولا خوف؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} [(71) سورة هود] وقال: {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [(189) سورة الأعراف] فالمرأة الحامل إذا أثقلت لم يجز لها قضاء إلا في ثلثها، فأول الإتمام ستة أشهر، قال الله -تبارك وتعالى- في كتابه: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [(233) سورة البقرة] وقال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [(15) سورة الأحقاف] فإذا مضت للحامل ستة أشهر من يوم حملت لم يجز لها قضاء في مالها إلا في الثلث.
قال: وسمعت مالكاً يقول في الرجل يحضر القتال: إنه إذا زحف في الصف للقتال لم يجز له أن يقضي في ماله شيئاً إلا في الثلث، وإنه بمنزلة الحامل والمريض المخوف عليه ما كان بتلك الحال.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: أمر الحامل والمريض والذي يحضر القتال في أموالهم
يعني من يغلب على الظن هلاكه.
"الحامل" في آخر الحمل على خطر "والمريض" الذي مرضه مخوف أيضاً لا ينفذ من تصرفه إلا في الثلث، وكذلك الذي يحضر القتال، إذا شرع فيه، وحمي وطيسه، فإنه حينئذٍ لا يتصرف إلا في الثلث؛ لأن نَفاقه غلبة ظن، فليس له من ماله إلا الثلث، كالمرض المخوف، بخلاف ما إذا كان الحمل في أوله، فهو بشر كما قال المؤلف -رحمه الله- على ما سيأتي، أو كان المرض غير مخوف مزكوم مثلاً، هذا يتصرف بماله كيفما شاء، أو مرض خفيف يرجى برؤه، فإن هذا يتصرف كالسليم، في ماله كيف شاء، ولا حجر عليه، إذا كان حراً رشيداً مكلفاً.
"والذي يحضر القتال مثلهم" لأنه في الغالب في موقف قتله سهل، فيغلب على الظن أنه يموت، وليس المراد بغلبة الظن بالنظر إلى كثرة من يسلم من الحوامل، أو من يسلم من المرضى الشديدي المرض، ولا بالنظر إلى كثرة من يرجع من القتال سالماً؛ لأننا كيف نقول: غلبة ظن؟ نعم؟ والحوامل يسلم منها أكثر من تسعة وتسعين بالمائة؟ والمرضى يسلم منهم من يسلم، وقد يكون مرضه خفيفاً يسيراً ويموت فيه، وكذلك من حضر القتال يرجع منهم الأكثر، فليس هذه غلبة الظن في مقابلهم، ممن تسلم من الحوامل أو المرضى أو من يحضر القتال، المقصود أن نفقاهم سهل يعني، يعني لا يستغرب أن يقال: فلان قتل في المعركة، ولا يستغرب أن يقال: فلانة ماتت في ولادة، وإن كان هناك تسعة وتسعين بالمائة من الحوامل ما يموت، فليست غلبة الظن هنا مثاره إلى المقابل، فإننا لا ننظر إلى كثرة من يقتل، بالنسبة إلى من يرجع، فنقول: غلبة الظن أنه يرجع، لا، لكن لسهولة الموت في مثل هذه الصورة.
"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: أحسن ما سمعت في وصية الحامل، وفي قضاياها في مالها، وما يجوز لها أن الحامل كالمريض، فإذا كان المرض الخفيف" يعني إذا وجد المرض الخفيف -(كان) هنا تامة- غير المخوف على صاحبه، فإن صاحبه يصنع في ماله ما شاء، كالسليم الصحيح السالم العاري من المرض، يتصرف فيه كيفما شاء، شريطة أن يكون حراً مكلفاً رشيداً، وإذا كان المرض المخوف عليه لم يجز لصاحبه شيء إلا في ثلثه، مريض مرض مخوف، الغالب فيه العطب، فإن هذا لا يتصرف إلا في الثلث؛ لأن الاحتمال قائم أن تصرفه في ماله في أكثر من الثلث أنه يقصد به حرمان الورثة، ولو عري عن هذا القصد إلا أن المال تبعاً لغلبة الظن ليس له، هو ما زال يملكه، لكن ملكه في حكم المنتقل؛ لأن موته غلبة ظن، بخلاف ما لو كان المرض خفيفاً.
قال: "وكذلك المرأة الحامل أول حملها بشر وسرور، وليس بمرض ولا خوف؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} [(71) سورة هود]" بشر وسرور يعني ما هو مخوف في أول الأمر، امرأة طبيعية، تزاول من الأعمال ما يزاوله غيرها بشر وسرور، {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ} [(71) سورة هود] وليس بمرض فضلاً عن أن يكون مخوفاً، لكن إذا أثقلت وقربت الولادة، وأقعدها الحمل عن العمل، فإنه يكون حكمها حكم المرضى.
وقال: {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً} [(189) سورة الأعراف] والضمير عند أكثر المفسرين يعود إلى آدم وحوى، وبعضهم ينزع إلى أن المراد به جنس الإنسان.
{لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [(189) سورة الأعراف] فالمرأة الحامل إذا أثقلت لم يجز لها قضاء إلا في ثلثها؛ لأن نفاقها وموتها متصور، لا أن الغالب من الحوامل يموت، وإن كانت الظروف والأحوال والنساء والولدان والأزمان تختلف الحوامل فيه باختلاف هذه التغيرات، والناس إلى وقت قريب والمرأة الحامل في الشهر التاسع ترعى الغنم، وتجذ النخل، وتزاول ما يزاوله الرجال فضلاً عن النساء، نعم قد تكون في طريق، في سفر، وأسماء بنت عميس أصابها الطلق بالمدينة قبل أن يخرجوا من المدينة، وخرجت إلى الحج مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وولدت بالميقات، بذي الحليفة، عشرة كيلو عن المدينة، يعني ظروف الناس اختلفت، الآن إذا خرجت النتيجة قيل: على ظهرك على السرير، لا تتحركي، لا تركبي، لا تنزلي، فوكلوا إلى مثل هذا الهلع وهذا الخوف، فصار الإسقاط لأدنى سبب.
"فالمرأة الحامل إذا أثقلت لم يجز لها قضاء إلا في ثلثها، فأول الإتمام ستة أشهر" يعني يولد الولد تاماً لستة أشهر، وقد جيء بامرأة ولدت بعد زواجها بستة أشهر عند عمر وإلا عثمان؟
طالب:........
لا، لا، علي اللي احتكم إليه فيما بعد؟ نعم القصة تقول: عند عمر، نعم، فهم برجمها، فقال علي -رضي الله عنه-: الولادة ممكنة في ستة أشهر، والولد تام، فاستدل بالآيتين اللتين ذكرهما المؤلف، ولا شك أن هذا فقه دقيق من علي -رضي الله عنه-، وقد يعزب عن الفاضل ما يحضر المفضول، كما أن الدليل بكامله قد يعزب، عمر -رضي الله عنه- في خبر الاستئذان أنكر على أبي موسى حتى شهد له أبو سعيد، لا يلزم أن يكون الإنسان الفاضل أفضل من غيره من كل وجه، لا يلزم أن يكون أفضل من غيره، لكن في الجملة يكون أفضل من غيره، بالمجموع يكون أفضل من غيره.
يقول: "فأول الإتمام ستة أشهر، قال الله -تبارك وتعالى-: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [(233) سورة البقرة] وقال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [(15) سورة الأحقاف]" إذا حذفت الحولين الكاملين، الأربعة والعشرين شهراً من الثلاثين بقي كم؟ بقي ستة، فإذا مضت للحامل ستة أشهر من يوم حملت لم يجز لها قضاء في مالها إلا في الثلث؛ لأن حكمها حكم المريض "من يوم حملت" يوم ظرف أضيف إلى جملة صدرها مبني فيبنى على الفتح في محل جر، كيومَ ولدته أمه، ظرف أضيف إلى جملة صدرها مبني فيبنى، لكن لو أضيف إلى جملة صدرها معرب أُعرب {هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ} [(119) سورة المائدة].
قال: "وسمعت مالكاً يقول في الرجل يحضر القتال: إنه إذا زحف في الصف للقتال لم يجز له أن يقضي في ماله شيئاً إلا في الثلث" كالمريض المرض المخوف؛ لأن نفاقه وموته قريب، فلا يستغرب أن يقال: قُتل فلان إذ المعارك لا تخل من قتل، ولا يلزم أن يكون العدد المقتول بالنسبة للسالم أكثر ليغلب على الظن، ما يلزم هذا، لكن لا يستغرب أن يقال: قُتل، فهذا الذي يغلب على الظن أنه في حكم المريض مرضاً مخوفاً.
"لم يجز له أن يقضي في ماله شيئاً إلا في الثلث، وإنه بمنزلة الحامل الذي أثقلت، والمريض المخوف عليه، ما كان بتلك الحال" يعني وإن كان قبل التحام الصفوف، وبدء القتال قبل ذلك، يجوز له أن يتصرف؛ لأنه قال: "إنه إذا زحف في الصف للقتال صار حكمه حكم المريض المرض المخوف" لكن قبل ذلك؟
طالب: مثل السليم المعافى.
مثل الحمل الخفيف، ومثل المرض غير المخوف؟ يعني الفرق بينهما أن هذا بإمكانه أن يترك القتال، وهذا ليس بإمكانه؟
طالب: إيه هذا ما يجوز أن يولي الدبر، إذا التقى الصفان ما يجوز أن يولي الدبر.
هل قوله: "إذا زحف" بمعنى أنه حصل الزحف والتولي حرام، من الموبقات، فقبل الزحف، قبل زحف القتال يجوز له أن يرجع؟
طالب: لا، لا يجوز، لكنه على حسب اكتتابه ووضعه، لكن ممكن ما يكون في المقدمة، ممكن يكون في المؤخرة، يمكن يكون في الحراسة.
طيب إذا زحفوا في المؤخرة هم، بطرف الناس.
طالب: ممكن يكون في الحراسة، وما في زحف، وهو مكتتب.
هذا أذن له الإمام، إذا أذن له الإمام شيء، افترض أن شخصاً استنفره الإمام، وهو في طرف الجيش، هل يكون حكمه حكم من كان بين الصفين في الزحف؟ أو أن هذا حكمه حكم من يغلب على الظن سلامته؟ لأن الجند تتفاوت مواقعهم، مواقعهم متفاوتة، فالإمام قيده بما إذا زحف في الصف للقتال، يعني باشر، باشر القتال، -رحمه الله-.
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الوصية للوارث والحيازة
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: في هذه الآية إنها منسوخة قول الله -تبارك وتعالى-: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة:180] نسخها ما نزل من قسمة الفرائض في كتاب الله -عز وجل-.
قال: وسمعت مالكاً يقول: السنة الثابتة عندنا التي لا اختلاف فيها أنه لا تجوز وصية لوارث إلا أن يجيز له ذلك ورثة الميت، وأنه إن أجاز له بعضهم، وأبى بعض جاز له حق من أجاز منهم، ومن أبى أخذ حقه من ذلك.
قال: وسمعت مالكاً يقول في المريض الذي يوصي فيستأذن ورثته في وصيته، وهو مريض ليس له من ماله إلا ثلثه، فيأذنون له أن يوصي لبعض ورثته بأكثر من ثلثه: إنه ليس لهم أن يرجعوا في ذلك، ولو جاز ذلك لهم صنع كل وارث ذلك، فإذا هلك الموصي أخذوا ذلك لأنفسهم، ومنعوه الوصية في ثلثه، وما أذن له به في ماله.
قال: فأما أن يستأذن ورثته في وصية يوصي بها لوارث في صحته، فيأذنون له، فإن ذلك لا يلزمهم ولورثته أن يردوا ذلك إن شاءوا، وذلك أن الرجل إذا كان صحيحاً كان أحق بجميع ماله يصنع فيه ما شاء إن شاء أن يخرج من جميعه خرج فيتصدق به، أو يعطيه من شاء، وإنما يكون استئذانه ورثته جائزاً على الورثة إذا أذنوا له حين يحجب عنه ماله، ولا يجوز له شيء إلا في ثلثه، وحين هم أحق بثلثي ماله منه، فذلك حين يجوز عليهم أمرهم، وما أذنوا له به، فإن سأل بعض ورثته أن يهب له ميراثه حين تحضره الوفاة فيفعل، ثم لا يقضي فيه الهالك شيئاً، فإنه رد على من وهبه إلا أن يقول له الميت: فلان -لبعض ورثته- ضعيف، وقد أحببت أن تهب له ميراثك، فأعطاه إياه، فإن ذلك جائز إذا سماه الميت له.
قال: وإن وهب له ميراثه، ثم أنفق الهالك بعضه وبقي بعض فهو رد على الذي وهب، يرجع إليه ما بقي بعد وفاة الذي أعطيه.
قال: وسمعت مالكاً يقول فيمن أوصى بوصية فذكر أنه قد كان أعطى بعض ورثته شيئاً لم يقبضه، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك، فإن ذلك يرجع إلى الورثة ميراثاً على كتاب الله؛ لأن الميت لم يرد أن يقع شيء من ذلك في ثلثه، ولا يحاص أهل الوصايا في ثلثه بشيء من ذلك.
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوصية للوارث والحيازة
طالب: يا شيخ بالنسبة لهذا....
مرد ذلك إلى حديث سعد الماضي، مرده إلى حديث سعد، فكل من كان بهذه المثابة بحيث يغلب على الظن هلاكه فإنه لا يتصرف إلا بالثلث، ولو وجد صورة غير الصور التي ذكرها الإمام مالك كذلك، فالمسألة كلها ترد إلى حديث سعد.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوصية للوارث والحيازة
الوصية للوارث، {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة:180] فالوالدان من الورثة، فالوصية لهما وللأقربين، والأقربين أعم من أن يكونوا ورثة أو غير ورثة، والآية منسوخة.
"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في هذه الآية -إنها منسوخة- قول الله تعالى" قولُ ولا قولِ؟ يقول في هذه الآية؟ ما لها ما تصير بدل من اسم الإشارة؟
طالب:.......
نعم هذا هو الأصل، أنها بدل من اسم الإشارة، بدل ثاني في هذه الآية بدل أو بيان، ثم بعد ذلك قول الله -تبارك وتعالى-، ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ هي، أو وهي قول الله -تبارك وتعالى-.
{إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة:180] نسخها من نزل من قسمة الفرائض في كتاب الله -عز وجل-، ومن ذلك مما يذكر في هذا المجال حديث: ((لا وصية لوارث)) وهو حديث كما يقول الشافعي في رسالته: رواه الكافة، وهو ما يعبر عنه عند من جاء بعد الإمام الشافعي بالتواتر، وحينئذٍ يكون الحديث نسخ الآية ((لا وصية لوارث)) عند من يقول: بأن السنة تنسخ القرآن هذا ما فيه إشكال، لكن عند الأكثر أن السنة لا تنسخ القرآن، ومن ذالكم الشافعي، فالذي نسخ الآية ما ذكر الإمام -رحمه الله-، نسخها ما نزل من قسمة الفرائض في كتاب الله -عز وجل-، نسختها آية المواريث، لكن هل في آيات المواريث ما يدل على إلغاء هذا الحكم؟ ألا يمكن أن يأخذ الأب ما كتب له، ما قسم له في كتاب الله، وتأخذ الأم ما كتب لها وقسم لها في كتاب الله، ثم تأخذ الوصية؟ هل في الفرائض ما يدل على إلغاء الوصية للوالدين؟ إنما الصريح في النسخ ورفع الحكم هو قوله: ((لا وصية لوارث)) وقد أجمع عليه أهل العلم، والإجماع لا يَنسخ ولا يُنسخ، إنما دليل الإجماع هو الناسخ، على كل حال من يقول بنسخ الكتاب بالسنة هذا ما عنده إشكال، الإشكال عند من يقول: بأن السنة لا تنسخ القرآن، فيقول: إن الإجماع قطعي، وما يستند إليه، قطعية الإجماع تعطي ما يستند إليه في الإجماع القطيعة، والقطعي عندهم ينسخ القطعي، ولذلك الخبر: ((لا وصية لوارث)) يقول الإمام الشافعي: إنه رواه الكافة عن الكافة، ويقصد بذلك التواتر عند أهل الاصطلاح، منهم من يقول: إن الآية ليست منسوخة، بمعنى أنه لم يرفع حكمها بالكلية؛ لأن النسخ رفع كلي للحكم، والتخصيص رفع جزئي للحكم، فتبقى الوصية للأقربين استدلالاً بالآية؛ لأننا لو قلنا بالنسخ لقلنا: إنه لا وصية للوالدين ولا الأقربين، فهل نسخ الأقربون مع الوالدين أو ما نسخوا؟ الوارث منهم مثل الوالدين، وغير الوارث له وصية، ما نسخ حكمه، فالتخصيص رفع جزئي، وعلى بعد أيضاً يمكن حمل الآية على بلفظها على وجه يصح، كيف؟ هل يمكن أن يوجد والدان غير وارثين؟ يمكن أن يوجد؟ نعم الجد، الجد والد، والأب موجود يوصى له، والجد أب، كما في النصوص، لكن هل يمكن أن يحمل هذا على الجد؟ لأن الأب لا يمكن أن يوصى له بالإجماع إذا كان وارث، ويمكن أن يحمل على الأب المخالف في الدين {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} [(8) سورة الممتحنة].
طالب:......
لا، لا هذا بعيد جداً، لكن الجد أب في النصوص {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي} [(38) سورة يوسف] وأيضاً غير الوارث كما في حديث أسماء: إن أمها جاءت وهي راغبة، تقول: أفأصلها؟ قال: ((نعم)) المقصود أن الوارث لا يجوز أن يوصى له، وأما غير الوارث فبلى.
قد يوصى لوارث لا باسمه بل بوصفه، يوصي بثلث ماله لطلاب العلم، بالوصف لا بالاسم؛ لأن مثل هذا إذا أوصى بالوصف يدخل فيه ورثته من باب أولى، طلاب علم يأخذون بالوصف لا بالاسم، لا بالتعيين، والحكمة التي من أجلها منعت الوصية للوارث ارتفعت، نسخها ما نزل من قسمة الفرائض في كتاب الله -عز وجل-.
قال: "وسمعت مالكاً يقول: السنة الثابتة عندنا التي لا اختلاف فيها أنه لا تجوز وصية لوارث إلا أن يجيز ذلك ورثة الميت" فالوصية لا تجوز بأكثر من الثلث، ولا تجوز لوارث إلا إذا أجازها الورثة؛ لأن الأمر لا يعدوهم، الحق لهم تنازلوا عنه، إن أجازها جميعهم نفذت الوصية كاملة، إن أجازها بعضهم نفذ بعضها بحسب نصيب من أجاز دون من لم يجز.
"إلا أن يجيز ذلك ورثة الميت، وأنه إن أجاز له بعضهم وأبى بعض جاز له حق من أجاز منهم" الآن الجواز هنا ويش معناه الإباحة أو النفوذ؟ يعني يباح له حق من أجاز منهم، أو ينفذ حق من أجاز منهم؟ من أبى أخذ حقه من ذلك؟
لو قلنا: إن الأب إذا وهب أحد أولاده هبة وقبضها الولد، وتصرف فيها، إذا قلنا: جازت هذه الهبة، ويش معنى الجواز هنا؟ النفوذ لا الإباحة، وهنا: "وأنه إن أجاز له بعضهم، وأبى بعض جاز له حق من أجاز منهم" نعم "ومن أبى أخذ حقه من ذلك" بينهما تلازم، النفوذ الشرعي لا بد له من إباحة، لكن مع ذلك قد..، الجواز أصله العبور، يقال: جاز النهر يعني عبره، والنفوذ من هذا النوع، يرجع إلى هذا، وهناك تلازم بين الجواز بمعنى العبور والنفوذ وبين الإباحة، فالتصرفات الشرعية التي تنفذ على مقتضى نظر الشرع لا بد لها من إباحة أقل الأحوال، وقد يحصل التنفيذ مع الخلاف في الحكم، أو مع المنع في الحكم.
على كل حال هذا يحتمل الأمرين، وهما متلازمان في مثل هذه الصورة.
قال: "وسمعت مالكاً يقول في المريض الذي يوصي فيستأذن ورثته في وصيته وهو مريض: ليس له من ماله إلا ثلثه" مريض يستأذن الورثة، ليس له من ماله إلا الثلث "فيأذنون له أن يوصي لبعض ورثته بأكثر من ذلك إنه ليس لهم أن يرجعوا في ذلك، ولو جاز ذلك لهم صنع كل وارث ذلك، فإذا هلك الموصي أخذوا ذلك لأنفسهم، ومنعوه الوصية في ثلثه، وما أذن له به في ماله" الآن فرق بين أن يستأذن الصحيح وبين أن يستأذن المريض، الصحيح له أن يتصرف في ماله كيفما شاء، ولا يحد بثلث، والمريض ليس له من ماله إلا الثلث يوصي به، فإذا استأذن الصحيح يختلف حكمه عما لو استأذن وهو مريض؛ لأن استئذان الصحيح عند الإمام وفي كلام الإمام لا قيمة له؛ لأنه يستأذنهم في أمر لا يملكونه، بينما لو كان مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، فإنهم يملكون الإذن؛ لأن المال لا محالة آيل إليهم بخلاف الصحيح.
قال -رحمه الله-: "وسمعت مالكاً يقول في المريض الذي يوصي فيستأذن ورثته في وصيته وهو مريض: ليس له من ماله إلا الثلث، فيأذنون له أن يوصي لبعض ورثته بأكثر من ثلثه" ليس له من ماله إلا الثلث هذا وصف بالنسبة للمريض، فإذا أذنوا له أن يوصي لبعض ورثته بأكثر من ثلثه صحت الوصية، يعني ليس له من ماله إلا الثلث، ليس خبراً لقوله: "المريض الذي يوصي" نعم، ليس وصفاً له، هو وصفاً له وليس خبراً عنه، يعني ما يصح أن تقف على قوله: "ليس له من ماله إلا الثلث" ما بعد جاء الخبر؛ لأن الخبر الجزء المتم الفائدة، وإنما هو وصف له، هو في الأصل ليس له من ماله إلا الثلث؛ لأنه مريض، فإذا أوصى أو استأذن أن يوصي لبعض ورثته أو بأكثر من ثلثه أنه ليس لهم أن يرجعوا في ذلك إذا أذنوا؛ لأنه خرج، تنازلوا في وقت يحق لهم أن يأذنوا أو يمتنعوا، لكن في حال الصحة ليس لهم حق أن يأذنوا أو يمتنعوا؛ لأن المال ماله، بينما هو في هذه الحالة المال شبه خرج من يده، ولذلك لا يجوز له أن يوصي بأكثر من الثلث.
يقول: إنه ليس لهم أن يرجعوا في ذلك، ولو جاز ذلك لهم صنع كل وارث ذلك، فإذا هلك الموصي أخذوا ذلك لأنفسهم، ومنعوه الوصية في ثلثه، وما أذن له به في ماله.
يأذنون مجاملة، يأذنون له مجاملة، أو يأذنون له أن يوصي بالثلث لوارث، يعني لو كان لهم أن يرجعوا فقالوا: لا نقر الوصية للوارث، والأمر إلينا نرجع، فيسلم لهم جميع المال، متصور وإلا ما هو متصور؟ نعم؟ هم أذنوا له أن يوصي بالثلث لواحد من أولاده، قالوا: أذنا، ثم لما مات قالوا: هذا وارث ولا وصية لوارث، إذا كان لهم أن يرجعوا صار هناك مجال للتحايل على إبطال الوصية؛ لأنهم قد يتواطئون على هذا، نقول: يوصي لجهة أو لشخص لا تصح الوصية إليه، أو شخص أراد أن يوصي بالثلث، أوصى بالثلث، واستشار الأولاد فيما يكون مصرف هذه الوصية، فقالوا: نرى أن يكون مصرف الوصية على المدرسة الفلانية، وهم يعرفون في قرارة أنفسهم ماذا تزاول هذه المدرسة، مما لا يحقق الهدف الشرعية من مشروعية الوصية، قالوا: يكتب الوصية لهؤلاء، ثم إذا مات أبطلناها بحجة الشرعية، أو يوصي لوارث وإذا مات قلنا: هذا وارث ولا تصح الوصية له.
بالنسبة للوارث إذا أجازوا انتهى الإشكال، ولذلك يقول: "ولو جاز ذلك لهم صنع كل وارث ذلك، فإذا هلك الموصي أخذوا ذلك لأنفسهم، ومنعوه الوصية في ثلثه" تحايلوا عليه، فأوصى إلى من لا تجوز الوصية له، فتحايلوا فمنعوه من الوصية في ثلثه "وما أذن له به في ماله" أظن هذا ظاهر؟ يعني افترض أنهم قالوا: توصي ثلثك خله على هذه المدرسة، مدرسة تدرس البدع، والوصية لا تصح لها، جاء بعض الكتب التي أوصي بها، أو أوقفت على جهات الوقف عليها باطل، صحيح البخاري مخطوط نفيس وقف على الضريح الزينبي مثلاً، نعم، موجود، أو على ضريح الخليل -عليه السلام-، الوقف باطل، أو وصية على الزاوية التيجانية بمحل كذا.
قد يتحايل الأولاد في مثل هذه الصورة من أجل أن يبطلوا الوصية بعد وفاة والدهم، ويقولون له: لا مانع أن توصي لأخينا فلان لأنه له أولاد ومدين ولا درس ولا توظف ولا كذا خلي الثلث ينتفع به، ثم إذا مات قالوا: لا، هذا وارث ولا وصية لوارث، هذا الأمر فات من أيديهم، الوصية تثبت، والوقف يثبت، لكنه يصحح إذا كان على جهة لا يصح الوقف عليها، ولا تصح الوصية لها، فهمنا كلام الإمام -رحمه الله-؟
طالب:......
لا هو ما له إلا الثلث.
طالب:......
لا ما يرجعون له، يرجعون في الأكثر.
قال: "قال فأما أن يستأذن ورثته في وصية يوصي بها لوارث في صحته فيأذنون له فإن ذلك لا يلزمهم" لأن إذنهم وجوده مثل عدمه، المال ماله، بخلاف ما إذا استأذنهم في مرضه المخوف؛ لأن المال حكماً في حكم الآيل إليهم، نعم؟
طالب:......
في مرض موت؟
طالب:......
على كل حال الإنسان يكلف بما..، يؤاخذ بما ينطق به، وكم من حق ضاع بسبب المجاملة، لكن الناس ما لهم إلا الظاهر.
طالب:......
إيه، تنازلوا والأمر لا يعدوهم.
"فأما أن يستأذن ورثته في وصية يوصي بها لوارث في صحته فيأذنون له، فإن ذلك لا يلزمهم، ولورثته أن يردوا ذلك إن شاءوا، وذلك أن الرجل إذا كان صحيحاً كان أحق بجميع ماله يصنع فيه ما شاء إن شاء أن يخرج من جميعه خرج فيتصدق به، أو يعطيه من شاء، وإنما يكون استئذانه ورثته جائزاً على الورثة إذا أذنوا له حين يحجب عنه ماله" وذلك في مرضه المخوف، لكن إذا أوصى وهو صحيح شحيح لواحد من ورثته دون غيره من الورثة، ألا يأخذ هذا حكم العطية لأحد الأولاد دون غيره؟ ويجب عليه أن يعدل بينهم في هذه الصورة، وعلى القاضي الذي يتولى الحكم في هذه المسألة أن يعدل في الوصية.
"ولا يجوز له شيء إلا في ثلثه، وحين هم أحق بثلثي ماله، فذلك حين يجوز عليهم أمرهم، وما أذنوا له به، فإن سأل بعض ورثته أن يهب له ميراثه حين تحضره الوفاة فيفعل، ثم لا يقضي فيه الهالك شيئاً فإنه رد على من وهبه".
"فإن سأل بعض ورثته أن يهب له ميراثه حين تحضره الوفاة فيفعل، ثم لا يقضي فيه الهالك شيئاً فإنه رد على من وهبه" لماذا؟ لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، وهنا ما قضي فيها بشيء "إلا أن يقول له الميت: فلان -لبعض ورثته- ضعيف، وقد أحببت أن تهب له ميراثك فأعطاه إياه فإن ذلك جائز إذا سماه الميت له" يعني الأب له خمسة أولاد، نفترض أن الكبير منهم عنده زوجة وأولاد كثر، وعليه ديون والذي يليه تاجر، عنده الأموال الطائلة، وإرثه من أبيه لا يساوي شيئاً بالنسبة لماله، فقال له: لو تبرعت بمالك بنصيبك من الإرث لأخيك المدين، وهذا يحصل كثير، فتبرع به، يرجع وإلا ما يرجع؟ ليس له أن يرجع.
يقول: "إلا أن يقول له الميت: فلان -لبعض ورثته- ضعيف، وقد أحببت أن تهب له ميراثك فأعطاه إياه فإن ذلك جائز إذا سماه الميت له" بخلاف ما لو قال: لو تتبرع بميراثك لمن يحتاج من إخوانك، ما سماه، حينئذٍ له أن يرجع؛ لأنه لم يسم، ولم يعين، أما إذا قيل: لفلان، لأخيك فلان المدين، رب العائلة، رب الأسرة عليه التزامات، وعليه ديون، وعليه مصاريف، وأنت لست بحاجة، فإذا عين لزم.
طالب:......
هم يفرقون بين ما إذا كان الرجل صحيحاً سليماً، مر بنا في كلام مالك، ما يملكون، لكن إذا كان في مرضه المخوف فالملك شبه انتقل، ولذلك لا يجوز له التصرف فيه.
قال: "وإن وهب له ميراثه ثم أنفذ الهالك بعضه، وبقي بعض فهو رد على الذي وهب يرجع إليه ما بقي بعد وفاة الذي أُعطيه" الوالد قال: لو تبرعت بميراثك لفلان، ميراثك لفلان، ثم تبرع فيه، ثم تصرف "أنفذ الهالك بعضه، وبقي بعض، فهو رد على الذي وهب" يعني كأنه تصرف به قبل وفاته، قال: أنت نصيبك من التركة مائة ألف، أخوك مدين، فلو نأخذ هذه المائة الذي هي ميراثك ونعطيها الأخ، فأعطاه خمسين وتصرف بخمسين قبل أن يموت يقول: "فهو رد على الذي وهب يرجع إليه ما بقي بعد وفاة الذي أعطيه" هذه الخمسين الذي تصرف فيها الميت تعاد إلى التركة، كأنها أرجعت إلى التركة، فتعود إلى صاحبها.
قال: "وسمعت مالكاً يقول فيمن أوصى بوصية فذكر أنه قد كان أعطى بعض ورثته شيئاً لم يقبضه، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك، فإن ذلك يرجع إلى الورثة" لأن الهبة لا تثبت إلا بالقبض، وتقدم خبر عائشة -رضي الله عنها-.
"يرجع إلى الورثة ميراثاً على كتاب الله؛ لأن الميت لم يرد أن يقع شيء من ذلك في ثلثه، ولا يحاص أهل الوصايا في ثلثه بشيء من ذلك" يعني ما يحسم على أهل الوصايا، وإنما يعود إلى أصل التركة، على ما تقدم.
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في المؤنث من الرجال، ومن أحق بالولد
حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن مخنثاً كان عند أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لعبد الله بن أبي أمية ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمع: يا عبد الله إن فتح الله عليكم الطائف غداً، فأنا أدلك على ابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع، وتدبر بثمان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يدخلن هؤلاء عليكم)).
وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: كانت عند عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- امرأة من الأنصار، فولدت له عاصم بن عمر، ثم إنه فارقها، فجاء عمر -رضي الله تعالى عنه- قباء، فوجد ابنه عاصماً يلعب بفناء المسجد، فأخذ بعضده، فوضعه بين يديه على الدابة فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-، فقال عمر -رضي الله تعالى عنه-: ابني، وقالت المرأة: ابني، فقال أبو بكر -رضي الله تعالى عنه-: خل بينها وبينه، قال: فما راجعه عمر الكلام.
قال: وسمعت مالكاً يقول: وهذا الأمر الذي آخذ به في ذلك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المؤنث من الرجال، ومن أحق بالولد
يعني من فيه شبه من النساء في عدم رغبته في النساء، أو من التابعين غير أولي الإربة، ليس له نظر في النساء، وهو المعبر عنه في الخبر: "أن مخنثاً".
ومن أحق بالولد
يعني إذا حصل الفراق بين الزوج والزوجة وبينهما ولد من الأحق به؟
قال: "حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن مخنثاً كان عند أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-" اسمه على ما ذكر الشراح "هيت" يقال: مانع، يقال: ماتع، أقوال كثيرة، لكن الذي رجحه ابن حجر وغيره أنه اسمه: "هيت".
"كان عند أم سلمة" أم المؤمنين، يعني هؤلاء لا نظر لهم في النساء كالأطفال، يدخلون على النساء؛ لأنه لا ضرر منه عليهن.
"فقال لعبد الله بن أبي أمية ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمع: يا عبد الله" يعني ابن أبي أمية "إن فتح الله عليكم الطائف غداً" يعني وهم محاصرون للطائف "إن فتح الله عليكم الطائف غداً فأنا أدلك على ابنة غيلان".
طالب:......
إيه معهم، كان يخرج معهم النساء، وأمثال هؤلاء.
طالب:......
المقصود أنه قال هذا الكلام حاضر.
طالب: لكن أقصد يعني خروجه هو ليس مكلف.
هو ليس بمجنون.
طالب: غير الجنون، لكن أنا أقصد أنه يعني في طبيعته أقرب إلى النساء....
إذا كان النساء يخرجن وهن الذي لا جهاد عليهن، يمكن، المقصود أنه موجود أثناء حصار الطائف.
طالب: يعني ما هو من أهل الطائف هو؟
لا، لا.
"يا عبد الله إن فتح الله عليكم الطائف غداً" ويحتمل أنه قال ذلك قبل أن يخرجوا، والمراد بالغد ليس الغد القريب؛ لأن بين الطائف وبين المدينة الرسول خرج إلى الطائف من مكة، يعني بينهما مسافة، على كل حال المقصود بالغد ما يأتي، ما يستقبل من الأيام، فيحتمل أنه لم يكن معهم كأم سلمة، والاحتمال القائم أنه حاضر معهم حين حصار الطائف، نعم؟
طالب:......
محاصر الطائف ما في إشكال، نعم محاصر الطائف جاءت في الخبر.
"إن فتح الله عليكم الطائف غداً، فأنا أدلك على ابنة غيلان" وقوله: "إن فتح الله عليكم" يدل على عدم مشاركته، ولو كان مشاركاً لقال: إن فتح الله علينا، المقصود أنه موجود أثناء الحصار.
"فأنا أدلك على ابنة غيلان" غيلان الثقفي الذي أسلم عن عشر من النسوة، فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- بإمساك أربع، ومفارقة سائرهن.
"على ابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع، وتدبر بثمان" المراد بالأربع هنا العكن، عكن البطن، وهي أربع طبقات، وأطرافها من الخلف ثمانية، كل طبقة لها طرفان واحد من اليمين وواحد من الشمال، كناية عن أنها بدينة، وكانت البدانة مرغوبة عند العرب، وهناك أوصاف أخرى لا يليق ذكرها في هذا المكان.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يدخلن هؤلاء عليكم))" كان يدخل على النساء باعتبار أنه ليس من أولي الإربة، ولم يطلع على عورات النساء، ولا نظر له فيهن، لكن لما وصف هذا الوصف الدقيق دل على أن مثل يجب منعه، وعلى هذا إذا وجد مجنون، يحتجب منه وإلا ما يحتجب؟
طالب:......
لا، يقول بعض أهل العلم: إنه أشد من العاقل، يحترز منه أكثر من العاقل؛ لأن العاقل عنده ما يردعه ويمنعه، لكن المجنون إذا أعجب بشيء من يردعه فهو أشد.
هذا المخنث لما عُرف أن له إربة، وله معرفة، وله خبرة، يعني عن دقة، الوصف الذي ذكره في بعض طرق الحديث يدل على أنه ليس من هذا النوع الذي لا يحتجب منه.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يدخلن عليكم هؤلاء))" فهم ثلاثة يقولون في المدينة من هذا النوع، فمنعهم، بل نفاه النبي -عليه الصلاة والسلام- خارج المدينة، نفاه، فلما مات النبي -عليه الصلاة والسلام- طلب من أبي بكر أن يرده فرفض، ومن عمر أن يرده فرفض، ثم في آخر ولاية عمر قالوا: إنه لا بد أن يدخل ليسأل، يتكفف الناس، فقير ما عنده شيء أو يموت، قالوا: فأذن له يدخل يوم الجمعة ليسأل فقط.
طالب:......
كافية.
طالب:......
لا، لا ما يلزم، لا، يميزون يا أخي.
طالب:......
يميزون، لا، لا يميزون عندهم تمييز، عندهم قوة مدركة، ما يلزم أن يكون عقل، عندهم قوة مدركة، يعني أعطه ريالاً ثم خذه منه ما تقدر.
طالب:......
لا، لكثرة ما يقال له، من كثرة ما..، المقصود أن عندهم قوة مدركة، ولو لم يوجد العقل.
طالب:......
مثل ما يحصل عند البهائم يا أخي، البهائم عندها إدراك.
طالب:......
لا لا عندهم، عندهم إدراك، لكن إذا وجد هذا الإدراك، نعم؟
طالب:......
على كل حال إذا وجد هذا عند شخص هذا يحتاط منه، مثل هذا يحتاط منه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بالنسبة للعقيدة فمؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، شيخ الإسلام، الإمام المجدد: الأصول الثلاثة، وكشف الشبهات، والتوحيد، ثم بعد ذلك الواسطية لشيخ الإسلام، ولمعة الاعتقاد، والحموية، والتدمرية، والطحاوية، هذه متون معروفة عند أهل العلم.
والفقه يبدأ الطالب بعمدة الفقه؛ لأنها من أخصر الكتب المؤلف في هذا الباب، وأسلوبها واضح، ومؤلفها إمام، وقد بنى أحكامه على أدلة صحيحة، يوردها في صدر الباب، فيتفقه طالب العلم على العمدة، ثم بعد ذلك يقرأ في دليل الطالب، ثم زاد المستنقع.
على كل حال إذا كانت الزوجة متدينة، وقد رضيت دينها، وأقدمت على زواجها بهذا السبب فالطاعة بالمعروف، احرص على أن تؤلف بينها وبين والدتك، ولو بعزل كل واحدة منهما بمنزل مستقل إذا لم يتم الوفاق بينهما بمنزل واحد، والأمر إليك إن أردت أن تمسك كما هو الأصل حفاظاً على أولادك فلا إثم عليك؛ لأن الطاعة بالمعروف، وإن أردت أن تطيع والدتك..، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمر: ((أطع أباك)) لكن من مثل عمر بن الخطاب في تقدير المصالح والمفاسد؟
وعن مجاهد -رحمه الله-: قال: خدرت رجل رجل عند ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: اذكر أحب الناس إليك، فقال: محمد، فذهب خدره، ذكره ابن القيم في الوابل الصيب، فهل هذا الأثر صحيح؟ وهل يقال مثل هذا الذكر؟ وما أفضل طبعات الوابل الصيب؟
أفضل طبعات الوابل الصيب فيما أظن هي طبعة المؤيد، أنا قرأتها قديماً، نسخة صحيحة وسليمة، ما فيها أخطاء، هي مطبوعة من أكثر من عشرين سنة، طبعة طيبة، وحقق بعد ذلك، لكني لم أطلع على هذه النسخ المحققة.
أما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- عند ما يحصل للرجل ما يحصل من خدور فليس فيه شيء مرفوع، وهذا وإن كان عن صحابيين جليلين، فالعبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:......
مرفوع ما فيه شيء مرفوع، والعبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
مع أن المسجد يرتاده أناس مختلفون، وهي عنده الآن، فماذا يفعل هذا الإمام؟ وجزاكم الله خيراً، وما هي وسائل تعريف اللقطة؟
هذا المبلغ الذي وجده أربعة عشر جنيهاً، يعني يعادل تسعة ريالات، يعني في الغالب أن مثل هذا لا تلتفت إليه همة أوساط الناس، فهذا لا يعرف مثل تعريف المبلغ الذي يبحث عنه صاحبه بشدة إذا فقده، فمثل هذا يتصدق به عن صاحبه، ويصل -إن شاء الله تعالى- على نية أنه إذا جاء صاحبه يوماً من الدهر يرده إليه، فمثل هذا لا تلتفت إليه همة أوساط الناس.
طالب: في بلادهم.
كذلك حتى في بلادهم ما أحد يلتفت إلى مثل هذا المبلغ، اليوم هذا المبلغ لا يساوي شيئاً.
السائل لا يخل إما أن يكون عامياً، أو في حكمه، طالب علم مبتدئ، ليست لديه أهلية النظر، أو يكون ممن لديه أهلية النظر في أقوال أهل العلم بأدلتها، والتوفيق بينها، فإن كان عامياً أو في حكمه، فتبرأ ذمته إذا سأل من يثق بعلمه ودينه وأمانته وورعه، لا بد أن تتوافر مع العلم والدين ينضم إلى ذلك الورع، وإذا توافرت هذه الصفات الثلاث العلم والدين والورع، فإنها تبرأ الذمة بتقليد مثلهم، هذا بالنسبة للعامي، ومن في حكمه، ممن ليست لديه أهلية النظر، أما من لديه أهلية النظر في أقوال أهل العلم بأدلتها، والموازنة بينها، وترجيح الراجح بدليله، فهذا لا يسعه إلا أن يعمل بما يؤديه إليه اجتهاده، أما مسألة التخير، هذه لم يقل بها أحد، إلا في حالة ما إذا تردد بين عالمين، وكلاهما تبرأ الذمة بتقليده، ولم يجد مرجح بينهما، فله أن يختار ما لا يوافق هواه من قوليهما؛ لئلا يكون قد عمل بمقتضى الهوى.
كيف سيطلقان؟
طالب:......
هو هو ما لها نصيب في الطلاق.
اتفق أهل الشأن على تحديد المهر، وتم دفع بعض منه للزوجة أثناء كتابة العقد، فالآن هل يجب عليه إكمال المهر للزوجة قبل تطليقها، أم نصف المهر الذي معها أم المحدد؟
إذا كان قد دفع نصف المهر يكتفي به؛ لأنه إذا طلقها قبل الدخول، وقد حدد المهر فلها نصفه.
هذا إذا كان لا أثر له في نفقته، بمعنى أنه لا يؤثر على نفقته بنفسه، يعني قدر زائد على نفقته وحاجته الأصلية، مع من يمون، فلا يوجد ما يمنع من ذلك، إلا أن التذكر يحصل بغيره، إن كان قصده تذكر الموت والاستعداد له، قد يحصل به ويحصل بغيره، فزيارة القبور تذكر الموت.
الأحكام المتعلقة بالجنين إنما هي إذا نفخت فيه الروح، وهذه المدة تنفخ فيه الروح؛ لأنها مائة وثلاثة وعشرين يوم، ينفخ فيه الروح، فحينئذٍ يُغسل ويدفن.
وأما الأحكام المتعلقة بأمه فحكمها يتعلق بالتخليق، إذا وجد فيه خلق الإنسان فإن الأحكام المرتبطة بالأم تثبت بتخليقه.
أولاً: الرواتب لا تتداخل لا بد منها، حكمها سنة مؤكدة تكمل منها الفرائض، ولا تتداخل؛ لأن كل واحدة منها مطلوب لذاته، وجاء تحديدها وعددها بالنص، فمثل هذه لا تتداخل، تغيير النية في أثناء الصلاة من نفل إلى فرض لا يجوز، ولا تجزئ، ومن نفل مطلق إلى نفل مقيد كذلك عند أكثر العلماء؛ لأن النفل المقيد يحتاج إلى نيته الخاصة، ومن نفل مقيد إلى نفل مطلق بمعنى أنه شك هل صلى الراتبة أو لم يصلها؟ فلما كبر وشرع في الصلاة تذكر أنه صلى الراتبة، ينتقل، من فرض إلى نفل، يقول أهل العلم: وإن قلب منفرد فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز.