شرح العقيدة الطحاوية (74)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الشارح -رحمه الله تعالى-: "وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: الْفُقَرَاءُ يُسَلَّمُ إِلَيْهِمْ حَالُهُمْ! وَهَذَا كَلَامٌ بَاطِلٌ، بَلِ الْوَاجِبُ عَرْضُ أَفْعَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ عَلَى الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، فَمَا وَافَقَهَا قُبِلَ! وَمَا خَالَفَهَا رُدَّ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ»ٌ. وَفِي رِوَايَةٍ : «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدّ»".
الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: الْفُقَرَاءُ يُسَلَّمُ إِلَيْهِمْ حَالُهُمْ! الفقر في اصطلاحهم يُطلق بإزاء الزهد؛ ولذا يقولون في ترجمة الإمام أحمد: إنه إمام في السنة، إمام في كذا، إمام في الفقه، إمام في الفقر، يعني في الزهد، فعلى قوله: الزهاد يسلم إليهم حالهم، وعامة الناس يثقون بمن ينصرف عن الدنيا، يثقون به أكثر مما يثقون ببعض أهل العلم؛ ولذا لما جاء السائل إلى المدينة يسأل اتجه إلى ابن عمر؛ لما عُرف عنه من الزهد والعبادة فقيل له: هذا ابن عباس، فقال: هذا رجل مالت به الدنيا ومال بها، فهو يبحث عن شخص لا صلة ولا علاقة له بالدنيا، فالعوام يحسنون الظن بمن يكثر من التعبد والزهد، بخلاف من له شيء من التعلق بالدنيا والعمل من أجلها، ولا شك أن هذا له أصل، لكن أصل الأصول العلم المتلقَّى من الوحيين، فإنه هو الذي يصحّح أمور الدين وأمور الدنيا، هؤلاء يقول بعضهم إن هؤلاء الزهاد يسلم إليهم وهم أعرف، يسلم إليهم حالهم، فالذي يدعونه مقبول، لكن هذا الكلام كما يقول الشارح باطل بلا شك؛ لأنه لو كان زاهدًا على طريقةٍ غير مَرضية، غير متلقاة من كتاب الله وسنة نبيه –عليه الصلاة والسلام- «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، الفارابي في آخر عمره أعرض عن الدنيا، وأقبل على الآخرة كما يقولون في ترجمته، ولزم المسجد الحرام، فكان يقوم الليل، ويصوم النهار، ويفطر على الخمر المعتق وأفئدة الحملان، ما هذا الزهد؟! نسأل الله العافية، يعني مثل هذا مقبول؟ ما يُقبل، أحمد أمين في كتابٍ له كتبه عن حياته يقول: درَّسنا شخص في مدرسة القضاء الشرعي أعجبنا في علمه وفي أخلاقه وفي زهده، ثم انقطع عنا فجأة، فبحثتُ عنه فلم أقف له على خبر، وبعد سنين ذهبتُ إلى تركيا فرأيته وسألت عنه فقالوا: هو منقطع عن الدنيا ملازم للصوم، يصوم الدهر، لكن متى يبدأ الصيام؟ الساعة التاسعة صباحًا، لماذا؟ يقول هو في سكن في شقة تحته ناس يهود أو نصارى، ما أدري والله ماذا قالوا، ويخشى أن يقوم للسحور فيزعجهم! مثل هذا الزاهد الفقير على ما قالوا تُقبل حاله على دعواه؟ أبدًا كما قال المؤلف، وهذا كلام باطل حتى ولو لم يصل إلى هذا الحد، بعض الناس يصير زاهدًا، ويُعرض عن الدنيا ويُقبل على الآخرة، لكنه من العامة يتعبد أحيانًا على جهل، مثل هذا لا تُقبل حاله بإطلاق، يُقبل من حاله ما وافق الكتاب والسنة، يُعرض على الكتاب والسنة، فالذي يوافق الكتاب والسنة مقبول، والذي يخالف مردود ولو كان من عالم إذا خالف الكتاب والسنة.
فَلَا طَرِيقَةَ إِلَّا طَرِيقَةُ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا حَقِيقَةَ إِلَّا حَقِيقَتُهُ، وَلَا شَرِيعَةَ إِلَّا شَرِيعَتُهُ، وَلَا عَقِيدَةَ إِلَّا عَقِيدَتُهُ، وَلَا يَصِلُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ بَعْدَهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ إِلَّا بِمُتَابَعَتِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا.
لا يسع أحدًا أن يتعبد أو يعبد الله على غير سنته –عليه الصلاة والسلام-، ولا يتلقى أي شيء مما يتعلق بدينه إلا عنه –عليه الصلاة والسلام-، ولا يسع أحدًا الخروج عن شريعته، وقد ذكر الإمام المجدد في نواقض الإسلام أن من زعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد –صلى الله عليه وسلم- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى فهذا ناقض من نواقض الإسلام، يعني يكفر بهذا.
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُصَدِّقًا فِيمَا أَخْبَرَ، مُلْتَزِمًا لِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ، فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي فِي الْقُلُوبِ، وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي عَلَى الْأَبَدَانِ- لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى".
لأن مقتضى شهادة أن.. محمدًا رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر.
"وَلَوْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ، وَمَشَى عَلَى الْمَاءِ، وَأَنْفَقَ مِنَ الْغَيْبِ، وَأَخْرَجَ الذَّهَبَ مِنَ الْجَيْبِ، وَلَوْ حَصَلَ لَهُ مِنَ الْخَوَارِقِ مَاذَا عَسَى أَنْ يَحْصُلَ! فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَ تَرْكِهِ الْفِعْلَ الْمَأْمُورَ وَعَزْلِ الْمَحْظُورِ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ الْمُبْعِدَةِ لِصَاحِبِهَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، الْمُقَرِّبَةِ إِلَى سُخْطِهِ وَعَذَابِهِ. لَكِنْ مَنْ لَيْسَ يُكَلَّفُ مِنَ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ قَدْ رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ فَلَا يُعَاقَبُونَ، وَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْإِقْرَارِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا مَا يَكُونُونَ بِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ، وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ، وَجُنْدِهِ الْغَالِبِينَ. لَكِنْ يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطُّورِ : 21]"
يعني ما نقصناهم، ما نقصنا الآباء من عملهم شيئًا بسبب إلحاق الذراري بهم، والذي يحصل له شيء من الإكرام على طريق التبع، لا يكون حاله ومنزلته كمن يكرم أصالةً بسبب فعله لنفسه، أما من يكون تبعًا لغيره كما هو الحال في المُشاهد، كثير من الأتباع من الخدم والسائقين تجدهم في عيشتهم أفضل من حال كثير من أوساط الناس؛ لأنهم تبع لكبار، لكن هل نقول هذا الخادم أفضل من فلان من أوساط الناس الذي كسبه بيده وإنفاقه على نفسه من نفسه؟ لا.
"فَمَنِ اعْتَقَدَ فِي بَعْضِ الْبُلْهِ أَوِ الْمُولَعِينَ، مَعَ تَرْكِهِ لِمُتَابَعَةِ الرَّسُولِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ- أَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَيُفَضِّلُهُ عَلَى مُتَّبِعِي طَرِيقَةِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ، مُخْطِئٌ فِي اعْتِقَادِهِ . فَإِنَّ ذَاكَ الْأَبْلَهَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْطَانًا زِنْدِيقًا، أَوْ زُوكَارِيًّا مُتَحَيِّلًا أَوْ مَجْنُونًا مَعْذُورًا!".
هنا تعليق نقلًا عن شرح القاموس يقول: الزواكرة: من يتلبس فيظهر النسك والعبادة، ويبطن الفسق والفساد.
"فَكَيْفَ يُفَضَّلُ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّبِعِينَ لِرَسُولِهِ؟! أَوْ يُسَاوَى بِهِ؟! وَلَا يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُتَّبِعًا فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ كَانَ تَارِكًا لِلِاتِّبَاعِ فِي الظَّاهِرِ؟"
لأن الأحكام في الإسلام إنما هي على الظواهر، والبواطن موكولة إلى الله –جل وعلا-، فإن ظهر من أفعاله ما يدل على صلاح باطنه استدللنا بهذا على هذا، وإلا فالأصل أن الظاهر وما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب، والناس ليس لهم من الأحكام إلا على الظاهر.
"فَإِنَّ هَذَا خَطَأٌ أَيْضًا، بَلِ الْوَاجِبُ مُتَابَعَةُ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. قَالَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ : قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ : إِنَّ صَاحِبَنَا اللَّيْثَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَعْتَبِرُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : قَصَّرَ اللَّيْثُ- رَحِمَهُ اللَّهُ-، بَلْ إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ، وَيَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ، فَلَا تَعْتَبِرُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ". فزاد الشافعي -رحمه الله- يطير في الهواء.
طالب:....
فلا تعتبروا، يعني بدل فلا تعتبروا.
طالب:...
أنا قرأتها في بعض النسخ: فلا تغتروا، لكن على كل حال المعنى صحيح.
طالب:....
على كل حال تعتبروا كذلك صحيحة ما فيها شيء.
طالب:....
المعنى متقارب.
طالب:...
المولعون أصحاب الوله الذين تطير عقولهم لأمور ورياضات يفعلونها، يعني يصيبهم شيء من الطيش؛ بسبب بعض الرياضات التي يصنعونها لأنفسهم مثل الجوع أحيانًا يجوع أربعين يومًا، هذا إن صدق أنه يجوع أربعين يومًا، يدعي أنه يجوع أربعين يومًا ثم يحصل له من الأشياء التي يظنها، ومن يحسن الظن به يظنونها كرامات، وهي كما قال الذهبي وغيره هلوسة بسبب الجوع.
وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «اطَّلَعْتُ عَلَى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْبُلْهَ» فَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا يَنْبَغِي نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ إِنَّمَا خُلِقَتْ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ أَرْشَدَتْهُمْ عُقُولُهُمْ وَأَلْبَابُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
يعني بعد توفيق الله –جل وعلا- أرشدتهم عقولهم إلى ما ذُكر.
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِأَوْصَافِهِمْ فِي كِتَابِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِي أَوْصَافِهِمُ الْبَلَهَ، الَّذِي هُوَ ضَعْفُ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :-«اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ». وَلَمْ يَقُلِ الْبُلْهَ !
لأن الفقر في الغالب أقرب للسلامة من الغنى وعدم الاستطاعة للوصول إلى الكثير من الأمور من شهوات الدنيا أقرب إلى السلامة في الغنى، وإن كان الغني الذي سخر أمواله لنصر الإسلام ونفع المسلمين أفضل بكثير، الله المستعان، كما في حديث «ذهب أهل الدثور بالأجور» إلى أن قال: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء».
"وَالطَّائِفَةُ الْمُلَامِيَّةُ، وَهُمُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مَا يُلَامُونَ عَلَيْهِ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ مُتَّبِعُونَ فِي الْبَاطِنِ، وَيَقْصِدُونَ إِخْفَاءَ الْمُرَائِينَ! رَدُّوا بَاطِلَهُمْ بِبَاطِلٍ آخَرَ! وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ بَيْنَ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ الَّذِينَ يصْعَقُونَ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَنْغَامِ الْحَسَنَةِ، مُبْتَدِعُونَ ضَالُّونَ! وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَدْعِيَ مَا يَكُونُ سَبَبَ زَوَالِ عَقْلِهِ!".
يوجد في بعض البلاد الإسلامية ممن يدَّعون التصوف والفقر والزهد ممن ديدنهم السماع؛ سماع الموسيقى والأغاني ويتمايلون عندها ويرقصون حتى في الميادين العامة موجودون، فأحيانًا يصل بهم إلى حد السكر والصعق، هذا إضافةً إلى المقدمات المحرمة، النتيجة خلل، زوال العقل ليس بمدح، ولذا لم يوجد في الصحابة من يُصعق عند سماع القرآن، ولا حصل له –عليه الصلاة والسلام- إنما وُجد فيمن بعدهم على أن بعضهم يُنكر ذلك، قال ابن سيرين: قالوا فلان يُصعَق إذا سمع القرآن قال: اجعلوه على جدار فإن صعق وسقط فهو صادق، وإن لم يسقط فهو كاذب، لكن غيره يثبت هذا، وممن يثبت هذا الأمر شيخ الإسلام ابن تيمية، ويرى أن مثل هذا كونه لم يحصل للنبي –عليه الصلاة والسلام- ومن صحابته الكرام لاشك أن القرآن قوي وثقيل لا تحتمله إلا القلوب القوية، فنزل هذا القرآن على قلب محمد –عليه الصلاة والسلام-، وفيه من قوة التحمل ما يستطيع المقاومة مع التأثر المطلوب والانتفاع المطلوب، ثم خلف الصحابة من جاء بعدهم وفيهم من ضعف عقله وقلبه بالنسبة للصحابة مع قوة التأثر بالنازل القوي فما يحصل التكافؤ، فتجده يُصعق بسبب ذلك مع أنه يوجد فيهم ومن بعدهم من في قلبه ضعف، ولكن تأثره بالمسموع أضعف، فتجده لا يتأثر، وقلبه ضعيف، هذا سببه عدم التأثر بما يسمع وإلا فالقرآن {لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا}[الحشر:21]، {عَلَىٰ جَبَلٍ} فالقلوب الضعيفة لاشك أنها إن كانت تستشعر عظمة هذا المسموع تتأثر تأثرًا بالغًا قد يصل إلى حد ما نُقل عن بعض السلف أنهم يصعقون، وإن كان تأثرها أقل فلا يحصل ذلك؛ بسبب ضعف التأثر إلى أن وصل الأمر إلى عصرنا الذي نعيش فيه ونسمع ونقرأ القرآن كأننا نسمع ونقرأ في الجرائد، ونتردد على المقابر، وننظر في الحفر والقبور كأنها حفر غيار زيت ما يوجد أدنى تأثر، إلى الله المشتكى، المدح في استشعار قوة المؤثر، استشعار القوة وإلا فلو كان الضعف مدحًا.. القوة في الرسول –عليه الصلاة السلام- وصحابته الكرام.
طالب:....
رجل أسيف لكن ما يُصعق، أسيف يبكي، والبكاء معروف في السلف، ومنه –عليه الصلاة والسلام- حصل وعمر كان له خطان كأنهما شراكا..
يذكرون في ترجمته، وأنا ما راجعته، وما هو ببعيد.
"وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ".
وُجد في التابعين من يصعق.
"وَلَوْ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، بَلْ كَانُوا كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى :{إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الْأَنْفَالِ : 2]. وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزُّمَرِ : 23 ].
وَأَمَّا الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ الْعُلَمَاءُ بِخَيْرٍ مِنْ عُقَلَاءِ الْمَجَانِينَ، فَأُولَئِكَ كَانَ فِيهِمْ خَيْرٌ، ثُمَّ زَالَتْ عُقُولُهُمْ. وَمِنْ عَلَامَةِ هَؤُلَاءِ، أَنَّهُ إِذَا حَصَلَ فِي جُنُونِهِمْ نَوْعٌ مِنَ الصَّحْوِ، تَكَلَّمُوا بِمَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ بخلاف غيرهم ممن يتكلم إذا حصل لهم نوع إفاقة بالكفر والشرك، وَيَهْذُونَ بِذَلِكَ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِمْ وَمَنْ كَانَ قَبْلَ جُنُونِهِ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا، لَمْ يَكُنْ حُدُوثُ جُنُونِهِ مُزِيلًا لِمَا ثَبَتَ مِنْ كُفْرِهِ أَوْ فِسْقِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ، يَكُونُ مَحْشُورًا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ. وَزَوَالُ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ سُمِّيَ صَاحِبُهُ مُولَهًا أَوْ مُتَوَلِّهًا لَا يُوجِبُ مَزِيدَ حَالِ صَاحِبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، بل يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ".
التكليف الذي ينبني عليه زيادة في الحسنات أو السيئات منوط بالعقل، فإذا زال العقل توقف التكليف، وتوقف تبعًا له زيادة في الحسنات والسيئات، فيُختم له بما وقف عنده من عقل، ويُستصحب حاله أو في حاله بعد زوال العقل ما خُتم له به، فإن كان مختومًا له بخير وأعماله في الخير في العلم والدين إذا حصل له نوع إفاقة بعد حصول ما حصل له تجده يتكلم بما كان في سابق حاله قبل زوال عقله، وإذا كان من أهل الفجور والمعاصي تجده يتكلم بما يناسبه في حال إفاقته، ورأينا من هذا النوع ممن زالت عقولهم ممن حفظوا القرآن قبل وعنده شيء من العلم ومجالسة أهل العلم تجده في بعض الأحيان هم يقرؤون القرآن واضحًا، القرآن لا يزول مع زوال العقل، سمعناهم يقرؤونه بوضوح، وبصوت طيب، وأحيانًا يفسرونه، وأحيانًا يدخل عليهم تفاسير مما يستروحونه بعد زوال العقل، فيأتون بالعجائب، وهؤلاء العقلاء المجانين الذين يسمونهم.
"لَا يُوجِبُ مَزِيدَ حَالِ صَاحِبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى، بل يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرّ لَا أَنَّهُ يَزِيدُهُ أَوْ يَنْقُصُهُ، وَلَكِنَّ جُنُونَهُ يَحْرِمُهُ الزِّيَادَةَ مِنَ الْخَيْرِ، كَمَا أَنَّهُ يَمْنَعُ عُقُوبَتَهُ عَلَى الشَّرِّ، وَلَا يَمْحُو عَنْهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ.
وَمَا يَحْصُلُ لِبَعْضِهِمْ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَنْغَامِ الْمُطْرِبَةِ، مِنَ الْهَذَيَانِ، وَالتَّكَلُّمِ بِبَعْضِ اللُّغَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلِسَانِهِ الْمَعْرُوفِ مِنْهُ! فَذَلِكَ شَيْطَانٌ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ، كَمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ! وَكَيْفَ يَكُونُ زَوَالُ الْعَقْلِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ تَقَرُّبًا إِلَى وِلَايَةِ اللَّهِ، كَمَا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ؟! حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ :
هُمْ مَعْشَرٌ حَلُّوا النِّظَامَ وَخَرَّقُوا الـسِّيَاجَ |
| فَلَا فَرْضٌ لَدَيْهِمْ وَلَا نَفْلُ |
مَجَانِينُ إِلَّا أَنَّ سِرَّ جُنُونَهُمْ |
| عَزِيزٌ عَلَى أَبْوَابِهِ يَسْجُدُ الْعَقْلُ |
وَهَذَا كَلَامُ ضَالٍّ، بَلْ كَافِرٍ، يَظُنُّ أَنَّ لِلْجُنُونِ سِرًّا يَسْجُدُ الْعَقْلُ عَلَى بَابِهِ! لِمَا رَآهُ مِنْ بَعْضِ الْمَجَانِينِ مِنْ نَوْعِ مُكَاشَفَةٍ، أَوْ تَصَرُّفٍ عَجِيبٍ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ"
ولذا جاء عن بعضهم مما هو متداول على الألسنة: خذ الحكمة من أفواه المجانين؛ لأن بعضهم يتكلم بحكم، وليس هذا هو الأصل، هذا خلاف الأصل، لكنه وُجد.
"وَيَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ مَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، كَمَا يَكُونُ لِلسَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ! فَيَظُنُّ هَذَا الضَّالُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَاشَفَ أَوْ خَرَقَ عَادَةً كَانَ وَلِيًّا لِلَّهِ! وَمَنِ اعْتَقَدَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشُّعَرَاءِ: 221 - 222]. فَكُلُّ مَنْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ كَذِبٌ وَفُجُورٌ.
وَأَمَّا الَّذِينَ يَتَعَبَّدُونَ بِالرِّيَاضَاتِ وَالْخَلَوَاتِ وَيَتْرُكُونَ الْجُمَعَ وَالْجَمَاعَاتِ فَهُمُ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا".
ذكروا في ترجمة البدوي مما ذكرناه سابقًا أنه جاء من المغرب، وصعد إلى سطح مسجد فجلس فيه أربعين يومًا شاخصًا بصره إلى السماء، ما توضأ ولا صلى خلال الأربعين يومًا، عند الأربعين لا شأن إذا وصل إلى حد الأربعين ما أكل ولا شرب صار له مكاشفات وله أحوال على ما يقولون، وهي كما ذكر الحافظ الذهبي هلوسة يعني جنون، ثم اعتُقد فيه ما اعتُقد وصار وليًّا من أولياء الله على حد زعمهم، وقبره مشهود ويُزار، يزوره في كل سنة سبعة ملايين شخص، أكثر من الحجاج.
"قَدْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. كَمَا قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ :«مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» . وَكُلُّ مَنْ عَدَلَ عَنِ اتِّبَاعِ سُنَّةِ الرَّسُولِ، إِنْ كَانَ عَالِمًا بِهَا فَهُوَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ".
كاليهود
" وَإِلَّا فَهُوَ ضَالٌّ ".
كالنصارى كما جاء في تفسير {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.
"وَلِهَذَا شَرَعَ اللَّهُ لَنَا أَنْ نَسْأَلَهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ".
"وَأَمَّا مَنْ يَتَعَلَّقُ بِقِصَّةِ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- فِي تَجْوِيزِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْوَحْيِ بِالْعِلْمِ اللَّدُنِّيِّ، الَّذِي يَدَّعِيهِ بَعْضُ مَنْ عَدِمَ التَّوْفِيقَ، فَهُوَ مُلْحِدٌ زِنْدِيقٌ. فَإِنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إِلَى الْخَضِرِ، وَلَمْ يَكُنِ الْخَضِرُ مَأْمُورًا بِمُتَابَعَتِهِ. وَلِهَذَا قَالَ لَهُ: أَنْتَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ . وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَبْعُوثٌ إِلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مُوسَى وَعِيسَى حَيَّيْنِ لَكَانَا مِنْ أَتْبَاعِهِ، وَإِذَا نَزَلَ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَى الْأَرْضِ إِنَّمَا يَحْكُمُ بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَالْخَضِرِ مَعَ مُوسَى، أَوْ جَوَّزَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ فَلْيُجَدِّدْ إِسْلَامَهُ".
ذكر الإمام المجدد –رحمه الله- الشيخ محمد بن عبد الوهاب: من ادعى ذلك جعله ناقضًا من نواقض الإسلام العشرة.
"وَلْيَشْهَدْ شَهَادَةَ الْحَقِّ، فَإِنَّهُ مُفَارِقٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ. وَهَذَا الْمَوْضِعُ مُفَرِّقٌ بَيْنَ زَنَادِقَةِ الْقَوْمِ وَأَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ، فَحَرِّكْ تَرَ".
ذكروا في كتب الأصول ونسبوا إلى الجاحظ والعنبري أنهم يرون الاجتهاد في كل شيء حتى في الأصول، إذا اجتهد وأدّاه اجتهاده إلى صحة اليهودية واعتنقها أو صحة النصرانية أو صحة أي مذهب كان، وأداه اجتهاده إلى ذلك فإنه يسعه ذلك، وهذا داخل في هذا الكلام الذي قرّره، الله المستعان.
"وَكَذَا مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْكَعْبَةَ تَطُوفُ بِرِجَالٍ مِنْهُمْ حَيْثُ كَانُوا! فَهَلَّا خَرَجَتِ الْكَعْبَةُ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ فَطَافَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أُحْصِرَ عَنْهَا، وَهُوَ يَوَدُّ مِنْهَا نَظْرَةً؟! وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ شَبَهٌ بِالَّذِينِ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ يَقُولُ: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً} [الْمُدَّثِّرِ : 52 ] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ".
يعني كون الكعبة تطوف بهذا الولي أو ذاك يعني يمكن أن يتنصل الواحد منهم من كلام المؤلف بما تقدم من زعمهم أن الولي أفضل من النبي، فلا مانع أن تطوف به الكعبة ولا تطوف بالنبي، مقام النبوة في برزخٍ فويق الرسول ودون الولي
وأي ضلال أعظم من هذا، نسأل الله العافية.
طالب:...
نعم رسالة موسى ليست عامة، فهي لبني إسرائيل خاصة.
طالب:...
يبشرون لكن ما يلزم اتباعه، قال الخضر.. أنت نبي بني إسرائيل قال: نعم، ولم يكن من بني إسرائيل.
طالب:...
يعني حرك عقلك ما تصير مثل هؤلاء، ترى الحق والصواب، إن شاء الله.
طالب:...
النبي –عليه الصلاة والسلام- ما جاء إلا ليطوف بالبيت ويعتمر، فصُدَّ عن ذلك.
"[قَوْلُهُ ]: ( وَنَرَى الْجَمَاعَةَ حَقًّا وَصَوَابًا، وَالْفُرْقَةَ زَيْغًا وَعَذَابًا).
قَالَ تَعَالَى :{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آلِ عِمْرَانَ : 103 ]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 105 ]، وَقَالَ تَعَالَى :{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الْأَنْعَامِ : 159 ]".
الأتباع الذين يتبعون ساداتهم وأئمتهم من غير نظرٍ في أدلتهم سواء كان في الأصول والعقائد كما نسمع أو في الفروع من باب:
إذا قالت حذام فصدوقها ... هؤلاء يعطلون عقولهم، فتجدهم يتبعون هذا الإمام أو هذا القائل من غير نظرٍ في دليل، وسبب خطئهم ووقوعهم في الأخطاء هو أنهم ألغوا عقولهم، وهناك من الأئمة الربانيين المتبعين للكتاب والسنة، ولكنهم ليسوا بمعصومين، تجده إذا قال شيئًا، هم على خير عظيم، تجده إذا قال شيئًا فطالب العلم لا يمكن أن يناقش، يستسلم من باب إذا قالت حذام فصدقوها، ولذا بقوا على وضعهم، ولو أعملوا عقولهم وحركوها لرأوا أن الحق مع الدليل، لا مع فلان ولا فلان مهما كان.
طالب:...
حتى في الفروع هذا الذي عنده قدرة ولديه أهلية للنظر في النصوص والتعامل معها، أما العامي ففرضه التقليد، وطالب العلم المبتديء حكمه حكم العامي.
طالب...
لا إنكار فيها إذا كان للاجتهاد فيها مجال، أما إذا كان الدليل الواضح الصحيح الصريح مع أحد القولين فالإنكار وارد عملًا بالدليل.
"وَقَالَ تَعَالَى : {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هُودٍ : 118 - 119 ]. فَجَعَلَ أَهْلَ الرَّحْمَةِ مُسْتَثْنَيْنَ مِنْ الِاخْتِلَافِ.
وَقَالَ تَعَالَى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الْبَقَرَةِ : 76. ]".
"وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :-«إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ افْتَرَقُوا فِي دِينِهِمْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، يَعْنِي الْأَهْوَاءَ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ».
وَفِي رِوَايَةٍ :قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» .فَبَيَّنَ أَنَّ عَامَّةَ الْمُخْتَلِفِينَ هالِكُونَ إِلَّا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ".
وألَّف أهل العلم في الملل والنحل والفرق والطوائف كتبًا كثيرة جدًّا كلها مدارها على هذا الحديث، كلها تدور على هذا الحديث.
"وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ : «إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ، كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاردةَ الْقَاصِيَةَ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَالْعَامَّةِ، وَالْمَسْجِدِ». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : أَنَّهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِك". { أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الْأَنْعَامِ : 65 ] قَالَ: هَاتَانِ أَهْوَنُ».
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، مَعَ بَرَاءَةِ الرَّسُولِ مِنْ هَذِهِ الْحَالِ، وَهُمْ فِيهَا فِي جَاهِلِيَّةٍ. وَلِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ :وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَرْجٍ أُصِيبَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ - فَهُوَ هَدْرٌ.."؟
لأن الذي أصابه من البغاة الذين يطالبون ومعهم تأويل سائغ فإن رجعوا كف عنهم، وإن لم يرجعوا قوتلوا.
طالب:....
هم قالوا في النسخة تصحيف، ماذا فيما معك؟ ما النسخة؟ ارفع ، أحمد شاكر، نعم، هذه الأمة ستفترق يعني من تنتسب إلى هذه الأمة، وإذا رأيت في كتب الملل والفرق تجد أكثر من ذلك، تجد بعض الفرق الكبيرة تتفرع إلى اثني عشر فرعاً، وأخرى تتفرع إلى عشرة، وأخرى تتفرع إلى مثله وهكذا، فإذا رجعت وجدت أنها كلها ممن ينتسب إلى الإسلام.
طالب:...
لكن فيها الفرق المبتدعة، البدعة المكفرة، وفيها البدعة غير المكفرة.
" أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِيَّةِ".
"وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ الثَّابِتِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: تَرَكَ النَّاسُ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى :{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الْحُجُرَاتِ: 9 ]. فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا اقْتَتَلُوا كَانَ الْوَاجِبُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمَّا لَمْ يُعْمَلْ بِذَلِكَ صَارَتْ فِتْنَةً وَجَاهِلِيَّةً".
"وَهَكَذَا مَسَائِلُ النِّزَاعِ الَّتِي َتَنَازَعُ فِيهَا الْأُمَّةُ، فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ - إِذَا لَمْ تُرَدَّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ- لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهَا الْحَقُّ، بَلْ يَصِيرُ فِيهَا الْمُتَنَازِعُونَ عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، فَإِنْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَمْ يَبْغِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ يَتَنَازَعُونَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، فَيُقِرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا يَعْتَدِي وَلَا يُعْتَدَى عَلَيْهِ"
جاء الذم لمن تفرقوا.
طالب:...
واختلفوا {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا}[الأنعام:159]، أما الذين يختلفون اختلافًا مع اتحاد قلوبهم فهذا ما يضر، هذا حصل من الصحابة -رضوان الله عليهم-، لكن الكلام في الخلاف الذي يؤثر في القلوب.
"وَإِنْ لَمْ يُرْحَمُوا وَقْعَ بَيْنَهُمُ الِاخْتِلَافُ الْمَذْمُومُ، فَبَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِمَّا بِالْقَوْلِ، مِثْلَ تَكْفِيرِهِ وَتَفْسِيقِهِ، وَإِمَّا بِالْفِعْلِ، مِثْلَ حَبْسِهِ وَضَرْبِهِ وَقَتْلِهِ. وَالَّذِينَ امْتَحَنُوا النَّاسَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، كَانُوا مِنْ هَؤُلَاءِ، ابْتَدَعُوا بِدْعَةً، وَكَفَّرُوا مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا، وَاسْتَحَلُّوا مَنْعَ حَقِّهِ وَعُقُوبَتِهِ.
فَالنَّاسُ إِذَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرَّسُولَ : إِمَّا عَادِلُونَ وَإِمَّا ظَالِمُونَ" .
الفرق بين أهل البدع وأهل السنة، من مشى وراء المأمون واقتنع برأيه وامتحن الناس أمر بضربهم وسجنهم، بل بقتل بعضهم، هذه طريقة أهل البدع. طريقة أهل السنة وإمامهم الإمام أحمد بن حنبل ما أمر بقتل أحد، لكن حكم بكفر من قامت عليه الحجة وعذر من عذر بالجهل، بكل هذا بالكلام لم يتعد ذلك إلى الفعل والبغي والعدوان ومنع الحق والتسلط بالحبس والضرب والقتل، كل هذا لا يوجد كما كان في صدر الأمة في عهد الصحابة.
"فَالْعَادِلُ فِيهِمْ: الَّذِي يَعْمَلُ بِمَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنْ آثَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ، وَالظَّالِمُ: الَّذِي يَعْتَدِي عَلَى غَيْرِهِ. وَأَكْثَرُهُمْ إِنَّمَا يَظْلِمُونَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ يَظْلِمُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [آلِ عِمْرَانَ : 19 ]. وَإِلَّا فَلَوْ سَلَكُوا مَا عَلِمُوهُ مِنَ الْعَدْلِ، أَقَرَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَالْمُقَلِّدِينَ لِأَئِمَّةِ الْعِلْمِ، الَّذِينَ يَعْرِفُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ، فَجَعَلُوا أَئِمَّتَهُمْ نُوَّابًا عَنِ الرَّسُولِ، وَقَالُوا: هَذِهِ غَايَةُ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، فَالْعَادِلُ مِنْهُمْ لَا يَظْلِمُ الْآخَرَ، وَلَا يَعْتَدِي عَلَيْهِ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ، مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ قَوْلَ مُقَلَّدِهِ هُوَ الصَّحِيحُ بِلَا حُجَّةٍ يُبْدِيهَا، وَيَذُمُّ مَنْ يخَالَفَهُ، مَعَ أَنَّهُ مَعْذُورٌ".
كبار الأتباع للأئمة هذا منهجهم لا يلومون من يتبع غير إمامهم، ولا يثربون عليه، ويرون أنهم على خير وعلى حق، وأن الأئمة مجتهدون، وأنهم مأجورون على كل حال أصابوا أو أخطؤوا على ما جاء في الخبر: إذا اجتهد مجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد. وأما المقلد الذي لا يستطيع الوصول إلى الحكم بدليله، وليست لديه الأهلية في النظر في النصوص- مثل هذا فرضه تقليد هؤلاء الأئمة، فالكبار يعذر بعضهم بعضًا، ثم يأتي من الأتباع من يتعصب لهؤلاء الأئمة، هذا لضعفهم في الناحية العلمية، هم في الأصل عوام مع ضعفٍ في عقولهم وشدة تعصب لهؤلاء الذين يجزمون ويعرفون أنهم غير معصومين، ولذا حصل بين أتباع الأئمة ما حصل من المشاكل، بعضهم يعتدي بيده، وبعضهم يصيغ بلسانه، والله المستعان.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.
"