شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (13)
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب: المنديل بعد الوضوء"
حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح، قال: حدثنا عبد الله بن وهب عن زيد بن حباب عن أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: "كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرقة ينشف بها بعد الوضوء".
حديث عائشة ليس بالقائم، ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب شيء، وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم، وهو ضعيف عند أهل الحديث، وفي الباب عن معاذ بن جبل.
حدثنا قتيبة قال: حدثنا رشدين بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عتبة بن حميد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه"
هذا حديث غريب، وإسناده ضعيف، ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي يضعفان في الحديث، وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء، ومن كرهه إنما كرهه من قبل أنه قيل: إن الوضوء يوزن، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والزهري، حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا جرير قال: حدثنيه علي بن مجاهد عني وهو عندي ثقة عن ثعلبة عن الزهري قال: إنما أكره المنديل بعد الوضوء لأن الوضوء يوزن".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في التمندل بعد الوضوء"
التمندل: استعمال المنديل بعد الوضوء والغسل لتنشيف الأعضاء من أثر الماء، والمنديل بالكسر والفتح منديل ومَنديل، ومِندَل كمنبر الذي يُتمسح به، ويقال: تمندل أي تمسح، فالتمندل هو التمسح، يعني استعمال المنديل بعد الوضوء، بعد الوضوء، ومثله الغسل، وقد يكون التنشف بعد الغسل الحاجة تدعو إليه أكثر منه بعد الوضوء.
قال -رحمه الله-: "حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح" يقول الحافظ: كان صدوقاً، إلا أنه ابتلي بورّاقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه، من العاشرة، كان صدوقاً، إلا أنه ابتلي بورّاقه، يعني بعض الناس تكون عنده الكتب من مروياته قد يضبطها ويتقنها ثم لا يحفظها بعد ذلك، فتتعرض للزيادة والنقص، فتتعرض للزيادة والنقص، ومنهم من يعير الكتب إلى غير ثقة، فغير الثقة هذا قد يزيد وقد ينقص، والكتب كما هو معلوم في السابق كتب خطية قلمية ليست مطبوعة، يتميز أصل الكتاب مما زيد فيه، كتب قلمية والتزوير قديم، تقليد الكتابة قديم، فقد يبتلى الإنسان بولد سوء، يزيد في كتبه وينقص، وقد يبتلى بربيب ابن الزوجة، وقد يبتلى بورّاق، يعني ممن يعينه على تحصيل العلم وتأديته، وتحمله وأدائه، ثم بعد ذلك يزيد وينقص، والتدخل من قبل الأتباع معروف، ولهم أثر حتى في وقتنا المعاصر تجد من حول الشيخ يؤثرون عليه، لا أقول: إنهم يؤثرون في علمه ويضللونه لا، لكن هناك أمور تقبل مثل هذا التأثير، يعني في المفاضلة بين أمرين مثلاً، يقدم أحدهما أو يؤخر فتجد من حول الشيخ يقدم ويؤخر، ويشير على الشيخ بأن هذا أهم أو ذاك، المقصود أن التأثير موجود، فمثل هذا الوراق الذي ليس بمأمون ولا ثقة أدخل في كتب سفيان بن وكيع وهو ابن الإمام وكيع ابن الجرّاح أدخل في كتبه ما ليس منها، نصح سفيان هذا وكأن ثقته بهذا الورّاق صارت أرجح من قول من نصحه فلم يقبل؛ لأن بعض الناس إذا اقتنع بشخص ما يسمع فيه الكلام، إذا اقتنع ما يسمع الكلام فيه مهما كان، وعلى كل حال هذا واقع سفيان بن وكيع، أدخل في حديثه ما ليس منه فترك سقط حديثه، وهذه هي القاعدة عند أهل العلم فيمن زيد عليه فلم يقبل، ومن لقن فتلقن كذلك، ومن أخطأ وبين له خطأه فأصر على الخطأ أيضاً يترك حديثه.
قال: "حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح قال: حدثنا عبد الله بن وهب" بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري الفقيه، ثقة حافظ عابد من التاسعة "عن زيد بن حباب" تقدم ذكره وأنه صدوق من التاسعة "عن أبي معاذ" واسمه: سليمان بن أرقم، سليمان بن أرقم ضعيف عند أهل الحديث كما قال الإمام الترمذي، "عن الزهري" الإمام العلم محمد بن مسلم بن شهاب الزهري "عن عروة بن الزبير عن -خالته- عائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين قالت: "كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرقة ينشف بها بعد الوضوء".
"كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرقة ينشف بها" أصل النشف دخول الماء في الأرض والثوب ونحوهما، يعني ذهاب أثره على الماء والثوب، ذهاب الرطوبة من الأرض أو الثوب، وذلك بالدخول في جوف الأرض، وأما بالنسبة للثوب فبذهاب الأثر من غير دخول؛ لأنهم يقولون: أصل النشف دخول الماء في الأرض والثوب، ما دام داخل في الثوب فإنه لم ينشف الثوب، أما إذا دخل في أعماق الأرض ويبس أعلاها يكون نشف.
وفي القاموس: نشف الثوب العرق كسمع ونصر شربه، نشف الثوب العرق كسمع، نشف ينشف، كسمع يسمع، ونصر نشف ينشُف، كنصر ينصر، شربه، ومثل هذا لا يحتاج إلى إطالة.
"ينشف بها بعد الوضوء"، "ينشف بها بعد الوضوء لإزالة الماء الباقي على الأعضاء بعد تمام الوضوء.
قال أبو عيسى: "حديث عائشة ليس بالقائم يعني ضعيف، ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الباب شيء" والحديث صححه الحاكم في المستدرك، لكن المرجح ضعفه على ما قال أبو عيسى: "ولا يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب شيء" يعني في اتخاذ المنديل للتنشيف.
"وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف عند أهل الحديث" الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- له كلام حول كلام الترمذي هذا، والشيخ -رحمة الله عليه- في الغالب إنما يتعقب الترمذي؛ لأن الترمذي قد يضعف الحديث، وقد يضعف الراوي ويتعقبه لتقوية الحديث والراوي، فالشيخ -رحمة الله عليه- معروف بالتساهل، معروف بالتساهل، لكن هذا التساهل لم يأتِ من فراغ، ليس بمجرد ميل واسترواح فقط، وإنما هو مبني على أصل يؤول إليه، وعلى كل حال بمجموع تعليقاته -رحمة الله عليه- يحكم عليه بشيء من التساهل.
يقول: أولاً: في التقريب، سليمان بن أرقم البصري أبو معاذ ضعيف من السابعة، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو داود والدارقطني: متروك، يعني انتهى كلام ابن حجر إلى قوله: من السابعة، وابن معين: ليس بشيء، وقال أبو داود والدارقطني: متروك.
ننظر ما كتب الشيخ أحمد شاكر معلقاً على كلام الترمذي: "وأبو معاذ يقولون" يعني ما نسب إلى نفسه، يقولون: هو سليمان بن أرقم، وهو ضعيف عند أهل الحديث.
يقول الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-: إسناد المؤلف هنا فيه سفيان بن وكيع بن الجراح، وهو في نفسه ثقة، صادق، إلا أن وراقه أفسد عليه حديثه فأدخل عليه ما ليس منه، ونصح بتغييره فلم يقبل فضعف حديثه باختلاطه بما ليس منه، ولكنه لم ينفرد برواية هذا الحديث، فقد رواه الحاكم في المستدرك من طريق محمد بن عبد الله بن الحكم عن ابن وهب، يعني فيكون ابن عبد الحكم متابع لسفيان بن وكيع، ورواه البيهقي عن الحاكم وغيره من طريق عبد الحكم، وقد ضعف الترمذي هذا الحديث من أجل سليمان بن أرقم فإنه ضعيف، ولكن الترمذي لم يجزم بأن أبا معاذ هو سليمان بن أرقم، بل قال: يقولون، والبيهقي تبع الترمذي في ذلك غير أنه جزم بأنه سليمان، وكذلك ابن حجر جزم بأنه سليمان بن أرقم، غير أنه جزم بأنه سليمان، وأما الحاكم فقال: أبو معاذ هذا هو الفضيل بن ميسرة، أبو معاذ هذا هو الفضيل بن ميسرة، بصري روى عنه يحيى بن سعيد وأثنى عليه، وأقره الذهبي على ذلك فلم يتعقبه، وبذلك يكون إسناد الحديث صحيحاً، إسناد الحديث صحيح، والفضيل بالتصغير، ووقع في نسخة المستدرك المطبوعة الفضل بالتكبير، وهو خطأ مطبعي.
يعني لا شك أن قول الترمذي: "أبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم" لا شك أنه يدل على أن الترمذي لم يجزم بأنه هو سليمان بن أرقم، لكن جزم به البيهقي، وجزم به أيضاً الحافظ ابن حجر، الحاكم جعل الحديث عن أبي معاذ الفضيل بن ميسرة، فسره بقوله الحاكم: أبو معاذ هو الفضيل بن ميسرة، بصري روى عنه يحيى بن سعيد وأثنى عليه، ويحيى بن سعيد معروف أنه لا يروي إلا عن ثقة، متشدد في هذا الباب، وأثنى عليه، وأقره الذهبي على ذلك فلم يتعقبه فيه، لكن هل الذهبي صرح بالإقرار أو مجرد سكوت؟ إذا كان مجرد سكوت فدلالتها على الإقرار ضعيفة، وبذلك ما دام التردد بين راويين أحدهما: ضعيف والثاني قوي في الجملة، يميل إلى التوثيق، فلا شك أن الشيخ أحمد شاكر يميل إلى التقوية في الغالب، لا سيما وأن الترمذي ما جزم بأنه سليمان بن أرقم، قال: يقولون: سليمان بن أرقم، وأما بالنسبة لسفيان بن وكيع المُضعف بإدخال ما ليس من حديثه فيه، فقد توبع على ذلك من قبل محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن وهب، وعلى هذا يصح الحديث، إسناد الحديث صحيح عند الشيخ أحمد شاكر، وضعَّفه الإمام الترمذي وغيره.
قال: "وفي الباب عن معاذ بن جبل" وهو الآتي بعده برقم أربعة وخمسين، قال الشارح: وفي الباب أيضاً عن سلمان الفارسي، عن سلمان الفارسي، أخرجه ابن ماجه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح وجهه بجبة صوف كانت عليه، وحسنه الألباني، وعن أبي بكر أخرجه البيهقي وأنس ورجل من الصحابة -رضي الله عنهما-، ومنيب بن مدرك الأزدي قال الشارح: وكلها ضعيفة إلا حديث رجل من الصحابة فإنه قواه العيني وغيره.
ثم قال: "حدثنا قتيبة، قال: حدثنا رشدين بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم" الإفريقي، ورشدين تقدم ذكره، والتنصيص على ضعفه من قبل الأئمة، أما الإفريقي فاسمه: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، ضعيف أيضاً في حفظه، وإن كان صالحاً في نفسه.
"عن عتبة بن حميد" الضبي، وثقه ابن حبان، وضعفه أحمد، وقال ابن حجر: صدوق له أوهام "عن عبادة بن نسي" وأيضاً ثقة فاضل "عن عبد الرحمن بن غنم" الأشعري، مختلف في صحبته "عن معاذ بن جبل قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه" أي نشف أعضاء الوضوء، يعني نشف وجهه بطرف ثوبه.
"قال أبو عيسى: هذا حديث غريب وإسناده ضعيف، ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي يضعفان في الحديث" وللشيخ أحمد شاكر أيضاً كلام في رشدين وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم.
أولاً: الشيخ أحمد شاكر -رحمة الله عليه- وثق في حاشيته على الترمذي أكثر من عشرين راوياً الأئمة على تضعيفهم، الأئمة على تضعيفهم.
قال -رحمه الله-: أما رشدين بن سعد فإن ضعفه محتمل، فقد روى الميموني أنه سمع أحمد بن حنبل يقول: رشدين بن سعد ليس يبالي عن من روى، لكنه رجل صالح، قال: فوثقه الهيثم بن خارجة وكان في المجلس فتبسم أبو عبد الله ثم قال: ليس به بأس في أحاديث الرقاق، يعني ضعفه محتمل، فيحتمل في..، تقبل رواياته في أحاديث الرقاق في الترغيب والترهيب، وما أشبه ذلك، هذا عند الإمام أحمد، أما في الأحكام فلا، وقال أحمد: أرجو أنه صالح الحديث، وقال ابن يونس: كان رجلاً صالحاً، لا يشك في صلاحه وفضله فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث، وتكلمنا على إطلاق غفلة الصالحين فيما تقدم.
ومثل هذا يكون حديثه حسناً -هذا كلام الشيخ أحمد شاكر- ومثل هذا يكون حديثه حسناً، إذا لم نوقن بأنه أخطأ فيه، وأما عبد الرحمن بن زياد بن أنعم فإنه ثقة، ومن ضعفه فلا حجة له، قال أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: يحتج بحديث الإفريقي؟ قال: نعم، قلت: صحيح الكتاب؟ قال: نعم، وقال أبو بكر بن أبي داود: إنما تكلم الناس في الإفريقي وضعّفوه؛ لأنه روى عن مسلم بن يسار فقيل له: أين رأيته؟ قال: بإفريقية، فقالوا له: ما دخل مسلم بن يسار إفريقية قط، يعنون البصري، ولم يعلموا أن مسلم بن يسار آخر يقال له: أبو عثمان الطنبذي، وكان الإفريقي رجلاً صالحاً، وقال أبو العرب التميمي في كتاب طبقات علماء إفريقية: سمع من جلة التابعين، وكان قد ولي قضاء إفريقية، وكان عدلاً صلباً في قضائه، وأنكروا عليه أحاديث، ثم ذكر الأحاديث الستة التي أنكرت عليها.
وروى أبو العرب عن عيسى بن مسكين عن محمد بن سحنون، قال: قلت لسحنون: إن أبا حفص الفلاس قال: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، فقال سحنون: لم يصنعا شيئاً، عبد الرحمن ثقة، وأهل بلد الرجل أعرف به، والذي ظهر لي بعد التتبع أن كثيراً من علماء الجرح والتعديل من أهل المشرق كانوا أحياناً يخطئون في أحوال الرواة والعلماء من أهل المغرب مصر وما يليها إلى الغرب، وبهذا يكون الشيخ -رحمه الله- قد قوى شأن الإفريقي، وإن كان الجمهور على تضعيفه، وممن نص على ضعفه الإمام الترمذي كما سمعتم.
"ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يضعفان في الحديث.
وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم في التمندل بعد الوضوء" في التمندل بعد الوضوء، رخَّص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كعثمان والحسن بن علي، وأنس، وبشير بن مسعود، ومن بعدهم كالحسن وابن سيرين، وعلقمة والأسود، ومسروق والضحاك رخصوا في التمندل بعد الوضوء، وكان مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي لا يرون به بأساً، لا يرون به بأساً، "ومن كرهه" ومن كره التمندل "إنما كرهه من قبل أنه قيل: إن الوضوء يوزن" إن الوضوء يوزن، فتكره إزالته بالتنشيف، يعني نظير دم الشهيد، فلا يغسل الشهيد؛ لأن دمه يأتي اللون لون الدم، والرائحة رائحة المسك، فلا ينبغي أن يزال مثل هذا، يعني وكما قالوا في خلوف فم الصائم: لا ينبغي أن يزال بالسواك ولا بغيره، مع أن الصواب أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يستاك بعد الزوال وقبل الزوال ويحث على السواك مع كل وضوء، ومع كل صلاة، إن الوضوء يوزن فتكره إزالته بالتنشيف، وقيل: لأن الماء يُسبح ما دام على أعضاء الوضوء، وقيل: لأنه نور يوم القيامة، وقيل: لأنه إزالة لأثر العبادة.
"وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والزهري" وكره التنشيف عبد الرحمن بن أبي ليلى، والنخعي، وابن المسيب، ومجاهد وأبو العالية، ثم ذكر خبر الزهري الذي أشار إليه.
قال: "حدثنا محمد بن حميد -بن حيان- الرازي" حافظ، لكنه مُضعف "قال: حدثنا جرير" وهو ابن عبد الحميد الضبي، وهو ثقة، "قال: حدثنيه علي بن مجاهد" بن مسلم القاضي متروك "عني"، "حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا جرير قال: حدثنيه علي بن مجاهد عني" يعني جرير بن عبد الحميد يرويه عن علي بن مجاهد عن نفسه، كأنه حدثه به ونسيه، ثم لما ذكّره به لم يذكره فصار يحدث عنه عن نفسه، قال: "وهو عندي ثقة" وأهل العلم على أنه متروك "عن ثعلبة" بن سهل التميمي الطهوي الكوفي "عن الزهري قال: إنما أكره المنديل بعد الوضوء لأن الوضوء يوزن" هذا يدل كله على عدم التنشف، تنشيف الأعضاء بعد الوضوء.
وفي البخاري من حديث ميمونة في غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: "فناولته ثوباً فلم يأخذه، وانطلق وهو ينفض يديه"، وانطلق وهو ينفض يديه.
استدل بهذا على كراهة التنشيف بعد الغسل، ومثله الوضوء، وقال الحافظ ابن حجر: لا حجة فيه؛ لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، واقعة حال يمكن هذا الثوب فيه ما يقتضي الامتناع من التنشف فيه، إما لكونه محرماً على الرجال كالحرير مثلاً، أو لكونه فيه شيء من الوسخ، فالتنشيف به لا يسوغ، المقصود أن الاحتمال يتطرق إلى هذا الخبر.
وقال التيمي: إتيانها بالثوب، إتيانها بالثوب دليل على أنه كان يتنشف، إتيانها بالثوب دليل على أنه كان يتنشف.
وقال ابن دقيق العيد: نفضه الماء بيده يدل على ألا كراهة في التنشيف؛ لأن كل منهما إزالة، يعني نفض اليدين لينزل الماء منهما مثل التنشيف، قال ابن دقيق العيد: نفضه الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشيف لأن كل منهما إزالة.
أقول: العلة في عدم التنشيف من وجهة نظري هي ما جاء في ثاني أحاديث الكتاب، ثاني أحاديث الكتاب في أوله الحديث الثاني، الحديث الثاني في الكتاب هذا هو العلة الحقيقية.
"باب: ما جاء في فضل الطهور" ثم قال: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء» التنشيف لا يحقق مثل هذا، بل الأولى أن يترك الماء يتقاطر ليخرج كل خطيئة مع آخر قطرة من هذا الماء «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء أو نحو هذا، وإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب».
هذه العلة الحقيقية في عدم التنشف، لكن هذه العلة هل تقتضي تحريم؟ لا، لا تقتضي تحريم، بل لو قيل: إنها لا تقتضي ولا كراهة، وإنما تقتضي أن يكون التنشف خلاف الأولى، تقتضي أن يكون التنشف خلاف الأولى، وإذا كانت الكراهة تزول بأدنى حاجة الكراهة تزول بأدنى حاجة فمن باب أولى أن يزول خلاف الأولى بأدنى منها، فإذا وجدت الحاجة للتنشف الجو بارد يتوضأ ولا يستطيع أن يخرج من البيت وهو يتقاطر منه الماء، أو اغتسل والأمر أشد في الشتاء وأراد أن يتنشف لا أحد يمنعه من ذلك، ولو قيل بأن هذا لا سيما إذا كان الضرر يغلب على الظن بل قد يوجب التنشف، إذا كان الضرر غالباً على الظن، يعني إذا اغتسل وخرج في الشتاء وغلب على ظنه أنه يتضرر يجب عليه أن يتنشف، وعلى كل حال المسألة مسألة حاجة، فإذا وجدت الحاجة فلا مانع من التنشف البتة، وإذا انتفت هذه الحاجة فلا شك أن التنشف خلاف الأولى؛ ليترك الماء يتقاطر من أعضاء الوضوء ليخرج من ذنوبه نقياً، لتخرج خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، وهذا هو المتجه في مثل هذا.
سم.
عفا الله عنك.
باب: ما يقال بعد الوضوء:
حدثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي الكوفي قال: حدثنا زيد بن حباب عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء».
وفي الباب عن أنس وعقبة بن عامر، حديث عمر قد خولف زيد بن حباب في هذا الحديث، وروى عبد الله بن صالح وغيره عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر عن عمر وعن ربيعة عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عمر، وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب كبير شيء، قال محمد: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئاً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما يقال بعد الوضوء" باب: ما يقال بعد الوضوء، أما قبل الوضوء فالتسمية، وتقدم ما فيها من الأخبار والأقوال، وأما ما يقال بعد الوضوء فما تضمنه هذا الحديث، وغيره من الأحاديث الواردة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما ما يقال في أثنائه من أدعية وأذكار فإن هذه لم يثبت منها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء، لم يثبت أنه دعا عند غسل وجهه، ولا عند غسل يديه، ولا عند مسح رأسه، ولا عند غسل رجليه، وهناك أدعية وأذكار ابتدعت لهذه الأعضاء، وهي موجودة في كتب الرقاق، وكتب الوعظ، وبعض الفقهاء مع الأسف يذكرها، لكنه لم يثبت منها شيء، بل هي كلها مبتدعة، كلها مبتدعة فيما يخص به هذه الأعضاء عند غسلها، ولذا ابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول في الهدي: ولم يحفظ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول على وضوئه شيئاً غير التسمية، وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فكذب مختلق، لم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً، منه، ولا علمه لأمته، ولا يثبت عنه غير التسمية في أوله، وقول: «أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين» في آخره.
ما ثبت غير هذا، لكن هذا مع القصد، قصد هذه الأعضاء بالأذكار، لكن لو أن الإنسان تعود، عود لسانه أن يكون رطباً بذكر الله، فصار يذكر الله: سبحان الله، والحمد لله، يستغل الوقت وهو يتوضأ، يمنع وإلا ما يمنع؟ لم يتعبد بهذا الذكر لهذه..، مرتبطاً بهذه الأعضاء، أو مرتبطاً في هذا الوقت، أو بهذا المكان لا أحد يمنعه، وكذا لو كان يقرأ القرآن وهو يتوضأ يستغل الوقت، واستغلال السلف للوقت شيء لا يخطر على البال، وذكرنا في شريط الهمة لطلب العلم أن من شيوخنا من حفظ ألفية العراقي وهو يتوضأ، حفظ ألفية العراقي وهو يتوضأ، ومع الأسف أن أذهان بعض الطلاب ما تحتمل مثل هذه الأمور، فظن أني أدّعي أن هذا الشيخ حفظ الألفية في وضوء واحد، حفظها وهو يتوضأ، هل مثل هذا الكلام هل مثل هذا التصور يمشي؟ لا، يحفظ في كل وضوء بيت بيتين، ومع الوقت يعني الذي يصب عليه الماء، في واحد آخر يقرأ بيت أو بيتين فيحفظهم، فمثل هذا الفهم السقيم يمكن أن يتداول بين طلاب العلم؟ لا يمكن، يعني عند غيرنا من المتصوفة والمبتدعة يرون مثل هذه الأمور أن الإنسان قد يحفظ الشيء الكثير بزمن يسير.
يعني في إرشاد الساري شرح البخاري يقول: بلغنا عن فلان من الشيوخ أنه كان يقرأ القرآن في أسبوع، هذا طيب يقرأ القرآن في أسبوع ما فيه إشكال، لكن هل يريد الأسبوع السبعة الأيام؟ لا، يريد الطواف، بدليل أنه قال: وقيل: في شوط، يعني يقرأ القرآن كاملاً في شوط هذا معقول وإلا غير معقول؟ ما يمكن أن يكون هذا، وأصحاب البرمجة العصبية يسعون لتحقيق مثل هذه الخرافات، يعني بإمكانك تقرأ مجلد بلحظة ويش المانع عندهم؟ المسألة مسألة تمرين، أنا أقول: هذا مستحيل.
فعلى الإنسان أن يستغل الوقت لكن بالمقدور، يعني بدون استعانة بما لا يجوز الاستعانة به، وإلا قد يعاني الإنسان وهو لا يشعر، فيستدرج من قبل شياطين ومن قبل كذا يمكن، لكن على الإنسان أن يتحرى السنة، ويطبق السنة فيبتعد عن الشياطين؛ لأن الشياطين يقدمون إعانات شعر بها الإنسان أو لم يشعر، بحيث إذا تورط وتوسط في الطريق وعرف بهذا، تخلوا عنه، حتى يقرب ويقدم لهم، فسلوك السبيل والجادة هو الأصل، فلا يجوز أن يقال على هذه الأعضاء شيء.
قال -رحمه الله-: "حدثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي -صدوق- الكوفي قال: حدثنا زيد بن حباب" تقدم مراراً، أبو الحسين العكلي صدوق من التاسعة "عن معاوية بن صالح" عن معاوية بن صالح بن حدير الحضرمي، قاضي الأندلس، ثقة أيضاً "عن ربيعة بن يزيد الدمشقي" ثقة عابد "عن أبي إدريس الخولاني" عائذ الله بن عبد الله، عالم الشام بعد أبي الدرداء، ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- "عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان" قيل: اسمه: سعيد بن هانئ الخولاني، وقيل: حريز بن عثمان، وإلا فلا يدرى منه، إن لم يكن هذا أو هذا فلا يدرى منه، فهو مجهول "عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء».
والحديث مخرج في صحيح مسلم، دون قوله: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين» أوله: توضأ ثم قال: «أشهد أن لا إله إلا الله» وكذلك لم يثبت رفع البصر إلى السماء، وأما رفع الأصبع مع الشهادة فهو مطرد، يرفعها النبي -عليه الصلاة والسلام- كلما شهد أو استشهد ربه كما في التشهد وغيره، فلا مانع من رفع الأصبع عند الشهادة، لكن رفع البصر إلى السماء لم يثبت.
وكذلك قوله: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين» لا توجد في صحيح مسلم، فمن أهل العلم من حكم عليها بالشذوذ، من أهل العلم من حكم عليها بالشذوذ؛ لأنها لو كانت محفوظة ما أهملها مسلم، ولا أهملها الرواة الثقات، ومنهم من يقول: إنها زيادة ثقة ليست مخالفة فلا مانع من قبولها، والأئمة الحفاظ كثير منهم لا يثبتها؛ لأن الثقات من الرواة لم يرووها، ومن أهل العلم من يرى أنها.. ثقة، وهي جارية على من يطرد قبول زيادات الثقات، هي جارية على قوله وعلى طريقته ومنهجه، من يقول بقبول الزيادات مطلقاً يقبل مثل هذه الزيادة، مثل «إنك لا تخلف الميعاد» في آخر الذكر بعد إجابة المؤذن، مثل هذه الزيادة يقبلها ويصححها الشيخ الألباني، والشيخ ابن باز -رحمة الله على الجميع- لكن الأئمة الحفاظ الكبار يحكمون عليها بالشذوذ؛ لأنها لو كانت محفوظة ما تركها من هو أحفظ، ولا خرجها ورواها المسلم في صحيحه، ولما عدل عنها وتركها دل على أنها ليست بمحفوظة، وعلى كل حال بعض الناس يتسامح في اللفظ إذا كان أصله، إذا كان معناه صحيحاً، يقولون: ما المانع أن يقال: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين هذا دعاء؟ ويدل عليه قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [(222) سورة البقرة] يشهد له هذا ولا مانع من قبولها ما دام القرآن يشهد لها، وبعض الناس يدقق في هذه الأمور لا سيما في العبادات المؤقتة، يعني ما في مانع أن تدعو بدعاء مطلق: "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين" أنت لو قلت: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين ما في ما يمنع؛ لأن الله -جل علا-: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [(222) سورة البقرة] لكن التوقيت بعد الوضوء بعد هذا الذكر الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي لا يراه كثير من أهل التحقيق؛ لأن مثل هذا لا بد له من حجة ملزمة، ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والجمع بين التوبة لطهارة الباطن، والوضوء لطهارة الظاهر، الجمع بينهما ظاهر "اجعلني من التوابين" ليطهر الباطن، "واجعلني من المتطهرين" ليطهر الظاهر، كما في قوله: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [(222) سورة البقرة] الجمع بينهما ظاهر، وتقديم التوبة على طهارة البدن لأنها أهم؛ لأن تطهير السريرة أولى من تطهير العلانية.
قال أبو عيسى: "وفي الباب عن أنس" مخرّج عند ابن ماجة "وعقبة بن عامر" أخرجه مسلم "قال أبو عيسى: حديث عمر قد خُولف زيد بن حباب في هذا الحديث" يعني خالفه عبد الله بن صالح وغيره على ما سيذكر الترمذي، قال أبو عيسى: "وروى عبد الله بن صالح وغيره عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر عن عمر" عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر عن عمر، والحديث في الباب: عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عمر، فدل على أن أبا إدريس يروي الخبر عن عمر مباشرة، وكلامه الأخير الذي يعل به كلامه السابق فيه الواسطة بين أبي إدريس وبين عمر عقبة بن عامر "وعن ربيعة عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عمر" فحديث الباب يرويه أبو إدريس عن عمر بدون واسطة، ويرويه أبو عثمان عن عمر بدون واسطة، والأخبار التي أوردها بعد الأسانيد التي أوردها بعد ذلك تدل أن هناك واسطة بين أبي إدريس وبين عمر، وبين أبي عثمان وعمر -رضي الله عنه-.
قال: "وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب كبير شيء" لكنه صح في حديث مسلم أول الحديث: «من توضأ فأحسن الوضوء» أحسنه: أتمه وأسبغه، وفي رواية: «نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه دخل من أي أبواب الجنة الثمانية شاء» قال الإمام البخاري بعده: ولا تغتروا، ولا تغتروا، ولا أدري هل هي من أصل الحديث؟ من كلام عثمان: "ولا تغتروا" أو هي من كلامه -عليه الصلاة والسلام- أو من كلام من بعده؟ المقصود أنها في صحيح البخاري في أصل الخبر "ولا تغتروا" لأن بعض الناس يقول: لماذا أكلف نفسي بعبادات شاقة، أو أترك بعض المحرمات التي يصعب علي تركها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «من توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه دخل الجنة» لا تغتروا بمثل هذا الكلام، أحاديث الوعد لا يغتر بها؛ لأن الإنسان لا يأمن من مكر الله، عليه أوامر لا بد أن يأتي بها، ويتجه نحوه نواهٍ لا بد من اجتنابها وهذه حقيقة التقوى، فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا- بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، ولا يعتمد على مثل هذه الأخبار، يعني يفعل ما اقتضته هذه الأخبار، ويوسع الرجاء بالله برحمة الله -جل وعلا-، ومع ذلك لا يأمن من مكر الله، فلا بد أن يتقي المحرمات، ويفعل الواجبات والمستحبات، كما في هذه الأحاديث، ويسأل ربه الثبات.
"ولا يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب كبير شيء" وقلنا: إنه في صحيح مسلم، أعني حديث عقبة بن عامر.
قال محمد -يعني البخاري- "قال محمد: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئاً" وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئاً، أبو إدريس ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولد في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعمر توفي سنة (23هـ) إذاَ يكون عمر أبي إدريس على أقل احتمال ثلاث عشرة سنة، ثلاث عشرة سنة، هذا على أقل احتمال، والمعاصرة موجودة والسن يحتمل، السن يحتمل، فعلى قول الجمهور الذين يرون الاكتفاء بالمعاصرة يصححون رواية أبي إدريس عن عمر وإلا ما يصححونها؟ يصححونها، لكن البخاري الذي يشترط اللقاء لا يصحح مثل هذا، حتى يثبت عنده اللقاء، ولذا قال: وأبو إدريس لم يسمع من عمر شيئاً، لم يسمع من عمر شيئاً.
في تعليق طويل جداً للشيخ أحمد شاكر يقول: أبو إدريس الخولاني اسمه: عائذ الله بن عبد الله، وهو من كبار التابعين، وقد اختلف في سماعه من معاذ، معاذ مات قبل عمر بخمس سنين، مات قبل عمر بخمس سنين، بالطاعون، طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، فإذا اختلف في سماعه من معاذ الاحتمال في سماعه من عمر أقوى.
يقول: وقد اختلف في سماعه من معاذ بن جبل، وقال ابن عبد البر: سماع أبي إدريس من معاذ عندنا صحيح، من رواية أبي حازم وغيره، وهو يشير إلى ما رواه مالك عن أبي حازم عن أبي إدريس قال: دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بفتىً براق الثنايا، فسألت عنه فقالوا: معاذ، فلما كان الغد هجرت فوجدته يصلي فلما انصرف سلمت عليه.. الحديث، ومعاذ مات سنة ثمان عشرة، وعمر مات سنة ثلاث وعشرين، فقد أدركه أبو إدريس يقيناً، فقد أدركه أبو إدريس يقيناً، والبخاري يشدد في شرطه في الرواية ويشترط اللقي، وسائر المحدثين يخالفونه ويكتفون بالمعاصرة إذا كان الراوي ثقة وبريء من التدليس، وهكذا كان أبو إدريس -رحمه الله-، ومع ذلك فإنه لم يروِ هذا الحديث عن عمر، بل رواه عن عقبة بن عامر كما سيأتي، لكنه في حديث الباب يرويه عن عمر، في الحديث الأصلي عن أبي إدريس وأبي عثمان عن عمر، فهو يرويه عن عمر مباشرة، ومع ذلك فإنه لم يروِ هذا الحديث عن عمر بل رواه عن عقبة بن عامر كما سيجيء، وأبو عثمان اختلف فيه من هو؟ فقال أبو بكر بن منجويه: يشبه أن يكون سعيد بن هانئ الخولاني المصري، وكذا قال أبو علي الغسَّاني، وقال ابن حبان: يشبه أن يكون حريز بن عثمان، وأياً كان فإنه تردد بين ثقتين لا أثر له في صحة الإسناد، وقد أخطأ الترمذي فيما زعم من اضطراب الإسناد في هذا الحديث.
الحديث الترمذي يقول: هذا حديث في إسناده اضطراب، الشيخ أحمد شاكر يقول: وقد أخطأ الترمذي فيما زعم من اضطراب إسناد هذا الحديث.
لكن هل مثل هذا الكلام يمكن أن يقال في حق أبي عيسى الإمام الحافظ؟ لا شك أن الأدب مع الكبار هو المطلوب، فلو أن الشيخ -رحمه الله- أبدل هذه العبارة بعبارة ألطف منها لكان أولى.
يقول: وقد أخطأ الترمذي فيما زعم من اضطراب الإسناد في هذا الحديث ومن أنه لا يصح في الباب كبير شيء، وأصل الحديث صحيح مستقيم الإسناد، وإنما جاء الاضطراب في الأسانيد التي نقلها الترمذي منه، يعني من الترمذي نفسه هذا الاضطراب وهذا الاختلاف منه أو ممن حدثه بها.
المقصود أن كلام الشيخ أحمد شاكر طويل في هذا يريد أن يرد على الترمذي ما قال، وعلى كل حال الحديث أصله في صحيح مسلم، والإشكال في الزيادة: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين» هذا الإشكال في هذه الجملة، وعلى كل حال من أثبتها فله سلف، والزيادة عند أهل العلم من الثقة يطلقون قبولها، ومن نفاها وقال: إنها لو كانت محفوظة لذكرها مسلم في صحيحة، ورواها الثقات من الرواة وما دام الأمر كذلك فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-، نعم.
عفا الله عنك:
باب: الوضوء بالمد:
حدثنا أحمد بن منيع وعلي بن حجر قالا: حدثنا إسماعيل ابن علية عن أبي ريحانة عن سفينة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع.
وفي الباب عن عائشة وجابر وأنس بن مالك، حديث سفينة حديث حسن صحيح وأبو ريحانة اسمه: عبد الله بن مطر، وهكذا رأى بعض أهل العلم الوضوء بالمد، والغسل بالصاع، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: ليس معنى هذا الحديث على التوقيت أنه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه، وهو قدر ما يكفي.
يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: "بابٌ: في الوضوء بالمد" والمد إناء يسع رطل وثلث عند الجمهور، وعند أبي حنيفة يسع رطلين، والصاع أربعة أمداد، وهي خمسة أرطال وثلث، وعند الحنفية ثمانية أرطال، والمد أصله ما يملأ كفي الرجل المعتدل، ما يملأ كفي الرجل المعتدل.
قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن منيع" بن عبد الرحمن أبو جعفر البغوي، ثقة حافظ، من العاشرة، وعلي بن حجر السعدي ثقة حافظ أيضاً "قالا: حدثنا إسماعيل" يعني بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم، أبو بشر المعروف بابن علية، ثقة حافظ من الثامنة، إسماعيل بن علية وكان يكره أن ينسب إلى أمه أو إلى جدته علية، يكره ذلك كراهية شديدة، ولذا الإمام أحمد يقول: حدثنا إسماعيل الذي يقال له: ابن علية، فلا ينسب القول لنفسه "عن أبي ريحانة" عن أبي ريحانة قال الترمذي -رحمه الله-: وأبو ريحانه اسمه: عبد الله بن مطر، مشهور بكنيته، قال الحافظ: صدوق من الثامنة "عن أبي ريحانة عن سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" كان اسمه: مهران وسفينة لقب؛ لأنه حمل من الأمتعة الشيء الكثير فشبه بالسفينة "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ بالمد" وعرفنا أن المد إناء يسع رطلاً وثلثاً، وقال الحنفية: يسع رطلين، وهو في الأصل ما يملأ كفي الرجل المعتدل "ويغتسل بالصاع" الذي يسع خمسة أرطال وثلث، وعلى مقتضى مذهب الحنفية أنه يسع ثمانية أرطال؛ لأن الصاع أربعة أمداد.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عائشة" في البخاري ومسلم "وجابر" في المسند وأبي داود وابن ماجه "وأنس" في الصحيحين وغيرهما "قال أبو عيسى: حديث سفينة حديث حسن صحيح" وهو مخرّج في صحيح مسلم وعند الإمام أحمد وابن ماجه "وأبو ريحانة اسمه: عبد الله بن مطر" عرفنا أنه مشهور بكنيته وهو صدوق من الثالثة، والحديث على كل حال صحيح، ليس فيه كلام، مخرج في صحيح مسلم، وله شواهد في الصحيحين وغيرهما "وهكذا رأى بعض أهل العلم الوضوء بالمد والغسل بالصاع" أي بالتوقيت والتحديد، لا زيادة ولا نقصان، "وهكذا رأى بعض أهل العلم الوضوء بالمد والغسل بالصاع" أي بالتوقيت والتحديد، لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه "وقال الشافعي وأحمد وإسحق: ليس معنى هذا الحديث على التوقيت أنه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه وهو قدر ما يكفي".
وكونه لا على التحديد، يعني على التقريب لو زاد أو نقص قليلاً أو زاد قليل لا بأس، وهذا هو الراجح المعول عليه؛ لأنه ما عرف عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يكيل الماء، ولا عرف عن سلف هذه الأمة أنهم يكيلونه، إنما المسألة مسألة تقدير وتحديد، نعم تقدير وتقريب.
وقد جاء من حديث عائشة أنها كانت تغتسل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد، والفرق وهو ثلاثة آصع، يغتسلون من هذا الإناء، ويمكن حمله على حديث الباب إنهما اثنان فيحتاجان إلى صاعين ويغتسلان من، من هذا الإناء، من هذا الإناء، وقد لا يستوعبانه، وقد لا يستوعبانه فيتفق مع حديث الباب.
وعلى كل حال المسألة ما عُرف من هديه -عليه الصلاة والسلام- ولا من هدي صحابته الكرام أنهم يكيلون الماء للوضوء، ولا يزيدون عليه ولا ينقصون، إنما فيه حث على الاقتصاد، حث على الاقتصاد بالماء، ويأتي في الباب الذي بعده باب: ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء، وبعض الناس يفتح الماء على أعلى ما يمكن ثم يتوضأ ويترك الماء ينساب ويضيع ويهدر من غير حاجة، ولا شك أن هذا لا يجوز، لا يجوز، نعم الماء موجود ومتيسر ومتوفر، وكان الناس يجلبونه من بعيد بالأواني على رؤوسهم، مما يضطرهم إلى الاقتصاد، أما الآن فموجود تفتح الصنبور وينهال عليك الماء وأنت لا تحسب له أي حساب، ولا تقدر الخسائر التي تنفق عليه، ولا تحسب حساب أنه في يوم من الأيام تطلبه فلا تجده، أحياناً قد تكون الحاجة داعية إلى شيء من هذا الإهدار، قد تدعو الحاجة إلى ذلك.
في الشتاء إذا فتح السخان الماء الذي ينزل من السخان الذي في المواصير بارد، وقد يكون الوضوء به مؤذي، فيحتاج إلى أن يترك هذا الماء ينساب حتى يأتي الساخن الذي يتوضأ به، فمثل هذا قد تكون الحاجة داعية إلى ذلك، لكن لو حفظ في إناء أو جعل هذا الماء البارد ينزل في إناء ثم يتبعه الحار شديد الحرارة ثم يختلط هذا بهذه فلا يضيع من الماء شيء، هذا لا شك أنه أولى، لكن الاغتسال بعض الناس يقول: كيف أغتسل من إناء وعندي الدش؟ ما يحتاج إلى أن أجمع هذا الماء وذاك الماء وأخلطهما ثم أتناول من الإناء الأمر أهون من ذلك.
على كل حال إذا دعت الحاجة إلى مثل هذا فالأمر يقبل، أما مع عدم الحاجة فلا، ولذا أردف المؤلف -رحمه الله تعالى- هذا الباب بقوله: "باب: ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء"
سم.
عفا الله عنك.
باب: كراهية الإسراف في الماء:
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا خارجة بن مصعب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن للوضوء شيطاناً يقال له: الولهان، فاتقوا وسواس الماء».
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مغفل، حديث أبي بن كعب حديثه غريب وليس إسناده بالقوي، والصحيح عند أهل الحديث لأنا لا نعلم أحداً أسنده غير خارجة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن قوله: ولا يصح في هذا الباب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء، وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا وضعّفه ابن المبارك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية الإسراف في الوضوء بالماء"
وهذا الحكم مجمع عليه بين أهل العلم، ويطلقون الكراهة، وهي أعم من كراهة التنزيه أو التحريم، ففي بعض الصور تتجه كراهية التنزيه، إذا كان الإسراف يسير ومحتمل، أما إذا كان الإسراف كثيراً فالمبذرون هم إخوان الشياطين، كما قال الله -جل علا-: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [(27) سورة الإسراء]
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو داود" سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي، أحد الأئمة الأعلام، صاحب المسند، توفي سنة أربع ومائتين، يعني مع الإمام الشافعي -رحمه الله- "قال: حدثنا خارجة بن مصعب" أبو الحجاج السَرَخْسي، أو السَرْخَسي، متروك كذبه ابن معين "عن يونس بن عبيد" العبدي مولاهم، أحد الأئمة "عن الحسن" البصري "عن عتي بن ضمرة" التميمي "السعدي" البصري، ثقة من الثالثة "عن أبي بن كعب" الصحابي الجليل "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن للوضوء شيطاناً» أي للوسوسة في الوضوء له شيطان «يقال له: الولهان» الولَهَان مأخوذ من الوله، وهو ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد سمي شيطان الوضوء بذلك لشدة حرصه على طلب الوسوسة، وإذا اشتد الحرص على الشيء أصابه شيء من التحير والخفة والطيش خشية أن يفوت هذا الأمر، فالشيطان لحرصه هذا على وقوع المسلم في الوسواس وخشية أن يفوته هذا المسلم الذي يتوضأ لا شك أنه يصاب بشيء من الخفة والوله، أو لأن المتوضئ إذا ابتلي بهذا اتباعاً لهذا الشيطان أُصيب بشيء من الحيرة فيحتار في أمره، ومن نظر في حال الموسوسين وجد الحيرة في تصرفاتهم، وجد الحيرة في تصرفاتهم، منهم من إذا خرج من الدورة ومس الباب عاد إليها، وقال: إن الباب نجس، واليد رطبة وتنجست فيعود ثانية وثالثة وعاشرة وأحوالهم مزرية، أحوالهم مزرية جداً.
«إن للوضوء شيطان يقال له: الولهان، فاتقوا وسواس الماء» وسواس الماء: الوسوسة في الوضوء يعني هل وصل الماء إلى أعضاء الوضوء أو لم يصل؟ وهل غسل مرتين أو مرة؟ وهل الماء طاهر أو نجس؟ وهل الماء عند من يقول بالتفريق بين القليل والكثير هل بلغ القلتين أو لم يبلغ؟ وهل ما وقع فيه طاهر أو نجس؟ إلى كثير من الاحتمالات التي أوجدها هؤلاء «فاتقوا وسواس الماء».
قال: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" عند النسائي وابن ماجه، وفي بعض النسخ: عبد الله بن عمر، وله حديث عند ابن ماجه أيضاً، "وعبد الله بن مغفل" عند أبي داود وابن ماجه "قال أبو عيسى: حديث أبي بن كعب حديثه غريب" وأخرجه ابن ماجه "وليس إسناده بالقوي"، "ليس إسناده بالقوي والصحيح" يعني ليس بالقوي وليس بالصحيح "عند أهل الحديث؛ لأنا لا نعلم أحداً أسنده -يعني رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "غير خارجة" بن مصعب، وعرفنا أنه متروك، وكذبه ابن معين، فمثله لا يعول عليه "لا نعلم أحداً أسنده غير خارجه، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن" يعني من قوله، موقوفاً عليه، ويسمى عند أهل العلم مقطوع، إذا وقف على التابعي هو المقطوع: "ولا يصح في هذا الباب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء، وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا" يعني أهل الحديث "ليس بالقوي عند أصحابنا" يعني أهل الحديث "وضعّفه ابن المبارك".
قال الذهبي في الميزان: وهّاه أحمد، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال أيضاً: كذاب، والحديث لا شك في ضعفه، لكن الوسواس موجود عند كثير من المسلمين، لا سيما في الوضوء وفي الطهارة عموماً، وفي الصلاة وما يتعلق بها، وبعضهم يكون الوسواس عنده في النكاح وفي الطلاق، ويصدر من بعض الناس أشياء لا تدري كيف حصلت من هؤلاء وهم عقلاء؟
شخص يسأل يقول: في آخر الفصل الدراسي -مدرس ومن سنين يدرس- في آخر الفصل الطلاب عندي ربع العدد، وفي الفصل الثاني الذي بجواري قريب النصف، فقال المدرس الذي في الفصل الثاني: ما دام طلابك عددهم قليل دعهم يحضروا عندي واخرج أنت، فقلت، يعني قال بلهجته: بصرك يعني ما يخالف، فلما خرجت من المدرسة وأنا في طريقي إلى البيت قلت: ما أدري هل قال: خل الطلاب يدخلون عندي، أو قال: تريد أن تطلق زوجتك، أو قال: ما أدري أنت طلقت زوجتك، شو اللي أدخل هذا بهذا؟ يعني الشيطان حريص على مثل هذه الأمور، ويجري من ابن آدم مجرى الدم، فعلى المسلم أن يحذره، ويقطع الطريق عليه من أوَّله، سواءً كان في عبادته، سواءً كان في معاملته، سواءً كان في معاشرته لأهله.
بعض الناس هذه الوسواس لا تزال تحوك وتدور في ذهنه حتى يجزم بيقين أنه طلق، يطلق زوجته التي يرغب فيها ويحبها وتحبه وليست بينهم أدنى مشكلة، لكن يقول: أنا والله ما أدري أنا مطلق وإلا ما طلقت؟ هل بلغت العدد؟ أو بانت أو ما بانت؟ خلي المسألة تصير متيقنة ونرتاح، هذا يحصل لكثير من الناس، وأما الوسواس في الطهارة وفي الصلاة فحدث ولا حرج، فعلى المسلم..، مع الأسف أن بعض طلاب العلم يسألون عن مثل هذه الأمور، وما ذلكم إلا لأنهم انقادوا للشيطان، وتبعوه في أول الأمر ثم استرسلوا في هذا فوافقوه فحصل لهم ما حصل.
فالنصيحة لطالب العلم على وجه الخصوص والمسلمين عموماً ألا يسترسلوا مع الشيطان، ويكون خطرهم على النقص أكثر من الزيادة، النقص في مثل هذه الأمور مع الاعتراف بالتقصير والاستغفار أفضل من أن يزاد على المشروع، كما يقرر بعض أهل العلم ويقول: إن البياض إذا زاد صار برصاً -نسأل الله العافية-، يعني ما في شك أن الحد الأعلى من البياض القريب من البرص يعني إذا نقص عنه فصار إلى الأدمة أقرب أفضل؛ لأنه إذا كان البياض الشديد لا تفرق بينه وبين الأبرص إلا بكل صعوبة فالسمرة أفضل منه، فعلى كل حال المبالغة في التكميل، الموسوس بزعمه أنه يكمل، إذا بالغ وزادت عنده هذه المبالغة لا شك أنه يقع في مثل هذا الوسواس الذي هو بمثابة البرص الذي يقذره الناس به، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"راجعت التقريب فأخذت انظر في تراجم من ذكر عنهم ذلك، وأرجع إلى تهذيب التهذيب، وأقرأ ما قال عنهم فلاحظت الآتي:
أولاً: كلمة (مقبول) بحد ذاتها ليست ذماً، فقد أوردها في ترجمة سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وقد خرج له مسلم.
ومن قال: إن كلمة مقبول ذم؟ هو الإشكال في كونها مدح، مع أنه في الأصل لين، مع أنه في الأصل لين، إلا إذا توبع، فالقبول ليس من أجله، فوصف المدح هذا ليس من أجله، وإلا هو في الأصل إذا تفرد لا يستحق إلا ليِّن، التي هي تضعيف وقدح، وإطلاق مقبول عليه ليست ذم وإنما هي مدح، والإشكال في كونها مدحاً مع أنه في ذاته لين، واكتسب القبول من موافقة غيره له، كل من ذكر عنه أنه مقبول لا يكون في الغالب له في الغالب سوى شيخين أو ثلاثة، وكذلك تلاميذه أو طلابه.
هذا نص القاعدة التي قعّدها ابن حجر في أنه ليس له من الحديث إلا القليل، فهذا الكلام ما أضاف جديداً، ولا الذي قبله، وهذا يجعل حصر أحاديثه متيسراً نوعاً ما على ابن حجر، أقول: ومثله من قال فيه: لين، مقل من الرواية، وننظر في أحاديثه حصرها متيسر هل هو توبع عليها أو لم يتابع؟ إذن الحكم واحد، وأنه لا يستحق القبول إلا إذا توبع، وقبل القبول هو لين، واللين هذا هو الأصل فيه فإن توبع فهو مقبول، فما الفرق؟
ثالثاً: يقول: يذكر ابن حجر بعد ترجمة من قال عنه: مقبول في الأغلب أن له حديث أو حديثين عن فلان وفلان، وما شابه ذلك، بمعنى أن الحافظ قد حصر أحاديثه في الكتب الستة.
هو في الأصل في الجملة ليس له من الأحاديث إلا القليل، ليس له من الأحاديث إلا القليل، ومع ذلك اللين مثله، ليس له من الأحاديث إلا القليل ويشتركان في كون كل واحد منهما لم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله.
أنا أقول: استحقاق كلمة قبول وهي مدح بالمتابع لا لذاته، واستحقاق كلمة لين وهي قدح لبعض الرواة لعدم المتابع، فهل صدور هذه الأحكام من الحافظ ابن حجر بعد استقراء تام لمرويات من حكم عليه بالقبول أو اللين؟ فإن كان كذلك فالحكم للأحاديث لا للرواة، الحكم للأحاديث لا للرواة، والكتاب كتاب أحكام على الرواة.
رابعاً: يلاحظ غالباً أن المقبول لم يوثقه أحد، وقد يذكره ابن حبان في ثقاته، أما لين الحديث فالغالب أنه ينقل جرح لأحد الأئمة فيه أو تضعيف.
لكنهما يشتركان -أعني المقبول واللين- في كون كل منهما لم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله.
يقول: فالخلاصة أن كل من قلت روايته في الكتب الستة فإن الحافظ يحصر روايته فيها، فإن لم تنكر عليه ولم يتكلم فيه أحد من الأئمة فهو مقبول، وإن كانت روايته منكرة أو تكلم فيه أحد من الأئمة فهو لين الحديث.
أنا أقول: هذا يخالف ما قعده ابن حجر، وأنهما يشتركان في الأصل، في الذات هما مشتركان لا فرق بينهما، الفرق في المتابع وعدمه، الفرق في المتابع وعدمه، والإشكال ما زال باقياً.
يقول: فالأصل أن مقبول من المرتبة الرابعة، وإنما اختلف عنهم لقلة روايته، هذا ما أوصلني فيه إليه جهدي بعد توفيق الله، وإن كان لكم ما تلاحظونه فأرجو أن تفيدونا به؟
وأنا أقول: لا زال الإشكال باقياً.
يعني من كتب المتقدمين التاريخ للبخاري، التاريخ الكبير، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وثقات ابن حبان، والكامل لابن عدي، ثم بعد ذلك نأتي إلى من جاء بعدهم من الكمال وتهذيبه، وتهذيب تهذيبه، والتذهيب للحافظ الذهبي، والكاشف، والميزان والخلاصة، وغيرها من كتب، ولسان الميزان كلها لا يستغني عنها طالب العلم، وفي كل كتاب ما ليس في غيره.
لم أقف على صريح كلامه في ذلك، لكن لا يذكر، لا يمر ذكر علي إلا ويقول: -عليه السلام- وكرم الله وجهه، وقد يمر ذكر الشيخين دون ترضي، وهذا لا يقتضي التقديم، وإنما هو من التأثير البيئي اللاشعوري، لا يقتضي تقديم، إنما هو من تأثير البيئة حيث يصدر مثل هذا الكلام من لا شعور.
وتسميته بالوصي هل هو صواب؟
في ديوان الصنعاني ما يشعر بأن الوصية ثابتة لعلي -رضي الله عنه-، لكن هذا لا شك أنها هفوة وزلة عظيمة، وبعض المسائل يتلقاها الإنسان من بيئته ومن شيوخه ومن مجالسيه بحيث لا يتأمل فيها، ومثل هذه المسألة الكبرى ينبغي أن يتأمل فيها مثل الصنعاني، والوصية لم تثبت.
هذه طبعة طيبة وجيدة، لكن أنا معولي واعتمادي على طبعة عبد الصمد شرف الدين، الطبعة الهندية.
البدع عموماً منها الصغرى ومنها الكبرى، والمبتدعة منهم الغالي في بدعته، ومنهم المتوسط فيها، فهم يقبلون رواية المبتدع بدعة صغرى، ويقبلون رواية غير الغلاة من المبتدعة، وغير الدعاة منهم، على أن هذا الكلام أيضاً ليس على إطلاقه، قد ينتقون من أحاديث الدعاة، وقد ينتقون من أحاديث بعض الغلاة، وكلام الحافظ الذهبي في أوائل الميزان في ترجمة أبان بن تغلب، كلام واضح في رواية الأئمة عن المبتدعة، ولا شك أن كتب السنة طافحة بالرواية عنهم، حتى الصحيحين، فيها رواية مبتدعة، لكن هل فيها رواية من عرف بالرفض الكامل؟ أبداً، مثل هذا لا يروى عنه ولا كرامة، لكن من فيه تشيع، أو فيه شيء من النصب، ميل إلى الصحابة وجفاء لبعض أهل البيت مثل هذا يروون عنه، وأما الخوارج فهم يخرجون أحاديثهم، حتى أن البخاري خرج لعمران بن حطان وهو من غلاتهم ودعاتهم؛ لأن الخوارج كما قرر أهل العلم عرفوا بصدق اللهجة، ومدار الرواية على الصدق، فإذا عرف المبتدع بصدق اللهجة فإنه يخرج عليه، مع أن الحافظ دافع عن البخاري في روايته عن عمران بن حطان بما ذكرنا بأن الخوارج يرون أن المرتكب للكبيرة كافر، فيتحاشون من الذنوب أكثر من غيرهم لا سيما الكذب، والكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- كبيرة من عظائم الأمور يكفر من ارتكبها عندهم، فهم يتاحشون في ذلك، ويوصفون بصدق اللهجة، والعيني في عمدة القاري استدرك على ابن حجر فقال: أي صدق في لهجة مادح قاتل علي؟ أي صدق في لهجة مادح قاتل علي؟ عمران بن حطان مدح عبد الرحمن بن ملجم في قصيدة مشهورة فهل مثل هذا يستحق أن يوصف بصدق اللهجة؟ نقول: صدق فيما يعتقد، هذه عقيدة عندهم، ومدح من يعتقد أنه ينصر الدين، وهذا ما أداه إليه اجتهاده وإن كان اجتهاد باطل، لكنه ما زال محافظ على صدق اللهجة، ينصر ما يراه الحق، وعرف الخوارج من بين المبتدعة بالصدق.
موسوعة الحديث هذه فهارس ما هي..، هذه مجرد فهرس يستفاد منها في الدلالة على مواضع الأحاديث، وأما الأحاديث فالمعول فيها على الكتب الأصلية.
ليس بصحيح، هذا ليس على إطلاقه، فالفاسق لا شك أنه يتوقف في روايته ولا يقبل، كما أنه في الشهادة لا يقبل إلا العدل المرضي، فكذلك الرواية لا بد من العدالة؛ لأن من جانب العدالة لا يؤمن أن يكذب، ظن صدق الراوي وضبطه، ما عدا الكذب، يعني ما دون الكذب لا يقدح، الاتهام بالكذب، كون الراوي متهم بالكذب دون رميه بالكذب فهل كلامه يفيد بأن المتهم بالكذب مقبول الرواية؟ أبداً ما قاله أحد من أهل العلم، بل حديثه شديد الضعف، لا يقبل الانجبار، وجوده مثل عدمه.
ليس فيه أحاديث ضعيفة، البخاري أصح كتاب بعد القرآن، هذا بالنسبة للأصول التي من أجلها ألف الكتاب، وقد يكون في المعلقات التي ليست هي من مقاصد الكتاب غير الموصولة في الكتاب من المائة والستين من بين المائة والستين حديثاً معلقاً مما لم يوصل في الكتاب نفسه، قد يكون فيها بعض الضعف، ومنها ما نص البخاري على ضعفه، ويذكر عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح.
أما التكرار فسوف يكون -إن شاء الله تعالى- حسب القدرة والاستطاعة، وأما تحرير التقريب للشيخ شعيب الأرناؤوط، فمرده إلى ما ذكرت سابقاً، وأنهم جعلوا التقريب محور عمل، راجعوا فيه المطولات وأثبتوا ما أداه إليه اجتهادهم، وافقوا ابن حجر وخالفوه، فما وافقوه فتركوه، وما خالفوه ذكروا رأيهم بوضوح، وأنا أوصي طلاب العلم بهذا لا سيما من لديه الأهلية.
اسمه: (المستفاد من مبهمات المتن والإسناد) هذا أوسع كتاب في المبهمات، ولا بد منه لطالب العلم حينما يأتي راوٍ مبهم في السند أو في المتن هذا مرجعه.
في حديث علي -رضي الله تعالى عنه- في صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما شرحه بفعله ثم رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
ذكرنا بالأمس عند قوله: "وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً" أن المفهوم من الذراع أنه ما بين الرسغ إلى المرفق، وبعدما خرجت تأملت في الذراع الذي هو المقياس المقابل للباع، والشبر؛ لأن المقاييس عندهم بالشبر وبالذراع وبالباع، فجزمت بأن الكف داخلة في الذراع الذي هو المقياس، الكف داخلة في الذراع الذي هو المقياس، فالذراع يبدأ من رؤوس الأصابع إلى المرفق ثم راجعت فوجدت في المصباح المنير: الذراع اليد من كل حيوان، الذراع اليد من كل حيوان، لكنها من الإنسان من المرفق إلى أطراف الأصابع، فالكلام المبني على فهمنا السابق لا شك أنه يتبعه، لكن لا شك أنه تابع له، فيصحح.
لا إشكال في ترجيح قول الأئمة الكبار على قول الشيخ أحمد شاكر، وأن شعبة وهم وأخطأ، ومع ذلك قول الشيخ أحمد شاكر يدل على دقة في الفهم؛ لأن الراوي الذي أخطأ فيه شعبة على قول الأئمة هو شيخه، يعني إذا أخطأ في أسماء الرجال فلن يخطئ في اسم شيخه، نعم قد يذهل الإنسان، وقد يدهش لأمر من الأمور، وقد يغفل، وقد يخطئ في اسمه أحياناً، ولا شك أن مثل هذا يدل على غفلة، على شيء من الغفلة، وشعبة لا شك أنه من أشد الناس تحرياً، وأشدهم تثبتاً وأشدهم نقداً للرجال، ومع ذلك ليس بمعصوم، وعلى كل حال المرجح قول الأئمة.
قال بشار عواد في تعليقه على تهذيب الكمال عند ترجمة خالد بن علقمة بعد أن نقل قول المزي في التحفة وقول البخاري في التاريخ الكبير، وقول أحمد شاكر في الترمذي، قال: قال أفقر العباد أبو محمد بشار عواد: قد يكون الحق مع الشيخ أحمد شاكر في مسألة التصحيف التي أشار إليها بعض مؤلفي كتب المصطلح، لكن المتقدمين لم يقولوا: إن شعبة صحفه وحرفه، بل قالوا: وهم أو أخطأ فيه، والخطأ والوهم جائز لا يستبعد عن أي كان، وأشار إلى خطأ شعبة جهابذة العلماء والنقاد أحمد والبخاري وأبو حاتم وأبو زرعة وأبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان وجماعة آخرون، فلو كان هناك راوياً اسمه: مالك بن عرفطة فكيف لا يعرفه كل هؤلاء؟ ثم كيف يكون ثقة وهو مجهول من كل هؤلاء؟ فأي ثقة في هذا الذي يروي عنه شعبة ولا يعرفه أحمد والبخاري والرازيان وأبو داود الترمذي والنسائي، وشعبة يخطئ كما يخطئ غيره، وخطأه قليل جداً على كثرة روايته، قال الإمام أحمد في العلل: أخطأ شعبة في اسم خالد بن علقمة فقال: مالك بن عرفطة، وأخطأ أيضاً في سلم بن عبد الرحمن فقال: عبد الله بن يزيد في حديث الشكال من الخيل، قلب اسمه وأخطأ شعبة في اسم أبي الثورين، فقال: أبو السوار، وإنما هو أبو الثورين، وقد أخطأ عظماء المحدثين، وتعقبهم من جاء بعدهم كما هو معروف، وأشار الإمام الذهبي في غير ما موضع من كتبه إلى خطأ شعبة على جلالته عند رده لبعض من ضعف بعض الرواة بسبب خطأ قليل، وهو أمر يعرفه أهل الفن فخطأ شعبة جائز، لا سيما وهذا الشيخ خالد بن علقمة من المقلين جداً، ولا نعلم شيخاً اسمه مالك بن عرفطة ولا عرفه المتقدمون فهما واحد -إن شاء الله تعالى-.
قلت: يقول الكاتب هذا: قلت: قال الشيخ أحمد شاكر في حاشيته على الترمذي قبل تعليقه على خالد بن علقمة بورقتين فقط، والخطأ لا يأمن منه إنسان.
ما في أحد يدعي لأحد العصمة غير النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شعبة ولا غير شعبة، لكن كلام الشيخ أحمد شاكر قوته في كون الراوي الذي أخطأ فيه شعبة شيخه، ويبعد أن يخطئ الإنسان في اسم شيخه، نعم قد يخطئ في من لم يلقه بل سمع عنه قد يخطئ فيه، لكن شيخه هذا يندر أن يخطئ فيه ومع ذلك الصواب مع الأئمة، الصواب مع الأئمة، وكون الراوي يعد واحداً أو اثنين هذه مسألة فيها كلام طويل لأهل العلم، والبخاري -رحمه الله- تعالى جعل بعض الرواة وهو واحد اثنين في تاريخه والعكس، وتعقبه ابن أبي حاتم في بيان خطأ البخاري في تاريخه، وللخطيب البغدادي -رحمة الله عليه- كتاب في غاية الأهمية في هذا الباب، يتعقب فيه البخاري وغير البخاري، اسمه: (موضح أوهام الجمع والتفريق) فبعض الرواة واحد ويجعله بعضهم اثنين والعكس، والكتاب في مجلدين، وحافل في هذا الفن، ومع ذلكم لما كان موضوع الكتاب يوحي بأن الخطيب -رحمة الله عليه- وهو متأخر عن عصر الرواية وعن عصر الأئمة، يعني في القرن الخامس، قدم بمقدمة على كل طالب علم أن يقرأها لزاماً دون اختيار؛ ليعرف قدر نفسه بالفعل، فالخطيب لما كان يستدرك على البخاري قد يظن فيه أنه يترفع على أهل العلم، فعلى طالب العلم أن يقرأ هذه المقدمة مقدمة (موضح أوهام الجمع والتفريق).
لا، لا بد أن يصلي عليها ثم يتبعها، وبعد ذلك يصلي الراتبة؛ لأن بعض الناس يقول: الطريق مزدحم، لا سيما إذا كانت المقبرة بعيدة، والطريق يكون فيه زحام، وإذا وصلت الجنازة إلى المقبرة خف الطريق، فيقول: بإمكاني أن أصلي الراتبة وأقرأ جزءاً من القرآن وأتبعهم إلى المقبرة، هذا ليس متابعاً لها.
هذا يريد التفصيل في جميع ما قال فيه الترمذي: وفي الباب، لكن التفصيل دونه خرط القتاد، الكتاب طويل جداً، تعرفون أنه منذ سنة ونحن في الأحاديث الخمسين وما يليها، يعني ما أكملنا ولا شيء بالنسبة للكتاب، لا شيء بالنسبة للكتاب، فنحتاج إلى شيء من السرعة، وننبه على أهم ما يرد في إسناد الحديث أو متنه.
سنن النسائي الكبرى معروف أنها طبعها الأرنأووط وجماعته، طبعة مخرجة، ومحققة، مفهرسة، وهي نفيسة جداً، وأما بالنسبة للمجتبى فيستفاد من الكبرى مع الطبعة المصرية البهية التي في ثمانية أجزاء مع حاشية السندي والسيوطي.
الموطأ طبعة بشار طيبة جداً، ومنار السبيل طبعة المكتب الإسلامي الأولى جيدة إذا ضم إليها إرواء الغليل.
نعم على طالب العلم في بدايته بالقراءة أن لا يعمد إلى الكتب المتينة، يعني لا تكون البداية في فتح الباري مثلاً أو تفسير ابن كثير؛ لأنها كتب متينة ومملة لطالب العلم المبتدئ الذي لم يتعود على القراءة، فليقرأ في شيء يشجعه على القراءة، ويحثه عليها، فلو بدأ بشرح النووي على مسلم، أو بشرح الكرماني على البخاري هذا لا شك أنها بداية طيبة، وفيها طراتف ونفائس تجعل طالب العلم يتابع القراءة، وبالنسبة للتفسير ذكرنا أنه لو بدأ بتفسير الشيخ ابن سعدي، أو تفسير الشيخ فيصل بن مبارك يستفيد كثيراً.