شرح أبواب الصلاة من سنن الترمذي (05)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليها لسقوط القمر لثالثة".
حدثنا أبو بكر محمد بن أبان قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة بهذا الإسناد نحوه، قال أبو عيسى: روى هذا الحديث هشيم عن أبي بشر عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير ولم يذكر فيه هشيم عن بشير بن ثابت، وحديث أبي عوانة أصح عندنا؛ لأن يزيد بن هارون روى عن شعبة عن أبي بشر نحو رواية أبي عوانة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة" تقدم أن وقت صلاة العشاء الآخرة من مغيب الشفق الأحمر هذه بدايته، وأما النهاية فقد اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال:
منهم من يقول: إن وقت صلاة العشاء ينتهي بالثلث الأول، بنهاية الثلث، ثلث الليل الأول، استدلالاً بما جاء في حديث أبي هريرة وغيره حين أمّ جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- صبيحة ليلة الإسراء حيث صلى العشاء في اليوم الثاني حينما ذهب ثلث الليل الأول.
ومنهم من يرى أن وقت صلاة العشاء ينتهي عند منتصف الليل، ينتهي بمنتصف الليل كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو «ووقت العشاء من مغيب الشفق إلى منتصف الليل الأوسط» ومنهم من يرى أنه ينتهي بطلوع الفجر كما جاء في حديث: «ليس في النوم تفريط وإنما التفريط على من أخّر الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة الأخرى» وقلنا في ما مضى أن حديث الثلث الليل في إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- متقدم، وحديث عبد الله بن عمرو متأخر، والحديث الثالث الذي فيه أن الوقت لا ينتهي إلا بدخول وقت الصلاة الأخرى مخصوص بصلاة الفجر إجماعاً، وأنه لا يمتد وقتها إلى دخول وقت صلاة الظهر فليخص بصلاة العشاء أيضاً كما جاء التصريح بنهاية وقته في منتصف الليل في حديث عبد الله بن عمرو وغيره.
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب" وصف العشاء بالآخرة يدل على أن هناك عشاء أولى ويراد بها المغرب، وكان بعض العرب يسمي المغرب العشاء ويسمي العشاء بالعتمة، وهذا من الأعراب، حتى قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم» ذكرنا مراراً أن في هذه البلاد أيضاً يسمون المغرب العشاء، ويسمون العشاء الأخير، كما قال هنا العشاء الآخرة، لكن المغرب هي المغرب والعشاء هي العشاء بالتحديد.
قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب" مر بنا مراراً أن هذا من شيوخ الترمذي الذين أكثر عنهم وهو ثقة "قال: حدثنا أبو عوانة" الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة أيضاً من شيوخ الأئمة، وكتابه صحيح كما نص على ذلك أهل العلم، وبعض المفتونين من المتعصبين لبعض المذاهب الفرعية والعقدية طعن في أبي عوانة بسبب تصحيف وقع في كتاب، اسمه وضاح، قال بعض الأئمة: أبو عوانة ذاك وضاع، يعني صُحف الاسم من وضاح إلى وضاع فتمسك بها بعض المفتونين وطعن في هذا الراوي الإمام الجليل المخرج له في الصحاح وغيرها، من أجل حديث يخالف مذهبه، فقال: الإمام فلان وصفه بأنه وضاع، ولم يرد ذلك، كل النسخ الصحيحة تقول: ذاك وضاح، فتصحفت الحاء عين، ومثل هذه يتشبث بها من يتتبع المتشابه، الذين في قلوبهم زيغ يتتبعون مثل هذه التصحيفات.
"عن أبي بشر" بن أبي إياس بن أبي وحشية، وهو ثقة أيضاً "عن بشير بن ثابت" الأنصاري مولاهم، ثقة أيضاً "عن حبيب بن سالم" الأنصاري، لا بأس به "عن النعمان بن بشير" صحابي جليل معروف، قال: -رضي الله عنه-: "أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة" يقول هذا الكلام على سبيل الافتخار على غيره والترفع على غيره على سبيل التزكية لنفسه؟ كلا، إنما يقول مثل هذا الكلام من باب التحدث بنعمة الله -جل وعلا-، ومن باب إغراء السامعين على تحمل هذا الخبر عنه، كثيراً ما نسمع لأهل العلم كلام يظنه بعض الناس أنه غرور بالنفس، وإعجاب بها، وليس الأمر كذلك، إنما هو من باب إغراء السامع بالحرص على هذه الفائدة التي لا يجدها عند غيره، ابن القيم لما أتم مقام التوبة في مدارج السالكين بكلام طويل نفيس لا يوجد عند غيره قال -رحمه الله-: "فاحرص على هذا الكلام علك أن لا تجده في مصنف آخر ألبتة، والله المستعان" هذا الكلام صحيح، لكن لا يراد بذلك أن ابن القيم مغرور بنفسه وبكلامه، نعم قد يوجد في النفس أحياناً ما يحمل على مثل هذا الكلام، لكن العلماء المعروفين بإخلاصهم واقتفائهم لسنن نبيهم وإخلاصهم لله -جل وعلا- لا يُظن بهم ذلك، قد يجده الإنسان من نفسه أحياناً.
ابن حجر -رحمه الله تعالى- تتبع طرق حديث ثم حكم عليه بحكم لم يعرف له سابق، يعني ما عرف فيه حكم لأهل العلم، ثم بعد ذلك قال: إني وجدت كلاماً لفلان وفلان من الأئمة الكبار المتقدمين وقع له نفس ما وقع لي، فالحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله، كررها مراراً، والله المستعان.
قال: "أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة" يعني صلاة العشاء "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليها لسقوط القمر لثالثة" (كان) هذه في الأصل تدل على الاستمرار "لسقوط القمر لثالثة" لثالثة يعني من الشهر، الليلة الثالثة من الشهر، سقوط القمر لثالثة من الشهر هل هو يسقط في وقت يعني يغيب في وقت محدد من كل شهر؟ أو أنه يختلف من شهر إلى آخر؟ وقد يزيد في هذا الاختلاف على ساعة من شهر إلى آخر في ثالثة الشهر، ولذلكم من معه تحقيق الشيخ أحمد شاكر ذكر جدول لأوقات غروب القمر في الليالي الثالثة من شهور سنة كاملة، سنة (1345هـ) ثم أردفها بسنة (1356هـ) بينهما إحدى عشرة سنة، يقول: الليلة الثالثة من محرم سنة خمسة وأربعين القمر يغرب في الساعة الواحدة وسبع وخمسين، مقصوده بالغروبي، بالتقويم العربي القديم، قبل أن نغيره بحساب غيرنا، الساعة الثانية إلا ثلاث دقائق، وصفر، الثالثة من صفر غروب القمر في الواحدة وخمسة وعشرين، وربيع الأول في الواحدة وثلاث وثلاثين، وربيع الثاني في الواحدة وسبع وأربعين، جماد الأولى في الواحدة وواحد وثلاثين، وفي جمادى الثانية في الثانية وست دقائق، وفي رجب في الثانية وواحد وخمسين دقيقة، في شعبان في الثانية وأربعة وعشرين دقيقة، في رمضان في الثالثة وأربع ودقائق، كلها في ثالثة الشهر، وفي شوال في الثانية وتسع وثلاثين دقيقة، وفي ذي القعدة في الثالثة وواحد وعشرين دقيقة، وفي ذي الحجة في الثانية وست وأربعين دقيقة.
يعني بين بعض الليالي وبعض واحدة وخمسة وعشرين دقيقة، وعندك في صفر في الواحدة وخمس وعشرين دقيقة، واحدة ونصف إلا خمس، وفي ذي القعدة في الثالثة وواحد وعشرين دقيقة، الفرق قريب من ساعتين، فهل يمكن أن يعوّل على سقوط القمر في تحديد وقت صلاة العشاء؟ أسماء بنت أبي بكر راقبت القمر ليلة جمع، ليلة عرفة، فلما غاب القمر ارتحلت، فهل نقول بمثل هذا أن القمر ليلة العيد عيد النحر يتفاوت مثل تفاوته في الليلة الثالثة فلا يعول عليه أيضاً؟ أو نقول: إنه ثابت وقد عمل به جمع من أهل العلم ينتظرون مغيب القمر ثم ينصرفون إلى منى، وهذا في حق المتعجل، أما المتأخر المقتدي بفعله -عليه الصلاة والسلام- فإنه يصلي الصبح بجمع ثم يمكث يذكر الله -جل وعلا- حتى يسفر جداً، قبل أن تطلع الشمس يدفع إلى منى.
هنا رأينا هذا الاختلاف إلى ما يقرب من ساعتين، فهل يُعول على مثل هذا في تحديد صلاة العشاء؟
النعمان بن بشير يقول: "أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليها لسقوط القمر" أي مغيب القمر ليلة ثالثة من الشهر، وهذا الحديث مصحح عند أهل العلم، وإن كان فيه من قيل فيه: لا بأس به، حبيب بن سالم قيل فيه: لا بأس به، وحديثه يكون مقبولاً، لكن في حيز الحسن لا في حيز الصحيح.
مع أنه مُختلف فيه هل بشير بن ثابت مُقحم في السند أو أنه ساقط من الرواية الثانية؟ تأتي إشارة الترمذي إلى هذا، لكن إذا عرفنا أن التفاوت في مغيب القمر في الليلة الثالثة بين هذه الأشهر ساعتين فما دون عرفنا أنه لا يمكن أن يحدد بهذا إلا أن يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- راقبه النعمان بن بشير وهو يصلي عند مغيب القمر من غير تحديد بوقت ثابت، صلاها فعجل بها حينما صلاها عند مغيب القمر لثالثة في الساعة الواحدة وخمس وعشرين دقيقة، وأخّرها حينما صلاها عند مغيب القمر لثالثة حينما كان يغرب في الساعة الثالثة وواحد وعشرين دقيقة، فلا يكون لها وقت محدد ثابت في الليالي كلها، وإنما تصلى بين هذين الوقتين، بين الوقت الذي يتقدم فيه مغيب القمر والوقت الذي يتأخر فيه مغيب القمر، ولا يريد النعمان بن بشير أنه يصليها في ساعة محددة في كل ليلة، ولا شك أن الوقت بين أوله وبين آخره كله واقع في وقت صلاة العشاء؛ لأن مغيب الشفق في الليالي القصيرة يغيب في الواحدة وأكثر من عشرين دقيقة، يعني واحد وعشرين أو اثنين وعشرين، فإذا صلاها في خمس وعشرين يكون صلاها في وقتها، وإذا صُليت بعد مغيب القمر أو وقت مغيب القمر في الساعة الثالثة وواحد وعشرين دقيقة لا مانع من ذلك، وأن تكون حينئذٍ صليت بعد دخول وقتها بساعتين وهو مضي ثلث الليل في بالنسبة لليالي القصيرة، على كل حال عندنا نصوص واضحة مفسرة محكمة، وأن وقتها يبدأ من مغيب الشفق الأحمر، ثم النهاية يختلف فيها أهل العلم تبعاً لاختلاف ما جاء فيها.
قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر محمد بن أبان قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة بهذا الإسناد نحوه" يعني بالإسناد المتقدم، نحوه يعني بمعناه، محمد بن أبان قلنا في أبان: المنع والصرف، فمنعه ابن مالك الإمام المعروف من أئمة العربية وصرفه غيره، حتى قال بعضهم: من منع أبان فهو أتان، لذلك أحياناً يقع الحرج من بعض الإخوان إذا سألناهم قلنا: أبان ممنوع وإلا مصروف؟ ثم نأتي بهذا الكلام يقع في حرج بعضهم.
فمن صرفه قال: هو من الإبانة والنون أصلية، ومن منعه قال: هو من الإباء والنون مزيدة مع الألف، والاسم يمنع من الصرف لزيادة الألف والنون.
"قال أبو عيسى: روى هذا الحديث هشيم عن أبي بشر عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير" عن حبيب بن سالم من غير ذكر لبشير بن ثابت، أبي بشر عن حبيب بن سالم، والرواية الأصلية رواية أبي عوانة عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم "ولم يذكر فيه هشيم عن بشير بن ثابت، وحديث أبي عوانة أصح عندنا" يعني الذي فيه بشير بن ثابت "لأن يزيد بن هارون رواه عن شعبة عن أبي بشر نحو رواية أبي عوانة".
ولا شك أن متابعة شعبة أمير المؤمنين في الحديث لأبي عوانة تعطيه قوة فيرجح قوله على قول هشيم، لم يذكر فيه هشيم عن بشير بن ثابت، يعني هل نقول: إن هشيماً دلسه لأنه معروف بالتدليس فأسقطه؟ هل نقول: إن هشيماً دلسه؟
وفي الصحيح عدة كالأعمشِ |
| وكهشيم بعده وفتشِ |
يعني في ذكر المدلسين، هل نقول: إن هشيم دلّسه فأسقطه؛ لأنه هنا لم يصرح بالتحديث، من يجيب؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
صحيح، يعني هشيم ما عُرف بتدليس التسوية، وهذا إن رميناه به هو من نوع تدليس التسوية الذي هو شر أنواع التدليس، إنما التدليس المعروف اللي هو أخف بكثير من تدليس التسوية أن يسقط شيخه، وهنا السقط في شيخ الشيخ لا في الشيخ نفسه.
منهم من يقول: إن مثل هذا يسمى من المزيد في متصل الأسانيد، يحكم عليه بأنه مزيد في متصل الأسانيد إذا كان في السند الناقص التصريح بالتحديث، وهنا ليس فيه تصريح بالتحديث فإسقاطه محتمل.
منهم من يقول ويجوز وهذه على طريقة المتأخرين التي يعتمدها الشيخ أحمد شاكر كثيراً أنه يجوز أن بشير بن ثابت رواه عن حبيب بن سالم عن النعمان يعني رواه بواسطة عن النعمان، يعني عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم، يعني رواه أبو بشر عن حبيب بن سالم بواسطة بشير بن ثابت، ثم إنه لقي حبيب بن سالم فرواه عنه بغير واسطة، فصار يحدث به على الوجهين مرة بواسطة ومرة بغير واسطة، وهذه تمشي وتجري على قواعد المتأخرين الذين يتحاشون توهيم الرواة، يتحاشون توهيم الرواة، ولا يجرؤون على التخطئة، تخطئة الثقات، لكن طريق الأئمة المتقدمين التي سلكها الترمذي هنا خطأ هشيم في روايته بإسقاط بشير بن ثابت.
سم.
باب: ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة
حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه».
قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وأبي برزة وابن عباس وأبي سعيد الخدري وزيد بن خالد وابن عمر -رضي الله عنهم-.
قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، وهو الذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين وغيرهم، رأوا تأخير صلاة العشاء الآخرة، وبه يقول أحمد وإسحاق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة" الترجمة الأولى في وقتها، وأنه يبدأ من مغيب الشفق، والحديث الذي أورده في الترجمة تحت الترجمة الأولى حديث النعمان بن بشير لا يدل على بداية الوقت، كما أنه لا يدل على نهايته إلا إذا لاحظنا الفروق بين مغيب القمر في ليلة الثالثة من شهر إلى آخر، فقلنا: إنه يغيب القمر في أول الوقت في شهر ويغيب القمر لثالثة في آخر الوقت بالنسبة لشهر آخر، أما هنا فتأخيرها وما حكمه؟ ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة يعني ما حكمه؟ هل هو الأفضل أو الأفضل التعجيل كما جاء في الظهر والعصر والمغرب والصبح؟ أو أن الأفضل التأخير كالظهر عند اشتداد الحر؟
قال -رحمه الله-: "حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم»، «لولا أن أشق» لولا: حرف امتناع لوجود، امتنع الأمر لوجود المشقة «لولا أن أشق على أمتي» وهذا من رحمته ورأفته -عليه الصلاة والسلام- بأمته.
«لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم» يعني أمر وجوب وإلا أمر الاستحباب موجود، كما جاء: «لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» وعند كل وضوء، أمر الاستحباب موجود، لكن المنفي الممتنع لوجود المشقة أمر الوجوب، وبهذا يستدل أهل العلم على أن الأمر عند الإطلاق يقتضي الوجوب وإلا فأمر الاستحباب موجود {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النــور] هذا الوعيد يدل على أن الأمر يقتضي الوجوب.
«لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم» يعني على سبيل الإلزام والوجوب «أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» ولا شك أن في هذا مشقة على بعض الناس الذين يتعبون في النهار، وينتظرون صلاة العشاء من أجل أن يناموا ويرتاحوا من عناء النهار، فالمشقة موجودة، قد يقول قائل: تأخير العشاء الآن أفضل بالنسبة للناس؛ لأنهم يسهرون، وينامون النهار فما في مشقة عندهم، نقول: لا، يبقى الأصل الشرعي والسنة الإلهية في الليل والنهار تبقى هي الأصل، نعم إذا وجد مشقة في شيء يقتضي التقديم أو التأخير فملاحظته من باب رفع المشقة على الناس لا لأنهم خالفوا السنة الإلهية فسهروا بالليل وناموا النهار، بل لأن ذلك يفوتهم بعض مصالحهم الدينية أو الدنيوية كما هو الحاصل بالنسبة لرمضان في تأخير العشاء لمدة نصف ساعة، الناس يريدون أن يتوسعوا بعد إفطارهم، ويفرحوا بهذه النعمة التي أتمها الله عليهم في ما بين العشاءين، يمتد لهم الوقت ينبسطون فيه مع أهليهم، فمثل هذا التأخير لا إشكال فيه.
«لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» لكن إذا لم توجد المشقة، وجد أناس يتفقون جماعة يتفقون على التأخير ولا يشق على واحد منهم، لا سيما إذا كانوا في غير مسجد مرتب ينتابه الناس، إذا كانوا في صحراء مثلاً أو في استراحة لا يستمعون فيها النداء وهم مجموعة لو تواطئوا على تأخير العشاء إلى ثلث الليل كان ذلك أفضل تحقيقاً لهذه الرغبة النبوية «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه» (أو) هذه شك من الراوي؛ لأن الثلث غير النصف، هكذا قرر جمع من الشراح، ومنهم من يقول: إنها للتنويع، فالأوقات تتفاوت وتتنوع، فليالي الصيف مثلاً تصلى الصلاة في الثلث الأول؛ لأنه لو أخرت إلى النصف ما بقي من الليل ما يكفي الإنسان لنومه، وفي الشتاء لو أخرت إلى النصف كان أولى؛ يبقى من الليل ما يكفي النائم، وكونها للشك أوضح من كونها للتنويع.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن جابر بن سمرة" عند أحمد في المسند وعند مسلم، وأما حديث جابر بن عبد الله فهو في الصحيحين، الذي في الصحيحين حديث "جابر بن عبد الله" وأما حديث جابر بن سمرة فهو عند الإمام أحمد في المسند وعند الإمام مسلم "وأبي برزة" نضلة بن عبيد عند البخاري ومسلم أيضاً "وابن عباس" عند البخاري والطبراني "وأبي سعيد الخدري" عند أحمد وأبي داود "وزيد بن خالد" ينظر من أخرجه، "وابن عمر" عند مسلم.
"قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وهو مخرج عند الإمام مسلم والإمام أحمد في مسنده
قال -رحمه الله-: "وهو الذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين وغيرهم، ورأوا تأخير صلاة العشاء، وبه يقول أحمد وإسحاق" والليث وكثير من محدثي الشافعية؛ لأحاديث كثيرة دلت على التأخير، منها حديث الباب، وما جاء فيه مما أشار إليه الإمام الترمذي.
سم.
باب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا عوف قال أحمد: وحدثنا عباد بن عباد هو المهلبي وإسماعيل بن علية جميعاً عن عوف عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي عن أبي برزة -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها".
وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن مسعود وأنس.
قال أبو عيسى: حديث أبي برزة حديث حسن صحيح، وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ورخص في ذلك بعضهم.
وقال عبد الله بن المبارك: أكثر الأحاديث على الكراهية، ورخص بعضهم في النوم قبل صلاة العشاء في رمضان، وسيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي.
قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها" والسمر هو السهر، والتحدث بالليل، وترك النوم، ولا شك أن هذا مكروه، منصوص عليه في حديث الباب "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها" وإذا نظرنا إلى حال الناس اليوم وجدنا العكس تماماً، نجد من ينام المغرب، نجد من ينام العصر وتفوته صلاة المغرب، نجد من ينام المغرب وتفوته صلاة العشاء، كل هذا من أجل الاستعداد للسهر مع الأصحاب والأقران، ما يتصبر حتى يصلي العشاء ثم ينام، يخشى أن يفوته شيء من مجلس أصحابه وأقرانه، وليت هذه المجالس تعمر بذكر الله وما ينفع، لكنها مبنية على القيل والقال غالباً، والناس لا سيما في الإجازات يقلبون السنة الإلهية بدلاً من أن يكون الليل سكن يكون فيه السهر إلى طلوع الفجر، ومنهم من يسهر إلى قبيل طلوع الفجر ثم ينام عن صلاة الصبح، وأما بالنسبة لقيام الليل، وقراءة القرآن، وإحياء الليل بما ينفع فهذا لا يوجد إلا ما ندر، ومن يعمر ليله بالقيل والقال في الكلام المباح فضلاً عن المكروه والمحرم تجده لا يعان على قيام الليل، يسهر إلى قبيل الصبح فإن كان من الحريصين على إبراء الذمة نعم يجعل من يوقظه لصلاة الصبح وإلا يعذر نفسه بالنوم؛ لأن القلم رفع عن النائم، ثم لا ينتبه إلا بعدما ينتشر النهار، هذا حال كثير من الناس في هذه الأيام، بعض الأخيار يسهر ويقول: البخاري ترجم على السهر: باب السمر في العلم ونحوه، ونحن تمر في مجالسنا بعض المسائل العلمية، لكنها وإن مرت إلا أنها غير مقصودة، يعني هذه المجالس ما قصدت من أجل إحياء الليل بالعلم، لا، إنما قصدت للقيل والقال، قد يمر بمسألة ليست مقصودة، لكن مثل هذا لا يدخل فيما ترجم عليه البخاري -رحمه الله-، وإنما يدخل في السمر المذموم المكروه، لكن إذا سهر الإنسان وحفظ لسانه عن فضول الكلام مع أنه إذا حفظ لسانه عن فضول الكلام ماذا يستفيد من السهر؟ حفظ اللسان من فضول الكلام يدعوه إلى النوم، ويعينه على القيام، لكن الإشكال إذا لم يستطع حفظ هذا اللسان عن فضول الكلام والاسترسال في الفضول هو الذي يميت القلب، ويمرض القلب، فضول الكلام، فضول الأكل، فضول الخلطة، فضول النوم، فضول البصر، فضول السمع، هذه المنافذ إلى القلب لا شك أنها هي أسباب مرضه ثم موته، فإذا قال: أنا أسهر لكن لا أرتكب محرم، نقول: تسهر لأي شيء؟ قال: نسمر مع الإخوان، ونتجاذب أطراف الحديث المباح، نقول: العادة جرت بأن من يسترسل في الكلام المباح لا بد أن ينجر إلى الكلام المكروه، الذي تركه أولى، ثم بعد ذلك ينفذ هذا الكلام المكروه، ولا بد من الكلام، لا يمكن أن يجلسوا بدون كلام، ثم يضطرون إلى أن يقربوا من الحرام كالراعي يرعى حول الحمى.
وهذا موجود في جميع استعمال المباحات من الكلام والنظر والاستماع والأكل والشرب واللبس والسكن وغيرها، كلها تجر، ولذا يعرف عن سلف هذه الأمة وأئمتها الإعراض عن تسعة أعشار الحلال خشية أن يجرهم إلى الحرام.
قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم" هو ابن بشير الواسطي ثقة، عرفنا مراراً أنه يدلس، وهنا صرّح بالإخبار "قال: أخبرنا عوف" انتفت تهمة التدليس هنا لأنه صرح بالإخبار "قال: أخبرنا عوف" وهو ابن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة أيضاً "قال أحمد" يعني ابن منيع شيخه "وحدثنا عبّاد بن عباد هو المهلبي" وهو ثقة أيضاً لكن ربما وهم "وإسماعيل بن علية" إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية، "جميعاً عن عوف" عباد وإسماعيل جميعاً عن عوف، لكن هل معهم هشيم؟ لأن هشيماً يروي عن عوف، لما قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا عوف؛ لأن هشيم معروف بالتدليس، فتصريحه بالإخبار ينفي تهمة التدليس، وعبَّاد بن عباد وإسماعيل بن علية جميعاً عن عوف، يعني بصيغة (عن) ولا يحتاج في مثل هذا إلى تصريح، "عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي" البصري، ثقة "عن أبي برزة" نضلة بن عبيد الأسلمي، صحابي "قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل العشاء" لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى النوم عنها فتفوته الجماعة أو يفوته الوقت المختار وقد يفوته الوقت كله، وإذا تسبب الشيء في فوات مستحب كره، وإذا تسبب في فوات واجب حرم، ولذا قد يقال: إن السهر بالنسبة لبعض الناس مكروه، وبالنسبة لبعض الناس محرم، فالذي يفوته السهر قيام الليل، واستغلال الوقت فيما ينفع أقل ما يقال فيه الكراهة، وإذا فوته السهر صلاة الجماعة أو الصلاة في وقت صلاة الفجر في وقتها فإن هذا يحرم عليه أن يسهر، إذ لا بد من بذل الأسباب للقيام للواجب، ولا بد من انتفاء الموانع، ما يقول: النائم مرفوع عنه القلم وأنا نائم، لا، هل في يوم من الأيام نام عن الامتحان أو نام عن الدوام؟ هذا يندر جداً أن ينام، بينما تجده ينام عن صلاة الفجر في الأسبوع المرتين والثلاث، وقد ينام في الأسبوع الكامل عن صلاة الصبح فضلاً عن كونه يتعمد عدم القيام إلا إلى الدوام أو للدراسة أو نحوها، هذا عاد حكمه آخر، شأنه أعظم، كونه يركب المنبه يضبط المنبه على الدوام والصلاة يمر وقتها من أوله إلى آخره ولا يستيقظ لأدائها، هذا على خطر عظيم، وأفتى فيه بعض أهل العلم بفتوى عظيمة جداً، يعني إذا كان يتعمد ذلك وهذا ديدنه أفتوا بكفره -نسأل الله العافية-، إذا كان يضبط المنبه على الدوام، وحينئذٍ لا يصلي، أقول: لا يصليها بعد وقتها، ما دام تعمد إخراجها عن وقتها لا يصليها كما لو صلاها قبل وقتها، وذكرنا فيما مضى أن ابن حزم نقل الإجماع على هذا أنها لا تصلى إذا أخرجها عن وقتها متعمداً، مع أنه وجد من أهل العلم من ينقل الإجماع على أنه يصليها، وهذا قول جماهير أهل العلم أنه يصليها وإثمه عظيم، إثمه عظيم ولا يكفر بذلك، لكن إثمه عظيم.
"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها" لأن الحديث بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح أو عن قيام الليل.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عائشة" خرجه ابن ماجه "وعبد الله بن مسعود" أيضاً عند ابن ماجه، "وأنس" يقول الشارح: لم أقف على من أخرجه.
"قال أبو عيسى: حديث أبي برزة حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، أخرجه الأئمة كلهم في البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وعند أحمد "وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء" لكن إذا كان النوم يخشى منه أن ينام عن الصلاة، وعدم النوم يخشى منه عدم الإقبال على الصلاة والخشوع فيها لمزيد التعب، تعب في نهاره كله، ثم لما صلى المغرب قال: أستعد لصلاة العشاء فأنام قليلاً لأستيقظ نشطاً لأؤديها بقلب حاضر، معروف أن الإنسان إذا صلى وهو متعب لا سيما إذا كان بعد صلاة العشاء تراويح أو تهجد أو ما أشبه ذلك فإنه يحتاج إلى شيء من الاستعداد، فإذا كان هذا هو السبب فالأمور بمقاصدها إذا نام ليستعد للصلاة، إذا نام ليستعد للصلاة على أنه لو نام على مقتضى السنة الإلهية ما احتاج إلى مثل هذا؛ لأن النصوص يساعد بعضها بعضاً، ولا يناقض بعضها بعضاً، أحياناً يؤتى بمقدمات غير شرعية ثم بعد ذلك نتوقع نتائج شرعية، هذا شخص سهر الليل ويقول: لو صليت الفجر في أول وقتها ما أقبلت عليها، فلا بد أن أنام لأستعد لصلاة الفجر، نقول: أصل المقدمة غير شرعية فكيف تطلب النتيجة الشرعية من هذه المقدمة؟ الأصل أن ينام النوم الكافي في الليل، ويضيف إليه ما يحتاج إليه من القيلولة في منتصف النهار، وحينئذٍ لا يحتاج إلى أن ينام العصر أو ينام المغرب، لكن لو عرض له عارض كما يعرض للنبي -عليه الصلاة والسلام- أحياناً ما يشغله عن ذكر أو عن راتبة أو نحوها، يعرض له ذلك، لكن ليس هذه عادة وديدن، وقت المسلم ينبغي أن يكون مرتباً منظماً، فلا يحتاج إلى نوم في وقت الاستيقاظ، ولا يحتاج إلى استيقاظ في وقت النوم، لا نقول: ينام المغرب ليستعد لصلاة العشاء، اللهم إلا إذا جاءه ما يشغله من أمر عارض، أو علة طارئة، ما استطاع معها أن ينام، نقول: نعم، لا مانع من أن ينام، على أن لا يضيع الصلاة مع الجماعة، وحينئذٍ تنتفي الكراهة في حقه؛ لأن الكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة، الكراهة تزول بأدنى حاجة عند أهل العلم، لكن إذا ترتب على فعل المكروه أمر محرم أو ترك واجب فإنه لا يجوز بحال.
"وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ورخص في ذلك بعضهم" يقول ابن حجر: "من نقلت عنه الرخصة قيدت بما إذا كان له من يوقظه" يعني الإيقاظ الذي يترتب عليه الاستيقاظ، بعض الناس لا يستيقظ إلا بمشقة وجهد شديد، فيقول: أنام قبل صلاة العشاء وأركب المنبه، أضبط المنبه، وهو يعرف أنه لن ينتبه بالمنبه، يقول: بذلت السبب والباقي على الله -جل وعلا-، نقول: أنت ما بذلت السبب؛ لأن هذا السبب ليس بكافي، ابذل السبب الذي تترتب عليه آثاره من الاستيقاظ، وأنت تعرف أنك لا تستيقظ بالمنبه لا يكفي هذا السبب.
يقول: "من نقلت عنه الرخصة قيدت بما إذا كان له من يوقظه، أو عرف من عادته أنه لا يستغرق في النوم" يعني بعض الناس نومه خفيف، يعني تجد بعض الطلاب ليالي الامتحان يذاكرون في المساجد، ويجتمعون، فبعضهم يقول: أريد أن أنام عشر دقائق ربع ساعة لأرتاح قليلاً، وتجد بالفعل يضع رأسه ثم بعد ربع ساعة يرفع رأسه، وبعض الناس يريد أن يصنع ذلك فلا يوقظ إلا للامتحان، الناس يتفاوتون، إذا عرف من عادته أنه لا يستغرق في النوم لا مانع؛ لأن المسألة مسألة الخشية على فوات الجماعة، أو الخشية على فوات أمر مطلوب شرعاً.
"ورخص في ذلك بعضهم، وقال عبد الله بن المبارك: أكثر الأحاديث على الكراهية" كراهية النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها "ورخص بعضهم في النوم قبل العشاء في رمضان" استعداداً لصلاة العشاء وما بعدها من قيام الليل، إذا كان النوم من أجل الاستعداد للصلاة فلا شيء فيه، بل قد يكون مطلوباً؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب، إذا كان لا يتسنى له الإقبال على صلاته إلا بالنوم يقال له: نم، لكن لا يترتب على هذا ارتكاب محظور أو ترك مأمور.
في بعض النسخ زيادة: "وسيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي" في النسخة التي طبعها الشيخ ذكرها مرتين ولا داعي لها؛ لأنه في الأول عن سيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي، هذه موجودة التفسير هو أبو المنهال موجود في بعض النسخ دون بعض، والذي وجد فيها هذا التفسير وهذا التوضيح لم يوجد فيها ما ذكر في الأخير، وسيار بن سلامة هو أبو المنهال الرياحي؛ لأنه حينئذٍ يكون تكراراً، والذي لا يوجد فيها هو أبو المنهال الرياحي، يوجد فيها وسيار بن سلامة هو أبو المنال الرياحي؛ لأنه لا بد من بيانه عند الإمام -رحمه الله تعالى- وحينئذٍ لا يكون فيه تكرار.
أما صنيع الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- فارتكب فيه هذا التكرار، والأصل ألا يكون موجوداً؛ لأنه تكرار كلام بحروفه، فلا داعي له.
سم.
باب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما".
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأوس بن حذيفة وعمران بن حصين -رضي الله عنهم-.
قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن، وقد روى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن علقمة عن رجل من جعفي يقال له قيس أو ابن قيس عن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث في قصة طويلة.
وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء، ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج، وأكثر الحديث على الرخصة.
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر».
قال -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء من الرخصة في السمر بعد العشاء" الباب الأول في الكراهية وهي محمولة على إذا لم يكن ثم حاجة داعية للنوم أو السمر، وهنا الرخصة فيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، إلى السمر بعد العشاء، والسهر بعد صلاة العشاء.
قال -رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو معاوية" الضرير محمد بن خازم، وهو من ثقات الرواة "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن إبراهيم" النخعي "عن علقمة" ابن قيس النخعي "عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر" وهناك كان يكره، والمعروف والغالب من استعمال كان الاستمرار، وقد تأتي للفعل ولو مرة واحدة، وهنا: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر" يسمر من باب نصر، يعني في ميزانها الصرفي نصر ينصر، "يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما"
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يسمر مع أبي بكر، يعني هل الأولى أن يقال: الرسول يسمر مع أبي بكر أو أن يقال: أبو بكر يسمر مع الرسول؟ لأن المعية تشعر بالتبعية؛ يعني كما قالوا:
وإن يكن لاثنين نحو التزما |
| فمسلم مع البخاري هما |
قالوا: قدم مسلم؛ لأنه أتبعه بمع، والمعية تشعر بالتبعية، فمسلم تابع للبخاري في مثل هذا التقديم، هنا يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر مع أبي بكر" يعني هل الأولى أن يقال مثل هذا أو يقال: كان أبو بكر يسمر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ أما قوله: "وأنا معهما" هذا ما فيه إشكال، المعية تابعة، وأفرد نفسه عنهما ليدل على أن منزلته متأخرة عن منزلتهما، رضي الله عن الجميع، وصلى الله على نبيه وآله وصحبه.
"يسمر مع أبي بكر" يعني هل هذا التعبير أدق أو يقال: كان أبو بكر يسمر مع النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
الآن المقدم في الذكر تقديم النبي -عليه الصلاة والسلام- في الذكر وإن عطف عليه أبو بكر بلفظ المعية إلا أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو المقصود بالاحتجاج فقدم من أجل هذا؛ لأن الحجة في فعله -عليه الصلاة والسلام-، وتقديمه في الذكر من باب عدم التقدم بين يديه، وهذه مصالح ومرجحات فائقة على مجرد المعية التي يفهم منها شيء من التبعية.
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين" يعني للمصالح العامة التي تهم الأمة، ولا شك أن هذه المصالح المتعدية لجميع الأمة عند أهل العلم مقدمة على العبادات الخاصة، فالسمر في مصالح المسلمين بعضهم يرجحه على قيام الليل، مع أن الشرع جاء بالتكامل جاء بالتكامل بين هذا وهذا، فالإنسان كما هو مأمور بالنفع المتعدي هو أيضاً مأمور بالعبادات الخاصة، واتفاقهم على أن المتعدي أفضل من القاصر ليس على إطلاقه، فإذا نظرنا في أركان الإسلام وجدنا أن الصلاة مقدمة على الزكاة، والصلاة نفعها قاصر، والزكاة نفعها متعدي، يعني هذه الإطلاقات من أهل العلم ليست على جهة الإطلاق المطلق، بل فيها إطلاق لكنه مقيد ببعض الصور.
"يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين وأنا معهما" ففيه دليل على عدم كراهية السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة عامة أو خاصة، قد تكون الحاجة خاصة، لا سيما إذا كانت هذه الحاجة مما يفوت، إذا كانت مما يفوت فإنها حينئذٍ تقدم ثم ينام الإنسان.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عبد الله بن عمرو" عند أبي داود وابن خزيمة "وأوس بن حذيفة وعمران بن حصين" يقول الشارح: لم أقف عليهما.
"قال أبو عيسى: حديث عمر حديث حسن" الرواة كلهم ثقات حفاظ أثبات إذا نظرنا إليهم واحد بعد واحد كلهم ثقات حفاظ أثبات، لكن أشار المؤلف إلى أن في سنده انقطاع بين علقمة وعمر، قال: "وروى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله" النخعي، وهو ثقة فاضل "عن إبراهيم -النخعي- عن علقمة عن رجل من جعفي" كذا في الكتاب، فإما أن تحذف (من) فيقال: عن رجل جعفي، أو يقال: عن رجل من جعف، وبعض النسخ فيها (من) وفيها جعف بدل جعفي، وبعض النسخ ليس فيها (من) وفيها جعفي بالنسبة إلى جعف.
البخاري -رحمه الله تعالى- جعفي، لكنه جعفي بالولاء؛ لأن جده أسلم على يد يمان الجعفي، جد عبد الله بن محمد المسندي شيخ الإمام البخاري.
يقول: "وروى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله" النخعي، وهو ثقة فاضل "عن إبراهيم -النخعي- عن علقمة" بن قيس النخعي "عن رجل من جعف يقال له: قيس أو ابن قيس" قيس بن أبي قيس، مروان الجعفي الكوفي صدوق.
صاحب الجوهر النقي ابن التركماني وهِم في هذا الإسناد، في تعليقه على البيهقي قال: إن الإسناد متصل، وخطأ الترمذي، وظن أن علقمة المذكور في الإسناد ليس هو النخعي وإنما هو علقمة بن وقاص الليثي الذي يروي عن عمر بن الخطاب حديث: «إنما الأعمال بالنيات» والحديث مخرج عند الأئمة بما فيه البخاري في سبعة مواضع عن علقمة عن عمر، فهو يظنه علقمة بن وقاص الليثي، وهو في الحقيقة علقمة النخعي، علقمة بن قيس النخعي، فوهم في تعليقه على البيهقي في زعمه أن علقمة هو ابن وقاص راوي حديث: الأعمال بالنيات عن عمر.
"عن رجل من جعف يقال له: قيس أو ابن قيس عن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث في قصة طويلة" في قصة طويلة هذه القصة رواها الإمام أحمد في مسنده، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: قال جاء رجل إلى عمر -رضي الله عنه-، وهو بعرفة، قال أبو معاوية: وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أنه أتى عمر -رضي الله عنه- فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلاً يملي المصاحف عن ظهر قلبه، فغضب وانتفخ عمر -رضي الله عنه- غيرة على كلام الله أن يخطئ فيه هذا الرجل الذي يملي عن ظهر قلبه، يخشى أن يخطئ هذا الرجل، وليس لكل أحد أن يملي القرآن عن ظهر قلبه، إنما ذلك للحافظ المتقن المجود، وقد نهى الإمام مالك نافعاً القارئ أن يصلي بالقرآن حفظاً في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو من أئمة القراء، لماذا؟ قال: أخشى أن تخطئ فيظنها الناس قراءة، ولا شك أن هذا من الغيرة على كتاب الله، عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- غضب وانتفخ، لكن لما عرف القارئ من هو هان عليه الأمر، قال: فغضب وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل، فقال: ومن هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود، فما زال يطفأ ويُسرى عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك -والله- ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يزال يسمر عند أبي بكر -رضي الله عنه- الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخرجنا معه فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمع قراءته فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «سل تعطه، سل تعطه» فقال عمر -رضي الله عنه-: قلت: والله لأغدون إليه فلأبشرنه، قال: فغدوت إليه أبشره فوجدت أبا بكر -رضي الله عنه- قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سبقته إلى خير قط إلا وسبقني إليه".
«من سره أن يقرأ القرآن رطباً» وفي رواية: «غضاً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد».
وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية من ترجمة الحجاج أنه قال: "وددت أن أحك قراءة ابن أم عبد بضِلَع خنزير" ابن أم عبد ابن مسعود له قراءات تفسيرية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يغري بقراءة ابن أم عبد والحجاج يقول هذا الكلام، مع أنه -نسأل الله السلامة والعافية- له عناية بالقرآن، الحجاج له عناية بالقرآن، وله ورد كبير من القرآن في كل ليلة، يقرأ في كل ليلة ربع القرآن، لكن مع ذلك يقول مثل هذا الكلام.
قال -رحمه الله-: "وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء" يعني قد يقول قائل: يتعجب الإنسان حينما يعرف عن بعض الناس هذه العناية بكلام الله وهو الذي نقط المصاحف، وشكلها، وأعجمها، وله ورد في كل ليلة ربع القرآن يقرأ ثم يقول مثل هذا الكلام، والمسألة إنما هي الفتن تورث مثل هذا وأعظم؛ لأنه ليس مثل هذا بأعجب من قتل الخليفة بين المهاجرين والأنصار في قعر داره، الذي شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة، وتستحي منه ملائكة الرحمن، والمهاجرون والأنصار متوافرون في المدينة، ويقتل ويمكث ثلاث ليال ما دفن، وينزل عليه في قبره ويكسر ضلعه يدفن بالليل، هذه هي الفتن، نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وإلا كيف يقول قائل مثل هذا، مثل هذا الكلام؟! الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «من سره أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد» وهذا يقول: وددت أن أحك قراءة ابن مسعود بضلع خنزير.
المسألة مسألة تدرج، فعلى الإنسان أن يكون راسخاً ثابتاً، لا يتنازل في بداية الطريق ثم يضطر إلى التنازل ثم التنازل إلى أن يجد نفسه لا شيء، يعني من يتصور مسلم يقول: لا إله إلا الله، يقول في سجوده: سبحان ربي الأسفل؟ شيء لا يمر على عاقل فيستسيغه، يعني شيء لا يتصوره مسلم فضلاً عن أن ينطق به، إنما هي الفتن يجر بعضها بعضاً، والسيئة تقول: أختي أختي، ويقول القائل:
ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ |
| وتنطمس البصائر والقلوبُ |
والله -جل وعلا- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] ومع ذلك أمثال هؤلاء تدّعى لهم الولاية، ويصرف لهم بعض أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله تصرف لهم، يدعون في الملمات وفي قضاء الحوائج من دون الله أمثال هؤلاء، وتدّعى لهم الولاية، والله المستعان.
لا أعني الحجاج، ما في أحد ادعى له الولاية، لكن من قال:
ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ |
| ................................... |
هذا قبره يعبد من دون الله الآن، ويقال له: محيي الدين، وقدس سره، وكذا وكذا، وفي بعض الأقطار إذا حصل الجدب أخرجوا كتاباً من كتبه التي فيها إلحاد يستسقون بها، والله المستعان.
"وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد صلاة العشاء الآخرة، فكره قوم منهم السمر بعد صلاة العشاء" واحتجوا بما جاء من الصريح من قوله -عليه الصلاة والسلام-، ومن كراهية الحديث بعدها "ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج" وبوب البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: باب السمر في العلم "وأكثر الحديث على الرخصة"
واحتجوا بما جاء مما يدل على ذلك كحديث عمر في الباب الذي ذكره، وحملوا أحاديث الكراهية على السمر الذي لا مصلحة فيه كما يفعله أكثر الناس اليوم.
"وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر»" قال الحافظ ابن حجر: رواه أحمد بسند فيه راوٍ مجهول، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، فأما أحمد وأبو يعلى فقالا: عن خيثمة عن رجل عن ابن مسعود، هذا هو المجهول الذي أشار إليه ابن حجر، عن رجل عن ابن مسعود، وقال الطبراني: عن خيثمة عن زياد بن حدير، ورجال الجميع ثقات، وعند أحمد في رواية: عن خيثمة عن عبد الله يعني ابن مسعود بإسقاط الرجل، انتهى، يعني: "لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر".
ورواه الضياء المقدسي في المختارة من حديث عائشة مرفوعاً: «لا سمر إلا لثلاثة: مصلٍ أو مسافر أو عروس».
على كل حال إذا وُجد السبب المقتضي للسمر، السبب المباح المقتضي للسمر فإنه لا مانع منه، وإذا كان السمر في مستحب أو واجب فمن باب أولى، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"نعم الحديث صحيح فكان يرد بالإشارة فيرفع يده قليلاً ليعلم المسلم أنه رد عليه.
فهل يتفضل بأن يفرد محاضرة أو دورة في تقريب كتب السنة، وأن يتيسر طبع هذه في كتب ليستفيد منها طالب العلم؟
هناك محاضرات ألقيت في هذا الباب وفي هذا الشأن، منها ما يتعلق بالمتون، ومنها ما يتعلق بالشروح، ومنها ما يتعلق بكتب العلم عامة، وكلها مسجلة وموجودة، قد تزيد على عشرين شريطاً.
إذا أحرم يسعى وإذا توقف ولم يتبين له الحكم فلا يقدم على العبادة إلا ببينة إذا توقف لا يعتمر، لكن إن ترجح له القول بصحة السعي أو قلد من تبرأ الذمة بتقليده يعتمر عمرة عادية وليس عليه.
إن كان هذا الحوار في إطار قول الله -جل وعلا-: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [(64) سورة آل عمران] كما بعث بها النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى هرقل وغيره فهو شرعي ومطلوب، وضرب من ضروب الدعوة، وإن كان من أجل التنازل عن شيء من مسلمات الدين فهذا هو الإدهان {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [(9) سورة القلم] وهو محرم بالإجماع.
أجازه أهل العلم لأنه في إطار أزواجهم التي نص.. التي استثنيت {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(30) سورة المعارج] هذا من زوجته.
يعني من غير خوف ولا مطر كما جاء في الصحيح، وفي رواية: ولا سفر، لكن الحرج موجود، لوجود الحرج الذي لم يفصح به الراوي، ولذلك لما سئل ابن عباس عن هذا الحديث قال: أراد أن لا يحرج أمته، والإمام الترمذي في علل الجامع في آخر كتابه قال: ليس في كتابي حديث أجمع أهل العلم على ترك العمل به إلا حديث جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث معاوية في قتل الشارب، شارب الخمر، فدل على أنه لم يعمل به أحد من أهل العلم على إطلاقه.
هو يتمها لأنه لم يتحقق فيه الوصف المؤثر وهو السفر؛ لأنه لم يسافر بعد، هو ما زال في بلده، ولا يبدأ السفر حتى تقلع به الطائرة، وإذا رجع إلى هذا المطار فإنه يقول: رجعنا إلى بلدنا.
ما كان مثل هذا السؤال يطرق في بلادنا قبل سنوات، لكن تغيرت البلاد ومن عليها، شخص يسأل قبيل أذان المغرب بخمس دقائق ويقال له: إن الشيخ في أذكار المساء انتظر يقول: لا، ضرورة، ضرورة ملحة، طيب ما دام ضرورة يخشى من موت ونحوه هات السؤال، فإذا به مثل هذا، يقول: زوجتي عندها مناسبة الليلة وتضع المكاييج والأصباغ ولا تستطيع أن تتوضأ لصلاة العشاء فهل لها أن تجمع؟ يعني رخصت الصلاة إلى هذا الحد، التي هي عمود الإسلام؟ والله المستعان.
لا يجوز لها بحال أن تجمع، مهما كلفها مثل هذا الأمر.
إذا قيل: إنه إذا قال: حسن فقط فالغالب فيه الضعف، فإذا اقتصر على الغرابة من باب أولى، لكن جمعه بين الصحة والحسن محل كلام طويل لأهل العلم بلغت فيه الأقوال إلى خمسة عشر قولاً، والأقوال المعروفة فيما ذكره ابن حجر في النخبة وشرحها ظاهرة وواضحة، لكن هناك إطلاقات من الترمذي لا بد من تخريجها وهذا كله يحتاجه من يقلد الترمذي في أحكامه، وأما من لا يقلد الترمذي بل لديه أهلية النظر في الأسانيد فإنه يحكم على حديث بما يليق به.
يعني الوقت يمتد إلى طلوع الشمس، ووقت العصر إلى غروبها، والاصفرار لا يجوز انتظاره إلا لأمر ولحاجة ماسة؛ لأنه ينتهي بوقت الاختيار، وأما وقت الاضطرار فيمتد إلى غروب الشمس، وعلى هذا لو فعل الصلاة في هذا الوقت تكون أداءً، وإذا أخرت لمصلحة راجحة كما كان منه -عليه الصلاة والسلام- في إبطائه فلا مانع من ذلك، لكن لا يتخذ هذا عادة وديدن، إنما الحاجة تقدر بقدرها.
لا، إذا نسي ينبه، وينسى ليسن، وإذا نسي ليسن كان هذا النسيان وما ترتب عليه سنة.
نعلم أن البَعلي التقط هذه الاختيارات من كتب شيخ الإسلام، ومنها ما ألَّفه في أول الأمر، ومنها ما ألفه في آخر الأمر، وشيخ الإسلام كتبه متفاوتة، منها ما يمثل رأيه الأخير الذي استقر عليه، ومنها ما يكون على طريقته القديمة في اتباعه لمذهب أحمد، قبل أن يخرج عن حيِّز التقليد إلى الاجتهاد، فلو نظرنا إلى شرح العمدة، شرح العمدة لشيخ الإسلام يختلف كثيراً عما قرره في فتاويه؛ لأن شرح العمدة ألفه متقدم، ففيه أقوال لا تنسب لشيخ الإسلام إلا بالتقييد، ما يقال: هذا رأي شيخ الإسلام؛ لأنه ألَّفه على طريقة المذهب.
لا، لها سقوف، لكن فيها نوافذ، فيها تنفذ منها الشمس.
وما الجمع بين ضيق بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- وصغرها وبين حديث: «من السعادة البيت الواسع» في الأدب المفرد للبخاري؟
الإنسان قد يحمل نفسه على العزيمة، يرى أن السعة في كذا، والسعادة في كذا، في البيت الواسع لكن يسكن بيتاً ضيقاً؛ لأن هذه الدنيا دار ممر، وليست بدار مقر، فكونه يقرر هذا الأمر نعم هو من السعادة، لكن السعادة في عرف أهل الدنيا، من سعادة الدنيا، وأما كون بيوته في غاية الضيق -عليه الصلاة والسلام- فهذا تبعاً لعيشه -عليه الصلاة والسلام-، الذي ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما وأنه تطلع الأهلة الثلاثة في شهرين لا يوقد في بيته نار -عليه الصلاة والسلام-.
يعني هذا قلد إمام من الأئمة، والثاني الذي عمل بهذا الحديث الضعيف قلد إماماً آخر من الأئمة صححه ليس له أن ينكر، نعم له أن يستفهم، أن يقول: هذا الحديث الذي عملت به من صححه من أهل العلم؟ ومن عمل به من أهل العلم؟ أما كونه ينكر فلا.