شرح أبواب الصلاة من سنن الترمذي (09)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال المؤلف -رحمنا الله وإياه تعالى-:
باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب
حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بين كل أذانين صلاة لمن شاء».
وفي الباب عن عبد الله بن الزبير.
حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن صحيح.
وقد اختلف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قبل المغرب، فلم يرَ بعضهم الصلاة قبل المغرب، وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة.
وقال أحمد وإسحاق: إن صلاهما فحسن، وهذا عندهما على الاستحباب.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب" ثم أورد في الباب حديث عبد الله بن مغفل مما يعم هذه الصلاة التي قبل المغرب بين الأذان والإقامة، وما يشمل غيرها من الأوقات.
قوله: «ما بين كل أذانين صلاة» يشمل المغرب، ويشمل الصبح، ويشمل العشاء، ويشمل العصر وغيرها من الأوقات، وهل يشمل ما بين الأذانين في يوم الجمعة الأول والثاني أو لا؟ يعني إذا أذن لصلاة الجمعة الأول ثم جلس بين الأذان الأول والثاني ينتظر هل نقول: إنك مطلوب منك أن تصلي بين هذين الأذانين أو لا؟ المقصود بين كل أذانين في الحديث أي الأذان والإقامة؛ لأنها أذان، فهي إعلام بإقامة الصلاة، وإن كانت إعلاماً وإخباراً للحاضرين بخلاف الأذان الذي حقيقته نداء الغائبين إلى الصلاة، وهذه إعلام للحاضرين فهما أذانان، لكن بين الأذانين بالنسبة لصلاة الجمعة، الأول والثاني دعنا من الإقامة؛ لأنه بين الأذان والإقامة، الأذان للجمعة والإقامة لها هل نقول: فيه صلاة أو لا صلاة فيه؟ نقول: ما في صلاة هنا؛ لأن الإنسان عليه أن يشتغل بسماع الخطبة؛ لأن الأذان الثاني بعد دخول الخطيب، ما في صلاة، فهو مستثنىً من هذا. بين الأذان الأول والثاني لصلاة الصبح؛ لأن لها أذانين، مطلوب، وهذا وقت فاضل يتطوع فيه، وبين الأذان الأول والثاني من يوم الجمعة، هذا باعتبار أن الأذان الأول ليس موجوداً على عهده -عليه الصلاة والسلام-، وإنما سنه عثمان -رضي الله عنه-، نقول: إنه لا يتصور أن يدخل في هذا الحديث؛ لأن المتكلم به وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقصده، ونحن نشاهد في الحرمين أنه إذا أذن الأول ثم فرغ من الأذان قام الناس يتطوعون، والفاصل بينهما بمقدار ركعتين، يعني خمس دقائق لا يزيد، فهل هو داخل في الحديث؟ الحث عليه يؤخذ من الحديث أو لا؟ باعتبار أن الأذان ليس موجوداً على عهده -عليه الصلاة والسلام- لا يتصور دخوله في الحديث، وإن كان الوقت وقت تطوع مطلق، لكنه لا يشمله ما جاء من الحث في هذا الحديث.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"حدثنا هناد" وهو ابن السري، تقدم مراراً "قال: حدثنا وكيع" الإمام وكيع بن الجراح الرؤاسي، إمام من أئمة المسلمين وسيد من ساداتهم "عن كهمس بن الحسن" وثقه أحمد وابن معين "عن عبد الله بن بريدة" تابعي ثقة "عن عبد الله بن مغفل" صحابي جليل "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بين كل أذانين صلاة»" يعني نافلة، المقصود بالصلاة هنا النافلة، والمراد بالأذانين الأذان والإقامة، وهذا إن نظرنا إلى الإطلاق الاصطلاحي قلنا: هذا من باب التغليب كالعمرين والقمرين، من باب التغليب، وإذا نظرنا إلى الحقيقة اللغوية للفظين فهما أذانان، بمعنى أنهما إعلامان، الأول: إعلام بدخول الوقت، والثاني: إعلام بالقيام إلى الصلاة، فهما أذانان، حقيقة لغوية.
«لمن شاء» في بعض الروايات: ثلاثاً، «بين كل أذانين صلاة» ثلاث مرات، ثم في النهاية قال: «لمن شاء» يعني لا على سبيل الإلزام والتأكيد، فليست هذه الصلاة بمثابة السنن الرواتب المؤكدة، وإن كان بعض السنن الرواتب يدخل في هذا من باب التداخل، إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مؤداة والأخرى مقضية، دخلت الصغرى في الكبرى.
«بين كل أذانين صلاة» دخل بعد الأذان لصلاة الصبح فصلى ركعتين، هل يمكن أن يقال له: أي صلاة هذه؟ هل هذه ما جاء في هذا الحديث: «بين كل أذانين صلاة» فعليك أن تأتي براتبة الصبح، هل هذه تحية المسجد فتأتي بعدها بما يحقق الرغبة في هذا الحديث: «بين كل أذانين صلاة» ثم تأتي براتبة الصبح؟ هذه الصلوات كلها تتداخل، ويصلي ركعتين هما راتبة الصبح؛ لأنها أقوى ما في الباب، يدخل فيها بين كل أذانين صلاة، ويدخل فيها أيضاً تحية المسجد.
والحديث ذكره الإمام الترمذي في هذه الترجمة "باب: ما جاء في الصلاة قبل المغرب" مما يدل على جواز الركعتين بعد أذان المغرب، وقبل صلاته وهو الحق، وبعضهم يمنع من الصلاة بين الأذان وصلاة المغرب؛ لما يترتب عليها من تأخير صلاة المغرب، وصلاة المغرب المطلوب تعجيلها؛ لأن جبريل صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليومين في أول الوقت، فإذا صلى ركعتين ترتب على ذلك أن يؤخر المغرب، نقول: هذا التأخير بصلاة الركعتين لا يسمى تأخير، بل هي مصلاة في أول وقتها، وإن صلى قبلها ركعتين، والقول بأن الحديث منسوخ لا دليل عليه.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن عبد الله بن الزبير" عند ابن حبان، وذكره محمد بن نصر المروزي في كتابه: (قيام الليل)، ولفظهما: «ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها سجدتان».
"قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما "وقد اختلف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قبل المغرب، فلم يرَ بعضهم الصلاة قبل المغرب" وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة؛ لأن فعلهما كما تقدم يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها، ولقول ابن عمر: "ما رأيت أحداً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليهما" كما في سنن أبي داود، ولا شك أن الحديث دليل على أن هاتين الركعتين قبل صلاة المغرب كغيرها من الصلوات مرغب فيه، وإن لم يكن متأكداً كالرواتب.
"وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة، وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة" أي في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وبحضرته، وبعد وفاته، وكذلك روي عن غير واحد من التابعين، وعن تبعهم بإحسان، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: "كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يبتدرون السواري، حتى يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم كذلك، يصلون الركعتين قبل المغرب".
يقول ابن العربي في شرح الترمذي عارضة الأحوذي: "الحديث فيه صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني: «بين كل أذانين صلاة» الحديث صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، في كل صحيح ومسند، واختلف فيه الصحابة، ولم يفعله بعدهم أحد، يعني بالنسبة لصلاة المغرب، وأظن الذي منع منه المبادرة بالإقبال على صلاة المغرب" كذا قال ابن العربي.
يقول المحشِّي -الشيخ أحمد شاكر-: "وهذا تعليل غريب لمخالفة الأحاديث الصحاح، وهو يعترف بصحتها، وصدق يحيى بن آدم: "لا يحتاج مع قول رسول الله إلى قول أحد" يحيى بن آدم يقول هذا الكلام، ونحن نعاني في أيامنا هذا من مصادمة النصوص الصحيحة الصريحة المرفوعة بأقوال وأفعال لصحابة وتابعين هم منا على العين والرأس، لكن بالنسبة لمخالفة ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يلتفت إلى أقوالهم ولا إلى أفعالهم، وكم عورض قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أعفوا اللحى» «أكرموا اللحى» «وفروا اللحى» بفعل فلان وفلان، وغير ذلك من المسائل، يتذرعون بالترخص أو على الترخص بأفعال صحابة، المظنون بهم أنهم لم يبلغهم كلامه -عليه الصلاة والسلام-، وإلا لو بلغهم لما خالفوه.
وضعِّف صنيع عائشة في جمعها، أو في إتمامها الصلاة في السفر؛ لأنه لا يظن بها أنها تفعل خلاف ما عهدت النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، وهذا كلام شيخ الإسلام، وإن كان السند إليها صحيحاً بأنها أتمت الصلاة، وتأولت كما تأول عثمان، لكن لا عبرة بقول أحد كائناً من كان مع قوله -عليه الصلاة والسلام-.
يقول يحيى بن آدم: "لا يحتاج مع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قول أحد" يقول ابن حجر في الفتح: "وأما قول أبي بكر بن العربي: اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم فمردود بقول محمد بن نصر: "وقد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب"، ومعلوم أنه من حفظ فهو حجة على من لم يحفظ" ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحيى بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك بن مالك ومن طريق الحسن البصري أنه سئل عنهما فقال: "حسنتين –والله- لمن أراد الله بهما".
وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: "حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين" وفعل ركعتين في دقيقتين أو في ثلاث دقائق لا شك أنه لا يترتب عليه تأخير الصلاة عن أول وقتها، نعم.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس
حدثنا الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج يحدثونه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» وفي الباب عن عائشة، حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
وبه يقول أصحابنا الشافعي وأحمد وإسحاق، ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ ويذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها.
يقول الإمام أبو عيسى -رحمه الله تعالى-:
"باب: فيما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس" الإدراك: هو الوصول إلى الشيء، الإدراك: هو الوصول إلى الشيء قبل فواته، فالوقت يدرك، والركعة تدرك، والجماعة تدرك، فيدرك الوقت بإدراك ركعة كما في حديث الباب، وتدرك الجماعة بإدراك ركعة كالجمعة على خلاف بين أهل العلم فيما عدا الجمعة، الجمعة تدرك بركعة وغيرها من الصلوات تدرك جماعتها بركعة عند جمع من أهل العلم؛ لأن ما كان أقل من ركعة لا يسمى صلاة، ومنهم من يقول: تدرك الجماعة بإدراك أي جزء منها قبل سلام الإمام، ولذا يقول الحنابلة: ومن كبَّر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى، أدرك الجماعة ولو لم يجلس، ومن كبَّر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس، هذا قول الحنابلة وهو المعروف عند الشافعية، ونسبه النووي للجمهور، وأن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء منها قبل سلام الإمام.
من أهل العلم من يرى أن الجماعة لا تدرك إلا بركعة كاملة، وهذا ما يؤيده وينصره شيخ الإسلام؛ لأن ما كان أقل من ركعة فلا يسمى صلاة.
وعلى هذا إذا دخل المسبوق والإمام في التشهد الأخير وبين أن يدخل مع الإمام وتحصيله للجماعة مختلف فيه، وبين أن ينتظر من يصلي معه وهذا احتمال فيقال: إن غلب على ظنه ينتظر، وإن لم يغلب على ظنه يدخل مع الإمام، وعلى كل حال لو انتظر من يصلي معه، الجماعة على هذا القول قد فاتت، لكنه يقع في مخالفة «إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام»، «وما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» ما أدركتم، ما أدركتموه من الصلاة يعني قل أو كثر، ركعة أو أقل أو أكثر، فالمرجح أنه يدخل مع الإمام، ثم إذا صلى الإمام، ثم جاءت جماعة أخرى، إن كان ممن يترجح عنده أنه لم يدرك الجماعة فهو حينئذٍ حكمه حكم المنفرد إذا سلم الإمام، وأهل العلم يقولون: وإن نوى منفرد قلب فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز، يعني إذا كان يرى أنه لم يدرك الجماعة فإنه لا مانع أن يقلب فرضه نفلاً ويلتحق بالجماعة الثانية؛ ليدرك الجماعة ويمتثل: «إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام» أما أن ينتظر ويترك متابعة الإمام فيما أدركه فيه: «ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا» هذا يقع في مخالفة الحديثين، علماً أن قول الجمهور هو أن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء منها قبل السلام، هذا بالنسبة لإدراك الجماعة.
إدراك الركعة يكون بإدراك الركوع مع الإمام إدراكاً مستقراً، لا يعني أنه إذا رأى الإمام يرفع من الركوع ثم ركع قبل أن يقول الإمام: سمع الله لمن حمده هذا لم يدرك الركعة؛ لأن العبرة بالفعل، وبعض الأئمة يتأخر في ذكر الانتقال من تكبير أو تسميع حتى يعتدل من أجل المكبر، ما يقول سمع الله لمن حمده حتى يعتدل، فتجد بعض الناس يركع بعد رفعه ويزعم أنه أدرك الركعة، هذا ما أدرك الركعة، هذا ما أدرك الركعة إذا رفع الإمام قبل استقراره في الركوع.
إذا أدرك الركوع أدرك الركعة عند عامة أهل العلم، ومنهم من يرى أنه لا يدرك الركعة حتى يقرأ الفاتحة قبل الركوع، وأن الفاتحة لا تسقط عن المسبوق، وهو معروف من قول أبي هريرة والإمام البخاري، ويرجحه الشوكاني، أن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الفاتحة، لا بد أن يقرأ الفاتحة كاملة قبل أن يركع، وإذا فاتته الفاتحة فاتته الركعة، لكن الجمهور يستدلون بحديث أبي بكرة وأن الركعة تدرك بالركوع، حيث ركع دون الصف ثم لحق بالصف، بعد أن ركع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو المرجح عند أهل العلم، هذا بالنسبة للجماعة والركعة، وأما الجمعة فتدرك بإدراك ركعة كاملة، والوقت؟ هو ما في هذا الباب.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء فيمن أدرك ركعة" يعني بقراءتها، بركوعها، بسجودها، ركعة كاملة "أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس" يعني فما حكمه؟ هل يدرك العصر؟ في الحديث: «فقد أدرك العصر» وهل تكون صلاته كلها أداء أو قضاء باعتبار أن الأكثر وقع بعد خروج الوقت؟ هو أدرك ركعة من صلاة العصر، وثلاث ركعات بعد خروج الوقت، ومعلوم أن ما يُؤدى في الوقت أو ما يفعل في الوقت يسمى أداء، وما يفعل خارج الوقت يسمى قضاء، هذا المعروف عند أهل العلم في التفريق بين الأداء والقضاء، فإذا أدرك ركعة من العصر أدرك ربع الصلاة في الوقت، وثلاثة الأرباع خارج الوقت، هل تكون صلاته قضاء وإلا أداء؟
من أهل العلم من يقول: إنها قضاء باعتبار الغالب، ومنهم من يقول: إنها أداء، وهم الأكثر، هم الجمهور؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «فقد أدرك العصر» يعني أدرك وقت العصر، فصارت صلاته في وقتها أداءً، ومنهم من يقول: إن ما فعله في الوقت أداء وما فعله بعد خروج الوقت قضاء، لكن المرجح ما يدل عليه الحديث.
قال -رحمه الله تعالى-:
"حدثنا -إسحاق بن موسى- الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد" المدني العابد، ثقة جليل "وعن الأعرج" عبد الرحمن بن هرمز، ثقة ثبت أيضاً "يحدثونه عن أبي هريرة" يحدثون من؟ نعم يحدثون زيد بن أسلم "عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أدرك من الصبح ركعة»" يعني كاملة بركوعها وسجودها "«قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح»" يعني أدرك وقت الصبح، أو أدرك الصبح في وقتها "«ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»" إذا أدرك ركعة من الصبح أدرك الصبح ويكفي وإلا فليصلّ إليها أخرى كما جاء في بعض الروايات؟ وهذا هو المتعين، لا يمكن أن يقول: أنا أدركت ركعة أدركت الصلاة فلا داعي لتكميلها، لا، لا بد أن تكملها، فليصلّ إليها أخرى "«ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»" يعني وليضف إليها ثلاث ركعات، فليضف إليها ثلاث ركعات، إذا أدرك ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت عليه الشمس، الجمهور على ما جاء في هذا الحديث برواياته أنه يصلي إليها أخرى ويكملها، ويكون مدركاً لها في وقتها، الحنفية يقولون: يقطعها؛ لأنه دخل عليه وقت نهي، فتبطل الصلاة به؛ لأن عندهم أن النهي يشمل الفرائض والنوافل، والحديث حجة عليهم.
حمله الطحاوي -حمل الحديث الطحاوي- وهو من أئمة الحنفية على إدراك الحائض تطهر قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة، والصبي يبلغ قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة، والكافر يسلم قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة أنه أدرك الوقت وتلزمه هذه الصلاة، تلزمهم هذه الصلاة، وقال ذلك نصرة لمذهبه في أن من أدرك ركعة من الصبح فإن صلاته تفسد فلا يكملها بدخول وقت النهي، والحديث حجة عليهم.
«ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» يعني هل في هذا حجة لمن أراد أن يطيل في نومه إلى أن لا يبقى إلا وقت يسير من وقت صلاة الصبح أو وقت صلاة العصر؟ إذا نام الظهر أو جاء من الدوام في الثانية والنصف يقول: لا داعي لأن أقوم لصلاة العصر في الثالثة والنصف، أمد نومتي إلى السادسة والنصف؛ ليتأهب للسهر والسمر، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» يقول: يكفيني أن أدرك ركعة، إذا قمت في السادسة والنصف وبقي على أذان المغرب تسع دقائق يمديني أتطهر وأدرك ولو ركعة، والحديث دليل على صحة صلاته وأنه أدرك الوقت، فلا داعي أن يكلف نفسه ليقوم، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح.
يقول الحافظ ابن حجر: نقل بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر، يعني ينام إلى أن لا يبقى من وقت صلاة الصبح إلا دقيقتين وبيدرك ركعة، أو لا يبقى من وقت العصر إلا دقيقتين ليدرك ركعة، ويقول: الحديث صريح فيما أصنع، نقول: لا، نقل بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر.
مسألة أخرى متصلة بهذا وهو أن شخصاً لم يؤخر الصلاة دخل الوقت وتأهب للصلاة وصلى الراتبة ثم كبر للفريضة في أول وقتها، فقال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «إذا صلى أحكم بنفسه فليطول ما شاء» طلع الفجر، صلى الراتبة وقال: الله أكبر، لكن الرسول يقول: «فليطول لنفسه ما شاء» أنا أريد أن أقرأ مثل ما قرأ الرسول -عليه الصلاة والسلام- في ركعة، قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران بترتيل بتدبر، يحتاج إلى ساعات، أقل شيء ساعتين، الخمسة الأجزاء بالترتيل والتدبر، تكون الركعة الأولى على صنيعه هذا في الوقت، ثم الركعة الثانية بعدما يخرج الوقت، ماذا نقول لمثل هذا؟ والرسول يقول: «فليطول لنفسه ما شاء»؟ هو ما عنده جماعة، بمفرده، هل نقول: إنه في محل الاتفاق الذي نقله بعضهم أنه لا يجوز لمن ليس عذر تأخير الصلاة، هو ما أخر الصلاة، وامتثل: «فليطول لنفسه ما شاء» يثرب عليه وإلا ما يثرب عليه؟ والركعة الثانية سوف تقع خارج الوقت، ويكون أدرك الصبح بإدراك ركعة، وامتثل: «فليطول لنفسه ما شاء» وفي الركعة الثانية يقرأ أربعة أجزاء أو خمسة، ولا ينتهي من صلاته إلا وقد تعالى النهار، يعني بالنسبة لصلاة العصر «تلك صلاة المنافق يرقب الشمس» يعني «فإذا كان في آخر وقتها نقر أربع ركعات لا يذكر الله فيها إلا قليلاً» هذا ذكر الله فيها كثيراً، وامتثل: «فليطول لنفسه ما شاء» ماذا يقال له: أخطأت أو أصبت؟ نعم؟
طالب:........
يعني لمخالفة هديه -عليه الصلاة والسلام-، يعني من هذه الحيثية، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ في الصبح من الستين إلى المائة، لكن يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ في النافلة البقرة ثم النساء ثم آل عمران، والعلماء يقولون: ما صح في النافلة صح في الفريضة، ويقول: «من أدرك ركعة من الصبح» أنا أدركت ركعة من الصبح، يلام وإلا ما يلام؟ وقال الرسول يقول: «فليطول لنفسه ما شاء» أنا أطول لنفسي ما شئت، الرسول قرأ خمسة أنا با أقرأ في الأولى خمسة، وفي الثانية تكون أقصر من الأولى أقرأ أربعة بدل ساعتين تصير ساعة ونصف.
طالب:........
هاه؟
طالب:........
أدرك الوقت، نقول: أنا أدركت الوقت بنص الحديث، يقول: أنا أدرك الوقت بحديث صحيح عندنا، يقول: أنا اعتمدت أحاديث، بادرت، كبرت بغلس، في أول الوقت، «فليطول لنفسه ما شاء» أنا أطول، تسعة أجزاء، خمسة في الأولى كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في قيام الليل، وأربعة في الثانية لتكون الصلاة على الهدي، الهدي أن الثانية أقصر من الأولى، نعم؟ و«فليطول لنفسه ما شاء» و«من أدرك ركعة من الصبح فقد أدرك...» أنا أدركت، طولت لنفسي ما شئت، وامتثلت جميع الأوامر.
طالب:........
وقت نهي خلاص ما دام عندنا هذا، هذا نرد به على الحنفية، حينما قال: وقت نهي، بالنسبة للفريضة ما في وقت نهي، وأدرك الصبح وطول لنفسه ما شاء، جميع الأوامر امتثل، نعم خالف الهدي النبوي، ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الفعل، ولا فعله أحد من الصحابة، لكنه ماشي على جادة، ومقتضى نصوص.
طالب: يا شيخ قول أبي بكر -رضي الله عنه-؟
هاه؟
طالب: قول أبي بكر: "لو طلعت لم تجدنا غافلين"؟
نفس الشيء هو ممتثل نصوص، ومطبق قواعد شرعية، نعم كون النبي -صلى الله عليه وسلم- ما فعل ذلك ولا فعله أصحابه ولو كان خيراً لما سبقونا إليه، لا نقول: إن هذا هو الأفضل، لكن فعله، يقول: إيش تقولون؟ أنا مخطئ وإلا مصيب؟ وصلاتي فيها خلل وإلا ما فيها خلل؟
طالب: يعني ألا يقال: يا شيخ أنه أعني هذا الأمر هو يجوز عند..، ليس له تأخيرها بلا حاجة وأنه يجوز عند العذر؟
ما هو مؤخرها، يقول: أنا صليت بعد الأذان بخمس دقائق أو عشر، ما أخرتها، لكن قرأت خمس وطلعت الشمس في الركعة الأولى.
طالب: يعني تعمد إخراجها خارج الوقت هل هو رخصة؟
عندك: «من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح»، «فليطول لنفسه ما شاء» طولت ما شئت، وأدركت ركعة قبل أن تطلع الشمس أدركت الصبح، لا شك في مخالفته لهدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا أمر مفروغ منه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما فعل ذلك ولا فعله أصحابه، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، لكنا نقول: يأثم وإلا ما يأثم؟
طالب:........
عندنا الوقت مضبوط، عندنا أدرك ركعة أدرك الوقت انتهى الإشكال، أدرك ركعة أدرك الوقت، هذا ما خرج عن الوقت بنص الحديث إلا عند من يقول: إنه باعتبار أن أكثر الصلاة وقع خارج الوقت فهي قضاء، وهذا خلاف الحديث، وعند من يقول: إن ما أدركه في الوقت أداء وما أدركه بعد خروج الوقت قضاء، لكن الحديث على خلافه، يقول: أنا معي الحديث، أنا مدرك الوقت، وطولت لنفسي ما شئت، ويش تبون غير هذا بعد؟
طالب: بالنسبة للحديث............ صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس.
ما لم..، لكن الحديث الذي معنا: «فقد أدرك الصبح»؟
طالب:.........
يا إخوان المسألة مركبة ما هي من نص واحد، مركبة من نصوص، وكلها صحيحة وثابتة، نعم؟
طالب:.........
«صلوا كما رأيتموني أصلي» لكن شخص قرأ بمائتي آية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ بين الستين والمائة، نقول: أخطأت؟ وانصرف منها بربع ساعة نقول: أخطأت؟
إذا تخلصنا من حديث الباب تخلصنا من المسألة من أصلها، وأن حديث الباب في أهل الأعذار خاصة، نعم، في أهل الأعذار يكون مدرك للوقت إذا كان له عذر وهذا ليس له عذر، فلا يجوز له أن يعتمد أن يصلي الصلاة خارج وقتها ولا جزءاً منها، وعلى هذا تكون صلاته وإخراجه للصلاة عن وقتها ولو في بعضها غير مشروع، على غير الهدي النبوي.
قال -رحمه الله-:
"وفي الباب عن عائشة" عند أحمد في المسند، وعند مسلم والنسائي وابن ماجه "قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الستة، جاء في بعض الروايات عند مسلم وغيره: «من أدرك من الصبح سجدة، ومن أدرك من العصر سجدة» وجاء تفسير السجدة بأنها هي الركعة، وإدراك السجدة لإدراك الوقت غير إدراك السجدة لإدراك الجماعة، كيف؟ لأنه في صلاة الجماعة يتصور أن يدرك سجدة بعد أن تفوته الركعة، لكن لإدراك الوقت لا يتصور أن يدرك سجدة إلا وقد أدرك الركعة، صح وإلا لا؟ ولذا قال في الخبر نفسه، والسجدة إنما هي الركعة، يعني ما يمكن أن يقال: والله أدرك سجدة فأدرك الوقت ولم يستطع أن يدرك ركعة، لا يمكن أن يدرك سجدة إلا بعد أن يدرك الركعة، والمراد بالركعة والمراد بالسجدة الركعة الكاملة بركوعها وسجدتيها.
السجود يطلق ويراد به الركوع والعكس، والعكس يطلق الركوع ويراد به السجود، إطلاق الركوع وإرادة السجود: {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص:24] يعني ساجداً بالإجماع أن داود سجد سجدة الشكر، خر راكعاً {وَادْخُلُواْ الْبَابَ} إيش؟ {سُجَّداً} [(58) سورة البقرة] يعني ركوعاً، لا يراد به السجود، كيف يدخلون الباب وهم ساجدون؟ فالسجدة تطلق ويراد بها الركعة، والركعة تطلق ويراد بها السجدة، والسجدة في هذا الحديث يراد بها الركعة بلا نزاع؛ لأنه لا يتصور أن يدرك سجدة قبل أن يدرك الركعة.
"قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح" وأخرجه الأئمة الستة "قال: وبه يقول أصحابنا والشافعي" هذه الواو ثابتة في نسختين، به يقول أصحابنا والشافعي "وأحمد وإسحاق" مما يدل على أن المراد بأصحابه هم أهل الحديث لا الشافعية، وإذا قيل: إن مرده بأصحابه الشافعي وأحمد وإسحاق ما صار شافعي، حتى لو كان المراد بأصحابه الشافعي وأحمد وإسحاق هؤلاء هم أهل الحديث، بل من أئمة أهل الحديث خلافاً لمن يقول: إن الإمام الترمذي شافعي المذهب، خلافاً لأبي حنيفة في صلاة الصبح، وأنها تبطل بطلوع الشمس بخلاف العصر "ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ ويذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها" وتقدم نقل كلام الحافظ عن بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر.
مفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة هل يقال: إنه يمكن أن يدرك سجدة؟ نعم؟ لا يمكن، لكن هذا كبر تكبيرة الإحرام وقرأ الفاتحة فطلعت الشمس، أو غابت الشمس هذا يصح أنه أدرك أقل من ركعة، أو قرأ الفاتحة وما بعدها ثم ركع، وبعد أن رفع من الركوع رأى الشمس، هذا أدرك أقل من ركعة، فهل يدرك الوقت أو لا؟ أدرك الركوع ولم يدرك ركعة، والمراد بالركعة الكاملة بقراءتها وبركوعها وسجودها، هذا ما أدرك ركعة، وإن أدرك الركوع، قد يكون إدراك الركعة بالركوع كما هو في حال المسبوق، وقد يكون إدراك الركعة بالسجدة الثانية، إدراك الركعة بإدراك السجدة الثانية كما في هذا الحديث في الوقت؛ لأن الركعة قد ينظر إلى أولها، وقد ينظر إلى آخرها، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركاً للوقت، وأن صلاته تكون قضاءً، وإليه ذهب الجمهور، وقال بعضهم: أداء، والحديث يرده.
واختلفوا في إدراك الحائض والمجنون والمغمى عليه والكافر دون ركعة، يعني طهرت الحائض والشمس في مغيبها، قبل أن يسقط القرص، لكن ما يمكن تدرك ركعة في هذا الوقت، أو طهرت قبل أن تطلع الشمس بمقدار أقل من ركعة، أو أسلم الكافر، أو بلغ الصبي، أو أفاق المجنون هل تلزمهم هذه الصلوات؟ اختلف أهل العلم في إدراك الحائض والمجنون والمغمى عليه والكافر، المغمى عليه هل يأخذ حكم النائم أو حكم المجنون؟ هل يؤمر بقضاء ما فاته وقت الإغماء كالنائم أو لا يؤمر كالمجنون؟ أهل العلم يحددون الثلاثة الأيام؛ لفعل عمار -رضي الله عنه-، فإذا كان الإغماء ثلاثة أيام فأقل ألحق بالنائم فيقضي ما فاته، وإذا كان الإغماء أكثر من ثلاثة أيام فإنه يلحق حينئذٍ بمن ارتفع عقله بالجنون، فلا يؤمر حينئذٍ بالقضاء.
اختلفوا في إدراك الحائض والمجنون والمغمى عليه والكافر دون ركعة هل تجب عليه الصلاة أم لا؟ فقال الشافعي وروي عن مالك: لا تجب، عملاً بمفهوم الحديث؛ لأنه لا يصدق عليه أنه أدرك ركعة، والأصح عند الشافعية أنها تلزمه، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه أدرك جزءاً من الوقت فاستوى قليله وكثيره، وإذا أدرك ركعة وجبت عليه الصلاة باتفاق.
سم.
أحسن الله إليك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين
حدثنا هناد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر"، قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: "أراد أن لا يحرج أمته".
وفي الباب عن أبي هريرة.
حديث ابن عباس قد روى عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد وسعيد بن جبير وعبد الله بن شقيق العقيلي، وقد روى عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير هذا.
حدثنا أبو سلمة -يحيى بن خلف البصري- قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من جمع الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر».
وحنش هذا هو أبو على الرحبي، وهو حسين بن قيس، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره، والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين.
يقول الإمام أبو عيسى -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في الجمع بين الصلاتين [في الحضر]" وهذه موجودة في أكثر النسخ، والجمع بين الصلاتين في السفر يأتي، أما المراد بالجمع هنا فهو في الحضر، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في جمعه بالمدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء.
قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد" هو ابن السري "قال: حدثنا أبو معاوية" وهو محمد بن خازم الضرير "عن الأعمش" سليمان بن مهران "عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر" وفي رواية: "من غير خوف ولا سفر" يقول ابن حجر: "اعلم أنه لم يقع مجموعاً بين الثلاثة الخوف والمطر والسفر في شيء من كتب الحديث" إلا أنه يفهم من الرواية التي معنا أن فيها جمعاً بين الثلاثة، فقوله: "بالمدينة" يدل على أن الجمع لا للسفر، وقوله: "من غير خوف ولا مطر" يكون بذلك اجتمع الثلاثة، من غير سفر لأنه بالمدينة، من غير خوف ولا مطر للتنصيص عليهما، علماً بأنه جاء في بعض الروايات: "من غير خوف ولا سفر" وحقيقةً رواية: "ولا سفر" قد يكون ذكرها من باب التصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا لا داعي لذكرها؛ لأن كونه بالمدينة يدل على أنه غير مسافر.
"فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟" لماذا جمع؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- مع عدم هذه الأعذار! والأصل أن الصلاة مؤقتة، مفروضة في أوقات لها أوائل وأواخر، الأوقات مشدد في مراعاتها فكيف يجمع؟ قال ابن عباس: "أراد أن لا يحرج أمته" لئلا يقع الحرج من أمته؛ لأن من الأمة من هو صاحب تحري، وحرص على إبراء ذمته، فقد يمسه الضر ولا يجمع، وقد يضطر إلى الجمع فيقع في نفسه من الحسرة ما يقع، لكن إذا سمع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع من غير هذه الأعذار، وأراد أن لا يحرج أمته أن لا يقع في نفس هذا المتحري المتثبت الحريص على إبراء ذمته شيء من الحسرة، إذا احتاج إلى الجمع لعذر، فنفي الحرج يدل على أن هذا الجمع لوجود حرج، يعني ليس جمعاً غير مبرر، ليس له عذر بالكلية، لا، له عذر لكن غير الأعذار المذكورة، له عذر ولولا هذا الجمع لوقع في الحرج، فدل على أن هناك عذراً غير مصرح به.
جاء في بعض الروايات -على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى-، بل جاء في بعض الأحاديث الترخيص للمريض بالجمع، الترخيص للمستحاضة أن تجمع، كل هذا من أجل نفي الحرج، من لا يستطيع الطهارة ممن حدثه دائم لئلا يقع في الحرج، لكن هل يجمع جمعاً حقيقياً بأن يقدم الثانية إلى الأولى أو يؤخر الأولى إلى الثانية أو يجمع جمعاً صورياً بأن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها ويقدم الثانية إلى أول وقتها كما جاء في بعض طرق هذا الحديث من القول بالجمع الصوري؟ وعلى ما سيأتي في الجمع بين الصلاتين في السفر حمل أبو حنيفة ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من الجمع على الجمع الصوري، وأنه لم يجمع جمعاً حقيقياً إلا في عرفة وفي مزدلفة، وأن الجمع للنسك لا للسفر، وكل هذا سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
أراد أن لا يحرج أمته -عليه الصلاة والسلام-، ففيه دليل على أن لهذا الجمع سبباً غير ما ذكر، يقتضي تركه الحرج على الأمة، ترك الجمع يقتضي الحرج على الأمة، لهذا العذر الذي جمع من أجله، علماً بأن الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- قال في علل الجامع في علل كتابه في آخره قال: "ليس في كتابي هذا مما أجمع أهل العلم على ترك العمل به إلا هذا الحديث، وحديث: قتل الشارب في المرة الرابعة، إذا شرب المرة الرابعة يقتل، نقل الاتفاق على عدم العمل بهما.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن أبي هريرة -أخرجه مسلم- قال أبو عيسى: حديث ابن عباس قد روى عنه من غير وجه، رواه جابر بن زيد" المعروف بأبي الشعثاء "وسعيد بن جبير وعبد الله بن شقيق العقيلي" ورواية أبي الشعثاء في البخاري ومسلم، ورواية سعيد بن جبير هي رواية الباب عند الترمذي، ورواية عبد الله بن شقيق عند مسلم أيضاً.
"وقد روى عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- غير هذا" أي مما يخالف هذا الحديث، وهو قوله: "حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري –صدوق- قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه" سليمان التيمي "عن حنش" وهذا لقب، واسمه: حسين بن قيس الرحبي، وكنيته أبو علي -على ما سيأتي في كلام الترمذي- لكنه متروك الحديث، ضعفه شديد "عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من جمع بين الصلاتين من غير عذر»" كسفر ومرض ومطر، يعني مما جاءت به الأخبار «فقد أتى باباً من أبواب الكبائر» أولاً: الحديث ضعيف، بل شديد الضعف؛ لأن فيه حنش الرحبي هذا، وهو متروك الحديث، لكن {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] أي مفروضاً في أوقات محددة، جاء بيانها الإجمال جاء في الكتاب، والبيان جاء في السنة، فمن أخر صلاة عن وقتها فقد ارتكب عظيمة من عظائم الأمور، وكذلك من صلاها قبل وقتها فهي باطلة، والحديث وإن كان معناه صحيح من أخرج الصلاة عن وقتها أو قدمها عليها هذا أتى باب من كبائر الذنوب من العظائم وإن كان الخبر ضعيفاً.
تمسك به الحنفية على منع الجمع في السفر، والحديث ضعيف كما سمعنا، والجمع في السفر لعذر والحديث على فرض قبوله فيه هذا القيد من غير عذر، أما من جمع لعذر فقد ثبت الجمع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أسفاره في الصحيحين وغيرهما، على ما سيأتي، وأنه جمع حينما جد به السير، وجمع وهو نازل في تبوك.
"قال أبو عيسى: وحنش هذا هو أبو علي الرحبي وهو حسين بن قيس" فيكون اسمه: حسين، ولقبه: حنش، وكنيته: أبو علي، ونسبته: إلى الرحبة، الرحبي "وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره" يقول البخاري: أحاديثه منكرة، ويقول العقيلي في حديثه: «من جمع بين الصلاتين فقد أتى باباً من الكبائر» يعني حديث الباب لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، ولا أصل له، ضعفه أحمد وغيره، فالحديث ضعيف جداً، ولذا قال بعضهم: إن هذا الحديث لا أصل له.
"والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة" السفر هذا قول الجمهور، وبعرفة قول أبي حنيفة.
"ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض، وبه يقول أحمد وإسحاق" وقال عطاء: يجمع المريض بين المغرب والعشاء، كذا في صحيح البخاري معلقاً؛ لأنه قد يحتاج إلى النوم فلا يستطيع انتظار صلاة العشاء، فلا مانع من أن يجمع بينهما، وقد يضطره المرض إلى النوم قبل صلاة العشاء أو قبل صلاة المغرب فيؤخرها إلى صلاة العشاء، وهو معذور في هذا، والمشهور عند الإمام الشافعي أن المريض لا يجمع بين الصلاتين.
"وقال بعض أهل العلم: يجمع بين الصلاتين في المطر، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق" والمشهور من مذهب مالك إثباته في المغرب والعشاء، وهو المشهور أيضاً عند الحنابلة أن الجمع بسبب المطر إنما هو بين المغرب والعشاء لا بين العصر والظهر، مع أن الصحيح والمرجح أنه كما يجمع بين المغرب والعشاء يجمع بين العصر مع الظهر، كما في حديث الباب أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الظهر والعصر وجمع بين المغرب والعشاء.
"ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين" وصح الجمع للمستحاضة، والاستحاضة نوع مرض، وبسط ابن القيم -رحمه الله تعالى- في إعلام الموقعين جواز الجمع بين الصلاتين لأهل الأعذار.
يقول الشيخ أحمد شاكر تعليقاً على قوله: ولم يرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين، يقول: حكى الترمذي الأقوال هنا وقال في آخر كتابه في أول العلل: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين، حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الظهر والعصر في المدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر -من مجموع الروايات وإلا لم يثبت الجمع بين الألفاظ الثلاثة كما قال ابن حجر- وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه» وقد بينا علة الحديثين جميعاً في الكتاب، وهو هنا لم يبين علة لحديث ابن عباس، بل ذكر حديثاً يعارضه من طريق حنش، وضعفه من أجله، وإنما احتج بالعمل فقط، ونقل أقوال الفقهاء.
وقد رد النووي على الترمذي في شرح مسلم فقال: وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قال، فهو حديث منسوخ، يقول: بينا علته في الكتاب، في العلل يقول: بينا علته في الكتاب يعني الجامع، وعلته النسخ، ولذا في كتب المصطلح يقولون: إن الترمذي سمى النسخ علة، في هذا الموضع سمى النسخ علة، ولا شك أنه وإن كان ليس بعلة بالنسبة لثبوت الخبر بل هو علة بالنسبة للعمل به، الخبر صحيح ثابت، المنسوخ صحيح لكن العلة منعت من العمل به، ولم تمنع من ثبوته.
يقول: وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قال، فهو حديث منسوخ، دل الإجماع على نسخه، هذا الإجماع الذي ذكره النووي في شرح مسلم متعقب، بل يرى بعضهم أنه محكم، وأن المدمن حده القتل، المدمن يقتل، مدمن الخمر بهذا الحديث، وعمل به بعض العلماء، والجمهور على عدم العمل به؛ لأنه منسوخ.
وشيخ الإسلام وابن القيم يرون أنه ليس بمنسوخ وليس بحد، وإنما هو من باب التعزير، فللإمام أن يقتل المدمن إذا رأى أن الحد لم يردع شارب الخمر، كما فعل عمر -رضي الله عنه-، كان الحد أربعين، فزاده إلى ثمانين من باب التعزير، ويختلفون في الحد هل هو الثمانين أو الأربعين وزيادة تعزير؟ وكل هذا يتبع انتشار هذه الجريمة وهذه المعصية، وهذه الكبيرة من كبائر الذنوب في مجتمع ومع.. أو قلتها، يعني إذا كان الشراب قليل، أو الشارب شرب مرة أو مرتين أو هفوة أو زلة أو زلتين، تختلف معاملته عما إذا كان مدمناً، أو كان هذا المنكر شائع في بلد من البلدان، والحد الأصلي لا يمنع من ارتكابه، فللإمام أن يعزر بما هو فوق ذلك، كما فعل عمر -رضي الله عنه-.
قال: وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به، بل لهم أقوال، منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر، وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدمين، وهو ضعيف، لماذا؟ لأن المطر منصوص على نفيه، هو ضعيف بالرواية الأخرى: "من غير خوف ولا مطر" ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم، وبان أن وقت العصر قد دخل فصلاها وهذا أيضاً باطل؛ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه بالنسبة للمغرب والعشاء.
في غيم ما تُرى الشمس صلوا الظهر لما انكشف الغيم رأوا أن وقت العصر قد دخل فصلوا العصر بعد صلاة الظهر مباشرة بسبب الغيم، قال: هذا ضعيف، لماذا؟ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فإنه لا احتمال فيه في المغرب والعشاء، لكن لو قيل بمثله في المغرب والعشاء في غيم، أخَّروا صلاة المغرب هذا على سبيل التنزل، فلما انكشف الغيم بان أن الشفق قد غاب، صلوا العشاء، هذا الاحتمال أدنى من حيلولة الغيم دون الشمس من احتمال حيلولة الغيم دون الشفق، لماذا؟ لأن الغيم مهما كثف فإنه لا يجعل النهار مثل الليل، نعم قد يغيب الشمس، ويختلط وقت الظهر مع وقت العصر، لكن لا يمكن أن يختلط بسبب الغيم وقت العصر عن وقت المغرب.
قال: ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها فصارت صلاته صورة جمع، وهذا أيضاً ضعيف أو باطل؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس أنه لما صلى العصر جلس يتكلم في مسائل من العلم حتى غابت الشمس، حتى غاب الشفق وهو لم يصلِ المغرب فأورد الحديث مستدلاً به؛ لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله وتصديق أبي هريرة له، وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل.
ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض، أو نحوه فيما في معناه من الأعذار، وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة له.
طيب بعذر المرض، يعني إذا تصورنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بعذر المرض فهل الجماعة الذين صلوا خلفه كلهم مرضى؟ نعم؟ ما يلزم، إذاً هذا الجمع أيضاً ضعيف.
وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال عن أبي إسحاق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: "أراد أن لا يحرج أمته" فلم يعلله بمرض ولا غيره.
الآن في بعض الأوقات أهل مكة في أوقات المواسم يركب السيارة قبل صلاة المغرب ولا يتسنى له النزول منها إلا بعد دخول وقت العشاء، أو يركب قبل صلاة الظهر ولا يتيسر له النزول منها إلا بعد دخول وقت صلاة العصر، ومثل هذا في البلدان المزدحمة، أحياناً بعض المشاوير في الرياض تأخذ ساعتين ثلاث، لا يستطيع أن ينزل من سيارته بين الزحام في السيارات، ولا يستطيع أن يؤدي الصلاة على وجه ناقص وهو حاضر، وهي فريضة لا تفعل على الراحلة، وإنما الذي يفعل على الراحلة النافلة فيضطر إلى الجمع، إلى تأخير الصلاة الأولى إلى وقت الثانية، وهنا لو قلنا له: صلِ كل صلاة في وقتها للزم على ذلك الحرج الشديد؛ لأن بعض الناس يمكن يقول: أنا اطفي السيارة وأنزل يصير اللي يصير، الصلاة رأس المال، تسحب السيارة، يصنعون ما شاءوا، غرامات ما أدري إيش؟ سجن، يصير ما يصير، الصلاة رأس المال، لكنه حرج شديد هذا، حرج لك وحرج لغيرك، يعني إيقاف السيارة في طريق مزدحم يضاعف الازدحام مرات، وما سبب هذه الازدحامات إلا بسبب وقوف السيارات بحوادث أو غيرها، وإلا لو كانت السيارات سالكة ما صار ازدحام، على كل حال مثل هذا الحرج قد يكون مبرراً للجمع إذا كان من غير طوعه ولا اختياره، ولم يتحرَ الخروج في هذا الوقت، لكن خرج في هذا الوقت ما حسب له حساب، أو وجد حادث في طريقه ما استطاع أن يعبر، أو يروح يمين وشمال ليؤدي الصلاة حينئذٍ يجمع بين الصلاتين رفعاً للحرج.
وكلام الخطابي في المعالم نصه: "هذا حديث لا يقول به أكثر الفقهاء، وإسناده جيد، إلا تكلموا فيه من أمر حبيب، وكان ابن المنذر يقول به، ويحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث، وسمعت أبا بكر القفال يحكيه عن أبي إسحاق المروزي عن ابن المنذر، ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار؛ لأن ابن عباس أخبر بالعلة، وهي قوله: "أراد أن لا تَحْرُج أمته" أو "أراد أن لا يحرج أمته" واللفظ مروي على الوجهين، وعلى كل حال نفيه للحرج يدل على وجود حرج لولا هذا الجمع، فالجمع بعذر، وأما الجمع من غير عذر فلم يقل به أحد من أهل العلم.
وحكى عن ابن سيرين أنه كان لا يرى بأساً من الجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شيء ما لم يتخذه عادة، وهذا هو الصحيح الذي يؤخذ من الأحاديث، وأما التأويل بالمرض أو العذر أو غيره فإنه تكلف لا دليل عليه، وفي الأخذ بهذا رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرهم أعمالهم أو ظروف قاهرة للجمع بين الصلاتين، ويتأثمون من ذلك ويتحرجون، ففي هذا ترفيه لهم، وإعانة لهم على الطاعة، ما لم يتخذ عادة كما قال ابن سيرين.
وعلى كل حال على الإنسان أن يهتم بدينه، وأن يحتاط لصلاته، وأن يراقب الله -جل وعلا- فيها، وأن لا يخرجها عن وقتها، وأن لا يفعلها قبل وقتها إلا لحرج متحقق، بعض الناس إذا كان بيده أدنى عمل يمكن تأجيله قال: الدين يسر، وأراد أن لا يحرج أمته، وجمع بالمدينة من غير كذا وكذا، ويتعذر بمثل هذه الأعذار، بل وجد من يبرر الجمع بين الصلاتين وتأخير الصلاة الأولى إلى وقت الثانية لأن المحاضرة امتدت في الجامعة إلى وقت الثانية، والطالب لا يستطيع الحضور، والمعلم يتذرع بمثل هذه الأعذار، وهي في الحقيقة ليست بأعذار، هذه ليست بأعذار، ما المانع أن تقطع المحاضرة من بداية الأذان إلى أداء الصلاة؟ والعلم لا خير فيه إذا لم يكن عوناً على الدين، العلم لا خير فيه وليس بعلم إذا صد عن الدين، والله المستعان.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
"
لا ليس من فضول العلم بل من متين العلم؛ لأن هناك أحاديث قد تشكل على القول بنجاسة البول، أو هناك أخبار إذا حُكم بهذا قيل: ارتفع الإشكال، لا يورد على القول بنجاسة بول الآدمي المجمع عليه مثل من شرب بوله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد قيل: إن بوله -عليه الصلاة والسلام- طاهر.
المقصود أن مثل هذا إذا بحث كان له أصل، وقد بحث أهل العلم طهارة شعره -عليه الصلاة والسلام-، طهارة شعره، وعامة أهل العلم على طهارته، وقول حقيقة عند..، وهو قول شاذ عند بعض الشافعية أن الشعر نجس حتى شعره -عليه الصلاة والسلام-، لكن كيف يقال: إنه نجس وقد قسمه بين أصحابه للتبرك؟ وإذا كان شعر غيره من الآدميين طاهر فما شأن شعره -عليه الصلاة والسلام- إلا أن يكون أطهر.
يبدأ من بداية الوقت من طلوع الفجر إلى انتشار الشمس، وما دام يسمى الوقت صباحاً فهو كذلك مما يشمل الضحى فهو وقت إلى أنه مفضول؛ لأن الأذكار -أذكار الصباح والمساء- قرنت في كثير من النصوص بطلوع الشمس وغروبها.
لا أعلم، لا أدري لمن هذا البيت.
ادفعها لأخيك وأولاده ما دامت لا تجب عليك نفقته، وإذا أكل منها الوالد أو الوالدة أو من لا تصح ولا تجوز له الزكاة فإنها لأخيك صدقة، ولبقيتهم هدية، كما تصدق على بريرة فأكل منها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي لا تحل له الصدقة، فقال: «هي لها صدقة ولنا هدية».
الأصل عدم وجود مثل هذه الكراسي، لكن إذا كانت مما يعين المصلي على أداء صلاته، ويخفف عنه ما يعانيه من عجز عن القيام أو السجود أو الركوع فلا شك أن هذا مما يعين على العبادة فيكون له حكمها، فيكون مطلوباً.
لا، من صفة راتبة الصبح التخفيف، حتى كانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تقول: "لا أدري هل قرأ بفاتحة الكتاب أو لا؟" هذه من شأنها أن تخفف، وأما فعل ذوات الأسباب عند من يقول به فلا يقول بالتخفيف إلا من أجل ما يحوك في صدره من الخلاف القوي في المسألة.
هذا على الخلاف، جمهور أهل السير على أن صلاة ذات الرقاع بعد غزوة الخندق، صلاة ذات الرقاع قبل غزوة الخندق، وهذا الذي جعلهم يقولون: إن صلاة الخوف لا تفعل في الحضر، والذي رجحه الإمام البخاري -رحمه الله- وتبعه ابن القيم أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد الخندق، وعلى هذا تفعل صلاة الخوف في الحضر، ولا يجوز تأخير الصلوات عن وقتها.
الآن صورت طبعة بولاق، ورقمت وموجودة -ولله الحمد-، وهي أفضل الطبعات على الإطلاق، لكن يبقى أن من طلاب العلم من ليس لديه الصبر على قراءة هذه الحروف القديمة، لا يصبر على قراءة الحروف القديمة، يقال له: ابحث عن صورة للطبعة السلفية الأولى.
هو مطبوع أكثر من طبعة، طُبع للمرة الأولى في مصر قبل ثمانين سنة بتحقيق محمود حسن ربيع، ثم طبع بعد ذلك طبعات متتابعة، وصور مراراً، وطبع مع شرحه: (طرح التثريب) وآخر طبعاته وهي التي عليها الخدمة المتميزة هي طبعة الشلاحي، خالد بن ضيف الله الشلاحي، طبعته دار الكتب العلمية أيضاً لكنها طبعة لا يعول عليها.
هذا شيخ قديم من أهل اليمن يحتمل أن يكون قد تلقى هذا الخبر من أهل الكتاب، واليمن فيه من أهل الكتاب ما فيه فلا يعول عليه، مع أنهم يبحثون مسألة الاحتباس الحراري، وأنه احتمال في سنة (2050) العيش على الأرض يمكن لا يطاق، وهم يبحثون عن حلول من الآن، يبحثون عن حلول عن هذا الاحتباس الحراري، ولا شك أن هذا من ادعاء علم الغيب، وإن كانت لديهم مقدمات رصد من السنوات الماضية، لكن لا يدل هذا على أن الحرارة في ازدياد، لا يجزم بهذا، لمجرد ما تقدم من السنوات.
الظاهر أن السائل ما فهم أن مذهب الجمهور هو المنع من التطوع في أوقات النهي حتى ما له سبب، هذا قول الجمهور بما فيهم الحنفية، الذين يدخلون بذلك الفرائض، فضلاً عن النوافل ذوات الأسباب فضلاً عن النوافل المطلقة، فهذا السؤال لا يرد على ما قررناه بالأمس، وأن مذهب الجمهور الحنفية والمالكية والحنابلة أنه لا يفعل شيء من التطوعات في هذه الأوقات حتى ما له سبب، وأن القول بأن فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي هو قول الشافعية فقط، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وعرفنا أدلة المذهبين، وما أجاب به كل فريق عن المذهب الآخر، فهذا السؤال ناتج عن فهم ما طُرح بالأمس.
فتجد في سيرته خبراً عن زهده وورعه وعلمه وعمله وتقواه وبُعده عن الشهرة، وكرمه، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر وغيرها، ثم إذا نظرت في واقع كثير من طلاب العلم فإنك لا تكاد تجد إلا صفة من تلك، قد يكون أصلها جبلي، ثم يقع في نفسي تنقصهم، وعدم الاكتراث بهم، وربما يقولون..، بل ربما جعلت جزءاً من الدعوة التشكيك ببعض فتاويهم وآرائهم خشية أن يقتدى بهم فهل فعلي هذا صحيح؟ وبماذا تنصحون؟
هذا فعلك ليس بصحيح، وليس المطلوب ألا يخطئ الإنسان، أو أن يكون كاملاً في كل شيء لا، عليه أن ينشد الكمال، وعليه أن يحرص على تطبيق ما أمر به، وأن ينتهي عما نهي عنه، والخير موجود في أمة محمد إلى يوم القيامة، إلى قيام الساعة، ويوجد من الشباب فضلاً عن الشيوخ الكبار من اجتمعت فيه كثير من خصال الخير، تجد بعض الشباب يقرأ القرآن، ويداوم على ورده اليومي من القرآن، ويزاول عمله بإخلاص وأمانة إن كان طالباً، وإن كان معلماً، وإن كان عاملاً، موظفاً، ثم بعد ذلك يتحرى الصلوات على الجنائز واتباعها، ويزور المرضى، ويأمر بالمعروف، ويشارك بقوة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويصل الرحم، وهذه الفضائل وجودها في مثل هذا الزمان يعني خير وبركة، -ولله الحمد-، والعامل في آخر الزمان له أجر خمسين من الصحابة لعدم المعين، نحن نجد أحياناً من يعين -ولله الحمد-، وعلى كل حال اليأس ليس بوارد، والخير في أمة محمد إلى قيام الساعة، ويوجد من أهل العلم والعمل عدد مجزئ وكافي -ولله الحمد-، نعم يوجد من الصنف الآخر من لديه شيء من العلم، ولا يعمل بعلمه هذا موجود، لكنه لا يستحق أن يكون من أهل العلم؛ لأن العلم ما قاد إلى العمل، والله المستعان.
يعني هذا أخذٌ لأموال الناس من أجل التكثر وقد جاء ذمه، وجمهور أهل العلم على جواز مثل هذه المعاملة، وصحة هذه المعاملة، لكن الأولى أن لا يفعلها المسلم بحيث يشغل ذمته من غير حاجة.
لأنها ليست بامرأة كبيرة، وأن القطيعة ليست بمجرد عدم الحضور إليها، أرجو بيان ذلك؟
هذه قطيعة، إذا مرت عليك هذه المدة وأنت لم تزرها هذه قطيعة، ولا يكفي إذا كان لا يرضيها إلا الحضور، لا يرفع القطيعة إلا الحضور عندها، وقد يطلب منك أكثر من ذلك من قضاء بعض الحوائج إذا احتاجت إليك.
فالصلة شأنها عظيم، والقطيعة أمرها خطير، فهذه هي القطيعة عينها، فلا بد من زيارتها بما يرضيها، وهذه أمور نسبية، بالنسبة لبعض الأشخاص تختلف عن بعض، هذا الذي ليست له إلا عمة واحدة ليس مثل من له عشر عمات، وخمس خالات، وستة أعمام، وأربعة أخوال، وهؤلاء لهم أولاد، وله أجداد، وله كذا، يعني إذا كثروا خف المطلوب، وإذا قلوا زاد المطلوب؛ لأن المسألة مسألة تسديد ومقاربة، علماً أن الله -جل وعلا- لا يكلف نفساً إلا وسعها، وكثير من الناس يتذرع بأعمال وأشغال لا حقيقة لها، تجده يعتذر من عمه أو من خاله، أو من عمته أو خالته، حتى أحياناً من أمه وأبيه بأعمال وأشغال وهي لا حقيقة لها ولا وجود؛ لأنه لو طلب من قبل أصحابه أو أحبابه لبادر إلى الحضور.
هذا لا يريد الخلاف الذي ذكرناه وبسطناه بالأمس، لكن يريد الخلاصة.
الخلاصة: أن من فعل ذوات الأسباب في الوقتين الموسعين لا تثريب عليه؛ لأن النهي عن الصلاة فيهما ليس لذاتهما، وإنما من أجل أن لا يسترسل الإنسان في الصلاة، حتى يأتي الوقت المضيق الذي جاء التشديد فيه، وأما في الأوقات الثلاثة المضيقة فلا أرى فعل شيء من التطوعات ولو كان له سبب.
أما امتثال الأمر الذي يبرأ به المكلف من العهدة إذا قال: "صلى الله عليه وسلم" أو "عليه الصلاة والسلام"، بهذا يمتثل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب].
أما الصلاة الإبراهيمية فهي في الصلاة في موضعها، وهي فرد من أفراد العام المأمور به، فإذا صلى الإنسان على النبي -عليه الصلاة والسلام- وسلم عليه، انتهى، ويقول بعض أهل العلم كالنووي: أنه يكره إفراد الصلاة عن السلام وعكسه، لكن الحافظ ابن حجر يقول: "من كان ديدنه هذا" نعم يكره في حقه، يصلي ولا يسلم أو يسلم ولا يصلي، لكن إذا كان يصلي ويسلم أحياناً، أو يصلي أحياناً دون أن يسلم، أو يسلم دون أن يصلي فهذا لا إشكال فيه.
إذا زاد على النبي -عليه الصلاة والسلام- الآل لما لهم من حق على الأمة، فهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلتكن الزيادة أيضاً للصحب، الذين لهم الحق الأعظم في رقابنا وفي أعناقنا، لولاهم ما وصلنا الدين، وفي الأمة ممن هو من غير الآل من هو أفضل من الآل كلهم، مثل أبي بكر وعمر، فإذا زاد أحد الآل فليزد الصحب، ولا يقتصر على أحدهما دون الآخر تشبهاً بالمبتدعة، فالنواصب يقتصرون على الصحب دون الآل، والروافض على العكس.
جاء عن الحسن -رحمه الله تعالى- أنه قال: حدثنا أبو هريرة ولذا أثبت بعضهم سماعه من أبي هريرة بهذا الخبر، قال: حدثنا أبو هريرة، والجمهور على أنه لم يسمع من أبي هريرة، وإنما حدث أهل المدينة وهو فيها ولم يسمعه، كما يقال: خطبنا عتبة بن غزوان وإن لم يحضر الخطبة، ولا شك أن تدليس الحسن شديد، يحتاج إلى مزيد من العناية، والجمهور على أنه لم يسمع من أبي هريرة، وأما روايته عن سمرة فقد مرت بنا في درس الأمس، وأن من أهل العلم من أثبتها كعلي بن المديني، وهو ظاهر سياق كلام علي من قبل الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، وكأن الترمذي يميل إليهم، ما دام ثبت عنه أنه سمع حديث العقيقة، فما المانع أن يسمع غيره من الأحاديث؟ ومنهم من ينفي مطلقاً سماع الحسن من أبي هريرة، وهذا ذكرناه بالأمس، ومنهم من يقول: أنه سمع منه حديث العقيقة فقط، كما جاء في صحيح البخاري، ومر بنا في درس الأمس.
إذا كانوا في سور المسجد، داخل المسجد فلا بأس.