شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (104)
مع بداية حلقتنا نرحب بضيف هذا البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين، قسم السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لازلنا في باب ما جاء إن الأعمال بالنية في حديث عمر -رضي الله عنه-، وانتهت الحلقة الماضية ونحن معكم نقرر حديث ابن المنيِّر ورد العيني عليه، لعلكم تتفضلون بالبداية به.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبق نقل كلام ابن المنيِّر فيما ذكره من ضابط في الأعمال التي تحتاج إلى نيات، والأعمال التي لا تحتاج إلى نيات. وتعقَّبه العيني في مواضع من كلامه، ووجَّهنا كلام ابن المنيِّر وكلام العيني وحملناه على وجه بحيث لا يختلفان، فمن ذلك تعقُّب العيني في قول ابن المنير: كل عمل لا يظهر له فائدة، يكون هذا منقوض بتلاوة القرآن والأذان وسائر الأذكار فإنها أعمال لا تظهر لها فائدة عاجلاً، بل المقصود منها طلب الثواب مع أن النية ليست بشرط فيها بلا خلاف، لكن ألا يمكن أن يقرأ القرآن لما يرى من نظر أحد إليه؟ ألا يمكن أن يذكر الله ويكثر من الذكر بحضرة زيد من الناس، لا بد من قصد وإخلاص في هذه الأعمال لأنها عبادات.
والثاني في قوله: كل عمل ظهرت، يعني فائدته العاجلة الناجزة واقتضته الطبيعة، يقول هذا منقوض بالبيع والرهن والطلاق والنكاح بسبق اللسان من غير قصد، فإنه منقوض لم يصح منها شيء على أصلهم لعدم النية، بينما عنده يصح، ولو كان سبق لسان، ووجهنا كلام ابن المنير أن هذا فيما يديَّن به بينه وبين ربه -عز وجل- فيما لم يحصل فيه مقاضاة، ونحمل كلام العيني فيما إذا كانت المشاحة والمقاضاة فإنه إنما يؤاخذ بما نطق به ويوكل ما في نيته إلى الله -عز وجل-.
الثالث: قوله: أن ما كان من المعاني المحضة، يعني كالخوف والرجاء، فهذا لا يقال: باشتراط النية فيه؛ لأنه لا يمكن أن يقع إلا منويًّا، هذا كلام ابن المنير.
يقول العيني: وأما ما كان من المعاني المحضة... إلى آخره، فإنه جعل النية فيه حقيقة تلك المعاني، ثم قال: فالنية فيها شرط عقلي، وبين الكلامين تناقض، فالنية فيها شرط، وهناك قال: لا يقع إلا منويًّا، فالنية فيه شرط عقلي في كلام ابن المنير، إذ لو كان لا يقع إلا منوي هل يحتاج إلى نية؟! لا يحتاج إلى نية، النية شرط عقلي، يعني أثبت أنه لا بد فيه من نية، لكن اشتراطها بالعقل؛ ولذا قال العيني: وبين الكلامين تناقض، الآن الخوف والرجاء ألا يحتمل أن يخاف من غير الله -عز وجل-، ويوهم الناس أنه يخاف من الله -عز وجل-؟ الرجاء، يظهر للناس أنه يرضي الله -عز وجل- في هذا العمل وهو في الحقيقة يرجو غيره، إذًا هو بحاجة إلى نية، وإن كان عملاً قلبيًّا، الإيمان عمل قلبي الخوف والرجاء من عمل القلب، فهو داخل في عموم حديث «إنما الأعمال بالنيات» كما أن الإيمان عمل قلبي وله آثار على الجوارح تظهر، لكنه محتاج إلى نية.
الرابع في قوله: وكذلك لا تشترط النية للنية فرارًا من التسلسل، فإنه بنى عدم اشتراط النية للنية على الفرار من التسلسل، وليس كذلك؛ لأن الشارع شرط النية للأعمال وهي حركات البدن، والنية خطرة في القلب، يعني لماذا لا تشترط النية للنية؟ هل لأن النية عمل قلب أو خطرة قلب كما يقول العيني، والنية إنما تشترط لأعمال البدن وحركاته؟ أو نقول: إن النية عمل قلبي كالإيمان فتحتاج إلى نية، ولولا التسلسل لاشترطنا النية، وهذه نية...، تسلسل في الماضي أو في المستقبل؟ النية هذه الراهنة تحتاج إلى نية قبلها، والنية التي قبلها تحتاج إلى نية قبلها، والنية تحتاج إلى نية قبلها...
المقدم: وهذا تسلسل.
تسلسل في الماضي، لكن انظر إلى التسلسل في المستقبل، الشكر نعمة، الشكر على نعمة نعمة، أن وفقك الله -جل وعلا- للشكر، فأنت لهذا الشكر تحتاج إلى...
المقدم: شكر.
لأنه نعمة تحتاج إلى شكر، الشكر الثالث يحتاج إلى شكر، ولايزال الإنسان شاكرًا، وهذا التسلسل في المستقبل، ولا يمنع منه أحد، فامتناع النية للنية لوجود هذا التسلسل الذي لا ينتهي، بينما لو لم يترتب على هذا التسلسل لقلنا: إن النية عمل قلبي كالإيمان وكالخوف والرجاء وغيره يحتاج إلى نية، ويدل عليه أيضًا قوله -عليه الصلاة والسلام-: «نية المؤمن خير من عمله» هذا كلام العيني، والحديث كما عرفنا ضعيف، وأشرنا إليه في شرح حديث في أول الكتاب، وعلى فرض ثبوته وجَّهناه بأن نية المؤمن دون عمل خير من عمل بلا نية؛ لأن الإنسان ما دام يقصد الخير فهو على خير -إن شاء الله تعالى-.
فإذا كانت النية عملاً، يقول العيني: فإذا كانت النية عملاً يكون المعنى عمل المؤمن خير من عمله، وهذا لا معنى له، لكنه عمل قلب، وذاك عمل بدن، فعمل قلب المؤمن خير من عمل بدنه، ولا يكون هناك تناقض، هذا على فرض صحة الخبر، والحديث سبق الكلام عليه تفصيلاً سوى الزيادة، وهي قوله: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» يقول النووي في شرح الأربعين: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله أي نية وقصدًا، لا بد من تقدير «فهجرته إلى الله ورسوله» حكمًا وشرعًا، فلا بد من هذا التقدير؛ لماذا؟ لئلا يتحد الشرط والجزاء وهذا ممنوع، فلا يصح أن يقال: من قام قام، يمكن أن يقال: من قام قام؟ إلا بتقدير من قام بحقوق الله -عز وجل- قام بحقوق عباده؛ لئلا يرد الشرط والجزاء موردًا واحدًا، فاتحاد الشرط والجزاء ممنوع، لكن إذا حمل على جهتين تنفك إحداهما عن الأخرى فلا مانع كما في الحديث.
يقول ابن بطال: غرضه، يعني البخاري في هذا الباب أيضًا الرد على من زعم من المرجئة أن الإيمان قول باللسان دون عقد بالقلب، ألا ترى أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يقتصر على قوله: «إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى» وإن كان ذلك كافيًا في البيان، على أن كل ما لم تصحبه نية من الأعمال فهو ساقط غير معتد به، حتى أكَّد ذلك في بيان آخر، فقال: «من كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله».
الحديث الذي يليه.
المقدم: أطرافه نتركها يا شيخ؟
أطرافه.
المقدم: سبقت في حديث سابق.
ذكرت أطرافه في الحديث الأول.
سائل:.....
المقدم: سؤال الأخ يا شيخ يسأل عن المختصِر هنا يقول: لماذا لم يجمع هذا الحديث مع الحديث الأصلي كعادته؟
لو جمع هذا لفوَّت الفائدة التي أشير إليها من قصد التزكية، ولو اقتصر على ذكر الحديث هنا، لفات الغرض من إيراد الحديث في الموضع الأول، فجعل كل جملة في مكانها.
المقدم: قال -رحمه الله-:
"عن أبي مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهو له صدقة»."
أولاً: راوي الحديث أبو مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي البدري، شهد العقبة مع السبعين، وكان أصغرهم، ثم جمهور العلماء على أنه سكن بدرًا ولم يشهدها، نسب إليه لأنه سكنها ولم يشهدها، وعده البخاري في صحيحه ممن شهدها، روي له عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مائة حديث وحديثان، ذكر البخاري عشرة منها، سكن الكوفة واستخلفه علي -رضي الله عنه- عليها عند خروجه إلى صِفِّيْن، ومات بها، وقيل: بالمدينة.
اختلف في سنة وفاته، فكونه استخلفه علي -رضي الله عنه- على صِفِّيْن يدل على أنه أدرك خلافة علي، وأدرك هذه الوقعة، ومما قيل في وفاته: أنها سنة إحدى وثلاثين، وقيل أيضًا: إحدى وأربعين، يعني اختلف في وفاته أكانت قبل الأربعين أو بعدها؟
والحديث ضمن الترجمة السابقة: باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى... إلى آخره، ثم قال: نفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة، يعني أدخل الحديث في ضمن الترجمة، فاستدل للشق الأول من الترجمة بحديث عمر -رضي الله عنه-، واستدل لهذا الشق بحديث أبي مسعود.
المناسبة في قوله: «يحتسبها» أي ينويها ظاهرة؛ ولذا نص البخاري على الحديث في الترجمة، يقول ابن حجر: المقصود من الحديث في هذا الباب قوله: «يحتسبها».
قال القرطبي: أفاد منطوق الحديث أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة، سواء كانت واجبة أو مباحة، وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر؛ لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة لأنها معقولة المعنى، يعني على ضوء التفصيل الذي سبق في كلام ابن المنيِّر، معناها معقولة، وفائدتها ناجزة، فتبرأ الذمة ولو لم ينو، لكن إذا نوى لا شك أنه يحصل له الأجر، فهو له صدقة.
«إذا أنفق الرجل» أنفق النفقة من إنفاق المال وهو إنفاذه وهلاكه، نفق كذا أي نفد وهلك، والأصل في النفقة كما هنا إذا أنفق الرجل أنها على الرجال، كما في قوله -جل وعلا-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [سورة النساء 34] بماذا؟
المقدم: {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [سورة النساء 34].
{بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [سورة النساء 34] هذا هو السبب {وَبِمَا أَنفَقُواْ} القوامة بسبب الإنفاق، والمراد بالنفقة كفاية من يموله بالمعروف، ويختلف باختلاف الأحوال والظروف، يقول في المغني: نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع، ثم ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة.
قوله في الحديث: «يحتسبها» حال، أي يريد بها وجه الله تعالى «فهو» أي الإنفاق، وفي رواية: «فهي» أي النفقة «له صدقة» أي كالصدقة في أصل الثواب لا في الكمية والكيفية، لا نقول: هناك الصدقة والزكاة لها نسب، لها أنصبة معروفة، وكيفيتها أيضًا والأموال التي..، لا، إنما تشبه الصدقة من وجه دون وجه، وهو ترتب الثواب عليها إذا قُصِد بها وجه الله مع الاحتساب؛ ولذا ينفق الرجل على زوجته الهاشمية التي لا تحل لها الصدقة، وتلزم نفقتها بالإجماع، وإن حرمت عليها الصدقة، فالتشبيه من وجه دون وجه، في شرح الكرماني فإن قلت: الأهل خاص بالولد والزوجة أو هو أعم من ذلك؟ الأهل...
المقدم: «على أهله».
«على أهله» هل الأهل خاص بالولد والزوجة أو هو أعم من ذلك بحيث يشمل..؟
المقدم: الوالدين...
الأصول والفروع والحواشي، كما فصل ذلك أهل العلم في أبواب النفقات، يقول الكرماني: قلت: الظاهر أنه خاص، سيما في هذا المقام؛ لأنه إذا كان الإنفاق في الأمر الواجب كالصدقة فلا شك أنه يكون آكد، ويلزم من كونه صدقة في غير الواجب بالطريق الأولى، يعني إذا كان في الواجب صدقة يثاب عليه؛ لأنه مفروض عليه، يثاب عليه صدقة، ففي غير الواجب إذا أحسن من غير وجوب ولا إلزام شرعي صدقة من باب أولى، يقول النووي: في هذا الحديث الحث على الإخلاص، وإحضار النية في جميع الأعمال الظاهرة والخفية، لا شك أن من وفق يستحضر فيؤجر على جميع تصرفاته وأعماله، كم من المسلمين من يذهب إلى محلات بيع الأغذية ولا يستحضر نية، وبعض من وُفِّق يستحضر النية في هذا الموضع يشتري كذا هذا الطعام يشتريه لماذا؟ لينفق على أهله، يقصد بذلك وجه الله والدار الآخرة، يريد أن تبرأ ذمته مما أوجب الله عليه، يقصد بذلك أن يستعين به هو وأهله على طاعة الله -عز وجل-، هو إذا استحضر هذه النية انقلبت هذه الأمور التي لا بد منها لحياة المرء، انقلبت إلى عبادات، وكثير من الناس لا يستحضر شيئًا، نعم تبرأ ذمته، ويسقط عنه الطلب ولا يأثم، لكن ترتب الثواب على ذلك شيء آخر؛ ولذا يقول النووي: في هذا الحديث الحث على الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال الظاهرة والخفية، ومراد البخاري بهذا الباب الرد على من قال من المرجئة: إن الإيمان إقرار باللسان دون اعتقاد بالقلب، يقول: وقد قدمت الدلائل الظاهرة على بطلان زعمهم، وهذا الذي قالوه مردود بالنصوص والإجماع على أن المنافقين كفار في الدرك الأسفل من النار، وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: «يحتسبها» دليل على أن النفقة على العيال وإن كانت من أفضل الطاعات فإنما تكون طاعة متى؟ إذا نوي بها وجه الله تعالى، وكذلك نفقته على نفسه وضيفه ودابته وغير ذلك فكلها إذا نوي بها الطاعة كانت طاعة وإلا فلا.
لا شك أن النية تقلب العادة إلى عبادة، فمن الناس من جميع تصرفاته عبادات، يتقلب من عبادة إلى عبادة في جميع تصرفاته حتى نومه، حتى في أكله وشربه وغير ذلك من مزاولة أعماله كلها عبادات، حتى في وظيفته وهو يأخذ عليها أجرًا، يأخذ على ذلك من الأجور في الدار الآخرة بقدر ما عنده من إخلاص واحتساب، وكثير من الناس يفوته هذا الخير العظيم، والله المستعان.
الحديث خرَّجه الإمام البخاري في ثلاثة مواضع:
الأول: هنا في كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، إلى أن قال: نفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة، يقول الإمام البخاري: حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عدي بن ثابت، قال: سمعت عبد الله بن يزيد عن أبي مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أنفق الرجل» فذكره.
سبق بيان مطابقة الحديث للترجمة، وأنه منصوص عليه في الترجمة، وسبق بيان مناسبة الباب لكتاب الإيمان، الباب: باب ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة، يعني ثواب الأعمال المرتب عليها، وصحة الأعمال على اختلاف بين الأعمال، منها ما تشترط النية لثوابه، ومنها ما تشترط لصحته، يعني ثواب الأعمال بالنية والحسبة والاحتساب، والأعمال يدخل فيها الإيمان على ما تقدم، هذا وجه مناسبته لكتاب الإيمان.
والثاني، الموضع الثاني: في كتاب المغازي، بابٌ بدون ترجمة، يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: حدثنا مسلم، حدثنا شعبة عن عدي عن عبد الله بن يزيد سمع أبا مسعود البدري عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «نفقة الرجل على أهله صدقة» كتاب المغازي، بابٌ بدون ترجمة، وسبق مرارًا أن ما كان من الأبواب دون ترجمة فهو كالفصل من الباب الذي قبله، والباب الذي قبل هذا، باب شهود الملائكة بدرًا، فما وجه المناسبة؟ «نفقة الرجل على أهله صدقة» ما وجه المناسبة؟ ما وجه إدخال الحديث في الباب، بابٌ بدون ترجمة؟ نقول: هو فصل أو كالفصل من الباب الذي قبله باب: شهود الملائكة بدرًا.
سائل:.....
المقدم: كونه بدري يعني؟
لا يظهر غير ذلك، يعني لا يظهر وجه لإدخال الحديث في هذه الأبواب إلا من أجل راويه أبي مسعود حيث نُسِب إليها، فقيل: عن أبي مسعود البدري عن عبد الله بن يزيد سمع أبا مسعود البدري، حيث نسب إليها في الإسناد، وبيَّن الإمام في الحديث الذي يليه، الحديث الذي يلي هذا قال: "فدخل أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري جد زيد بن حسن شهد بدرًا"، فنسبته إليها من أجل ذلك أدخله الإمام البخاري فيمن شهد بدرًا، والباب المصرَّح به شهود الملائكة، والباب الذي هو كالفصل منه في شهود غير الملائكة من الصحابة.
والموضع الثالث: في كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل، وقول الله -عز وجل-: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [سورة البقرة 219] الآية، وقال الحسن: العفو الفضل، قال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت، قال: سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري عن أبي مسعود الأنصاري فقلت: عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني يستثبت التابعي من الصحابي، يعني هل هذا من قولك أم من قول النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ فقلت -عبد الله بن يزيد الأنصاري-: عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال أبو مسعود: عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال: «إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة» هناك «إذا أنفق الرجل» وعرفنا أن النفقة منوطة بالرجال لأنهم معهم القوامة، ما يحصل في بعض العصور أو من بعض الناس، من اشتراط النفقة على المرأة، وهذا خلاف الأصل.
«إذا أنفق المسلم» هناك قال: «الرجل» وهنا قال: «المسلم» «نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة» المسلم يُخرِج غير المسلم، وهل يحتاج غير المسلم إلى إخراج؟ يحتاج إلى إخراج غير المسلم؟
إذا أنفق غير المسلم ناويًا بذلك وجه الله مع تخلف شرط القبول {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ} [سورة التوبة 54] تخلف الشرط، فنقول: هنا ذكر المسلم...
أحد الحاضرين: .............
نعم، تصريح بما هو مجرد توضيح، أو نقول: إنه من بعض الرواة، وإلا في الروايات الأخرى: «الرجل».
في فتح الباري قوله: «على أهله» يحتمل أن يشمل الزوجة والأقارب، ويحتمل أن يختص بالزوجة، ويلحق بها من عداها بطريق الأولى، يعني إذا وجب على الزوجة وجب على الابن والبنت والأب والأم، يقول: بطريق الأولى، ويحلق بها من عداها بطريق الأولى؛ لأن الثواب إذا ثبت فيما هو واجب، يعني في حق الزوجة، فيما هو واجب فثبوته فيما هو ليس بواجب أولى، يعني نفقته على أخته مثلاً، نفقته على أخيه، نفقته على عمه، على ابن عمه، مما ليس بواجب عليه من باب أولى.
المقدم: الاحتساب فيها أولى.
أظهر، والثواب فيها أولى.
وقال الطبري: ما ملخصه الإنفاق على..، قد يقول قائل: إذا كان أولى لماذا ما أترك الزوجة وأنفق على ابن العم إذا قلنا: أولى؟ نقول: هذا من باب تقديم النفل على الفريضة، لا تُقبَل نافلة ما لم تؤدَّ فريضة، فلا يفهم منه مثل هذا الفهم.
المقدم: والاحتساب في الإنفاق على النفس أيضًا يا شيخ؟
كذلك.
وقال الطبري: ما ملخصه الإنفاق على الأهل واجب، والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده، ولا منافاة بين كونها واجبة، وبين تسميتها صدقة، بل هي أفضل من صدقة التطوع.
وقال المهلَّب: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع، وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه، وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر، فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم.
قد يقول قائل: النفقة على الزوجة واجبة، لماذا لا أتصدق؟ نقول: نفقتك على زوجتك ومن تلزمك نفقته واجبة وهي أيضًا صدقة، فهم أولى ممن يتصدق عليه من غيرهم.
قال المهلَّب: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع، وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه، وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر، يعني: جاءت النصوص المتضافرة على الحث على الصدقات، فعرَّفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول» حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيبًا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع.
والحديث مخرَّج في صحيح مسلم أيضًا، فهو متفق عليه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدم: جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم ونفع بعلمكم.
أيها الإخوة والأخوات، كان معنا في هذه الحلقة صاحب الفضيلة الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
شكر الله له، شكرًا لكم أنتم على طيب المتابعة، شكرًا للإخوة الحضور معنا. نلقاكم -بإذن الله تعالى- في حلقة قادمة وأنتم على خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.