تعليق على تفسير سورة البقرة (50)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-:
"قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [سورة البقرة:142-143].
قيل: المراد بالسفهاء هنا مشركو العرب، قاله الزجاج، وقيل: أحبار اليهود قاله مجاهد، وقيل المنافقون، قاله السدي، والآية عامة في هؤلاء كلهم، والله أعلم."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المولى -جل وعلا-: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [سورة البقرة:142] السفهاء هم ضعاف الأحلام خفاف العقول، وكل من خالف أمر الله وشرعه فهو سفيه، وهو أيضًا في الوقت نفسه جاهل، فهؤلاء السفهاء الذين لو كملت عقولهم ورجحت أحلامهم ما قالوا ما قالوا، ولما أعرضوا عن الله وعن شرعه، فالعقل التام يدل على ما جاءت به الشرائع ويوافقها ولا يخالفها إلا سفيه ضعيف العقل مهما قيل عنه، وإن قيل عنه ما قيل في الدنيا وفي أمورها فالرجل يكون في القوم يقال له: ما أحلمه، ما أعلمه، ما أعقله، وهو سفيه؛ لأنه مخالف لما أمر الله به ومرتكب لما نهى الله عنه، فالذي لا يعرف مصلحة نفسه المصلحة الحقيقية، ولا يسعى في نجاة نفسه النجاة الأبدية.
هذا على كل حال سفيه مهما قيل عنه، ومهما تبوَّأ من المكانة بين الناس والمناصب والأمر والنهي فيهم هؤلاء السفهاء من الناس الذين قالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، السفهاء هؤلاء كلهم إما هؤلاء المشار إليهم والقول الذي حصل منهم إما من يهود وهم ينظرون إليه -عليه الصلاة والسلام- وهو يتوجه إلى بيت المقدس ثم ينصرف إلى قبلة أبيه إبراهيم، هذا احتمال قوي، وهم في المدينة، وقد صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى بيت المقدس في المدينة ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، ثم توجه إلى الكعبة.
أو من المشركين كفار قريش وهم يستغلون ويتحينون الفرص، وإن كان يهمهم أن يتوجه إلى قبلتهم وإلى كعبتهم الكعبة الموجودة عندهم وبين أظهرهم.
وإما من المنافقين الذين يتصيدون في مثل هذه الظروف ويرون أن النسخ.. أولاً اليهود لا يقرون بالنسخ؛ لأنه يستلزم البداء، ويوافقهم على ذلك الروافض، والمنافقون يقولون يومًا يفعل كذا، ويومًا ينهى عنه، ويومًا كذا.. فهم يتحينون مثل هذه الفرص وهم في الحقيقة سفهاء لا يعلمون حقيقة الأمر، والله المستعان.
والغريب أن يصدر من المشركين مثل هذا وقد انتقل من قبلة غيرهم إلى قبلتهم التي بين أظهرهم، لكنه المخالفة في الدين تدعو إلى مثل هذا، وهذا من باب التمثيل وإلا فاللفظ يشملهم جميعًا كما أشار إلى ذلك المؤلف -رحمه الله-.
"قال البخاري: حدثنا أبو نعيم: سمع زهيرًا عن أبي إسحاق عن البراء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وإنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه، فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تُحول قِبَل البيت رجالاً قتلوا لم ندرِ ما نقول فيهم، فأنزل الله -عز وجل-: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [سورة البقرة:143]. انفرد به البخاري من هذا الوجه."
وفي البخاري في تفسير إيمانكم صلاتكم إلى بيت المقدس، إيمانكم صلاتكم إلى بيت المقدس، ويستدل به البخاري على أن الإيمان يطلق على العمل، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة وسلف الأمة.
القِبْلَة في أول فرض صلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة العصر كما هنا، وجاء صلاة الظهر، وفي مسجد القبلتين تحولوا كما هم، وفي مسجد قباء أتاهم الآتي وهم في صلاة الصبح، كلهم في المدينة، والخبر لم يبلغهم إلا في صلاة الصبح، يعني بعد كم ساعة؟ وقت طويل، والأخبار عندهم لا تنتشر بسرعة كما هو في وقتنا هذا اللحظة الواحدة الخبر يشمل الدنيا كلها، وخبر الدجال كما جاء في الحديث الصحيح يبلغ الآفاق في ساعة، والناس قبل وجود هذه الوسائل ما يتصورون بلوغ خبر الدجال سائر الأقطار في ساعة، الآن يبلغ في دقيقة، وكان الناس إلى وقت قريب بعضهم صائم وبعضهم مفطر ما بلغهم الخبر، وبعضهم، والله المستعان.
لكن هذه الآلات لا شك أنها إن استغلت واستُعملت فيما يرضي الله -جل وعلا- أنها نِعَم، ولكن مع الأسف أن جل الناس يستعملها فيما لا يرضي الله -جل وعلا-، فتتحول إلى نِقَم، هؤلاء الذين استداروا كما هم كما في الحديث الصحيح قبلوا خبر واحد أخبرهم بأن القِبْلَة حُوِّلَت، فاستداروا كما هم في صلاتهم، ولم يعيدوا الصلاة من أولها؛ لأن الناسخ لا يلزم العمل به إلا من وقت بلوغه، وتحولوا من قِبْلَة كانوا عليها بيقين قطعي صلوها سبعة عشر شهرًا، وصلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كذلك، فثبتت عندهم القبلة إلى بيت المقدس بدليل قطعي برؤيته -عليه الصلاة والسلام- ورؤية من يصلي معه، فلا شك ولا ارتياب في أن القبلة إلى بيت المقدس وتحولهم إلى الكعبة بخبر واحد هذا يؤيد قول أهل السنة والجماعة أن خبر الواحد يفيد العلم، وإن كان بعضهم- وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم وابن حجر- أنه يفيد العلم إذا احتفت به قرينة، إذا احتفت به قرينة، والقرينة هنا ما كانوا يعرفون من حاله -عليه الصلاة والسلام- أنه يتمنى أن تحول القبلة، وهذا مستفيض عندهم، وكان إذا صلى قلَّب وجهه في السماء يرجو أن ينزل عليه شيء يفيد بنسخ هذه القبلة إلى الكعبة.
وعلى كل حال خبر الواحد لا ينازع فيه أحد ينتمي إلى سلف الأمة وأئمتها، فهو مقبول ومتفق على قبوله، والعمل به واجب، العمل به واجب عند جميع من يُعتد بقوله من أهل العلم، ولم ينازع في ذلك إلا طوائف من أهل البدع.
"انفرد به البخاري من هذا الوجه، ورواه مسلم من وجه آخر، وقال محمد بن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن البراء قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي نحو بيت المقدس، ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله، فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة:144]، فقال رجال من المسلمين: وددنا لو علمنا من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس."
لأنهم يعرفون أن استقبال القبلة شرط، وقد صلوا إلى قبلة منسوخة هذه المدة، فيريدون أن يعرفوا مصير أولئك الذين ماتوا قبل تحويل القبلة ومصير صلواتهم السابقة، هل هي مقبولة أو غير مقبولة، الله -جل وعلا- يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة:143] يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، فالعمل المنسوخ في وقته متعيِّن ومسقط للطلب ومبرئ للذمة.
"فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}، وقال السفهاء من الناس وهم أهل الكتاب: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [سورة البقرة:142] إلى آخر الآية. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة قال: حدثنا الحسن بن عطية قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان يحب أن يوجِّه."
يوجَّه.
"أن يوجَّه نحو الكعبة، فأنزل الله {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة:144] قال: فوجّه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس وهم اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله {قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورة البقرة:142].
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضعة عشر شهرًا، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب قِبْلَة إبراهيم، فكان يدعو الله وينظر إلى السماء، فأنزل الله -عز وجل- {فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [سورة البقرة:144] أي نحوه، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله {قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورة البقرة:142].
وقد جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة، وحاصل الأمر أنه قد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس، فكان بمكة يصلي بن الركنين فتكون بين يديه الكعبة ومستقبل صخرة بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة تعذَّر الجمع بينهما، فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس، قاله ابن عباس والجمهور."
في مكة يمكن الجمع بين القبلتين، فإذا جعل الكعبة بين يديه وهو بين الركنين اتجه إلى بيت المقدس، لكن بالمدينة لا يمكن أن يتوجه إلى بيت المقدس وقد جعل الكعبة بين يديه، بخلاف ما جاء في صلاته -عليه الصلاة والسلام- على النجاشي، النجاشي بالحبشة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة، فمن أقوال أهل العلم في الصلاة على الغائب أن يكون في جهة القبلة، في جهة القبلة، فإذا استقبل القبلة وهو بالمدينة، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما صلى عليه استقبل القبلة وهو بالمدينة، صارت الحبشة أمامه كما هنا استقبل القبلة في مكة ويكون بيت المقدس أمامه يستقبله، بإمكانه أن يستقبله، وبإمكانه وهو بالمدينة أن يكون الميت في القبلة في جهة القبلة، ويتحقق بهذا قول من يقول: إن الغائب يُصلَّى عليه إذا كان في جهة القبلة، ولا شك أن هذا حكاية واقع، لكن لو كان الغائب في غير جهة القبلة لا يُصلى عليه؟! هذا لا ينفي، لا ينفي.
"فلما هاجر إلى المدينة تعذَّر الجمع بينهما، فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس، قاله ابن عباس والجمهور، ثم اختلف هؤلاء هل كان الأمر به بالقرآن أو بغيره، على قولين، وحكى القرطبي في تفسيره عن عكرمة وأبي العالية والحسن البصري أن التوجه إلى بيت المقدس كان باجتهاده -صلى الله عليه وسلم-، والمقصود أن.."
لا يلزم من أمر الله -جل وعلا- لنبيه أن يكون في القرآن، بل يأمره وينهاه بغير القرآن، يُنزَل عليه من غير القرآن أوامر ونواهٍ، فمثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم» مَن الآمر؟
طالب: ........
وفي القرآن؟ لا، لا يلزم أن يكون في القرآن، فيكون الأمر من الله -جل وعلا-، ولا يلزم أن يكون في القرآن، ولا يلزم من ذلك أن يكون من اجتهاده -عليه الصلاة والسلام- من غير أمر إلهي.
"والمقصود أن التوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه -صلى الله عليه وسلم- المدينة، واستمر الأمر على ذلك بضعة عشر شهرًا، وكان يكثر الدعاء والابتهال أن يُوجَّه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم، فأجيب إلى ذلك، وأُمِر بالتوجه إلى البيت العتيق، فخطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس، فأعلمهم بذلك، وكان أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر كما تقدم في الصحيحين من رواية البراء، ووقع عند النسائي من رواية أبي سعيد بن المعلى أنها الظهر، وقال: كنت أنا وصاحبي أول من صلى إلى الكعبة."
يعني قبل النبي -عليه الصلاة والسلام- وقبل الصحابة كلهم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى ثم خطب الناس وأخبرهم بنسخ القبلة، فقال أبو سعيد بن المعلى لصاحبهم: قم لنصلي إلى الكعبة؛ لنكون أول من صلى إليها.
طالب: ........
على كل ما هو اجتهاد، ما يمكن أن يصير اجتهادًا، هذا أمر عظيم، ولو كان اجتهادًا ثم أُقر، وما معنى هذا الاجتهاد وقد كان في مكة يصلي إلى بيت المقدس؟ لو كان في المدينة كما كان لما قدم وصام يوم عاشوراء يتألف اليهود، وكان يحب موافقتهم، فلما أيس من إسلامهم خالفهم وأمر بمخالفتهم، ففي هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يحب ويقلب بصره في السماء، يقلب وجهه فيها، ويدعو الله -جل وعلا- أن تحوَّل، مما يدل -كما تفضلت- على أنه بأمر إلهي، وقلنا: إنه لا يلزم أن يكون الأمر الإلهي بالقرآن.
"وذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم أن تحويل.."
الاجتهاد قد يكون من جهة أن القبلة التي توجه إليها قبل نسخها كانت قبلة من قبله من الأنبياء، فكان جاريًا على من سبق، هذا إذا قلنا إنه لم يُوحَ إليه فيها شيء أول الأمر، لكن الذي يغلب على الظن أنه بأمر إلهي ولو لم يسطر في القرآن.
"وذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم أن تحويل القبلة نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد صلى ركعتين من الظهر، وذلك في مسجد بني سلمة، فسمي مسجد القبلتين، وفي حديث نويلة بنت أسلم أنهم جاءهم الخبر بذلك وهم في صلاة الظهر قالت: فتحوَّل الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال، ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمْري.."
النَّمَري النَّمَري..
"النَّمَري، وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني، كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال.."
آت.. إذ جاءهم آتٍ فقال..
إن رسول الله..
نعم.
"إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمِر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة.
وفي هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به وإن تقدم نزوله وإبلاغه؛ لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء، والله أعلم، ولما وقع هذا حصل لبعض الناس من أهل النفاق.."
ولو مات المجتهد أو من يقلد المجتهد الذي تبرأ به الذمة وهو يعمل بمنسوخ ولم يبلغه ناسخ لكان عمله صحيحًا مجزيًا مسقطًا للطلب.
طالب: ........
لا، القبلة الأولى، توجهه إلى بيت المقدس هل هو باجتهاد أم لا؟
"ولما وقع هذا حصل لبعض الناس من أهل النفاق والرَّيْب والكفرة من اليهود ارتياب وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك وقالوا: {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} أي قالوا: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا، وتارة يستقبلون كذا؟ فأنزل الله جوابهم في قوله: {قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [سورة البقرة:142] أي الحكم والتصرف والأمر كله لله، {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [سورة البقرة:115]، و{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [سورة البقرة:177] أي الشأن كله في امتثال أوامر الله فحيثما وجهَنا توجهْنا."
أي من حِكَم النسخ امتحان المكلَّفين، امتحان المكلَّفين في مقدار امتثالهم وسرعة استجابتهم، يعني يعمل بالناسخ فور سماعه؟ يختلف عمن يتلكأ ويتردد وينظر في الأمر، ولذا يقول أهل العلم: فرق بين مَن أُمر بذبح ابنه فتله للجبين، ومن أُمروا بذبح بقرة فذبحوها وما كادوا يفعلون، أمة كاملة تؤمر بذبح بقرة وترددت يسألون أسئلة، وشدد عليهم بسببها وما كادوا يفعلون، كادوا ألا يفعلوا ،ومن أمر بذبح ابنه وجاءه على كِبَر وهو وحيده، بكره، فتله للجبين، ما يحتاج إلى وقت وتردد، والله المستعان.
طالب: ........
لا بد، ما فيه، لا بد أن يعرف الناسخ والمنسوخ.
طالب: ........
نعم ما هي مسألة جهل، مسألة عدم علم ما بلغه ذلك، يعني هل تتصور أن أبا حنيفة أو مالكًا وأحمد بلغهم كل الأحاديث ناسخها ومنسوخها؟! هذا من جهة، وقد يبلغ ولا يثبت عنده، يبلغه ولا يثبت عنده.
"فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهَنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة فنحن عبيده وفي تصرفه وخدامه حيثما وجهَنا توجهْنا، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمته عناية عظيمة؛ إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم خليل الرحمن، وجعل توجههم إلى الكعبة المبنية على اسمه تعالى وحده لا شريك له أشرف بيوت الله في الأرض؛ إذ هي بناية إبراهيم الخليل -عليه السلام-، ولهذا قال: {قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورة البقرة:142] وقد روى الإمام أحمد عن علي بن عاصم عن حصين بن عبد الرحمن عن عمر بن قيس.."
عمرو..؟ عمر أو عمرو؟
طالب: ........
ماذا يقول المعلِّق؟
طالب: ........
يعني هل موجود في السند في المسند.. وعمرو بن عثمان عمرو بن عثمان سماه مالك عمر.
............................ |
|
ومالك سمى ابن عثمان عمر |
يعني يكون باختلاف بين الأئمة ولم يوافقه أحد على تسميته بعمر، الأئمة كلهم على عمرو، فيكون من اختلاف الأئمة، وفيها الراجح والمرجوح، لكن هنا مادام في السند في الأصل في مسند الإمام فيكون الثاني وهم.
"عن عمر بن قيس عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني في.."
طالب: ........
محمد بن الأشعث.. ماذا عندك؟
عن عمر بن قيس عن عائشة..
عن محمد بن الأشعث عن عائشة..
"عن عمر بن قيس عن محمد بن الأشعث عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني في أهل الكتاب-: «إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين»."
المذكور عن النصارى أن قبلتهم إلى المشرق قبلة النصارى إلى المشرق، وبيت المقدس قبلة لبعض الأنبياء، والكعبة ما استقبلها أحد إن كان إبراهيم -عليه السلام- وإلا فما أدري.
طالب: ........
ماذا فيه؟
طالب: ........
هم الذين بُلِّغوا واستداروا كما هم.
طالب: ........
قِدَم قِدَم.
"وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [سورة البقرة:143] يقول تعالى: إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم -عليه السلام- واخترناها لكم؛ لنجعلكم خيار الأمم؛ لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل، والوسط هنا الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسبًا ودارًا أي خيرها، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسطًا في قومه أي أشرفهم نسبًا، ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي العصر، كما ثبت في الصحاح وغيرها، ولما جعل الله هذه الأمة وسطًا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأصح المذاهب، كما قال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [سورة الحـج:78].."
الوسَط العدول الخيار، عدول الناس وأعدل الناس وخيارهم يقال لهم: وسَط، والوسْط بإسكان السين ما يصلح أن يُجعَل بين وبين، يعني المتوسط في الشيء، واستعمال الناس للوسَط إذا قالوا: هذا شيء وسَط معناه أنه ما هو بجيد، ليس بجيد إذا قال: وسَط استعمالهم استعمال عرفي، يعني ما هو بجيد يكنّون به عن غير الجيِّد.
طالب: ........
هي من البَرْدَين {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [سورة البقرة:238]، جاء النص أنها صلاة العصر وتخصيصها بالمحافظة عليها يدل على فضلها وشرفها.
طالب: ........
بلا شك أن تخصيصها بالذكر يدل على فضلها، ولكن لا يمنع أن يوجد فضائل من جهات أخرى.
طالب: ........
ما يصلح مكانه بَيْن.
"وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يُدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته قال: فذلك قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [سورة البقرة:143] قال: والوسط العدل، فتُدعَون، فتشهدون له بالبلاغ، ثم أشهد عليكم» رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن الأعمش، وقال الإمام أحمد أيضًا.."
قد يقول قائل: كيف يشهدون على شيء لم يحضروه؟ كيف يشهدون على شيء لم يحضروه؟ هذا حصل قبلهم وانتهى، شهدوا على شيء لم يحضروه ولم يشاهدوه؟ فيقال: بلغهم بالطريق القطعي الذي لا ينقص عن المشاهَد في القطعية، والأخبار التي تبلغ بطرق قطعية تُعامَل معاملة المرئي، كما في قوله -جل وعلا-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [سورة الفجر:6] هل رأى ما فعل الله بعاد؟ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [سورة الفيل:1] ما رأى، لكنه بلغه بطريق قطعي، فعومِل معاملة المرئي في القطعية كأنه مشاهَد.
"وقال الإمام أحمد أيضًا: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يجيء النبي يوم القيامة ومعه رجلان وأكثر من ذلك فيدعى..»"
طالب: ........
هو في حديث الشفاعة يأتي النبي وليس معه أحد، والنبي ومعه الرجل والرجلان، النبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد، يعني يأتي النبي ليس معه أحد، ويأتي ومعه رجل واحد، ويأتي ومعه رجلان، ويأتي النبي ومعه الفئام من الناس، ثم يأتي شيء يسد الأفق، فأقول: هؤلاء أمتي، فيقال: هذا موسى وقومه، ثم تأتي أمته -عليه الصلاة والسلام- أكثر وأكثر، ومعهم السبعون ألفًا، ففي هذا الموضع فيه الرجل والرجلان؟
طالب: ........
من أصل الكتاب أم مزيد؟
طالب: ........
إذا موجود في المسند، فالحديث مأخوذ من المسند: «يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان».
طالب: ........
نعم يا شيخ.
"فيُدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله -عز وجل-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [سورة البقرة:143] قال: عدلاً، {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [سورة البقرة:143]، وقال أحمد أيضًا: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [سورة البقرة:143] قال: «عدلاً». وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه وابن أبي حاتم من حديث عبد الواحد بن زياد عن أبي مالك الأشجعي عن المغيرة بن عتيبة بن نهاس قال: حدثني مُكْتَب لنا.."
مُكاتَب لنا مُكاتَب لنا.
"قال: حدثني مُكاتَب لنا عن جابر بن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق، ما من الناس إلا ود أنه منا، وما من نبي كذَّبه قومه إلا ونحن نشهد أنه قد بلغ رسالة ربه -عز وجل-».
وروى الحاكم في مستدركه وابن مردويه أيضًا، واللفظ له، من حديث مصعب بن ثابت عن محمد بن كعب القرظي عن جابر بن عبد الله قال: شهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جنازة في بعض بني سلمة وكنت إلى جانب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال بعضهم: والله يا رسول الله، لنعم المرء كان، لقد كان عفيفًا مسلمًا، وكان، وأثنوا عليه خيرًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنت بما تقول»، فقال الرجل: الله أعلم بالسرائر، فأما الذي بدا منه فذاك، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وجبت»، ثم شهد جنازة في بني حارثة، وكنت إلى جانب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال بعضهم: يا رسول الله، بئس المرء كان، إن كان لفظًّا غليظًا، فأثنوا عليه شرًّا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبعضهم: «أنت بالذي تقول» فقال الرجل: الله أعلم بالسرائر، فأما الذي بدا منه فذاك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وجبت». قال مصعب بن ثابت: فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب: صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [سورة البقرة:143] ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه."
النبي -عليه الصلاة والسلام- مُرَّ عليه بالجنازة الأولى، فأثنوا عليها خيرًا فقال: «وجبت»، فمُرَّ عليه بالجنازة الثانية فأثنوا عليها شرًّا فقال: «وجبت». أثنوا على الأولى خيرًا فقال: «وجبت»، وعلى الثانية شرًا فقال: «وجبت»، فقيل له -عليه الصلاة والسلام-: ما وجبت؟ فقال: «أثنيتم على الأولى خيرًا فوجبت له الجنة، وأثنيت على الثانية شرًّا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه».
نعم.
طالب: ........
نعم، جاء في الحديث الصحيح: «اذكروا محاسن موتاكم»، وفي رواية: «وكفوا عن مساويهم»، لكن في هذا الحديث ترتب عليه مصلحة، وهو بيان أن الناس شهداء في هذه الدنيا، وأما النهي عن سبهم؛ لئلا يكون ذلك ديدن كل من مات من المسلمين يطلق اللسان فيه، لكن إذا ترتب على ذلك مصلحة، وهذا شره ظاهر ومعروف عند الناس ومتعدٍّ فمثل هذا تغتفر مثل هذه.
طالب: ........
لا لا لا، عام لكن ليس كل أحد يشهد، إنما يشهد العدول والخيار، وإلا فكل يشهد إلى فئته ويشهد إلى نظيره وجنسه، الصالح يشهد للصالح، والفاسد يشهد للفاسد، ما يصلح، لا يشهد إلا العدول الخيار، هؤلاء هم الذين تُقبل شهادتهم في أمور الدنيا، فكذلك في أمر الآخرة.
"وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا داود بن أبي الفرات عن عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود أنه قال: أتيت المدينة، فوافقتها وقد وقع بها مرض، فهم يموتون موتًا ذريعًا، فجلست إلى عمر بن الخطاب فمرت به جنازة، فأُثني على صاحبها خيرًا فقال: وجبت، وجبت، ثم مُر بأخرى فأثني عليها شرًّا فقال عمر: وجبت، فقال أبو الأسود: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت: كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة»، قال: فقلنا: وثلاثة؟ قال: فقال: «وثلاثة»، قال: فقلنا: واثنان؟ قال: «واثنان»، ثم لم نسأله عن الواحد، وكذا رواه البخاري والترمذي والنسائي من حديث داود بن أبي الفرات به، وقال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن عثمان بن يحيى قال: حدثنا أبو قلابة الرِّقاشي.."
الرَّقاشي.
"الرَّقاشي قال: حدثني أبو الوليد قال: حدثنا نافع بن عمر قال: حدثني أمية بن صفوان عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي عن أبيه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنباوة يقول: «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم» قالوا: بمَ يا رسول الله؟ قال: «بالثناء الحسن والثناء السيئ، أنتم شهداء الله في الأرض»، ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون، ورواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وعبد الملك بن عمرو وشريح عن نافع عن ابن عمر به."
شريح أم سريج؟ ماذا عندك؟
طالب: ........
سريج، معلِّق عليه شريح عندك؟
طالب: ........
لا، هيِّن لكن الراوي سريج أم شريح؟
طالب: ........
شريح؟
طالب: ........
الثناء كما يكون بالخير وهو الأكثر حتى صار حقيقة عرفية يكون أيضًا بالشر، كما أن الثواب بالخير والجزاء على الخير يكون أيضًا جزاءً للشر وعقوبة لفاعله {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [سورة المطففين:36]، فالثناء مثله يأتي لهذا وهذا، وإن كان الأكثر، حتى عُد حقيقة عرفية أنه في الخير.
"وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [سورة البقرة:143] يقول تعالى: إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولاً إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنه إلى الكعبة؛ ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت {مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [سورة البقرة:143] أي مرتدًّا عن دينه، {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً} [سورة البقرة:143] أي هذه الفعلة وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة أي: وإن كان هذا لأمرًا عظيمًا في النفوس إلا على الذين هدى الله قلوبهم وأيقنوا بتصديق الرسول، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، فله أن يكلف عباده بما شاء، وينسخ ما شاء، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك، بخلاف الذين في قلوبهم مرض، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكًّا كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق كما قال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} [سورة التوبة:124-125] وقال تعالى.."
المؤمن المصدِّق بيقين لا تغيره هذه التغيرات التي شُرعت لحكمة، لاختبار ثباته، وأما الذي في قلبه زيغ فمجرد ما يحصل له مثل هذا الذي يراه خللاً يتغيَّر ويزيغ عن الحق، فتزيده رجسًا إلى رجسه، يعني تزيده إلى شكه شكًّا آخر، وهذا ديدنهم كما هو في مسألة الشبهات والمتشابهات، الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه، ويزيدهم زيغًا إلى زيغهم وشكًّا إلى شكهم، بخلاف أهل الإيمان الذين يقولون: آمنا به، ما عندهم غير هذا؛ لأنهم أيقنوا وآمنوا وصدقوا إيمانًا ثابتًا لا تردد فيه، فجميع ما يتبع ذلك يكون على نفس المستوى، ولا يحصل فيه تردد ولا ريب، ولا يومًا يكون كذا ويومًا يكون كذا.
ولذلك تجدون في أهل العلم وأهل التدين عمومًا ولو لم يكنوا من أهل العلم تجده على وتيرة واحدة يعيش ستين، سبعين، ثمانين سنة وهو ما تغير شيء، وبعض الناس وإن انتسب إلى شيء من العلم وطلب شيء من العلم تجده إذا حصل له أي تردد أو شيء أو سمع كلامًا من بعض العلماء أو.. أو مما يفيده شيء من المخالفة لما سبق تجده ينحرف سريعًا؛ وذلك لعدم رسوخه، رسوخ إيمانه في قلبه.
طالب: ........
مسألة الاجتهاد..
طالب: ........
معروف هذا الاجتهاد المبني على دليل صحيح المبني على.. وإلا فالتغير ما فيه إشكال، لكن أنت ترى من يتغيرون لا لدليل لأدنى شبهة يتغيرون، هذا محل الكلام، أما الذي يتبع الدليل أولاً ما بلغه أو ما صح عنده، ثم صح وبلغه ما هو أقوى منه، فهذه مسألة معروفة عند أهل العلم.
"وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [سورة فصلت:44]، وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} [سورة الإسراء:82]، ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول- صلى الله عليه وسلم- واتباعه في ذلك وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب من سادات الصحابة، وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا القبلتين، وقال البخاري في تفسير هذه الآية: حدثنا مسدد.."
.. السابقون السابقون الأولون اختُلف في ضبطهم وحدهم من الأقوال التي قيلت من صلى إلى القبلتين، ومنهم من استدل بقوله: {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [سورة الحديد:10] هؤلاء هم السابقون الأولون، والذين جاؤوا من بعدهم هم اللاحقون.
"وقال البخاري في تفسير هذه الآية.."
طالب: ........
أنت تقصد {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [سورة الواقعة:10].
طالب: ........
ما يخالف، أنت ذهبت إلى أن المراد السابقون {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [سورة الواقعة:10] في سورة الواقعة {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ} [سورة التوبة:100] هذا غير، قد يكون من السابقين وهو في آخر الزمان، أعني "المقربون"، ويليهم في المرتبة الأبرار، وهؤلاء في الصحابة والتابعين إلى آخر الزمان موجودون.. الطبقات ما هو المقصود من السابقين الأولين.
"وقال البخاري في تفسير هذه الآية: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء؛ إذ جاء جاءٍ فقال: قد أنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- قرآن، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها فتوجهوا إلى الكعبة.
وقد رواه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر، ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري، وعنده أنهم كانوا ركوعًا فاستداروا كما هم إلى الكعبة وهم ركوع، وكذا روى مسلم من حديث حمّاد بن سلمة عن ثابت عن أنس مثله، وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ولرسوله وانقيادهم لأوامر الله -عز وجل-، -رضي الله عنهم أجمعين-.
وقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة:143] أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك ما كان يضيع ثوابها عند الله، وفي الصحيح من حديث.."
لا يضيع ثوابها عند الله..
"وفي الصحيح من حديث أبي إسحاق السبيعي عن البراء قال: مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس فقال الناس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة:143]، ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه."
أدخله البخاري في كتاب الإيمان؛ ليستدل به على أن الإيمان يُطلق على العمل.
"وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة:143] أي بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأخرى أي ليعطيكم أجرهما جميعًا {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [سورة البقرة:143] وقال الحسن البصري: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [سورة البقرة:143] أي ما كان الله ليضيع محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وانصرافكم معه حيث انصرف {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [سورة البقرة:143]، وفي الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة من السبي قد فُرِّق بينها وبين ولدها، فجعلت كلما وجدت صبيًّا من السبي أخذته فألصقته بصدرها وهي تدوْر على ولدها، فلما وجدته ضمته إليها.."
تدوْر عليه؟ هي تدوْر عليه؟
وهي تدوْر..
تبحث عنه، لكن هل يقال: تدوِّر مثل ما نقول؟
طالب: ..........
تدوْر على ولدها كأنه موجود في الوسط وتدور عليه.
طالب: ..........
تضمَّن معنى تبحث، تضمَّن معنى تبحث عن ولدها. على كل حال يبحث عن اللفظ هل له أصل أم لا؟
"فلما وجدته ضمته إليها وألقمته ثديها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على ألا تطرحه؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها»."
اللهم صل على محمد...