شرح المحرر - كتاب الزكاة - 05
سم.
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.
قال المؤلف -رحمه الله-:
باب: قسم الصدقات
عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني)) رواه الإمام أحمد، وهذا لفظه، وأبو داود وابن ماجه والحاكم، وقال: على شرطهما، وقد روي مرسلاً، وهو الصحيح، قاله الدارقطني، وقال البزار: رواه غير واحد عن زيد عن عطاء بن يسار مرسلاً، وأسنده عبد الرزاق عن معمر والثوري، وإذا حدث بالحديث ثقة فأسنده كان عندي الصواب، وعبد الرزاق عندي ثقة، ومعمر ثقة.
وعن عبيد الله بن عدي بن الخيَّار...
الخيْار، خيْار بالتخفيف.
وعن عبيد الله بن عدي بن الخيْار أن رجلين حدثاه أنهما أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسألانه من الصدقة، فقلب فيهما البصر فرآهما جلدين، فقال: ((إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)) رواه الإمام أحمد، وقال: ما أجوده من حديث! وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه.
وعن قبيصة بن المخارق الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسأله فيها، فقال: ((أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)) قال: ثم قال: ((يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبُها ثم يمسك))...
يصيبَها
حتى يصيبَها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال سداداً من عيش- ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش -أو قال سداداً من عيش- فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتاً)) رواه مسلم وأبو داود، وقال: حتى يقول باللام.
وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين -قالا لي وللفضل بن عباس- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلماه، فأمّرهما على هذه الصدقة فأديا ما يؤدي الناس، وأصابا مما يصيب الناس، قال: فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال علي: لا تفعلا، فو الله ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث، فقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فو الله لقد نلت صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما نفسناه عليك، فقال علي: أرسلهما...
أرسلوهما، بالجمع وإلا بالإفراد؟
فقال علي: أرسلوهما، فانطلقا واضطجع قال: فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا، ثم قال: ((أخرجا ما تصرران)) ثم دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذٍ عند زينب بنت جحش، قال: فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا، فقال: يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس، وقد بلغَنَا النكاح.
بلغْنا، بلغْنا.
وقد بلغْنا النكاح، وجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك ما يؤدي الناس، ونَصيب كما يصيبون؟
نُصيبُ
ونُصيب كما يصيبون؟ قال: فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تلمِّع إلينا من وراء الحجاب: أن لا تكلماه...
تُلْمِع، تُلمع.
ألا تُكلماه.
تُلمع.
نعم، أحسن الله إليك.
زينب تُلمع إلينا من وراء الحجاب ألا تكلماه، ثم قال: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، ادعوا لي محمية -وكان على الخمس- ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب)) قال: فجاءاه فقال لمحمية: ((أنكح هذا الغلام ابنتك)) للفضل بن عباس، فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: ((أنكح هذا الغلام ابنتك)) لي، فأنكحني، وقال لمحمية: ((أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا)) قال الزهري: ولم يسمه لي. وفي طريق آخر: "فألقى علي رداءه، ثم اضطجع عليه، وقال: أنا أبو حسن القرم، والله لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
وقال في الحديث: "ثم قال لنا: ((إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)) رواه مسلم.
وعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: "مشيت أنا وعثمان بن عفان -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني عبد المطلب من خمس...
بني المطلب.
أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد)) رواه البخاري.
وعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: "أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس: كل إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك، فقال عباس بن مرداس:
أتجعل نهبي ونهب العبيد |
| بين عيينة والأقرع؟ |
قال: فأتم له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائة من الإبل، وفي رواية: وأعطى علقمة بن علاثة مائة، رواه مسلم.
وعن أبي رافع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني فإنك تصيب منها، قال: حتى آتي النبي فأسأله، فأتاه فسأله فقال: ((مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة)) رواه الإمام أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعطي عمر العطاء فيقول له عمر: أعطه يا رسول الله أفقر إليه مني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذه فتموله، أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك)) قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يرد شيئاً أعطيه" رواه مسلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد ما ذكر الأموال التي تجب فيها الزكاة، وذكر الأنصباء، وما يجب فيها، ذكر كيف تقسم؟ كيف توزع هذه الزكوات وهذه الصدقات؟.
الله -جل وعلا- تولى قسمة هذه الصدقات على الأصناف الثمانية، ولم يكل ذلك إلى أحد، بل بينهم بالتفصيل، والاقتصار في بعض النصوص على بعض هذه الأصناف لا يلغي ما عداها من الأصناف الثمانية ((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) هؤلاء أولى الناس بصرف الزكاة؛ لأنهم لا يجدون ما يقوم بحاجتهم من الطعام والشراب والمسكن وغيرها من الحوائج الأصلية.
الأصناف الثمانية {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ} [(60) سورة التوبة]... الآية.
تولى الله -جل وعلا- قسمتها، ولم يكل ذلك لا إلى محمد -عليه الصلاة والسلام- الذي وكل إليه بيان بقية ما أجمل في الكتاب، والسنة هي المبينة للقرآن، لكن في هذه المسألة ما تركت لأحد، بينها الله -جل وعلا-، نعم قد يكون في بعضها شيء من الإجمال، مثل في سبيل الله مثلاً، فيختلف أهل العلم بسبب هذا الإجمال، وإلا فالثمانية لا يجوز أن يزاد عليهم صنف تاسع، ولا يجوز أن يلغى من هذه الأصناف الثمانية حكماً، وإن لم يعط منها حقيقة، لكن لا يجوز أن يلغى حكماً؛ لأنه يجوز صرفها إلى صنف أو صنفين أو ثلاثة، ولا يجب استيعاب الثمانية.
{وَفِي سَبِيلِ اللّهِ} [(60) سورة التوبة] عامة أهل العلم على أن المراد به الجهاد في سبيل الله، فيجهز الغزاة في سبيل الله من الزكاة الذين ليس لهم ديوان، بمعنى أنهم ليس لهم شيء من بيت المال يقوم بكفايتهم ويجهزهم، منهم من يتوسع في المراد في سبيل الله، فيجعله يشمل كل ما يقرب إلى الله -جل وعلا-، من تعليم، ودعوة، ومصالح عامة للمسلمين، لكن عموم أهل العلم يقصرون ذلك على الجهاد، ومنهم من يلحق بذلك الحج، فيجعله في سبيل الله، وقد جاء ما يدل عليه، لكن الأصل في هذا الباب أنه الجهاد في سبيل الله، ويبقى أن الحج إذا لم يستطع الإنسان الحج فإنه معذور غير مكلف بالحج، فلا يكلف بالأخذ من الزكاة، ولو لم يعط من الزكاة لكان للمنع وجه؛ لأنه غير مكلف أصلاً بالحج ما دام عاجز، وتسميته في سبيل الله يعني من باب الإطلاق العام، كما يقال إذا خرج طالب علم ليطلب علم قيل: في سبيل الله.
قال -رحمه الله-: "عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تحل الصدقة لغني))" لغني؛ لأن الحصر في آية المصارف {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ} [(60) سورة التوبة] فخرج الغني بأول كلمة، يستثنى خمسة أشخاص، وإن اتصفوا بالغنى فيعطون من الزكاة لا لأنهم أغنياء، وإنما لأمر استدعى ذلك ((لعامل عليها)) والعامل منصوص عليه {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [(60) سورة التوبة] فالعامل يعطى بقدر أجرته التي تحدد له من قبيل ولي الأمر، أو يعطى أجرة مثله إذا لم يتم التحديد، ولا بد أن يحدد العامل، ويحدد الأجرة من له الأمر، وإلا صارت الأمور فوضى تجد بعض الناس يجمعون الأموال الزكوية وهم في ذلك محسنون، ونياتهم فيما يظهر صالحة، يريدون خدمة الأغنياء، ويريدون أيضاً خدمة الفقراء، ثم بعد ذلك يفرضون لأنفسهم قدراً مما يأخذون باسم العمالة، أو مكلفون من قبل أشخاص لم يوكل لهم هذا الأمر، تجد إمام مسجد يقول للشباب: اجمعوا من الزكوات لنوزع على فقراء الحي هذا عمل طيب، ثم بعد ذلك يفرض لهؤلاء الشباب الذين يجمعون من هذه الزكوات باسم العمالة، هذا ليس بصحيح، لا إمام مسجد، ولا مكتب دعوة، ولا غيره، ما يملكون مثل هذا الأمر، ما يملكه إلا لمن له الأمر، الذي الأصل أن الزكوات تدفع له، أو يرسل من يجبيها، وهو ولي الأمر، وتقدير هذه الأمور وإرجاعها كلٌ إلى ما يقدره في نفسه، والناس يتفاوتون في هذا، لا بد أن تكون جهة التقدير واحدة، الناس يتفاوتون بعض الناس جزل النفس، فإذا جمع هذا الشاب عشرة آلاف يمكن يعطيه ألف، وبعض الناس دنيء النفس إذا جمع له عشرة آلاف أعطاه عشرة ريال، الناس يتفاوتون، فتصير المسألة فوضى، من أراد أن يجمع، من أراد أن يفرض، هذا كلام ليس بصحيح، هذه الأمور مردها إلى ولي الأمر، أو من يكل إليه الأمر ولي الأمر.
((لعامل عليها)) فالعامل يأخذ بقدر أجرته، وإن كان غنياً في مقابل أتعابه.
((أو رجل اشتراها بماله)) دفعت الصدقة الزكاة العينية جذعة، حقة، أعطيتها فقير، أو دفعت له شيء من أموال عروض التجارة، أو كفارة دفعت لهذا البيت الذي يسكنه مجموعة من أفراد الأسرة دفعت لهم كيس من الأرز كفارة أو زكاة أو زكاة فطر، دفعتها إليهم، عندهم كيس ثاني، ماذا يصنعون به؟ يتصرفون، هم ملكوه {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء} [(60) سورة التوبة] تمليك ملكوها وانتهينا، فلهم أن يتصرفوا ببيعها إذا كانت قدر زائد عن حاجتهم في هذا الباب، أما إذا كانت قدر زائد عن حاجتهم مطلقاً فلا يجوز لهم أن يأخذوها أصلاً، فلهم أن يبيعوها فمن يشتريها بماله لا يقال: إنه أخذ الصدقة إنما اشتراها.
((أو غارم)) غارم تحمل ديناً إما لنفسه ركبته الديون التي لم يفرط فيها، ولم يأخذ بسببها أموال الناس تكثراً، أو يغامر مغامرة المجانين، ثم بعد ذلك تركبه الديون، ثم زكوات المسلمين قد لا تغطي ديونه مثل هذا يعاقب بنقيض قصده؛ لأنه لو علم مثل هذا لزادت مغامرته، وهو يقول: الزكوات تسدد -إن شاء الله-؛ لأني غارم، لا، من غير تفريط في حوائجه الأصلية، أو تحمل بسبب غيره لإصلاح، إصلاح ذات البين، بين أسرتين، بين قبيلتين، بين رجلين، تحمل للإصلاح فهذا من باب التشجيع على الإصلاح، والصلح خير، يعان من الزكاة.
((أو غاز في سبيل الله)) الغارم والغازي في سبيل الله هؤلاء مما نص عليه في آية المصارف ((أو غاز في سبيل الله)) فيعطى ما يتجهز به للجهاد وما يعينه على أداء هذه المهمة العظيمة التي هي ذروة سنام الإسلام، وهي مصدر عز المسلمين، وما ذلوا إلا بعد أن تركوا الجهاد.
((أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني)) مسكين تصدق عليه منها، عليه صدقة ولغيره ممن يأكل معه هدية، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى في البرمة على النار لحماًَ فسأل، فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: هذا تصدق به على بريرة، فقال: ((هو عليها صدقة، ولنا هدية)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- يأخذ الهدية، ولا يأخذ الصدقة، فأهدى منها لغني، هنا مسألة يكثر السؤال عنها، قد يكون الشخص غنياً، وله زوجة وأولاد، وأهل زوجته فقراء يأخذون من الصدقات، فإذا ذهبت زوجته التي هي في الأصل تحت غني منفق وأولاده إلى أهلها وأخوالهم، وعندهم طعام من الصدقة يأكلون وإلا ما يأكلون؟ يأكلون، هي للفقراء صدقة، ولهؤلاء هدية، لكن يبقى أن الإنسان عليه أن يلاحظ مثل هذه الأمور، لا يستغل الفرصة ويقول: كفينا المئونة، اذهبوا وأكلوا عند أهلكم، هي لهم صدقة، ولكم هدية، لا، يعني عليه أن يبذل لأصهاره ما يقابل ما تأكله زوجته وأولاده عندهم، لكن إذا حصل اتفاقاً مثل هذا الأمر من غير تخطيط ومن غير قصد هذا لا بأس به، كما حصل للحم الذي أهدي لبريرة، يعني بعض الناس وإن كان غنياً تجده دنيئاً في نفسه، عندنا أصل شرعي الرسول -عليه الصلاة والسلام- أكل مما تصدق به على بريرة، ولسنا بأورع من الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فيقول: فرصة يومياً اذهبوا تغدوا عندهم، وتعشوا عندهم؛ ليسلم من مؤونتهم، هذا الكلام ليس بصحيح، إذا قصد ذلك حرم عليه، إما أن يأتي اتفاقاً، ويقدمون ما تصدق به عليهم بحضور غني لا مانع أن يأكل، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، نفرق بين هذا وهذا، يعني إذا كان الإنسان هذا الغني عنده زكوات من ماله، ويعطى من غيره من الأغنياء، ثم يعطي أصهاره بهذا القصد ليأكل هؤلاء الأصهار من هذه الزكوات، وإذا ذهب أولادهم يجدون ما يأكلون أيضاً من هذه الزكوات، ويحمي بذلك ماله، هذا لا يجوز، المسألة مسألة دين، ما هي..، ما تمشي الحيل في مثل هذا.
((فأهدي منها لغني)) رواه الإمام أحمد، وهذا لفظه، وأبو داود وابن ماجه والحاكم، وقال: على شرطهما، وقد روي مرسلاً وهو الصحيح، قاله الدارقطني.
هو مرسل، يعني طريق من طرقه يروى موصولاً، ويروى متصلاً، ورجح الدارقطني المرسل من هذا الطريق، أما بقية الطرق الموصولة لم يتعرض لها الدارقطني، فالصواب أنه موصول.
"وقال البزار: رواه غير واحد عن زيد عن عطاء بن يسار مرسلاً، وأسنده عبد الرزاق عن معمر والثوري، وإذا حدث بالحديث ثقة فأسنده كان عندي الصواب" يعني العبرة بالموصول، وذكرنا مراراً أن طريقة الأئمة في هذا في هذه المسألة أنهم لا يحكمون بحكم عام مطرد، لا يحكمون بالإرسال مطلقاً، ولا بالوصل مطلقاً، وإنما القرائن هي التي تحكم في مثل هذا الباب.
"وأسنده عبد الرزاق عن معمر والثوري، وإذا حدث بالحديث ثقة فأسنده كان عندي الصواب، وعبد الرزاق عندي ثقة، ومعمر ثقة" وعلى كل حال الحديث صحيح، لا إشكال فيه.
"وعن عبيد الله بن عدي بن الخيْار" هذا من كبار التابعين، عبيد الله بن عدي بن الخيار من كبار التابعين، مرسله يقبله الشافعي، ومن يقبل المراسيل بالشروط المعروفة، وله قصة في الصحيح، وهي أنه قال لشخص: اذهب بنا لنرى وحشي بن حرب الذي قتل حمزة وقتل مسيلمة، وحشي قد جاوز المائة في ذلك الوقت، فتلثما وأقبلا على وحشي، وحشي ما رآهما قبل ذلك، فلما رآهما قال: أنت ولد عدي بن الخيار؟ فك اللثام، قال: نعم، فتعجب كيف عرفه وهو أول مرة يراه؟! قال: ناولتك أمك وأنت في المهد على الدابة، يعني كم؟ عبيد الله تابعي كبير، يعني ممكن في هذا الوقت عمره أكثر من سبعين سنة، ناوله أمه في المهد وعرفه من ذلك الوقت، والواحد منا لو يسلم عليه شخص، ويطلع مع باب ويدخل مع باب نسيه، يعني ليست هذه مبالغة، يعني هذه تجربة، وهذا بعد عقود، والفرق كبير الآن عبيد الله بن عدي تابعي كبير، يعني في الستين، أو في السبعين من عمره، وعرفه قبل ذلك حينما كان في المهد، والله المستعان.
"أن رجلين حدثاه" هذا تابعي كبير يقول: إن "رجلين حدثاه" جهالة هذه، لكنها لا تضر، لماذا؟ لأنهما من الصحابة "أن رجلين حدثاه" جهالة الصحابة لا تضر "أنهما أتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسألانه عن الصدقة، فقلب فيهما البصر" يعني على الإنسان أن يتأنى، الصدقة لها مصارف محددة شرعاً، لا يجوز التساهل فيها بحال، فعلى الإنسان أن يتأمل فيمن يدفع له الصدقة، قد يتجاوز عن الشيء اليسير، وجدت سائل فأعطيته ريال، أو خمسة، أو عشرة، قد يتجاوز في مثل هذا، لكن الأموال التي لها وقع، ولها شأن لا بد أن يتأمل فيمن يُعطاها، ويختلفون فيمن يأخذ الصدقة، هل له أن يتصدق بالشيء اليسير أو لا؟ هو يحتاج في نفقته في العام إلى ثلاثين ألف هو وأسرته، يعني معدل ألفين وخمسمائة ريال شهري، فمر به سائل أو فقير فأعطاه ريال، هل نقول: لا يجوز لك أن تتصدق وأن تأخذ الزكاة، أو الصدقة بالشيء اليسير معفو عنه كما يقول شيخ الإسلام؟ لأن الإنسان أحياناً قد يحرج، قد يحرج في مثل هذه المواطن، فيدفع هذا السائل ولو بشيء يسير، والأصل أنه لا يأخذ إلا ما يحتاج، ومعلوم أن الذي يتصدق به قدر زائد على حاجته، وقد يتصدق الإنسان بما يحتاج دفعاً للحرج الذي يقع فيه، وقد يكون في نفسه شيء من السخاء وإن كان فقيراً؛ لأنه وجد في الواقع ما يدل على ذلك، تجد الإنسان يتكلف ويسأل المسئولين، أو الولاة من بيت المال، ثم يعطى بعض الأموال ثم يسألها فيدفعها فوراً، يعني هذا فيه سخاء نفس، لكن ينبغي للإنسان أن يحتاط لنفسه، والمسألة أمرها -مسألة الأموال- مسألة يعني تحتاج إلى مزيد من التثبت، لا يسأل الإنسان لأدنى سبب، وسيأتي ما فيها مما قاله بعض أهل العلم أن المسألة حرام، ويدل لذلك النصوص الكثيرة التي سيأتي شيء منها، سواء منها ما كان من بيت المال، أو من السلطان، أو من غيره، وإن كان السؤال من بيت المال أسهل والسلطان أيضاً أعطيته تؤخذ، ولو لم يكن هناك حاجة، ما لم يستشرف لها، على ما سيأتي.
"فقلب فيهما البصر، فرآهما جلدين" قويين، يستطيعان العمل، يأتي شاب في العشرين والخمس والعشرين والثلاثين يسأل الصدقة؟! لماذا لا تكتسب؟ رآهما جلدين، ما يعطى هؤلاء إلا بعد تثبت أنهما ما وجدا عمل، إذا لم يجدا عمل إلى الله المشتكى، وصف الفقر لازم لهم، أو كررا العمل فأخفقا في التجارة، ومع ذلك يعيدان الكرة.
"فرآهما جلدين، فقال: ((إن شئتما أعطيتكما))" يعني من الزكاة ((إن شئتما أعطيتكما)) يعني ترك الأمر لذمتهما، وكل الأمر إليهم، ((إن شئتما أعطيتكما)) لكن هذا الأصل ((لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب)) ((لا حظ فيها لغني)) يملك ما ينفق به على نفسه وعلى من تحت يده ((ولا لقوي)) يكفي؟ ((مكتسب)) لأنه قد يكون قوي لكن لا يعرف يكتسب، وقد يعرف الاكتساب لكنه ليس بقوي لا يقوى على الاكتساب، فالمسألة أعني الزكاة لا حظ فيها لغني بالفعل ولا بالقوة؛ لأن هناك اتصاف بالوصف فعلاً، واتصاف به بالقوة القريبة من الفعل، ولذا يقولون: فلان فقيه بالفعل، وفلان فقيه بالقوة القريبة من الفعل، يذكرون هذا في كتب الأصول، فلان فقيه بالفعل المسائل حاضرة في ذهنه بأدلتها، وفلان فقيه بالقوة القريبة من الفعل، إذا سألته ما أجاب الحكم ليس بحاضر في ذهنه، لكنه إذا رجع إلى المصادر والمراجع استطاع أن يحرر المسألة بأدلتها، ويخلص بالقول الراجح بالطريقة المتبعة عند أهل العلم، ولذا ما أحد قال في مالك: إنه ليس بفقيه مع أنه سئل عن مسائل فأجاب عن بعضها، وقال عن كثير منها: الله أعلم، لكنه فقيه بالفعل، وهو أيضاً فقيه بالقوة القريبة من الفعل، فالذي لديه خبرة ودربة ومعرفة كيف يتعامل مع النصوص هذا فقيه بالقوة القريبة من الفعل، وإن لم تكن المسائل حاضرة في ذهنه، وهنا يوجد الغني بالفعل الذي لديه الأموال والأرصدة، ويوجد الغني بالقوة القريبة من الفعل، إذا اتصف بأمرين بالقوة والقدرة على الاكتساب، القوة والاكتساب.
"رواه الإمام أحمد، وقال: ما أجوده من حديث! وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه".
قد يوجد قوة ومعرفة بالاكتساب مع وجود مانع، يقول: أنا قوي وقادر على الاكتساب، لكن هو مرافق مع أحد والديه في مصحة من المصحات مدة طويلة، يقول: لا أستطيع أن أتركهما، هذا يوجد مانع، ويوجد مانع لكن ينظر في شرعية هذا المانع، كثير ممن يسأل ممن لديه القوة والقدرة على الاكتساب يوجد مانع نظامي ليست عنده إقامة نظامية يتمكن بها من الكسب، فهل يعطى من الزكاة أو لا يعطى؟ هذا يوكل الأمر فيه إلى ولي الأمر؛ لأنه هو الذي يقدر المصالح المرتبة على منعه وعلى إعطائه، هو الذي يقدر المصلحة المرتبة على منعه وعلى إعطائه، وهو لا يمكن من العمل باعتبار أن الإقامة غير نظامية، وهو قوي ويستطيع الاكتساب، فمثل هذا يوكل أمره إلى ولاة الأمور هم الذين يقدرون المصالح والمفاسد المرتبة على إعطائهم، إعطاؤهم يعينهم على البقاء غير النظامي، ومنعهم قد يجرهم إلى أمور محظورة، ومفاسد، لكن هذه ليس للأشخاص أن يقدروها، لا يعرفون ما وراء هذه الأمور.
قال -رحمه الله-: "وعن قبيصة بن المخارق الهلالي، قال: تحملت حمالة" تحملت حمالة، يعني تحمل ديناً أو دية، أو سبب صلح، أو ما أشبه ذلك، المقصود أنه حمل ذمته ديناً بسبب غيره "تحملت حمالة، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسأله فيها؟" يعني أسأله أن يعينني فيها "فقال: ((أقم حتى تأتينا الصدقة))" الرسول -عليه الصلاة والسلام- متفرغ للدعوة، ليس..، لا يزاول التجارة بعد بعثته -عليه الصلاة والسلام-، فليس من أرباب الأموال، وإنما يمر الهلال والثاني والثالث وما أوقد في بيته نار، ثلاثة أهلة في شهرين -عليه الصلاة والسلام-، وهو أفضل الخلق، وأشرف الخلق، وأكمل الخلق وأكرمهم على الله -جل وعلا- وهذه حاله، هذا عيشه -عليه الصلاة والسلام-.
"فقال: ((أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها))" الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((والله ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة)) أي ثلاث ليال ((وعندي دينار إلا دينار أرصده لدين)) يسدد به دينه ((أقول به: هكذا وهكذا وهكذا)) من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، يوزعه فوراً.
"((فنأمر لك بها)) قال: ثم قال: ((يا قبيصة))" وعظه -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا يجب أن يذكر الإنسان إذا أرد أن يأخذ صدقة يذكر بمثل هذا "((إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجلٍ))" بدل من أحد، ويجوز الرفع على تقدير مبتدأ، أحدهم رجلٌ.
((رجلٍ تحمل حمالة)) يعني مثلما أنت فيه يا قبيصة ((فحلت له المسألة حتى يصيبَها ثم يمسك)) هذه الحمالة قدرها إيش؟ عشرة آلاف ريال، لا يجوز أن يأخذ عشرة آلاف وريال، إنما يأخذ عشرة آلاف فقط، حتى يصيبها ثم يمسك، لا يجوز أن يأخذ زيادة على ذلك.
((ورجل أصابته جائحة)) كارثة سماوية أو أرضية ((اجتاحت ماله)) حريق، غرق، صاعقة، آفة من الآفات، ظالم غشوم سطا على أمواله فاستولى عليها، هذه جوائح؛ لأنها تجتاح المال كله ((ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله)) يعني أهلكته وأتت عليه كله، أما ما يأتي على اليسير، ويترك الكثير هذا ليس بمبرر للمسألة، أو الذي يأتي على الكثير، ويبقي شيء يكفي هذا أيضاً ليس بمبرر للمسألة.
((اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش)) يعني ما تقوم به حاجته فقط من غير زيادة على ذلك، شخص عنده بضائع بعشرات الملايين في سفينة غرقت هذه الأموال وعاد فقيراً، هل نقول: يأخذ من الزكاة والصدقات بقدر ما تلف من ماله؟ لا، يأخذ حتى يصيب قواماً من عيش، أو سداداً من عيش، يعني ما يسد حاجته من غير زيادة على ذلك.
((ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى)) أعسر عسراً شديداً، فمثل هذا وقد عرف قبل ذلك بغنى، أما من عرف بالفقر هذا لا يحتاج إلى أن يقيم بينة يُصدق، والمجهول الذي لا يعرف بفقر ولا غنى يكفي إقامة بينة ترجح غلبة الظن أنه محتاج، وأنه فقير، أما من عرف بغنى ثم أصيب بفاقة هذا لا بد أن يحضر ثلاثة من ذوي الحجى، ذوي العقول، الذين يقدرون الأمور قدرها؛ لأن بعض الناس عنده عاطفة، ويحب النفع للآخرين، ثم بعد ذلك يتساهل في أداء الشهادة، مستعد ليشهد لكل من قال، لا، نحن نريد أهل دين وعقل يعرفون متى يشهدون، ويعرفون متى يمتنعون.
((حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه)) الذين يعرفونه ويعرفون حاله، أما البعيد ن الناس فإنه قد يشهد على ظن أو خاطر وقع في قلبه، أو إشاعة، إشاعة فلان محتاج، الناس يتداولون هذا إشاعة، وبعض الناس يشهد للإنسان من خلال ظاهره، يلبس الأثمال من الثياب، ويركب الرديء من السيارات، ثم يحضر من يشهد له، بعض الناس يأتي عشرة يشهدون له فقير والبنوك مملوءة بالأرصدة، لكن بهذا القيد من ذوي الحجى، يعني أصحاب العقول، الذين يقدرون للأمور قدرها، من أصحاب الديانة، الذين لا يتسارعون في الشهادة الذي جاء ذم من يسارع إليها.
((حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه)) فيشهدون، والأسلوب ((لقد)) كأن فيه تأكيد الشهادة باليمين؛ لأن اللام قد تكون واقعة في جواب قسم مقدر، والله لقد أصابت فلاناً فاقة؛ لأن الأمر ليس بالسهل، ما يقول قائل: والله هذه زكاة رايحة رايحة، وفلان أولى بها، فلان يستعين به على طاعة الله، وغيره قد يستعين بها على..، لا، لا، ما أنت مسئول عن الخلق، مسئول عن نفسك، فأعد الجواب عن نفسك.
((لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش)) مثلما تقدم ما تقوم به حاجته، ويسد فاقته.
((فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت)) حرام ((سحت يأكلها صاحبها سحتاً)) فتقضي عليه، وعلى أمواله، فتقضي عليه، وكل جسد نبت على سحت فالنار أولى به.
"رواه مسلم وأبو داود، وقال: حتى يقول" بدل يقوم "حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى" بدل يقوم وفي رواية: يقوم، ومثله حديث عبادة: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، على أن نقول، أو قال: نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم، فنقوم جاءت في هذا الحديث وذاك الحديث، وفي رواية: نقول.
"وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث قال: اجتمع" وفي بعض كتب التراجم تسميه المطلب بدون عبد، فلا يتم الاستدلال على جواز التسمية بعبد المطلب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما غيره، يعني استدل بإبقاء عبد المطلب هذا على هذه الصفة من يقول بجواز التسمية بعبد المطلب.
ابن حزم يقول: لا يجوز التعبيد لغير الله -جل وعلا- حاشا عبد المطلب، واستدل بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)) لكن هذا لا يتم به الاستدلال، لماذا لم يغير النبي -عليه الصلاة والسلام- اسم جده؟ لأنه قد مات، وليس بمسلم، والذي يغير اسمه من يدخل في الإسلام، عبد المطلب الذي معنا مسلم استدل به من يقول بجواز التسمية بعبد المطلب، ولا يتم الاستدلال؛ لأن اسمه كما هو محرر عند جمع من المحققين المطلب بدون عبد.
"ابن ربيعة بن الحارث قال: اجتمع ربيعة بن الحارث، والعباس بن عبد المطلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين -قالا لي" عبد المطلب الراوي "وللفضل بن عباس" لأنهما بلغا سن النكاح، وليس عندهما شيء يصدقانه من يتزوجانه منه "قالا لي وللفضل ابن عباس" "لو بعثنا هذين الغلامين قالا لي" يعني في شأني وشأن الفضل بن عباس "لو بعثنا هذين الغلامين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلماه، فأمرهما على الصدقة" أمرهما على الصدقة من أجل أن يأخذا العمالة، أجرة عملهما لا يأخذان من نفس الصدقة، وإنما باسم العامل عليها "فأديا ما يؤدي الناس" من الزكوات "وأصابا مما يصيب الناس" من أجرة العامل "قال: فبينما هما في كذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما، فذكرا له ذلك" استشاراه، أو بلغاه بما أرادا "فقال علي: لا تفعلا" علي -رضي الله عنه وأرضاه- معه فاطمة بنت الرسول -عليه الصلاة والسلام- "فقال علي: لا تفعلا، فو الله ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث، فقال: والله" يعني وقف في وجه وخاصمه وحاجه، "والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا" غيرة، تخشى أن نزاحمك، تخشى أن ننافسك عند الرسول -عليه الصلاة والسلام- "فو الله لقد نلت صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" نلت هذا اللقب وهذا الشرف العظيم، وهو مصاهرة النبي -عليه الصلاة والسلام- على أفضل بناته، بل أفضل نساء العالمين على قول جمع من أهل العلم "لقد نلت صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما نفسناه عليك" يعني ما غرنا عليك، ولا ضايقناك، ولا.. "فقال علي: أرسلوهما" شأنكم، يعني المسألة نصيحة ما قبلتم النصيحة أرسلوهما، "فانطلقا واضطجع" علي -رضي الله عنه- "قال: فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر سبقناه إلى الحجر، فقمنا عندها" ينتظرون الرسول -عليه الصلاة والسلام-، الحجر متوالية "فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا، ثم قال: ((أخرجا ما تصرران))" يعني ما تزوران في نفسيكما، يعني لأي شيء جئتما؟ أبرزا ما في صدوركما، يعني كأن الصدر وعاء للكلام، كما أن من أراد أن يخفي شيئاً يجعله في صرة ويربطها "((أخرجا ما تصرران)) ثم دخل ودخلنا عليه، وهو يومئذٍ عند زينب بنت جحش، قال: فتواكلنا الكلام" عندهم ما يوجد شيء من التردد بسبب كلام علي، ولذا لم يبادرا، كل واحد يبادر الثاني بالكلام، كل واحد وكل الكلام إلى الآخر، قال: لعله هو الذي يبدأ "فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا" يعني لما ترددنا لا بد من أن يتكلم واحد منا، تكلم أحدنا "فقال: يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل، وقد بلغْنا النكاح، وجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات" يعني ما جاءا يسألانه من الصدقة، لا، إنما يسألان العمالة على الصدقة؛ ليستحقا ما يستحقا في مقابل عملهما "وجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك ما يؤدي الناس، ونُصيب كما يصيبون؟" زكوات الناس نعطيك إياها، وأجرتنا وعمالتنا نأخذها.
"قال: فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه" سكت -عليه الصلاة والسلام- سكوتاً طويلاً؛ لأن الأمر الذي طلباه غير سائغ وغير لائق، ولا يجوز، لكن الحكم يخفى عليهما، ولذلك اكتفى بهذا "فسكت طويلاً حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تُلمع إلينا من وراء الحجاب" وهي أم المؤمنين "تلمع إلينا من وراء الحجاب ألا تكلماه" كأنها حركت الستار، وقالت: لا تكلماه "قال: ثم قال: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس))" وهم من آل محمد، هم من الآل، الصدقة سواء كانت الزكاة التي تؤدى باسم الفقر، وكذلك الزكاة التي تؤدى باسم العمالة؛ لأن العمل والكسب متفاوت تفاوت كبير جداً، وإن كان في مقابل عمل، ومقابل كد، ومقابل عرق وجهد، فتتفاوت من أطيب المكاسب الذي هو كسب النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)) والزراعة التي يقول جمع من أهل العلم أنها أفضل المكاسب، والصناعة التي هي كسب داود -عليه السلام-، إلى أن تنتهي إلى الحجامة، وهي في المقابل عمل، لكنه كسب دنيء رديء، ليس بمحرم، لكنه دنيء، كسب الحجام خبيث، يعني رديء وليس بحرام؛ لأنه لو كان حراماً ما أعطى النبي -عليه الصلاة والسلام- الحجام ديناراً، لكنه رديء {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ} يعني الرديء {مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] العمالة هذه بالنسبة لسائر الناس في مقابل عمل وأجرة عمل لا إشكال فيها، لكن بالنسبة لآل محمد لا تحل لهم.
((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، ادعوا لي محمية)) وكان على الخمس" وكان مسئول على الخمس "((أدعوا لي محمية)) وكان على الخمس، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، قال: فجاءاه، فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك، للفضل بن عباس، فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث أنكح هذا الغلام ابنتك –لي-" يعني لعبد المطلب بن ربيعة "فأنكحني، وقال لمحمية: ((أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا))" يعني من سهم ذوي القربى، هذا ما فيه منة لأحد، وليس من أوساخ الناس، وإنما هو شيء فرضه الله -جل وعلا- للآل، لذوي القربى، والسبب في منعهم من الزكاة أنها أوساخ الناس، وهم من المنزلة العليا من الشرف والمكانة بسبب قربهم من النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يليق بهم أن يأكلوا من أوساخ الناس، ولذا لما حرموا من الزكاة فرض لهم من الخمس، هذا الطرد، حرموا من الزكاة ففرض لهم من الخمس، العكس صحيح وإلا ليس بصحيح؟ إذا حرموا من الخمس، أو ما كان هناك خمس يعطون من الزكاة وإلا ما يعطون؟ نعم؟ يعني هل المسألة تصح طرداً وعكساً أو طرداً دون عكس؟ ما في خمس، ما في جهاد ما في خمس، من أين يأكل آل البيت؟ يعطون من الزكاة ولو كانت من أوساخ الناس أو ما يعطون؟ نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
المسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: إنهم إنما حرموا من الزكاة لما لهم من الخمس، وما دام حرموا من الخمس يعطون من الزكاة، ومنهم من يقول: الوصف ثابت ((إنما هي أوساخ الناس)) لا يزيل هذا الوسخ وجود خمس أو عدم وجوده، وعلى كل حال يفرض لهم من بيت المال ما يكفيهم بلا منة لأحد، وهم أولى من يكرم، وأولى من يعطى، وهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا بد من إكرامهم، وحقهم على الأمة عظيم بسبب قربهم من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبوصيته بهم.
الطرد والعكس مثلما يقال في قول ابن عمر: لو كنت مسبحاً لأتممت، يعني لو كنت متنفلاً في السفر لأتممت الصلاة، صليت صلاة تامة، ما دام خفف من الصلاة الفريضة فلماذا أتكلف السبحة النافلة، والمسافر يكتب له ما كان يعمله مقيماً؟ بعضهم يعكس يقول: إذا أتم يسبح، يعني صلى خلف مقيم، كما يصلي المسافرون هنا في البيت الشريف، صلى أربع يتنفل، الوصف المؤثر هل هو الإتمام أو السفر؟ نعم السفر، السفر انقطع وإلا ما انقطع؟ موجود السفر، فإذا صح طرد قد لا يصح عكس، وهذا نظير مسألتنا؛ لأنه يوجد من يقول: الذي يتم يتنفل؛ لأن مفهوم قوله: لو كنت مسبحاً لأتممت، أنه إذا أتم عليه أن يسبح، نقول: لا، الوصف الذي من أجله ترك التنفل في السفر عدا الوتر وركعتي الفجر التي كان يداوم عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- سفراً وحضراً هو الوصف المؤثر هو السفر وجوداً وعدماً.
"قال الزهري: لم يسمه لي" لم يسم الصداق لي، لماذا؟ لأنه لا يترتب عليه فائدة، ما يترتب عليه حكم، إنما الحكم المستنبط من هذا الحديث أن الصدقة لا تحل لآل محمد، وقد يقول قائل: هو ما أخذه صدقه أخذه أجرة، نقول: حتى الأجرة المأخوذة من الصدقة هي أوساخ الناس، هذا إذا كانت الأجرة مأخوذة من الصدقة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [(60) سورة التوبة] لكن إذا كانت الأجرة من بيت المال؟ هذا موظف براتب، اذهب فأتِ لنا بزكاة آل فلان وزكاة آل فلان ويسجل له أسماء، ويستحصل هذه الزكوات، نقول: أوساخ الناس؟ هو أجير، هو موظف، فالعمالة الممنوعة إذا كانت تؤخذ من الصدقة نفسها.
"وفي طريق آخر: فألقى علي رداءه ثم اضطجع عليه" اضطجع عليه، علي ينتظر النتيجة، هو حذرهم ونهاهم فما امتثلوا، جلس ينتظر النتيجة "ثم اضطجع عليه، وقال: أنا أبو حسن القرم" صاحب الرأي والمعرفة والخبرة، يقول مثل هذا في مثل هذا الموطن الذي لم يقبل فيه كلامه، وقد يحتاج الإنسان التصريح ببعض الأمور التي لا ينبغي التصريح بها في بعض المواطن التي يهضم فيها، ابن عمر قيل له: إنه عيي، يعني لا يستطيع أن يتكلم، قال: كيف يكون عيياً من في جوفه كتاب الله؟! الإنسان إذا هضم ولم يستشعر مع ذلك الترفع والعظمة على الغير لا مانع أن يصرح ببعض الشيء الذي يرد إليه شيئاً من اعتباره، فقوله: "أنا أبو حسن القرم" لما سمع الجواب عرف أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يوليهم مثل هذا، كلامه صواب، لا تكلمونه في العمالة، كلموه في الصداق، اسألوه أن يعطيكم ما يعينكم على الصداق، لا من الصدقة، ولا من العمالة عليها.
"والله لا أريم مكاني" يعني أنا أتوقع، توقع علي -رضي الله عنه- أن يكون جواب النبي -عليه الصلاة والسلام- كما قال "والله لا أريم" يعني لا أبرح ولا أعدو "مكاني" هذا "حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به" يعني حتى يرجعا بما بعثتموهما به "إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
وقال في الحديث: "ثم قال: ((إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد))" وهذا تقدم "رواه مسلم".
"وعن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا" هذا عطف على الضمير المتصل وقد وجد الفاصل وجوباً "مشيت أنا وعثمان" وهذا الذي سألنا عنه قبل في ضمير النصب، وأنه لا مانع من العطف عليه بغير فاصل، أما ضمير الرفع المتصل لا بد من الفاصل "مشيت أنا وعثمان" وإن على...
طالب:.......
أيوه بدون.
طالب:.......
إيه لكن قد يرد، بيجيك في النظم الحين.
وإن على ضمير رفع متصل |
| عطفت فافصل بالضمير المنفصل |
كما هنا.
................................... |
| ......... فافصل بالضمير المنفصل |
أي فاصل.
.....................وبلا فصل يرد |
| في النظم فاشياً وضعفه اعتقد |
هذا في النظم خاصة، وأما في النصوص النثرية لا بد أن يوجد، وحذفه من تصرف الرواة.
"مشيت أنا وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن منك بمنزلة واحدة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما بنو المطلب وبنو هاشم، شيء واحد))" جبير بن مطعم بن نوفل بن عبد مناف، عثمان بن عفان بن عبد شمس بن عبد مناف، المطلب بن عبد مناف، هاشم نعم؟ ابن عبد مناف، كلهم يجتمعون في جد واحد، كلهم بمنزلة واحدة، يجتمعون في جد واحد، أربعة أبوهم واحد، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعطي من خمس خيبر بطنين ويحرم اثنين، وهم بمنزلة واحدة، لماذا؟ يعني استغرب جبير بن مطعم وعثمان بن عفان أن يعطى بنو المطلب وبنو هاشم، ويحرم بنو نوفل وبنو عبد شمس، وهم كلهم إخوة.
أجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد)) يعني لم يختلفوا ولم يفترقوا في جاهلية ولا في إسلام، ولما حصر بنو هاشم في الشعب انضم إليهم بنو المطلب بخلاف بني نوفل وبني عبد شمس، هؤلاء لم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام، فيكون حكمهم واحد، وإن كان الجد واحد، والغنم مع الغرم، والخراج بالضمان، هؤلاء أعطوا من الخمس، لكن يحرمون من الصدقة، وهذا وجه الشاهد من الإتيان بهذا الحديث في هذا الباب، يعطون من الخمس، لكن يحرمون من الصدقة، يحرم بنو نوفل وبنو عبد شمس من الصدقة؟ لا؛ لأنهم لا يعطون من الخمس، فالحكم يختلف، فمن يأخذ من الخمس يحرم من الصدقة، والذي يحرم من الصدقة لا يحرم من الخمس.
"رواه البخاري".
وعن رافع بن خديج....
فدل على أن الآل الذين تحرم عليهم الصدقة هم بنو المطلب وبنو هاشم.
"وعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا سفيان بن حرب" والد معاوية من مسلمة الفتح، ومن الملأ، ومن أعيان القوم ووجهائهم "وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، كل إنسان منهم مائة من الإبل" يعني شيء كثير جداً، يعني فوق الحاجة، إنما هو باسم الفقر؟ لا، باسم المسكنة؟ لا، باسم العمالة؟ لا، إنما هو بالتأليف {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [(60) سورة التوبة] والتأليف مصرف من مصارف الزكاة، فيؤلف المسلم الذي في ديانته رقة، ويخشى عليه أن يرتد، يؤلف الكافر الذي يرجى إسلامه، فيعطى فيكون من المؤلفة قلوبهم، ويؤلف الكافر الذي يخشى شره، فيعطى دفعاً لشره، ويدخل الجميع في سهم المؤلفة قلوبهم.
أعطى كل واحد منهم مائة من الإبل "وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك" نقصه، ما هان الأمر على عباس بن مرداس، وهو شاعر، وله ديوان مطبوع، معروف "فقال عباس بن مرداس" شعراً:
أتجعل نهبي ونهب العبيد |
| بين عيينة والأقرع؟ |
يعني ما كان آباؤهم وأجدادهم خير من آبائي وأجدادي.
وما كنت دون امرئ منهما |
| ................................... |
حتى ولا أنا بأقل شأناً من واحد منهما.
وما كنت دون امرئ منهما |
| ومن تخفض اليوم لا يرفع |
يعني أنت الرسول -عليه الصلاة والسلام-، المقدم في الأمة، يعني إذا خفضت أحد في مثل هذا اليوم فإنه لن تقوم له قائمة، لن يرتفع أبداً، يُعرف قدره ومنزلته من خلال إعطائك له، لكن هل الذي يتم به تقدير الأشخاص والتفاضل بين الناس هو بالعطاء؟ بعطاء الأموال أو بالتقوى؟ بالتقوى، ولذا لما قسم النبي -عليه الصلاة والسلام- الغنائم وأعطى المهاجرين وأعطى الأعراب وأعطى وأعطى، ثم ترك الأنصار، الأنصار وجدوا في أنفسهم شيء، هل لأنهم أقل شأناً عند النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا؛ لأنهم أرفع شأناً عنده -عليه الصلاة والسلام-، لكن كل ينظر إلى الأمور وتقديرها بحسب ما ألف وجبل عليه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذه الأمور لا تعني شيئاً ألبتة عنده، أعطى غنماً بين جبلين، لا تهمه هذه الأمور، ثم لما رأى ما في وجوه الأنصار من تغير، قال: ((أما ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير، وترجعون برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟)) ((الأنصار شعار، والناس دثار)) يعني الأنصار أقرب الناس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الشعار هو اللباس الذي يلي البدن مباشرة، والدثار الذي يلبس فوقه.
قال: "فأتم له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائة" ما دام هذا اهتمامه كملوا له المائة، ويش المانع؟ "وفي رواية: وأعطى علقمة بن علاثة مائة، رواه مسلم".
"وعن أبي رافع -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني" أبو رافع مولى للنبي -عليه الصلاة والسلام-، مولى للنبي -عليه الصلاة والسلام- أعطاه إياه العباس، فلما أخبره بإسلام العباس أعتقه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني فإنك تصيب منها" تصيب من هذه الصدقة، أو من العمالة على الصدقة، أقسم لك مما يضرب لي بسبب العمالة، "قال: حتى آتي النبي فأسأله" هكذا ينبغي أن يكون وضع المسلم، لا يتصرف إلا بسؤال أهل العلم، قال: لا، "حتى آتي النبي -عليه الصلاة والسلام- فأسأله" والناس اليوم بسبب رقة الديانة عند كثير منهم تجده يزاول المحرم المجمع على تحريمه، وهو جاهل، وأهل العلم بين ظهرانيه.
شخص يطلق امرأته قبل الدخول، ثم يراجعها بلا عقد، ويعاشرها مدة طويلة، في بلد مُلئ بأهل العلم، يظن أن له الرجعة، وهو طلق قبل الدخول بانت منه، وليس عليها عدة، لا بد من..، إذا أراد الرجعة أن يكون بعقد جديد، يعاشرها حرام، في بلد يزخر بالعلماء، وهذا مولى ويقول: اصحبني وأعطيك مما أصيب منها، والله المستعان.
قال: "لا، حتى آتي النبي -عليه الصلاة والسلام-" وهذا الباب أسهل بكثير من باب النكاح وباب الفروج والاحتياط لها "حتى آتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسأله، فأتاه فسأله، فقال: ((مولى القوم من أنفسهم، وإنها لا تحل لنا الصدقة))" خلاص ما دام منهم معناها أنها لا تحل لهم، فلا تحل لبني هاشم ولا لبني المطلب ولا لمواليهم لهذا الحديث ((مولى القوم من أنفسهم)) وجاء في حديث صحيح: ((ابن أخت القوم منهم)) افترض أن واحد من آل البيت لا تحل له الصدقة، لكن عنده بنت تزوجت رجلاً بعيداً كل البعد عن آل البيت، فولدت ولداً هذا الولد تحل له الزكاة وإلا ما تحل؟ هاه؟ يعني تزوجت، من آل البيت تزوجت رجل من هذيل مثلاً، أو من تميم، فجاءت بولد هي لا تحل لها الصدقة؛ لأنها من آل البيت، ولدها؟ من تميم أو من هذيل، أو من أي قبيلة؟
طالب:.......
ما هو بها الحديث اللي معنا، لا.
طالب:.......
نعم ((ابن أخت القوم منهم)) هل نقول: إن هذا الولد التميمي أو الهذلي من آل البيت؟ لا، قد يطلق الحكم لأدنى مناسبة، وقد يكون وجه الشبه من وجه دون وجه، ما يلزم أن يكون من جميع الوجوه، فهذا ليس من آل البيت، حكمه حكم أبيه، لكن جئنا به لمناسبة ((مولى القوم من أنفسهم)).
"رواه الإمام أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح".
ثم قال -رحمه الله-: "وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعطي عمر العطاء" من غير مسألة ولا استشراف "فيقول له عمر -رضي الله عنه-: أعطه يا رسول الله أفقر مني إليه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذه فتموله، أو تصدق به))" تصرف به "((خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل))" ما تعرضت، ولا استشرفت أنه يأتيك شيء من هذا المال، ولو في قرارة نفسك، لا تصريح، ولا تلميح، إذا جاءك بغير هذا كله ((فخذه، وما لا...)) يحصل لك بهذه الطريقة من غير سؤال ولا استشراف ((فلا تتبعه نفسك)).
فما جاءك من بيت المال، أو من السلطان بهذا القيد، ما سألت ولا استشرفت خذه، وجاء في الصحيح -في صحيح مسلم-: ((ما لم يكن ثمناً لدينك، أما إذا كان ثمناً لدينك فلا)) لأن بعض الناس يبادر بالعطاء، لكن له مقاصد وله مآرب من هذا العطاء، فمثل هذا إذا أدركته، أو أحسست به، أو شممت أدنى رائحة أنه معاوضة فلا تقبل، فلا تتبعه نفسك.
"قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر" لما قيل لأبيه ما قيل "كان ابن عمر" وهو الصحابي المؤتسي الحريص المتحري المبادر بالامتثال "كان ابن مر لا يسأل أحداً شيئاً" ألبتة "ولا يرد شيئاً أعطيه" من غير مسألة ولا استشراف "رواه مسلم".
اقرأ الباب الذي يليه.
قال -رحمه الله-:
باب: في المسألة
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم)) متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر)) رواه مسلم.
وعن الزبير بن العوام عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ((لأن يأخذ أحدكم حبلة فيأتي بحزمة))...
إيش؟
((لأن يأخذ أحدكم حبلة فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)) رواه البخاري.
وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطاناً، أو في أمر لا بد منه)) رواه الترمذي وصححه.
وعن ابن الفراسي أن الفراسي قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أسألُ؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا، وإن كنت سائلاً لا بد فاسأل الصالحين)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: في المسألة
يعني سؤال الناس شيئاً من حطام الدنيا "نهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال" وجاء النهي عن المسألة، إكثار المسائل حتى فيما يظن أنه من العلم، مع أنه جاء الأمر بالسؤال {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] لكن جاء النهي عن أسئلة لا حاجة إليها، ولا داعي لها، ونهى عن الأغلوطات، فالأسئلة التي تكون عن افتراضيات بعيدة لم تقع ويندر وقوعها أيضاً هذا جاء المنع منه.
أهل العلم يفصلون المسائل، ويشققون المسائل، ويفترضون المسائل كل هذا بعد أن استقر التشريع؛ لأنه قد يسأل في وقت التشريع عن حكم مسألة ثم يحرم ما كان حلالاً بسبب سؤاله، وأشد الناس جرماً من سأل عن شيء فحرم بسببه، هذه المسألة فيما يتعلق بالعلم، والذي معنا فيما يتعلق بأمور الدنيا.
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-ما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم)) متفق عليه".
مع كل مسألة يسقط شيء من اللحم الذي في وجهه، حتى يأتي يوم القيامة يوافي وجهه كله عظام فقط ليس فيه لحم، هذا لا شك أنه مثال بشع منفر محسوس، تصور الإنسان بدون لحم، عظام فقط، تشوف الجمجمة كيف تكون إذا كانت من عظام فقط، يعني مقززة منفرة، فهذا المثال يدل على تحريم السؤال، لا سيما إذا كان لغير الحاجة، أما إذا كانت هناك حاجة تدعو إلى السؤال، وهو من أهل الحاجة الذين لا يستطيعون التكسب فمثل هذا يسأل بقدر حاجته.
"متفق عليه".
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سأل الناس أموالهم تكثراً))" البخاري قيد المنع في ترجمته على الحديث الأول في الصحيح بالتكثر، يريد أن يتزيد، لا يريد ما يقوم به قوامه، ويسد به حاجته، إنما يريد أكثر من ذلك، بدليل ((من سأل الناس أموالهم تكثراً)) فهذا قيد يقيد به الحديث السابق، الحديث السابق مطلق، لكن هذا الحديث اشتمل على هذا القيد، والمطلق محمول على المقيد.
((من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر)) يتصور نفسه يأكل الجمر {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [(10) سورة النساء] ((الذي يشرب في آنية الذهب والفضة كأنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) وهنا: ((يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر)) رواه مسلم.
وعن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لأن يأخذ أحدكم حبلة)) أو حبله ((فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعه)) هذا عمل شاق، يعني مزاولة الاحتطاب عمل شاق؛ لأنه يلزم عليه الخروج عن البلد، وقد لا يكون عنده دابة، الأمر الثاني: أن معاناة الحطب، والحطب شيء خشن مؤذي مع الفأس والمساحي وما أشبه ذلك، وقد يتعرض لما يؤذيه من دواب وهوام، يتجشم كل هذه الأمور فيأتي بحزمة الحطب على ظهره لا على دابة ((فيكف الله تعالى بها وجهه)) يغنيه الله -جل وعلا- بهذه الحزمة ((خير له من أن يسأل الناس)) يعني يتجشم هذه المصاعب خير له من أن يسأل الناس، وبعض الناس تقول له: يمكن أن تشتغل فراش مسجد في أطهر البقاع في مكان مكيف وبارد، يقول: المهنة هذه..، هذه مهنة ذي؟ أنا اشتغل فراش؟! ويسأل الناس أسهل من أن يشتغل فراش مسجد، ما هو بفراش بيت وإلا فراش مدرسة وإلا فراش مكان آخر، لا، لا، أنا ما أشتغل فراش، ومع ذلك يتعرض لسؤال الناس، وقس على هذا، كثير من الناس يأنف من بعض الأعمال، يا أخي ما المانع أن يشتغل الشاب يمسح سيارات، ولا يسأل الناس، أيهما أسهل تمسيح سيارة وإلا يذهب بالفأس إلى البراري بدون سيارة، وبدون دابة فيحتطب؟ بعض الناس يأنف من هذه الأعمال، مع أنه قد يجد أفضل منها، ويأنف منها، وبعض الناس يخلد إلى الراحة، ويقال له: هنا وظيفة أنت شاب بدل ما تكون عاطل، وما قبلتك الجامعات، ومعك الثانوية نعطيك ثلاثة آلاف، تعال عندنا في هذا المكتب المكيف، ثلاثة آلاف ويش تسوي ثلاثة آلاف؟ ومع ذلك يسأل الناس، يتكفف الناس، ويتعرض لهم.
المشكلة الإخلاد إلى الراحة والدعة والترف، يعني الترف يصيب الفقراء كما يصيب الأغنياء، وكل بحسبه، نسمع من أولاد الفقراء أمثال هذا الكلام، والترفع عن بعض الأعمال، ومع ذلك لا يأنف أن يسأل الناس، يعني الموازين مختلة، شخص معروف، قال له والده: ألا ترغب أن تشتغل في المكان الفلاني بين صلاتي المغرب والعشاء بألفي ريال؟ قال: يا ليت، المغرب والعشاء قصير وأستعين بها، قال: اجلس بالمسجد واحفظ القرآن أنا أعطيك ألفين شهرياً، قال: والله ما أستطيع، عنده استعداد يشتغل في محل، لكن الإعانة من الله -جل وعلا-، الإنسان لا يأخذ الأمور بيده، وبهمته وبعزيمته، قال: أنا أعطيك ألفين بدل ما تشتغل في المحل اجلس في المسجد احفظ قرآن، كل يوم احفظ ورقة، وأعطيك ألفين، وهو يستطيع أن يحفظ ورقتين أو أكثر ((حفت الجنة بالمكاره)) يمكن المكان اللي يروح له إما معرض سيارات وإلا غيره، والقصة قيل له: معرض سيارات، يروح معرض سيارات يشوف الداخل والطالع ويسمع السواليف، والله المستعان، وقد لا يسمع كلمة ذكر، بدلاً من أن يجلس في المسجد ساعة فقط، ويحفظ ورقة من القرآن، ويأخذ على ذلك ألفين شهرياً.
أقول: الترف، يعني جاء على صور كثيرة، والفرص موجودة، لكن من يستغل هذه الفرص، والله المستعان، وهذا يأخذ الحبل، ويأخذ الفأس، ويحتطب على ظهره، ويبيع هذه الحزمة بكم؟ كم تسوى الحزمة؟ يمكن في وقتهم ما تباع ولا بدرهم، الناس يعملون، ويتجشمون الأعمال، لكن لما فتحت الدنيا ورأوا أن بعضهم تأتيه الأموال من غير تعب، قال البقية: لماذا نتعب؟ تتعب حتى تحصل ما تكف به وجهك.
شخص يعمل في تحميل حمل الأمتعة من طلوع الشمس إلى غروبها، ثم يأتيه بعض الناس، بعض الناس كريم يعطيه أجرة طيبة، وبعض الناس بخيل، حتى ذكر في كتب الأدب أن من هذا النوع من يحمل المتاع جاءه شخص فقال: احمل متاعي إلى بيتي، فقال: بكم؟ قال: بدانق، قال الحمال: بدانق، قال صاحب المتاع: الدانق كثير، في أقل من الدانق؟ سدس الدرهم ما فيه، قال: طيب هات، هات حمل، قال: نشتري بالدانق فستق ونأكله أنا وإياك، يعني يتنازلون في حفظ ماء الوجه إلى هذا الحد، ونحن نأنف ونستنكف أن نعمل بأجور مجزية، يعني البيوت مملوءة من العطلة، وهم شباب في العشرينات، في الثلاثينات، كلهم ينتظرون وظائف، والله هذه وظيفة كليفة، هذه وظيفة متعبة هذه..، ما هو بصحيح، ثم بعد ذلك إذا أراد أن يتزوج يطرق أبواب الناس، واكتبوا لفلان، وأعطوا فلان، ما هو بصحيح، هذا ما هو بحل، وما جاء في هذا الباب يعني أمور خطيرة ((يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم))
"وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه))" يلوث بها وجهه، فيذهب بذلك نوره ورونقه وماؤه وحياؤه ((يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل)) هذا استثناء ((إلا أن يسأل سلطاناً، أو في أمر لا بد منه)) الإنسان الذي يسأل في أمر لا بد له منه، ولا يجد حل مطلقاً إلا السؤال فالزكوات والصدقات ما شرعت إلا لمثل هذا، وكذلك السلطان حينما يسأل السلطان لا شك أن هذا يعني خلاف الأولى، إن أعطاك السلطان من غير مسألة ولا استشراف فخذه، وهو من أفضل المكاسب، لكن إن احتاجت المسألة إلى سؤال فالأمر أسهل؛ لأنه لا منة له في ذلك، فإنه إنما يعطي من بيت المال.
"رواه الترمذي وصححه".
"وعن ابن الفراسي أن الفراسي قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أسأل؟" يعني أتعرض لسؤال الناس؟ "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا))" أولاً: الحديث ضعيف، ابن الفراسي هذا مجهول، لا يدرى منه، وكذلك الراوي عنه مسلم بن مخشي، فالحديث ضعيف على كل حال، وكونه لا يسأل، أو يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- أسأل؟ فيقول له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا)) يشهد له ما تقدم، لكن قوله: ((وإن كنت سائلاً لا بد فاسأل الصالحين)) هذه الجملة لا تثبت لأنها جاءت بهذا الخبر الضعيف، وإن كان معناها له وجه صحيح؛ لأنك إذا سألت الصالحين وأعطوك أحببتهم وملت إليهم، فالنفوس مجبولة على حب من يحسن إليها، كما أنها مجبولة على بغض من يسيء إليها، فكونك تحب الصالحين لأنهم أحسنوا إليك، مع حبك إياهم لصلاحهم هذا مطلوب.
قال: "رواه أحمد وأبو داود" والحديث ضعيف وكذلك "النسائي" والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"