تعليق على تفسير سورة البقرة (54)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-: قوله تعالى: {وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:153]، يخبر تعالى عن تفرده بالإلهية، وأنه لا شريك له، ولا عديل له، بل هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا إله إلا هو، وأنه الرحمن الرحيم. وقد تقدم تفسير هذين الاسمين في أول الفاتحة. وفي الحديث عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد بن السكن، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:153]، و{الم* اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1-2]»، ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية، بتفرده بخلق السماوات والأرض وما فيهما، وما بين ذلك مما ذرأ وبرأ من المخلوقات الدالة على وحدانيته ، فقال:.."
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
توحيد الألوهية والإلهية، جاء التأكيد عليه في مواضع كثيرة من كتاب الله، وسُنة نبيه –عليه الصلاة والسلام-، إضافة إلى توحيد الربوبية، توحيد الأسماء والصفات، وما يتعلق بالله –جلَّ وعلا-.
التوحيد الذي حصلت فيه، أو حصل فيه الخلاف بين الأنبياء وأمَمهم، هو توحيد الألوهية، هو الذي حصل فيه الجدال والنِّزاع والنِّزال، أما إقرارهم بالربوبية فهو محفوظ ومعروف ومنصوص عليه في كتاب الله –جلَّ وعلا-، لكن هذا لم يدخلهم في الإسلام، والآيات في هذا كثيرةٌ جدًّا.
وأما ما ذكره من حديث شهر بن حوشب، أنه قال: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين».
أولاً: شهر بن حوشب مضعَّف عند جمهور أهل العلم، ولذلك حديثه ضعيف، وجاءت أقوال كثيرة عن سلف الأمة وأئمتها في المراد بالاسم الأعظم، ومنهم من قال: إنه في ثلاث آياتٍ من القرآن، بآية الكرسي، {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، وفي أول سورة آل عمران، في قوله –جلَّ وعلا- {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [آل عمران:111]. فهو الحي القيوم على هذا، والأقوال في هذا كثيرة، وجاء في نصوص مرفوعة اسم الله الأعظم كذا وكذا، وكلها أو جلها صحيح وثابت، وعدم التركيز على واحد منها، وترك الأمر مفتوحًا بين هذه الأمور، ليس المراد به التعميَة على النَّاس وعدم بيان الحق لهم، لا، وإنما هو مثل ما جاء في ساعة الاستجابة يوم الجمعة، وفي ليلة القدر؛ ليتوسع الناس في طلب هذه الأمور، ويدعوا الله بأسماءٍ كثيرة، {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، لكن الحديث الذي بين أيدينا فيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف، لكن المحشي قال: حسن، رواه الإمام أحمد في مسنده، والدارمي وأبو داود وهذا لفظه، والترمذي، وقال: حسن، ورواه ابن ماجه، لا يحتمل التحسين وفيه شهر بن حوشب. لا يحتمل التَّحسين، ومعروف كلام أهل العلم فيه، وقالوا: إنه سرقَ خريطةً فيها متاع، ومعلوم أن السَّرقة تقدح في العدالة، هذا إن صحّ، هذا الكلام، ولذا يقول القائل:
لقد باع شهر دينه بخريطة |
|
فمن يأمن القراء بعدك يا شهر |
وهذه جادَّةٌ متبعة، وطريقة موروثة في إلصاقِ التهمة بالمتدينين إذا وُجدت في واحد منهم، وُجد خطأ من داعٍ فالدعاة كلهم، وجد في حلقة أو في شخص ينتمي إلى حلقة من حلقات التحفيظ يخطب بهم على المنابر أنهم كلهم كذا، وهذه طريقة المخالفين، بل طريقة المنافقين، وهذا يقول: فمن يأمن القرَّاء، كل القرَّاء، فمن يأمن القرَّاء بعدك يا شهر؟ فما نستغرب أنه يوجد مثل هذه الأساليب، وهي موجودة في السابق، هذه الطريقة مألوفة عند المنافقين، والمخالفين الذين يقتنصون مثل هذه الأخطاء، ويُلبِسونها أهل التَّديُّن، ومع ذلك الله حافظٌ دينَه، الله حافظٌ دينه.
الدين محفوظ، ولله الحمد، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، ويبقى مثل هذا الكلام زَبَد، يطير في الهواء لا قيمة له، ولذا ما حَكمَ أهل الحديث، وأهل الجَرحِ والتَّعديل على أحدٍ من القرَّاء؛ لأنه قارئ مثل شهر بن حوشب، لا، بقي القدح في هذا الشخص، ولم يتعده إلى غيره، والله المستعان.
طالب:...............
أين؟
الواحد الأحد الفرد الصمد. إنه خبر ما هو باسم من باب الإخبار، من باب الإخبار، وبابه أوسع من التسمية، لذلك ما يقال: عبد الفرد. لا.
"ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية بتفرده بخلق السماوات والأرض وما فيهما، وما بين ذلك مما ذرأ وبرأ من المخلوقات الدالة على وحدانيته، فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة:164]، يقول تعالى : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} تلك في لطافتها وارتفاعها واتساعها وكواكبها السيارة والثوابت ودوران فلكها، وهذه الأرض في كثافتها وانخفاضها وجبالها وبحارها وقفارها ووهادها وعمرانها وما فيها من المنافع، { وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} هذا يجيء ثم يذهب ويخلفه الآخر ويعقبه، لا يتأخر عنه لحظة، كما قال تعالى: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40]".
{وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ}
ولهذا أيهما الأول؟
طالب:.......
ماذا؟
طالب:........
{وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} إذا قلنا: الليل، فالليل سابقٌ ومتقدِّمٌ على النهار.
طالب:.....
{فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل وَجَعَلْنَا آيَة النَّهَار مُبْصِرَة} [الإسراء:12].
طالب:........
الأصل..
طالب:.........
{فَمَحَوْنَا آيَة اللَّيْل وَجَعَلْنَا آيَة النَّهَار مُبْصِرَة} ماذا يُفهم من هذا؟
طالب:..........
يعني: هل الأصل الظلام أو النور؟
طالب: الظلام.
طالب:........
ماذا؟
طالب:.........
أي الآيات؟
طالب:.............
الأصل أن كله، الليل والنهار كله نور، ثم محيت آية الليل فصار ظلامًا، هذا الذي يُفهم.
هنا: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَار} يعني: ويصحّ أن نقول: ولا النهار سابق الليل، كل في فلكه يدور، وليس فيه دلالة على تقدم هذا على هذا، ولا ذا على ذاك.
طالب:.......
نعم.
طالب:.........
يكفر.
طالب:......
يكفر.
طالب:...........
هو كافر، ماذا نفعل؟ ما بعد الكفر ذنب.
طالب:..........
ما يستطيعون أن يصلوا، هذا من عظم الخالق وعظم هذه المخلوقات، ما يستطيعون أن يصلوا إليه، أشياء في الأرض إلى الآن ما اكتُشفت، ما اكتُشفت إلى الآن أشياء كثيرة جدًّا لا تخطر على بال، ما اكتُشفت إلى الآن، فكيف يصلون إلى السَّماء؟
"وتارة يطول هذا ويقصر هذا، وتارة يأخذ هذا من هذا ثم يتقارضان، كما قال تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج: 61] أي: يزيد من هذا في هذا، ومن هذا في هذا {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ}".
أما بالنسبة إلى إيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار في الليل، فالآن الوقت الذي نعيشه مقارنة بما مضى من شهرين أو ثلاثة، النهار أخذ قريبًا من ساعة ونصفًا من الليل، قريبًا من ساعة ونصفًا أخذ من الليل، كان الليل في غاية الطول، ثم أخذ في النقصان إلى يومنا الذي وصل فيه النقص إلى قريب من الساعة والنصف، ثم بعد ذلك يأخذ مثلها فيما بعد من الأشهر، وعلى كل حال: هذه من الآيات العظيمة الدالة على قدرة الخالق، والنظر فيها والتأمل فيها مما يزيد في الإيمان، ومما يصلح القلب، النظر في آيات الله سواء كانت الكونيَّة، أو الآيات المتلوَّة التي هي من كتاب الله –جلَّ وعلا-، هي السبيل الأوحد لإصلاح القلب، ولذلك الله –جلَّ وعلا- يركز في آياتٍ كثيرة على التفكر في آيات الله، والأعرَاب، وليس بينهم وبين هذه الآيات حجاب إذا استلقى أحدهم في فراشه، وجعل ينظر ويتأمل ويتفكر، تجد منهم –وهو لم يقرأ ولم يكتب- في قلبه من الإيمان ما يعدل كثيرًا من العلماء الذين غفلوا عن التفكر –طلاب العلم- هذا مع الأسف؛ لأننا نعيش تحت هذه الأسقف، ولا نرى شيئًا، فحجبت عنا هذه الآيات، ولو تفكرنا فيها ونظرنا وتأملنا ما صار الوضع ووزن الإيمان في قلوبنا إلى هذا الحد الذي نعيشه، والله المستعان.
طالب:............
ماذا؟
طالب:..........
لا، الآيات ما تقدر تقول إن الأصل ليل، ولا الأصل نهار، وأيضًا: النهار يسلخ من الليل، والليل يسلخ من النهار، من الغد.
طالب:........
{اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور:35]، هو الأصل، وأيضًا في مخلوقاته من نور يستفاد منه كالشمس والقمر وغيرها من الآيات التي فيها نوع نور.
طالب:.........
نعم.
طالب:.........
نعم..
طالب:.........
الشمس تجري.
طالب:.........
في قوله –جلَّ وعلا-: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40]، قال ابن عباس: يدورون. يدورون، وأخذ منه من أخذ أن "كل" التنوين تنوين عوض، وفيه مضاف محذوف، كل شيءٍ في فلكٍ يسبحون، كل الأشياء في فلك يسبحون. أخذوا منها دوران الأرض.
وعلى كل حال: المسألة يعني ليست ذات أهميَّة ولا ذات بال، لا تهم طالب العلم ولا يسأل عنها، فالأهم في ذلك كله رد من يقول إن الشمس ثابتة، رد قول من يقول: إن الشمس ثابتة، والله -جلَّ وعلا- يقول: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي} [يس:38]، وفي آخر الليل تسجد تحت العرش وتستأذن في الطلوع من المغرب فتُرَد.
المقصود: أن هذه الأمور أمور كبيرة ومهولة وقد يقصر العقل، بل يقصر العقل عن إدراك كثير من كنهها.
العلماء والواقع يشهد بأن الشمس تجري في فلكها، وعلى كلامهم أنها لا تغرب، ما تغرب. فما معنى سجودها تحت العرش؟
يعني: هذا من الأمور الذي يقصر العقل عن دركها، يقصر العقل عن دركها، يعني: مقتضى سجودها تحت العرش أنها تغرب، ولكن هذه أمور نؤمن بها ونسلم بها، والحديث في الصحيح، {وَالشَّمْسُ تَجْرِي} [يس:38] وتسجد تحت العرش على كيفية الله يعلم بها، ولا ندخل في أمور لا تدركها عقولنا.
مثل ما قرر شيخ الإسلام –رحمه الله- أن الله ينزل آخر كل ليلة، كما جاء في الحديث المتواتر، أنه ينزل في آخر كل ليلة، قال: ولا يخلو منه العرش. كيف ينزل ولا يخلو منه العرش؟ يقول: هذا أمور لا ندركها، وعقولنا لا تصل إليها، فلا نتدخل في شيء لا نعرفه. مع أن من أهل العلم من نازع شيخ الإسلام في كونه لا يخلو منه العرش.
على كل حال: علينا الرضا والتسليم والاستسلام لما جاء عن الله وعن رسوله –عليه الصلاة والسلام- ولا نسترسل مع العقل، وما يستدرج بهِ، لأن بعض الناس يُستدَج في عقله حتى يصل إلى حد الوهم، والحيرة،..، قد أحسن من انتهى إلى ما سمع. قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، أنت آمنت بهذا الدين، واستسلمت لله رب العالمين، وجاءك عن الله وعن رسوله ما لا شك فيه ولا ارتياب، سمعنا وأطعنا، ورضينا وسلَّمنا.
وشخص يحدِّث عوام في مسجد، ويحدثهم في أمور، وكان منها أن خبر الدجَّال ينتشر في ساعة، ينتشر في ساعة، يعني: قبل وجود هذه الآلات، إذا عُرِض على العقل كان فيه نوع استحالة، وقبل وجود الآلات ناس جالسون يقرأون القرآن، عصر يوم العيد، ما بلغهم الخبر، والبلد التي بجوارهم مفطرون ومعيِّدون، فكيف يصل خبر الدجَّال في ساعة! وهم جيرانهم كيلوات يسيرة وما بلغهم الخبر أنه عيد! فمثل هذا يستبعد في ذلك الوقت.
فواحد من الحاضرين قال لزوجتِهِ هذا الكلام، قال: في الحديث أن خبر الدجال يبلغ في ساعة، كأن عندها نوع تردد أو اعتراض. قال: المسألة دين، وهذا عن النبي –عليه الصلاة والسلام- بسندٍ صحيح، انتبهي لا تخرجين من الدين وأنت لا تشعرين. عوام. كثير من طلاب العلم التردد عنده سهل، ومناقشة الأدلة الصحيحة بعقله الفاتر الذي ما، يمكن يخفى عليه أدنى شيء، ما يصل إلى حد هذا اليقين الذي عند العامي، وكان الناس ماشيين على مذهبٍ واحد، وطريقة واحدة، وجاء مشايخهم على وتيرةٍ واحدة، والعوام يقلدون هؤلاء العلماء، وماشية أمورهم، وصار الآن عند العامة وأنصاف المتعلمين شيء من التردد، حتى في الأحكام؛ لأنهم اطلعوا على الأقوال الأخرى، وفتحت الآفاق أمامهم.
وأنصاف متعلمين ما يدركون العوام يقولون: إن الدين تغير أو غُير؛ لأنهم سمعوا أشياء ما سمعوها من قبل فأثر ذلك في تفكير بعضهم، وهم لا يدركون أسباب الخلاف بين أهل العلم، ولا يدركون أن من أهل العلم مهما بلغ شأنه المصيب والمخطئ، وأنهم كلهم مأجورون المصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد، فما يكون هذا تردد أو اختلاف في الدين، أو تغير في الدين، أبدًا. فإذا أُطلعوا على الخلاف فلا بد أن يُطلعوا على أسباب الخلاف والاختلاف؛ لأن هذا يثبتهم.
فكانوا على شيء واحد، على طريقة واحدة ما يختلف العالم الفلاني عن الثاني شيئًا، والعامة يقلدون، سواء قلدوا هذا أو ذاك، ما فيه فرق، وعندهم نوع رسوخ ثبات، لكن لمَّا سمع الشباب يفتون بالقنوات، هذا يفتي بكذا، وهذا يفتي بكذا، وهذا يجوز هذا، وهذا يمنع هذا، العامة صار عندهم شيء، فشيوخنا الأولون ما عندهم تردد، أم كنا ضايعين، نقلد فلانًا وفلانًا ونطلع لمن عندهم سعة اطلاع وسعوا على الناس، بدل ما كنا محجورين على قول واحد، قد لا يكون من المصلحة، لكن الحق بدليله لا بد أن يُقبَل.
أما التخبط والاجتهادات الشخصية من شباب ومن بعض الناس منهوم بإثارة الخلاف، وبعضهم منهوم بشهر الأقوال المهجورة؛ ليصرف الناس إليه، والله أعلم بالنوايا، لكن هذا بالنسبة لعامّة الناس مردوده خطير، وخطرٌ على العامة أنه إذا كان هذا واقع الدِّين، وأن الكل يأتي برأي من نفسه، من تلقاء نفسه، يكون لديهم شك في دين الله، والله المستعان.
"{وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} أي: في تسخير البحر بحمل السفن من جانب إلى جانب لمعايش الناس، والانتفاع بما عند أهل ذلك الإقليم، ونقل هذا إلى هؤلاء وما عند أولئك إلى هؤلاء {وَمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}".
لا شك أن الفلك من أعظم خلق الله، والنظر فيها، والتأمل في حالها، وما تؤثر فيها الرياح يمينًا وشمالًا، ويصل الناس إلى أهدافهم، والبحر: الماء، الماء الذي في الأصل أنه لا يمنع لو وضعت فيه مسمارًا أن يحمله، لا يحمل مسمارًا، ويحمل الفلك التي تأخذ ألوفًا مؤلَّفة من الإبل أو من السيارات أو من كذا، لا شك أنها محل يعني.. اطلع الناس على النظريات وقالوا: إنه لا بد من أن الــتوازن بين الوزن والحجم لكي لا تغرق هذه المادَّة وهذه الآلة، إذا كان وزنها أكبر من حجمها لا بد أن تغرق والعكس.
فمثل هذه الأمور لا شك أنها مثار عجب، وابن جبير في رحلتِه يقول: لما أنهوا حجَّهم وذهبوا إلى سواحل الشَّام، ركبوا البحر إلى الأندلس، ركبوا البحر إلى الأندلس، وكان فيِ أمواج، فجلس ستة أشهر –البحر- يقول: يوم صرنا على مشارف الأندلس، جاءت عاصفة رجعتنا في وقت قصير جدًّا إلى الشَّام.
لا شك أن هذه أمور –يعني- من تأملها الإنسان، عرف ضعفه، وأنه لا شيء بالنسبة لقدرة الخالق –جلَّ وعلا-، والله المستعان.
"كما قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} [يس: 33-36] {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} أي: على اختلاف أشكالها وألوانها ومنافعها وصغرها وكبرها، وهو يعلم ذلك كله ويرزقه، لا يخفى عليه شيء من ذلك، كما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6]".
ذكروا أنَّ في الأرضِ على اليابس أربعمائة ألف نوع من المخلوقات، وذكروا في مقابِل ذلك أنَّ في البحار ستمائة ألف، ستمائة ألف نوع، ولو تقول لأعلم النَّاس: عدد، ما عدد لك ولا ألفًا من المجموعة، كل هذا يدلُّ على عظمةِ الخالق، وأنَّ الإنسان مهما بلغ من العِلم وسَعةِ الاطلاع، فلن يخرج عن دائرة قول الله –جلَّ وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85]، {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}، والله المستعان.
"{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} أي: فتارة تأتي بالرحمة وتارة تأتي بالعذاب، وتارة تأتي مبشرة بين يدي السحاب، وتارة تسوقه، وتارة تجمعه، وتارة تفرقه، وتارة تصرفه، ثم تارة تأتي من الجنوب وهي الشامية، وتارة تأتي من ناحية اليمن وتارة صَبا، وهي الشرقية التي تصدم وجه الكعبة، وتارة دبورًا وهي غربية تنفذ من ناحية دبر الكعبة، والرياح تسمى كلها بحسب مرورها على الكعبة. وقد صنف الناس في الرياح والمطر والأنواء كتبًا كثيرة فيما يتعلق بلغاتها وأحكامها، وبسط ذلك يطول هاهنا، والله أعلم."
الله المستعان.
"{وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} أي: سائر بين السماء والأرض، يُسَخَّر إلى ما يشاء الله من الأراضي والأماكن، كما يصرفه تعالى. {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي: في هذه الأشياء دلالات بينة على وحدانية الله تعالى، كما قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190- 191]. وقال الحافظ أبو بكر بن مَرْدُويه: أخبرنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا أبو سعيد الدَّشْتَكِيّ، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتت قريش محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا محمد إنما نريد أن تدعو ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبًا، فنشتري به الخيل والسلاح، فنؤمن بك ونقاتل معك. قال: «أوثقوا لي لئِنْ دعوتُ ربي فجعلَ لكم الصفا ذهبًا لتُؤْمنُنّ بي» فأوثقوا له، فدعا ربه، فأتاه جبريل فقال: «إن ربك قد أعطاهم الصفا ذهبًا على أنهم إن لم يؤمنوا بك عذبهم عذابًا لم يعذبه أحدًا من العالمين». قال محمد -صلى الله عليه وسلم-: «ربّ لا، بل دعني وقومي فلأدعهم يومًا بيوم». فأنزل الله هذه الآية: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} الآية، ورواه ابن أبي حاتم".
الخبر السابق فيه جعفر بن أبي المغيرة، وهو ضعيف، لكن في آيةِ المائدة التي طلبها بنو إسرائيل من عيسى –عليه السلام-، وتوعدهم إن لم يؤمنوا أن يعذبهم عذابًا إلى آخره، هل قبلوها مع هذا الشرط أو ردوها؟
طالب:................
هما قولان معروف بعضهم قال: ردوها؛ لعدم احتمال هذا الشَّرط، كما جاء في الخبر هذا، مثله.
هذه المائدة التي طلبوها، وذُكرت أوصافها وما فيها من الأطعمة، وكذا وكذا، من أهل العلم من يقول: أنهم ما قبلوها بهذا الشَّرط، وهذا قول كثير من أهلِ العلم، وإن كان الأكثر على أنها قُبلت ونزلت، ونزلت فكانوا يأكلون منها، هو مُشْبه لما جاء في هذا الخبر من تحويل الصفا إلى ذهب بالشرط المذكور.
طالب:............
ماذا؟
طالب:........
ماذا؟
طالب:.........
أين؟
طالب:.........
نعم.
طالب:.........
ما الدليل على أنهم رأوها؟
طالب:...........
طيب.
من أين جاء؟ كثير من أهل العلم قالوه، بالشرط، وتهديدهم بالعذاب الشَّديد الذي لم يُعذِّب به أحد من العالمين، أحد يقبل بهذا الشرط في مقابل أكل؟ كثير، يقولون: كثير من عقلائهم رفضوا هذا وردّوه؛ لئلا يعذبوا عذابًا لم يُعذَّب أحد من العالمين.
ترى فيه أشياء فيها شروط دقيقة، يذكر فيها خلاف لأهل العلم، من تأملها؛ كان للقول الثاني وجه.
{بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد:2]، هل فيه عمد أم ما فيخ عمد؟
طالب:..........
ما سبب الخلاف؟
طالب:............
طالب: ترونها.
ترونها، بعض العلماء يقول: ما فيه عمد أصلا بناءً على النفي الأصلي، وبعضهم يقول: فيه عمدٍ لا تُرى لوجود القيد: لا ترونها.
في قوله –جلَّ وعلا-: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل:18]، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}، هل يمكن عدُّ النِّعم؟
طالب:..........
والسياق.
طالب:...........
الإحصاء مقطوع به، لكن العدّ؟
طالب:...........
ماذا؟
طالب:.........
ماذا؟
طالب:...........
ماذا؟
طالب:..........
أي، ظاهر الآية إثبات العدّ، لكن الإحصاء هو الذي لا يمكن.
والواقع: أن نِعم الله على الشخص نفسه، هل يمكن عدُّها؟
طالب:..........
فيه أساليب في القرآن إذا تأمل فيها طالب العلم في أمرٍ كان مسلَّمًا عندَه.... يجد أن المسألة تحتمل، ولا يعني هذا أن المُسلَّمات يجوز نقضها، لكن هذا راجع إلى فهمه، بعض النَّاس يتلقَّف الشيء في أول الأمر يستمر عليه، لكن إذا قرأه بتأنٍّ وتأمُّل، مثل آية المائدة، تعجب من الذي يقول إنه ما أنزلت، {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} [المائدة:115]، بعضهم يقول: لما سمعوا الشرط قالوا: لا ما نريدها؛ لأن الشرط شديد، وفي قوله –جلَّ وعلا-: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل:18]، كثير من الناس قالوا: اللهم لك الحمد على نعمك التي لا تُعدُّ ولا تُحصى.
هل عدم العد يُفهم من الآية؟ لا، لكن الواقع...
طالب:.........
وأن هذا على سبيل التنزُّل، يعني: من قال: أنا أستطيع أن أعدِّد هكذا وكذا وكذا، لكن تستطيع أن تحصي كل شيء؟ ومُفادُ عدم الإحصاء: أنه يمكن عدّ شيء منها، لا عد الكلّ، بدليل: نفي الإحصاء؛ لأن نتيجة العد بالإحاطة الإحصاء، والإحصاء منفي، إذًا العد الكامل الذي لا يفلِتُ شيئًا، ولا يترك شيئًا من هذه النِّعم مبني على نفي الإحصاء.
طالب:..............
حتى مع وجود هذا الشك، حتى مع وجود هذا الشك أنه لم يجزِم بعدمِ العدِّ كما جزم بعدِّ الإحصاء، بعدم الإحصاء، فهو في مجال لأن يقول قائل: يمكن أن تُعد، لكنها لا تُحصى. فالعد نتيجته الإحصاء، العد نتيجته الإحصاء، فإذا كانت النتيجة منفيَّة، فالمقدمة منتفية، وهذا هو الواقع، أن الإنسان لو نظر إلى النعم التي أسبغها الله عليه هو بنفسه، ما استطاع أن يعدّ.
"ورواه بن أبي حاتم من وجه آخر، عن جعفر بن أبي المغيرة، به. وزاد في آخره: وكيف يسألونك عن الصفا وهم يرون من الآيات ما هو أعظم من الصفا.
وقال بن أبي حاتم أيضًا: حدثنا أبي، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا شبل، عن ابن أبي نَجيح، عن عطاء، قال: نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} فقال كفار قريش بمكة: كيف يسع الناس إله واحد؟ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} إلى قوله: {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
فبهذا يعلمون أنه إله واحد، وأنه إله كل شيء وخالق كل شيء.
وقال وكيع: حدثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى قال: لما نزلت: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} إلى آخر الآية، قال المشركون: إن كان هكذا فليأتنا بآية. فأنزل الله -عزَّ وجَّل-: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} إلى قوله: {يَعْقِلُونَ}.
ورواه آدم بن أبي إياس، عن أبي جعفر -هو الرازي -عن سعيد بن مسروق، والد سفيان، عن أبي الضحى، به. قوله تعالى"..
سعيد بن مسروق الثوري –والد سفيان- أيضًا مضعَّف عند أهل الحديث، وأبو جعفر الرازي– عيسى بن مهان- أيضًا مضعَّف عندهم.
"قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:165-167].
يذكر تعالى حال المشركين به في الدنيا وما لهم في الدار الآخرة، حيث جعلوا له أندادًا، أي: أمثالا ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه، وهو الله لا إله إلا هو، ولا ضد له ولا ندَّ له، ولا شريك معه. وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًا وهو خلَقَك».
وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} ولحبهم لله وتمام معرفتهم به، وتوقيرهم وتوحيدهم له، لا يشركون به شيئًا، بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه، ويلجؤون في جميع أمورهم إليه. ثم تَوَعَّدَ تعالى المشركين به، الظالمين لأنفسهم بذلك فقال: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}.
قال بعضهم: تقدير الكلام: لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذ أن القوة لله جميعًا".
فإذا كانت هذه القوَّة لله جميعًا فماذا لأندادهم، وأوثانهم؟ لا شيء، القوة لله جميعًا، فأندادهم لا يستطيعون شيئا، فعلامَ يُعبدُون؟! هل يَخلِقُون، هل يَرزِقُون، هل يَشفون من مرض، هل يُقوون من موت؟ لا شيء بأيديهم، وأكثر هذه الأنداد أحجار، أحجار، قد يؤتى بها فتوضع أثافيّ، ويوقد عليها النيران، هل تستطيع أن تردَّ عن نفسها شيئا؟
أربُّ يبول الثعلبان برأسه |
|
لقد هان من بالت عليه الثعالب |
جاءوا ليتمسَّحون ويتبرَّكون بالحجر، الذي هو إلهُهم على حد زعمهم، فوجدوا الثعلب بال عليه.
...................... |
|
لقد هان من بالت عليه الثعالب |
وجاء في خبرٍ عن عمر، قال لرسول الله –صلى الله عليه وسلم-: أين عقولنا، لما كنَّا نعبد التمر فإذا جُعنا أكلناه؟ فقال: «أخذها باريها» لو تفَّكر الإنسان وراجع نفسَه بأدنى مُراجَعَة؛ تبيَّنَ له الحق، وهكذا فيما دون الشِّرك، تجد كثيرًا من الناس يزاولون بعض الأعمال المحرَّمة، فلو جلسوا مع أنفسهم كما يُقال وقتًا يسيرًا، وتأملوا فيما يتعاطونه من هذه المحرمات، وجدوا أن العقل قبل النقل يمنعها ويحرِّمها، وإلَّا فأيُّ فائدةٍ في الدُّخَّان مثلاً المُنتِن، الضار؟ أي فائدة تُرجى من ورائه؟! هناك أمور كثيرة من المُحرَّمات قد يجد فيها مقارِفُها شيئًا من المُتعة، وشيئًا من اللَّذة، لكن فيه أمور مُخالِفة للعقل والنَّقل، الحيوان لا يُقدِم عليها، فكيف بأصل الأصول الذي هو التوحيد؟
وشيخ الإسلام –الإمام المجدِّد- ألَّف في هذا الكتاب العظيم "كتاب التوحيد: وله كتاب يقرِّر هذه العقيدة، من خلال سيرة النبي –عليه الصلاة والسلام- وما حصل له مع قومِه، "مختصر السيرة النبوية"، وهو كتاب يغفل عنه كثير من طلاب العلم، مختصر، لكن مع تقريره الأحداث يقرِّرُ العقيدة في كلِّ حدَث –رحمه الله-، فعلى طالب العلم أن يُعنى بهذا الكتاب على اختصاره، يعني في مائة ورقة يمكن أن يُقرأ في أسبوع، على حسب الظروف، لكن فيه نفع، وفيه قرن لهذه العقيدة، يقرنها بأحداث وأسباب ترسِّخها –رحمه الله-.
"أي: إن الحكم له وحده لا شريك له، وأن جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه {وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} كما قال: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر: 25 - 26] يقول: لو علموا ما يعانونه هنالك، وما يحل بهم من الأمر الفظيع المنكر الهائل على شركهم وكفرهم، لانتهوا عما هم فيه من الضلال.
ثم أخبر عن كفرهم بأوثانهم وتبرؤ المتبوعين من التابعين".
أي لمَّا عاينوا الحقيقة، تبرَّأوا، لكن هل ينفع هذا؟ ما ينفع، عند المعاينة لا ينفع، لكن التوبة والإنابة في وقت الإمكان هو النَّافِع.
" فقال: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ} تبرأت منهم الملائكة الذين كانوا يزعمون أنهم يعبدونهم في دار الدنيا، فتقول الملائكة: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} [القصص: 63] ويقولون: {سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ: 41] والجن أيضًا تتبرأ منهم، ويتنصلون من عبادتهم لهم، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5-6]".
الذي يَعبُد الأمْوات، ويطلبُ منهم المَدَد، والغوْث، وهم في قبورهم، أموات لا يدفعون عن أنفسِهم، يدعوهم بعض من يشرك بهِم، فيُجاب من القبر، يُلبَّى طلبه من القبر بصوت مسموع، هل الميت أجابهم؟
طالب:...........
الشياطين من أجابوهم، وهذا من زيادة الفتنة عليهم، وهنا يتحقق قوله: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سبأ:41]، هل أولياء الجن الذين أضلوهم، هم المعبدون في الحقيقة؟ لا الجيلاني، ولا فلان ولا عِلَّان؟ الجيلاني لو يستطيع أن يردّ على نفسه ما وُضع عليه ذراعين أو ثلاثة تراب، ليرضى، لو يستطيع أن يرد عن نفسه، فهل يستطيع أن يردّ عن غيره؟
"وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: 81- 82] وقال الخليل لقومه: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [العنكبوت: 25] وقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سبأ: 31-33]، وقال تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 22].
وقوله: {وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ} أي: عَاينوا عذاب الله، وتقطَّعت بهم الحيَلُ وأسباب الخلاص، ولم يجدوا عن النار مَعْدلًا ولا مَصْرفًا.
قال عطاء عن ابن عباس: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ} قال: المودة. وكذا قال مجاهد في رواية ابن أبي نجيح.
وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا}.
يعني: في حال الحياة، الأتباع دعاهم المتبُوعون فأجابوهم، وسَولوا لهم وأملوا لهم وزينوا لهم المخالفات من الشرك فما دونه؛ فأطاعوهم. أحلوا لهم الحرام، فأحلّوه. حرّموا عليهم الحلال، فحرموه. وهذه عبادة لهم كما في حديث عدي بن حاتم.
في الآخرة، المتبوعون الذين لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسِهِم، وهم مسؤولون عن إضلال هؤلاء؛ يتبرأون، هنا أبدًا ما أظن، ما حصل منا شيء، لكن كل شيء مدوَّن ومرصود في كتاب {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49]، فهل ينفع هذا التبرؤ، لا ينفع التابع ولا المتبوع، التابع وقع في الشرك بسبب المتبوع، وهذا لا يُعفيه، أن يقول: والله أضلني فلان، {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا* رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب:67-68]، ما نفعهم أنهم قلَّدوا، في الأصل –في أصل الأصول- وهو التوحيد، والله المستعان.
" وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا أي: لو أن لنا عَوْدة إلى الدار الدنيا حتى نَتَبَرَّأ من هؤلاء ومن عبادتهم، فلا نلتفت إليهم، بل نوحد الله وحده بالعبادة. وهم كاذبون في هذا، بل لو رُدّوا لعادوا لما نهوا عنه. كما أخبر الله تعالى عنهم بذلك؛ ولهذا قال: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ...} أي: تذهب وتضمحل كما قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ}".
{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام:28]، يستدل بها أهل العلم على أن الله –جلَّ وعلا- يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون، الله يخبر عنهم {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا} وهم لن يُرَدوا، ويخبر عنهم أنهم لو رُدُّوا –هذا لم يكن ولن يكون- لعادوا، فالله يعلم ما لم يكن من هذا النوع، من هذا الرَّد لو كان كيف يكون، أنهم يعودون إلى ما كانوا عليه، وإذا كان هذا الأمر فيمن دخل النَّار، وذاقها، وتألم بها -نسأل الله العافية-، أنه لو رُدّ؛ لعاد لما كان عليه، فمن كُتبت عليه الشقاوة فهو شقي، {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101]، الآن ترى أناسًا مستمرين في غيِّهم وضلالهم ويأتيهم من المصائب والنكبات والمثلات، ومستمرين.
قبل عقود قائد طائرة سقط، وفي كلِّ جزء من أجزائه كسر؛ لما سقطت الطائرة، مئات الكسور، وجلس في التجبير أشهرًا بل سنين، ولمَّا عُوفي عاد إلى أسوأ مما كان عليه -نسأل الله العافية-، {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101].
"كما قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].
وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} الآية [إبراهيم: 18]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} الآية [النور: 39]؛ ولهذا قال تعالى: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}".
والله أعلم، اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.