شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1425 هـ) - 19
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم.
إلى حلقةٍ جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، ولا زلنا في كتاب الصوم في باب قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأَيْتم الهلال فصوموا، وإذا رأَيْتُموه فأفطِروا».
مع مطلع حلقتنا نُرحِّب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المُستمعين.
المقدم: قال المصنف –رحمه الله– عن أم سلمة –رضي الله عنها– أنّ النّبي –صلى الله عليه وسلم– آل من نسائه شهرًا، فلما مضى تسعةٌ وعشرون يومًا غدا أو راح، فقيل له: إنك حلفت ألا تدخل شهرًا فقال: «إنّ الشهر يكون تسعةً وعشرين يومًا».
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولاً راوية الحديث أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، تزوجها النّبي –عليه الصلاة والسلام– بعد أبي سلمة سنة أربع وقيل: ثلاث، وعاشت بعد ذلك ما يقرب من ستين سنة، يعني ماتت بعد الستين، اثنتين وستين، أو ثلاث وستين، أو إحدى وستين.
والحديث ضمن الترجمة السابقة باب قول النّبي –صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأَيْتم الهلال فصوموا، وإذا رأَيْتُموه فأفطِروا»، ومناسبة الحديث للترجمة من جهة أنّ ما جاء في الحديث إنّ الشهر يكون تسعةً وعشرين، أنه جاء في الحديث فقال: «إنّ الشهر يكون تسعةً وعشرين يومًا»، جزءٌ من حديث ابن عمر السابق، ارتبط هذا الحديث بالذي قبله، وارتباط الحديث الأول بالترجمة ظاهرٌ.
المقدم: حديث ابن عمر.
وفيه التصريح بالنهي عن الصيام قبل رؤية الهلال، حديث ابن عمر، فارتبط الحديث الثاني بالحديث الأول، وارتباط الحديث الأول بالباب ظاهرٌ، وهو موافقٌ لمفهوم الترجمة.
قوله: آل أي حلف لا يدخل على نسائه، في الصحاح آل يؤلي إيلاءً حلف، وتألى وائتلى مثله، ويقال أيضًا: ائتلى في الأمر إذا قصر، مثل لا آل جهدًا يعني لا أقصر في هذا الباب وفي هذا الموضوع، والألية اليمين على فعيلة والجمع ألايا.
يقول الشاعر:
قليل الألايا حافظٌ ليمينه وإن سبقت منه الألية برت
يعني إذا حلف بر بيمينه، هو قليل الأيمان، لكنه إذا صدر منه شيءٌ بر بقسمه.
وقال الراغب: حقيقة الإيلاء والألية الحلف المقتضي لتقصيرٍ في الأمر الذي يقسم عليه، وجُعل الإيلاء في الشرع للحلف المانع من جماع المرأة. وفي ((منار السبيل شرح الدليل)) للريان الإيلاء هو الحلف على ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر، الأصل أنّ الإيلاء الحلف، نعم، الإيلاء في أصله هو الحلف على ما تقدم في كلام أهل اللغة، لكن حقيقته الشرعية عند أهل العلم أخص من حقيقته اللغوية؛ ولذلك يقول الراغب في كلامه المتقدم: وجُعل الإيلاء في الشرع للحلف المانع من جماع المرأة.
في ((منار السبيل)) يقول: الإيلاء هو الحلف على ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر، يعني ليس الحلف مطلقًا، مع أنه في الحديث آل شهرًا، وحقيقة الإيلاء التي يذكرها الفقهاء الحلف على ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر؛ لأنّ الأقل من أربعة أشهر لا أثر له في الحكم، الكلام فيما يبلغ الأربعة أشهر أو يزيد عليها على الخلاف؛ لأنّه هو المنصوص عليه {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [سورة البقرة 226] فما دونه ما له حكم إلا إذا أضر بالمرأة، وإن كان كثيرٌ من أهل العلم يطلق أنه لا يُلزمه إلا في الأربعة الأشهر مرة، لا يُلزمه؛ لأن له أن يحلف أربعة أشهر فأقل كما دل عليه مفهوم الآية.
المقدم: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [سورة البقرة 226].
لكن إن أضر بالمرأة لا يتقيد بزمنٍ كما أقر ذلك شيخ الإسلام وغيره.
المقدم: إن أضر لا يتقيد.
إن أضر يعني حلف لا يطأ امرأته شهرًا وهي تتضرر بهذا، هل: نقول يُلزم بالوطء وإلا يفسخ لأنها تتضرر؟ أو نقول: له أن يحلف أربعة أشهر فأقل ولا يلزم؟
المقدم: أكيد فيه خلاف بين العلماء.
شيخ الإسلام يرى أنّ مرد ذلك إلى تضرر المرأة؛ بحيث لا يحوجها إلى غيره.
المقدم: إذا تضررت يُلزم بوطئها.
إذا تضررت يُلزم أن يطأ أو يفسخ.
المقدم: إذا أطلق يا شيخ؟
كيف؟
المقدم: آلى بدون مدة؟
تترك له الأربعة أشهر.
المقدم: الأصل الأربعة؟
نعم، قال ابن قتيبة: {يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ} يحلفون، إذا حلف لا يجامعها، حكاه عنه أحمد، وقرأ أبي بن كعب وابن عباس يقسمون مكان يؤلون، ثم قال: فإذا حلف الزوج بالله تعالى أو بصفةٍ من صفاته أنه لا يطأ زوجته أبدًا أو مدة تزيد على أربعة أشهر صار موليًا، فإذا حلف على أربعة أشهر فما دونها لم يكن موليًا؛ لدلالة الآية على أنه لا يكون موليًا بما دونها.
آلى –عليه الصلاة والسلام– من نسائه زوجاته أمهات المؤمنين، وسبب الإيلاء سبب هذا الحلف أسبابٌ، ذُكر أسباب كثيرة، لكن جاء في حديث ابن عباس في البخاري......
المقدم: لما تبع ابن عمر أو غيره.
من؟
المقدم: ابن عباس.
لا، عمر.
المقدم: قصدي عمر.
نعم، إذ تقدم بعضه في كتاب العلم وفصلناه، لكن الشاهد لا يوجد في طرفه هذا في كتاب العلم، في حديث ابن عباس: فاعتزل النّبي –صلى الله عليه وسلم– نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعًا وعشرين ليلة، وكان قد قال: «ما أنا بداخل عليهن شهرًا» من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله –عزَّ وجلَّ– {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ} [سورة التحريم: 1] عتاب، فلما مضت تسعٌ وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: يا رسول الله إنك قد أقسمت ألا تدخل علينا شهرًا، وإنما أصبحت من تسعٍ وعشرين ليلة أعدها عدًّا، فالسبب هنا ذلك الحديث يقول: من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، فقال: «الشهر تسع وعشرون ليلة».
المقدم: هو نفسه الوارد في سورة التحريم؟
{ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} سبب النزول يعني القصة هل هي كونه –عليه الصلاة والسلام– حلف لا يطأ الجارية؟ أو حلف لا يأكل العسل؟ { لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} خلافٌ معروفٌ، وقد تكون نزلت لأكثر من سببٍ، لكن سبب الإيلاء....
المقدم: لكن لما قال: {مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [سورة التحريم 3] هو نفس ما أفشت حفصة لعائشة هنا....
لأنّ هذا سرٌ بينهما، كيف اطلع عليه النّبي –عليه الصلاة والسلام– إلا بالوحي.
المقدم: هو هذا المراد.
هو أو غيره، المقصود أنّ فيه أكثر من سبب، فيها أكثر من سبب، والآية قد تنزل والسبب متعدد.
فكان ذلك الشهر تسعًا وعشرين ليلة، الحديث، وذكر الحافظ أسبابًا أخر في سبب إيلائه؛ فتراجع في شرح الحديث في ((فتح الباري)).
والشهر كما في ((تهذيب الأسماء واللغات)) للنووي، كتاب اسمه ((تهذيب الأسماء واللغات))، والذي يهمنا منه هنا القسم الثاني ((تهذيب اللغات))، أما ((تهذيب الأسماء)) فهو تراجم وفوائد ونوادر عمن ترجم لهم، هذا تهذيب اللغات في غريب أيش؟ كتب الفقه المعتمدة عند الشافعي ستة كتب: ((مختصر المزني))، ((والمهذب))، ((والوجيز))، ((والوسيط))، ((والروضة)) من كتب الشافعية هذا في غريب هذه الكتب، يعني نظير ((المصباح النير))، ونظير ((المطلع))، ونظير ((المغرب)) للمطرزي وغيرها، وهذه مرت في مناسباتٍ كثيرة، وذكرنا أنها في غريب كتب الفقه.
الشهر كما في ((تهذيب اللغات)) للنووي واحد الشهور، وهو مأخوذٌ من الشهرة، يقال: شهرت الشيء أشهره شهرةً وشهرًا، أظهرته هذه اللغة المشهورة، ويقال: أيضًا أشهرته، حكاه الزُّبيدي في مختصر العيني، هذا غير الزَّبيدي صاحب شرح القاموس، لماذا قلنا غيره؟
المقدم: هذا في اللغة يا شيخ؟
كلاهما في اللغة، هذا مختصر العيني في اللغة.
المقدم: فيه الزبيدي الذي هو مختصر في مسلم.
لا، من مختصر مسلم؟
المقدم: القرطبي.
الزبيدي هذا.....
المقدم: صاحب التجريد يا شيخ؟
لا، لا، ما له علاقة، هذا له مختصر العين للخليل بن أحمد، وهو متقدم، وأما بالنسبة لشارح القاموس هو يلتبس بشارح القاموس؛ لأنّ المسألة مسألةٌ لغوية، وشارح القاموس متأخرٌ، يعني بعد الألف ومائتين توفِّي.
المقدم: وكلاهما زَبيدي.
هذا زَبيدي من زَبيد لكن هذا زُبيدي نسبة أخرى.
يقول: ويقال أيضًا: أشهرته إذا أظهرته وأعلنته، واشتهر أي ظهر، وشهرته تشهيرًا، فسُمي الشهر شهرًا؛ لشهرة أمره لحاجات الناس إليه، إنّ ما يحتاجه الناس يشتهر؛ لحاجات الناس إليه في عباداتهم ومعاملاتهم وغيرها، ويقال: أشهرنا دخلنا في الشهر كما يقال: أنجدنا وأتهمنا وأظلمنا وأسفرنا يعني دخلنا في نجد، دخلنا في تهامة، دخلنا في الظلام، دخلنا في السفر، والشهور عند الجميع يعني الأمم كلها الفرس والمسلمين وغيرهم اثنا عشر شهرًا كما أخبر الله –سبحانه وتعالى– في قوله: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [سورة التوبة 36] فلما مضى تسعةٌ وعشرون يومًا في الحديث، فلما مضى تسعةٌ وعشرون يومًا غدا- بالغين المعجمة، يقال: غدا يغدو غدوًا، وهو الذهاب في أول النهار- أو راح شكٌ من الراوي هل قال: غدا أو راح، وهو الذهاب آخر النهار، يعني هل خرج من مشربته، وهي الغرفة المرتفعة التي اعتزل فيها أول النهار أو في آخره؟
المقدم: إذا كان خرج في أول النهار يا شيخ ما خرج بعد التسع وعشرين؟
غدا أو راح.
المقدم: يعني لو خرج أول النهار أصبحنا ثمانيًا وعشرين وجزءًا من التسع وعشرين؟
لكن أنت افترض أنه دخل في الساعة الثامنة صباحًا من يوم يُحسب تسع وعشرين في الساعة الثامنة صباحًا ينتهي التسع وعشرون.
يعني ما المقصود بالشهر الذي يعني...؟ الشهر أحيانًا يحتاج إلى اليوم بكامله، نعم، يعني من حلف أن يصوم شهرًا هل نقول: أن يبدأ من الساعة التاسعة وينتهي الساعة التاسعة؟ لا، لا بد من صيام شرعي، لكن امرأة جاءها نعي زوجها في الساعة التاسعة مثلًا هل يلزمها تكملة اليوم، أو تحسب أربعة أشهر وعشرة أيام، مسألة معروفة عند أهل العلم، يعني حلف لا يدخل بيت فلان كذا، وأراد أن يبر بيمينه يحسب له مدة معينة؛ لأنه قابل للتجزئة.
غدا وهو الذهاب أول النهار، أو راح شكٌ من الراوي، أو راح وهو الذهاب آخر النهار، وهو الأصل، وقد يراد به مطلق الذهاب أي أيّ وقتٍ كان، ومنه قوله –صلى الله عليه وسلم–: «من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى» يعني راح في آخر النهار في أول النهار المراد منه مطلق الذهاب، أي مشى إليها «من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى» أي مشى إليها وذهب إلى الصلاة، ولم يرد رواح آخر النهار وإن استروح بعض أهل العلم من هذا الحديث أنّ الساعات كلها بعد الزوال ساعاتٌ لطيفة بين الزوال ودخول الإمام، لكن عامة أهل العلم على أنها تبدأ من أول النهار.
فقيل له أي قالت له عائشة –رضي الله عنها– كما تقدم؛ لأنه بدأ بها، هنا في الحديث حديث أم سلمة فقيل له، من القائل؟
المقدم: عائشة.
النّبي –عليه الصلاة والسلام– بدأ بها، يعني تقدم أنه –عليه الصلاة والسلام– فقالت له: يا رسول الله إنك قد أقسمت ألا تدخل علينا شهرًا، وإنما أصبحت من تسعٍ وعشرين أعدها عدًّا، فقال: «إنّ الشهر يكون» إلى آخره.
«إنّ الشهر يكون تسعةً وعشرين يومًا» وتقدم بحث هذا في الحديث الذي قبله، ويحتمل أن يقول جميع نسائه– صلى الله عليه وسلم– مثل هذا إذا دخل عليهنّ، يعني فقيل له قلنا من القائل؟ قلنا: عائشة؛ لأنه بدأ بها، ألا يحتمل أنّ كل من دخل عليها منهنّ قالت له على الشهر؟
المقدم: هذا محتمل.
احتمال.
المقدم: لكن بشرط أن يكون مر عليهنّ في هذا اليوم.
هو يمر عليهنّ أمر عادي، نعم، –عليه الصلاة والسلام– يمر على جميع نسائه، يطوف على نسائه جميعهنّ.
«إنّ الشهر يكون تسعةً وعشرين يومًا» وقد تقدم بحث هذا الحديث الذي قبله، ويحتمل أن يقول جميع نسائه– عليه الصلاة والسلام– مثل هذا إذا دخل عليهنّ.
قال العيني: اعلم أنّ قول أم سلمة إن النّبي –عليه الصلاة والسلام– آلى من نسائه شهرًا المراد منه الحلف لا الإيلاء الشرعي؛ لأن الإيلاء الشرعي هو الحلف على ترك قربان امرأته أربعة أشهرٍ، يعني استعمل الإيلاء هنا في الحديث استعمالًا لغويًّا، هذا كلامه، اعلم أنّ قول أم سلمة إنّ النّبي –عليه الصلاة والسلام– آلى هذا كلام أم سلمة من نسائه شهرًا المراد منه الحلف لا الإيلاء الشرعي؛ لأنّ الإيلاء الشرعي هو الحلف على ترك قربان امرأته أربعة أشهرٍ أو أكثر؛ لقوله تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} ويلاحظ في كلام العيني أنه أدخل الأربعة أشهر في الإيلاء، الأربعة فأكثر، فتكون مدة الإيلاء أربعة أشهرٍ من غير زيادة ولا نقصان.
وقال الشافعي وأحمد: إذا حلف لا يقربها أربعة أشهرٍ لا يكون موليًا حتى يزيد مدة المطالبة، يعني له أن يحلف أربعة أشهرٍ، يتربص أربعة أشهرٍ كما جاء في الآية، لكن أكثر من ذلك تأتي مدة المطالبة، {فَإِن فَاءُوا} {وَإِنْ عَزَمُوا } [سورة البقرة 227] ، واشترط مالك زيادة يوم؛ لأنه تتصور فيها الزيادة والمطالبة.
والآية المذكورة حجةٌ عليهم، العيني يقول: الآية حجةٌ عليهم، {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} الآن العيني تمسك بالآية، والجمهور تمسكوا بالآية، العيني فهم أنّ الإيلاء يكون في الأربعة أشهر بمفهوم الآية، {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}، لا غير، لا زيادة، ومن باب أولى الزيادة، الجمهور قالوا: له ذلك له أن يولي أربعة أشهرٍ لكن أكثر من ذلك؟
المقدم: لا.
نعم، وكلهم يحتجون بالآية، يقول العيني أيضًا: وحكم الإيلاء أنه إذا وطيء في المدة كفر؛ لأنه حنث في يمينه.
وقال الحسن البصري: لا كفارة عليه وسقط الإيلاء. كأن الحسن –رحمه الله– رأى أنّ هذا من باب ترغيبه في الفيأة.
وإن لم يطأها في المدة حتى مضت بانت منه بتطليقةٍ واحدة، هذا كلام العيني، والعيني حنفي المذهب، تطلق منه بمجرد مضي المدة.
المقدم: دون وطء.
نعم؛ لأنه إن وطأها رجع في إيلائه، وهو قول ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعثمان وعلي –رضي الله عنهم–، وهو قول جمهور التابعين، كذا في ((عمدة القاريء))، وفي البخاري في المتن.
المقدم: لكن ما فيه مدة -أحسن الله إليك- قبل هذا، ما فيه مدة بين الإيلاء وفترة الوطء؟
كيف؟
المقدم: الآن يقول: إذا آلى مثلًا أربعة أشهر إذا انقضت حُسبت تطليقة.
طلقت.
المقدم: يعني ما فيه مدة محسوبة؟ لأنّ النّبي –صلى الله عليه وسلم– بعد أن آلى أتى إلى نسائه.
إنّ هذا ما له علاقة بالإيلاء، أقل من أربعة أشهر، الذي يترتب عليه الأحكام....
المقدم: افترض الأربعة؟
يعني افترض أنه حلف لا يطأ زوجته ثلاثة أشهر، ما هو بإيلاءٍ ترتب عليه الأحكام وترتب عليه أثاره.
المقدم: يعني الأحكام تترتب على الأربعة.
على الأربعة.
المقدم: إذا آلى أربعة ثم انقضت بالضبط تطلق.
هذا كلام العيني.
المقدم: إذاً هناك تفصيل يعني؟
نعم، انظر كلام البخاري يقول: قال لي إسماعيل وهو ابن أبي أويس قال: حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر: إذا مضت أربعة أشهرٍ يوقف حتى يطلق، هناك عند العيني تلقائيًّا تطلق، وهنا في البخاري نص عن ابن عمر إذا مضت أربعة أشهرٍ يوقف حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق، ويُذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلًا من أصحاب النّبي –صلى الله عليه وسلم–.
قال الحافظ ابن حجر: وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وسائر أصحاب الحديث، وفي دليل الطالب مع شرحه منار السبيل قد يقول قائلٌ الآن: توسعنا في مسألة الإيلاء والكتاب كتاب الصيام.
المقدم: يعني لن يَرِد يا شيخ هذا الحديث؟
خلاص لن يرد انتهى، لن يرد في موضعه هناك؛ ولذلك قدمنا شرحه.
في دليل الطالب مع شرحه منار السبيل يقول: إذا حلف الزوج ألا يطأ زوجته أبدًا أو مدةً تزيد على أربع تزيد، والحنفية يقولون: أربعة أشهر تزيد على أربعة أشهر صار موليًا يؤجل له الحاكم إن سألت زوجته ذلك، حلف لا يطأ أربعة أشهر ثم بعد ذلك ما طالبت الزوجة، ماذا يكون الحكم؟ الأمر لا يعدوها، لكن عند الحنفية يوقعونه، لا يحتاج إلى مطالبة ولا حكم حاكم، لكن هنا يؤجل له الحاكم، من سألت زوجته ذلك أربعة أشهر من حين يمينه ثم يُخيّر بعدها بين أن يكفر، وأن يطأ لزوال اليمين والضرر عنها بالوطء، وعليه الكفارة؛ لقوله –صلى الله عليه وسلم–: «من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خيرٌ وليكفر عن يمينه» متفقٌ عليه، وهذا يرد على قول الحسن الذي تقدم فليس عليه كفارة أو يطلق؛ لقوله تعالى: {فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة 227].
وقوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [سورة البقرة 229].
ومن امتنع من بذل ما وجب عليه......
المقدم: كفارة يمين يا شيخ الكفارة؟
نعم، كفارة يمين.
ومن امتنع من بذل ما وجب عليه: لم يمسك بمعروفٍ فيؤمر بالتسريح بإحسانٍ، فإن امتنع من ذلك طلق عليه الحاكم؛ لقيامه مقام الممتنع؛ ولأنه حقٌّ تدخله النيابة كقضاء دينه، إذا امتنع من التطليق طلق عليه الحاكم؛ لأنه يضر بالمرأة.
والحديث أخرجه الإمام البخاري في موضعين.
المقدم: إذا طلق طلقةً واحدة تُحسب يا شيخ يسأل الأخ، تُحسب طلقة؟
نعم، تُحسب.
المقدم: إذا طلق عليه الحاكم؟
الحاكم ليس له أن يطلق إلا طلاقًا شرعيًّا.
الحديث أخرجه البخاري في موضعين: الأول هنا في كتاب الصوم باب قول النّبي –صلى الله عليه وسلم– «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا» قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن يحيى عن عبد الله بن صيفي عن عكرمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة –رضي الله عنها– أنّ النّبي –صلى الله عليه وسلم- آلى من نسائه شهرًا، فذكره، وتقدم ذكر مناسبته.
والثاني في كتاب النكاح في باب هجرة النّبي –صلى الله عليه وسلم– نساءه في غير بيوتهنّ، الهجر يكون في المضاجع، ويُذكر عن معاوية بن حيدة رفعه: غير ألا تهجر إلا في البيت، والأول أصح، الهجرة في غير البيوت أصح عند البخاري لماذا؟ لأنّ عندنا حديث النّبي –صلى الله عليه وسلم– آل واعتزل وهجر نساءه، واعتزل في الشربة في غير بيوتهنّ، وهذا في الصحيحين، فهو أقوى مما ذكره معاوية بن حيدة، وهو جد بهز بن حكيم، والخلاف في الاحتجاج في بهز بن حكيم عن أبيه معروفٌ عند أهل العلم؛ ولذا قال: والأول أصح.
قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج ح وحدثني محمد بن مقاتل قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرنا يحيى بن عبد الله بن صيفي أنّ عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث أخبره أنّ أم سلمة أخبرته أنّ النّبي –صلى الله عليه وسلم– حلف لا يدخل على بعض أهله شهرًا، الحديث، والمناسبة بين الباب والكتاب ظاهرةٌ.
كتاب النكاح هجرة النّبي –عليه الصلاة والسلام– نساءه مناسبةٌ جدًّا لكتاب النكاح، ومناسبة الحديث للباب أنّ النّبي –عليه الصلاة والسلام– اعتزل نساءه في المشربة، وهي غرفةٌ مستقلةٌ مرتفعةٌ سبق الحديث عنها، والحديث خرجه مسلمٌ فهو متفقٌ عليه.
وذكر البخاري –رحمه الله– بعده حديث أنس –رضي الله تعالى عنه– قال: آلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم– من نسائه، وكانت انفكت رجله بنحوه، فذكر البخاري بنحو الخبر، ولم يذكره المختصر استغناءً بحديث أم سلمة على عادته، ومعنى انفكت رجله من الانفكاك ودربٌ من الوهن والخلع، وهو أن ينفك بعض أجزائه عن بعض، وكأن انفكاك القدم هو سبب الاعتزال، فيضاف إلى ما تقدم، هل سبب الاعتزال انفكاك القدم؟ أو القصة في إفشاء السر؟ أو لكون نساء النّبي –صلى الله عليه وسلم– صارت لهنّ مطالب فوق طاقته– عليه الصلاة والسلام–كما في قصة عمر؟ المقصود أنّ السبب متعددٌ.
المقدم: أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم.
أيها الأخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، وإكمال أيضًا هذا الباب من كتاب الصوم على أن نستكمل -بإذن الله تعالى- في حلقةٍ قادمةٍ وأنتم على خيرٍ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.