شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1426 هـ) - 24
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة من شرح كتاب الصوم في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: شيخنا على مدى الحلقات الماضية كنا نتحدث عن باب الحجامة والقيء للصائم في حديث ابن عباس، وعدنا الإخوان نتحدث عن القول، يعني نجمع أطراف الأقوال في هذه المسألة في هذه الحلقة، ونذكر من قال بهذا، ومن قال بهذا -أحسن الله إليكم-.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فقد ذكرنا فيما تقدم من الحلقات السابقة في شرح حديث ابن عباس مسالك الأئمة في دفع التعارض بين الخبرين.
ومفادها أن منهم من قال: إن الحجامة تؤول بالصائم إلى الفطر، وتضعفه فيحتاج إليه.
ومنهم من رأى أنهما لأمر خارج عن الحجامة وهو الغيبة، وعرفنا ما في هذا.
ومنهم من قال: إن حديث ابن عباس ناسخ لحديث شداد.
ومنهم من طعن في حديث ابن عباس، وهذا كله تقدم.
وبناءً على ذلك؛ اختلف العلماء في تأثير الصيام، الحجامة في الصيام، فذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي وجمع غفير إلى جواز الحجامة للصائم، وأنه لا يفطر بها، وحجتهم حديث الباب، وهو في البخاري، ولا يعني أن الجواز في هذا أنه أفضل، أو أن الاحتياط لا وجه له في مثل هذه المسألة.
المقدم: خصوصًا أن مالكًا -رحمه الله- قال: إن كانت تضعفه، مما يدل على التشدد.
نعم، له كثير من السلف حتى فيما نقله الإمام مالك أنهم كانوا يحتجمون بالنهار، فصاروا يرجئونها إلى الليل.
وفي البخاري كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يحتجم وهو صائم ثم تركه فكان يحتجم بالليل، واحتجم أبو موسى ليلًا، هذا من باب الاحتياط.
القول الثاني، وهو قول الإمام أحمد، وإسحاق، وابن مهدي، والأوزاعي، وأبي ثور، وابن المنذر، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم: تحريم الحجامة على الصائم، وأنه يفطر بها لحديث: «أفطر الحاجم والمحجوم»، هؤلاء الأئمة أحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وابن خزيمة، وابن حبان خالفوا أئمتهم في هذا، ومع ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، وكثير، جمع كثير من أهل التحري والتحقيق قالوا: إنها تفطر.
ومنهم من طعن في حديث ابن عباس على ما تقدم، وزعم أن: احتجم وهو صائم غير محفوظ.
ومنهم من قال بما تقدم من التأويلات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- في مجموع الفتاوى: الفطر بالحجامة على وفق الأصول والقياس، وأنه من جنس الفطر بدم الحيض والاستقاء والاستمناء.
شيخ الإسلام، ومر بنا أن من أهل العلم من يقول: إن الفطر مما دخل ليس مما خرج، بخلاف الوضوء، فتكون الحجامة عنده على خلاف القياس.
شيخ الإسلام يقول: الفطر بالحجامة على وفق الأصول والقياس، وأنه من جنس الفطر بدم الحيض والاستقاء والاستمناء.
يعني -رحمه الله- مما يضعف الصائم، فإن الحجامة فيها إخراج للدم الذي به قوام البدن، به قوام البدن وقوته، مما يكون سببًا في إنهاك الصائم وضعفه، فيجتمع عليه سببان مضعفان: الصوم والحجامة مما قد لا يستطيع معه مواصلة الصوم، فكان من رحمة الله تعالى بالصائم أن جعل الحجامة مفطرة، أن جعل الحجامة مفطرة.
لماذا؟ لأنه قد يُضطر إلى الفطر، وقد حُرِّم عليه الفطر، يُضطر إلى الفطر، وقد حُرم عليه الفطر، فيقع في حرج شديد.
فكان من رحمة الله تعالى بالصائم أن جعل الحجامة مفطرة حتى يسترد قوته بالأكل والشرب، هذا بالنسبة للمحجوم، وأما الحاجم فإنه يجتذب الهواء الذي في القارورة بامتصاصه، والهواء يجتذب ما فيها من الدم، فربما صعد شيء من الدم، ودخل في حلقه، وهو لا يشعر، والحكمة إذا كانت خفية عُلق الحكم بالمظنة.
يعني إذا كانت مجرد غلبة ظن، يعني مثل ما أُمر المستيقظ من النوم أن يغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء ثلاثًا، فالحكم عُلق بالمظنة، وكما أُمر النائم أن يتوضأ.
يقول: والحكمة.
المقدم: فلا يتغير الحكم لو تغيرت هذه المظنة يا شيخ؟
يعني لو ربط يده.
المقدم: مثلاً.
أو أدخلها في كيس.
المقدم: لو أن الحاجم يستخدم أدوات ولا يستخدم فمه أبدًا، أدوات معقمة نظيفة.
هذه ارتفعت، ارتفعت المظنة بالكلية.
المقدم: معناه أننا نحكم.
سيأتي شرح لهذا.
المقدم: طيب.
والحكمة إذا كانت خفية عُلق الحكم بالمظنة؛ كما أن النائم لما قد يخرج منه من الريح، ولا يشعر بها، عُلق الحكم بالمظنة، وهو النوم، وإن لم يخرج منه الريح.
وبناءً على ذلك؛ يعني أنا أقول: بناءً على ذلك؛ فالآلات الحديثة التي لا تستلزم المص لا تفطر، لا يفطر بها الحاجم، وإن أفطر المحجوم.
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن حكم الحجامة يُلحق به الفصاد؛ لأنه في معناه؛ لأن المعنى الموجود فيها موجود فيه، وفي معناها أيضًا التبرع بالدم؛ لأنه كثير يضعف البدن، فتتحقق العلة، بخلاف اليسير؛ كالاختبار مثلًا.
المقدم: التحليل يعني.
التحليل.
في معنى الحجامة التبرع بالدم؛ لأنه كثير يضعف البدن، فتتحقق العلة، بخلاف اليسير؛ كالاختبار.
وأما غسل الدم لمريض الكلى -نسأل الله السلامة-، فالمنع منه من جهتين:
الأولى: إخراج الدم الفاسد، وهو ملحق بالحجامة.
الثانية: إدخال الدم النقي، وهو ملحق بالطعام والشراب لا سيما إذا خُلط معه مادة أخرى، فهذا إذا اضطر لذلك يفعله، ويقضي يومًا مكانه.
مريض الكلى إذا اضطر إلى الغسيل بالنهار يفعله؛ لأنه مضطر، والغسيل مفطر؛ لأن فيه قدرًا زائدًا على الحجامة، يعني الخلاف الذي في الحجامة يرد في الغسيل؟ لا يرد؛ لأن الذين قالوا الحجامة والفطر مما دخل لا مما خرج، هذا فيه خرج ودخل على القولين مفطر، الغسيل، غسيل الكلى.
المقدم: صحيح.
يختلف.
وعلى كل حال؛ الفطر بالحجامة إذا كان القول به من باب الاحتياط فهو أولى، إن كان من باب الاحتياط، وأما الإلزام مع صحة حديث ابن عباس وتأخره عن حديث ابن شداد، وهو قول جمهور أهل العلم.
المقدم: فلا ينهض.
نعم، فلا ينهض حديث شداد في معارضة حديث ابن عباس.
أولًا: لأن حديث ابن عباس في الصحيح في البخاري، وهو صحيح لا إشكال فيه ولا مرية فيه، وليس لأحد كلام مع تخريجه في الصحيح، ومع ذلك صريح في المطلوب، أو كالصريح، فالاحتياط ألا يحتجم الصائم مع قوة دليل من قال بأنها تفطر، وإمامة من قال بهذا القول، فالاحتياط ألا يحتجم ولا يتبرع بالنهار، ويترك هذا لليل كما فعل الصحابة، ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يحتجم.
المقدم: بالليل.
نعم.
المقدم: في النهار ثم ترك.
وهو صائم، ثم تركه، فكان يحتجم بالليل، الصحابة يحتجمون بالليل.
المقدم: لكن هنا نحن لا نتحدث عن التأثيم، إنما نتحدث عن الفطر يا شيخ، يعني لو قُدر أن شخصًا أكل أو شرب في نهار رمضان، فهو آثم ويفطر.
نعم.
المقدم: لو قُدّر أنه احتجم، على القول بأنه يفطر يفطر، لكن أين التأثيم هنا؟
هذا التأثيم إذا كان مضطرًّا إليه فلا إثم عليه.
المقدم: يعني في الغالب الحجامة ليست اضطرارًا يا شيخ، يعني يؤخرها أشهرًا أحيانًا.
إذا كان مضطرًّا إلى الحجامة فلا يأثم؛ كما لو اضطر إلى الأكل والشرب.
الحديث أخرجه الإمام البخاري في اثني عشر موضعًا:
الأول: في كتاب جزاء الصيد، في باب الحجامة للمحرم، قال -رحمه الله-.
يعني قبل هذا الموضع، في كتاب الصيد، يعني من كتاب الحج، مناسك، في باب الحجامة للمحرم، والمناسك قبل الصيام عند الإمام البخاري.
قال -رحمه الله-: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قال حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُحْرِمٌ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: حَدَّثَنِي طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ لعله سَمِعَهُ مِنْهُمَا، ولم يُذكر فيه الصوم، فاقتصر فيه على جزئه الأول، الإمام البخاري ترجم على الحديث في موضعين؛ لأنه يستنبط منه حكم الحجامة للمحرم، ويستنبط منه حكم الحجامة للصائم، وهذا يؤيد ما تقدم من كلام الزين بن المنير أن عادة الإمام البخاري تفريق التراجم إذا نظمها خبر واحد فضلًا عن خبرين، يعني فكيف جمع بين الحجامة والقيء مع كونهما في أخبار؟ وذلك لاتحاد مأخذهما؛ لأنهما إخراج، والإخراج لا يقتضي الإفطار، على ما تقدم ذكره.
الموضع الثاني: في كتاب الصوم، في باب الحجامة والقيء للصائم، حديث الباب المشروح، قال -رحمه الله- حدثنا معلى بن أسد قال: حدثنا وهيب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم. وتقدم ذكر المناسبة.
الموضع الثالث: في الباب المذكور، يعني بعد هذا الحديث مباشرة، قال -رحمه الله-: حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صائم.
في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم، من حديث ابن عباس نفسه، لماذا كرره البخاري؟
المقدم: وبدون محرم، هنا بدون محرم الثاني، الموضع الثاني يا شيخ.
قد يقول قائل: يكفي الموضع الأول.
المقدم: صحيح.
يكفي الموضع الأول، وعرفنا مرارًا أن البخاري لا يكرر إلا لفائدة، لا يكرر إلا لفائدة.
المقدم: ممكن نسمع السندين يا شيخ، ويسمعها المستمع معنا.
السند الأول: معلى بن أسد قال: حدثنا وهيب عن أيوب.
والثاني: أبو معمر حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا أيوب.
هناك وهيب عن أيوب، وهنا؟
المقدم: عبد الوارث.
أولًا: شيخ البخاري في الأول معلى بن أسد، والثاني أبو معمر، شيخ الشيخ في الأول وهيب، والثاني عبد الوارث، وكلاهما من الثقات المتقنين، يلتقون في الشيخ الثالث وهو أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس، البخاري -رحمه الله- لا يكرر الحديث في موضعين إلا لفائدة، يعني ما يكرره بمتنه وسنده إلا لفائدة، فأورده تامًّا، ثم أورده مختصرًا، وهو بذلك يقرر تقريرًا عمليًّا جواز تقطيع الحديث، جواز تقطيع الأحاديث، والمناسبة ظاهرة.
والموضع الرابع: في كتاب البيوع، باب ذكر الحجام، قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا خالد هو ابن عبد الله قال: حدثنا خالد ثانٍ، خالد بن عبد الله الطحان، عن خالد الحذاء، خالد بن مهران، أحيانًا يقول البخاري: حدثنا خالد عن خالد، فالأول هو الطحان، والثاني هو الحذاء، عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأعطى الذي حجمه، ولو كان حرامًا لم يعطه، احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأعطى الذي حجمه، ولو كان حرامًا لم يعطه.
وليس فيه ذكر للصيام، لكنه من الحديث، هو من حديث ابن عباس، فهو طرف من أطراف الحديث المشروح. كتاب البيوع، ذكر الحجام، هل في هذا بيع أو إجارة؟
المقدم: أخذ أجرة على الحجامة.
إجارة، والإجارة في حكم البيع، فإذا صحت الإجارة صح البيع، وليس فيه ذكر للصيام بخصوصه.
متى يتصور دخول البيع في مثل هذه الصورة؟ إذا باع زيد على عمرو غلامًا حجامًا، وكان لهذا الوصف وقع في الثمن.
المقدم: يزداد سعره؛ لأنه حجام.
نعم.
وهنا يكون دفع في مقابل الحجامة التي هي المهنة ثمنًا، فتدخل في البيع.
قال ابن المنير: ليست هذه الترجمة تصويبًا لصنعة الحجامة؛ لأنه قال: باب ذكر الحجام، يعني ما حكمه؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم، وأعطى الحجام، ولو كان حرامًا لم يعطه، إذن؛ الحجامة جائزة.
المقدم: جائزة.
طيب.
يقول ابن المنير: ليست هذه الترجمة تصويبًا لصنعة الحجامة، فإنه قد ورد فيها حديث يخصها، في الصحيح: «كسب الحجام خبيث»، وإن كان الحجام لا يُظلم أجره، فالنهي عن الصانع، فالنهي على الصانع لا على المستعمل، والفرق بينهما ضرورة المحتجم إلى الحجامة، وعدم ضرورة الحجام لكثرة الصنائع سواها.
يعني هل الحجامة حرام أم حلال؟ ولو كان حرامًا لم يعطه، يدل على أنه حلال، إذن؛ ما معنى قوله: «كسب الحجام خبيث»؟ والله -جلَّ وعلا- يقول: {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، الخبيث هو الدني الرديء، { وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ } [البقرة: 267]، ما معنى الخبيث؟ المحرم؟
المقدم: لا، هنا الرديء.
الرديء، يعني ما تنفق تمرًا رديئًا وعندك جيد، ما تنفق برًّا رديئًا وعندك جيد، لكن لا يعني هذا أنه لا، يحرم أن تهديه، بل فيه أجر، لكن النهي نهي إرشاد إلى الأفضل.
فهمنا كلام ابن المنير، يقول: ليست هذه الترجمة تصويبًا لصنعة الحجامة، فإنه قد ورد فيها حديث يخصها، وإن كان الحجام لا يظلم أجره، فالنهي على الصانع لا على المستعمل، والفرق بينهما ضرورة المحتجم إلى الحجامة، وعدم ضرورة الحجام؛ لكثرة الصنائع سواها.
الأصل في القاعدة عند أهل العلم: أن ما حُرم أخذه حرم دفعه، حرم أخذه حرم دفعه، «لعن الله آكل الربا وموكله»، لكن جاء على خلاف هذه القاعدة ما يُحتاج إليه، ما يحتاج إليه أحد الطرفين، أهل العلم يمنعون بيع المصحف، يعني من أهل العلم من يمنع بيع المصحف، لكن لا يمنع شراءه؛ لحاجته إليه، ومنهم من يتسامح في بيع، في شراء الكتاب إذا كان موقوفًا، لكنه لا يتسامح في بيعه؛ لأن المشتري محتاج، فكل ما مُنع أخذه مُنع دفعه.
قال ابن حجر: إن أراد بالتصويب -تصويب صنعة الحجامة- التحسين والندب إليها، فهو كما قال، وإن أراد التجويز فلا، فإنه يسوغ للمستعمل تعاطيها للضرورة، ومن لازم تعاطيها للمستعمل تعاطي الصانع لها، فلا فرق إلا بما أشرت إليه، إذ لا يلزم من كونها من المكاسب الدنيئة أن لا تُشرع، فالكساح أسوأ حالًا من الحجام، ولو تواطأ الناس على تركه لأضر ذلك بهم، لأضر ذلك بهم.
يعني يتجه أن نقول: إن الإنسان مضطر للحجامة، والحجامة بالنسبة للحجام حرام؟ يعني نظير ما يفتي به بعضهم، وهي فتوى خطيرة بأن يأذن للمسحور أن يذهب إلى ساحر.
المقدم: للحاجة.
للضرورة، يذهب إلى الساحر ليحل عنه السحر، نقول: بقولك هذا أنت أجزت للساحر أن يزاول السحر، وإلا فما معنى أنك تأذن لشخص، لطرف وتمنع الطرف الآخر؟ نعم، واضح هذا لاسيما وأن أمر السحر شرك، ليس بالشيء الهين، لا نقول: مثل بيع كتاب وقف أو مثل بيع مصحف، مما أمره أخف بكثير من أمر الشرك، فلا شك أن مثل هذه الفتوى خطيرة قد يفهم منها بعض الناس التشريع لعمل السحر، وهو كفر كما جاء في الآية، وفي قول عامة أهل العلم -نسأل الله السلامة والعافية-.
والموضع الخامس: في كتاب الإجارة، باب خراج الحجام، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا ابن طاوس عن أبيه، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأعطى الحجام أجره. كتاب الإجارة، باب خراج الحجام، يعني أجرة الحجام، والمناسبة؟
المقدم: ظاهرة.
ظاهرة بلا شك.
الحديث السادس: في المذكور من الكتاب المذكور، في كتاب الإجارة، باب خراج الحجام، يعني يلي هذا الحديث مباشرة، قال -رحمه الله-: حدثنا مسدد قال: حدثنا يزيد بن زريع عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأعطى الحجام أجره، ولو علم كراهيته لم يعطه.
والمناسبة ظاهرة، إذ إعطاؤه الأجرة تدل على جواز تعاطي الحجامة، وإن كانت مفضولة ومهنة دنيئة. وقال بعضهم: إن هذا مما ينبغي ألا يؤخذ عليه الأجر، ألا يؤخذ عليه الأجر، وإنما ينبغي أن يكون هذا مما يسود بين المسلمين بالفضل لا بالمشاحة، والمناسبة ظاهرة.
والموضع السابع: في كتاب الطب، في باب السعوط، قال: حدثنا معلى بن أسد قال: حدثنا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم، وأعطى الحجام أجره، واستعط.
والمناسبة ظاهرة، أنه استعط جاءت في بعض طرق الحديث كهذا، والسعوط: ما يجعل في الأنف ما يتداوى به.
والموضع الثامن: في كتاب الطب، في باب أي ساعة يحتجم؟ أي ساعة يحتجم؟ يعني كون النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو محرم، احتجم وهو صائم، احتجم وأعطى الحجام، يدل على الساعة؟ واحتجم أبو موسى ليلًا، يعني حديث الباب يدل على أنه احتجم نهارًا، وأبو موسى احتجم ليلاً، في باب أي ساعة يحتجم؟ يعني من ليل أو نهار، فيه دلالة ولا ما فيه؟
المقدم: فيه، بلى.
قال -رحمه الله-: حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صائم.
قال ابن حجر: كأنه أشار إلى أن الحجامة تُصنع عند الاحتياج إليها، ولا تتقيد بوقت دون وقت؛ لأنه ذكر الاحتجام ليلًا، يعني من كلام، من فعل؟
المقدم: من فعل أبي موسى.
من فعل أبي موسى، وفي حديث ابن عباس الاحتجام نهارًا.
والموضع التاسع: في كتاب الطب، باب الحجم في السفر، في السفر والإحرام، قاله ابن بحينة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- ، حديث ابن بحينه خرجه البخاري في موضع لاحق.
قال -رحمه الله-: حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس وعطاء عن ابن عباس قال: احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو محرم.
باب الحجم في السفر؛ لأن من لازم الإحرام أن يكون مسافرًا، باب الحجم في السفر والإحرام.
والموضع العاشر: في كتاب الطب، في باب الحجامة على الرأس، قال: وقال الأنصاري: أخبرنا هشام بن حسان قال: حدثنا عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم في رأسه.
والمناسبة ظاهرة، كتاب الطب، مناسبة الحجامة للطب؟
المقدم: ظاهرة.
ظاهرة، والحجامة على الرأس، احتجم على رأسه، ووُجد من يقول: إنها لا تسمى حجامة حتى تكون في القفا، على ما تقدمت الإشارة إليه، وفي الحديث رد عليه.
والحادي عشر: في كتاب الطب، في باب الحجامة من الشقيقة والصداع، قال: حدثني محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس قال: احتجم النبي -صلى الله عليه وسلم- في رأسه وهو محرم من وجع به، من وجع كان به بماء يقال له: لحي جمل.
موضع، خلافًا لمن يقول: إنه آلة؛ يعني كما في حديث.
المقدم: اختتن بالقدوم.
نعم، اختتن بالقدوم، منهم من قال: موضع، ومنهم من قال: آلة، وهنا: بماء يقال له: لحي جمل.
والثاني بعده مباشرة قال في الباب المذكور، قال: وقال محمد بن سواء: أخبرنا هشام عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به.
والمناسبة ظاهرة.
والشقيقة؛ لأن باب، باب الحجامة من الشقيقة والصداع، والشقيقة بوزن عظيمة: وجع يأخذ في أحد جانبي الرأس، أما الصداع؟
المقدم: في جميع الرأس.
في جميع الرأس.
في أحد جانبي الرأس أو في مقدمته، وذكر أهل الطب أنه من الأمراض المزمنة، قاله الحافظ.
وإن كان فيه وقت نتكلم على قول البخاري: وقال الأنصاري، وقال ومحمد بن سواء؟ فيه وقت ولا ما فيه؟ انتهى؟
المقدم: انتهى وقتنا.
لعله يأتي مناسبة، وقت مناسب له.
المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصوم في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم -بإذن الله تعالى- في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم، وسلام الله عليكم ورحمته الله وبركاته.