شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1426 هـ) - 27
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بضيف اللقاء فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، ونشكر له تفضله بشرح أحاديث هذا الكتاب، فأهلا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لا زلنا في الحديث عن أحكام الصوم في السفر والإفطار، وترجيح أهل العلم لهذه المسألة يا شيخ.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد؛
فمضى في الحلقة السابقة ذكر أقوال العلماء في الصوم في السفر، وأن جماهير أهل العلم على أنه يجوز إما على التخيير، أو على أن الصوم أفضل، أو على أن الفطر أفضل، هذا قول جماهير أهل العلم، والنصوص في ذلك مستفيضة، ومنها ما ذكره الإمام البخاري في هذا الباب، وأنها محمولة على أحوال متعددة، فأحيانًا يخير المسافر بين الصيام والفطر على واحد سواء، وأحيانًا يكون الصيام في حقه أفضل، وأحيانًا يكون الفطر في حقه أفضل، وأحيانًا يأثم إذا صام لا سيما إذا تضرر.
أهل الظاهر قابلوا قول الجمهور، فقالوا: لا يصح الصوم في السفر، لا يجوز، ولا يصح، ولا يجزئ، ولا ينعقد استدلالًا بالآية، الآية -آية البقرة- يقول القرطبي في تفسيره: استدل بهذه الآية -يعني قوله تعالى-: {فمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، {فمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]- استدل بها من قال: إن الصوم لا ينعقد في السفر، وعليه القضاء أبدًا، ولا حذف ولا إضمار، وبقوله -عليه الصلاة والسلام- : «ليس من البر الصيام في السفر»، وقالوا: ما لم يكن من البر فهو من أيش؟
المقدم: من الإثم.
من الإثم، فيدل ذلك على أن صوم رمضان لا يجوز في السفر، والجمهور يقولون فيه محذوف فأفطر، {فمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ} [البقرة: 185]، فأفطر {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] يعني فعليه، فيلزمه عدة من أيام أخر.
يقول: وهو الصحيح لحديث أنس قال: سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني إذا نظرنا إلى الآية بمفردها يترجح قول الظاهر أم يترجح، يعني ظاهر الآية؟
المقدم: نعم، ظاهر الآية نعم.
لكن ما الذي جعلنا نترك الظاهر، ونقدر؟ والأصل أن ما لا يحتاج إلى تقدير أولى مما يحتاج إلى تقدير، فالذي جعلنا نترك الظاهر الأحاديث، النبي -عليه الصلاة والسلام- صام في السفر، وهو الصحيح لحديث، والجمهور يقولون: فيه محذوف، فأفطر، وهو الصحيح لحديث أنس قال: سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، رواه مالك عن حميد الطويل عن أنس، وأخرجه مسلم عن أبي سعيد.
في شرح ابن بطال: قال ابن المنذر: في هذا الحديث من الفقه -حديث الباب-، قال: قال ابن المنذر: في هذا الحديث من الفقه تخيير الصائم في الصيام في السفر أو الفطر.
المقدم: الآية ممكن نعيدها فقط للإخوان لتبيين الفرق بينهما، في الآية الأولى -أحسن الله إليك- بالفاء: {فمَن كَانَ } [البقرة: 184]، في الآية الأولى في موضع، في البقرة: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة: 184].
فيها الفاء، و{ مِنكُم } [البقرة: 184].
المقدم: والثانية: { وَمَن كَانَ} [البقرة: 185].
نعم.
المقدم: { وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ } [البقرة: 185].
بدون { مِنكُم } [البقرة: 184].
شرح، في شرح ابن بطال قال ابن المنذر: في هذا الحديث من الفقه تخيير الصائم في الصيام في السفر أو الفطر، وفيه دليل على أن أمره تعالى للمسافر بعدة من أيام أخر إنما هو لمن أفطر، لا أن عليه الفطر ويقضي، يعني على كل حال، إنما إذا أفطر.
وفي عمدة القاري يقول العيني: وفيه -يعني الحديث- استحباب تعجيل الفطر، يعني المقاولة والمفاوضة التي حصلت بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وبين الصحابي تدل على أنه في أول الوقت، ولو كان قد مضى من الليل شيء ما راجع الصحابي.
فيه استحباب تعجيل الفطر، وسيأتي في ترجمة مستقلة، وفي حديث: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» وَفِيه: بَيَان أن انْتِهَاء وَقت الصَّوْم غروب الشمس وأنه متى تحقق كفى، وَهُوَ أَمر مجمع عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو عمر فِي الاستذكار: أجمع الْعلمَاء على أَنه إِذا حلت صَلَاة الْمغرب فقد حل الْفطر للصَّائِم فرضًا وتطوعًا.
قال العيني: وَأَجْمعُوا على أَن صَلَاة الْمغرب من صَلَاة اللَّيْل، وَالله -عزَّ وَجلَّ- قَالَ: {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} [الْبَقَرَة: 187]، وصلاة المغرب إنما تحل بغروب الشمس، بغروب الشمس، أجمعوا على أن صلاة المغرب من صلاة الليل، وجاء في الحديث عند أحمد وغيره: «إلا المغرب فإنها وتر النهار»، « فإنها وتر النهار»، وأضيفت للنهار؛ لملاصقتها ومجاورتها للنهار.
وَاخْتلفُوا فِي أَنه: هَل يجب تَيَقّن الْغُرُوب أم يجوز الْفطر بِالِاجْتِهَادِ؟
افترضوا أن ناسًا بينهم وبين رؤية غروب الشمس حائل، فمثل هؤلاء هل يُلزمون أن يذهبوا ليروا غروب الشمس، أو يعتمدوا على خبر ثقة رآها، أو يكفي غلبة الظن ما دام أقبل الليل بظلامه، وأدبر النهار بضوئه، ما دام ثبت هذا، وهي علامات شرعية، وإن لم تكن قطعية، يعني ما يلزم منها اليقين، يعني قد يكون إقبال الليل وإدبار النهار بسبب غيم، أو غبار، أو قطر، أو ما أشبه ذلك، فهذا مبني على غلبة الظن.
اختلفوا في أنه هل يجوز تيقن الغروب أو يجوز الفطر بالاجتهاد؟ قَالَ الرَّافِعِيّ: الْأَحْوَط أَن لَا يَأْكُل إلاَّ بِيَقِين غرُوب الشَّمْس؛ لِأَن الأَصْل بَقَاء النَّهَار، فيستصحب -يعني يستصحب هذا الأصل- إلى أن يُستيقن خِلَافه، وَلَو اجْتهد وَغلب على ظَنّه دُخُول اللَّيْل، فَفِي جَوَاز الأكل وَجْهَان: أَحدهمَا، وَبِه قَالَ الأستاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفراييني: أَنه لَا يجوز، وأصحهما: الْجَوَاز.
لأن غالب الأحكام مبنية على غلبة الظن، وعموم المسلمين إنما يفطرون بالاعتماد على المؤذنين، وقد يكون واحدًا فهو غلبة ظن.
قال: وَإِذا كَانَت الْبَلدة فِيهَا أَمَاكِن مُرْتَفعَة وأماكن منخفضة، فَهَل يتَوَقَّف فطر سكان الْأَمَاكِن المنخفضة على تحقق غيبَة الشَّمْس عِنْد سكان الْأَمَاكِن المرتفعة؟ الظَّاهِر اشْتِرَاط ذَلِك.
يعني بلد فيه جبال مرتفعة شاهقة، وفيه أودية سحيقة.
المقدم: هذا متحقق في مكة -شرفها الله- مثلًا يا شيخ؟
لا، هو أظهر الآن فيمن هو في الطائرة في سماء بلدة، هو في الطائرة...
المقدم: يرى الشمس.
يرى الشمس، والذي في البلد لا يرونها.
المقدم: لكن هذا ما يُحكم أنه في البلدة يا شيخ.
أيش؟ الهواء له حكم القرار.
المقدم: يعني لكن ما يقال: إنها الآن مستقرة مع أهل البلدة.
لكن هذه، أنا أقول: إشارتهم في هذا الكلام ينبني عليه مثل هذا.
المقدم: مثل هذا الحكم.
نعم؛ لأنهم يقررون أن الهواء له حكم القرار.
المقدم: لكن إذا قلنا بهذا يا شيخ، فالذي في الطائرة إذا رأى الشمس أهل البلدة ما يفطرون إلا إذا جاءهم خبر من صاحب الطائرة هذه أنها غابت، وهذا إشكال كبير على هذا الرأي؟
المقصود أن الله -جلَّ وعلا- لا يكلف نفسًا إلا ما أتاها، { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا } [الطلاق: 7]، فالإنسان إذا رأى أو عُرف بالأدلة والقرائن المتبعة، أو رآه أحد وأخبر البقية أن الشمس غابت، انتهى.
المقدم: خلاص، يفطر.
هذا ما آتاهم الله -جلَّ وعلا- من القدرة والعلم، فلا يلزمون أن يطلعوا على شواهق الجبال أو على الطائرات مثل ما قلنا سابقًا في رؤية الهلال، يعني ما يلزم أن نتخذ مناظير ودرابيل، لا، نحن مكلفون بما أُوتينا، وعلى هذا؛ إذا كانت الشمس تحقق غروبها لمن في الأرض يفطرون؛ لأن الفطر معلق بغروب الشمس، وهذا حصل، لكن الذي في الطائرة وهو يرى الشمس.
المقدم: ما غابت.
لا يفطر؛ لأنها ما غربت بالنسبة له.
يقول: وَإِذا كَانَت الْبَلدة فِيهَا أَمَاكِن مُرْتَفعَة وأماكن منخفضة، فَهَل يتَوَقَّف فطر سكان الْأَمَاكِن المنخفضة على تحقق غيبَة الشَّمْس عِنْد سكان الْأَمَاكِن المرتفعة؟ الظَّاهِر اشْتِرَاط ذَلِك، الظَّاهِر اشْتِرَاط ذَلِك.
هذا كلامه، لماذا؟ لأنها ما غابت بالفعل، وإنما حال دونها.
المقدم: الجبل.
الجبل.
المقدم: وبلدة حكمها واحد يمكن.
حكمها واحد، وما زالوا في القرار، يعني ما نقول: بعضهم في الهواء بحيث يختلف الحكم؛ لأن الذي في الطائرة وهو مرتفع ثلاثين ألف قدم، عشرة آلاف متر، يرى الشمس التي لم تغب عن البلدة التي بعدهم، أما بالنسبة لهم فباعتبار انخفاضهم...
المقدم: قد غابت.
قد غابت بلا شك، فيختلف الحكم حينئذ، لكن هل يلزم على هذا أن نقول: إن أهل الطائرة يفطرون؛ لأنهم لهم حكم القرار؟ لا؛ لأنهم يرون الشمس، والليل في حكم، في..، بالنسبة لهم؟
المقدم: لم يتحقق.
لم يتحقق.
يقول: وَفِيه جَوَاز الاستفسار عَن الظَّوَاهِر لاحْتِمَال أَن يكون المُرَاد إمرارها على ظواهرها، لاحْتِمَال أَن يكون المُرَاد..، ألا يكون المراد إمرارها على ظواهرها، هذا تقدم في حلقة مضت.
وَفِيه: أَنه لَا يجب إمْسَاك جُزْء من اللَّيْل مُطلقًا، وَفِيه: أَنه لَا يجب إمْسَاك جُزْء من اللَّيْل مُطلقًا، بل مَتى تحقق غرُوب الشَّمْس حل الْفطر.
عند أهل العلم: ما لا يتم الواجب إلا به...
المقدم: فهو واجب.
فهو واجب؛ كغسل جزء من الرأس، غسل جزء من الرأس، يعني لا يتحقق تعميم الوجه بالغسل إلا إذا غسلنا جزءًا من الرأس، وإمساك جزء من الليل؛ لأنه لا يوجد فاصل بين الليل والنهار، فلا يتحقق.. نتأكد أننا أنهينا النهار إلا إذا دخلنا في أول الليل، فهنا يقول: فيه أنه لَا يجب إمْسَاك جُزْء من اللَّيْل مُطلقًا، بل مَتى تحقق غرُوب الشَّمْس حلَّ الْفطر. والذي في الحديث هذا الكلام ولا يختلف؟
المقدم: «إذا رأيتم الليل أقبل» مما يدل على أن جزءًا يسيرًا من الليل دخل.
نعم، وغربت الشمس، فغروب الشمس يدل على وجود شيء من الليل.
المقدم: إقبال الليل.
نعم، وَفِيه: تذكير الْعَالم بِمَا يُخْشَى أَن يكون نَسيَه، تذكير الْعَالم بِمَا يُخْشَى أَن يكون قد نَسيَه.
لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال للرجل: «انزل فاجدح لي»، قال: يا رسول الله! الشمس، احتمال أن يكون؟
المقدم: نسي.
نسي -عليه الصلاة والسلام-، وردد ذلك مرارًا، فالعالم يُذكَّر بما يُخشى أن يكون قد نسيه.
وَفِيه: أَن الْأَمر الشَّرْعِيّ أبلغ من الْحسي، وَأَن الْعقل لَا يقْضِي على الشَّرْع.
لماذا؟ لأن الأثر، وهو ضحاح الشمس ونور الشمس الذي لم يغب بمغيبها يدل على وجودها، يعني كما في المثل العربي: البعرة تدل..
المقدم: على البعير.
على البعير، والأثر يدل..
المقدم: على المسير.
على المسير، فما دام الأثر موجودًا فالمؤثر موجود، فالصحابي استصحب هذا، وما دام نور الشمس وضححها موجودًا إذن هي موجودة، وهنا يقولون: فيه أَن الْأَمر الشَّرْعِيّ أبلغ من الْحسي، هذا استدلال بالحس، استدلال الصحابي، لكن جاءه الأمر الشرعي فيلزم، وَأَن الْعقل لَا يقْضِي على الشَّرْع.
وَفِيه كما قال أهل العلم: أَن الْفطر على التَّمْر لَيْسَ بِوَاجِب، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحبّ، لَو تَركه جَازَ.
من أين؟ «انزل فاجدح لي»، وما يخلط ليس فيه شيء من التمر.
وَفِيه: إسراع النَّاس إِلَى إِنْكَار مَا يجهلون، فِيه: إسراع النَّاس إِلَى إِنْكَار مَا يجهلون.
من اليسير أن يقول الإنسان إذا سمع المتكلم يتكلم بكلام لا يدركه ولا يعرف أبعاده، أو لم يمر على سمعه قبل ذلك، سهل أن يقول: لا، لا يا شيخ هكذا، الصحيح كذا؛ لأنه يجهل، وإنما يتوقع أن ما قاله الشيخ؛ لأنه يسمعه أول مرة، فينكر ما يسمعه، والناس أعداء لما يجهلون.
فِيه: إسراع النَّاس إِلَى إِنْكَار مَا يجهلون لما جهل من الدَّلِيل الَّذِي عَلَيْهِ الشَّارِع.
وَأَن الْجَاهِل بالشَّيْء يَنْبَغِي أَن يُسمح لَهُ فِيهِ الْمرة بعد الْمرة، وَالثَّالِثَة تكون فاصلة بَينه وَبَين معلمه؛ كما فعل الْخضر بمُوسَى -عَلَيْهِمَا السَّلَام-، {هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك} [الْكَهْف: 87].
يعني المقاولة بين النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحابي ثلاث مرات، فالجاهل يُعطى فرصة، ثم بعد ذلك يُبيّن له ما يجعله يكفّ.
قالوا: كَمَا فعل الْخضر بمُوسَى-عَلَيْهِمَا السَّلَام-، {هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك} [الْكَهْف: 87] المرة الأولى: لما خرق السفينة أنكر عليه موسى -عليه السلام-، المرة الثانية: لما قتل الغلام، فأنكر عليه موسى، المرة الثالثة: لما أقام الجدار، ثم بعد ذلك قَالَ: {هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك} [الْكَهْف: 87] يعني يحتمل الخطأ من الإنسان مرة مرتين ثلاثًا، لكن أكثر من ذلك؟
المقدم: ما يمكن.
ما يمكن لا سيما فيما يتعلق بالأحكام الشرعية، ومع ذلك لا بد من البيان، ما نقول: يخطئ مرة ويترك، ثم تترك له فرصة يخطئ مرتين فيترك.
المقدم: لا بد من البيان.
لا بد من البيان، يعني ما يقال مثل ما يقال: اترك لغير المعصوم مساحة يخطئ فيها، لا يُغلظ عليه ولا يعادى ولا يهجر من أجل خطأ لم يبين له، فيبين عليه ولو كان أول مرة، إنما التغليظ عليه حينما يتكرر منه الخطأ ويُبين له ولا يتراجع إلى الحق، يعني ما يرجع إلى الحق، لا سيما إذا كان البيان بالدليل؛ لأن بعض الناس يقول: اترك مساحة لغير المعصوم، دعه يخطئ، لكن إذا أخطأ فلا بد أن يبين له، ولو تُرك هذا يخطئ وذاك يخطئ مرة، مرتين، ولا يُنكر عليه، والثاني كذلك، والثالث، والعاشر، خفي الحق، ولا يوجد من يقوم لله بحجة، بل كل من أخطأ يبين له أنه أخطأ.
قال ابن حجر: وفيه إيماء إلى الزجر عن متابعة أهل الكتاب، فإنهم يؤخرون الفطر عن الغروب.
إيماء بالفعل، بفعله -عليه الصلاة والسلام-، فصارت مخالفته -عليه الصلاة والسلام- لهم بفعله.
وفيه البيان بذكر اللازم والملزوم جميعًا لزيادة الإيضاح.
اللازم والملزوم، اللازم: إدبار، إقبال الليل وإدبار النهار، من الملزوم الذي هو...
المقدم: الإفطار.
غروب الشمس، بيان اللازم والملزوم، البيان بذكر اللازم والملزوم جميعًا لزيادة الإيضاح.
وهذا الحديث خرجه الإمام البخاري في خمسة مواضع، في خمسة مواضع:
الأول: هنا في كتاب الصوم، باب الصوم في السفر والإفطار، قال: حدثنا علي بن عبد الله قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق الشيباني سمع ابن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فذكره، كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فذكره.
وسبق ذكر المناسبة.
الثاني: في كتاب الصوم أيضًا، في باب متى يحل فطر الصائم؟ باب متى يحل فطر الصائم؟ في الباب أربعة وأربعين، يعني بعد عشرة أبواب، يقول: وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس، قال -رحمه الله-: حدثنا إسحاق الواسطي قال: حدثنا خالد عن الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر وهو صائم الحديث. باب متى يحل فطر الصائم؟ برقم؟
المقدم: الحديث (1956) و(1955).
55، متى يحل فطر الصائم؟
المقدم: حديثين في الباب.
في باب متى يحل فطر الصائم؟ وباب يفطر بما تيسر من الماء أو غيره، لكنه في المختصر كرر واحدًا، متى يحل فطر الصائم؟ لكن الرقم...
المقدم: أخطأ فيه.
أخطأ فيه، الترجمة برقم (1955) وأما (1956) ترجم عليه البخاري باب يفطر بما تيسر من الماء أو غيره، والموضع الثاني لم يذكره المختصر، لكن حتى الموضع الأول نستغني بشرحه، بشرح الموضع الذي شرحناه عن شرحه في الموضع الثاني، ونكتفي بذكر الترجمة باب متى يحل فطر الصائم؟ وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس، قال -رحمه الله-: حدثنا إسحاق الواسطي قال: حدثنا خالد عن الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر وهو صائم، الحديث.
المناسبة ظاهرة.
يقول ابن حجر: غرض هذه الترجمة الإشارة إلى أنه هل يجب إمساك جزء من الليل لتحقق مضي النهار أم لا؟ وظاهر صنيعه يقتضي ترجيح الثاني أنه لا يلزم لذكره أثر أبي سعيد في الترجمة، لكن محله إذا ما حصل تحقق الغروب، يعني لو كان في بر، ولا يحول دونه ودون الشمس شيء، إذا تحقق لا يحتاج أن يمسك جزءًا من الليل، لكن إذا كان في بلد فالإمساك جزء من الليل لا شك أنه احتياط للواجب.
الموضع الثالث: في كتاب الصوم أيضًا، في باب ما يفطر، يفطر بما تيسر من الماء أو غيره، قال -رحمه الله-: حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الواحد قال: حدثنا الشيباني سليمان قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى قال: سرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو صائم، الحديث.
قال ابن حجر في شرح الترجمة: أي: سواء كان وحده أو مخلوطًا، الترجمة باب يفطر بما تيسر من الماء أو غيره، سواء كان منفردًا.
المقدم: أو مخلوطًا.
أو شربة ماء كما جاء في الحديث، أو كان مخلوطًا مع غيره، وفي رواية أبي ذر عن غير الكشميهني: بالماء، وذكر فيه حديث ابن أبي أوفى، وهو ظاهر فيما ترجم له، ولعله أشار إلى أن الأمر في قوله: «من وجد تمرًا فليفطر عليه»، « فليفطر» هذا أمر، «ومن لا، فليفطر على الماء» ليس على الوجوب، وهو حديث أخرجه الحاكم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس مرفوعًا، وصححه الترمذي وابن حبان من حديث سلمان بن عامر، وقد شذ ابن حزم، فأوجب الفطر على التمر وإلا فعلى الماء.
الرابع: في كتاب الصوم أيضًا، في باب تعجيل الإفطار، قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا أبو بكر عن سليمان عن ابن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فصام حتى أمسى.
باب تعجيل الإفطار، والمناسبة ظاهرة.
والموضع الخامس: في كتاب الطلاق.
المقدم: في أي باب؟
باب الإشارة في الطلاق والأمور، باب الإشارة في الطلاق والأمور، وقال ابن عمر -رضي الله عنهما: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يعذب الله بدمع العين، ولكن يعذب بهذا» فأشار إلى لسانه، وذكر أحاديث وآثارًا كثيرة في هذه الترجمة؛ للدلالة على ما ذهب إليه، وعندنا..
المقدم: حديث: فأشار، رمى بيده.
رمى بيده، يعني أشار بها، وأيضًا هاهنا إشارة.
قال -رحمه الله-: حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا جرير هو ابن عبد الحميد عن أبي إسحاق الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فلما غربت الشمس قال لرجل: «انزل فاجدح لي»، الحديث، وفيه: ثم أومأ بيده، حديث الباب أيش؟ ثم رمى بيده.
المقدم: هاهنا.
في حديث الباب هناك.
المقدم: أومأ.
في كتاب الطلاق، وفيه: ثم أومأ بيده إلى المشرق، رمى يعني أومأ، فقال: «إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم».
والمناسبة ظاهرة فيها الإيماء وهي الإشارة.
والحديث خرجه مسلم، فهو متفق عليه.
المقدم: يعني نستطيع أن نقول يا شيخ أنه على الأقل أن الرأي المرجح في هذه المسألة أن الأفضل في حقه هو الأسهل، إذا كان الأسهل عليه أن يصوم حتى لا يكلف ويثقل عليه القضاء فنقول له: صم، وإذا كان الأيسر والأسهل عليه أن يفطر في السفر لمشقة، فنقول له: أفطر؟
يعني هذا يأتي في الحديث الذي يليه.
المقدم: «إن شئت فصم».
«إن شئت فصم وإن شئت فأفطر»؛ لأنه ذكر من المبررات أنه يشق عليه الصوم وحده، وكثير من النساء، ويمكن نشير إلى هذا فيما بعد يشق عليها أن تقضي فيما بعد.
المقدم: فتضطر لأخذ حبوب.
نعم، تأخذ موانع من أجل أن تصوم مع الناس، فمثل هذا فيه مندوحة -إن شاء الله تعالى- يأتي بيانه.
المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصوم في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، شكرًا لطيب متابعتكم، لقاؤنا بكم -بإذن الله- في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.