شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1427 هـ) - 03
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسَلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وطابت أوقاتكم جميعًا بكل خير، أهلاً بكم.
إلى حلقةٍ جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع بداية الحلقة، يسرنا أن نُرحِب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المُستمعين.
المقدم: قال رحمه الله: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى».
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فراوي الحديث، حبرُ الأمة وتُرجمان القرآن، عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي- صلى الله عليه وسلم-، مرَّ ذكره مرارًا.
ومُطابقة الحديث للترجمة كسابقه، الحديث الذي قبله، من حيث إنه يُبيِّن الإبهام الذي في الترجمة، من حيث إنه يُبيِّنُ الإبهام: من مات وعليه صوم.
المقدم: نعم، البخاري أبهم.
في الحديث ما يُبيِّن هذا الإبهام، كالحديث السابق.
قوله: جاء رجلٌ، في روايةٍ: جاءت امرأةٌ، قال ابن حجر: تقدَّم القول في تسميتها في كتاب الحجِّ. والذي في جزاء الصيد من كتاب الحجِّ، يقول: باب الحجِّ والنذور عن الميت، والرجلُ يحجُّ عن المرأة من حديث ابن عباس: أن امرأةً من جُهينة، جاءت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن أمي نذرت أن تحُج، فلم تحُج حتى ماتت، أفأحجُّ عنها؟ قال «نعم، حُجي عنها. أرأيتِ لو كان على أمك دينٌ، أكُنتِ قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء».
كلام ابن حجر، الحديث الذي معنا في الصوم.
المقدم: طيب، هذا الإشكال ...
والذي أحال عليه حين قال: تقدَّم القول في تسميتها في كتاب الحجِّ، فكأن ابن حجر يرى أن الحديثين واحد.
المقدم: سألت عن الحج وعن الصوم.
أو عن الصوم أيضًا، كأنه يرى أنها قصة واحدة.
وسيأتي من كلام ابن حجر ما يدلُّ على أنهما قضيتان.
قوله: إن امرأةً من جُهينة، يقول ابن حجر: لم أقف على اسمها. امرأة من جُهينة، هذه التي في كتاب الحج، على اعتبار أن القصتين واحدة.
يقول: لم أقف على اسمها ولا على اسم أبيها، لكن روى ابن وهبٍ عن عثمان بن عطاء الخُراساني عن أبيه: أن غايثة أو غاثية، أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن أمي ماتت وعليها نذرٌ أن تمشي إلى الكعبة. فقال: «اقضي عنها» أخرجه ابن منده في حرف الغين المُعجمة من الصحابيات.
وروى النسائي وابن خزيمة وأحمد من طريق موسى بن سلمة الهُذلي: عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: أمرت امرأة سنان بن عبد الله الجُهَني زوجها، أن يسأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن أمها توفيت ولم تحُج. الحديث لفظ أحمد، ووقع عند النسائي: سِنان بن سلمة، بدل سِنان بن عبد الله، والأوَّلُ أصحُّ.
يقول ابن حجر: وهذا لا يُفسَّر به المُبهم في حديث الباب أن المرأة سألت بنفسها. في حديث الباب الذي هو ماذا؟
المقدم: في الحج، يا شيخ.
إن امرأة من جُهينة، نعم، في الحج.
وأيضًا غاثية قالت: إن أمي، سألت بنفسها. قال: وهذا لا يُفسَّرُ به المبهم في حديث الباب؛ لأن المرأة سألت بنفسها.
وفي هذا: أن زوجها سأل لها، ويُمكن الجمع بأن يكون نسبة السؤال إليها مجازية، وإنما الذي تولى لها السؤال زوجها.
يُمكن أيضًا أن يُقال: إنها أمرت زوجها أن يسأل، فلما سأل أرادت أن تتأكد بنفسها، كما فعل علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- حينما قال: كنت رجلاً مذَّاءً، أوصى المقداد، أمر المقداد أن يسأل النبي- عليه الصلاة والسلام- ثمَّ جاء ما يدلُّ على أنه سأل هو بنفسه. فالأمر في هذا سهل.
ويُمكن أن تكون النسبة، كما قال ابن حجر: مجازية، بمعنى أنها أمرت بالسؤال، فنُسِبَ إليها. يُقال: سألت؛ لأنها أمرت به.
المقدم: ممكن أن يكونوا حضروا الحادثة معًا، يا شيخ، السؤال معًا، فيكون الكلام مُشتركًا أحيانًا.
ما فيه ما يمنع، المقصود أن السؤال حصل عن هذه القضية من قِبَل هذه المرأة، سواءً كان بنفسها أو بواسطة أو بهما معًا.
جاء رجلٌ، قال ابن حجر: لم أقف على اسمه، واتفق من رواية زائدة وعبثر بن القاسم –يعني في هذا الحديث- على أن السائل امرأة، وزاد أبو حريز في روايته أنها خثعمية.
في ((عمدة القاري)) قال: وفي روايةٍ لمُسلم عن ابن عباسٍ: أن امرأةً أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ. وفي روايةٍ أخرى لمُسلم والنسائي عن ابن عباس، قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صومُ نذرٍ. يعني في قصة الحج، هي أمرت زوجها، وفي رواية مُسلم أن امرأة أتت النبي- عليه الصلاة والسلام- في الصوم، فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ.
وحديث الباب: جاء رجلٌ إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن أمي ماتت.
فكون هذه الروايات يُمكن التوفيق بينها، إما بالنسبة لأمرها لزوجها أن يسأل، ثمَّ تسأل هي، ممكن.
لكن رجل يسأل عن أمه وامرأة تسأل عن أمها، فهذا الذي يبعُد التوفيق بينهما.
في ((عمدة القاري)) وفي روايةٍ لمُسلم عن ابن عباسٍ أن امرأةً أتت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: إن أمي ماتت وعليها صومُ شهر، الحديث.
وفي روايةٍ أخرى لمُسلم والنسائي: عن ابن عباسٍ قال: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم نذرٍ.
قال ابن حجر: خالف أبو خالد جميع من رواه، فقال: إن أختي، وهذا أيضًا اختلافٌ آخر.
المقدم: صحيح، زادت.
وهي مذكورةٌ في متن الصحيح، في البخاري مذكورة.
المقدم: لفظة "أختي"؟
نعم، إن أختي.
ويُذكر عن أبي خالد قال: حدثنا الأعمش عن الحكم، ومُسلم بن البطين وسلمة بن كُهيل، عن سعيد بن جبير وعطاءٍ ومُجاهد، عن ابن عباس: قالت امرأةٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن أختي ماتت.
يعني هل نقول أيضًا: إن الخالة سألت؟
المقدم: نعم، ما يُمكن التوفيق بهذا؟ ما الذي يمنع أن تكون حوادث مُتكررة، يا شيخ؟
ما فيه ما يمنع، يأتي الكلام في هذا.
وقال حمادٌ في روايته: ذات قرابةٍ لها، إما أختها وإما ابنتها. وهذا أيضًا خلافٌ على وجهٍ رابع أو خامس.
وعليها صوم شهرٍ، هكذا في أكثر الروايات.
وفي رواية أبي حريز: خمسة عشرَ يومًا.
وفي رواية أبي خالد: شهرين مُتتابعين، نعم، شهرين مُتتابعين. لكن لم يذكر هذه الروايات البخاري في صحيحه.
قال ابن حجر: ادعى بعضهم أن هذا الحديث اضطَرب فيه الرواة عن سعيد بن جبير، فمنهم من قال: إن السائل امرأة، ومنهم من قال: رجل، ومنهم من قال: إن السؤال وقع عن نذر. فمنهم من فسره بالصوم، ومنهم من فسره بالحج. يعني نذر مُجمَل أو مُبهَم، عينهُ بعضهم بالصوم، وعينه بعضهم بالحج.
ومنهم من قال: إن السؤال وقع عن نذر. فمنهم من فسره بالصوم، ومنهم من فسره بالحج؛ لما تقدم في أواخر الحج. والذي يظهر أنهما قصتان، ويؤيده أن السائلة في نذر الصوم خثعمية، كما في رواية أبي حريز الُمعلقة. والسائلة عن نذر الحج جهنية، كما تقدم في موضعه.
لكن إحالة ابن حجر شرح هذا الحديث على ما تقدم في الحج، نعم، واضح في كونه يرى أنها قصة واحدة؛ لأنه لا ذكر للصوم في تلك الرواية ولا ذكر للحج في هذه الرواية، فكونه يُحيل في شرح هذا الحديث، ويُبيِّن المُهمل بما جاء في بعض طُرق حديث ما جاء في الحجِّ.
المقدم: معناه: إنه يؤيد هذا.
اتحاد القصة، وأنه حديث واحد.
ثمَّ قال هنا: والذي يظهر أنهما قصتان، ويؤيده أن السائلة في نذر الصوم خثعمية، كما في رواية أبي حريز الُمعلَّقة. والسائلة عن نذر الحج جهنية، كما تقدم في موضعه.
وقد قدمنا في أواخر الحج أن مسلمًا روى من حديث بريدة: أن امرأة سألت عن الحج وعن الصوم معًا.
فلعل هذا هو الذي جعل ابن حجر يُحيل على رواية الحج: أن مسلمًا روى من حديث بريدة: أن امرأة سألت عن الحج وعن الصوم معًا.
لكنه حديثُ آخر.
المقدم: حديث آخر باعتبار؟
باعتبار أن الراوي اختلف، هذا من حديث بُريدة وذاك من حديث ابن عباس.
لكن لا يمنع اختلاف الراوي من اتحاد القصة. اختلاف الراوي يجعلهما حديثين، لكن لا يمنع أن يرد في القصة الواحدة حديثان فأكثر.
وأما الاختلاف في كون السائل رجلاً أو امرأةً، والمسؤول عنه: أختًا أو أمًّا، فلا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث؛ لأن الغرض منه مشروعية الصوم أو الحج عن الميت، ولا اضطراب فيه. وقد تقدمت الإشارة إلى كيفية الجمع بين مُختلف الروايات فيه عن الأعمش.
ابن حجر يقول: ما لنا علاقة بالسائل والسائلة، يقول: كونه رجلًا أو امرأة، الميت رجل أو امرأة، قصة واحدة أو قصتين. المقصود أن ما يُفيدهُ الخبر من الصوم عن الميت والحج عن الميت، ما فيه اختلاف.
المحافظة من قِبَل الرواة، كما يُشير إليه كلام ابن حجر، إنما يكون من... المحافظة تكون في المقصود من الخبر.
لا في تسمية السائل أو السائلة، والمسؤول عنها، وهل هو حج أو صوم. وعلى كل حال، ثبوته في الحج ثابت، وثبوته في الصوم ثابت، ما فيه إشكال.
لكن الاضطراب يأتي من كونها أمًّا، من كونه يسأل عن أمه، أو تسأل عن أمها، أو عن أختها، أو بنتها. هذا لا يؤثر على الغرض من إيراد الحديث.
ولذا يقول: وأما الاختلاف في كون السائل رجلاً أو امرأةً، والمسؤول عنه: أختًا أو أمًّا، فلا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث؛ لأن الغرض منه مشروعية الصوم أو الحج عن الميت، ولا اضطراب فيه. وقد تقدمت الإشارة إلى كيفية الجمع بين مُختلف الروايات فيه عن الأعمش، والله أعلم.
وقال العيني، مُتعقبًا ابن حجر، قال: وقال بعضهم ما مُلخصه أن الاضطراب لا يقدحُ في موضع الاستدلال من الحديث، ورُدَّ بأنه كيف لا يقدح؟ والحالُ أن الاضطراب لا يكون إلا من الوهم، كما مرَّ، وهو مما يُضعف الحديث، يقول: كيف لا يقدح؟ والحالُ أن الاضطراب لا يكون إلا من وهم، كما مرَّ، وهو مما يُضعف الحديث.
وقال هذا القائل أيضًا في دفع الاضطراب فيمن قال: إن السؤال وقع عن نذرٍ، فمنهم من فسره بالصوم ومنهم من فسره بالحج، والذي يظهر أنهما قضيتان. ويؤيدهُ أن السائلة في نذر الصوم خثعمية، وعن نذر الحج جُهنية. ورُدَّ عليه بقوله أيضًا، وقد قدمنا في أواخر الحج: أن مُسلمًا روى من حديث بُريدة: أن امرأةً سألت عن الحج وعن الصوم معًا، فهذا يدلُّ على اتحاد القضية.
لا شك أن كلام ابن حجر فيه شيء من الاضطراب والتناقض، يعني كلام ابن حجر لا شك أنه مرةً يعتبرها قضية واحدة، ومرة قضيتين.
قلتُ- أقول أنا-: الاضطراب موجبٌ للضعف بلا شك، كما قال الحافظ العراقي في ألفيته، يعني حيثُ وقع في سندٍ أو متن؛ لإشعاره بعدم ضبط راويه أو رواته. لكن ابن القطَّان يرى، كما في ((بيان الوهم والإيهام))، يرى أن الاضطراب في السند ليس بعلة، إذا كان من يُروى عنه الحديث ثقة. لكن هل هذا اضطراب في السند أو في المتن؟
المقدم: هذا اضطراب في المتن.
في المتن.
أما الاضطراب في المتن، فهو الذي يؤثر قدحًا في الحديث عنده أيضًا. ((بيان الوهم والإيهام، الجزء الثالث، صفحة 339، والثالث 375)).
ما الذي جعل ابن القطَّان يُفرِّق بين الاضطراب في السند والاضطراب في المتن؟
يعني الاضطراب في السند إنما يكون بسبب الاختلاف في راوٍ من رواته، يُختلَف فيه على أوجه مُختلفة مُتساوية، لا بد أن تكون مُتساوية. وهذا الاختلاف متى يكون مؤثرًا؟
يكون مؤثرًا إذا كان الاختلاف بين الراويين، أحدهما ثقة والآخر ضعيف؛ لاحتمال أن يكون حقيقة الراوي الضعيف وليس بالثقة.
ونقول هنا أيضًا: الاختلاف والاضطراب في المتن في تعيين السائل هل هو رجل أو امرأة، لا يؤثر، كما أن الاضطراب في السند في تعيين الراوي بين ثقتين لا يؤثر.
الاضطراب في تعيين المُبهم في المتن لا يؤثر، كما لو لم يتم الوقوف عليه؛ فإنه لا يؤثر في الخبر.
افترض أن ما وقفنا عليه أصلاً، سُئل النبي- عليه الصلاة والسلام-.
وأما في السند، فإن لم يتم ذلك ولم يتوَّصل إليه، فإن تردد بين ثقتين، كالسُفيانين والحمَّادين، فإنه لا يضر أيضًا. وإن كان التردد بين ثقةٍ وضعيف، فلا شك أنه مؤثر.
أما كون المرأة قيل: إنها مرة من جُهينة ومرة من خثعم، وجعل ابن حجر القصة مُتعددة؛ لأن السائلة مرة خثعمية ومرة جُهنية، فهذا يُمكن تخريجه بأن تكون الجُهنية خثعمية، كيف؟ في ((نهاية الأرب)) للقلقشندي، يقول: بنو خثعمة، بطنٌ من شنوءة من الأزد من القحطانية.
ونحتاج إلى رابط بين خثعم وجُهينة، نحتاج إلى رابط.
المقدم: أحد قال إنها غامدية أيضًا، يا شيخ؟
لا.
المقدم: لماذا أنت أتيت برابط هنا؟
إلى الآن.. الآن قلت: بنو خثعمة كانوا في ((نهاية الأرب)) بطنٌ من شنوءة من الأَزدِ من القحطانية، دعنا نُكمل الكلام ثمَّ بعد ذلك..
وقال القلقشندي أيضًا: وبنو غامد واسمه: عمرو بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر، وهو شنوءة.
الآن بنو خثعم بطنٌ من شنوءة، وبنو غامد أيضًا نصر هو شنوءة. إذًا بنو خثعمة ينتسبون إلى شنوءة، وبنو غامد من شنوءة.
لماذا جئنا ببني غامد؟ ما له علاقة بالحديث، لكن جئت به للرابط؛ لأن في حديث المرأة التي زنت وهي مُحصنة في الصحيح، قيل: الغامدية في بعض الأحاديث، وفي بعضها: من جُهينة، أن امرأة من جُهينة.
النووي في ((شرح مُسلم)) قال: جاءت امرأة من غامد وهي بطنٌ من جُهينة.
فإذا كان بنو خثعم ينتسبون إلى شنوءة، وبنو غامد ينتسبون أيضًا إلى شنوءة، وبنو غامد بطنٌ من جُهينة.
المقدم: فجهينة من شنوءة.
كلاهما، الثلاث قبائل كلها تنتسب إلى شنوءة.
عرفت لماذا أتينا بغامد؟
ليكون رابطًا بين بنو خثعم وجُهينة؛ لأن النووي في ((شرح مُسلم)) قال: جاءت امرأة من غامد وهي بطنٌ من جُهينة.
إذًا غامد إنما جيء بها لمجرد الربط بين خثعمة وجُهينة.
وعلى هذا ينتفي الاضطراب من هذه الحيثية.
بعد هذا قال: أفأقضيه عنها؟ وفي روايةٍ: فأقضيه؟ بحذف همزة الاستفهام. يعني: أفأصوم عنها؟ قال: «نعم» أي اقضي عنها الصيام.
«فدينُ الله» تقدير الكلام: حق العبد يُقضى، نعم، فحق الله أحق، كما في الرواية الأخرى. يعني فدين الله أحق أن يُقضى.
أفعل التفضيل تحتاج إلى مُفضَّل ومُفضَّل عليه، والمُفضَّل عليه غير مذكور، فلابد من تقديره.
إذا كان دين المخلوق، حق العبد يُقضى، فحق الله أحق وأولى بالقضاء.
تقدَّم الخلاف في المسألة التي هي الصوم عن الميت مُطلقًا فيما يجب عليه، إما من رمضان أو النذر، وعرفنا أنه قيل بمقتضى الحديث، ورجحه النووي: وأنه يُصام عنه كل ما وجب، سواءٌ كان ذلك من رمضان أو النذر. وعرفنا أن الجمهور، يقول: لا يصوم أحدٌ عن أحد.
والمذهب عند الحنابلة: أنه يُقضى عن الميت النذر فقط.
هذا الكلام تقدَّم بشيءٍ من التفصيل.
مواقف الأئمة من هذا الخبر الذي يُفيد أن الصوم يُقضى، الإمام الشافعي في ((الجديد)) أجاب عنه الماوردي، بقوله: إن المُراد بالصيام عنه، ما يقوم مقام الصيام وهو الإطعام.
ماذا عن الإمام مالك؟
الإمام مالك، قال القرطبي: إنما لم يقُل مالك بحديث ابن عباس لأمور؛ أحدها: أنه لم يجد عليه عمل أهل المدينة، الثاني: أنه حديثٌ اختُلِفَ في إسناده ومتنه، الثالث: أنه رواه البزار وقال في آخره: لمن شاء، وهذا يرفع الوجوب الذي قالوا به.
أما بالنسبة لكون لم يجد عليه عمل أهل المدينة، فهذا أصل عند المالكية، عند الإمام مالك وتبناه واعتمده ويُعارض به الأحاديث الصحيحة. وله حجته، وكلام المالكية في هذا الأصل عندهم معروف.
أما الاختلاف والاضطراب، فقد تقدَّم ذكره أن هذا لا يؤثر على أصل القصة.
وأما الثالث: أنه رواه البزار وقال في آخره: لمن شاء، وهذا يرفع الوجوب الذي قالوا به، أولاً: الخبر ضعيف؛ لأن في إسناده ابن لهيعة.
المقدم: خبر البزار؟
نعم؛ لأن في إسناده ابن لهيعة، لمن شاء.
الأمر الثاني: أن التخيير هنا يُجيز الصيام عن الغير، قوله «لمن شاء» معناه: يجوز أن يصوم عنه.
المقدم: صحيح، والخلاف عندهم أصلاً في الجواز.
لا يجوز أبدًا، لا تدخله النيابة.
الرابع: أنه مُعارضٌ لقول الله تعالى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} [سورة الأنعام 164]، وقوله: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [سورة الأنعام 164]، وقوله: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النجم 39].
الخامس: أنه مُعارضٌ لما أخرجه النسائي عن ابن عباس، أنه قال: لا يُصلي أحدٌ عن أحد، ولا يصوم أحدٌ عن أحد، ولكن يُطعِم عنه مكان كل يومٍ مُدًا من طعام.
السادس: أنه مُعارضٌ للقياس الجلي، وهو أنه عبادةٌ بدنية، فلا مدخل للمال فيها ولا يُفعَل عن ما وجبت عليك كالصلاة ولا يُنقضُ بالحجِّ؛ لأن للمال فيه مدخلاً. انتهى.
أما خبر ابن عباس في الصحيح أنه موقوفٌ عليه، فلا يُعارض به المرفوع.
وأما كونه معارضًا للقياس الجلي، فالقياس إذا عارض النص الصحيح المرفوع، فهو فاسد الاعتبار.
عرفنا جواب الشافعية عن إمامهم، وجواب المالكية، بقي جواب الحنفية.
المقدم: لعلنا نُرجئها- إن شاء الله- في مطلع الحلقة القادمة، أحسنَ الله إليكم.
أيها الأخوة والأخوات، بهذا نصل إليكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصوم في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
لقاؤنا بكم في الحلقة القادمة- بإذن الله- وأنتم على خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.