شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (114)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أيُّها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم" شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين قسم السنة وعلومها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فأهلاً بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لازلنا في كتاب العلم وبالذات في حديث أنس- رضي الله عنه- الذي قرته في الحلقة الماضية، وأسلفتم- أحسن الله إليكم- الحديث عن بعض ألفاظه، نستكمل ما تبقى في هذا الحديث.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ذكرنا في آخر الحلقة السابقة لابن بطال أنه استنبط من الحديث من قوله: «إذ دخل رجلٌ»، أو «دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد» استنبط منه ابن البطال طهارة أبوال الإبل وأرواثها؛ إذ لا يؤمن ذلك في بعير مدة كونه في المسجد، ولم ينكره النبي- عليه الصلاة والسلام-.
مسألة أبوال وأرواث ما يأكل لحمه مسألة خلافية بين أهل العلم، لكن هذا الرجل أناخ بعيره في المسجد كما هو صريح لفظ حديث الباب، لكن ابن حجر- رحمه الله- قال: دلالته غير واضحة، وإنما فيه مجرد احتمال، ويدفعه رواية أبي نعيم؛ لأن الحافظ- رحمه الله- شافعي المذهب، والشافعية عندهم أنَّ أبوال ما يؤكل لحمه والأرواث، الأبوال عمومًا نجسة، وكذلك الأرواث نجسة، يقول: ودلالته غير واضحة، وإنما فيه مجرد احتمال، ويدفعه رواية أبي نعيم: «أقبل على بعير له حتى أتى المسجد فأناخه، ثم عقله فدخل المسجد» فهذ السياق يدل على أنَّه ما دخل به المسجد، وأصرح منه رواية ابن عباس عند أحمد والحاكم، ولفظها: «فأناخ بعيره على باب المسجد فعقله ثم دخل»، فعلى هذا في رواية أنس مجاز الحذف -يقول ابن حجر-: والتقدير فأناخه في ساحة المسجد أو نحو ذلك، لا شك أنَّ الدلالة مجرد احتمال حتى لو دخل، لو قدر أنه دخل كما هو صريح في طواف النبي- عليه الصلاة والسلام- على البعير، صريح نعم دخل المسجد، الطواف لا يصح إلا في المسجد، يبقى أيضًا أنه مجرد احتمال، يعني هل بال أو ما بال؟ مسألة ثانية، هو مجرد احتمال لكن هل فيه مستمسك لمن يقول بنجاسة أبوال الإبل؟ هذا أبعد في الاستدلال، هذا ما فيه احتمال.
وأصرح من ذلك كله أمره -عليه الصلاة والسلام- بشرب أبوالها بالنسبة للذين اجتووا بالمدينة، والقصة معروفة في الصحيح، هذا من أصرح الأدلة على طهارة أبوال الإبل، ثم قال: «أيكم؟» استفهام مرفوع على الابتداء خبره محمد، والنبي- صلى الله عليه وسلم- متكئ بالهمز مستوٍ على وطاء، والجملة اسمية وقعت حالًا، والنبي- عليه الصلاة والسلام- متكئ أيضًا حال أن النبي- عليه الصلاة والسلام- كان متكئًا، «بين ظهرانيهم» بفتح الظاء المعجمة، نقول: بفتح الظاء المعجمة، لكن عندهم وصف للظاء لا يشركها فيه إلا الطاء، يسمونها ماذا؟ إذا كان الاشتباه بين ضاد وظاء، الظاء ماذا؟ المشالة.
المقدم: المشالة.
نعم، بفتح الظاء المشالة أي المعجمة، والنون أي بينهم، وزيد لفظ الظهر؛ ليدل على أن ظهرًا منهم قدامه، وظهرًا وراءه، فهو محفوف بهم من جانبيه، والألف والنون فيه للتأكيد، قاله صاحب الفائق، من صاحب الفائق؟ الزمخشري نعم.
«فقلنا: هذا الرجل الأبيض»، هذا الرجل الأبيض جاء وصفه- عليه الصلاة والسلام- في الصحيح لم يكن أبيض ولا آدم، هنا قال: «هذا الرجل الأبيض» نعم. يعني المشرب بحمرة، ليس بياضه..
المقدم: خالصًا.
خالصًا، ولذا جاءنا في كونه- عليه الصلاة والسلام- أمهق، مشرب بحمرة كما جاء في وصفه في الصحيح بأنه- عليه الصلاة والسلام- لم يكن أبيض ولا أدم، أي لم يكن أبيض بياضًا صرفًا، بل هو مشربٌ بحمرة، «فقال له الرجل: ابن عبد المطلب» بفتح النون ابن منادى مضاف، وفي رواية أبي داود: «يا ابن عبد المطلب»، كذلك في رواية الكشميهني.
قال ابن بطال: فيه جواز تسمية الأدون للأعلى دون أن يكنيه، لكنه خلاف الأولى، يكلم الصغير رجلًا كبيرًا له أولاده، وله قدر بين الناس يقول يا فلان، إما أن يلقبه بما يدل على تعظيمه إياه أو يكنيه على أقل الأحوال، ففيه، يقول: فيه جواز تسمية الأدون للأعلى دون أن يكنيه ويناديه بحطة يعني باسمه المجرد إلا أن ذلك منسوخ في حق الرسول- عليه الصلاة والسلام- بقوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [سورة النور: 63]، لكنه خلاف الأولى، يعني إن جاء من هذا الرجل، ولم ينكره النبي- عليه الصلاة والسلام-، النبي- عليه الصلاة والسلام- لأدبه الكامل كنى الطفل الصغير، «يا أبا عمير، ما فعل النغير» كنى.
قال أبو الزناد: فيه جواز الاتكاء بين الناس في المجالس، الاتكاء. وقال غيره في قولهم: «هذا الأبيض» يجوز أن يعرف الرجل بصفته من البياض والحمرة والطول والقصر، يجوز أن يعرّف، لكن إذا كان ذلك لمجرد التعريف، وإلا إذا تضمن هذا الوصف الانتقاص لهذا المعرف فإنَّه لا يجوز، وقد نهينا عن التنابز بالألقاب، لكن إذا كان الشخص لا يعرف إلا بهذا الوصف، نعم حميد الطويل مثلًا، عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، سليمان بن مهران الأعمش، وهكذا إذا كان لا يعرف إلا بهذا، ولم يكن القصد منه التنقص والازدراء فلا بأس، فقال له النبي- عليه الصلاة والسلام-: «قد أجبتك» أي سمعتك، أو المراد إنشاء الإجابة، قال القسطلاني: لم يجبه النبي- عليه الصلاة والسلام- بنعم؛ لأنه أخل بما يجب من رعاية التعظيم والأدب، حيث قال: «أيكم محمد؟»، كذا قال القسطلاني، فقال الرجل للنبي- صلى الله عليه وسلم-.
المقدم: لكن يا شيخ «قد أجبتك» فيها هي أقل من قوله نعم، أقل في التقدير والاحترام.
نعم. من أي وجه؟ من أي وجه صارت أقل؟
المقدم: غريبة أنها أقل.
النسائي ذكرت. نعم. «فقال الرجل: ابن عبد المطلب» ما قال: نعم، «قال ابن عبد المطلب» يعني يا ابن عبد المطلب.
المقدم:« قال: قد أجبتك».
واضحة. واضحة أنها أقل من نعم، ومثل هذا الأسلوب مستعمل أيضًا.
المقدم: نعم.
«فقال الرجل للنبي- صلى الله عليه وسلم-: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة»، إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، في شرح ابن بطال، قال أبو الزناد: فيه من الفقه أن يقدم الإنسان بين يدي حديثه مقدمة يعتذر فيها ليحسن موقع حديثه عند المُحدَّث، ويصبر له على ما يأتي منه، وهو من حسن التوصل، ومع ذلك فالجفاء ظاهر في أسلوبه وخطابه، «إني سائلك فمشدد عليك في المسألة»، هذا مع كريم خلقه- عليه الصلاة والسلام-، وإلا لو قيلت لبعض الناس ما تحمل، أقل الأحوال يقول: أنا مشغول، اذهب لغيري، على حد زعمه أنَّه يريد أن يمتص هذا التشديد، كثير من الناس إذا جاء السائل وقال: أريد منك خمس دقائق، قال: أنا مشغول، لكن لو ألقى عليه السؤال مباشرة وصار يأخذ معه ويعطي وأخذ عشر دقائق مشت الأمور، فما فيه شك أن النبي- عليه الصلاة والسلام- على خلق عظيم.
المقدم: عليه الصلاة والسلام.
يقول الحافظ: العذر عنه، لا شك أن فيه جفاءً، سؤاله فيه جفاء، لكن اعتذر عنه يقول ابن حجر: العذر عنه إن قلنا إنه قدم مسلمًا أنه لم يبلغه النهي، وكانت فيه بقية من جفاء الأعراب، وقد ظهرت بعد ذلك في قوله: «فمشدد عليك في المسألة»، وكان الصحابة يعجبهم أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله- عليه الصلاة والسلام- وهم يسمعون؛ لأنهم نهوا عن السؤال {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [سورة المائدة:101].
«فلا تجد علي» أي لا تغضب، ومادة وجد متحد الماضي والمضارع، مختلفة المصادر بحسب اختلاف المعاني، يعني نظير ماذا؟ رأى يرى. مختلفة المصادر، متحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر، رأى يرى رؤيا ورأيًا ورؤيةً كل واحدة لها معنى، وهنا الماضي والمضارع متحد والمصادر مختلفة بحسب اختلاف المعاني، بالنسبة للمصادر يقال في الغضب موجدة، وفي المطلوب وجودًا، وفي الضالة وجدانًا، وفي الحب وجدًا، وفي المال وجدًا، وفي الغنى جِدةً،
إن الشباب والفراغ والجِدة مفسدة للمرء أي مفسدة
جِدَ بكسر الجيم وتخفيف الدال المفتوحة على الأشهر في جميع ذلك، وقالوا في المكتوب وِجادة، وهذا مولد، المصدر هذا مولد، هذا ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وتعقبه العيني بقوله:
قلت: لا نسلم بذلك، بل يقال: وجد مطلوبه يجده بكسر الجيم، ويجُده بالضم وهي لغة عامرية، ووِجد بكسر الجيم؛ لأنه طرد الحافظ الماضي والمضارع على صورة واحدة، العيني يستدرك عليه باللغة العامرية يَجُد، لكن هذا اللفظ إذا كان في باب الجود، جاد يجود إذا كان مجزومًا، قلت لم يَجُد، يقول: هذه لغة عامرية، ووجِد بكسر الجيم، وهذا يرد على الماضي الذي قرره ابن حجر لغة، قاله في العباب، في العباب لمن؟ للصاغاني كتاب في اللغة، وكذلك يقال: وجد عليه بالغضب يجد بكسر الجيم، ويجُد بضمها، موجدة وجدانًا أيضًا حكاه بعضهم، وكذا يقال: وجد في المال وجدًا ووجدًا ووجدًا ووجِدًا أربعة مصادر، وقرأ الأعرج ونافع وغيرهما: {من وَجْدكم}، {من وجدكم}، وقرأ أبو الحسن: {من وِجدكم} بكسر الواو، هناك بفتح الواو {وَجدكم}، وقرأ أبو الحسن: {من وِجدكم} بالكسر، والباقون: {من وُجدكم} بالضم، هذا استدراك على ما قاله ابن حجر.
يقول ابن حجر في الانتقاض: لم يأتِ بشيء ينقض الدعوة الأولى، وهذا كلام ينقض أم ما ينقض؟
المقدم: ينقض في الظاهر.
لكن ابن حجر قال: على الأشهر في جميع ذلك يأتينا بلغيات وغرائب، وابن حجر يقول: على الأشهر في جميع ذلك، هذا ليس الأشهر، هذا ينقض أم ما ينقض؟ ما ينقض؛ لأن ابن حجر قيد بالأشهر، وفي المبتكرات يقول: بالتأمل في كلام الشيخين وجد أنهما متفقان في المشهور من اللغات، وابن حجر أشار إلى أن ما لم يذكره خلاف المشهور، وبمراجعة كتب اللغة وجد أن ما عدا ما ذكره ابن حجر لغيات، بل اللغة العامرية لا نظير لها في باب المثال، بل هي لُغيّة، والحاصل أن هذه المسألة من المسائل الهينة.
يقوله صاحب المبتكرات، فالظاهر أن كلام العيني يخرجه التقييد بالشهرة عند ابن حجر، وهذه المستدركات ليست بمشهورة، «فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: سل عما بدا لك؟» أي ظهر، «فقال الرجل: أسألك بربك ورب من قبلك، أسألك بربك ورب من قبلك. آلله؟» بهمزة الاستفهام الممدودة والرفع على الابتداء، والخبر قوله: «أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال النبي- عليه الصلاة والسلام-: اللهم، نعم». أصله يا الله، حذف حرف النداء وعوض عنه الميم، «نعم» أي أرسلني إلى الناس كلهم كما في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سورة سبأ:28]. «قال الرجل: أنشدك» بفتح الهمزة وضم المعجمة، وأصله من النشيد وهو رفع الصوت، والمعنى سألتك رافعًا نشيدتي، قاله البغوي في شرح السنة، وقال الجوهري: ناشدتك بالله، أي سألتك بالله، كأنك ذكرته فنشد أي تذكر. «آلله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس»، تصلي ونصلي، بنون الجمع نصلي للأصيلي، واقتصر عليه في فرع اليونينية، ولغيره تصلي بتاء الخطاب، ومعلوم أن كل ما وجب عليه وجب على أمته- عليه الصلاة والسلام- حتى يقوم الدليل على الخصوصية.
في اليوم والليلة، قال- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم نعم، قال الرجل: أنشدك بالله، آلله» بالمد أيضًا «أمرك أن تصوم»؟ بتاء الخطاب، وللأصيلي: «أن نصوم» بالنون، «هذا الشهر من السنة» يعني رمضان من كل سنة، «هذا الشهر من السنة»؟ اللام في الشهر والسنة لماذا؟ للعهد، هذا الشهر، الإشارة لماذا؟ «هذا الشهر من السنة» وجاء في رمضان؟ لا، الإشارة للنوع. نعم، لا للعين، «قال-عليه الصلاة والسلام-: اللهم نعم، قال الرجل: أنشدك بالله، آلله» بالمد أيضًا «أمرك أن تأخذ» بتاء المخاطب، أي بأن تأخذ هذه الصدقة المعهودة، وهي الزكاة، يعني امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة:103]، «من أغنيائنا فتقسمها» بتاء المخاطبة المفتوحة وبالنصب عطف على أن تأخذ «على فقرائنا» من تغليب الاسم للكل بمقابلة الأغنياء، من تغليب الاسم للكل بمقابلة الأغنياء أو خرج مخرج الأغلب، يعني الأغلب من الأصناف الثمانية الفقراء، بقية الأصناف تقسم بينهم الزكاة لكن الأغلب الفقراء.
المقدم: التغليب للفقراء؟
نعم، «فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: اللهم نعم» قال القسطلاني: لم يتعرض للحج. وقال بعضهم: لأنه كان معلومًا في شريعة إبراهيم- عليه الصلاة والسلام-، وكأنهم لم يطلعوا على ما في صحيح مسلم، فقد وقع فيه ذكر الحج، ثابتًا عن أنس، وكذا في حديث أبي هريرة وابن عباس عندهم، وقيل: إنما لم يذكره؛ لأنه لم يكن فرضًا، وهذا بناء على قول الواقدي وابن حبيب، أن قول ضمام كان سنة خمس، وهو مردود بما في مسلم أن قدومه كان بعد نزول النهي عن السؤال في القرآن، قدوم ضمام كان بعد نزول النهي عن السؤال في القرآن، وهو في المائدة، ونزولها متأخر جدًّا، وبما علم أن إرسال الرسل إلى الدعاء للإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية، ومعظمه بعد فتح مكة، وبما في حديث ابن عباس أنَّ قومه أطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخل بنو سعد، وهو ابن بكر بن هوازن في الإسلام إلا بعد وقعة خيبر، وكانت في شوال، حنين، يعني خيبر سنة سبع، وهذه في شوال سنة ثمانٍ.
المقدم: ثمانٍ.
نعم، إلا بعد وقعة حنين وكانت في شوال سنة ثمان، والصواب أن قدوم ضمام كان في سنة تسع، وبه جزم ابن إسحاق وأبو عبيدة وغيرهما، وأبدى الكرماني احتمالًا لعدم ذكر الحج أنه لم يكن من أهل الاستطاعة، ما سأل عن الحج، فقال الرجل المذكور لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «آمنت بما» أي بالذي جئت به من الوحي، قال القسطلاني: وهذا يحتمل أن يكون إخبارًا، وإليه ذهب المؤلف، إخبارًا، يعني آمنت سابقًا يقابله يقابل الإخبار ماذا؟ الإنشاء، أنه آمن الآن لمَّا تأكد من صحة ما سمع، يحتمل أن يكون إخبارًا، وإليه ذهب المؤلف، من أين يؤخذ؟ من أين يؤخذ؟ ترجيح المؤلف أنه إخبار، من أين نأخذه؟ نعم، آمنت محتملة للإنشاء والإخبار.
طالب:.....
لكن يحتمل أنه ما أسلم، جاءهم الرسول ما أسلم إلا بعد أن تثبت؛ لأنه لو لم يسلم إلا بعد ما تثبت ما صار عرضًا، هو صدّق المخبِر فجاء يعرض ما صدق به وإلا ما يصير عرضًا، يصير تلقيًا جديدًا، من هذه الحيثية يقول: وهذا يحتمل أن يكون إخبارًا، وإليه ذهب المؤلف، ورجحه القاضي عياض، وأنه حضر بعد إسلامه مستثبتًا من الرسول- صلى الله عليه وسلم- ما أخبره به رسوله إليهم؛ لأنه قال في حديث ثابت عن أنس عند مسلم وغيره: «فإن رسولك زعم» طيب رسولك زعم، كلمة زعم تشعر بأنه صدقه أم لم يصدقه؟
المقدم: فيها إشعار بعدم التصديق.
لكن زعم بمعنى قال، زعم بمعنى قال، هذا مستعمل كثير معروف في اللغة، وكثيرًا ما يقول سيبويه في كتابه: زعم خليل، ويوافقه، يقول: «وأنا رسول من ورائي»، «مِن» بكسر الميم «قومي، وأنا رسول من ورائي من قومي، بني سعد بن بكر، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر بن هوازن»، قال الكرماني: وهم أظئار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان مسترضعًا- عليه الصلاة والسلام- في بني سعد، وفي العرب سعود، سعود جمع؟ سعد، وفي العرب سعود قبائل شتى منها: سعد تميم وسعد هزين وسعد قيس وسعد بكر هذا، وفي المثل بكل وادٍ...
المقدم: بنو سعد.
بنو سعد، قال القاضي عياض: الظاهر أن هذا الرجل لم يأت إلا بعد إسلامه، وإنما جاء مستثبتًا ومشافهًا للنبي- صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن الصلاح: فيه دلالة لصحة ما ذهب إليه العلماء من أن العوام المقلدين مؤمنون، وأنه يكتفى منهم بمجرد اعتقاد الحق جزمًا من غير شك، وتزلزل خلافًا للمعتزلة، المعتزلة يرون أنه لا يصح إيمانهم إلا إذا توصلوا بأنفسهم إلى حقائق الإيمان من خلال الأدلة والنظر. وذلك أنه- صلى الله عليه وسلم- أقر ضمامًا على ما اعتمد عليه في تعرف رسالته وصدقه بمجرد إخباره إياه، بمجرد إخباره بذلك ولم ينكر عليه، ولا قال له: يجب معرفة ذلك بالنظر في معجزاتي والاستدلال بالأدلة القطعية.
وفي الحديث قبول خبر الواحد، ولا يقدح مجيء ضمام مستثبتًا؛ لأنه قصد اللقاء والمشافهة، وقد رجع ضمام إلى قومه وحده فصدقوه وآمنوا كما في حديث ابن عباس، وفيه نسبة الرجل إلى جده لقوله: « ابن عبد المطلب»، وقد انتسب النبي- صلى الله عليه وسلم- كذلك يوم حنين «أنا ابن عبد المطلب». وفيه الاستحلاف على الأمر المحقق لزيادة التأكيد، آلله. نعم، أنشدك بالله، المقصود أنَّ فيه الاستحلاف على الأمر المحقق لزيادة التأكيد، وفي مناسبات كثيرة يحلف النبي -عليه الصلاة والسلام-: «والذي نفسي بيده»، « لا ومقلب القلوب» إلى غير ذلك في الأمور المهمة.
وقد أمر الله- عز وجل- نبيه- عليه الصلاة والسلام- أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه، الأول في يونس: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [سورة يونس:53]، الثاني في سبأ الآية الثالثة: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سورة سبأ:3]، وفي الثالث التغابن: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [سورة المنافقون:7].
المقدم: نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لكل خير، جزاكم الله كل خير على هذا البيان، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل إلى ختام حلقتنا، نلقاكم بإذن الله في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، والسلام علكم ورحمة الله وبركاته.