شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (116)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدًا وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقةٍ جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لازلنا في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، في بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتابه إلى عظيم البحرين، ليبعثه إلى كسرى في الحديث، أسلفتم في الحلقة الماضية ذكر الألفاظ حوله، لعلنا نستكمل يا شيخ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدم: اللهم صلِّ وسلم عليه.
لما مزّق كسرى كتاب النبي -عليه الصلاة والسلام-، فدعا عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يمزّق الله ملكه، وأن يُمزّقوا كل ممزق، وأجيبت الدعوة النبوية، يقول الكرماني في شرحه: يُقال في التاريخ: إن ابنه–ابن كسرى- شيراويه، قتله بأن مزّق بطنه.
المقدم: الله أكبر.
ثم لم يلبث بعد قتله إلا ستة أشهر.
المقدم: قتل والده يعني.
قتل والده، ثم لم يلبث بعده إلا ستة أشهر، يُقال: إنه لما أيقن بالهلاك، وكان مأخوذًا عليه فتح خزانة الأدوية، ممنوعًا من فتح خزانة الأدوية، وكتب على حقة السم، على حقة، الحقة الوعاء الذي فيه السم القاتل.
المقدم: نعم.
الدواء النافع للجماع.
المقدم: حتى يأخذه.
نعم.
المقدم: سبحان الله.
كُتب عليها هكذا..
المقدم: لا إله إلا الله.
نعم، هكذا قال الكرماني، وينقل من كتب التواريخ، وكان ابنه مولعًا بذلك.
المقدم: لا إله إلا الله.
فاحتال في هلاكه، فلما قتل أباه فتح الخزانة فرأى الحقة، فتناول منها فمات، من ذلك السم.
المقدم: سبحان الله العظيم.
ولم يقم لهم بعد الدعاء عليه أمرٌ نافذ، بل أدبر عنهم الإقبال، ومالت عنهم الدولة، وأقبلت عليهم النحوس، حتى انقرضوا عن آخرهم في خلافة عمر -رضي الله عنه- حين توجيه سعد بن أبي وقاص إلى العراق.
يقول ابن حجر: جزم ابن سعد بأن بعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى كان في سنة سبع في زمن الهدنة، وهو عند الواقدي من حديث شفاء بنت عبد الله بلفظ: "منصرفه من الحديبية"، وصنيع البخاري -رحمه الله تعالى- يقتضي أنه كان في سنة تسع، فإنه ذكره بعد غزوة تبوك، وذكر في آخر الباب حديث السائب أنه تلقّى النبي- عليه الصلاة والسلام-..
المقدم: عليه الصلاة والسلام.
لما رجع من تبوك، إشارةً إلى ما ذكرت، وقد ذكر أهل المغازي أنه -صلى الله عليه وسلم-..
المقدم: عليه الصلاة والسلام.
لما كان بتبوك كتب إلى قيصر وغيره، وهي غير المرة التي كتب إليه مع دحية، فإنها كانت في زمن الهدنة، كما صُرِّح به في الخبر، وذلك سنة تسع، فيدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كتب إلى هؤلاء أكثر من مرة، -عليه الصلاة والسلام-.
في شرح ابن بطال: في الحديث دليلٌ على أن الرجل الواحد يُجزئ حمله لكتاب الحاكم إلى حاكمٍ آخر، فلم يشترط التعدد، إذا لم يشك الحاكم في الكتاب، ولا أنكره، كما لم ينكر كسرى كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا شك فيه، وليس من شرط ذلك أن يحمله شاهدان كما يصنع اليوم، كما يصنع اليوم القضاة والحكام، وإنما جعل الحكام شاهدين في ذلك، لما دخل الناس من الفساد، واستعمال الخطوط ونقوش الخواتم، فاحتيط لتحصين الدماء والأموال بشاهدين.
لا شك أن الحقوق مبناها على التحري والاحتياط، فإذا اختلفت أحوال الناس وأوضاعهم، ودخلهم الاحتيال..
المقدم: والجشع.
واحتمال التزوير، واحتمال.. لا بد أن يكون البعث مع اثنين،؛ لأنهما بمنزلة الشهود، لكن لو كانت المسألة مبنية على، لو كان المبعوث معه ثقة، تطمئن النفس إليه، يكفي وحده، وهذا هو الأصل، وقال الكرماني: وفي الحديث مكاتبة الكفار، ودعاؤهم إلى الإسلام، وجواز العمل بالكتاب، وبخبر الواحد، وجواز الدعاء على الكفار إذا أساؤوا الأدب وأهانوا الدين.
وهذا الحديث خرّجه الإمام البخاري -رحمه الله- في أربعة مواضع: الأول: هنا في كتاب العلم، باب ما يُذكر في المناولة، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبد الله، قال: حدثني إبراهيم بن سعدٍ، عن صالح وهو ابن كيسان، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره، «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث بكتابه رجلًا» فذكره، وسبق بيان المناسبة، وهي ظاهرة.
الثاني: في كتاب الجهاد، في باب دعوة اليهود والنصارى، وعلامَ يُقاتلون عليه، وما كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر، والدعوة قبل القتال، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثنا الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس أخبره، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث بكتابه إلى كسرى، الحديث، والمناسبة بين الحديث والترجمة ظاهرة.
المقدم: الترجمة ما هي، أحسن الله إليك؟
كتاب الجهاد، باب دعوة اليهود والنصارى، وعلامَ يُقاتلون، وما كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر، هذه الترجمة، والدعوة قبل القتال، الخبر كتابة إلى كسرى، والترجمة فيها: وما كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر، فالمطابقة، ومناسبة الباب إلى كتاب الجهاد ظاهرةٌ أيضًا.
المقدم: لأنهم.
لأن الدعوة تتقدم الجهاد.
المقدم: نعم.
والجهاد لا يُلجأ إليه إلا بعد..
المقدم: الدعوة.
الدعوة.
الموضع الثالث: في كتاب المغازي، في باب كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن ابن عباسٍ أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-..
المقدم: -عليه الصلاة والسلام-.
بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، وهنا وقع تعيين المبهم، بعث بكتابه رجلًا.
المقدم: وهذا في الصحيح.
هذا في الصحيح.
المقدم: في باب.
الموضع الثالث.
المقدم: نعم.
في كتاب المغازي، باب كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر، والمناسبة ظاهرة.
المقدم: أحسن الله إليك، نفس السند يا شيخ؟
نعم؟
المقدم: نفس السند؟
لا لا، هو من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، وأيضًا راويه ابن شهاب، لكن هنا يرويه عن ابن شهاب صالح.
المقدم: نعم.
ابن كيسان، وفي حديث الباب: عن صالح عن ابن شهاب، ويرويه عن صالح، يقول الإمام البخاري في هذا الموضع الثالث: حدثنا إسحاق.
المقدم: نعم.
قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، وفي كتاب العلم يقول: حدّثنا إسماعيل بن عبد الله، بدل إسحاق.
المقدم: نعم.
قال: حدثني إبراهيم بن سعدٍ، عن صالح، فالذي في كتاب العلم أعلى مما في كتاب المغازي؛ لأن بينه وبين صالح في كتاب العلم.
المقدم: هنا اثنين.
اثنين، وفي كتاب المغازي...
المقدم: ثلاثة.
ثلاثة، فيكون أعلى، المناسبة ظاهرة، واستفدنا من هذا الطريق تعيين الرجل بالتنصيص عليه، وأنه عبد الله بن حذافة.
المقدم: في السند –رضي الله عنه-.
هناك كتاب الجهاد، الموضع الثاني، وهنا كتاب..
المقدم: المغازي.
المغازي ما وقع من قصد النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه، أو بجيشٍ من قِبله، فهي أخص من الجهاد، يعني الجهاد من وقته –عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة، لكن المغازي..
المقدم: في وقته.
في عصره -عليه الصلاة والسلام-، فلا يقول قائل: ما الفرق؟ المغازي، الجهاد، وما الفرق؟
المقدم: وليس الإشكال يبدو في الفرق بينهما، لكن الفرق لماذا أُدخل هذا الحديث في المغازي مع وروده في الجهاد؟
كيف؟
المقدم: يعني؟
هذا لبيان الواقع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كتب إلى كسرى وانتهى، الجهاد ليستمر هذا الحكم إلى قيام الساعة.
المقدم: أحسن الله إليك، صحيح، هذا واضح، صح.
الرابع: في كتاب أخبار الآحاد، باب ما كان يبعث النبي -عليه الصلاة والسلام- من الأمراء والرسل، واحدًا بعد واحد؛ يعني في هذا الرد على المبتدعة الذين لا يروْن العمل بخبر الواحد، النبي -عليه الصلاة والسلام- كتب إلى الجهات والآفاق، وأرسل كتبه مع أفراد.
المقدم: نعم.
مع أفراد، ولو كان خبر الواحد لا تقوم بها الحجة ما بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- أفرادًا، ولردّ من كُتب إليه، فقال: خبرك الذي جئت به لا تقوم به حجة.
الأخ الحاضر: في جميع أبواب الدين.
نعم، في جميع أبواب الدين، خبر الواحد مقبول في جميع أبواب الدين، ولا يخالف في هذا إلا مبتدع، هذا في الجملة.
يعني قبول خبر الواحد أمر متفق عليه بين من يُعتد بقوله من أهل العلم، لم يخالف في ذلك إلا المعتزلة ومن يقول بقولهم، يبقى أنه هناك أمور يختلف فيها أهل العلم في مسائل فرعية في هذا الباب، وقد يختلفون في إثبات خبر وفي عدم إثباته، هذه مسائل جزئية لا يسلم منها بابٌ من أبواب الدين، المسائل موجودة، الخلاف موجود، وباب الاجتهاد مفتوح، لكن يبقى أن أصل المسألة وهي قبول خبر الواحد في جميع أبواب الدين هو المقرر عند أهل السنَّة والجماعة.
يقول الإمام البخاري في كتاب أخبار الآحاد، في باب ما كان يبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-.
المقدم: -عليه الصلاة والسلام-.
من الأمراء والرسل، واحدًا بعد واحد، قال: حدثنا يحيى بن بكيرٍ، قال: حدثني الليث عن يونس.
المقدم: نعم.
وهناك في الموضع الذي قبله: عن يونس عن ابن شهاب، والذي قبله قال: حدثني، عن صالح.
المقدم: نعم.
صالح بن كيسان عن ابن شهاب، والذي قبله عقيل عن ابن شهاب، والذي قبله إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب.
المقدم: نعم.
قال: حدثنا يحيى بن بكيرٍ، قال: حدثني الليث عن يونس، عن ابن شهابٍ أنه قال، يونس بن يزيد الأيلي، أنه قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن عباس أخبره، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث بكتابه إلى كسرى، والمناسبة بين الحديث والباب ظاهرة، أنه بعث رجلًا بكتابه، رجلًا..
المقدم: نعم.
يعني مناسب.
المقدم: لأخبار الآحاد.
لأخبار الآحاد، وما كان يبعث من الأمراء والرسل واحدًا بعد واحد، ومناسبة الباب للكتاب أيضًا ظاهرة.
المقدم: أحسن الله إليك، دخول ابن سعيد بن المسيب قبل قليل، وإيرادك له، مع عدم وجود اسمه في السند.
أين؟
المقدم: لما ذُكر أن ابن سعيد، يعني من قال بأنها قال: فدعا عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنها من.
الأصل، الأصل في البخاري، المتن.
المقدم: لكن ليس له في السند شيء؟
فحسبت أن ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا موجود في الطرق كلها، نعم، والقائل: "فحسبت"، هو ابن شهاب.
المقدم: ابن شهاب.
ابن شهاب، والبخاري يرويه عن ابن شهاب بالسند المتقدم.
المقدم: لكن ابن شهاب.
إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب، قال: سعيد، أو قال: ابن شهاب، فحسبت أن ابن المسيب قال.
المقدم: نعم.
وقلنا إنه هكذا مرسلًا، ويحتمل أنه سمعه من عبد الله بن حذافة السهمي.
المقدم: لكن ابن سعيد لم يروِ في الحديث، يعني ليس هو في السند أبدًا؟
أصل ثبوت القصة ليس فيه.
المقدم: ليس فيها.
لكن الكلام في الدعاء عليهم.
المقدم: نعم.
الحديث الذي يليه.
المقدم: قبله إن أذنت شيخ، أحسن الله إليك، ربما أيضًا يرد سؤالًا حول "أن يُمزّقوا كل ممزق"، يعني ربما يُقال كما نسمع الآن في مسألة تعميم الكفار بدعاءٍ واحد، هل هناك تفصيل في هذه المسألة؟
أما من آذى منهم فلا إشكال بالدعاء عليه، والحديث نصه في الموضوع.
المقدم: نعم.
من آذى لا إشكال في الدعاء عليه.
المقدم: يعني الدعاء على اليهود مثلًا بعامة الآن، باعتبارهم آذوا المسلمين.
ولماذا ما فيه ما يمنع، ويُدعى على اليهود بعامة، وإن كانت الإرادة الكونية ببقائهم، لا تعارض الإرادة الشرعية؛ لأننا مطالبون شرعًا بالدعاء على كل من آذى المسلمين، ما فيه ما يمنع إن شاء الله.
المقدم: لكن ما يلحظ -أحسن الله إليك- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أيضًا دعا بأن يُمزق كل ممزق، ليس، يعني ربما أيضًا يكون في تخصيص الدعاء بتمزيق الملك وتفتيتهم، وليس الدعاء على أن يهلكوا جميعًا.
لأن الذي مزّق واحد، الذي مزّق واحد.
المقدم: لكن الدعوة أن يُمزّق الملك، أن تُمزّق هذه الأمة وأن تُشتت.
أن يُمزّق الملك، ولا يعني أن الشعب كله ينقرض.
المقدم: يهلك، نعم،
ينقرض، لا ما يعني هذا أن الشعب كله ينقرض.
المقدم: نعم، أحسن الله إليكم، قال -رحمه الله-: عن أنسٍ -رضي الله عنه-، قال: كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- كتابًا، أو أراد أن يكتب، فقيل له: إنهم لا يقرئون كتابًا إلا مختومًا، فاتخذْ خاتمًا من فضة، فاتخذ خاتمًا من فضة نقشه محمدٌ رسول الله، كأني أنظر إلى بياضه في يده.
نعم، راوي الحديث أنس بن مالك، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
المقدم: عليه الصلاة والسلام.
سبق التعريف به، والحديث ذكره البخاري ضمن الترجمة السابقة، ضمن الترجمة السابقة، وهي ماذا؟ باب ما يُذكر في المناولة.
المقدم: نعم.
باب ما يُذكر.
المقدم: في المناولة.
في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، نعم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كتب كتابًا، أو أراد أن يكتب، فهذا أصل للشق الثاني من الترجمة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، أراد أن يكتب، ماذا يكتب النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يكتب علم.
المقدم: نعم.
نعم.
الحديث ذكره البخاري ضمن الترجمة السابقة، باب ما يُذكر في المناولة، وهو أصلٌ للكتابة، التي هي جزء الترجمة كما تقدم. قوله: أو أراد أن يكتب، قال: «كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- كتابًا»، أو «أراد أن يكتب»، شكٌّ من الراوي، ونسبة الكتابة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- على إرادة أمره -صلى الله عليه وسلم- بذلك، نعم؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- كان أميًّا، لا يقرأ ولا يكتب، كما في قوله -جل وعلا-: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48].
المقدم: وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ.
وهذا محل إجماع، إلا قول شاذ مهجور يُذكر عن بعضهم، لكنه معارضٌ بالنصوص القطعية.
فقيل له -صلى الله عليه وسلم-:
المقدم: عليه الصلاة والسلام.
إنهم لا يقرئون كتابًا إلا مختومًا، قال ابن حجر: يُعرف من هذا فائدة إيراده هذا الحديث في الباب، لينبه على أن شرط العمل بالمكاتبة، أن يكون الكتاب مختومًا؛ ليحصل الأمن من توهّم تغييره، لكن يُستغنى عن ختمه إذا كان حامله عدلًا مؤتمنًا، نعم، إذا كان، والمسألة تختلف من جهة إلى جهة، هؤلاء، هؤلاء الذين أراد النبي –صلى الله عليه وسلم –.
المقدم: -عليه الصلاة والسلام-.
أن يرسل إليهم الكتاب، نعم، لا يقرءون إلا مختوم، فلذلك لا يحسن أن يُكتب إليهم إلا...
المقدم: مختوما.
مختومًا؛ لأنهم لا يقرئون إلا مختوم، لكن لو قُدِّر أن أناس إذا عرفوا الكتاب ووثقوا به لا يحتاج إلى ختم، لاسيما إذا كانت الخط معروف ولا يمكن تزويره، وقامت القرائن ودلّت الدلائل على أنه صحيحٌ ثابثٌ إلى من نُسب إليه، ولذلك قال: يُعرف من هذا فائدة إيراده هذا الحديث في الباب، لينبه على أن شرط العمل بالمكاتبة، أن يكون الكتاب مختومًا، ليحصل الأمن من توهّم تغييره، قال: لكن يُستغنى عن ختمه إذا كان حامله عدلًا مؤتمنًا، يعني إذا كان الحامل له عدل نحتاج إلى ختم؟
المقدم: أبدًا.
نعم؛ لأن الأمن من تغييره موجود.
المقدم: الأمن.
آمنين من تغييره، ما دام يحمله عدل، مؤتمن، ثقة، يعني المسألة فيه مُفترضة في حامل للخطاب عدلٌ مؤتمن؛ لأنه إذا غيّره ما صار عدلًا مؤتمنًا، إذًا نحتاج حينئذٍ إلى..
المقدم: خاتم.
خاتمه.
فاتخذ خاتم، الخاتم يُجمع على خواتيم وخواتم، وعلى خياتيم، قال ابن حجر: فالخاتم ثمان لغات، خاتَم بفتح التاء.
المقدم: خاتِم.
وخاتِم بكسرها، وختام، وخيتوم، وختم، وخاتام، وخايتام، وخيتام، ثمان لغات، ذكرها الحافظ، وضبطها بالحروف، من فضة، وكان قبل ذلك اتخذ خاتمًا من ذهب، فاتخذه الناس، فرمى به، ثم اتخذ خاتمًا من ورق، كما في البخاري، فخاتم الذهب حرامٌ على الرجال؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- في الذهب والحرير: «حرامٌ على ذكور أمتي، حلٌ لإناثها»، وأما خاتم الحديد ففيه ما أخرجه أصحاب السنن، وصححه ابن حبان، من رواية عبد الله بن بُريدة عن أبيه، أن رجلًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
المقدم: -عليه الصلاة والسلام-.
وعليه خاتمٌ من شبه، الشبه ماذا؟ ماذا معنى شبه؟
المقدم: شبه؟
نعم، الصُفر.
المقدم: إيه النحاس.
الصُفر، فهو قيل له شبه؛ لأنه يشبه.
المقدم: الذهب.
الذهب، أصفر، خاتمٌ من شبه، فقال: «ما لي أجد منك ريح الأصنام؟»، فطرحه، ثم جاء وعليه خاتمٌ من حديد، فقال: «ما لي أرى عليك حلة أهل النار؟»، فطرحه، فقال: يا رسول الله، من أي شيءٍ أتخذه؟ قال: «اتخذه من ورِق، ولا تتمه مثقالًا»، لكن في إسناده أبو طيبة، عبد الله ابن مسلم المروزي، قال أبو حاتم: يُكتب حديثه ولا يُحتج به، وقال ابن حبان في الثقات: يخطئ ويخالف، فالحديث ضعيف، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم باب خاتم الحديد، باب خاتم الحديد، وذكر فيه حديث الواهبة.
المقدم: اتخذ ولو خاتم من حديد.
وفيه التمس..
المقدم: التمس ولو.
التمس ولو خاتمًا من حديد.
المقدم: مما يدل على جواز استخدام الحديد.
نعم، هو بهذا يُضعّف حديث.
المقدم: صحيح.
بريده، بهذا يُضعّف حديث بريده، ما دام التمس ولو حلقاتً من حديد، من أجل إيش؟
المقدم: جواز استخدام الخاتم الحديد.
لكن هل تتم الدعوى.
المقدم: بهذا النص؟
بهذا الكلام.
المقدم: يعني ممكن أن يأتي من يقول يا شيخ أحسن الله إليك إن قوله: «اتخذ ولو خاتمًا»، «التمس ولو خاتمًا من حديد» لا يدل على جواز اللبس، وإنما يبيعه وينتفع به، ممكن أن يأتي من هذا يقول؟
نعم لكن الاستعمال والاتخاذ متلازمان.
المقدم: هذا الصحيح.
متلازمان، لكن يبقى أنه ما يمنع أنه أنكر على الرجل لبس خاتم الحديد، لكن هل يلزم منه منع المرأة؟ التمس خاتمًا من حديد للمرأة.
المقدم: لها.
نعم.
المقدم: نعم.
لكن كونه حلة أهل النار، نعم، كون الخاتم من حديد حلة أهل النار كما في هذا الحديث.
الأخ الحاضر: يتساوى فيها الرجل والمرأة.
يتساوى فيها الرجل والمرأة؛ لأنه حلة أهل النار.
المقدم: لا كيف يتساوى يا شيخ؟ ممكن، ألم يكن الحرير محرمًا على الرجال ومباحًا للنساء؟ والذهب مثله؟
نعم، لكن ليس بحلة أهل النار، حلة أهل الجنة، {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا}.
المقدم: {حَرِيرٌ} [فاطر:33].
هذه حلة أهل الجنة.
المقدم: يعني كونه حلة أهل النار هذا نصٌّ في التحريم.
واضح، واضح كحلة أهل النار، تشبه بأهل النار -نسأل الله العافية-، فالآن خاتم الحديد، خاتم الذهب لا إشكال في تحريمه على الرجال، والنص فيه صحيحٌ صريح، خاتم الحديد فيه ما أخرجه أصحاب السنن وذكرنا ما فيه، وأن فيه أبا طيبة، عبد الله بن مسلم المروزي، وعرفنا أنه يُكتب حديثه ولا يُحتج به، قد يقول قائل: يُكتب حديثه إلى أي شيء؟ نعم، نعم، يُعتبر به أو يُختبر، فكتابة الحديث لا تعني الاحتجاج، وقال ابن حبان: يخطأ ويخالف، إذًا هو ماذا؟
مُضعّف.
المقدم: مضعف.
وأيضًا ترجمة الإمام البخاري بباب خاتم الحديد، ولم يذكر فيه سوى حديث الواهبة، يؤخذ منه أنه يُضعِّف حديث بريدة.
الأخ الحاضر: أحسن الله إليكم يا شيخ، قضية يا شيخ التسنن باتخاذ الخاتم، لمن له حاجة في الخاتم، أو لمن ليس له حاجة، بل ليتخذه سنَّة مطلقًا، هل هذا له وجه، أحسن الله إليك؟
هو سيأتي الكلام في اتخاذ الخاتم، إن شاء الله تعالى، سيأتي الكلام في اتخاذ الخاتم،
المقدم: جيد.
وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اتخذه، حتى قيل له: إنهم لا يقرءون كتابًا..
المقدم: إلا مختومًا.
إلا مختومًا، فهل يُقصر هذا الحديث أو هذا الحكم على سببه؟ بناءً على أن سبب اتخاذ الخاتم كونهم لا يقرؤون إلا مختومًا، وحينئذٍ لا يُسنّ إلا عند الحاجة، إلا عند الحاجة، فمن احتاجه من قاضٍ، أو حاكم، أو ما أشبه ذلك يتخذ الخاتم، للحاجة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما كانت الحاجة غير داعية لم يتخذ خاتمًا، لكن لما دعت إليه الحاجة اتخذ الخاتم -عليه الصلاة والسلام-.
المقدم: عليه الصلاة والسلام.
ومنهم من يقول: هو سنّةٌ مطلقًا، كوننا ننظر إلى السبب المسبب للورود، العبرة بكونه -عليه الصلاة والسلام- اتخذ الخاتم، ولبسه، ونحن نلبسه؛ اقتداءً به، ومن فعل ذلك فلن يُحرم الأجر، إن شاء الله تعالى.
المقدم: نعم، إذًا بقي لنا مجموعة مسائل، ربما يكون فيما سيأتي- أحسن الله إليكم- ما دمت ستعد باستكمال هذا الموضوع، فيما يتعلق بهذا الحديث، لذا نعد الإخوة بإذن الله أن نستكمل الموضوع حول هذا الحديث في حلقةٍ قادمة وأنتم على خير.
بهذا نصل وإياكم أيها الإخوة والأخوات إلى ختام حلقتنا من هذا البرنامج شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، وهو المشهور بمختصر صحيح البخاري للإمام الزبيدي، نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة، وأنتم على خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.