شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (130)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير. فأهلًا ومرحبًا بكم يا شيخ عبد الكريم.
حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: في باب قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اللهم علمه الكتاب» أورد المصنف حديث ابن عباس– رضي الله عنهما-، فقال عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: ضمني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقال: «اللهم علمه الكتاب».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فقد سبق التنبيه مرارًا على أن المختصر ليس فيه تراجم، ليس فيه تراجم تفصيلية، حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: ضمني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقال: «اللهم علمه الكتاب»، راويه حبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم الرسول –عليه الصلاة والسلام- سبق التعريف به.
والحديث ترجم عليه الإمام البخاري في باب قول النبي –صلى الله عليه وسلم- «اللهم علمه الكتاب»، يقول: العيني مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، بل هو عين الترجمة، ترجمة باب قوله –عليه الصلاة والسلام-: «اللهم علمه الكتاب»، ونص الحديث: «اللهم علمه الكتاب»، فهو عين الترجمة، ووجه المناسبة بين البابين، هذا الباب باب قول النبي –عليه الصلاة والسلام-: «اللهم علمه الكتاب»، والباب الذي قبله.
المقدم: الارتباط في العلم حكمه.
باب ما ذكر في ذهاب موسى، باب ما ذكر في ذهاب موسى –صلى الله عليه وسلم- في البحر إلى آخره، من حيث إن جملة المذكور في الباب الأول غلبة ابن عباس على الحر بن قيس في تماريهما في صاحب موسى –عليه السلام-، وذاك من كثرة علمه وغزارة فضله، الآن في الباب الأول لما تمارى ابن عباس، والحر بن قيس في صاحب موسى، وصارت الغلبة لمن؟ لابن عباس، هذا يدل على كثرة علمه، وغزارة فضله..
المقدم: فناسب أن يأتي بالباب.
نعم، وفي هذا الباب إشارة إلى أن علمه الغزير، وفضيلته الكاملة إنما كانت ببركة دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- حينما قال له: «اللهم علمه الكتاب» فيه ارتباط، ارتباط وثيق بين البابين، يقول: ووجه آخر أن في الباب الأول بيان استفادة موسى –عليه الصلاة السلام- من الخضر من العلم، بيان استفادة موسى –عليه الصلاة السلام- من الخضر من العلم، الذي لم يكن عنده من ذلك شيء، وفي هذا الباب استفادة ابن عباس علم الكتاب من النبي –صلى الله عليه وسلم-، فموسى استفاد من الخضر، ظاهر، وابن عباس استفاد من النبي –صلى الله عليه وسلم-، فهذه مناسبة ظاهرة أيضًا.
أحد الحضور:... منه ومن دعائه.
منه ومن دعائه، ودعائه منه، المسألة أعم من ذلك، بينهما ارتباط وثيق بين النبي –عليه الصلاة والسلام- ومن دعائه، فالدعاء صدر منه، وحفظه لما سمعه وتلقاه بسبب بركة هذا الدعاء.
قول ابن عباس –رضي الله عنهما-: «ضمني رسول الله –صلى الله عليه وسلم-» من ضم يضم ضمًّا، وضممت الشيء إلى الشيء أضمه فانضم إليه، وهو من باب نصر (ضم، يضم، نصر، ينصر)، وفيه حذف تقديره ضمني إلى نفسه، أو إلى صدره، وقد جاء مصرحًا به في ذكر ابن عباس من كتاب فضائل الصحابة، وسيأتي التنبيه عليه -إن شاء الله تعالى-، وكان ابن عباس-رضي الله عنهما- إذ ذاك غلامًا مميزًا، غلامًا مميزًا، قال ابن حجر: فيستفاد منه جواز احتضان الصبي القريب على سبيل الشفقة، على سبيل الشفقة يعني مع أمن الفتنة؛ لأنه إذا كان الضم لشهوة حرم، جابر -رضي الله عنه- لما جاءه محمد الباقر في صفة حج النبي –عليه الصلاة والسلام- حديثه الطويل «فتح أزاريره، وأدخل يديه في صدره بين ثدييه» يعني مثل هذه الأمور فيها من الملاطفة، والمداعبة، ما يجعل الصبي يرتاح ويأنس لهذا الكبير؛ لتزول الوحشة بينهما والنفرة، لكن هذا متى؟ إذا أمنت الفتنة، هذا إذا كان على سبيل الشفقة، والملاطفة، أما إذا وجد أدنى احتمال للفتنة، فلا يجوز هذا بحال، وقال معطوفًا على ضمني.
أحد الحضور: ....
المقدم: يقصد هل هذا خاص بالعالم مع طلابه، أم هو على العموم؟
الأصل فيه العموم، الأصل فيه العموم، لكن يبقى أن القيد لا بد من اعتباره؛ لأنه لا تؤمن الفتنة لا على كبير، ولا على صغير؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- معروف أنه معصوم، وجابر –رضي الله عنه- لا يتصور منه ذلك صحابي جليل، فإذا خشيت الفتنة؛ فإنه لا يجوز هذا بحال، وقال: معطوفًا على ضمني، اللهم أصله؛ يا الله، حذف حرف النداء وعوض عنه حرف الميم، ولذلك لا يجتمعان، ولذلك لا يجتمعان، يعني الميم مع يا النداء.
المقدم: يا اللّه ما تجوز.
ما تجوز، قال ابن مالك في ألفيته: والأكثر اللهم بالتعويض..
والأكثر اللهم بالتعويض وشذ يا اللهم في قريضي
قال ابن عقيل في شرحها: والأكثر في نداء اسم الله تعالى: اللهم، بميم مشددة معوضة من حرف النداء، وشذ: الجمع بين الميم، وحرف النداء في قوله:
إني إلى ما حدث ألم أقول: يا اللهم، يا اللهم |
وهذا البيت لأمية بن أبي السلط، وزعم العين في شرح الشواهد، العيني له كتاب اسمه "شرح شواهد شروح الألفية" كتاب نفيس جدًّا، زعم العيني أنه لأبي خراش الهذلي، وذكر بيتًا قبل هذا الشاهد، وهو قوله:
إن تغفر اللهم تغفر جمًا |
وأي عبد لك لا ألم |
وقال العيني في عمدة القاري، وأما قول الشاعر:
وما عليك أن تقول كلما |
سبحت أو صليت يا اللهم
|
أردد علينا شيخنا مسلما |
|
يقول: فليس يثبت علمه الكتاب؛ أي القرآن..
أحد الحضور: .....
هو أكثر الأدعية كما نص على ذلك ابن القيم –رحمه الله تعالى- والحافظ ابن كثير وغيرهما أن الأدعية لاسيما في القرآن تقرن بيارب؛ ليستحضر الداعي أنه مربوب لله -جل وعلا-، وأنه ما زال بحاجة إلى الرب الذي يربيه، وأنه لا يستغني عن هذا الوصف مهما كبر، ومهما قوي، ومهما استغنى، ومهما علم، لا يمكن أن يستغني عن التربية، تربية الله -جل وعلا- له، فإذا استحضر هذا، وانكسر قلبه بعد هذه الرؤية لنفسه، لا شك أنه يكون أدعى لإجابة الدعاء.
«اللهم علمه الكتاب»؛ أي القرآن؛ لأن الجنس المطلق محمول على الكامل، ولأن العرف الشرعي عليه، أو لأن اللام للعهد، يعني الكتاب المعهود قاله الكرماني، وقال ابن حجر: المراد بالكتاب: القرآن؛ لأن العرف الشرعي عليه، والمراد بالتعليم: ما هو أعم من حفظه والتفهم فيه، الكتاب: إذا أطلق الكتاب فالمسألة عُرفية، فالكتاب في عُرف الأمة كلها القرآن، ثم يبقى أن هناك أعرافًا خاصة، أعرافًا خاصة بأهل كل فن، فإذا قال أهل العربية: الكتاب أرادوا كتاب سيبويه.
المقدم: كتاب سيبويه.
إذا أطلق الحنفية الكتاب: أرادوا...
المقدم: فتح القدير.
عندهم كتاب اسمه: "اللباب في شرح الكتاب"، أي كتاب، الكتاب عند الحنفية اصطلاح عندهم، له مختصر القدوري، أيضًا كل أهل فن عندهم كتاب يكون أشهر من غيره إذا أطلق، ينصرف الإطلاق إليه.
يقول الكرماني: فإن قلت: المراد من القرآن لفظه، أو معانيه، أو أحكام الدين، أجاب بقوله: قلت: اللفظ، يعني المراد: اللفظ؛ باعتبار دلالته على المعاني، فإطلاق الكتاب ينصرف إلى الألفاظ الحاملة لهذه المعاني، ولو قيل: إن المراد من تعليم الكتاب؛ تعليم كل ما يحتمله الكتاب من معنى، يعني من لفظ ومعنى، من علم وعمل؛ لأن التعليم المجرد عن العلم لا يسمى علمًا، بل لا يتم التعليم إلا بالعمل.
فإن قلت- يقول الكرماني-: فإن قلت: تعليم متعدٍ إلى ثلاثة مفاعيل، ومفعوله الأول كمفعول أعطيت، والثاني والثالث والثاني والثالث كمفعولي علمت، يعني لا يجوز حذف الثاني والثالث فقط، فكيف ها هنا؟ يقول: قلت: علمه بمعنى عرفه، فلا يقتضي إلا مفعوله، فلا يقتضي إلا مفعوله، يعني مفعول واحد كما هنا، علمه الكتاب.
يقول: فإن قلت: هل جاز أن لا يستجاب دعاء النبي –عليه الصلاة والسلام-؟ يعني هل كل دعوة نبوية مجابة؟ أو أنه قد يجاب، وقد لا يجاب؟ الأدلة: تدل على ماذا؟ أن جميع الدعوات مجابة؟ من الأدلة ما يدل على أن بعض الدعوات النبوية لم تجب، لكن هذه الدعوة على سبيل الخصوص، الدعوة لابن عباس أجيبت، أم ما أجيبت؟
الحضور: أجيبت.
بلا شك، يقول الكرماني: قلت: لكل نبي دعوة مستجابة، لكل نبي دعوة مستجابة، هذا لا إشكال فيه، وإجابة الباقي في مشيئة الله تعالى، وأما هذا الدعاء فمما لا شك في قبوله؛ لأنه كان عالمًا بالكتاب حَبر الأمة، بحر العلم، رئيس المفسرين، ترجمان القرآن، وكونه في الدرجة القصوى والمحل الأعلى منه مما لا يخفى، مما لا يخفى.
قال ابن بطال: الكتاب ها هنا القرآن عند أهل التأويل، قالوا: كل موضع ذكر فيه الكتاب فالمراد به القرآن، وفيه بركة دعوة النبي –صلى الله عليه وسلم- لابن عباس؛ لأن ابن عباس كان من الأحبار الراسخين في علم القرآن والسنَّة أجيبت فيه الدعوة، وفيه الحض على تعلم القرآن، والدعاء إلى الله على ذلك يعني التضرع إلى الله -جل وعلا-؛ لأن هذه دعوة أجيبت، فما المانع أن يدعو الإنسان لنفسه؟ أو يطلب ممن يظن فيه الإجابة من خيار الناس أن يدعو له، بأن يعلمه القرآن؟
وروى البخاري هذا الحديث في فضائل الصحابة وقال فيه: «اللهم علمه الحكمة»، ووقع في كتاب الوضوء «اللهم فقهه في الدين»، وتأول جماعة من الصحابة والتابعين في قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269]، أنها القرآن، وتأول في قوله: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران:164]، الحكمة ماذا ؟ السنَّة التي سنها الرسول –صلى الله عليه وسلم- بوحي من الله، وكلا التأويلين صحيح، وذلك أن القرآن حكمة، أحكم الله فيه لعباده حلاله وحرامه، وبيّن لهم فيه أمره ونهيه، فهو كما وصفه الله تعالى في قوله: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [القمر:4]، {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} [القمر:5]، وكذلك سنن الرسول –عليه الصلاة والسلام- حكمة، فَصَّل الله بها بين الحق والباطل، وبين له مجمل القرآن ومعاني التنزيل، والفقه في الدين فهو كتاب الله وسنَّة نبيه –عليه الصلاة والسلام- فالمعنى واحد وإن اختلفت الألفاظ، علمه الكتاب، علمه الحكمة، فقهه في الدين؛ لأن كلها تعود ترجع إلى أن يعلمه العلم من أصوله، من كتابه وسنَّة النبي –عليه الصلاة والسلام-، الفقه في الدين إنما يكون بتعلم الكتاب والسنَّة، فتجتمع تكون المعاني مجتمعة، ولا اختلاف بينهما.
يقول الحافظ ابن حجر: اختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا، فقيل: القرآن كما تقدم، وقيل: العمل به، وقيل: السنَّة، القرآن وقيل: العمل به، وقيل السنَّة، وقيل: الإصابة في القول، وقيل: الخشية، وقيل: الفهم عن الله، وقيل: العقل، وقيل: ما يشهد العقل بصحته، وقيل: نور يفرق به بين الإلهام والوسواس، وقيل: سرعة الجواب مع الإصابة، وبعض هذه الأقوال ذكرها بعض أهل التفسير في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان:12]، سيأتي تفسير هذه الحكمة في كلام الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في أطراف الحديث، كم صارت معاني الحكمة التي ذكرها؟ عشرة؟
بعض هذه الأقوال ذكرها بعض أهل التفسير في قول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان:12]
والأقرب أن المراد بها في حديث ابن عباس الفهم في القرآن، الحكمة؛ الفهم في القرآن من أجل ماذا؟ أن تتفق الروايات، بعض الروايات «اللهم علمه الحكمة»، وبعضها «علمه الكتاب»، والرواية تفسر بعضها بعضًا، وأما سبب هذا الدعاء فقد بينه المصنف في كتاب الطهارة من طريق عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس ولفظه «دخل النبي –صلى الله عليه وسلم- الخلاء فوضعت له وضوءًا»، يقول ابن عباس: «دخل النبي –صلى الله عليه وسلم- الخلاء فوضعت له وضوءًا»، زاد مسلم: فلما خرج قال: «من وضع هذا؟ فأُخبر»، ولمسلم قالوا: ابن عباس، ولأحمد وابن حبان من طريق سعيد بن جبير عنه أن ميمونة أم المؤمنين هي التي أخبرته بذلك، وأن ذلك كان في بيتها ليلًا، يقول الحافظ ابن حجر: ولعل ذلك في الليلة التي بات ابن عباس فيها عندها؛ ليرى صلاة النبي –عليه الصلاة والسلام-.
الحديث فيه استحباب المكافأة، استحباب المكافأة بالدعاء، يعني إذا لم يوجد ما يكافأ به الإنسان فبالدعاء، «من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له»، ولو جمع بينهما كان أفضل، هذا من باب زيادة الفضل.
والحديث خرّجه الإمام البخاري –رحمه الله تعالى- في أربعة مواضع:
الأول: ها هنا في كتاب العلم في باب قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «اللهم علمه الكتاب» قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: حدثنا أبو معمر، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس، قال: فذكره، خالد هذا، خالد بن مهران؛ لأنه يلتبس بـ ابن عبد الله الطحان، ولكن هل هما من طبقة واحدة؟ ليسا من طبقة واحدة، البخاري يقول: حدثنا خالد وخالد، لا يلتبسان؛ لأنهما ليسا من طبقة واحدة، والمراد هنا الحذّاء.
والموضع الثاني: سبق ذكر مناسبة الحديث من الباب، والباب إلى الكتاب، وفي الموضع الثاني في كتاب الوضوء، باب وضع الماء عند الخلاء، قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: حدثنا عبد الله بن محمد-يعني المسندي- قال: حدثنا هاشم بن القاسم، قال: حدثنا ورقاء عن عبيد الله بن يزيد عن ابن عباس «أن النبي –عليه الصلاة والسلام- دخل الخلاء فوضعت له وضوءًا، فقال: من وضع هذا؟ فأُخبر، فقال: اللهم فقهه في الدين».
ابن المنيِّر يرى أن هناك مناسبة بين تصرف ابن عباس في وضعه الماء عند الخلاء، وبين هذه الدعوة «اللهم فقهه في الدين»؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- استشف ذكاء ابن عباس، وفطرة ابن عباس، فدعى له بالفقه في الدين؛ لتستفيد الأمة منه، فمثل هذا النابه الذكي ينبغي أن يُعتنى به، ينبغي أن يُعتنى به بلا شك؛ لأن مثل هذا ينفع الأمة، النبي –عليه الصلاة والسلام- اعتنى بابن عباس فدعى له، فمثل هذا النابه الذكي يُدعى له ويُسعى في تحصيله ما ينفعه وينفع أمته، يقول ابن المنير: مناسبة الدعاء لابن عباس بالتفقه على وضعه الماء من جهة أنه تردد بين ثلاثة أمور، ابن عباس تردد بين ثلاثة أمور: لما دخل النبي –صلى الله عليه وسلم- الخلاء تردد ابن عباس إما أن يدخل بالماء إلى الخلاء..
المقدم: وهذا لا ينفع.
أو يضعه على الباب؛ ليتناوله من قرب، أو لا يفعل شيئًا، فرأى الثاني أوفق؛ لأن كونه يوضع عند الخلاء، عند الباب، يتناول باليد، فلا مشقة في ذلك، يحصل المطلوب من غير وجود مشقة ولا حرج، فهو تردد إما أن يدخل بالماء إلى الخلاء، أو يضعه على الباب؛ ليتناوله من قرب، أو لا يفعل شيئًا، فرأى الثاني أوفق؛ لأن في الأول تعرضًا للاطلاع على العورات، والثالث يستدعي مشقة في طلب الماء، يعني لو لم يفعل شيئًا ابن عباس لاستدعى ذلك مشقة على النبي –عليه الصلاة والسلام- في طلبه الماء، والثاني أسهلها، ففعله يدل على ذكائِه، فناسب أن يدعى له بالتفقه في الدين؛ ليحصل له وبه النفع، وكذا كان، لا شك أنه انتفع من هذه الدعوة ونفع الله به الأمة، بسبب هذه الدعوة.
الموضع الثالث:
أحد الحضور: .....
لما خرج جعله.
المقدم: جعله لما خرج.
لما خرج، لا يمكن أن يذكر الله في الخلاء، والذكر عند باب الخلاء من خارج يعني قرب موضع الحاجة، لا بأس به، فالنبي –عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ القرآن في حجر عائشة –رضي الله عنها- وهي حائض يعني قريب جدًّا من موضع النجاسة، لكنه ليس في الموضع، فاستنبط منه أهل العلم من الحديث جواز الذكر قرب موضع الحاجة، لا في موضع الحاجة.
المقدم: كان من منهج الإمام الزبيدي ألا يكرر الحديث، فإذا وجد لا يعيده في موضع آخر، الملاحظ أنه في كتاب الوضوء أعاده مرة أخرى في الحديث 143، سيأتي معنا، إن شاء الله.
نعم، لكن اللفظ واحد؟
المقدم: يعني اختلف في قوله: «اللهم علمه الكتاب»، وهناك قال: «اللهم فقهه» يعني الاختلاف فقط.
اختلف، هذه دعوة، وهذه دعوة، والأصل «اللهم علمه الكتاب، وفقهه في الدين».
الأخ الحاضر: ...
لأنه يرى أن ما بعده من الأبواب ألصق به، سيأتي إن شاء الله تعالى.
الموضع الثالث: في كتاب فضائل الصحابة باب ذكر ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا عبد الوارث عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس، قال: «ضمني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى صدره وقال: اللهم علمه الحكمة»، حدثنا أبو معمر، وحدثنا عبد الوارث وقال: «اللهم علمه الكتاب»، قال: حدثنا موسى، حدثنا وهيب عن خالد مثله، والحكمة -كلام البخاري-، والحكمة: الإصابة في غير النبوة، الإصابة في غير النبوة، يعني إصابة المتبع للنبوة، إصابة المتبع للنبوة، ما معنى هذا الكلام؟ والحكمة الإصابة في غير النبوة، لكن ما يصدر منه –عليه الصلاة والسلام- ألا يقال له: حكمة؟ أو أن الحكمة بالنسبة لدعوة النبي –عليه الصلاة والسلام- لابن عباس، نعم يعلم الحكمة، يعني الحكمة اللائقة به، لا الحكمة اللائقة بالأنبياء، فقال: الحكمة الإصابة في غير النبوة، والحديث فيه فضيلة لابن عباس، فالمناسبة ظاهرة.
والموضع الرابع: في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنَّة، قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا وهيب عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال: ضمني إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- وقال: «اللهم علمه الكتاب»، ومناسبة الحديث للاعتصام، ومناسبة الحديث للاعتصام بالكتاب ظاهرة، من أي وجه؟ إذ فيه تعلم وتعليم الكتاب اعتصام به، في تعلم الكتاب وفي تعليمه والعمل به اعتصام به، وفي الكتاب العصمة من كل فتنة، وفيه المخرج من جميع الفتن، من جميع الفتن، فهو المخرج، ولذا في الظروف التي تتكاثر فيها الفتن على المسلمين عمومًا، ومن ينتسب إلى طلب العلم على وجه الخصوص أن يعتصموا بهذا الكتاب الذي فيه المخرج والخلاص من كل فتنة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم.
أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام حلقتنا في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح للإمام الزَّبيدي –رحمه الله-.
شكرًا لطيب متابعتكم، لقاؤنا بكم بإذن الله في الحلقة القادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.