شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (201)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. مع فضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: مازلنا في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في باب كتابة العلم، توقفنا عند لفظة: «ألا وإنها ساعتي هذه حرام».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
«ألا وإنها ساعتي هذه»، يعني الإشارة إلى الزمان الحاضر الواقع بعد الفتح، الساعة التي يتكلم فيها.
والساعة كما تقدم في حديث أبي شريح مقدار من الزمان، لا يعني أنها ساعة فلكية مقدارها ستون دقيقة.
«ألا وإنها ساعتي هذه حرام»، حرام بالرفع على الخبرية، خبر لـ(إنّ)، إنها حرام، يقول الكرماني: فإن قلت: ما بال الخبر ليس مطابقًا للمبتدأ؟ المبتدأ اسم إنّ، وهو الضمير العائد على مكة، ومكة مؤنث: بقعة، حرام خبرها مذكر.
فقال الكرماني: فإن قلتَ: ما بال الخبر ليس مطابقًا للمبتدأ؟ يعني في التذكير والتأنيث، قلتُ: لفظ حرام وإن كان في الأصل صفة مشبهة، لكنه اضمحل وصفيته لغلبة الاسمية عليه، فتساوى فيه التذكير والتأنيث، قال: أو أنه مصدر يستوي فيه التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع.
«لا يختلى شوكها»: بضم أوله وبالمعجمة، المعجمة التي هي ماذا؟
المقدم: الخاء.
الخاء، وبالمعجمة أي لا يُجز، يقال: أخليتُه أو اختليتُه إذا جززتَه وقطعتَه، اختليتُه أي جززتُه وقطعتُه، وإذا أبدلتَ أي بـ(إذا) قلت: جززتَه وقطعتَه.
شوكها: «لا يختلى شوكها»، يقول الكرماني: ذكر الشوك دال على منع قطع سائر الأشجار بالطريق الأولى.
يقول القسطلاني: إلا المؤذي، كالعوسج واليابس، هذا وجيه أم غير وجيه؟ فيه شوك غير مؤذٍ؟
المقدم: إذا كان في الشجر بعيدًا عن الناس في البرية.
لا، هو ما نص إلا على ما كان في طريق الناس، يقول: لا يختلى شوكها، يستثنى من ذلك المؤذي كالعوسج واليابس.
هل يستثنى لاسمه أو لإيذائه؟ هو استثناه لاسمه، فاستثنى كل مؤذٍ يقطع ولو لم يكن في طريق الناس؛ لأنه مؤذٍ، أقول: فيه نظر؛ لأنه لا يوجد شوك غير مؤذٍ.
وفي شرح الخطابي: قوله «لا يختلى شوكها»، هناك في حديث أبي شريح: «ولا يعضد بها شجرة».
المقدم: فإن أحد ترخص.
«لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا ولا يعضد بها شجرةً»، الخطابي في شرحه أعلام الحديث أو أعلام السنن: قوله «لا يختلى شوكها» إنما جاء في سائر الروايات: «ولا يختلى خلاها».
«ولا يختلى خلاها» والخلا الحشيش، ومنه سُميت المِخلاة، المخلاة هي الوعاء الذي يُوضع فيه الحشيش، وأما الشوك فإن أكثر أهل العلم على إباحته، إباحة بناءً على أنه مؤذٍ أو بناءً على أنه الوارد في الحديث، الخلا؟
المقدم: بناءً على أن الوارد في الحديث الخلا.
نعم، أما إذا كان الوارد في الحديث الشوك، فكون أكثر أهل العلم على إباحته فهذه مخالفة صريحة للنص.
يقول: أما الشوك فإن أكثر أهل العلم على إباحته، ويشبه أن يكون المحظور منه، يعني على فرض ثبوت: "ولا يختلى شوكها" وهي ثابتة في الصحيح، «يختلى شوكها» يعني يقطع شوكها، ثابتة في الصحيح لا كلام لأحد على ذلك، ويشبه أن يكون المحظور منه الشوك الذي يرعاه الإبل، وهو ما رق منه دون الشوك الصلب الذي لا يرعاه، فيكون بمنزلة الحطب ونحوه.
«ولا يعضد شجرها»: تقدم في حديث أبي شريح: «ولا يعضد بها شجرةً»، ومعناه لا يقطع أي لا يعضد، يعني لا يقطع.
«ولا تُلتقط»: بالبناء للمفعول، «ساقطتها» أي ما سقط فيها، والمراد بذلك اللقطة.
«إلا لمنشد»: أي لمعرِّف لها، والاستثناء هذا نحتاج إلى إعادة النظر فيه، أي لمعرف لها، قال الخطابي: يقال: نشدت الضالة إذا طلبتَها، وأنشدتها إذا عرّفتَها، وكان بعض أهل العلم يذهب إلى التفرقة بين ضالة الحرم وغيرها من البقاع فيقول: لا تحل لقطتها لآخذها من بعد تعريف السنة، كما تحل لقطة غيرها من البقاع.
يقال: إنما حظ آخذها منها الحفظ والتعريف حتى تصل إلى ربها.
يقول: وأكثر أهل العلم على الجمع في هذا الحكم بين لقطتها ولقطة سائر البقاع؛ إذا أنشدها سنة حلت لآخذها بعد السنة، في مذهب أهل الحجاز، ويتصدق بها على مذهب أهل العراق. كيف؟
إذن ما خصيصة مكة في هذا الحكم، إذا كانت كغيرها من سائر البقاع؟
واضح أم ما هو بواضح؟ يقول: «ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد» أي معرف، وفرّق الخطابي بين الناشد والمنشد.
الناشد الذي يطلب، والمنشد الذي يعرف، يرفع صوته على ما سيأتي في كلام البغوي. يقول: وكان بعض أهل العلم يذهب إلى التفرقة بين ضالة الحرم وغيرها من البقاع فيقول: لا تحل لقطتها لآخذها بعد تعريف السنة، كما تحل لقطة غيرها من البقاع، يعني هذا خاص بمكة لا تملك مطلقًا، بينما غيرها من البقاع تملك بعد التعريف سنة، وهذا هو ظاهر النص، وإلا فما الفائدة من التنصيص على لقطتها إذا كانت كغيرها من البلدان؟
يقول: إنما حظ آخذها منها الحفظ والتعريف حتى تصل إلى ربها، يقول الخطابي: وأكثر أهل العلم على الجمع في هذا الحكم بين لقطتها ولقطة سائر البقاع؛ إذا أنشدها سنة حلت لآخذها يعني سواء كانت بمكة أو في غيرها حلت لآخذها بعد السنة في مذهب أهل الحجاز، ويتصدق بها على مذهب أهل العراق.
في شرح السنة للبغوي: ولا تحل لقطتها إلا لمنشد أي المعرف، فالمنشد المعرف والناشد الطالب، سُمِّي ناشدًا لرفعه صوته بالطلب، والنشيد رفع الصوت، ومنه: إنشاد الشعر، وهو رفع الصوت به.
يقول: واختلف أهل العلم في لقطة الحرم؛ فذهب قوم إلى أنه ليس لواجدها غير التعريف أبدًا، ولا يملكها بحال. ولا يستنفقها، ولا يتصدق بها، حتى يظفر بصاحبها، بخلاف لقطة سائر البقاع، وإلى هذا ذهب عبد الرحمن بن مهدي، وهو أظهر قولي الشافعي، وروى عبد الرحمن بن عثمان التيمي: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لقطة الحاج». «نهى عن لقطة الحاج» وهي أخص من لقطة مكة، أخص من وجه، وأعم من وجه، كيف؟
المقدم: أخص أولًا أنها يكون في الحرم؟
إن كان في الحرم فهو أخص.
المقدم: ومحرم أو كقاصد يعني.
لا، إذا وجد لقطة في الحرم على حديث عبد الرحمن بن عثمان هذا إن كانت لحاج فلا تحل؛ لأنه نهي عن لقطة الحاج، وإن كان غير حاج من أهل مكة مثلًا فتحل كغيرها، نأتي إلى خارج الحرم: إن كان خارج الحرم وهو محرم حاج..
المقدم: في عرفة مثلًا.
خارج الحرم على حديث عبد الرحمن بن عثمان يكون أخص من وجه، وأعم من وجه، على كل حال اللقطة في الحرم لها شأنها، ولها خصيصتها، تختلف عن اللقطة في سائر البقاع، ولذا جاء التنصيص عليها في هذا الحديث وغيره.
يقول البغوي في شرح السنة: وذهب الأكثرون، يعني كما قال الخطابي: وذهب الأكثرون إلى أنه لا فرق بين لقطة الحرم والحل، وقالوا: معنى قوله: «إلا من عرفها»: يعني كما يعرفها في سائر البقاع حولًا كاملًا حتى لا يتوهم متوهّم أنه إذا نادى عليها وقت الموسم فلم يظهر مالكها جاز له تملكها.
الآن إذا قلنا بهذا الفهم، قالوا: معنى «إلا من عرفها»: يعني كما يعرفها في سائر البقاع، قلنا: إن هذا الحديث مؤكد لأحاديث اللقطة، وإذا قلنا: لا، لا بد أن يعرفها دائمًا، وأنها لا تملك قلنا: الحديث مؤسس لحكم جديد، والتأسيس عند أهل العلم مرجح على التأكيد؛ هم يقولون: لا تُلتقط ساقطتها إلى لمنشد، يعني ينشدها كما ينشدها في سائر البلدان، لو قلنا بقولهم لقلنا: إن اللقطة في غير مكة يحل التقاطها لغير منشد من مفهوم هذا الحديث. ظاهر أم ما هو بظاهر؟
المقدم: صحيح، وبالتالي ما يكون فيه مزية.
لا نقول، نقول إن لقطة غير مكة.. إذا قلنا إن لقطة مكة تحل لغير منشد بعد سنة كغيرها من البلدان قلنا: مفهوم هذا الحديث: إما أن نلغي هذا الحديث، ونجعله مؤكدًا للأحاديث السابقة، أو نقول: إن مفهومه يدل على أن لقطة غير مكة تحل بمجرد التقاطها؛ لأن لقطة مكة لا تحل إلا لمنشد، إذن غيرها لا تحتاج إلى إنشاد.
وعلى كل حال يقول الكرماني: أقول: هذا لا يناسب المقام، يعني كلامهم هذا في كونها تحل للمنشد، يقول: هذا لا يناسب المقام، لماذا؟ يقول: لأن الكلام ورد في الفضائل المختصة بمكة، وإذا قلنا بقولهم لا يبقى لمكة أي اختصاص؛ إذن ما معنى الاستثناء في قوله: «لا تحل إلا لمنشد»؟ معناه أنها تحل للمنشد.
المقدم: لكن ما قال هنا..، هل فيه لفظ لا تحل يا شيخ؟
أين؟
المقدم: الالتقاط هل معناه لا تحل؟
ننظر في الأحاديث الأخرى، الأحاديث الأخرى فيها: «لا تحل إلا لمنشد»، الرواية الأخرى فيها: «لا تحل»، وهنا «لا تُلتقط ساقطتها إلا لمنشد»، يعني كلام الجمهور مبني على أن الاستثناء متصل، والمستثنى جزء من المستثنى منه، فعلى هذا مفهوم الاستثناء أنها تحل للمنشد؛ بمعنى أنها تحرم على غير المنشد، الآن «لا تُلتقط ساقطتها إلا لمنشد» معناه أن الذي لا يريد إنشادها ولا عنده استعداد ولا قدرة على الإنشاد أنه لا يجوز أن يلتقطها أصلًا، والذي عنده قدرة واستعداد للإنشاد والبحث عن صاحبها يلتقطها، لكن هل تحل أو لا تحل؟ الأكثرون كما قال الخطابي والبغوي أنها كغيرها من البلدان، لكن السياق سياق بيان خصائص مكة، وإذا قلنا: إن لقطة مكة كغيرها من البلدان فما صار هناك خصيصة كما قال الكرماني: أقول: وهذا لا يناسب المقام، لأن الكلام ورد في الفضائل المختصة بمكة، وحينئذٍ لا يبقى الاختصاص.
«فمن قُتل فهو بخير النظرين»: المقتول بخير النظرين؟
المقدم: المقصود أهله.
يقول في الحديث انظر في متنه: «فمن قُتل فهو بخير النظرين»، يقول ابن حجر: كذا وقع هنا، وفيه حذف وقع بيانه في رواية المصنف في الديات عن أبي نعيم بهذا الإسناد: «فمن قُتل له قتيل فهو بخير النظرين»: أي أفضلهما، يقول الكرماني: فإن قلت: المقتول كيف يكون بخير النظرين؟
كيف يكون المقتول بخير النظرين؟ قلت: المراد أهله؛ وأطلق عليه ذلك؛ لأنه هو السبب، وكأن الكرماني-رحمه الله- غفل عن الرواية المصرحة بذلك التي أشار إليها الحافظ.
وفي عمدة القاري: لفظة خير هنا بمعنى أفعل التفضيل، والمعنى: أفضل النظرين، وتفسير النظرين بقوله ماذا؟
المقدم: «إما أن يعقل وإما أن يقاد».
«إما أن يعقل وإما أن يقاد»، يقاد أهل القتيل، هذا تفسير خير النظرين، إما أن يعقل من العقل وهو الدية، وإما أن يقاد أهل القتيل، قال ابن حجر: وإما أن يقاد، وهو بالقاف أي يقتص، ووقع في رواية لمسلم: «إما أن يفادى» بالألف وزيادة ياء بعد الدال، والصواب أن الرواية على وجهين -كلام ابن حجر-: فمن قالها بالقاف يقاد قال فيما قبلها: إما أن يعقل؛ لأن العقل هو القَود، العقل الذي هو دفع الدية والقَود الذي هو القصاص.
فمن قالها بالقاف قال فيما قبلها: إما أن يعقل من العقل وهو الدية، ومن قالها بالفاء: يفادى؛ قال فيما قبلها: إما أن يقتل وإما أن يفادى.
بالقاف والمثناة، والحاصل تفسير النظرين، يعني المخير بينهما أهل القتيل، القصاص أو الدية.
المقدم: القصاص أو الدية.
الآن القصة وقعت في مكة، يقول الكرماني: فإن قلت: هل يجوز الاقتصاص في الحرم؟ لأن النص جاء عامًّا، وسبب وروده قتل في الحرم، يقولون: سبب الورود دخوله في النص قطعي، هل يمكن أن يقول النبي- عليه الصلاة والسلام- هذا الحديث: «فمن قُتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يعقل، وإما أن يقاد أهل القتيل» يعني في غير مكة، والقصة في مكة حاصلة؟
المقدم: ما يمكن.
يمكن هذا أم ما يمكن؟
المقدم: ما يمكن.
لأن سبب الورود حصل في مكة، ودخول السبب عند أهل العلم في العام قطعي، يعني لو جاء طالب وشرح ظروفه، شرح ظرفه لغني، وبيَّن أنه محتاج -لمتابعة ومواصلة طلب العلم- إلى دعم مادي، فجاء هذا الغني وكان لهذا الطالب زملاء في مدرسة في جامعة أو في مسجد عند شيخ، قال: اصرفوا لكل واحد من هؤلاء الطلاب مبلغ كذا، هذا أولاهم، دخوله قطعي في الأمر.
المقدم: صحيح.
لا يتصور عاقل أن يستثنى مثل هذا الذي هو السبب، ولذا يقول الكرماني: فإن قلت: هل يجوز الاقتصاص في الحرم؟ قلت: جاز عند الشافعي، وأما لفظ الحديث فلا ينفي ولا يثبت، لفظ الحديث لا ينفي ولا يثبت باللفظ، لكن إذا عرفنا السبب، وأن دخول السبب في اللفظ العام لا بد منه قلنا: يجوز الاقتصاص في الحرم.
اللهم إلا إذا عورض مثل هذا بما هو أخص منه، وسبق بحث المسألة في شرح حديث أبي شريح. قال: ولا بد من حمل لفظ القتل على العمد العدوان حتى يتصور القصاص فيه.
«فمن قتل له قتيل فهو بخير النظرين» يعني عمد عدوان، لماذا؟ لأنه مخير، ولا يمكن التخيير بين القتل والدية إلا في قتل العمد، قال: ولا بد من حمل لفظ القتل على العمد العدوان حتى يتصور القصاص فيه، وتقدم بحث المسألة في حديث أبي شريح.
فإن قلتَ: إذا جاز القصاص في الحرم فلمَ أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على خزاعة إذ ما كان سبب الخطبة إلا الرد على فعلهم؟ إذا كان القصاص جائزًا في الحرم، فكيف أنكر على خزاعة؟
لأن الحديث: خزاعة لما قتلت من بني ليث رجلًا؛ بسبب ما حصل بينهم قبل ذلك، مما ذكر في سبب الحديث.
فإن قلت: فإذا جاز القصاص في الحرم، فلمَ أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على خزاعة إذ ما كان سبب الخطبة إلا الرد على فعلهم؟ قلتُ -القائل الكرماني-: لعلهم قتلوا غير القاتل من بني ليث على ما هو عادة أهل الجاهلية، يقتلون أي واحد من القبيلة، يتشفون بذلك.
والحديث فيه دليل للشافعي على أن الولي بالخيار بين القصاص وبين أخذ الدية، وأن له إجبار الجاني على أي الأمرين شاء، يعني المسألة مفترضة في شخص قتل عمد عدوان، فولي الدم نظر أن من المصلحة أن يأخذ دية، ما يقتص؛ لأن المقتول وراءه أيتام صغار، وبحاجة إلى الدية أكثر من حاجتهم إلى أن يقتل شخصًا فلا يستفيدون من قتله، له ذلك أم ليس له ذلك؟
المقدم: بلى.
لأنه قال: «فهو بخير النظرين».
يقول: وفيه دليل للشافعي على أن الولي بالخيار بين القصاص وبين أخذ الدية، وأن له إجبار الجاني على أي الأمرين شاء، وقال مالك: ليس للولي إلا القتل أو العفو.
لإن بإمكان القاتل أن يقول مثلًا: والله ما عندي فلوس، إن كنتم مُصرين فاقتلوا، فعلى رأي مالك إما أن يقتل أو يعفو عنه، وليس للولي أن يأخذ الدية وليس له الدية إلا برضا الجاني.
وقال أهل العراق: ليس له إلا القصاص، فإن ترك حقه منه لم يكن له أن يأخذ الدية، وفي الإقناع -وهو من متون الحنابلة المشهورة مع شرحه الكشاف- يقول: الواجب بقتل العمد أحد شيئين: القود أو الدية؛ لقوله تعالى: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178].
أوجب الاتباع بمجرد العفو، ولو جب بالعمد القصاص عينًا لم تجب الدية عند العفو المطلق، فيتخير الولي بينهما، فإن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية ولو لم يرضَ الجاني؛ لقول ابن عباس: «كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فأنزل الله تعالى هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] الآية، رواه البخاري.
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- مرفوعًا: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يودى، وإما أن يقاد» متفق عليه، وهو حديث الباب.
المقدم: جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم. نستكمل بإذن الله ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث وأحكامه في حلقة قادمة.
أيها الإخوة والأخوات، كنا وإياكم مع شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، شكرًا لطيب المتابعة لقاؤنا بكم في الحلقة القادمة، وأنتم على خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.