شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (213)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لازلنا في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- في باب السمر في العلم كنا توقفنا عند لفظة «أرأيتكم ليلتكم هذه».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في الحديث: «فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد» فإن رأس، وللأصيلي: فإن على رأسِ أي عند انتهاء مائة سنة، منها أي من تلك الليلة، قال ابن حجر: فيه دليل على أن من تكون لابتداء الغاية، في الزمان، الآن منها الضمير يعود على تلك الليلة وتلك الليلة زمان أم مكان؟
المقدم: زمان.
زمان، يقول ابن حجر: فيه دليل على أن مِن تكون لابتداء الغاية في الزمان كقول الكوفيين، وقد رده نُحاة البصرة، وأول ما ورد من شواهده كقوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة:108]، وقول أنس: مازلت أحب الدُبّاء من يومئذٍ، وقوله: «مُطِرنا من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة»، وفي هذه النصوص من داخلة على الزمان، وفي مغني اللبيب لابن هشام: مِن تأتي على خمسة عشر وجهًا، يهمنا منها الأول فقط، أحدها ابتداء الغاية، وهو الغالب عليها، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه، وتقع لهذا المعنى في غير الزمان نحو من المسجد الحرام، إنه من سليمان، قال الكوفيون والأخفش والمبرّد وابن درستويه: وفي الزمان أيضًا، يعني قرر أنها تقع لابتداء الغاية في المكان ابتداء الغاية المكانية، وذكر أدلته ثم قال: قال الكوفيون والأخفش، مر بنا أن الأخافش أحد عشر، وإذا أطلقوا أريد به الأوسط سعيد بن مسعدة.
المقدم: اللغوي.
كلهم لغويون، قال الكوفيون والأخفش والمبرّد وابن درستويه: وفي الزمان أيضًا بدليل من أول يوم، وفي الحديث «فمُطِرنا من الجمعة إلى الجمعة»، وقال النابغة:
تُخيرنا من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جُربنا كل التجاربِ
من أزمان، فدل على أنها تأتي لابتداء الغاية في الزمان، وقيل: التقدير من مُضي أزمان يوم حليمة، ومن تأسيس أول يوم، ورده السهيلي: بأنه لو قيل هكذا لاحتيج إلى تقدير الزمان، يعني كل زمان يرد في أي نص من النصوص قدّره، ولا يلزم، وما يحتاج إلى تقدير عند أهل العلم أولى مما يحتاجُ إلى تقدير، وعلى هذا فقول الكوفيين هو المتجه؛ لكثرة ما يدل عليه من نصوص الكتاب والسنة وأشعار العرب. وقال الكرماني: فإن قلت: فما اسم إن؟ قلت: فيه ضمير الشأن.
«لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد» لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد، أي الآن موجود أحد إذاك، قال ابن حجر: وقد ثبت هذا التقدير عند المصنف من رواية شعيب عن الزهري كما سيأتي في ذكر أطراف الحديث في كتاب "الصلاة" إن شاء الله تعالى، لماذا نحتاج إلى هذا التقدير ممن هو موجود الآن؟ لئلا يُظن أن الساعة تقوم بعد مائة سنة «لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد» نحتاج إلى مثل هذا..
المقدم: لو قلنا بأن بعد مائة سنة سيموت الجميع قامت الساعة.
خلاص، قامت الساعة، قال ابن بطال..
المقدم: عفوًا يا شيخ ممن ولد قبل هذه الليلة وفي حدود هذه الليلة.
نعم، ممن هو على ظهر الأرض الآن عند هذه المقالة، وقت هذه المقالة موجود على ظهر الأرض لن يبقى أكثر من مائة سنة.
قال ابن بطال: إنما أراد -والله اعلم- أن هذه المدة تخترم الجيل الذي هم فيه، فوعظهم بقصر أعمارهم، وأعلمهم أنها ليست تطول أعمارهم كأعمار من تقدم من الأمم؛ ليجتهدوا في العبادة، وفي مسلم من حديث جابر قال: «سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول قبل أن يموت بشهر: تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة» منفوسة يعني مخلوقة الآن موجودة. قال النووي في شرحه: المراد أن كل نفس منفوسة كانت تلك الليلة على الأرض لا تعيش بعدها أكثر من مائة سنة، سواءٌ قل أمرها قبل ذلك أم لا، أمرها يعني عمرها، يعني سواءٌ كانت عاشت عشر سنين، عشرين سنة، ثلاثين سنة، أو أكثر أو أقل أو يوم واحد، قل أمرها قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفي عيشِ أحدٍ يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة؛ لأن بعض الناس قد يفهم من الحديث أنه لا يمكن أن يتجاوز أحد مائة سنة سواء كان ممن ولد وممن لم يولد، وهذا الواقع يَردّه.
وإنما مراد الحديث ومفاده واضح أن الموجودين حال الخطاب لا يمكن أن يتجاوزوا مائة سنة بحال، يقول: معنى نفس منفوسة أي مولودة، وفيه احتراز من الملائكة، وقد احتج بهذا الحديث يقول النووي: وقد احتج بهذه الأحاديث مَن شذ من المحدّثين فقال: الخضر -عليه السلام- ميت، والجمهور على حياته، ويتأولون هذه الأحاديث على أنه كان على البحر لا على الأرض أو أنه عامٌ مخصوص، الحادثة هذه عامةٌ مخصوصة، انتهى كلام النووي.
وفي إرشاد الساري لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحدٌ ممن ترونه أو تعرفونه عند مجيئه، أو المراد أرضه التي بها نشأ ومنها بُعث كجزيرة العرب المشتملة على الحجاز وتِهامة ونجد، فهو على حد قوله تعالى: {أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:33] أو ينفوا من الأرض هل المراد جنس الأرض؟
المقدم: لا.
هو يُنفى من أرض إلى أرض، إنما ينفى من الأرض المعهودة والمراد بعضها التي أوقع فيها جنايته، والمراد بالأرض في الحديث الأرض المعهودة عندهم وهي جزيرة العرب التي نشأ بها -عليه الصلاة والسلام-، هذا كلام القسطلاني، لماذا؟ ليقرر حياة الخضر، وهذا قول كثير من أهل العلم، أجابوا عن هذا الحديث على ما سيأتي.
المقدم: وإذا قرر حياة الخضر معناها ينفي أن يكون مثلًا خضر الجزيرة.
نعم؛ لأن مجمع البحرين في أقصى المغرب، قالوا: إنه قريب من طنجة.
المقدم: يعني مضيق طارق الآن أو قريب منه.
نعم هناك، المقصود أنه يريد أن يقرر حياة الخضر، ولابد من الإجابة عن الحديث، فحمل الأرض على الأرض المعهودة التي نشأ بها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي أرض جزيرة العرب المشتملة على الحجاز وتِهامة ونجد، فهو على حد قوله تعالى: {أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ} أي بعض الأرض التي صدرت الجناية فيها فليست ال للاستغراق، وبهذا يندفع قول من استدل بهذا الحديث على موت الخضر -عليه السلام-، كالمؤلف وغيره، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يرى أن الخضر قد مات، ويستدل بهذا الحديث، إذ يحتمل أن يكون الخضر في غير هذه الأرض المعهودة، هذا كلام من يقرر حياة الخضر، لكن ماذا عمن يقرر موت الخضر؟
يقول الإمام الحافظ ابن كثير في تفسيره: مال النووي وابن الصلاح إلى بقاء الخضر، وذكروا في ذلك حكايات وآثارًا عن السلف وغيرهم، وجاء ذكره في بعض الأحاديث، ولا يصح شيء من ذلك، وأشهرها أحاديث التعزية وإسناده ضعيف، حديث التعزية لما مات النبي -عليه الصلاة والسلام-، دخل عليهم شخص لا يعرفونه وعزاهم فخرج فقالوا: هذا هو الخضر، أولًا الحديث ضعيف، وليس فيه ما يدل على تسميته بالخضر مما تلزم به الحجة حتى في هذا الحديث ضعيف، ورجح آخرون من المحدّثين كلام ابن كثير، ورجح آخرون من المحدّثين وغيرهم خلاف ذلك، واحتجوا بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء:34]، وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ صريحة الآية، وبقول النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم بدر: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض» وبأنه لم يُنقل أنه جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا حضر عنده ولا قاتل معه، ولو كان حيًّا لكان من أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؛ لأنه عليه السلام كان مبعوثًا إلى جميع الثقلين الجن والإنس، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: «لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي» وأخبر قبل موته بقليل أنه لا يبقى ممن هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تطرف إلى غير ذلك من الدلائل، حجة قوية، لو لم يكن في ذلك إلا أنه يلزمه اتباع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكيف يتبعه..
المقدم: وهو لم يحضره؟
وهو لم يحضره ولم يأخذ عنه؟ وفي تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن: ذهب الجمهور من الناس إلى أن الخضر -عليه السلام- قد مات، وهنا تلحظ أن الجمهور يدعيه الطرفان، من يقول بحياته، ومن يقول بوفاته، لكن الغريب أن القرطبي يقول: ذهب الجمهور وهو يرجّح حياته، كون من يرجح حياته يقول: إن الجمهور ذهبوا إلى أنه حي ما فيه إشكال، مقبول.
المقدم: مقبول لكن أن يرجح الآخر.
وكذلك إذا قاله الطرف الآخر مقبول، لكن القرطبي وهو من يرجح حياة الخضر يقول: ذهب الجمهور من الناس إلى أن الخضر مات -عليه السلام-، وقالت فرقة: إنه حي؛ لأنه شرب من عين الحياة، وأنه باقٍ في الأرض وأنه يحج البيت، لكن هل هذه حجج يمكن أن يُستند إليها؟ أبدًا.
قال ابن عطية: وقد أطنب النقّاش في هذا المعنى، وذكر في كتابه أشياء كثيرة عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وغيره، وكلها لا تقوم على ساق، ولو كان الخضر -عليه السلام- حيًّا يحج لكان له في ملة الإسلام ظهور؛ لأنه شخص اختُلف في نبوته، من أهل العلم من يرى أنه نبي، والقول له وجه كونه نبيًّا {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82] يتصرف تصرف من يوحى إليه؛ لأنه ارتكب محظورات لا تُفعل إلا بوحي، فهذا النبي على القول بنبوته لو كان حيًا في وقته -عليه الصلاة والسلام- ويحج بعده إلى يومنا هذا لكان له ذكر وله ظهور في ملة الإسلام، ولو كان الخضر -عليه السلام- حيًّا يحج لكان له في ملة الإسلام ظهور، والله العليم بتفاصيل الأشياء لا رب غيره.
ومما يقضي بموت الخضر -عليه السلام- الآن قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد». قلت -القائل القرطبي-: هذا كلام ابن عطية يُفند قول من يقول بحياة الخضر، قلت: يقول القرطبي: وإلى هذا ذهب البخاري، واختاره القاضي أبو بكر بن العربي، والصحيح القول الثاني وهو أنه حي، وأجاب عن الحديث بأنه لا حجة لما استدل به على بطلان قول من يقول: إن الخضر حي؛ لأن عمومه وإن كان مؤكدًا وإن كان مؤكدًا الاستغراق فليس نصًّا فيه، بل هو قابل للتخصيص، فكما لم يتناول عيسى -عليه السلام- فإنه لم يمت ولم يُقتل فهو حي بنص القرآن ومعناه ولا يتناول الدجال مع أنه حي بدليل حديث الجساسة، فكذلك لم يتناول الخضر -عليه السلام-... إلى آخره، أقول: يُجاب عن ذلك بالنسبة لعيسى -عليه السلام- في وقت هذه المقالة هو على وجه الأرض أم في السماء؟!
المقدم: في وقت مقولة النبي -صلى الله عليه وسلم-، في الأرض، الذي هو من؟
عيسى.
المقدم: عيسى في السماء.
في السماء مرفوع، بل رفعه الله إليه.
المقدم: لا يستدل بها على...
لا استدراك بعيسى -عليه السلام-، يُجاب عن ذلك بما يتعلق بعيسى -عليه السلام- فهو في السماء وقت المقالة النبوية؛ لأنه مرفوع إليها بنص القرآن، وأما الدجال..
المقدم: ففي الأرض.
في قصة الجساسة أهل العلم يقررون أنه على البحر، وليس على وجه الأرض، وفي فتح الباري: قال ابن الصلاح: هو حيُّ عند جمهور العلماء والعامة معهم في ذلك، ما مدخل العامة هنا؟! لأن معول العلماء والعامة واحد، في الاستدلال على حياته، كيف؟ استدلوا على حياته بأن من أهل العلم من قال: لقيت الخضر، ومن العامة من قال: رأيت الخضر، هذه هي أدلتهم، قال لي الخضر، أوصاني بكذا، والعامي يقول: أوصاني الخضر بكذا، فالمسألة مسألة رؤية، وإن كان التلبس واردًا، لكن هي رؤية يشترك فيها العالِم والعامي، ولذلك يقول ابن الصلاح: هو حيٌّ عند جمهور العلماء والعامة معهم؛ لأن مستندهم واحد، والعامة معهم في ذلك، وإنما شذ بإنكاره بعض المحدّثين، وتبعه النووي، وزاد أن ذلك متفق عليه بين الصوفية وأهل الصلاح وحكاياتهم..
المقدم: الصوفية على القول بحياته.
نعم، تبعه النووي، تبعه على القول بحياته، وزاد أن ذلك متفق عليه بين الصوفية وأهل الصلاح، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به أكثر من أن تُحصر، لكن مجرد هذه الحكايات التي ثبتت لبعض المتصوفة الذي يدعي بعضهم أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- في حال الحياة، إذًا نقول: الرسول حي بيننا أم ميت كما نطق بذلك القرآن؟!
المقدم: ميت.
ميت، بعض الصوفية الذين يستندون إلى كلامهم في مثل هذا، وأن الخضر حي، وأنهم رأوه، وأنهم اجتمعوا به لا يُلتفت إليه ألبتة؛ لأنهم ادعوا ما هو فوق ذلك، فلا عبرة بقولهم، يقول: وحكايتهم في رؤيته والاجتماع به أكثر من أن تُحصر، انتهى.
والذي جاز ما به، والذي جزم يقول ابن حجر: والذي جزم بأنه غير موجود الآن البخاري وإبراهيم الحربي وأبو جعفر بن المنادي وأبو يعلى بن الفراء وأبو طاهر العبادي وأبو بكر بن العربي وطائفة، وعمدتهم الحديث المشهور، وذكر حديث الباب ثم ذكر أجوبة من قال بحياته عن الحديث، وذكر قصصًا كثيرة وضعّفها، تدل على اجتماعه ببعض الصالحين من الصحابة ومن بعدهم، التلبس لا يُنكر، شيخ الإسلام -رحمه الله- يقرر أن الشيطان تلبس به، وذهب إلى فلان وإلى علان، واجتمع بالفرقة الفلانية، الأمر ليس على حقيقته وبين ذلك في كتابه "الفرقان" بيانًا شافيًا.
والمقصود أن مثل هذه الحكايات وهذه القصص لا يثبت بها ما يعارض به النصوص القطعية من الكتاب والسنة، الحاصل أن القول ببقائه مع كثرة القائلين به، لا يسنده دليل ملزم، ولا حجة صحيحة صريحة، فالراجح أنه قد مات ولم يُدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو أدركه للزمه الإيمان به واتباعه لعموم رسالته -صلى الله عليه وسلم- إلى الثقلين، مادامت الهجرة في عصره -عليه الصلاة والسلام- واجبة من أعراب؛ ليتلقوا عنه ويأخذوا عنه الدين، فكيف بمثل هذا؟
ولذا يذكر أهل العلم من النواقض أن من زعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، هذا يُقبل منه؟! هذا من نواقض الدين، وهذا من النواقض المعروفة، ويقول شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في تعليقه على فتح الباري: الذي عليه أهل التحقيق أن الخضر قد مات قبل بعثته -صلى الله عليه وسلم- لأدلة كثيرة معروفة في محلها، هل أورد من يقول ببقائه، وإن كانوا كثرة فما يدل على بقائه من حجة ملزمة من حديث صحيح، يعني أقوى ما عندهم هو حديث التعزية وهو ضعيف، ضعفه أهل العلم.
المقدم: حديث التعزية وإن صح لا يُثبت أنه حي.
ولا يُثبت أنه أيضًا الخضر نفسه.
المقدم: يعني حتى لو ثبت، بعد مرور مائة سنة سيكون مات.
لكن يبقى أنه لو قلنا: إنه أدرك حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا يلزمه أن يُهاجر ويأخذ الدين ويقتضي به- عليه الصلاة والسلام-؟
المقدم: بلى.
وأن عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان إذا نزل يحكم بشريعة محمد ولا يسعه إلا اتباع النبي -عليه الصلاة والسلام-.
إذا تقرر هذا، فقد قال الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي في "سيره أعلام النبلاء": أبو الطفيل خاتم من رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا، يعني آخر من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- في الدنيا، واستمر الحال على ذلك في عصر التابعين وتابعيهم وهلم جرة، لا يقول آدميٌّ: إنني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني بعد أبي الطُفيل، لا يدعي أحدٌ أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى نبغ بالهند بعد خمسمائة عام شخص يُدعى رثن، فادعى الصُّحبة وآذى نفسه، وكذبه العلماء، لكن مع الأسف أنه صدقه بعض الرعاع، كذبه العلماء، وفي الميزان للذهبي أيضًا رتن الهندي، وما أدراك ما رتن، شيخ دجال بلا ريب ظهر بعد الستمائة، فادعى الصحبة والصحابة لا يكذبون، وهذا اجترأ على الله ورسوله، وقد ألفت في أمره جزءًا، وقد قيل: إنه مات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وقيل: بعدها.
واسم أبي الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو الليثي، رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، وهو يستلم الركن بمحجنه ثم يُقبل المحجن، قال وهب ابن جرير: سمعت أبي يقول: كنت بمكة سنة عشرٍ ومائة، فرأيت جنازة فسألت عنها فقالوا: هذا أبو الطفيل سنة عشرٍ ومائة، قال الذهبي: هذا هو الصحيح بـ من وفاته -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- لثبوته، وإلا قيل: إنه مات سنة سبع ومائة، وقيل قبل ذلك، وقيل بعد ذلك، المقصود أن الصحيح في وفاته أنه توفى بمكة سنة عشرٍ ومائة.
وبهذا يتقرر علم من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام، حيث أخبر أنه على رأس مائة لا يوجد أحد حي، فكان آخر من مات من الصحابة أبو الطفيل سنة عشرة ومائة، ولهذا من يدعي الصحبة بعد سنة عشرٍ ومائة، فهو كذاب.
في هذا الحديث كما قرر أهل العلم علم من أعلام النبوة، حيث قرر -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يبقى بعد مائة سنة من الليلة التي تحدث فيها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا لو دُقّق في هذه الليلة ودققنا في وفاة أبي الطفيل لوجدنا أنها ما تجاوز المائة يمكن ولا بساعة، فلا شك أن هذا من دلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام-، ومن أعلامها ومن معجزاته، حيث أخبر عن أمر سيحدث، وقد حدث كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-.
المقدم: لكن يا شيخ فيه قضيتان:
القضية الأولى: ممن هو على ظهر الأرض، وأنتم قررتم قبل قليل من كلام أهل العلم المقصود الأرض اليابسة، ولا يدخل فيها ماء، بينما المعروف أن إطلاق الأرض سيدخل فيها اليابسة فكلها أرض.
لكن عند التعارض تُحمل الأرض على الأرض، والبحر بحر، والماء ماء.
المقدم: معنى هذا أننا سنحمل النفس المنفوسة على الآدمية فقط ونخرج ما سواها.
نعم لا بد، غير الآدمي ما يدخل، قيل عن بعض الحيوانات أنها تعيش أكثر، وقد يوجد في ذلك تلك ال...
المقدم: بعض الحيوانات تعيش مائتين وثلاثمائة سنة.
ما فيه ما يمنع، ثم ما من نفس منفوسة ممن يمكن أن يوجه لها هذا الخطاب، ولذلك بعضهم خصه ببني آدم ليخرج إبليس.
المقدم: الذي يظهر لي من خلال سياقكم أنكم ترجحون القول بموت الخضر أيضًا.
بلا شك وهذا الذي تدل عليه النصوص، ولا ريب في هذا.
المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم.
المقدم: أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة سوف نستكمل بإذن الله ما تبقى من أحكام هذا الحديث في حلقة قادمة.
في ختام هذه الحلقة نلقاكم بإذن الله تعالى لاستكمال ما تبقى شكرًا لطيب متابعتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.