شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (308)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
يتولى شرح أحاديث هذا الكتاب، وهو مختصر صحيح البخاري للإمام الزبيدي، يتولى شرح أحاديثه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، والذي نسعد به في مطلع هذه الحلقة ترحيبًا به، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.
حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لتذكير الإخوة والأخوات، نحن في الحديث مائة وأربعة وعشرين في المختصر، مائة وستة وخمسين في الأصل، حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- توقفنا عند قوله: فأخذت روثةً فأتيته بها، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
فبدأنا في الكلام عن قوله: فأخذ الحجرين وألقى الروثة.
ذكرنا كلام ابن حجر في نقله عن الطحاوي واستدلاله بهذه الجملة على عدم اشتراط العدد، أخذ الحجرين وألقى الروثة يعني: لو لم يكن عندنا في الباب إلا هذا الحديث لكان الاستدلال به ظاهرًا، لو لم يكن عندنا إلا هذه الرواية كان الاستدلال ظاهرًا.
يقول ابن حجر: استدل به الطحاوي على عدم اشتراط الثلاثة، قال: لأنه لو كان مشترطًا لطلب ثالثًا كذا قال. وغفل -رحمه الله- عما أخرجه أحمد في مسنده من طريق معمر، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن ابن مسعود في هذا الحديث، فإن فيه: فألقى الروثة، وقال: «إنها ركس، ائتني بحجر».
قال: ورجاله ثقاتٌ أثبات. وقد تابع عليه معمرًا أبو شعبة الواسطي، وهو ضعيفٌ، أخرجه الدارقطني.
طيب، إذا كان ضعيفًا، فلماذا نذكر متابعته؟ لأنهم يتسامحون في المتابعات والشواهد، فيذكرون عن الضعفاء الذين لا يصل ضعفهم إلى حد الترك، فلا يتطلبون في رواة المتابعات والشواهد ما يتطلبون في رواة الأصول.
وهو ضعيفٌ أخرجه الدارقطني، وتابعهما يعني: تابع معمرًا وأبا شعبة الواسطي الذي تابع معمرًا، تابعهما أيضًا عمار بن رُزيق أحد الثقات عن أبي إسحاق، وقد قيل: إن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة، يعني: أُعلت المتابعة الأولى بضعف أبي شعبة الواسطي، وأُعلت المتابعة الثانية بالانقطاع.
وقد قيل: إن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة، لكن أثبت السماع منه لهذا الحديث منه الكرابيسي، وعلى تقدير أن يكون أرسله يعني: لم يسمعه من علقمة وتحقق الانقطاع، فالمرسَل حجةٌ عند المخالفين، يعني: المرسل حجة عند المخالفين الذين هم الحنفية والمالكية.
احتج مالكٌ كذا النعمان به |
|
وتابعوهما ودانوا |
يعني: بالمرسل، حُجة عندهم.
وعندنا أيضًا إذا اعتضد -يعني: عند الشافعية، الإمام الشافعي في الرسالة- نص على قبول المراسيل بأربعة شروط: منها ما يكون في المرسِل، ومنها ما يكون في الخبر المرسَل.
يقول ابن حجر: واستدلال الطحاوي فيه نظر بعد ذلك يعني: لو لم ترِد رواية أحمد التي هي نص في الباب وقال: «إنها ركس، ائتني بحجر ثالث». قال: واستدلال الطحاوي فيه نظر بعد ذلك؛ لاحتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثة.
يعني: نفترض أن شخصًا صلى، فتبين أن صلاته غير صحيحة، أو صام ثم تبين أن صومه غير صحيح، أو حج ثم تبين أن حجه غير صحيح، أو فعل واجبًا ثم تبين أن فعله له غير صحيح، هل يحتاج إلى أمرٍ جديد أو يُكتفى بالأمر الأول؟
المقدم: يُكتفى بالأمر الأول.
يُكتفى بالأمر الأول، وهذا ما يريد أن يقرره ابن حجر –رحمه الله-، لكن لو قيل حتى نُبين أن بين هذا وبين ما قلناه شيئًا من الخفاء، يعني: التنظير المطابق ما هو فيما ذكرناه من الصلاة والصيام، هذه أمور مقررة شرعًا بذاتها ووصفها، لكن لو قال الأب لابنه: اشترِ ثلاثة أرغفة، يعني التنظير المطابق.
المقدم: فاشترى اثنين.
فجاء برغيفين، هل يرجع الولد من تلقاء نفسه ليشتري الثالث بالأمر الأول، أو يحتاج إلى أمرٍ جديد؟
المقدم: الأصل الأمر الأول.
يعني يرجع يأتي بــ..؟ يعني لو قُدِّر في مثل هذه الحالة أنه لا شبهة له، قال له: خذ هذه النقود، واشترِ ثلاثة أرغفة، فاشترى رغيفين وجاء بهما، فنوقش: قيل لك ثلاثة فأتيت باثنين، قال: الدراهم ما كفت، مثل ما جاء بالروثة، الدراهم ما كفت، هل يحتاج إلى أمرٍ جديد ليأتي بثالث؟
هنا باعتبار أن فيه معاوضة، وأنه لن يرجع إلا بنقود، قد يُحتاج إلى أمر جديد، لكن لو كانت الدراهم تكفي ثلاثة...
المقدم: هو أحضر رغيفين وثالثًا ليس من الصنف المطلوب، ثم رُفض هذا الصنف، الأصل أنه يبقى على الأمر: يرجع ويأتي به خصوصًا إذا بُيِّن له أن الصنف الذي جاء به ليس هو المطلوب.
طيب ليس هو المطلوب وسُكت عنه.
المقدم: هذا إذا سُكت عنه.
سُكت عنه، هذا الافتراض أنه سُكت عنه، ما أُمر أمرًا جديدًا، ما فيه احتمال أنه لما رأى الأرغفة ورآها في حجمها أنها كافية سكت؟
المقدم: ممكن.
نعم، لكن أيضًا هناك لأن المسائل يجر بعضها بعضًا، يعني: رضاه بالاثنين يلغي الأمر السابق، فمثل هذه التسلسلات قد لا تنقطع، والتنظير لو استطردنا في النظائر ما ينتهي الأمر.
انظر استدلال الطحاوي، يقول ابن حجر: فيه نظر بعد ذلك؛ لاحتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثة، فلم يُجدد الأمر، يعني: المسألة هل الأمر يقتضي التكرار أو لا يقتضيه؟ هذه مسألة أصولية.
فلم يُجدد الأمر بطلب الثالث أو اكتفى بطرف أحدهما عن الثالث؛ لأن المقصود بالثلاثة أن يمسح بها ثلاث مسحات، وذلك حاصلٌ ولو بواحد. والدليل على صحته: أنه لو مسح بطرف واحد ورماه، ثم جاء شخصٌ آخر فمسح بطرفه الآخر لأجزأهما بلا خلاف.
هذا الكلام يرد عليه العيني ردًّا قويًّا سيأتي.
وقال أبو الحسن القصار المالكي: رُوي أنه أتاه بثالث، لكن لا يصح، ولو صحَّ فالاستدلال به لمن لا يشترط الثلاثة قائم؛ لأنه اقتصر في الموضعين على ثلاثة، فحصل لكل منهما أقل من ثلاثة، انتهى.
أولًا: أبو الحسن القصار هذا مالكي، ومعروف رأي المالكية مثل رأي الحنفية. قال: رُوي أنه أتاه بثالثٍ، لكن لا يصح، مع أن قوله: «ائتني بحجر» رجاله ثقات أثبات عند الإمام أحمد، وله ما يشهد له على ما تقدم.
قال أبو الحسن القصار المالكي: رُوي أنه أتاه بثالث، لكن لا يصح، ولو صحَّ فالاستدلال به لمن لا يشترط الثلاثة قائم؛ لأنه اقتصر في الموضعين على ثلاثة، فحصل لكل منهما أقل من ثلاثة، انتهى.
انظر الموضعين: القُبل والدُبر. هو طلب ثلاثة للموضعين، فالاستدلال لا يتم حتى على «ائتني بثالث»؛ لأنه يصح حينئذٍ أن يكون استنجى بأقل من ثلاثة أحجار لكل موضع.
قال ابن حجر: وفيه نظر أيضًا؛ لأن الزيادة ثابتة كما قدمناه -هذا رد على قوله: لكن لا يصح- وكأنه إنما وقف على الطريق التي عند الدارقطني فقط، التي فيها أبو شعبة الواسطي ضعيف، ثم يحتمل أن يكون لم يخرج منه شيءٌ إلا من سبيلٍ واحد.
فذكر أبو الحسن القصار أن الثلاثة للسبيلين تدل دلالة الظاهر على أنه لم يستكمل الثلاثة لكل سبيل.
يقول ابن حجر: ثم يحتمل أن يكون لم يخرج منه شيء إلا من سبيلٍ واحد، وعلى تقدير أن يكون خرج منهما، هل ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلب ستة أحجار ولو مرة واحدة؟ ما يُعرف.
ثم يحتمل أن يكون لم يخرج منه شيء إلا من سبيلٍ واحد، وعلى تقدير أن يكون خرج منهما، وعلى تقدير أن يكون خرج منهما فيحتمل أن يكون اكتفى للقُبل بالمسح في الأرض، وللدُّبر بالثلاثة، أو مسح من كلٍّ منهما بطرفين، فيتحصل عنده ست مسحات.
وأما استدلالهم على عدم الاشتراط للعدد بالقياس على مسح الرأس، ففاسد الاعتبار؛ لأنه في مقابلة النص الصريح كما قدمناه من حديث أبي هريرة وسلمان، والله أعلم. انتهى من فتح الباري.
تعقبه العيني، العيني لن يترك ابن حجر في هذه المواطن التي يختلف فيها معه، والعيني لا شك أنه صاحب نظر دقيق، يعني: ما يُنكر أنه صاحب نظر دقيق، وصاحب دراية، لكن الذي يجعل ابن حجر يفوقه في كثيرٍ من المواضع...
المقدم: اطلاعه بالروايات.
اهتمامه بالرواية، سعة اطلاعه على الروايات، وإلا أحيانًا العيني يأتي بردود لو لم يرِد في الباب ما يرده من الرواية لكانت أجوبة مسكتة.
تعقَّبه العيني بقوله: قلت: لم يغفل الطحاوي -لأن ابن حجر يقول: غفل رحمه الله- لم يغفل الطحاوي عن ذلك، وإنما الذي نسبه إلى الغفلة هو الغافل.
المقدم: هذا رد أقوى من ذاك.
أشد نعم.
أنا قلت سابقًا: إن العيني لن يسكت عن وصف، أو عن الإخبار عن إمام من أئمتهم بالغفلة.
المقدم: الله المستعان.
وإنما الذي نسبه إلى الغفلة هو الغافل، وكيف يغفل عن ذلك؟
يعني: من خلال ما مر بنا من ردود ومناقضات بين العيني وابن حجر تجعل طالب العلم لا يكتفي بالرواية والحفظ، كما أنه لا يكتفي بالدراية عن الحفظ، لابد أن يجمع بينهما؛ لأنه إن اكتفى بالرواية فقط فاته كثير من وجوه الاستنباط، وإذا أُورد عليه اعتراض وقف، وإذا اهتم بالدراية والفهم غفل عما ورد في الباب مما ينقض هذا الفهم.
قلت: لم يغفل الطحاوي.
المقدم: وأنت تريد يا شيخ الآن أن الطحاوي اهتم بأحد القسمين أم ما تريد هذا؟
لا لا، أنا أعيني العيني.
المقدم: تعني العيني.
أما الطحاوي فهو إمامٌ في الرأي وفي الأثر أيضًا، وله مؤلفات.
المقدم: ولو غفل عن هذه الرواية.
ولو غفل. قد يغفل ابن حجر، قد يغفل من هو فوق ابن حجر، يغفل مالك نجم السنن، يغفلون؛ الغفلة لا يسلم منها أحد.
قلت: لم يغفل الطحاوي عن ذلك، وإنما الذي نسبه إلى الغفلة هو الغافل.
أنا أقول هذا الكلام، ويوجد الآن من طلاب العلم من لا يعتني بالشروح، ولا بالاستطراد والتطويل في الكلام على الأحاديث، ويُنفِّرون من هذا؟ لا شك أنه كل شيء على حساب شيء.
المقدم: وهذا صحيح.
قد يكون هذا الاستطراد على حساب حفظ المتون، لكن أيضًا الإكثار من حفظ المتون وعدم الالتفات إلى الاستنباط، والتعامل مع النصوص على طريقة أهل العلم قد يوقع في شيءٍ من الظاهرية.
وعلى كل حال طالب العلم عليه أن يوازن بقدر طاقته {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7]، لا يُطلب من شخصٍ أوتي فهمًا أن يحفظ مثل حفظ الأئمة ولم يؤتَ من الحفظ مثلهم، وكذلك أيضًا لا يُطلب ممن آتاه الله حفظًا، ولم يُرزق فهمًا يعادل أو يقارب فهم الأئمة، لكن عليه في الجملة أن يسدد ويقارب: يحفظ المتون، وينظر في الشروح حتى تتكون لديه الملكة التي يستطيع بواسطتها التعامل مع النصوص، لكن لو أغفل الشروح فكيف يستطيع أن يتعامل مع النصوص؟ قد لا يستطيع.
المقدم: صحيح.
هو بحاجة ماسة إلى معرفة العلوم التي يسميها العلماء "علوم الآلة" التي تعينه على صحة التعامل مع النصوص، وأيضًا هو بحاجة ماسة إلى النظر في التفاسير الموثوقة؛ لتتكون لديه ملكة يفهم بها القرآن، وكذلك ينظر في الشروح؛ لتتكون لديه ملكة يتعامل بها مع الحديث، وكذلك غيره من كلام أهل العلم.
يعني: قد تكون متون علمية مؤلفة من قِبل أهل العلم، لكن شخص ليست له دُربة ولا خبرة ولا معرفة بشروح كتب أهل العلم تمر عليه الجمل الكثيرة يبقى دونها حائرًا؛ لأنه قد يقول قائل: النص واضح، لماذا نستطرد في هذه الأمور ونأخذ حلقتين، ثلاثًا على كلام قال العيني، قال ابن حجر؟ وقد قيل.
المقدم: صحيح، هذا يريدنا.
وقد قيل، لكن أيضًا الكلام هذا كله موجه لطلاب علم؛ لأن كلامنا أيضًا فيه قوة من الجانبين، وفي مسألةٍ عظيمة يترتب عليها صحة الصلاة وبطلانها.
المقدم: صحة عبادات.
نعم.
قلت: لم يغفل الطحاوي عن ذلك، وإنما الذي نسبه إلى الغفلة هو الغافل، وكيف يغفل عن ذلك وقد ثبت عنده عدم سماع أبي إسحاق عن علقمة، فالحديث عنده منقطع؟
هذا أجاب عنه ابن حجر بأن الخصم – الذي هو الحنفي، وعلى رأسهم الطحاوي، وقبله إمامهم أبو حنيفة – يستدلون بالمراسيل؛ لأنه قال هنا: وكيف يغفل عن ذلك وقد ثبت عنده عدم سماع أبي إسحاق عن علقمة، فالحديث عنده منقطع؟
نقول: نعم منقطع عنده، لكن مع ذلك يحتج به.
"والمحدث لا يرى العمل به" مَن المحدث؟
المقدم: الذي نقله قصده؟
لا، كأنه يقصد بذلك ابن حجر.
المقدم: هذا كلامه هو.
هذا كلام العيني، كله كلام العيني.
المقدم: في الرد على ابن حجر لما وصفه بالغفلة.
هذا في الرد على ابن حجر، هو يقول: "والمحدث لا يرى العمل به"، لا يريد أن يقصد أن المحدث الطحاوي، ولا يريد الجنس، كأنه يريد أن المحدث ابن حجر لا يرى العمل به، منقطع فكيف يستدل به؟
أولًا: أشار ابن حجر، ما غفل عن هذا الكلام، قال: "الخصم لا يرى العمل به؛ لأنه يرى العمل بالمراسيل"، وهذا سبق أن ذكرناه، والمحدث أيضًا مذهب إمامه العمل بالمراسيل إذا اعتضدت، وهذا سبق الكلام في كلام ابن حجر نفسه.
المقدم: صحيح.
والمحدث لا يرى العمل به، وأبو شيبة الواسطي ضعيف، فلا يُعتبر بمتابعته، فالذي يدعي صنعة الحديث...
المقدم: هذا ابن حجر.
نعم.
فالذي يدعي صنعة الحديث، كيف يرضى بهذا الكلام؟
يعني: هل ابن حجر غفل عن هذا الكلام؟ ما غفل، بل أورد ضعف أبي شيبة، وأيضًا أورد ما يحتمل من انقطاع في الرواية الثانية، لكن عمدته ومعوله على رواية أحمد.
فالذي يدعي صنعة الحديث، كيف يرضى بهذا الكلام؟ وقد قال أبو الحسن القصّار المالكي: رُوى أنه أتاه بثالثٍ، لكن لا يصح، ولو صحَّ فالاستدلال به لمن لا يشترط الثلاثة قائم؛ لأنه اقتصر في الموضعين على ثلاثةٍ، فحصل لكل منهما أقل من ثلاثة.
يعني: القول أيضًا أن القياس لأنهم قاسوا مسح المخرج على مسح الرأس، لأنه قال: "والقياس على مسح الرأس باطل؛ لأنه في مقابل نص" تقدم هذا.
والقول بأن القياس باطل؛ لأن النص ورد في الاستنجاء، ومسح البول لا يسمى استنجاءً باطلٌ على ما لا يخفى، يعني: كأن الذي ردَّ عليهم قياس مسح المخرج على مسح الرأس، وأنه باطل في مقابل نص كأنه ابن حزم؛ لأن العيني يقول: "وقول ابن حزمٍ هذا باطل؛ لأن النص ورد في الاستنجاء، ومسح البول لا يُسمى استنجاءً باطلٌ على ما لا يخفى" كيف؟
"لأن النص ورد في الاستنجاء، ومسح البول لا يسمى استنجاءً باطلٌ على ما لا يخفى" هذا كلام العيني، يعني يتابع كلام العيني وهو يرد على مَن ينقض أدلتهم. قال: وقول ابن حزمٍ هذا باطل؛ لأن النص ورد في الاستنجاء، ومسح البول لا يسمى استنجاءً باطل.
المقدم: أكيد أنه ساق كلام لابن حزم.
نعم ساقه قبل ذلك. "وقول ابن حزمٍ هذا باطل".
المقدم: وقول ابن حزمٍ – هذا – باطلٌ.
"باطل؛ لأن النص ورد في الاستنجاء، ومسحُ البولِ لا يسمى استنجاءً" كأن ابن حزم ردَّ عليهم بأن الحديث في الاستنجاء، والاستنجاء يخالف مسح الرأس.
المقدم: فالعيني يقول الكلام هذا باطل.
قلقلة هذه الجملة؛ لأنه قوله: "وقول ابن حزمٍ هذا باطل؛ لأن النص ورد في الاستنجاء، ومسحُ البول لا يسمى استنجاءً باطل على ما لا يخفى" لأنّا لو نظرنا من الناحية اللغوية في الاستنجاء: الاستنجاء إزالة النجو، والنجو هو الغائط، هذا من حيث اللغة. فعلى هذا الاستنجاء لا يتناول مسح البول.
إذا قلنا: إن الاستنجاء هو إزالة النجو الذي هو الغائط فلا يتناول البول، فكأن ابن حزم يريد أن يرد عليهم أن هذا في الاستنجاء، والاستنجاء لا يتناول مسح البول، هذا من حيث اللغة، لكن يقول العيني: "هذا باطل"؛ لأن الحكم واحد، لأن هذا الحكم باطلٌ على ما لا يخفى.
تقدم في كلام ابن حجر في قوله: واستدلال الطحاوي فيه نظر بعد ذلك يعني: بعد ثبوت هذه اللفظة «ائتني بحجر» أيضًا هو باطل من جهةٍ أخرى، قال: لاحتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثة، فلم يُجدد الأمر بطلب الثالث أو اكتفى بطرف أحدهما عن الثالث؛ لأن المقصود بالثلاث أن يمسح بها ثلاث مسحات، وذلك حاصلٌ ولو بواحد.
والدليل على صحته: أنه لو مسح بطرف واحد ورماه، ثم جاء شخصٌ آخر فمسح بطرفه الآخر لأجزأهما بلا خلاف.
العيني يريد أن يرد على هذا الكلام، يقول: ثم قال هذا القائل –يعني ابن حجر – واستدلال الطحاوي أيضًا فيه نظر؛ لاحتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثة فلم يُجدد الأمر بطلب الثالث، أو اكتفى بطرف أحدهما على الثالث؛ لأن المقصود بالثلاثة أن يمسح به ثلاث مسحاتٍ، وذلك حاصلٌ ولو بواحد. والدليل على صحته: أنه لو مسح بطرف واحد ورماه، ثم جاء شخصٌ آخر فمسح بطرفه الآخر لأجزأهما بلا خلاف.
قلت – العيني–: نظره مردود، حينما قال: "استدلال الطحاوي فيه نظر"، قلت: نظره مردودٌ عليه لأن الطحاوي استدل بصريح النص لما ذهب إليه، وبالاحتمال البعيد كيف يُدفع هذا؟
"استدل بصريح النص" صريح النص: أخذ الحجرين وألقى الروثة، هذا صريح النص؛ لأن الطحاوي استدل بصريح النص لما ذهب إليه، وبالاحتمال البعيد كيف يُدفع هذا؟
الاحتمال البعيد أنه اكتفى بالأمر الأول ولم يُجدده.
وقوله: لأن المقصود بالثلاثة أن يمسح بها ثلاث مسحاتٍ ينافيه اشتراطهم العدد في الأحجار؛ لأنهم يستدلون بظاهر قوله: «ولا يستنجي أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار».
يبقى أن الخلاف هو في اللفظ أو في المعنى؟ يعني: هل الثلاثة مقصودة لذاتها أو المقصود المسحات الثلاث ولو بواحد؟ هم يتفقون على أنه لو مسح بحجرٍ واحد له شُعب.
المقدم: نعم بإجماع كما ذكرنا.
نعم، هذا ما فيه إشكال، فكأن العدد للأحجار ليس مرادًا لذاته، وإنما من أجل أن يُمسح به.
المقدم: يعني كأن بهذه المسألة تحتاج إلى بسط خصوصًا رد ابن حجر على الطحاوي –رحمهم الله جميعًا- وتعقيب العيني أيضًا نرجئه إن شاء الله إلى حلقة قادمة. أحسن الله إليكم.
أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
نلتقي بكم بإذن الله تعالى في حلقةٍ قادمة، وأنتم على خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.