شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (319)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" في بداية لقائنا نرحب بضيف البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ.
حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لازلنا في حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في باب الوضوء، تكلمنا في الحلقة الماضية عن قوله – صلى الله عليه وآله وسلم -: «من توضأ نحو وضوئي هذا». توقفنا عند مسألة سنية الركعتين بعد الوضوء، هل القول بالسنية مثل القول في ختم كل قراءة أو آخر القراءة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؟ الخلاف في هذه المسألة ونظائرها لو تكرمتم يا شيخ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
ففي الحديث يقول: (ثم صلى ركعتين) يقول ابن حجر: فيه استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء، ويأتي فيهما ما يأتي في تحية المسجد، يأتي فيهما ما يأتي في تحية المسجد، يعني أنها ذات سبب مثل تحية المسجد، وفي الباب حديث أبي هريرة الذي ذكرناه سابقًا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لبلال عند صلاة الصبح: «يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دفَّ نعليك بين يدي في الجنة» قال: ما عملت عملًا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي، هذا الحديث لم يذكره المختصر، حديث بلال هذا، قصة بلال ما ذكره المختصر.
المقدم: هو في نفس الباب؟
لا، هذا متأخر رقمه ألف ومائة وتسع وأربعون، متأخر.
المقدم: لم يذكره في موضعه ذاك.
ولا في غيره.
المقدم: والسبب؟
فيما يدل على كأنه اكتفى بهذا الحديث على مشروعية صلاة.
المقدم: وصاحب الزوائد جاء به يا شيخ أو ما جاء به؟
ما... ألف ومائة وتسع وأربعون.
المقدم: بحسب المختصر.
بحسب الأصل.
المقدم: ألف ومائة وتسع وأربعون بحسب الأصل، بلى جاء به صاحب الزوائد.
ماذا يقول؟
المقدم: في الزوائد قال: اثني عشر ألفًا ومائة وتسع وأربعين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال لبلال عند صلاة الفجر: «يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة» قال: ما عملت عملًا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي، قال أبو عبد الله: دف نعليك يعني تحريكًا.
يشرح كلمة دف، في الحلقة السابقة نظَّرنا هذه المسألة بمسألة من يختم قراءته في الصلاة بسورة الإخلاص، وسيقت مساق مدح، ومدح فاعله، ومن أهل العلم من لا يرى سنية ختم القراءة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، مع أنه يرى مشروعية سنية ركعتي الوضوء، وإذا قلنا: إن المسألتين متشابهتان، فلا بد من إيجاد أمر يدعم ما قيل بسنيته، أو على الأقل يخفف من شأن ما قيل بمشروعيته دون سنيته، والمسألة مطروحة، يعني للبحث؛ لأن الحديث هنا وفي مواضعه الأخرى، هل المقصود به صلاة الركعتين، بدليل أنهما وصفتا بكونه لا يحدث فيهما نفسه، بعد الوضوء، أو المقصود الأمران الوضوء مع صلاة الركعتين، وهذا تأتي الإشارة إليه فيما بعد. وعلى كل حال كوننا نبسط مسألة، أو نأتي بقول، أو نستدرك، لا يعني أننا ندفع في صدور الأئمة، أو نرد عليهم أبدًا، ذكرنا في الحلقة السابقة أنه قد يوجد عمل يثاب عليه الإنسان، لكنه ليس بسنة، مثل الذي أعاد الصلاة مرتين، له الأجر مرتين، لكن ليس بسنة؛ لأن الذي أصاب السنة الذي لم يعد.
المقدم: الحديث معروف الذي اغتسل في الغسل أم في غيره.
التيمم، صلى بالتيمم فوجد الماء فأعاد، توضأ وأعاد والثاني لم يعد.
المقدم: وعرضا على النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -.
فقال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – للذي أعاد: «لك الأجر مرتين»، والذي لم يعد قال: «أصبت السنة».
مثال ثانٍ: «الذي يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران»، والذي يقرأه وهو ماهر فيه مع السفرة الكرام البررة، أيهما أفضل؟ الماهر، هل نقول: إن الإنسان يتكلف التتعتع من أجل أن يؤجر مرتين، فعلمه شرعي، لكن ليس هو السنة.
قد نوجد بعض الفروق بين الأعمال، لكن عندنا في المسألتين.. أنا ما تحرر لي الفرق، وكونه لا يتحرر لي يمكن أن يتحرر لغيري، على كل حال هذه المسألة تذكر من أجل الطرح بين يدي أهل العلم للنظر فيها.
يقول ابن حجر: استدل به على جواز هذه الصلاة في الأوقات المكروهة، يعني حديث بلال؛ لقوله في الحديث: (في ساعة من ليل أو نهار).
المقدم: لكن يا شيخ لما قلت: ما تحرر مع أنك أشرت إلى أن مسألة الصلاة بعد الوضوء جاء بها النص هنا «من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى» ولم يُكتفَ بفعل بلال، لماذا لا يتحرر بوجود هذا الدليل؟
لأن الوعد مرتب على الأمرين، ما رتب على واحد، وأيضًا هل الوضوء من أجل الصلاة؟ أو الصلاة من أجل الوضوء؟ لأن سنة الوضوء من أجل الوضوء، الصلاة من أجل الوضوء، والذي يظهر أن الوضوء هذا من أجل الصلاة التي لا يحدث فيها نفسه، أيهما أدخل في الوعد الوضوء أم الصلاة التي ما فيها حديث نفس، التي يقبل فيها.
المقدم: الصلاة؛ لأنه قال: «لا يحدث فيهما نفسه».
نعم؛ لأن هذا فرق بين المسألتين، استدل به على جواز هذه الصلاة في الأوقات المكروهة؛ لعموم قوله: في أي ساعة، في حديث بلال.
المقدم: في ليل أو نهار.
نعم، من ليل أو نهار، وتعقب بأن الأخذ بعمومه ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي؛ لأنه إذا قلنا إن هذه الصلاة من ذوات الأسباب فلا شك أن ما بين عموم ذوات الأسباب وعموم أحاديث النهي ليس عمومًا وخصوصًا مطلقًا ليقال: الخاص مقدم على العام، كما نسمعه من كثير من طلاب العلم إما أن يرجح النهي فيقول: أحاديث النهي خاصة، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في أي وقت، والخاص مقدم على العام، أو العكس، لا، بينهما عموم وخصوص وجهي، وبيناه في مناسبات كثيرة، وبسطه يحتاج إلى وقت.
وتُعقب بأن الأخذ بعمومه ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي، ثم بعد ذلك في قوله: «لا يحدث فيهما نفسه»، «لا يحدث فيهما نفسه» يقول ابن حجر: المراد به ما تسترسل النفس معه، ويمكن المرء قطعه؛ لأن قوله: «يحدث» تحديث تفعيل يقتضي تكسبًا منه، لا أنه يخطر، يهجم عليه من غير قصد، لأن قوله: «يحدث» يقتضي تكسبًا منه فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس، ويتعذر دفعه، فذلك معفو عنه، لكن فرق بين أن يكون العمل معفو عنه، وبين ما يرتب على تركه وإن كان معفوًّا عنه من أجر، يعني غاية ما يقال: إنه معفو عنه أنه لا مؤاخذة فيه، لكن هل يحصل له الثواب المرتب في الحديث، وإن كان معفوًا عنه؟ لأن عندنا مؤاخذة وثواب، المراتب أو القسمة المؤاخذة هذه أقل شيء، ثم بعد ذلك العفو لا مؤاخذة ولا ثواب، ثم بعد ذلك ترتب الثواب، يعني مرتبة فوق مجرد العفو، فالذي في الحديث ترتب الثواب، وحديث النفس من الخطرات التي تهجم والوساوس التي يتعذر ردها.
المقدم: والعفو.
لا شك، من العفو، لكن لو تكسب.
المقدم: هو الذي حدث.
هو الذي حدث نفسه، وضرب في كل وادٍ وفي صلاته وقد يحدث نفسه بأمور محرمة، وقد يحدث نفسه بأمور مباحة، وقد يحدث نفسه، فهنا مراتب، فهنا مراتب، أيضًا مسألة كل شيء.. العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، وأيضًا الخشوع بالتخشع، مرن نفسه على إحضار قلبه لا شك أنه سوف يجد هذه النتيجة فيما بعد، لكن من لم يلق لذلك بالًا الذي ما يلقي لهذا بال يستمر على غفلته، ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن المراد: من لم يحصل له حديث النفس أصلًا، ورأسًا ويشهد له ما أخرجه ابن المبارك في الزهد بلفظ: (لم يسر فيهما)، معنى لم يسر.
المقدم: من الإسرار.
يعني ما حصل له حديث نفس الذي هو سر؛ لأن بعض الناس يتحدث مع نفسه كثيرًا، هذا حديث النفس المعفو، قد يتطور به الأمر إلى أن يخاطب نفسه بكلام مسموع، والاسترسال في هذه الوساوس، وفي هذه الهواجس وهذه الخطرات إشكال كبير يرقيها إلى عزائم، فيؤاخذ عليها الإنسان، ابن القيم -رحمه الله- في "عدة الصابرين" يرتب على هذه الأمور أشياء خطيرة، الاسترسال معها، والغفلة، وحجب القلب والران كله بسبب هذه الخطرات؛ لأن الاسترسال مع هذه الخطرات قد يولّد ملكة مستمرة مع الشخص تهجم عليه في أحوج الأقوات إلى قلبه، الإنسان يردد كلامًا يزور في نفسه نكتًا مثلًا ويرددها من أجل ألا ينساها، ويكررها في المجالس مثلًا أو غيرها وتقليد أو نكت ولا شيء تجده في أحوج ما يكون إلى قلبه تهجم عليه، يعني يسمع شخصًا ليلة السابع والعشرين من رمضان يضحك وهو ساجد تذكر نكتة، ولا يشبّه أو..، صح أن كونه يغفل عما يطلبه الحريص على نجاة نفسه، هذا كثير يعني عند الخاصة والعامة، لكن كونه يصل بالحد إلى هذا الأمور هذه إذا استرسلت واستعصت صعب علاجها.
ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن المراد: من لم يحصل له حديث النفس أصلًا ورأسًا، ويشهد لهما أخرجه ابن المبارك في الزهد بلفظ (لم يسر فيهما)، ورده النووي فقال: الصواب حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة، نعم من اتفق له أن يحصل له عدم حديث النفس أصلًا، أعلى درجة بلا ريب، لكن هل يمكن أن يصلي الإنسان بدون حديث نفس؟ يعني مع المجاهدة، مع تمرين النفس أن الإنسان يخرج من صلاته بعشر الأجر، يخرج وليس له من صلاته شيء، يخرج بالربع بالثلث بالنصف يزيد على ذلك، قد يحصل له قريب من الكمال، الصواب هو حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة، لكن هذا الكلام يترتب عليه أن الإنسان لا يسعى في مجاهدة نفسه لطرد هذه الخواطر، مع أنها ممكنة، وجاهد الأخيار في طرد هذه الخواطر فحصلوا.. كل حصل منه على قدر مجاهدته، ووفق لاستحضار ما قدر عليه من صلاته بقدر ما بذل من نفسه من مجاهدة، أما يترك نفسه تسترسل يمينًا وشمالًا تشرق وتغرب في مباح وفي مكروه وفي أمور لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد، مثل هذا لا يعان على مثل هذا الاستحضار، مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة، نعم من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلًا أعلى درجة بلا ريب، وما قيل مثل هذا الحديث ورتب عليها هذا الثواب العظيم إلا من أجل المجاهدة، ما يقول: والله لا أستطيع وينتهى الإشكال، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، لكن جاهد، وتستطيع.
يعني غيره قال: أنا لا أستطيع قيام الليل، أنا لا أستطيع صيام الهواجر، أنا لا أستطيع كذا، أنا لا أستطيع أن أقرأ جزءًا من القرآن، بدون مجاهدة لن تستطيع، لكن جاهد وسترى ثمرة جهادك، ثم إن تلك الخواطر منها ما يتعلق بالدنيا والمراد دفعه مطلقًا.
يقول: ووقع في رواية الحكيم الترمذي في هذا الحديث: لا يحدث نفسه بشيء من الدنيا، وهي في الزهد لابن المبارك أيضًا، والمصنف لابن أبي شيبة، ومنها ما يتعلق بالآخرة، فإن كان أجنبيًّا أشبه أحوال الدنيا، وإن كان من متعلقات تلك الصلاة فلا، إن كان من أمور الدنيا هذا مفروغ منه أنه قادح في الثواب، ومنقِّص لثواب هذه الصلاة بقدر ما حصل منه، لكن في أمور الآخرة ثبت عن عمر أنه كان يجهز الجيوش هذا من أمور الآخرة، لكن هل هو من جنس الصلاة أو خارج عنها؟
المقدم: خارج عنها.
خارج عنها، إذًا يقدح والا ما يقدح، يقلل الأجر والا ما يقلل، هو معارض لحديث ما عقل منها، هو عقل من غيرها، عقل أمرًا مشروعًا، لكن لا شك أن الإقبال على ما هو بصدده من الصلاة هو الذي يحفظ له بقدر ما يحضر قلبه من الأجر، لكن إذا تعلق قلبه بأمر من أمور الآخرة وسرح فيه لا شك أنه ليس مثل من يتعلق قلبه بأمر من أمور الدنيا حتى من تعلق قلبه بأمور الدنيا يتفاوت، أمور الدنيا منها المباح، ومنها المكروه، ومنها المحرم، وكل بحسبه.
ذكرنا مرارًا مما يتعلق في الباب من أمور الآخر قلنا: إن شخصًا مثلًا يصلي صلاة التهجد في المسجد الحرام، وهو يطل على الطائفين والمطاف يموج بالناس، ويسمع قراءة الإمام، ويسمع من حوله ويبكي، ثم يبكي هو لا من تأثير القراءة وإنما من تأثير المشهد، يتذكر ما يحصل في يوم القيامة، يوم يخرج الناس من قبورهم كالجراد المنتشر، وأيضًا كون الناس يموج بعضهم ببعض، والناس في صحن المسجد يموجون، ثم يبكي لهذا المنظر، هذا من أمور الآخرة، لكنه خارج عن الصلاة، هذا لا شك أن له أجره، لكن إقباله على ما هو بصدده هو الذي يحفظ له الأجر أجر صلاته.
ومنها ما يتعلق بالآخرة، فإن كان أجنبيًّا أشبه أحوال الدنيا، وإن كان من متعلقات الصلاة فلا، متعلقات الصلاة، يعني انشغل في صلاته بما يحفظها، يقول: كيف أحفظ صلاتي إذا سلم الإمام وأنا مأموم، وحكمي بعد سلام الإمام حكم المنفرد، كيف أحفظ صلاتي من المارة؟
المقدم: ينشغل بهذا.
ينشغل بهذا، هذا ليس بأجنبي عن صلاته، وإن كان من متعلقات تلك الصلاة فلا.
وقال العيني: قوله: «يُحدّث» من باب التفعيل وهو يقتضي التكسب من أحاديث النفس، ودفع هذا ممكن، وأما ما يهجم من خطرات والوساوس فإنه يتعذر دفعه فيعفى عنه، نعم يعفى عنه، فلا يؤاخذ عليه، لكن كونه ينقص الأجر، ينقص الأجر.
ثم ذكر كلام النووي والقاضي ثم قال: فإذا حدث نفسه فيما يتعلق بأمور الآخرة كالفكر في معاني المتلو من القرآن العزيز والمذكور من الدعوات؛ لأن القراءة جزء من الصلاة، فإذا تعلق.. فكر في معاني المتلو من القرآن العزيز والمذكور من الدعوات والأذكار أو في أمر محمود أو مندوب إليه لا يضر ذلك، وقد ورد عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: إني لأجهز الجيش وأنا في الصلاة، يقول العيني أو كما قال، إذا علم هذا فحديث النفس خارج الصلاة معفو عنه، لكن في داخل الصلاة لا شك أنه ينقص الأجر، يعني يبقي على الأصل الذي هو القبول، بمعنى الصحة، الذي هو الإجزاء، فلا يؤمر بإعادتها، ويسقط الطلب.
في شرح الكرماني قيل: ويحتمل أن يراد به إخلاص العمل لله تعالى، «لا يحدّث به نفسه» بأن يصرف قصده عن غير الله -جل وعلا-، فيكون المراد من الحديث إخلاص العمل لله تعالى لا يكون لطلب الجاه، وأن يراد ترك العجب بألا يرى لنفسه منزلة رفيعة بأدائها، بل ينبغي أن يحقر نفسه؛ كي لا يغتر فيتكبر، لا شك أن العجب بالنفس وبالعمل آفة من الآفات، ومرض خطير وداء عضال من أمراض القلوب.
والعجب فاحذره إن العجب مجترف |
|
أعمال صاحبه في سيله العرم |
كما يقول الشيخ حافظ -رحمه الله-، «غفر له ما تقدم من ذنبه» يقول ابن حجر ظاهره يعم الكبائر والصغائر؛ لوروده مقيدًا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية، ظاهره يعم الكبائر والصغائر؛ لوروده مقيدًا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية، كيف يعم الكبائر والصغائر مع وروده مقيدًا، ظاهره يعم الكبائر والصغائر لوروده مقيدًا.
المقدم: في نصوص أخرى؟
إذًا يعم الكبائر والصغائر أو لا يعم؟
المقدم: ظاهره يعم.
ما قال إلا أن وروده مقيد..، ظاهره يعم الكبائر والصغائر لوروده، كونه يعم لوروده.
المقدم: ما قال: لولا وروده.
نعم، لوروده مقيدًا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية، والأصل أن يقول: في غير هذا الحديث، يعني لو كان خاصًّا بالصغائر لقيد كما جاء في الأحاديث الأخرى: «الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، والعمرة إلى العمرة كفارات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر ما لم تغش كبيرة»، {إن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [سورة النساء 31] إلى آخره، هنا ما قيد فهذا يدل على أنه يعم، يعم الكبائر والصغائر، والتوفيق لصلاة لا يحدث فيها المرء نفسه التوفيق لمثل هذا يدل على أن هذا الشخص الموفق لمثل هذا الفعل ليس من أهل الكبائر؛ لأن أهل الكبائر ما يمكن أن يوفقوا لمثل هذا، يقول: ظاهره يعم الكبائر والصغائر؛ لوروده مقيدًا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية وهو في حق من لو كبائر وصغائر، فمن ليس له إلا صغائر كُفرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر خفف عنها بمقدار ما لصاحب الصغائر ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزاد في حسناته بنظير ذلك، لكن هل يتصور شخص ليس له كبائر ولا صغائر هذا المعصوم أو له كبائر وليست له صغائر؟
المقدم: ما يتصور.
ما يتصور؛ لأن مقدمات الكبائر صغائر، وقال العيني: قوله: «غفر له ما تقدم من ذنبه» يعني من الصغائر دون الكبائر كما هو مبين في مسلم، وظاهر الحديث يعم الذنوب، ولكنه خص بالصغائر، والكبائر إنما تكفر بالتوبة، وكذلك مظالم العباد، فإن قيل حديث عثمان -رضي الله عنه- الآخر الذي فيه خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره مرتب على الوضوء وحده، خرجت الخطايا من أظفاره من شعره من عينيه من دون صلاة ركعتين، يقول: فإن قيل حديث عثمان -رضي الله عنه- الآخر الذي فيه خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره مرتب على الوضوء وحده، فلو لم يكن المراد «بما تقدم من ذنبه» في هذا الحديث العموم في الصغائر والكبائر لكان الشيء مع غيره كالشيء لا مع غيره، فكان الشيء مع غيره وضوء مع صلاة.
المقدم: لا كالشيء مع.
كالشيء، كالشيء لا مع غيره، فكالوضوء بدون صلاة، فإن فيه الوضوء والصلاة، وفي الأول الوضوء وحده، وذلك لا يجوز، أجيب بأن قوله: خرجت خطاياه لا يدل على خروج جميع ما تقدم له من الخطايا، فيكون بالنسبة إلى يومه خرجت خطاياه التي اكتسبها في هذا اليوم مثلًا.
المقدم: أو ما قبل الوضوء الذي قبل، بين الوضوء والوضوء.
نعم، لكن كل الوضوء خرجت خطاياه وانتهى، نعم، وأجيب بأن قوله: خرجت خطاياه لا يدل على خروج جميع ما تقدم له من الخطايا فيكون بالنسبة إلى يومه أو إلى وقت دون وقت ما، وأما قوله: «ما تقدم من ذنبه» فهو عام بمعناه، وليس له بعض المتيقن كالثلاثة في الجمع أعني الخطايا فيحمل على العموم في الصغائر، وأما قوله: «ما تقدم من ذنبه» فهو عام بمعناه، وليس له بعض، ما تقدم لأن (ما) من صيغ العموم، يعني جميع ما تقدم، بخلاف (خرجت خطاياه) ليس فيها من العموم ما في (ما تقدم من ذنبه)، وإن كانت الخطايا تشمل المتقدمة والمتأخرة، لكن ليس فيها من العموم مثل ما تقدم من ذنبه فهو عام بمعناه وليس له بعض المتيقن كالثلاثة في الجمع أعني الخطايا فيحمل على العموم في الصغائر.
وقال بعضهم يعني ابن حجر: وهو في حق من له كبائر وصغائر، ومن ليس له صغائر كفرت عنه، من ليس له إلا صغائر كفرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر خففت عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزاد في حسناته بنظير ذلك، يقول: قلت الأقسام الرد على ابن حجر، ما بعد جاء، نؤجله.
المقدم: نؤجله، إذا كان طويلاً.
إذًا أيها الإخوة والأخوات، نستكمل بإذن الله ما تبقى في حلقة قادمة من هذا البرنامج، شكرًا لطيب متابعتكم، لنا بكم لقاء، وأنتم على خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.