يعد كتاب "المحرر" في الحديث لابن عبد الهادي الحنبلي، من أهم الكتب المصنفة في أحاديث الأحكام، كما يعتبر أحد أهم كتب أدلة المذهب الحنبلي، وقد انتخبه المصنف من كتب السنة المشهورة؛ حيث قال في مقدمة الكتاب: أما بعد، "فَهَذَا مُخْتَصر يشْتَمل عَلَى جملَة من الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، انتخبته من كتب الْأَئِمَّة الْمَشْهُورين والحفاظ المعتمدين " كمسند " الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل، و " صحيحيّ " البُخَارِيّ وَمُسلم، و " سنَن " أبي دَاوُد، وَابْن مَاجَه، وَالنَّسَائِيّ، و " جَامع " أبي عِيسَى التِّرْمِذِيّ، و " صَحِيح " أبي بكر بن خُزَيْمَة، و " كتاب الْأَنْوَاع والتقاسيم " لأبي حَاتِم بن حَيَّان، وَكتاب: الْمُسْتَدْرك " للْحَاكِم أبي عبد الله النَّيْسَابُورِي، و " السّنَن الْكَبِير " للبيهقي وَغَيرهم من الْكتب الْمَشْهُورَة. وَذكرت بعض من صَحِيح الحَدِيث أَو ضعفه، وَالْكَلَام عَلَى بعض رُوَاته من جرح أَو تَعْدِيل، وَاجْتَهَدت فِي اختصاره وتحرير أَلْفَاظه، ورتبته عَلَى تَرْتِيب بعض فُقَهَاء زَمَاننَا ليسهل الْكَشْف مِنْهُ، وَمَا كَانَ فِيهِ مُتَّفقا عَلَيْهِ فَهُوَ مَا اجْتمع البُخَارِيّ وَمُسلم عَلَى رِوَايَته، وَرُبمَا ذكر فِيهِ شَيْئا من آثَار الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أَجْمَعِينَ. وَالله الْمَسْئُول أَن ينفعنا بذلك وَمن قَرَأَهُ أَو حفظه أَو نظر فِيهِ، وَأَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم، مُوجبا لرضاه، إِنَّه عَلَى كل شَيْء قدير، وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل ".
مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الهادي بْن عَبْد الحميد بْن عَبْد بْن يُوسُف بْن مُحَمَّد بْن قدامة المقدسي، الجماعيلي الأصل، ثُمَّ الصالحي، المقرئ الفقيه المحدث، الحافظ الناقد، النحوي المتفنن، شمس الدين أَبُو عبد الله، ولد فِي رجب سنة أربع وسبعمائة، عنى بالحَدِيث وفنونه، ومعرفة الرجال والعلل. وبرع في ذلك. وتفقه في المذهب وأفتى، وقرأ الأصلين والعربية، وبرع فِيهَا، ولازم الشيخ تقي الدين ابْن تيمية مدة، وقرأ عَلَيْهِ قطعة من الأربعين فِي أصول الدين للرازي، و قرأ الفقه عَلَى الشيخ مجد الدين الحراني، ولازم أبا الْحَجَّاج المزي الحافظ، حَتَّى برع عَلَيْهِ فِي الرجال، وأخذ عَنِ الذهبي وغيره، واعتنى بالرجال والعلل، وبرع وجمع، وتصدى للإفادة والاشتغال فِي القراءة والحَدِيث، والفقه والأصلين، والنحو. وَلَهُ توسع فِي ذيل العلوم وذهن سيال، صنف تصانيف كثيرة أكمل بَعْضهَا، وبَعْضهَا لَمْ يكمله، لهجوم المنية عَلَيْهِ فِي سن الأربعين، فمن تصانيفه: " تنقيح التحقيق فِي أحاديث التعليق " لابن الجوزي مجلدان، "الأَحْكَام الكبرى " المرتبة عَلَى أحكام الحافظ الضياء، كمل منها سبع مجلدات، "الرد عَلَى أَبِي بَكْر الخطيب الحافظ فِي مسألة الجهر بالبسملة " مجلد، " المحرر فِي الأَحْكَام " مجلد، وغيرها.
توفي الحافظ أَبُو عَبْد الَلَّه فِي عاشر جمادى الأَوَّل سنة أربع وأربعين وسبعمائة وَدُفِنَ بسفح قاسيون، وشيعه خلق كثير، وتأسفوا عَلَيْهِ، ورئيت لَهُ منامات حسنة. رَحِمَهُ الَلَّه تَعَالَى.
----------------------
ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب، (5/117) فما بعدها.