التعليق على تفسير القرطبي - سورة مريم (04)
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} إِدْرِيسُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْقَلَمِ، وَأَوَّلُ مَنْ خَاطَ الثِّيَابَ وَلَبِسَ الْمَخِيطَ، وَأَوَّلُ مَنْ نَظَرَ فِي عِلْمِ النُّجُومِ وَالْحِسَابِ وَسَيْرِهَا. وَسُمِّيَ إِدْرِيسُ؛ لِكَثْرَةِ دَرْسِهِ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ صَحِيفَةً".
وعلى هذا هو مشتق وعربي أيضًا، إذا أخذوه من المدارسة والدرس فيكون مشتقًّا، عربيًّا مشتقًا، لكن منعه من الصرف مع أنه ليس فيه إلا العالمية يدل على أنه أعجمي.
"وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ صَحِيفَةً كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ. قال الزَّمَخْشَرِيّ :وَقِيلَ سُمِّيَ إِدْرِيسُ إِدْرِيسَ لِكَثْرَةِ دَرْسِهِ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَكَانَ اسْمُهُ أَخْنُون وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِفْعِيلًا مِنَ الدَّرْسِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا سَبَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعَلَمِيَّةُ وَكَانَ مُنْصَرِفًا، فَامْتِنَاعُهُ مِنَ الصَّرْفِ دَلِيلٌ عَلَى الْعُجْمَةِ".
وعلى هذا يكون جامدًا ليس بمشتق من المدارسة ولا الدرس؛ لأنه لو كان منها والمادة عربية ما مُنع من الصرف.
"وَكَذَلِكَ إِبْلِيسُ أَعْجَمِيٌّ، وَلَيْسَ مِنَ الْإِبْلَاسِ كَمَا يَزْعُمُونَ، وَلَا يَعْقُوبُ مِنَ الْعَقِبِ، وَلَا إِسْرَائِيلُ بِإِسْرَالَ كَمَا زَعَمَ ابْنُ السِّكِّيتِ، وَمَنْ لَمْ يُحَقِّقْ وَلَمْ يَتَدَرَّبْ بِالصِّنَاعَةِ كَثُرَتْ مِنْهُ أَمْثَالُ هَذِهِ الْهَنَاتِ".
يعني هذه مخالفات الذي ما عنده ممارسة للعربية ويعرف دقائق الأمور، ويعتمد على ما يكتبه بعض المتأخرين في العربية من غير معرفة لأسرارها يمشي عليه مثل هذا الأمر، أما الوزن ففي العربية نظيره، الوزن إفعيل موجود، مطروق في العربية، إكسير، إحليل.
"يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى إِدْرِيس- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي تِلْكَ اللُّغَةِ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَحَسِبَهُ الرَّاوِي مُشْتَقًّا مِنَ الدَّرْسِ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ وَالْغَزْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا: وَهُوَ جَدُّ نُوحٍ وَهُوَ خَطَأٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (الْأَعْرَافِ) بَيَانُهُ".
ولا يمنع أن يكون هذا مما توافقت فيه اللغات، يكون معناه الدرس في الأعجمية وفي العربية، مما تتفق فيه اللغات.
"وَكَذَا وَقَعَ فِي السِّيرَةِ أَنَّ نُوحًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ابْنُ لَامَكَ بْنَ مَتُّوشَلَخَ بْنَ أَخْنُون وَهُوَ إِدْرِيسُ النَّبِيُّ فِيمَا يَزْعُمُونَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ".
وعلى هذا يكون قبل نوح، نعم، يكون جد نوح الثالث أو الثاني.
"وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أُعْطِيَ النُّبُوَّةَ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَخَطَّ بِالْقَلَمِ. ابْنُ بَرُدَّ بْنِ مَهْلَائِيلَ بْنِ قَيْنَانَ بْنِ يَانَشَ بْنِ شِيثَ بْنِ آدَم- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وجاء ما يدل على نبوة آدم، وهذا لا إشكال فيه، وأيضًا نبوة شيث بن آدم، وعلى هذا لا يكون إدريس أول من أعطي النبوة.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا: يَعْنِي السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَه كَعْبُ الْأَحْبَارِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ : يَعْنِي السَّمَاءَ السَّادِسَةَ؛ ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ .قُلْتُ: وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نمرٍ".
نَمر، نَمر.
"بْنِ أَبِي نَمِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، الْحَدِيثَ وَفِيهِ «كُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءٌ قَدْ سَمَّاهُمْ مِنْهُمْ إِدْرِيسُ فِي الثَّانِيَةِ». وَهُوَ وَهْمٌ".
الحديث، حديث الإسراء الذي يرويه شريك، نص أهل العلم على أنه وهم فيه في عشرة مواضع، عشرة مواضع عدوها عليه، وقال الإمام مسلم في صحيحه أنه قدَّم وأخَّر وزاد ونقص، المقصود أن هذا من أوهامه.
"وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، كَذَلِكَ رَوَاه ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ. وَرَوَى مَالِكُ بْنُ صَعْصَعَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :-«لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ أَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ». خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا.
وَكَانَ سَبَبُ رَفْعِهِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَعْب وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُ سَارَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي حَاجَةٍ فَأَصَابَهُ وَهَجُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: (يَا رَبِّ أَنَا مَشَيْتُ يَوْمًا فَكَيْفَ بِمَنْ يَحْمِلُهَا خَمْسَمِائَةِ عَامٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ! اللَّهُمَّ خَفِّفْ عَنْهُ مِنْ ثِقَلِهَا. يَعْنِي الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِفَلَكِ الشَّمْسِ)، يَقُولُ إِدْرِيسُ: اللَّهُمَّ خَفِّفْ عَنْهُ مِنْ ثِقَلِهَا، وَاحْمِلْ عَنْهُ مِنْ حَرِّهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ الْمَلَكُ وَجَدَ مِنْ خِفَّةِ : الشَّمْسِ وَالظِّلِّ مَا لَا يَعْرِفُ فَقَالَ: يَا رَبِّ خَلَقْتَنِي لِحَمْلِ الشَّمْسِ فَمَا الَّذِي قَضَيْتَ فِيهِ؟ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (أَمَا إِنَّ عَبْدِي إِدْرِيسَ سَأَلَنِي أَنْ أُخَفِّفَ عَنْكَ حَمْلَهَا وَحَرَّهَا، فَأَجَبْتُهُ) فَقَالَ: يَا رَبِّ اجْعل".
اجْمَعْ.
"فَقَالَ: يَا رَبِّ اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خُلَّةً. فَأَذِنَ اللَّهُ لَهُ حَتَّى أَتَى إِدْرِيسَ، وَكَانَ إِدْرِيسُ-عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَسْأَلُهُ. فَقَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّكَ أَكْرَمُ الْمَلَائِكَةِ وَأَمْكَنُهُمْ عِنْدَ مَلَكِ الْمَوْتِ، فَاشْفَعْ لِي إِلَيْهِ لِيُؤَخِّرَ أَجَلِي، فَأَزْدَادُ شُكْرًا وَعِبَادَةً. فَقَالَ الْمَلَكُ: لَا يُؤَخِّرُ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا، فَقَالَ لِلْمَلَكِ: قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ أَطْيَبُ لِنَفْسِي. قَالَ نَعَمْ. ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى جَنَاحِهِ فَرَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَوَضَعَهُ عِنْدَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ قَالَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: لِي صَدِيقٌ مِنْ بَنِي آدَمَ تَشَفَّعَ بِي إِلَيْكَ؛ لِتُؤَخِّرَ أَجَلَهُ. فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيَّ، وَلَكِنْ إِنْ أَحْبَبْتَ عِلْمَهُ أَعْلَمْتُهُ مَتَى يَمُوتُ. قَالَ: (نَعَمْ) ثُمَّ نَظَرَ فِي دِيوَانِهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ تَسْأَلُنِي عَنْ إِنْسَانٍ مَا أَرَاهُ يَمُوتُ أَبَدًا. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: لَا أَجِدُهُ يَمُوتُ إِلَّا عِنْدَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ. قَالَ: فَإِنِّي أَتَيْتُكَ وَتَرَكْتُهُ هُنَاكَ، قَالَ: انْطَلِقْ فَمَا أَرَاكَ تَجِدُهُ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ فَوَاللَّهِ مَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِ إِدْرِيسَ شَيْءٌ. فَرَجَعَ الْمَلَكُ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ : إِنَّهُ نَامَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَرُّ الشَّمْسِ، فَقَامَ وَهُوَ مِنْهَا فِي كَرْبٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ خَفِّفْ عَنْ مَلَكِ الشَّمْسِ حَرَّهَا، وَأَعِنْهُ عَلَى ثِقَلِهَا، فَإِنَّهُ يُمَارِسُ نَارًا حَامِيَةً. فَأَصْبَحَ مَلَكُ الشَّمْسِ وَقَدْ نُصِبَ لَهُ كُرْسِيٌّ مِنْ نُورٍ عِنْدَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِثْلُهَا عَنْ يَسَارِهِ يَخْدُمُونَهُ، وَيَتَوَلَّوْنَ أَمْرَهُ وَعَمَلَهُ مِنْ تَحْتِ حُكْمِهِ، فَقَالَ مَلَكُ الشَّمْسِ: يَا رَبِّ مِنْ أَيْنَ لِي هَذَا؟. قَالَ دَعَا لَكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ يُقَالُ لَهُ إِدْرِيسُ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ كَعْبٍ قَالَ: فَقَالَ لَهُ مَلَكُ الشَّمْسِ: أَتُرِيدُ حَاجَةً؟ قَالَ: نَعَمْ، وَدِدْتُ أَنِّي لَوْ رَأَيْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: فَرَفَعَهُ عَلَى جَنَاحِهِ، ثُمَّ طَارَ بِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ الْتَقَى بِمَلَكِ الْمَوْتِ يَنْظُرُ فِي السَّمَاءِ، يَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مَلَكُ الشَّمْسِ، وَقَالَ: يَا إِدْرِيسُ هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَلِأَيِّ مَعْنًى رَفَعْتَهُ هُنَا؟ قَالَ: رَفَعْتُهُ لِأُرِيَهُ الْجَنَّةَ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أَقْبِضَ رُوحَ إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ. قُلْتُ: يَا رَبِّ، وَأَيْنَ إِدْرِيسُ مِنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَنَزَلْتُ فَإِذَا هُوَ مَعَكَ، فَقَبَضَ رُوحَهُ فَرَفَعَهَا إِلَى الْجَنَّةِ، وَدَفَنَتِ الْمَلَائِكَةُ جُثَّتَهُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} .
قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : كَانَ يُرْفَعُ لِإِدْرِيسَ كُلَّ يَوْمٍ مِنَ الْعِبَادَةِ مِثْلَ مَا يُرْفَعُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ فِي زَمَانِهِ، فَعَجِبَ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ وَاشْتَاقَ إِلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَاسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي زِيَارَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ، فَأَتَاهُ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، وَكَانَ إِدْرِيسُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَصُومُ النَّهَارَ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ إِفْطَارِهِ دَعَاهُ إِلَى طَعَامِهِ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ. فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَأَنْكَرَهُ إِدْرِيسُ، وَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ! قَالَ: أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ، اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَصْحَبَكَ فَأَذِنَ لِي، فَقَالَ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: أَنْ تَقْبِضَ رُوحِي. فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنِ اقْبِضْ رُوحَهُ، فَقَبَضَهُ وَرَدَّهُ إِلَيْهِ بَعْدَ سَاعَةٍ، وَقَالَ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ: مَا الْفَائِدَةُ فِي قَبْضِ رُوحِكَ؟ قَالَ: لِأَذُوقَ كُرَبَ الْمَوْتِ فَأَكُونَ لَهُ أَشَدَّ اسْتِعْدَادًا. ثُمَّ قَالَ لَهُ إِدْرِيسُ بَعْدَ سَاعَةٍ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً أُخْرَى. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: أَنْ تَرْفَعَنِي إِلَى السَّمَاءِ فَأَنْظُرَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ، فَرَأَى النَّارَ فَصَعِقَ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَرِنِي الْجَنَّةَ، فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ: اخْرُجْ لِتَعُودَ إِلَى مَقَرِّكَ. فَتَعَلَّقَ بِشَجَرَةٍ وَقَالَ: لَا أَخْرُجُ مِنْهَا. فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا مَلَكًا حَكَمًا، فَقَالَ: مَا لَكَ لَا تَخْرُجُ؟ قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185]، وَأَنَا ذُقْتُهُ، وَقَالَ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}[مريم:71] وَقَدْ وَرَدْتُهَا، وَقَالَ: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:48] فَكَيْفَ أَخْرُجُ؟ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَلَكِ الْمَوْتِ: (بِإِذْنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَبِأَمْرِي يَخْرُجُ) فَهُوَ حَيٌّ هُنَالِكَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}.
قَالَ النَّحَّاسُ : قَوْلُ إِدْرِيسَ: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}[الحجر:48] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَعْلَمَ هَذَا إِدْرِيسَ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهِ . قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: فَإِدْرِيسُ تَارَةً يَرْتَعُ فِي الْجَنَّةِ، وَتَارَةً يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى مَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ" .
الخبر الصحيح جاء بأنه في السماء الرابعة، وما عدا ذلك من الخبر بطوله فهو من أخبار بني إسرائيل، وهو بهذا الترتيب فيه ألفاظ منكرة، وأشياء يغلب على الظن عدم ثبوتها، وإن كان الأصل أن مثل هذه الأخبار لا تصدق ولا تكذب إلا إذا جاء منها ما يخالف شرعنا، لكن مثل هذه الأخبار التي طوّل بها المؤلف -رحمه الله تعالى- والكلام على الآية من غير طائل، وقد التزم -رحمه الله- ألا يذكر مثل هذه الأخبار، وأن يجرد كتابه من الإسرائيليات لاسيما ما يخالف منها المعقول، وأورد منها بعض الشيء، ومر بنا في مواضع كثيرة إيراد مثل هذه الأخبار فهو إخلال بشرطه، فيه أحد علّق على هذه؟
طالب: ....................
علق عليها بشيء؟
طالب:...................
معروف، هذا الأصل، غيره، ما فيه طابعة ثانية؟
طالب: ....................
نعم. لهذه التفصيلات التي لم ترد في كتاب ولا صحيح السنة الأمة ليست بحاجة إليها، ولو كانت الأمة بحاجة إليها لجاءت فيما يقطع الحجة من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:................
له فيه ألفاظ منكرة، أما الجزم فمثل هذه الأمور ما تصدق ولا تكذب إذا كانت ما تخالف.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ} يُرِيدُ إِدْرِيسَ وَحْدَهُ. {وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} يُرِيدُ إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ. {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ} يُرِيدُ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ} إِسْرَائِيلَ مُوسَى وَهَارُونَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى، فَكَانَ لِإِدْرِيسَ وَنُوحٍ شَرَفُ الْقُرْبِ مِنْ آدَمَ، وَلِإِبْرَاهِيمَ شَرَفُ الْقُرْبِ مِنْ نُوحٍ وَلِإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ شَرَفُ الْقُرْبِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ. {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا} أَيْ إِلَى الْإِسْلَام. {وَاجْتَبَيْنَا} بِالْإِيمَانِ. {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ}".
هذا الجزم الذي جزم به في أن التعميم يراد به إدريس وحده، ثم خصص بعد ذلك كل جملة بواحد أو فئة، هذا لا يمنع من أن يكون المقصود التعميم، ويدخل فيه الجميع في أول الأمر، ثم يذكر الخاص بعد العام، ثم يخصص من الخاص أيضًا للعناية بشأن الخاص والاهتمام به، أما الجزم بأن {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ} إدريس وحده فهذا خلاف الأصل، نعم قد يرد العام يراد به الخصوص، لكن التعميم في مثل هذا {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا}، العطف هنا من باب عطف الخاص على العام؛ لأن ممن حُمل مع نوح من ذرية آدم، ومن ذرية إبراهيم أيضًا من ذرية آدم وممن حُمل مع نوح، من ذرية من حُمل مع نوح، والمقصود أن هذا تخصيص بعد تعميم، ولا يلزم أن يكون كل جملة خاصة بفرد أو فئة.
"وَقَرَأَ شِبْلُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ :(يُتْلَى) بِالتَّذْكِيرِ؛ لِأَنَّ التَّأْنِيثَ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ مَعَ وُجُودِ الْفَاصِلِ".
إذا وجد الفاصل ولو كان التأنيث حقيق يجوز التذكير والتأنيث أما كونه تُرجح القراءة بأن التأنيث غير حقيقي مع وجود الفاصل فالمسألة مسألة جواز، فإذا كان هذا وهذا فلا يرجح بمجرد جوازه، ويجوز أن يتلى بالتذكير؛ لأن المؤنث غير حقيقي {آيَاتُ الرَّحْمَنِ}، وأيضًا فُصل بينه وبين الفعل بفاصل، وكل هذا يقتضي الجواز، وإذا اقتضى الجواز فلا يقتضي الترجيح أيضًا على القراءة الثانية، نعم لو كانت القراءة ثابتة بإسناد النبي -عليه الصلاة والسلام- توجه بمثل هذا، إذا ثبتت القراءة توجه بمثل هذا، أما أن تُرجح به فلا؛ لأنه كما يجوز هذا الوجه يجوز الوجه الذي قبله كما هو الأصل.
"{خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} وَصَفَهُمْ بِالْخُشُوعِ لِلَّهِ وَالْبُكَاءِ. وَقَدْ مَضَى فِي (سُبْحَانَ). يُقَالُ: بَكَى يَبْكِي بُكَاءً وَبُكًى وَبُكِيًّا، إِلَّا أَنَّ الْخَلِيلَ قَالَ: إِذَا قَصَرْتَ الْبُكَاءَ فَهُوَ مِثْلُ الْحُزْنِ، أَيْ لَيْسَ مَعَهُ صَوْتٌ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا |
وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ |
و{سُجَّدًا} نُصِبَ عَلَى الْحَالِ {وَبُكِيًّا} عَطْفٌ عَلَيْه .
الثَّانِيَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِآيَاتِ الرَّحْمَنِ تَأْثِير فِي الْقُلُوبِ" .
تأثيرًا، تأثيرًا، اسم أن.
"عَلَى أَنَّ لِآيَاتِ الرَّحْمَنِ تَأْثِيرًا فِي الْقُلُوبِ . قَالَ الْحَسَنُ :{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} فِي الصَّلَاةِ . وَقَال َالْأَصَمُّ : الْمُرَادُ بِآيَاتِ الرَّحْمَنِ الْكُتُبُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِتَوْحِيدِهِ وَحُجَجِهِ".
التي هي علامات على ربوبيته، وألوهيته.
"وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ عِنْدَ تِلَاوَتِهَا، وَيَبْكُونَ عِنْدَ ذِكْرِهَا. وَالْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقُرْآنُ خَاصَّةً، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ وَيَبْكُونَ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ. قَالَ الْكِيَا :وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الَّذِي كَانَ يُتْلَى عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ الرَّسُولُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مُخْتَصًّا بِإِنْزَالِهِ إِلَيْه".
آيات الرحمن هي ما ينزله على رسله وأنبيائه، بالنسبة لنبينا -عليه الصلاة والسلام- القرآن، وبالنسبة لموسى التوراة، وبالنسبة لعيسى الإنجيل، وهكذا، فلكل واحد منهم ما يخصه مما يتلى من آيات الله، أما كونهم كلهم يتلون القرآن، ويسجدون لقراءة القرآن وكذا فهو جارٍ على مذهب الأشاعرة؛ لأن كلام الله واحد لا يتغير، القرآن هو التوراة، والقرآن هو الإنجيل، والقرآن هو الزبور، لكن القراءات تختلف، فكلام الله واحد لا يتغير إن قُرئ بالعربية صار قرآنًا، وإن قرئ بالعبرية صار توراة وهكذا، فهذا كلام خطير، هذا ليس بصحيح، ليس بصحيح. ورقة بن نوفل لما أخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- بما نزل عليه من القرآن، ماذا قال؟
طالب:...............
نعم، فسمع كلامًا جديدًا، ورقة سمع كلامًا جديدًا، ولو كان ما يترجم من الإنجيل وكان يقرأ الإنجيل بالعربية، فما استغرب، هذا نفس الكلام الذي كنا نسمعه.
المقصود أن مثل هذا الكلام يحتجون به على أن الله -جل وعلا- تكلم في الأزل ولا يتجدد كلامه ولا يحدث غيره.
"الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ سُجُودِ الْقُرْآنِ عَلَى الْمُسْتَمِعِ وَالْقَارِئِ . قَالَ إِلْكِيَا: وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْفَ شَامِلٌ لِكُلِّ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَضَمَّ السُّجُودَ إِلَى الْبُكَاءِ، وَأَبَانَ بِهِ عَنْ طَرِيقَةِ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهُمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي تَعْظِيمِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَآيَاتِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ عِنْدَ آيَةٍ مَخْصُوصَةٍ".
ليس فيه أمر، والخلاف في سجود التلاوة معروف عند أهل العلم، عامة أهل العلم على أنه سنة وليس بواجب، وقيل بوجوبه، وشيخ الإسلام يميل إلى الوجوب -رحمه الله-.
طالب:..................
نعم؟
طالب:..............
على السامع أو المستمع؟
طالب:................
هو الآن الآية يستدلون بها على المستمع وليس على القارئ، الآية دليلها في المستمع، {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ} ما قال: إذا تلوا آيات الله، هذا المقصود به المستمع في الآية.
طالب:....................
مثله، حكمه واحد.
"الرَّابِعَةُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ سَجْدَةً أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا بِمَا يَلِيقُ بِآيَاتِهَا، فَإِنْ قَرَأَ سُورَةَ السَّجْدَةِ { الم تَنْزِيلُ} [السجدة:1-2] قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ السَّاجِدِينَ لِوَجْهِكَ، الْمُسَبِّحِينَ بِحَمْدِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ أَمْرِكَ. وَإِنْ قَرَأَ سَجْدَةَ (سُبْحَانَ) قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ الْبَاكِينَ إِلَيْكَ، الْخَاشِعِينَ لَكَ. وَإِنْ قَرَأَ هَذِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ، الْمَهْدِيِّينَ السَّاجِدِينَ لَكَ، الْبَاكِينَ عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَاتِكَ".
على كل حال سجود التلاوة له ذكر، جاءت به السنة غير هذا، لكن إن دعا باعتباره في السجود و«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد»، بشيء مناسب مطلق يعني لا يحدد، فلا بأس.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} أَيْ أَوْلَادُ سُوءٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ".
تعمل السكون "خلْف" أولاد السوء، من يخلف بسوء، بخلاف المتحرك "خَلَف" وهو من يخلف بخير، من يخلف بخير، جاء ما يحتاج إلى جواب في مثل قول الشاعر:
ذهبَ الذينَ يعاشُ في أكنافهمْ |
وبَقيتُ في خَلَفٍ كجِلدِ الأجرَبِ |
خلف، والأصل أن الخلف من يخلف بخير، فوصفه بكونه مثل جلد الأجرب؟ قالوا مما قاله في الجواب أن جلد الأجرب ليس كله سيئ، فيه شيء، قدر كبير صالح، لكن فيها أشياء من الجرب، لا يعني أن الجمل إذا كان أجرب وغيره إذا كان أجرب أن كله مصاب بهذا الداء، إنما يكون فيه شيء من الجرب، والواقع والمجتمع الذي عاش فيه فيه خير كثير، وفيه أيضًا دخن.
"حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: ذَلِكَ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَذَهَابِ صَالِحِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْزُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْأَزِقَّةِ زِنًى. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي (خَلْفٌ) فِي (الْأَعْرَافِ)، فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْحَسَنُ) أَضَاعُوا الصَّلَوَاتِ) عَلَى الْجَمْعِ. وَهُوَ ذَمٌّ وَنَصٌّ فِي أَنَّ إِضَاعَةَ الصَّلَاةِ مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي يُوبَقُ بِهَا صَاحِبُهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ :وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ".
ولا يلزم من الإضاعة الترك، إنما تأخيرها عن وقتها تضييع لها، الإخلال ببعض شروطها وأركانها وواجباتها تضييع؛ لأن الإتيان بالعمل على غير الصورة الشرعية لا يجزي، ولذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمسيء: «صلِّ، فإنك لم تصلِّ»، قد يقول قائل: نصلي، الصورة موجودة، لكن العمل الذي ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- مردود عليه، ووجوده مثل عدمه.
"وَاخْتَلَفُوا فِيمَنِ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؛ فَقَالَ مُجَاهِدٌ: النَّصَارَى خَلَفُوا بَعْدَ الْيَهُودِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَمُجَاهِدٌ أَيْضًا وَعَطَاءٌ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَيْ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، لَا أَنَّهُمُ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى إِضَاعَتِهَا؛ فَقَالَ الْقُرَظِيّ: هِيَ إِضَاعَةُ كُفْرٍ وَجَحْدٍ بِهَا. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ إِضَاعَةُ أَوْقَاتِهَا، وَعَدَمُ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَنَّهَا إِذَا صُلِّيَتْ مُخَلًّى بِهَا لَا تَصِحُّ وَلَا تُجْزِئُ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلرَّجُلِ الَّذِي صَلَّى وَجَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ حُذَيْفَةُ لِرَجُلٍ يُصَلِّي فَطَفَّفَ: مُنْذُ كَمْ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ؟ قَالَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ عَامًا".
يعني نقص، نقص من صلاته، نقص من ركوعها وسجودها، ونقرها ولم يقم قيامها ولا جلوسها.
"مُنْذُ كَمْ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ؟ قَالَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ عَامًا. قَالَ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مِتَّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ لَمِتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيُخَفِّفُ الصَّلَاةَ وَيُتِمُّ وَيُحْسِنُ .خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَاللَّفْظُ لِلنَّسَائِيِّ".
لا مانع من التخفيف، والتخفيف مطلوب، لاسيما بالنسبة للإمام «أيكم أم الناس فليخفف»، لكن مع الكمال والتمام، التخفيف يأتي مع الكمال والتمام؛ لأن الذي أمر بالتخفيف هو الذي صلى ب (الطور)، وصلى ب (ق) وغيرها من السور التي يُظن أنها طويلة، ليس معنى التخفيف النقر كما قال الشيخ سعد بن عتيق الحميدي: ليس فيه حجة للنقارين، وهذا صحيح، الذي أمر بالتخفيف صلى صلاة مجزئة، مسقطة للطلب، مشتملة على جميع الأركان والشروط والواجبات والمستحبات.
طالب:........................
يخل بركن مثلًا.
طالب:...................
لا لا النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال أعد صلواتك، للمسيء، أعاد هذه الحالية.
طالب:.................
إذا كان مقلدًا لإمامه، وإمامه ممن يرى تخفيف الرفع من الركوع وليس من السجدتين، يخبر أن هذا ليس بصحيح، وما فات تبرأ ذمته بتقليد إمامه، والمستقبل يؤمر بإحسان صلاته.
"وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ» يَعْنِي صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ يَرَوْنَ أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ : مَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ؛ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تِلْكَ الصَّلَاةُ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا »، وَهَذَا ذَمٌّ لِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ. وَقَالَ فَرْوَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ اسْتَبْطَأَ أَصْحَابُ الضَّحَّاكِ مَرَّةً أَمِيرًا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، فَقَرَأَ الضَّحَّاكُ هَذِهِ الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ أَدَعَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَيِّعَهَا. وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى كَمَالِ وُضُوئِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا".
لأن تضييعها إلى آخر وقتها أو إلى بعد خروجه هذا عمل المنافقين، كما جاء في الحديث «تلك صلاة المنافق»، وأما تركها فهو كفر، والنفاق أعظم، نسأل الله العافية، وهذا من باب الزجر، من باب الزجر، وإلا فمن يصلي على أي حال أفضل ممن لا يصلي، لكن هذا من باب الزجر عن تأخير الصلوات، نعم.
"وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى كَمَالِ وُضُوئِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا فَلَيْسَ بِمُحَافِظٍ عَلَيْهَا، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا فَقَدْ ضَيَّعَهَا، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ، كَمَا أَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ اللَّهُ عَلَيْهِ دِينَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا صَلَاةَ لَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: عَطَّلُوا الْمَسَاجِدَ، وَاشْتَغَلُوا بِالصَّنَائِعِ وَالْأَسْبَابِ. {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} أَيِ اللَّذَّاتِ وَالْمَعَاصِيَ".
وهذا حاصل، حاصل في بلاد المسلمين الآن، الأعمال كلها قائمة والناس يصلون، العمال يشتغلون، والتجار في متاجرهم، نعم في هذه البلاد -ولله الحمد- ما زال الأمر جاريًا على أن العمل ممنوع وقت الصلاة، لكن يوجد مخالفات، وأما في غير هذه البلاد فلا فرق بين وقت الصلاة ولا غير الصلاة، نسأل الله السلامة والعافية، لكن يوجد مخالفات أحيانًا، بل كثيرًا ما نجد العمال يشتغلون وقت الصلاة، وبعض أصحاب المحلات يقفل عليه الباب ويجلس، قد يكون مكشوفًا، قد يكون الباب زجاجًا، لكنه يتبع الأنظمة، ولا يراقب الله –جل وعلا- نسأل الله السلامة والعافية.
"الثَّالِثَةُ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ أَنَّهُ أَتَى الْمَدِينَةَ فَلَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَهُ: يَا فَتَى أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ؛ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلَاةَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ: انْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَوْ نَقَصَهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ: أَكْمِلُوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَلِكَ». قَالَ يُونُسُ : وَأَحْسَبُهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ . وَقَالَ: حَدَّثَنَا: مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ".
هو مرفوع، مرفوع قطعًا، نعم.
"قَالَ: حَدَّثَنَا: مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا الْمَعْنَى. قَالَ: «ثُمَّ الزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ».
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ هَمَّامٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ» قَالَ هَمَّامٌ : لَا أَدْرِي هَذَا مِنْ كَلَامِ قَتَادَةَ أَوْ مِنَ الرِّوَايَةِ «فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلُ بِهِ مَا نَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ». خَالَفَهُ أَبُو الْعَوَّامِ فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ".
يحرص المسلم لاسيما طالب العلم على الإتيان بالفرائض على الوجه المشروع، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وأمر به، ويحرص أيضًا أن يؤدي السنن على هذا الوجه؛ لكي تنفعه يوم القيامة، تكون النوافل زيادة في درجاته، لكن إذا أخلَّ بشيء من الفرائض ثم أُخذ عمله في النوافل ولم يدخر له شيء من أجلها؛ لأنها كُملت بها الفرائض، أو وُجد الخلل في الجميع- نسأل الله السلامة والعافية- كما هو حال كثير من المسلمين، فيخيب الإنسان ويخسر، وإلا فالأصل أن الفرائض يؤتى بها على الوجه المشروع والنوافل كذلك.
"خَالَفَهُ أَبُو الْعَوَّامِ، فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ وُجِدَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتُقِصَ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ يُكَمِّلُ مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَتِهِ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ سَائِرُ الْأَعْمَالِ تَجْرِي عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ».
قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شَمِيل".
شُميل.
"النضر بن شُمَيْلٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ فَإِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا وَإِلَّا قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- انْظُرُوا لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَإِنْ وُجِدَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ أَكْمِلُوا بِهِ الْفَرِيضَةَ». قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ (التَّمْهِيدِ): أَمَّا إِكْمَالُ الْفَرِيضَةِ مِنَ التَّطَوُّعِ فَإِنَّمَا يَكُونُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَنْ سَهَا عَنْ فَرِيضَةٍ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا، أَوْ لَمْ يُحْسِنْ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا".
الفريضة يعني من فرائض الصلاة، لا عن صلاة كاملة.
"أَوْ لَمْ يُحْسِنْ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَلَمْ يَدْرِ قَدْرَ ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ تَرَكَهَا، أَوْ نَسِيَ ثُمَّ ذَكَرَهَا فَلَمْ يَأْتِ بِهَا عَامِدًا وَاشْتَغَلَ بِالتَّطَوُّعِ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ لَهُ فَلَا تُكْمَلُ لَهُ فَرِيضَةٌ مِنْ تَطَوُّعِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الشَّامِيِّينَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ السَّكُونِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرَط".
قُرْط.
"بن قُرْطٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُكْمِلْ فِيهَا رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ زِيدَ فِيهَا مِنْ تَسْبِيحَاتِهِ حَتَّى تَتِمّ» قَالَ أَبُو عُمَرَ وَهَذَا لَا يُحْفَظُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَإِنْ كَانَ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ".
من تسبيحاته يعني السنن، التسبيحات السنن.
طالب:..................
رواتب، رواتب، رواتب ومكملات، عموم قوله: انظروا هل لعبدي من تطوع، يشمل، يشمل الرواتب وغيرها.
طالب:...................
لا لا، الصلاة خاصة بالصلاة، الصدقات تكمل الزكاة، نوافل الحج، نوافل الصيام وهكذا.
"وَإِنْ كَانَ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ صَلَاةٍ كَانَ قَدْ أَتَمَّهَا عِنْدَ نَفْسِهِ وَلَيْسَتْ فِي الْحُكْمِ بِتَامَّةٍ ".
يعني خرج منها على غلبة ظنه وأنها تامة، وحينئذٍ تكون لا مؤاخذة عليها من وجه باعتبار أنه في حكم الناسي، كما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام- في قصة ذي اليدين، سلم من الصلاة على أنها كاملة وتامة، ولذلك ما أثَّر فيها المبطل وهو الكلام والقيام وترك استقبال القبلة، وغير ذلك من المبطلات ، نعم.
"قُلْتُ: فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُحْسِنَ فَرْضَهُ وَنَفْلَهُ؛ حَتَّى يَكُونَ لَهُ نَفْلٌ يَجِدُهُ زَائِدًا عَلَى فَرْضِهِ يُقَرِّبُهُ مِنْ رَبِّهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
يحسن فرضه ونفله، ويستغفر بعد ذلك كما جاءت في ذلك السنة، والله المستعان، والتقصير لا بد منه، نعم.
"كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثَ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ نَفْلٌ يُكْمَلُ بِهِ الْفَرْضُ، فَحُكْمُهُ فِي الْمَعْنَى حُكْمُ الْفَرْضِ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ فَأَحْرَى وَأَوْلَى أَلَّا يُحْسِنَ التَّنَفُّلَ، لَا جَرَمَ تَنَفُّلُ النَّاسِ فِي أَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنَ النُّقْصَانِ وَالْخَلَلِ؛ لِخِفَّتِهِ عِنْدَهُمْ، وَتَهَاوُنِهِمْ بِهِ".
كثير من الناس، بل عامة الناس يحتاطون للفريضة باعتبار أنها هي التي عليها الحساب والعقاب، وأما النافلة ومبناها على التخفيف، وجاءت نصوص تدل على أنها ليست كالفريضة، تصح من جلوس مع القدرة، ويتسامح فيها أكثر مما يتسامح في الفرض، فكثير من الناس يطرد هذا، ويظن هذا هو الأصل أن ما بُني على التخفيف يخفف، مبني على الإخلال ببعض الأمور فيخل، ليس هذا هو المطلوب، المطلوب، الكمال من كل شيء.
"وَالْخَلَلِ لِخِفَّتِهِ عِنْدَهُمْ وَتَهَاوُنِهِمْ بِهِ، حَتَّى كَأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ يُشَاهَدُ فِي الْوُجُودِ مَنْ يُشَارُ إِلَيْهِ وَيُظَنُّ بِهِ الْعِلْمَ تَنَفُّلُهُ كَذَلِكَ، بَلْ فَرْضُهُ؛ إِذْ يَنْقُرُهُ نَقْرَ الدِّيكِ؛ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِالْحَدِيثِ".
نعم، يسمع مثلًا حديث عائشة في راتبة الصبح، وأنها كانت خفيفة، ولا تدري هل قرأ الفاتحة أم لا، يريد أن يطبق هذا الكلام، ويقرأ حديث حمل أمامة، النبي -عليه الصلاة والسلام- حمل أمامة وهو يصلي، فيتعمد أن يحمل متاعه، ويضعه، ويتقدم، ويتأخر، ويريد أن يطبق ما جاء في السنة عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهذه أمور ليست هي الأصل، ليست هي الأصل، {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:238]، هذا هو الأصل، لكن فعله -عليه الصلاة والسلام- بعض الأشياء لبيان الجواز لا يعني أنها مطروقة.
"فَكَيْفَ بِالْجُهَّالِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَا يُجْزِئُ رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ وَلَا وُقُوفٌ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَا جُلُوسٌ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَعْتَدِلَ رَاكِعًا وَوَاقِفًا وَسَاجِدًا وَجَالِسًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْأَثَرِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلُ النَّظَرِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَبِي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي (الْبَقَرَةِ).
وَإِذَا كَانَ هَذَا فَكَيْفَ يُكْمَلُ بِذَلِكَ التَّنَفُّلِ مَا نَقَصَ مِنْ هَذَا الْفَرْضِ عَلَى سَبِيلِ الْجَهْلِ وَالسَّهْوِ؟! بَلْ كُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا مَقْبُولٍ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْمَطْلُوبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ}، وَعَنْ عَلِيٍّ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} هُوَ مَنْ بَنَى الْمُشَيَّدَ، وَرَكِبَ الْمَنْظُورَ، وَلَبِسَ الْمَشْهُورَ. قُلْتُ: {الشَّهَوَاتِ} عِبَارَةٌ عَمَّا يُوَافِقُ الْإِنْسَانَ وَيَشْتَهِيهِ وَيُلَائِمُهُ وَلَا يَتَّقِيهِ".
وكثير من الناس يسترسل في الشهوات والتوسع في أمور الدنيا بالقدر الزائد عن الحاجة، ثم إذا كُلم في مثل هذه الموضوعات قال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ}[الأعراف:32]، ما المسألة مسألة تحريم، الحلال حلال لا يستطيع أحد أن يحرمه، لكن الاستدراج والاستكثار من الحلال من المباح يجر إلى ما وراءه، ولذا كان السلف يحتاطون في مثل هذه الأمور، ويتورعون عن كثير من المباحات.
"قُلْتُ: {الشَّهَوَاتِ} عِبَارَةٌ عَمَّا يُوَافِقُ الْإِنْسَانَ وَيَشْتَهِيهِ وَيُلَائِمُهُ وَلَا يَتَّقِيهِ، وَفِي الصَّحِيحِ: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ». وَمَا ذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- جُزْءٌ مِنْ هَذَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} قَالَ ابْنُ زَيْدٍ :شَرًّا".
في قوله –جل وعلا-: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى. وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[النازعات:37-38]، جاء عن السلف أن من وضع على صماته ومائدته ثلاثة أنواع من الطعام فقد طغى، فقد طغى، والآن عادي الناس تجد على مائدته أنواع وألوان الأطعمة من القارات الست، قد حسبت في مائدة وجدت من القارات الست، نعم، جُلبت من القارات الست، والسلف يقولون: من وضع على مائدته ثلاثة أنواع من الطعام فقد طغى، وليس معنى هذا أن ذاك حرام، لا، فرق بين هذا وهذا، فرق بين أن يلزم الناس ويلجئهم إلى التضييق على أنفسهم ويتوسع هو.
المقصود أن على الإنسان أن يتورع، وإذا أراد أن يفتي بالحلال والحرام فعليه بالدليل، يعني هذا أن من بعض الناس يقدح فيمن يتورع ويزهد في الدنيا وينصرف عنها، ويظنه يحرم الحلال، هو ما حرم الحلال، لكن هذا، هو جبل نفسه على هذا يريد ما عند الله –جل وعلا- مقتضيًا بذلك ومؤتسيًا بسلف هذه الأمة، النبي -عليه الصلاة والسلام-، «ثلاثة أهلة لا يوقد بيته نار»، وربط الحجر على بطنه -عليه الصلاة والسلام-، ومات ودرعه مرهون من أجل شعير ليأكل، إن كانت الدنيا منقبة لأحد كان أولى بها النبي -عليه الصلاة والسلام-، والله المستعان،
طالب:...............
الأصل أن المباح مباح، يعني مستوى الطريفين لا إثم فيه ولا أجر، هذا الأصل، لكن قد يعتري هذا المباح، نعم قد يعتريه، هو في الأصل مباح، لكن وسيلة تحصيله، أنت الآن حصلته بطريقة مباحة واستكثرت من المباحات ما زلت في حيز الإباحة والسعة، احتجت إليه في يوم من الأيام، ما تيسر لك من الطرق التي كانت متيسرة، وقد عوَّدت نفسك عليه ما تستطيع أن تتركه، النفس إذا اعتادت شيئًا ما يصعب فطامها، يصعب الفطام، فأنت احتجت هذا الأمر ولا وجدته إلا من طريق مكروه، تتركه أم ما تتركه؟ في الغالب ما تتركه، والمكروه ما فيه إثم، نعم إن تركه أولى، لكن ما فيه إثم، ثم بعد ذلك تستشرف النفس إلى ما وراء ذلك، ثم في يوم من الأيام تحتاجه، وتضطر إليه، تسوقك نفسك إليه سوقًا، نعم، ومع ذلك لا تجده إلا من طريق محظور، ثم تتأول، لعل بعض أهل العلم يخالف في هذا، لعل فيه قولًا، لعل كذا، ثم يصير عاديًّا، السلف يحتاطون أشد الاحتياط لهذه الأمور، فيجعلون عقبات دون المكروه، فضلًا عن المحرم، والله المستعان.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: شَرًّا أَوْ ضَلَالًا أَوْ خَيْبَةً، قَالَ :
فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدُ النَّاسُ أَمْرَهُ" |
يحمدِ، جواب الشرط.
"فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَهُ |
وَمَنْ يَغْوَ لَا يَعْدَمُ عَلَى الْغَيِّ لَائِمًا |
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ :هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ هَذَا الْغَيَّ، كَمَا قَالَ- جَلَّ ذِكْرَهُ- : {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:68]، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْغَيَّ اسْمٌ لِلْوَادِي سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاوِينَ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ. قَالَ كَعْبٌ :يَظْهَرُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ بِأَيْدِيهِمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ، ثُمَّ قَرَأَ {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} أَيْ هَلَاكًا وَضَلَالًا فِي جَهَنَّمَ. وَعَنْهُ: غَيٌّ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ أَبْعَدُهَا قَعْرًا، وَأَشَدُّهَا حَرًّا، فِيهِ بِئْرٌ يُسَمَّى الْبَهِيمَ، كُلَّمَا خَبَتْ جَهَنَّمُ فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْبِئْرَ فَتُسَعَّرُ بِهَا جَهَنَّمُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :غَيٌّ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَأَنَّ أَوْدِيَةَ جَهَنَّمَ لَتَسْتَعِيذُ مِنْ حَرِّهِ، أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ الْوَادِيَ لِلزَّانِي الْمُصِرِّ عَلَى الزِّنَا، وَلِشَارِبِ الْخَمْرِ الْمُدْمِنِ عَلَيْهِ، وَلِآكِلِ الرِّبَا الَّذِي لَا يَنْزِعُ عَنْهُ، وَلِأَهْلِ الْعُقُوقِ، وَلِشَاهِدِ الزُّورِ، وَلِامْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى زَوْجِهَا وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ تَابَ} أَيْ مِنْ تَضْيِيعِ الصَّلَاةِ وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، فَرَجَعَ إِلَى طَاعَةِ رَبِّهِ. وَآمَنَ بِهِ، {وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} قَرَأَ أَبُو جَعْفَر ٍوَشَيْبَةُ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ وَأَبُو بَكْرٍ: (يُدْخَلُونَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ. وَفَتَحَ الْيَاءَ الْبَاقُونَ. {وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} أَيْ لَا يُنْقَصُ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُمْ يُكْتَبُ لَهُمْ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرٌ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ {جَنَّاتِ عَدْنٍ} بَدَلًا مِنَ الْجَنَّةِ فَانْتَصَبَتْ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ (جَنَّاتُ عَدْنٍ) عَلَى الِابْتِدَاءِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَلَوْلَا الْخَطُّ لَكَانَ (جَنَّةِ عَدْنٍ)؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ { يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ}".
وبدل المفرد مفرد؛ لأنه هنا أبدل من المفرد جمعًا.
"{الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} أي"
طالب:................
الرسم الرسم العثماني، رسم المصحف.
"أي من عبده وحفظ عهده".
طالب:.................
ماذا؟
طالب:...............
{يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} جنسها، لكنهم يبدلون من المفرد مفردًا، لا مانع إرادة الجنس وهذه على سبيل التنوع، لا بأس.
"{الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} أي من عبده وحفظ عهده بالغيب، وقيل: آمنوا بالجنة ولم يروها. {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} مَأْتِيًّا مَفْعُولٌ مِنَ الْإِتْيَانِ وَكُلُّ مَا وَصَلَ إِلَيْكَ فَقَدْ وَصَلْتَ إِلَيْهِ، تَقُولُ: أَتَتْ عَلَيَّ سِتُّونَ سَنَةً، وَأَتَيْتُ عَلَى سِتِّينَ سَنَةً".
يعني وعده آتٍ، وإذا أتاك فقد أتيته، سواء كان آتيًا أو مأتيًا لا يختلف، نعم.
"وَوَصَلَ إِلَيَّ مِنْ فُلَانٍ خَيْرٌ وَوَصَلْتُ مِنْهُ إِلَى خَيْرٍ وَقَالَ الْقُتَبِيُّ :مَأْتِيًّا بِمَعْنَى آتٍ فَهُوَ مَفْعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَمَأْتِيًّا مَهْمُوزٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَتَى يَأْتِي".
{حِجَابًا مَسْتُورًا}[الإسراء:45]، يعني ساترًا، نعم.
"لِأَنَّهُ مِنْ أَتَى يَأْتِي. وَمَنْ خَفَّفَ الْهَمْزَةَ جَعَلَهَا أَلِفًا . وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : الْوَعْدُ هَاهُنَا الْمَوْعُودُ وَهُوَ الْجَنَّةُ، أَيْ يَأْتِيهَا أَوْلِيَاؤُهُ. {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} أَيْ فِي الْجَنَّةِ. وَاللَّغْوُ مَعْنَاهُ الْبَاطِلُ مِنَ الْكَلَامِ وَالْفُحْشُ مِنْهُ وَالْفُضُولُ وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ» وَيُرْوَى (لَغَيْتَ) وَهِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَرَبِّ أَسْرَابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ |
عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ |
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّغْوُ كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى؛ أَيْ كَلَامُهُمْ فِي الْجَنَّةِ حَمْدُ اللَّهِ وَتَسْبِيحُهُ. {إِلَّا سَلَامًا} أَيْ لَكِنْ يَسْمَعُونَ سَلَامًا فَهُوَ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ".
لأن السلام ليس من اللغو، استثناء منقطع؛ لأنه ليس من جنس المستثنى منه.
".يَعْنِي: سَلَامَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَسَلَامَ الْمَلِكَ عَلَيْهِمْ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ. وَالسَّلَامُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا إِلَّا مَا يُحِبُّونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} أَيْ لَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا؛ أَيْ في قَدْرَ هَذَيْنَ الْوَقْتَيْنِ؛ إِذْ لَا بُكْرَةَ ثَمَّ وَلَا عَشِيًّا".
لأن البكرة والعشي إنما تُعرف بطلوع الشمس وغروبها واستوائها، ولا شمس، {الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير:1] ، لكن هناك علامات تدل على اختلاف الأوقات غير الشمس.
طالب:................
نعم؟
طالب:.................
سيذكر شيئًا، لعله يذكر شيئًا.
"كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْر} [سبأ:12] أَيْ قَدْرَ شَهْرٍ، قَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقِيلَ: عَرَّفَهُمُ اعْتِدَالَ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَكَانَ أَهْنَأَ النِّعْمَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ التَّمْكِينُ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا. قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَقَتَادَةُ: كَانَتِ الْعَرَبُ فِي زَمَانِهَا مَنْ وَجَدَ غَدَاءً وَعَشَاءً مَعًا فَذَلِكَ هُوَ النَّاعِمُ، فَنَزَلَتْ. وَقِيلَ: أَيْ رِزْقُهُمْ فِيهَا غَيْرُ مُنْقَطِعٍ، كَمَا قَالَ: {لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:33]، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ: أَنَا أُصْبِحُ وَأُمْسِي فِي ذِكْرِكَ، أَيْ ذِكْرِي لَكَ دَائِمٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْبُكْرَةُ قَبْلَ تَشَاغُلِهِمْ بِلَذَّاتِهِمْ، وَالْعَشِيُّ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ لَذَّاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُهَا فَتَرَاتُ انْتِقَالٍ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ. وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: طَعَامُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَانِ، وَتَلَا قَوْلَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلّ-: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} ثُمَّ قَالَ: وَعَوَّضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْمُؤْمِنِينَ".
يعني ينبغي أن يكون طعام المؤمنين في اليوم مرتين، لا ثلاثًا ولا أربعًا ولا خمسًا ولا عشرًا، كما هو حال الناس اليوم طعامهم {رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}، يعني يجعل الطعام في أول النهار وطعام في آخره وينتهي الإشكال، لكن عداه نقول: ينبغي ما يلزم.
طالب:..............
أول النهار، أول النهار نعم.
"ثُمَّ قَالَ: وَعَوَّضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْمُؤْمِنِينَفِي الصِّيَامِ السَّحُورَ بَدَلًا مِنَ الْغَدَاءِ؛ لِيَقْوَوْا بِهِ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْغَدَاءِ وَهَيْئَتَهُ تختلف عَنْ صِفَةِ الْعَشَاءِ وَهَيْئَتِهِ، وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا الْمُلُوكُ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْجَنَّةِ رِزْقُ الْغَدَاءِ غَيْرَ رِزْقِ الْعَشَاءِ، تَتَلَوَّنُ عَلَيْهِمُ النِّعَمُ؛ لِيَزْدَادُوا تَنَعُّمًا وَغِبْطَةً. وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ فِي (نَوَادِرِ الْأُصُولِ) مِنْ حَدِيثِ أَبَانٍ عَنِ الْحَسَنِ وَأَبِي قِلَابَةَ قَالَا: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ لَيْلٍ؟ قَالَ: وَمَا هَيَّجَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى يَذْكُرُ فِي الْكِتَابِ: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} فَقُلْتُ: اللَّيْلُ بَيْنَ الْبُكْرَةِ وَالْعَشِيِّ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
فقال، فقال.
"فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ هُنَاكَ لَيْلٌ إِنَّمَا هُوَ ضَوْءٌ وَنُورٌ يَرُدُّ الْغُدُوَّ عَلَى الرَّوَاحِ وَالرَّوَاحَ عَلَى الْغُدُوِّ، وَتَأْتِيهِمْ طُرَفُ الْهَدَايَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ الَّتِي كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا، وَتُسَلِّمُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ». وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِمَعْنَى الْآيَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ (التَّذْكِرَةِ)، وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ، وَإِنَّمَا هُمْ فِي نُورٍ أَبَدًا، إِنَّمَا يَعْرِفُونَ مِقْدَارَ اللَّيْلِ".
كثير من الناس ممن أعجب بشيء في الدنيا يتمنى أن يكون موجودًا في الجنة، كل هواة أمر من الأمور يتمنون أنه موجود في الجنة، حتى أصحاب الإبل يتمنون، أصحاب الغنم، أصحاب السيارات، أصحاب كذا، كلهم يتمنون، ولا يعلمون أن الجنة فيها «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت»، {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ}[الزخرف:71]، أصحاب الكتب يتمنون كتبًا، نعم، صرَّح بهذا كثير من أصحاب الهوايات، نعم. {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ}، شيء ما يخطر على البال، لكن أين السبب الموصل، الإنسان إذا وصل ودخلت اليمنى دار القرار خلاص انتهى، حدِّث ولا حرج.
"وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ، وَإِنَّمَا هُمْ فِي نُورٍ أَبَدًا، إِنَّمَا يَعْرِفُونَ مِقْدَارَ اللَّيْلِ مِنَ النَّهَارِ بِإِرْخَاءِ الْحُجُبِ وَإِغْلَاقِ الْأَبْوَابِ، وَيَعْرِفُونَ مِقْدَارَ النَّهَارِ بِرَفْعِ الْحُجُبِ وَفَتْحِ الْأَبْوَابِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ الْجَوْزِيُّ وَالْمَهْدَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى :{تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي} أَيْ هَذِهِ الْجَنَّةُ الَّتِي وَصَفْنَا أَحْوَالَ أَهْلِهَا، "نُورِثُ" بِالتَّخْفِيفِ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: (نُوَرِّثُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ. وَالِاخْتِيَارُ التَّخْفِيفُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ} [فاطر:32]".
أورث يورث، بخلاف ورَّث يورِّث.
"{مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مَنِ اتَّقَانِي وَعَمِلَ بِطَاعَتِي. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، تَقْدِيرُهُ نُورِثُ مَنْ كَانَ تَقِيًّا مِنْ عِبَادِنَا.
قَوْلُهُ تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِجِبْرِيلَ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا» قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ".
ليس مرد هذا إلى رغبته، وإنما مرده إلى أمر الله –جل وعلا-.
"قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا".
وهكذا ينبغي للمسلم أن تكون زياراته وذهابه ورواحه وقدومه ومجيئه فيما يرضي الله –جل وعلا-.
"حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَن ْسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِجِبْرِيلَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا فَنَزَلَتْ» { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} الْآيَةَ؛ قَالَ: كَانَ هَذَا الْجَوَابُ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَبْطَأَ الْمَلَكُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: «مَا الَّذِي أَبْطَأَكَ؟ قَالَ: كَيْفَ نَأْتِيكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَقُصُّونَ أَظْفَارَكُمْ، وَلَا تَأْخُذُونَ مِنْ شَوَارِبِكُمْ، وَلَا تُنَقُّونَ رَوَاجِبَكُمْ، وَلَا تَسْتَاكُونَ»، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي هَذَا".
رواجب، يعني البراجم التي جاءت في حديث الفطرة.
"وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا".
طالب:.................
نعم، معروف.
طالب:................
هذا ضعف على ضعف، مراسيل الحسن لا شيء، ويخرجها الحكيم.
"وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: احْتَبَسَ جِبْرِيلُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ سَأَلَهُ قَوْمُهُ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَالرُّوحِ، وَلَمْ يَدْرِ مَا يُجِيبُهُمْ وَرَجَا أَنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ، قَالَ عِكْرِمَةُ: فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقَالَ مُجَاهِد:ٌ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْطَأْتَ عَلَيَّ حَتَّى سَاءَ ظَنِّي، وَاشْتَقْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: إِنِّي كُنْتُ أَشْوَقَ، وَلَكِنِّي عَبْدٌ مَأْمُورٌ إِذَا بُعِثْتُ نَزَلْتُ، وَإِذَا حُبِسْتُ احْتَبَسْتُ»، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} ، وَأُنْزِلَ { وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1-3] ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ: هُوَ إِخْبَارٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عِنْدَ دُخُولِهَا، وَمَا نَتَنَزَّلُ هَذِهِ الْجِنَانَ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ مُتَّصِلَةً بِمَا قَبْلُ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَقْوَالِ قَبْلُ قيل: تَكُونُ غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ بِمَا قَبْلَهَا وَالْقُرْآنُ سُوَرٌ ثُمَّ السُّوَرُ تَشْتَمِلُ عَلَى جُمَلٍ، وَقَدْ تَنْفَصِلُ جُمْلَةٌ عَنْ جُمْلَةٍ".
لا شك أن بعض المقاطع من القرآن يعني يبعد الربط بينه وبين ما قبله وما بعده، يعني مثل قوله –جل وعلا-: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة:30]، ما صلة هذا الكلام بالذي قبله، بعيدة كل البعد، ولذا الشوكاني يقول: إن بعض الناس يتكلف ذكر المناسبات ولا داعي لهذا، ولو قيل بأن القرآن يتنزل في أوقات متباينة وفي مناسبات لا ارتباط لبعضها ببعض، هذا هو الأصل.
طالب:...................
أين؟
طالب: مقاصد السور.
التناسب والمقاصد كلها التي يكتب فيها كتب كثيرة، لكن الشوكاني ينتقده.
طالب:..........................
لا يسلم من تكلف، ولا يسلم أيضًا من براعة، فكلام الشوكاني له وجه، والأصل أن الأسلوب والإعجاز يقتضي الترابط.
"{ وَمَا نَتَنَزَّلُ} أَيْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ يَا جِبْرِيلُ: { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} وَهَذَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّا إِذَا أُمِرْنَا نَزَلْنَا عَلَيْكَ. الثَّانِي: إِذَا أَمَرَكَ رَبُّكَ نَزَلْنَا عَلَيْكَ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى الْأَوَّلِ مُتَوَجِّهًا إِلَى النُّزُولِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مُتَوَجِّهًا إِلَى التَّنْزِيلِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَهُ أَيْ لِلَّهِ {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} أَيْ عِلْمُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا {وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ : مَا مَضَى أَمَامَنَا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَمَا يَكُونُ بَعْدَنَا مِنْ أَمْرِهَا وَأَمْرِ الْآخِرَةِ {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} مِنَ الْبَرْزَخِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ { وَمَا خَلْفَنَا} مَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا { وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ سَنَةً. قال الْأَخْفَشُ : {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} مَا كَانَ قَبْلَ أَنْ نُخْلَقَ { وَمَا خَلْفَنَا} مَا يَكُونُ بَعْدَ أَنْ نَمُوتَ {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} مَا يَكُونُ مُنْذُ خُلِقْنَا إِلَى أَنْ نَمُوتَ. وَقِيلَ: { مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَأُمُورِ الْآخِرَةِ { وَمَا خَلْفَنَا} مَا مَضَى مِنْ أَعْمَالِنَا فِي الدُّنْيَا {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} أَيْ مَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَحْتَمِلُ خَامِسًا { مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} السَّمَاءُ { وَمَا خَلْفَنَا} الْأَرْضُ {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} أَيْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ: { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} يُرِيدُ الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْضِ { وَمَا خَلْفَنَا} يُرِيدُ السَّمَاوَاتِ. وَهَذَا عَلَى عَكْسِ مَا قَبْلَهُ {وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} يُرِيدُ الْهَوَاءَ، ذَكَرَ الْأَوَّلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالثَّانِي الْقُشَيْرِيُّ. قال الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقِيلَ مَا مَضَى مِنْ أَعْمَارِنَا وَمَا غَبَرَ مِنْهَا، وَالْحَالُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا وَلَمْ يَقُلْ مَا بَيْنَ ذَيْنِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا كَمَا قَالَ: {لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}[البقرة:68] أَيْ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا".
وما غبر يعني ما بقي، ما مضى من أعمارنا وما غبر يعني بقي أو مضى.
طالب:.....................
الغابر الماضي؟
طالب:.....................
لا، هو انتقد في تسمية الكتاب، ومنهم من يقول: غبر من الأضداد تأتي لما مضى ولما سيأتي، يكون الأصل أن يكون العبر في خبر من عبر وليس بغبر، يعني مضى.
"{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} أَيْ نَاسِيًا إِذَا شَاءَ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْكَ أَرْسَلَ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَمْ يَنْسَكَ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْكَ الْوَحْيُ، وَقِيلَ الْمَعْنَى".
هذا الأصل النفي، نفي النسيان عن الله –جل وعلا- هو الأصل؛ لأن النسيان صفة نقص، لكن جاء في مثل قوله –جل وعلا-: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}[التوبة:67]، {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} هذا من باب المقابلة، المقابلة.
نعم.
"وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ مُتَقَدِّمِهَا وَمُتَأَخِّرِهَا، وَلَا يَنْسَى شَيْئًا مِنْهَا .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أَيْ رَبُّهُمَا وَخَالِقُهُمَا وَخَالِقُ مَا بَيْنَهُمَا وَمَالِكُهُمَا وَمَالِكُ مَا بَيْنَهُمَا، فَكَمَا إِلَيْهِ تَدْبِيرُ الْأَزْمَانِ كَذَلِكَ إِلَيْهِ تَدْبِيرُ الْأَعْيَانِ.
{فَاعْبُدْهُ} أَيْ وَحِّدُهُ لِذَلِكَ. وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اكْتِسَابَاتِ الْخَلْقِ مَفْعُولَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْحَقِّ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْحَقُّ".
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }[الصافات:96]
خلافًا للمعتزلة الذين يرون أن العبد يخلق فعله، ولذا سُموا مجوس هذه الأمة؛ لأنهم أثبتوا خالقًا مع الله– جل وعلا-.
نعم.
"لِأَنَّ الرَّبَّ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى مِنْ مَعَانِيهِ إِلَّا عَلَى الْمَالِكِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَالِكُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ دَخَلَ فِي ذَلِكَ اكْتِسَابُ الْخَلْقِ، وَوَجَبَتْ عِبَادَتُهُ؛ لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ الْمَالِكُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَحَقِيقَةُ الْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ بِغَايَةِ الْخُضُوعِ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا أَحَدٌ سِوَى الْمَالِكِ الْمَعْبُودِ.
{ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} أَيْ لِطَاعَتِهِ وَلَا تَحْزَنْ لِتَأْخِيرِ الْوَحْيِ عَنْكَ، بَلِ اشْتَغِلْ بِمَا أُمِرْتَ بِهِ، وَأَصْلُ {اصْطَبِرِ} اصْتَبِرْ".
اصْتَبِرْ، بدل الطاء تاء.
"فَثَقُلَ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّاءِ وَالصَّادِ لِاخْتِلَافِهِمَا، فَأُبْدِلَ مِنَ التَّاءِ طَاءٌ كَمَا تَقُولُ مِنَ الصَّوْمِ اصْطَامَ. {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} ".
أصلها افتعل، افتعل، أصلها التاء، مثل اصطلى بالنار لصعوبة الجمع بن التاء والصاد، أبدلوها بالطاء، نعم.
"قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ وَلَدًا أَيْ نَظِيرًا".
أو نظيرًا.
أو نظيرًا؟
نعم.
أحسن الله إليك.
ماذا عندك يا أبا عبد الله؟
أو ، صوابها أو، غير الولد.
"يُرِيدُ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ وَلَدًا أو نَظِيرًا أَوْ مِثْلًا أَوْ شَبِيهًا يَسْتَحِقُّ مِثْلَ اسْمِهِ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَنُ. وَقَالَه مُجَاهِد.ٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُسَامَاةِ. وَرَوَى إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ أَحَدًا سُمِّيَ الرَّحْمَنُ. قَال النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَجَلُّ إِسْنَادٍ عَلِمْتُهُ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَرْفِ، وَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ، لَا يُقَالُ الرَّحْمَنُ إِلَّا لِلَّهِ.
قُلْتُ: وَقَدْ مَضَى هَذَا مُبَيَّنًا فِي الْبَسْمَلَةِ وَ"الْحَمْدُ لِلَّهِ" رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} قَالَ: مِثْلًا. ابْنُ الْمُسَيَّبُ: عِدْلًا. وقال قَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا يُسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى غَيْرَ اللَّهِ أَوْ يُقَالُ لَهُ اللَّهُ إِلَّا اللَّهُ، وَهَلْ بِمَعْنَى لَا أَيْ لَا تَعْلَمُ".
استفهام إنكاري، استفهام إنكاري معناه النفي.
"أَيْ لَا تَعْلَمُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ".
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.
الجمعة إن شاء الله؟
طالب:..................
تكون زائدة؛ لأنه يأتي جواب القسم، نعم، تكون زائدة للتأكيد ليست بزائدة من عدم .... لا قيمة لها، الجمعة إن شاء الله، لكن أنا مسافر، إن شاء الله.