كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 14
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله- في محرره:
وعن بسرة بنت صفوان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من مس ذكره فليتوضأ»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وصححه ابن حبان في صحيحه، وقال البخاري: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة."
ما عندك وصححه أحمد والدارقطني، وإسناده ثابت؟
لا يا شيخ.
هذه من بعض النسخ أضافها المحقق.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه الوضوء»، رواه أحمد والطبراني، وهذا لفظه، والدارقطني وابن حبان والحاكم وصححه.
وعن قيس بن طلق الحنفي عن أبيه قال: كنت جالسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال رجل: مسست ذكري أو قال: الرجل يمس ذكره في الصلاة، عليه وضوء؟ قال: «لا، إنما هو بضعة منك» رواه أحمد، وهذا.."
بَضعة، بَضعة.
"قال: «لا، إنما هو بَضعة منك»، رواه أحمد، وهذا لفظه، وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي وقال: هذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب، وقال الطحاوي: هو مستقيم الإسناد، وجعله ابن المديني أحسن من حديث بسرة، وقد تكلم فيه الشافعي وأبو زرعة وأبو حاتم وغيره، وأخطأ من حكى الاتفاق على ضعفه.."
غيرهم، غيرهم تكلم فيه..
"وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم، وأخطأ من حكى الاتفاق على ضعفه، وقد روى الطبراني بإسناده وصححه عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من مس فرجه فليتوضأ»، وإسناده لا يثبت."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن بسرة بنت صفوان، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من مس ذكره فليتوضأ» يقول: رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وصححه وابن حبان في صحيحه، وصححه أحمد والدارقطني، وإسناده ثابت، وقال البخاري: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة".
وله شاهد من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- ذكره المؤلف يقول: "قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه، ليس دونها حجاب، فقد وجب عليه الوضوء»"، إسناده بمفرده قد لا يثبت بمفرده، وإنما إذا ضُم إلى حديث بُسْرة صار صحيحًا لغيره، وأما حديث بسرة فهو مصحح عند أهل العلم، لا إشكال فيه، «من مس ذكره فليتوضأ»، مس يعني هذا أنه مسه، والمس باليد، ويدل عليه الإفضاء، «إذا أفضى أحدكم بيده»، وعلى هذا لو مس ذكره بأي جزء من بدنه بغير اليد فإنه لا يلزمه الوضوء، «من مس ذكره فليتوضأ» اللام هذه لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وهنا يقول في حديث أبي هريرة فقد وجب عليه الوضوء، «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه، ليس دونها حجاب، فقد وجب عليه الوضوء» هذا عمدة من يقول بأن مس الذكر ينقض الوضوء، وأعم منه حديث أبي هريرة «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه» هذا يشمل القُبُل والدُّبُر من الذَّكَر والأنثى، أما حديث بُسْرة فإنه خاص بقُبُل الرجل دون دبره، ودون فرج المرأة.
عمومًا فحديث بسرة فيمن مس ذكره، الذكر إنما يكون للرجل، ولا يدخل فيه الدبر، بينما حديث أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه»، وهو أعم من أن يكون لرجل أو امرأة، وأن يكون قبلاً أو دبرًا، ولذا بعضهم يعمم الحكم، فإذا مست المرأة فرجها من حيث القبل أو الدبر، وكذلك الرجل، فإنه يجب عليه الوضوء، ونلاحظ كلمة «وجب عليه الوضوء»؛ لأن من أهل العلم من حمل الأمر في قوله: «فليتوضأ» في حديث بسرة على الاستحباب؛ وذلك للجمع بينه وبين حديث طلق الآتي «إنما هو بضعة منك»، قال: الأمر هنا للاستحباب، والصارف حديث طلق.
قوله: «فقد وجب عليه الوضوء» هل نقول: إن معنى وجب تأكد في حقه الوضوء وإن لم يصل إلى درجة الوجوب الذي يأثم به، يأثم بتركه، كما قال الجمهور في حديث: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم»؟ الجمهور قالوا في «غسل الجمعة واجب» يعني متأكد متأكد، وإن لم يصل إلى درجة ما يأثم به الوجوب الاصطلاحي، الوجوب الاصطلاحي، يعني عندنا الأحكام الخمسة التكليفية لها حقائق لغوية، ولها حقائق شرعية، ولها حقائق عرفية اصطلاحية عند أهل العلم قد تتفق هذه الحقائق، وقد تختلف بعضها عن بعض، فالكراهة مثلاً في الحقيقة الشرعية تختلف عن حقيقتها في عرف أهل العلم، فقد جاء إطلاقها في النصوص بإزاء بعض الكبائر، {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} [سورة الإسراء:38] هذا إيش؟
طالب:.........
قيلت بصدد إيش؟
طالب:.........
نعم عظائم، تقدم ذكرها، فالكراهة هنا لا شك أنها للتحريم، ولذا يقولون: الكراهة كراهة تنزيه، وكراهة تحريم من أجل إيش؟ ألا يتصادم الاصطلاح مع النصوص، لا يتصادم الاصطلاح مع النصوص، وأيضًا الوجوب وجوب تحتم بحيث يأثم التارك، ووجوب أقل من ذلك، هو يتأكد في حق المكلف وإن لم يأثم بتركه كما قالوا في الغسل بالنسبة للمحتلم لمن بلغ حد الحلم يوم الجمعة، وإلا المحتلم من تلبس بالاحتلام هذا في الجمعة وغير الجمعة يجب على كل محتلم سواء كان في الجمعة أو في غير الجمعة، الذي ينشأ عن احتلام.
الآن مخالفة الاصطلاحات الشرعية العملية عند أهل العلم للنصوص أولاً يتفقون على أن الحقائق تتفاوت، فهناك حقائق لغوية مثلاً حقيقة الصلاة لغة تختلف عن حقيقتها الشرعية هل يخالف في هذا أحد؟
الصيام حقيقته اللغوية تختلف عن حقيقته الشرعية، الحقائق الشرعية قد تتعدد أحيانًا حقيقة شرعية قد تتعدد أحيانًا، المفلس حقيقته الشرعية في باب الحجر والتفليس شيء، في باب الحجر والتفليس من لا درهم له ولا متاع، لما سأل النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- الصحابة: «أتدرون من المفلس؟» قالوا: من لا درهم له ولا متاع، قال: «لا، المفلس من يأتي بأعمال من صيام، من صلاة، وصدقة وصيام..» إلى آخره، هذا المفلس، يأتي بالتعدي على الخلق فيستوفي الخلقُ جميع هذه الأعمال، وقد يضاف إليه من سيئاتهم، هذا مفلس في الحقيقة، طيب اشترى شخص سيارة بمائة ألف، وباعها بخمسين ألفًا، هذا ربحان أم خسران؟ هذه خسارة واضحة فاضحة، يعني هل الحقيقة الشرعية تختلف عن هذه الحقيقة العرفية؟ لكن {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة الزمر:15]، من اشترى سلعة تستحق خمسين ألفًا، اشتراها بمائة ألف مغبون أم غير مغبون؟ مغبون، لكن في قوله: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [سورة التغابن:9] يعني التغابن الحقيقي هو ما يكون في يوم القيامة الخسارة الحقيقية هي ما يكون في يوم القيامة، لكن إذا تداول الناس مثل هذه الاصطلاحات يقال: أخطؤوا؟
ما يقال: أخطؤوا، «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني، أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» لو كان يطعم طعامًا حقيقيًّا ويشرب شرابًا حقيقيًّا هل يعتبر مواصلًا؟
ما يعتبر مواصلًا، لكن هل هذه حقيقة لغوية؟ يوجد في لغة العرب شخص يأكل من غير طعام ولا شراب؟ هل هذه حقيقة شرعية؟ يعني هل هي مبطلة للصيام، قاطعة للوصال؟ هل هي حقيقة عرفية؟ يوجد بين الناس من يأكل ويشرب بلا طعام ولا شراب؟ إذًا من أي الحقائق شرعية ثانية؛ لأنه قد يكون للفظ أكثر من حقيقة شرعية، أكثر من حقيقة شرعية، مثل ما قلنا في المفلس، المفلس في باب الحجر والتفليس من لا درهم له ولا متاع، أو كما يقول أهل العلم من كانت أمواله أقل من ديونه، مثل هذا يحجر عليه؛ لأنه مفلس، «من وجد متاعه عند رجل قد أفلس، من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به» هذا لفظ شرعي، هل نقول: لا، هذا عندهم هذا سلم الناس من شره، فلا يتكلم في الناس، ولا يتعدى على الناس، فليس بمفلس؛ موافقة للحديث الآخر، والرسول يقول -عليه الصلاة والسلام-: «من وجد متاعه عند رجل قد أفلس» أثبت الفلس له، فالحقائق الشرعية قد تتفاوت من باب إلى باب، هذه حقيقة وتلك حقيقة، شرعية الوجوب كما هنا «فقد وجب عليه الوضوء».
أحيانًا قد يستعظم الإنسان المخالفة للفظ الشرعي، مخالفة الاصطلاح للفظ الشرعي مثل إيش مثل غسل الجمعة واجب، الجمهور يقولون: غير واجب، هل هذه معاندة ومصادمة للنص؟ أو نقول: اختلاف في الحقائق؟ اختلاف في الحقائق لو قال لنا شخص: أنا عمري كله، أنا الآن بلغت ثمانين، سبعين سنة ما رأيت جملًا أصفر نقول: الله -جل وعلا- أثبت {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [سورة المرسلات:33]، إذًا أنت مخالف للقرآن، يقول: أنا ما رأيت جملًا أصفر، يأثم بهذا أو لا يأثم؟
يعني في حقيقته العرفية الأصفر يوجد؟ الأصفر الذي يطلق عليها أصفر في العرف ما يوجد، المقصود أنه لا بد من العناية بمثل هذه الألفاظ، وإلا فيقع طالب العلم في حرج كبير بحيث يقع في الأئمة، ويخطِّئ الأئمة.
يعني لما يقول ابن عمر: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر ويقول الحنفية: زكاة الفطر ليست بفرض، واجب، نقول: هذه معاندة للنص، أو من باب اختلاف الحقائق مع احترام النص؟
نعم لو كان أهل العلم اصطلاحاتهم طابقت الألفاظ الشرعية كان هذا هو الأصل، لكن مادام ما وقع وتتابع الناس على ذلك وفهموه مع احترامهم للنصوص هذا هو ما دعا أهل العلم إلى تقسيم الحقائق.
حديث بسرة وهو عند البخاري "أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة"، وحديث طلق الآتي "عن قيس بن طلق الحنفي عن أبيه قال: كنت جالسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: مسست ذكري أو قال: الرجلُ يمس ذكره في الصلاة، هل عليه وضوء؟ عليه وضوء؟ قال: «لا، إنما هو بضعة منك»" كيف نوفِّق بين الحديثين الأول قال فيه البخاري: هو أصح شيء في الباب، والثاني قال فيه علي بن المديني، علي بن المديني: ماذا قال الترمذي قال: هذا أحسن شيء روي في هذا الباب، وجعله علي بن المديني أحسن من حديث بسرة، جعله ابن المديني أحسن من حديث بسرة، ماذا عندك؟
قال الطحاوي هو إيش؟
هو مستقيم الإسناد.
دعنا من هذا، لكن الكلام في المفاضلة بينه وبين حديث بسرة يعني أيهما أرجح، لا شك أن حديث بسرة أرجح من حيث الصناعة، حديث بسرة أرجح، لكن إن نظرنا إليها من حيث الرجحان قلنا: حديث بسرة أرجح، وإن طبقنا عليهما القواعد قلنا: حديث طلق مؤسِّس أم مؤكِّد؟
نعم مقرر للأصل مقرر للأصل فهو مؤكِّد، وحديث بسرة مؤسِّس، يعني جاء بحكم جديد، والتأسيس خير من التأكيد، هذا إذا أردنا الترجيح، لكن إذا أمكن الجمع تعيَّن المصير إليه تعين المصير إليه، جمع بعضهم بأن حمل حديث بسرة على من مس فرجه بشهوة، وحديث طلق على من مس فرجه بغير شهوة «من مس ذكره فليتوضأ»، ويسلك مثل هذا لرفع التعارض بين الأحاديث، ويرجحون قولهم هذا بأنه جعله في حديث طلق بمنزلة أي عضو من أعضائه، كما لو لمس أنفه، لمس أذنه، لمس رجله، بضعة منك، قطعة منك، ويقولون: إن الأنف والأذن والرجل ما يمكن تمس بشهوة، ما يمكن أن تمس بشهوة، لا شك أن هذا منزع دقيق وحسن، لكن يرد عليه أن بعض الناس قد يمس شيئًا بشهوة وهو منه، يعني قد نسترسل بكلام مشكِل عند بعض الشباب، طيب افترض شخصًا يلمس ثديه مثلاً بشهوة، كأنه يتصور أن يده على ثدي زوجته مثلاً، فيمس ثديه بشهوة، ما يمكن أن يتصور هذا؟
يمكن، هل نلزمه بالوضوء؛ لأنه مس بضعة منه بشهوة؟ ألا يمكن أن يرد مثل هذا الكلام؟ فالمنزع دقيق جدًّا هنا، الذين قالوا بأن المس بشهوة ينقض الوضوء، وعليه يتنزل حديث بسرة، والمس بغير شهوة لا ينقض الوضوء، وعليه يتنزل حديث طلق، وأيدوا ذلك أنه في حديث طلق مثَّله بأي عضو من أعضائه وبأي جزء من جسده «إنما هو بضعة منك» يقولون: كما لو مس أنفه يتوضأ أم ما يتوضأ؟ وهل يمكن أن يمس أنفه بشهوة؟ لا يمكن أن يمس أذنه، يمس رجله، يده الأخرى، لكن يرد على هذا فيما لو مس جزءًا منه بشهوة، بحيث يتصور أنه يمس مثلاً الأمور التي تثير الرجال، يعني يرد أم ما يرد؟
الذي يتصور هذه الأمور وهو في الصلاة يمس ذكره في الصلاة، من يتصور هذه الأمور في الصلاة، يتصور أمورًا أخرى؛ لأنه قد يقول قائل: كيف يمس ذكره؟ ألا نقول يمكن أن يكون هذا بحائل؛ لأنه في الصلاة، والصلاة يشترط فيها الاستتار، نقول: الأصل في المس أنه مباشر؛ لأنه لو مسه بحائل ما مس الذكر، مس الثوب، ما يقال: إنه مس ذكره، إنما مس ثوبه، فالمسألة مفترضة في شخص أدخل يده في ثوبه، ومس ذكره، فإن بشهوة تنزل على حديث بسرة، وإن كان بغير شهوة تنزل على حديث طلق.
شيخ الإسلام يرى أن المس لا ينقض الوضوء مطلقًا، وإنما الأمر في قوله: فليتوضأ في حديث بسرة للاستحباب، للاستحباب، والصارف من الوجوب إلى الاستحباب حديث طلق صارف من الوجوب إلى الاستحباب، لكن يرد عليه حديث أبي هريرة: فقد وجب عليه الوضوء، فقد وجب عليه الضوء، أقرب ما يقال للتوفيق بين الحديثين التفريق بين المس بشهوة الذي هو مظنة لخروج شيء من الذكر.
أما المس بغير شهوة اتفاقًا أحيانًا الرجل يغتسل مثلاً، يغتسل، وعند فراغه من الغسل أراد أن يلبس سراويله فوقعت يده على ذكره من غير قصد ولا شهوة، هل نقول: مثل هذا ينقض الوضوء؟ على رأي شيخ الإسلام استحباب، وعلى القول الآخر الذي يربط الوجوب والوضوء عمومًا بالشهوة لا شيء عليه ما لم يمسه بشهوة، ولا شك أن الشهوة تثير الغريزة، ثم يترتب عليها ما يترتب من خروج الناقض، فيكون حينئذ مثل هذا مظنة، مظنة للناقض.
قد يقول قائل مثلاً: التفكير في أمور النساء، التفكير في أمور النساء مظنة أيضًا، هل نرتب عليه حكمًا أم ما نرتب عليه؟ ما نرتب عليه حكمًا؛ لأن الأحكام تبقى تدور مع النصوص، يعني المظان لا يرتب عليه أحكام إلا إذا ثبتت بنص وإلا فالأصل أنه لا يُخرَج من الشيء بيقين إلا بيقين، طيب هذا يقول: «من مس ذكره»، «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه» الرجل يمس ذكره، هذه كلها في الشخص يمس ذكر نفسه بيده ،فماذا لو مس غيرُه ذكرَه أو ما أشبه ذلك بشهوة مثلاً، امرأة مست فرج زوجها أو العكس، موجب للوضوء أم غير موجِب؟ يعني ينقض الوضوء أم ما ينقض؟ يتوضأ أم ما يتوضأ؟
حديث «من مس ذكره»، هنا «من مس ذكره»، وفي الحديث الآخر «إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه» قال: مسست ذكري، أو قال: الرجل يمس ذكره، كل هذا بإزاء فرج نفسه، لكن لو مس ذكر غيره ما تعرض له الأحاديث لا تشمله، هذه مسألة يبتلى بها النساء عند تنظيف الأطفال لاسيما الذكور، الأم تضطر إلى أن تمس ذكر ولدها، لكنه إذا نظرنا إلى النصوص أنها كلها تدور حول آلة الشخص نفسه، الأمر الثاني أنها لا يمكن أن تمس فرج ولدها بشهوة، وعلى كل حال أقوى ما يقال وأوضح ما يقال التفريق بين ما كان بشهوة وما كان بغير شهوة حديث طلق المعروف عدم الوضوء والعلة «إنما هو بضعة منك».
"روى الطبراني بإسناده وصححه عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من مس فرجه فليتوضأ»" هذا معارِض لحديثه الأول ما هو حديثه الأول يمس ذكره في الصلاة عليه وضوء قال: «لا»، وهذا الحديث صحيح مصحح عند أهل العلم عند الطبراني، «من مس فرجه فليتوضأ» هذا الحديث لا يثبت، وإنما المعروف عن طلق والمحفوظ عنه أنه لا يوجب الوضوء، فهذا الحديث شاذ لا يثبت، مخالف لما رُوي عن طلق نفسه بما هو أقوى منه إسنادًا.
يقول: "قد تكلم فيه الشافعي" حديث طلق "وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم وأخطأ"، على كل حال هذه مما يجعل حديث بسرة أرجح من حديث طلق، "وأخطأ من حكى الاتفاق على ضعفه"، النووي في شرح المهذب أشار إلى أن العلماء ضعفوه بالاتفاق، لكنه أخطأ؛ لأنه صححه من صححه كالطحاوي، وقبله الترمذي وعلي بن المديني.
يبقى مسألة، وهي قول الترمذي: أحسن شيء روي في هذا الباب، أحسن شيء روي في هذا الباب، وقول علي بن المديني: أحسن من حديث بسرة، هل يلزم من أفعل التفضيل في مثل هذا السياق أن يثبت له الوصف كما هو مقتضى أفعل التفضيل؟
إذا قيل: أصح مثل ما قال البخاري في حديث بسرة، البخاري أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة، الترمذي في حديث بسرة صححه، صحح حديث بسرة، وقال في حديث طلق: أحسن شيء روي في هذا الباب مقتضاه أنه أقوى من حديث بسرة، وإذا كان أقوى مما صحح يكون صحيحًا، وعلى هذا فأفعل التفضيل أحسن شيء روي في هذا الباب أفعل التفضيل ليست على بابها، وأكثر ما يستعملها أهل الحديث على هذا من هذه الحيثية ليست على بابها؛ لأنهم يقولون: أصح ما في الباب، وهو ليس بصحيح، لكن أمثل ما في الباب، أضعف ما في الباب وليس بضعيف، إنما يوجد في الباب ما هو أقوى منه فلان أوثق من فلان، وكلهم ضعفاء، لكن هذا أمثل من هذا فلان أضعف من فلان، وكلهم ثقات، فهم لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها غالبًا، ومنه ما هنا.
"قال -رحمه الله-: وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته، وهو في ذلك لا يتكلم» رواه ابن ماجه، وضعفه الشافعي وأحمد والدارقطني وغيرهم."
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته، وهو في ذلك لا يتكلم» رواه ابن ماجه" يعني تفرد به ابن ماجه من بين الستة، وقد حكم بعض العلماء على مفردات ابن ماجه بالجملة جزافًا أنها غالبها الضعف.
"وضعفه الشافعي وأحمد والدارقطني وغيرهم" هذا الحديث لا شك أنه ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين عن ابن جريج، ابن جريج مكي، وروايته عن غير الشاميين ضعيفة، من أصابه قيء، القيء هو الذي يخرج من المعدة عن طريق الفم مع الكثرة، وإن كان قليلاً قيل له: قلس، إذا كان يملأ الفم فقط أو رعاف، وهو ما يخرج من الدم عن طريق الأنف، والمذي تقدم في حديث علي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، الخبر ضعيف، فلينصرف فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته، وهو في ذلك لا يتكلم اللفظ فيه نكارة، اللفظ فيه نكارة؛ لأن من أحدث لا بد أن يتوضأ، وكلامه إذا كان كلامه مبطلاً للصلاة، كما هنا، وهو في ذلك لا يتكلم.
يعني يفترض فيه أنه يُحدِث ثم يذهب فيترك استقبال القبلة، ويتحرك حركات كثيرة، ويخطو خطوات واسعة، يعني انتقض وضوؤه وانصرف عن القبلة ومشى بعيدًا إلى أن توضأ، كل هذا يتجاوز عنه إلا الكلام، يعني هل الكلام أشد من هذه الأمور، أو أخف؟ الكلام عمومًا يعني بغض النظر عن هذا الحديث، يعني الكلام أم انتقاض الوضوء؟
والانصراف عن القبلة والمشي كل هذه مبطلات للصلاة، لكن الكلام إذا كان لحاجة لا يبطل الصلاة، إذا كان لمصلحة الصلاة فجنس الكلام مبطل للصلاة، لكن يبقى أنه قد يكون لمصلحة الصلاة فلا يبطلها، فأمره أخف مما يبطل الطهارة؛ لأن الطهارة شرط، استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة، فنتنازل عن شروط، ولا نتنازل عن شيء يجوز بعضه ويتسامح في بعضه، لا شك أن الحديث منكر اللفظ، ضعيف الإسناد، منكر اللفظ.
نأتي إلى هذه الأمور القيء والرعاف والقلس والمذي، المذي ينقض الوضوء في الحديث السابق في حديث علي كنت رجلاً مذاءً، فأمرت المقداد أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال إيش؟
طالب:.........
«يغسله فرجه ويتوضأ»، فدل على أنه ناقض للوضوء، وهذا محل اتفاق ما لم يكن دائمًا يشق التحرز منه كمن حدثه دائم القيء لا يوجد ما يدل على أنه ناقض للوضوء، الرعاف كذلك إلا عند من يقول: إن الخارج الفاحش النجس من البدن ينقض الوضوء، والدم عند الجمهور نجس، عند الجمهور نجس، وإن كان باستثناء دم الحيض والدم المسفوح ما عدا ذلك لا يوجد ما يدل على نجاسته، لكن الجمهور على نجاسة القلس، إذا كان القيء غير ناقض للوضوء، فالقلس من باب أولى.
وعلى كل حال الحديث ضعيف، الحديث ضعيف. أشار الحافظ إلى ضعفه قال: "وضعفه الشافعي وأحمد والدارقطني" ويلاحِظ طلاب العلم أن الأئمة بدءًا من الكبار كأحمد وغيره وأصحاب السنن يذكرون في كتبهم الأحاديث الصحيحة والحسنة والضعيفة، بل قد يذكرون المنكر والمتروك، بل ذكر بعضهم بعض الموضوعات، وذكرهم لها من باب معرفتها في السابق تبرأ الذمة والعهدة بمجرد ذكر الإسناد، يعني الخلاف في وجود موضوعات في مسند أحمد قد يقول قائل: الإمام أحمد إمام أهل السنة يحفظ سبعمائة ألف حديث، ويذكر في مسنده الذي لا يعادل خمسة بالمائة من محفوظاته كم؟
طالب:.........
نعم، لو نسبنا ثلاثين ألفًا إلى ستمائة قل خمسة بالمائة، خمسة بالمائة، ويذكر فيه موضوعات، الترمذي ذكر، ابن ماجه ذكر موضوعات، وغيرهم من باب أولى باستثناء الصحيحين، سنن أبي داود لا يذكر فيه شيء، مع النسائي إلا عند من شدد في الحكم على بعض الأحاديث كابن الجوزي.
المقصود أنه قد يقول قائل: لماذا إمام أهل السنة الذي يحفظ من السنة هل يخفى عليه أن هذه الأحاديث موضوعة؟
لا يخفى عليه، لكن في عصرهم تبرأ الذمة بذكر الإسناد، تبرأ الذمة بذكر الإسناد؛ لأن الزمن زمن إسناد، والسامع والقارئ والمحدِّث والمتلقي كلهم يعرفون أن هذا الحديث جاء من هذه الطريق، إذًا لا يثبت فتبرأ الذمة، لكن هل تبرأ الذمة الآن بمجرد الإسناد؟
لا تبرأ الذمة بمجرد الإسناد، بل لا بد من ذكر درجة الحديث، فإما أن يقال: صحيح إن كان صحيحًا، أو يقال: حسن إن كان بين بين، وإن كان ضعيفًا نُصّ على ضعفه، وإن كان موضوعًا لا يثبت لا بد أن يبيَّن أنه موضوع، وهل يكفي في هذه الأيام أن يسوق الخطيب حديثًا موضوعًا ويقول: هذا حديث موضوع؟
يكفي لعامة الناس أن يقال مثل هذا؟ لا يكفي؛ لأنهم لا يعرفون عن حقيقة الموضوع، لا يعرفون حقيقة الموضوع، بل لا بد أن يبين أنه مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا بد من هذا، الحافظ العراقي حكم على حديث بأنه لا أصل له، مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام- مختلق مصنوع، اعترض واحد من شيوخ العجم، اعترض وقال: كيف تقول يا شيخ مكذوب، وهو موجود في كتب السنة بالإسناد؟ قال: هات، فأحضره من الغد من كتاب الموضوعات لابن الجوزي بإسناده ذكره ابن الجوزي بإسناده، يعني تعجبوا من كونه لا يعرف الموضوع، وعلى هذا بعد كم سنة، بعد كم قرن؟
يعني الحافظ العراقي في أول التاسع، يعني ثمانمائة وستة، وبيننا وبينه أكثر من ستمائة وعشرين سنة، بيننا وبينه ستمائة وعشرون سنة، ستة قرون، فنحتاج إلى مزيد من الإيضاح والبيان هذا إذا قلنا: إن مثل هذه الأحاديث الموضوعة المكذوبة تقال للعامة، لكن لا يمنع إذا بُيِّن أنها مكذوبة مفتراة على النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"وعن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ»، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم، فتوضأ من لحوم الإبل»، قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم»، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: «لا» رواه مسلم."
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت، إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ»" فرد الأمر إلى مشيئته، وعلى هذا هو مخير إذا أكل من لحم الغنم، والغنم يشمل الضأن والمعز ومثل الغنم البقر إن توضأ فلا بأس، وإن لم يتوضأ فلا بأس، مع أنه جاء في أول الأمر الأمر بالوضوء مما مست النار، الأمر بالوضوء مما مست النار، ولحم الغنم تمسه النار، ولذا أشكل على هذا الرجل أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ»، فرده إلى مشيئته، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم» قال: «نعم»، الآن لحم الغنم موجِب أم غير موجِب؟
غير موجب، لو أن شخصًا توضأ وضوءًا شرعيًّا كاملاً، ثم أكل شيئًا لا يوجب الوضوء، أكل خبزًا مثلاً، ثم قام فتوضأ، الآن لو توضأ وضوءًا كاملاً، ثم أكل لحم غنم، خلونا مع الحديث أولاً، ثم قام فتوضأ ثانية وهو لم يعمل بوضوئه الأول أي عبادة، يُطلب لها الوضوء، له ذلك أم ليس له ذلك؟
يعني مقتضى الحديث له ذلك إن شاء توضأ، وإن شاء لم يتوضأ توضأ وضوءًا كاملاً، ولم يأكل شيئًا، ثم جاء ليتوضأ ثانية، جدد الوضوء وهو لم يفعل لم يصنع بوضوئه الأول أي عبادة يطلب لها الوضوء، تجديد الوضوء من غير عبادة يعني كأنه بدل أن يغسل العضو ثلاث مرات غسله ست مرات، وحينئذ يكون قد دخل في حيز الابتداع، فإذا أعاد الوضوء ولم يفعل بالوضوء الأول أي عبادة تقتضي أو تتطلب وضوءًا كأنه غسل العضو ست مرات، ولذا يقولون: لا بد عند تجديد الوضوء أن يكون الوضوء استعمل في عبادة؛ لئلا يتذرع به بعض الموسوسين؛ لأنه إذا انتهى من الوضوء يتوضأ ثانية، وإذا توضأ ثانية يمكن أن يتوضأ ثالثة، وهكذا، والأمر في هذا لا ينتهي، طيب إذا كان الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ثم أراد أن يضيف أن يجدد الوضوء، قلنا: لا، لكن ماذا عما لو كان الوضوء مرة مرة، ثم قال: أريد أن أجدد الوضوء مرة مرة من غير أن يستعمله في عبادة، ماذا نقول له؟ له ذلك؟ له أن يتوضأ ثلاث مرات؟
نقول: هذا وضوء شرعي معتبر، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه توضأ مرة مرة، فلا بد أن تستعمل في عبادة؛ لئلا ينفتح الباب للابتداع هذا إذا لم يأكل شيئًا، لكن في حديث الباب توضأ وضوءًا شرعيًّا كاملاً ثم أكل لحم غنم ثم قال: أريد أن أتوضأ من لحم الغنم في الحديث يقول: «إن شئت» إن شئت توضأ، هذا لا إشكال فيه، لكن أكل خبزًا يتوضأ أم ما يتوضأ؟ أو نقول: كأنه لم يأكل؟ كأنه لم يأكل، أو مثل الغنم، يعني هل للإنسان أن يجدد الوضوء متى شاء؟
في أول الأمر {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [سورة المائدة:6] يقول بعضهم: إنه كل ما قمتم إلى الصلاة هذا معنى الآية عنده كل ما قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ولو كنتم متطهرين، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعله إلى فتح مكة، فصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلوات بوضوء واحد وقال: «عمدًا فعلت» بعد أن فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وصار الاتفاق على أنه يفعل بالوضوء الواحد عبادات ما لم ينتقض، وبقي التجديد تجديد الوضوء سنة عند أهل العلم، لكن التجديد من غير موجب، يعني ما فُعل به أي عبادة لا شك أن هذا يفتح بابًا للموسوسين، ولذا منعه أهل العلم؛ لأنه لا دليل عليه فيمنع هذا أكل لحم غنم قلنا: إن شئت توضأ، وإن شئت لا تتوضأ، أكل خبزًا هل نقول: هذا نرده إلى مشيئته، أو نقتصر في هذا على ما ورد؟ نعم نقتصر في هذا على ما ورد وإلا فالأصل المنع؛ لأنه على خلاف الأصل قال: «نعم، فتوضأ»، أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم، فتوضأ من لحوم الإبل توضأ من لحوم الإبل»، فدل على أن لحوم الإبل تختلف، يختلف حكمها عن لحوم الغنم، وقد جاء في الباب الأمر بالوضوء مما مست النار، وجاء فيه أيضًا كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار، الحديث العام في مقابل الحديث العام الأمر بالوضوء مما مست النار في مقابل كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، فيه إشكال أم ما فيه إشكال، نقول: هذا ناسخ لذاك، عام ينسخ عامًّا، لكن ماذا عن العام المتأخر، كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، ماذا عن هذا العام المتأخر مع هذا الخاص الذي لا يدرى هل هو متأخر عنه أو متقدم عليه؟ لأن الأمرين الوضوء مما مست النار وترك الوضوء مما مست النار هذا ما فيه إشكال، آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار عام يرفع عامًّا رفعًّا كُلِّيًّا.
يبقى أن هذا الحديث وهو خاص بلحوم الإبل، يعني الظاهر من قوله: آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار أنه يدخل فيه لحم الإبل، فهو بعمومه ناسخ لجميع ما مست النار بما في ذلك لحم الإبل وهو آخر الأمرين، فيكون رافعًا للحكم بالكلية.
المسألة دقيقة يا إخوان؛ لأن عندنا تعارض عموم متأخر مع خصوص متقدم؛ لأن من أهل العلم في باب النسخ من يستثني النص الخاص ولو كان متقدمًا؛ لأن التنصيص عليه بخصوصه يقتضي الاهتمام به، ومع هذا الاهتمام كيف يرفع حكمه؟ فعندنا عام متأخر، وخاص متقدم، هل يقوى العموم على رفع الحكم الخاص، أو يبقى الحكم الخاص والعموم يقابل العموم ويرفعه؟ يعني هل نقول: الخاص مقدَّم على العام، أو نقول: المتأخر ناسخ للمتقدم؟
ترك الوضوء مصحح عند أهل العلم عام متأخر وخاص متقدم، يعني هذا على سبيل التنزُّل وإلا ما يدرى عن حديث جابر بن سمرة، وله أيضًا شاهد من حديث جابر، فالمسألة فيها حديثان خاصان بلحوم الإبل.
خلوكم معنا يا إخوان.
عندنا عموم، والعموم هل هو في القوة بمنزلة الخصوص؟
لا، الخصوص أقوى، الخاص يقدم على العام، فهل نقول: الخاص مقدم على العام، أو نقول: متأخر ناسخ للمتقدم؟
هذه مسألة يمكن تنظيرها بمسائل، يعني ما تقدم معنا من حديث القلتين على القول بصحته مع حديث «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»، فعندنا حديث مقيَّد، حديث مقيَّد وحديث مطلَق، لكن المقيَّد بمفهومه، والمطلق بمنطوقه، فعندنا مطلق منطوق، وعندنا مقيد مفهوم، لكل واحد منهما وجه ضعف ووجه قوة، مثل ما عندنا الآن خصوص متقدم وعموم متأخر، وجه قوة ووجه ضعف في الطرفين.
مسألة ثالثة تُذكر للتوضيح، خطب النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة قبل خروجه إلى الحج وقال: «من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين» هذا متقدم، لكن فيه قَيْد القطع، وخُطبته -عليه الصلاة والسلام- بعرفة «من لم يجد النعلين فليلبس الخفين» متأخرة مع الإطلاق، وجه قوة ووجه ضعف، ماذا نرجح في المسائل الثلاث؟ لأنا عندنا العموم أضعف من الخصوص، المفهوم أضعف من المنطوق، المطلق أضعف من المقيَّد، فالتنظير للمسائل يوضح مسألتنا، ويكشفها، خلونا في مذهب الحنابلة في المسائل الثلاث، كوننا نتعامل مع مذهب واحد هل نجد الكلام على وتيرة واحدة ماشيًا مساقًا واحدًا وإلا اختلف في باب الماء الذي تقدم باب المياه قدموا حديث القلتين، قدموا حديث القلتين مع ما فيه من كلام، الكلام في تصحيحه وتضعيفه، لكن على فرض على القول بصحته قدموا القول بالتقييد أو بإيش؟
طالب:.........
نعم، تقييد تقييد خصوص أم.. تخصيص أم تقييد؟
طالب:.........
في مقابلة العام «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»، لكن الآن هو من باب الأوصاف أم من باب الأفراد؟
أوصاف إذًا مطلق ومقيد، فيه إطلاق وتقييد، وفيه أيضًا كونه مفهومًا قدموا حديث القلتين مع كونه مفهومًا على حديث أبي سعيد «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» مع كونه منطوقًا إلا أنه مطلق، فصارت عنايتهم بالقيد أكثر من عنايتهم بالمنطوق في حديث القطع، حديث الخف، قالوا: لا قطع، قالوا: لا قطع، الحنابلة مازلنا نريد مذهبًا واحدًا؛ لأن الفقهاء كلامهم في الغالب مطرد، الفقهاء كلامهم في الغالب مطرد؛ لأنهم يمشون على أصول محددة، قلنا في حديث قدموا حديث القلتين، وهو مفهوم، على حديث «إن الماء طهور» وهو منطوق؛ لأن هذا مقيد، وذاك مطلق، نأتي إلى حديث الخفين، قدموا المطلق على المقيد، قدموا المطلق على المقيد، مع أن المطلق متأخر، المطلق متأخر نعم والمقيد متقدم، يعني عملوا بالنسخ، عملوا بالنسخ مع أن قاعدة التقييد ينبغي أن تجري هنا، لكن لماذا عدلوا عن طرد مذهبهم في القلتين؟
طالب: ...........
نعم، قالوا: إنه حضر الخطبة الثانية من لم يحضر، بل أضعاف من حضر الخطبة الأولى، وهؤلاء يحتاجون إلى بيان، فلما لم يبين الرسول -عليه الصلاة والسلام- لهم دل على أن القطع منسوخ، ودعموا ذلك بأدلة كثيرة تدل على النهي عن إضاعة المال وإتلاف المال وقطع الخف إتلاف له، فعلى هذا اطرد مذهبهم في المسألتين؟
ما اطرد، لكن وجدوا مرجحات للمسألة الأولى خلت منها المسألة الثانية، طيب نأتي إلى مسألتنا، الحنابلة ماذا يقولون؟ يقولون: ينقض الوضوء، فعملوا بالخاص رغم تقدمه، وقدموه على العام رغم تأخره، فهذا ماشٍ مع حديث القلتين ماشٍ مع حديث القلتين، وتخلَّف طرد مذهبهم في مسألة الخف، وأيدوا ذلك بأدلة هي موجودة في مطوَّلاتهم، إذًا مذهبهم مطرد، يعني لولا أن البيان لا بد منه في الموقِف؛ لأنه حضر من جميع الجهات من لم يسمع الخطبة الأولى لطردوا مذهبهم وقالوا بالقطع؛ لأن المطلق مع المقيد إذا اتفقا في الحكم والسبب يحمل المطلق على المقيد، لا بد من حمل المطلق على المقيد، الآن عورِضت هذه القاعدة بقاعدة البيان، البيان من قبله -عليه الصلاة والسلام- للناس هذه وظيفته {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [سورة النحل:44]، هذه وظيفته -عليه الصلاة والسلام-، فلما لم يبين مع الحاجة إلى البيان تبين أن الحكم الأول قد عُدِل عنه، ورُفِع.
نأتي مثلاً إلى مذهب الشافعية، نطبق عليها هذا، الشافعية يقدمون حديث القلتين، وإن كان مفهومًا ويقابله منطوق إلا أنه خاص يقابله عام، في مسألتنا الشافعية يقدمون حديثًا كان آخر الأمرين يقدمونه، فلا ينقض لحم الإبل الوضوء عندهم، كان آخر الأمرين قدموا العام على الخاص، ونظروا إلى كونه متأخرًا، والخاص فرد من أفراده والقطع قالوا بالقطع، اطرد مذهبهم أم ما اطرد؟
تطرد المسألة الأولى مع الثالثة، لكن الثانية تخلفت، يعني المفترض أن الشافعية يقولون بنقض الوضوء من لحم الإبل ليطرد؛ لأن الحنابلة اطرد إلا في مسألة واحدة، لها مرجحات، وهي القطع، مذهب الشافعية لم يطرد هنا مع عدم وجود المرجحات، يبقى أن في المسألة هذا الحديث الخاص، وله ما يشهد له، فالمرجح أن لحم الإبل ناقض للوضوء واحد يسأل يقول: نريد أن نرجح المسائل بالدلائل القطعية أحيانًا هل يتسنى هذا في كل مسألة؟ أحيانًا يكون الترجيح بالقشة واليوم يبدو لك رأي من خلال النظر تنظر في المسألة بتجرد الله يعلم أنا ما نتبع مذهبًا معينًا، لكن من خلال النظر في الأدلة يترجح غدًا ينفتح لك باب آخر، أما الترجيح بالدلائل القطعية فهذا مستحيل وأهل العلم عمومًا لو هناك دلائل قطعية ما اختلف العلماء فالترجيح بمثل هذا يكون أحيانًا، يكون بالاسترواح، يعني بالميل، يعني من خلال القواعد العامة بحيث لا تستطيع أن تقنع الخصم، لكن أن تعتقد وتدين بأن هذا راجح؛ لأنه يكثر من الإخوان، نريد الراجح، نريد الدلائل..
طالب: ...........
رجحنا العموم، هناك العموم رجحناه؛ لأنه منطوق، وقال شيخ الإسلام وغيره: إنه حديث القلتين لا مفهوم له؛ لأنه مفهوم معارَض بمنطوق هذا أو القول بصحته؛ لأن القول بأنه مضطرب معروف عند أهل العلم، فالراجح أن لحم الإبل ينقض الوضوء اللحم المراد به الأحمر؟
باعتبار الحقيقة العرفية هل يختص بالأحمر أو جميع ما حواه الجلد؟ الأحمر حقيقة اللحم العرفية الأحمر، ولذا لو قلت له مثلاً: أعطني كيلو، اشتر لي كيلو لحمًا، وراح وجاء بكرش أو مصران أو كبد أو شيء، وطلبت منه الإعادة يعيده؛ لأن حقيقته العرفية تختلف عن هذا، بينما إذا قلنا في حقيقته الشرعية أنه جميع ما حواه جلده بدليل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [سورة المائدة:3] هل يقول قائل: إن غير اللحم الأحمر من الخنزير يجوز مصارينه وكرشه وغير ذلك من الشحم مثلاً، يجوز من الخنزير لا يجوز، إذًا ما حواه الجلد في الإبل هو ما حواه الجلد في الخنزير هذا بهذا مادام الإجماع قائمًا على أن جميع ما حواه جلد الخنزير حرام، فليكن الأمر كذلك هنا؛ لأن هذه حقيقة شرعية فهمها سلف هذه الأمة على هذا الوجه فليُفهم النص الشرعي على هذا الفهم يتكلمون في القدر الناقض من لحم الإبل في القدر الناقض من لحم الإبل عامة الناس يتداولون أن الشيء اليسير لا يضر، لكن مادام يسمى لحمًا، وتنطبق عليه حقيقة اللفظ فهو ناقض للوضوء حتى قال قائلهم: إن ما يكون بين الأسنان من لحم الإبل إذا ابتلعه صح وصدق عليه أنه أكل لحم إبل؛ لأنه مؤثِّر في الصيام أيضًا لو أكل أثناء الصيام ما بين أسنانه يفطر أم ما يفطر؟
يفطر إذًا إذا أكل ما بين أسنانه تبطل طهارته، والمسألة خاصة باللحم، فلا يتناول ذلك اللبن ولا.. وإن جاء الأمر بالوضوء منه «توضؤوا من اللبن إن له لدسمًا»، والمقصود به الوضوء اللغوي الذي هو غسل الفم المضمضة.
ما أدري إيش اللي هيج الحجامة في هذه الأيام. الأسلة كثيرة عنها
طالب: ...........
المرق صحيح سؤال طيب، الآن لو طُبخ لحم خنزير، وجاء شخص يقول: التحريم خاص باللحم، المرق ما فيه شيء لما قسنا الكبد والكرش والمصارين على كرش وكبد الخنزير يقول: المرق، مرق لحم الخنزير التنصيص على اللحم، وهذا ليس بلحم إجماعًا ولا حقيقة تقول: إن هذا لحم لا لغوية ولا شرعية ولا عرفية، التحريم خاص باللحم، يعني نظير ما نقول في مرق لحم الإبل إذا طُبخ لحم الإبل في قدر الماء الذي يبقى بعد نزع اللحم كاملاً يبقى المرق هذا لا أحد يقول بأنه ينقض الوضوء.
قد يقول قائل: مادام قسنا مصران الخنزير وكبد الخنزير وكرش الخنزير، فالإبل على هذه من الخنزير لماذا لا نقيس مرق الإبل على مرق الخنزير؟
يمكن أن يتجه هذا السؤال، ممكن أن يتجه؛ لأنا قسنا هذا فلنقس هذا، نقول: مرق الخنزير ما حُرِّم لكونه لحم خنزير، إنما حُرِّم لمخالطته النجس، لمخالطته النجس، تنجس بإلقاء لحم الخنزير وبقية أجزائه به إذًا لنجاسته يجتنبه، لا لأنه لحم خنزير، ومادام لحم الإبل طاهرًا فما يخالطه طاهر، ولا يطلق عليه اسم اللحم إذًا نشربه، ولا نتوضأ، فالفرق ظاهر، بعض الناس مغرم بقضم العظام، فيه نوع من العظام يتفتت، وبعض الناس مغرم به، مع أنه زاد الجن، ومن الطرائف أن امرأة دخلها جني لبسها جني، فمع الرقية تكلم وقيل له: أنت ظلمت هذه المرأة قال: ما ظلمتها، إذا أكلت اللحم من الدجاج أخذت العظم وهو لنا بنص النبي -عليه الصلاة والسلام- «زاد إخوانكم من الجن، ويعود أوفر ما كان»، فهي المعتدية علينا، بعض الناس بالفعل يعني هذا شيء ملاحَظ، هناك عظام تتفتت، فبعض الناس إما من باب التلذذ أو من باب العبث أحيانًا، هل نقول: إن مثل هذا ينقض الوضوء وقد قلنا: إن جميع ما حواه الجلد ينقض الوضوء؟
الجواب ليس بلحم المصير لحم أم ما هو لحم؟ كيف أدخلنا المصران والكرش والكبد وقلنا: إن جمع ما حواه الجلد يسمى لحمًا قياسًاا على الخنزير؟
الآن لو أكل واحد عظم خنزير مثلاً نقول: ليس بلحم، ما يخالف، أو نقول: يمنع؛ لأنه خالط نجاسة؟ لأن عندك أمورًا مثل الظفر، والشعر، العظم، منهم من يجعلها في حكم المنفصل، في حكم المنفصل، ولا يرتب عليها أحكام المتصل، ولذا شيخ الإسلام يذهب إلى أن عظم الميتة طاهر، شعر الميتة طاهر، ظفرها وحافرها وظلفها كلها طاهرة حتى يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك إلى لبنها وأنفحتها، وهو قول الحنفية، وعلى هذا ما يقال في شعر الخنزير مثلاً طاهر أم نجس؟
طالب: ...........
لماذا؟ هم قالوا: إن الظفر والشعر في حكم المنفصل، بدليل أنه يجز في حال حياة الحيوان، ما هو حياة الحيوان الكتاب؛ لأن فيه كتابًا اسمه حياة الحيوان، أقول: يجز الشعر في حال الحيوان حي حتى ما يلتبس بالكتاب، ويستعمل ولو كان في حكم المتصل لقلنا: إنه أبين من الحي، فهو كميتته، فهو نجس، الآن لو أن عندك خروفًا، وزاد عليها الشعر، وأنت تستفيد من هذا الشعر، من هذا الصوف، فجززت الصوف بالمقص، طاهر أم نجس؟ أليست القاعدة عندهم: وما أبين من حي فهو كميتته، الشعر والظفر في حكم المنفصل، ويزيدون في هذا العظم عند الحنفية والأنفحة واللبن وغيرها، وهو اختيار شيخ الإسلام.
على كل حال بالنسبة للعظام هذا شيء نادر، والنادر ما له حكم، والذي يظهر أنه لا يدخل. "قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: «نعم»، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: «لا»" طيب مرابض الغنم التي فيها الروث والبول، والمرجَّح أن بول ما يُؤكَل لحمه ورجيعه طاهر ويستوي في هذا الغنم والإبل؛ لأنها كلها مما تؤكل، والقاعدة أن بول وروث ما يؤكل لحمه طاهر، وقد جاء في الإبل على وجه الخصوص حديث العرنيين، النبي -عليه الصلاة والسلام- بعثهم إلى إبل الصدقة، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فبولها طاهر أيضًا، طاف النبي -عليه الصلاة والسلام- على بعير، ولا يؤمَن أن يبول هذا البعير في المسجد، فدل على طهارة أبوال الإبل، ومادامت أبوالها وأرواثها طاهرة فكيف نُنهى عن الصلاة في مباركها؟
طالب:.........
نعم الشياطين، في الغالب الشياطين في الغالب تكون حول الإبل، ولذا كان أثر هذه الشياطين على الفدَّادِين أرباب الإبل ظاهر، ففيهم الغلظة والشدة، وأما السكينة والطمأنينة ففي أصحاب الغنم، فمن هذه الحيثية جاء النهي، ولذا الذي يغلب على الظن وجود شيطان فيه، المكان الذي يغلب على الظن وجود شيطان فيه ينتقل عنه، ولذا لما نام النبي -عليه الصلاة والسلام- عن صلاة الصبح انتقل من الوادي وقال: «هذا مكان حضر فيه الشيطان»، فمثل هذا ينتقل عنه، الأمر الثاني أن بعض أهل العلم يعلِّل ذلك بأنها نفورة، الإبل فيها نُفْرَة، فلا يأمن أن مع نفرتها يتأذى المصلِّي بها، وهناك شيء عند أهل العلم إذا ضاقت عليهم المسالك في البحث عن العلل والحِكَم قالوا: تعبُّد، قالوا: تعبُّد إذا لم تظهر العلة.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من غسَّل ميِّتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، ولم يذكر ابن ماجه الوضوء، وقال أبو داود: هذا منسوخ، وقال الإمام أحمد: هو موقوف على أبي هريرة، وقال البخاري: قال ابن حنبل وعلي بن المديني: لا يصح في هذا الباب شيء."
نعم، يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من غسَّل ميِّتًا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ»، «من غسل ميتًا فليغتسل»" من نظر إلى إسناده من حيث الاتصال وعدالته الرواة حكم بأنه حديث مقبول، أقل أحواله الحسن، أقل أحوال الحسن، ولذا حسنه الترمذي، ومنهم من يجعله من قبيل الصحيح، فهو ثابت عند من نظر إلى إسناده نظرًا مجردًا، «من غسل ميتا فليغتسل»، وجاء ما يعارضه مما يدل على أن الميِّت طاهر، وأن تغسيله لا يوجِب شيئًا، من أهل العلم من قال: إنه منسوخ، ونص على ذلك أبو داود في سننه.
"وقال الإمام أحمد: هو موقوف على أبي هريرة" لكن هل مثل هذا مما يقال بالرأي ليُحكَم له بالوقف؟
يعني إن صح عن أبي هريرة له حكم الرفع، يعني له حكم الرفع؛ لأن هذه أمور شرعية، لا يأمر بها إلا الشارع.
يقول "أبو داود: هذا منسوخ، وقال الإمام أحمد: هو موقوف على أبي هريرة، قال البخاري قال ابن حنبل وعلي بن المديني: لا يصح في هذا الباب شيء"، من غسله فليغتسل، يعني من باشر غسل الميت يغتسل، والاغتسال غير الغسل، فلا يمكن أن يقال: هذا اغتسال لغوي؛ لأنه إذا أصابه شيء من نجاساته مع عصره ومع تقليبه وتحريكه يغسله، وما عدا ذلك يبقى على الأصل، وأنه لا موجِب للاغتسال، « من حمله فليتوضأ» كيف؟ «من حمله فليتوضأ» يعني من حمله في سريره أو مباشرة بدون سرير، مباشرة بدون سرير، أما من حمله بالسرير فما فيه إشكال، وأنه لا يوجب الوضوء، بعضهم يقول: إن هذه الجملة «من حمله فليتوضأ» المراد حمله من بعد غسله وتغسيله إلى المسجد ليصلى عليه، فلا يذهب إلى المسجد إلا متوضئًا، ويكون معنى الفعل حمل أراد الحمل؛ لأن الفعل الماضي يقال ويراد به الفراغ من الفعل، هو الأصل في الماضي إذا قلت: جاء زيد فمعناه أنه حضر، انتهى الفعل، المجيء حصل، «إذا كبّر فكبروا»، يعني فرغ من التكبير، وهذا الأصل في الفعل الماضي، وعلى هذا يكون من حمله فليتوضأ بعد ذلك ما هو مقتضى اللفظ أو قبل أم بعد «من حمله فليتوضأ»؟
طالب:.........
طيب ماذا عندنا؟
أقول: الفعل الماضي الأصل فيه أنه يعبر به عن الفراغ والانتهاء منه؛ لأنه في زمن مضى وقوعه، في زمن مضى من حمله فليتوضأ، يعني بعد الحمل يتوضأ، هذا الأصل في الماضي، لكن يرد الفعل الماضي ويراد به الشروع في الشيء، هل نقول: إذا شرع في حمله يتوضأ كما نقول في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «وإذا ركع فاركعوا» إذا شرع في الركوع اركعوا، أو نقول الاحتمال الثالث إذا أراد حمله فليتوضأ؛ لأن الفعل الماضي يطلق ويراد به إرادة الفعل، كما في قوله- جل وعلا-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [سورة المائدة:6]، إذا أردتم القيام إلى الصلاة، فإذا قرأت القرآن يعني أردت القراءة، هل نقول: إذا أردت حمل الميت فتوضأ، إذا أردت تغسيل الميت فاغتسل؟ منهم من نص على الحمل على وجه الخصوص أن يتوضأ قبل ذلك؛ لئلا يضطر أنه إذا حمله ووضعه في المسجد يخرج عن المسجد ليتوضأ، فتفوته الصلاة على الميت، هذا قريب أم بعيد؟ قريب أم بعيد؟ وكل هذا على القول بثبوت الخبر وإلا عرفنا قول أحمد بن حنبل وعلي بن المديني لا يصح في هذا الباب شيء، وضعفه جمع من أهل العلم، لكن هذا على القول بثبوته لا بد من تأويله، منهم من قال: الوضوء لغوي، الوضوء لغوي، يغسل يديه ولا عليه شيء، وضوء لغوي.
وعلى كل حال الحديث لا يثبت، فالمرجح ضعفه، المرجح ضعفه، ولا يصح في هذا الباب شيء، لكن باعتبار أن الحديث مختَلَف في ثبوته وعدم ثبوته، هل نقول مثل ما قال بعض أهل العلم: إذا وُجِد نص بهذه المثابة أورث عندنا توقُّفًا في الحكم بحيث لا نعامِل هذا الخبر معاملة الثابت الذي لا شك في ثبوته، ونحمله على أصله من اقتضاء لام الأمر الوجوب، فإذا كان الخبر محل تردد فنقول: الأمر للاستحباب، وإذا كان نهيًا قلنا: النهي للكراهة؛ خشية أن يثبت هذا الخبر، خشية أن يثبت هذا الخبر، ويكون العمل به من باب الاحتياط، وقل مثل هذا فيما اختلف أهل العلم في مسألة بين موجِب ومستحِب ومبيح نقول: يستحب العمل به خروجًا من الخلاف، هذه قاعدة عند أهل العلم يذكرونها كثيرًا، فمثل هذا خشية من ثبوته يستحب لمن غسل ميتًا أن يغتسل ولمن حمله أن يتوضأ.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"