كتاب البيوع من المحرر في الحديث - 02
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فلايزال الكلام على حديث جابر في قصة جمله التي أخرجها البخاري في صحيحه في أكثر من عشرين موطنًا، واستنبط منها أحكامًا كثيرة، وخرجها أيضًا مسلم وغيرهما من أئمة السنة في دواوين الإسلام.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعنه -رضي الله عنه- أنه كان يسير على جمل له قد أعيى فأراد أن يسيبه، قال: فلحقني رسول الله، فلحقني النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلحقني النبي -صلى الله عليه وسلم"- سبق اللسان إلى فلحقني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والذي هو مثبت في الكتاب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإبدال النبي بالرسول والرسول بالنبي في هذا الموضع لا إشكال فيه؛ لأن الحديث عن ذاته -عليه الصلاة والسلام-، وذاته لا تختلف إذا وصف بكونه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن التقيد بما في الكتب هو الأولى والأحوط، أما إذا سيق مساقًا آخر فالرسالة لها دلالتها، والنبوة لها دلالتها، كما في حديث الذكر المشهور في النوم بنبيك الذي أرسلت ثم قال الصحابي: ورسولك الذي أرسلت، قال: لا، نبيك الذي أرسلت؛ لأن النبوة لها دلالتها، والرسالة لها معناها، أما في مثل هذا: لحقني النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو لحقني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو قال النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يختلف الحكم؛ لأن الحديث عن ذاته -عليه الصلاة والسلام-، وذاته لا تختلف بوصف.
يقول: "فلحقني النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعا لي وضربه فسار سيرًا لم يسر مثله" تحدثنا طويلاً في هذه الجمل.
"ثم قال: «بعنيه بأوقية»"، واختلفت الروايات اختلافًا كثيرًا متباينًا في قيمة الجمل، وعلى كل حال الذي أثبته ورجحه البخاري أنها أوقية.
"قلت: لا"، عرفنا أنه ليس من مثل قوله: لا، سوء أدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن المسألة حقوق وبيع وشراء، لكن لما كرر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال: لا، "ثم قال: بعنيه فبعته بأوقية" عرفنا أن الأوقية أربعون درهمًا؛ لأن النصاب في الفضة خمس أواقٍ، وهي مائتا درهم، كما جاء في بعض الروايات.
"واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي" فهذا فيه بيع وشرط، وهو مخالف لما جاء في النهي عن الثنيى، لكنه جاء في بعض الروايات: إلا أن تُعلَم، وهذه معلومة، ثنيى معلومة، استثنيت حملانه إلى أهلي، فالمسافة معلومة من مكان الشراء إلى أهله بالمدينة، فالثنيى معلومة أيضًا، هو مخالف لحديث: نهى عن بيع وشرط.
وبدأنا الحديث في مثل هذا وقلنا: إن من أهل العلم من يرى أن المراد به الشرط المخالف لما جاء في كتاب الله، كما جاء في حديث عائشة في قصة بريرة أو الشرط المنافي لمقتضى العقد، ومثل هذا الشرط الذي اشترطه جابر لا ينافي مقتضى العقد، ومثله فيما قاله أهل العلم إذا اشترى ثوبًا واشترط عليه تفصيله وخياطته، أو اشترى حطبًا واشترط عليه تكسيره وحمله، قال: هذه الشروط لا إشكال فيها، مع أن من أهل العلم من يمنعها، وهو المشهور عند الحنفية والشافعية، والإمام مالك يقول: إذا كان هذا الاشتراط شيئًا يسيرًا، هذا الاشتراط شيئًا يسيرًا لا وقع له في الثمن فهذا أمره سهل، أما إذا كان كثيرًا له وقع في الثمن فإنه يؤثر؛ لحديث: نهى عن بيع وشرط.
من أهل العلم من يقول: إن قصة جابر في جمله واستثناءه حملانه إلى أهله هذه قضية عين، يعتريها ما يعتريها من الاحتمالات، بخلاف نهى عن بيع وشرط، ومنهم من يقول: إن مثل هذا خاص ونهى عن بيع وشرط عام فالخاص يقدَّم على العام، فمثل هذا الشرط وما يجري مجراه من الشروط والاستثناءات المعلومة تخص من حديث نهى عن بيع وشرط أيضًا حديث نهى عن بيع وشرط لا يسلم من مقال عند بعض أهل العلم، وحديث جابر في قصة بيعه جمله عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مخرجة في الصحيحين وغيرهما نهى عن بيع وشرط مختلف في تصحيح الخبر الوارد في ذلك، ولا شك أن ما في الصحيحين أصح وأرجح مما في سواهما.
على كل حال الكلام في هذا يطول لأهل العلم، وإذا كان الشرط معلومًا، والاستثناء معلوم، وهو شيء يسير، يعني لا يمكن أن يقال: إن هذا الشرط، وهذا الاستثناء وقعه في الثمن أكثر من قيمة البيع المتفق عليه كما يقول المالكية فإن الأمر هذا فيه سهل، الصور التي ذكرناها بالأمس فيما إذا كان العقد مشتملًا على ما يجوز وما لا يجوز، على ما يجوز وما لا يجوز مثل ما قلنا في الكتاب الموقوف إذا جُلِّد ثم بيع، وتذرع البائع أنه باع الجلد، ما باع الكتاب قلنا في هذا: إن أخذ قيمة للكتاب فهذه حيلة، وإن لم يأخذ قيمة إلا قيمة التجليد إذا قلنا: الكتاب بألف، وتجليده بثلاثين، أربعين، خمسين ريالًا قلنا صحيح، إنما باع التجليد، يرد على هذا ما هو أشد من ذلك وهذا موجود وقائم، كتاب وقف وقع بيد عالم فعلّق عليه حاشية فبدلاً من أن تكون قيمة الكتاب ألفًا باعه بخمسين ألفًا من أجل الحاشية القلمية التي كتبها عليه، هل نقول: إن هذا باع كتاب وقف أو باع الحاشية؟
طالب: ........
لا، أمور مشكلة لا بد من النظر إليها بدقة على ضوء ما جاء في النصوص؛ لأنه يقع هذا، تجد كتابًا موقوفًا يقع بيد عالم، ثم يكتب عليه حاشية ويبيعه بمائة ضعف من قيمة الكتاب الأصلي الموقوف، لا شك أن هذا مشكِل؛ لأن الموقوف جزء من المبيع، ولا يمكن فصله عنه، لا يمكن فصله عنه، فهذا محل إشكال، والورع ألا يحصل مثل هذا، لكن إذا باعه قال: أنا بعت الحاشية، وإذا اتفقنا على الثمن حسمنا قيمة الكتاب الأصلي، فيرجى ألا يكون به بأس، فنقول إنه باع الحاشية، ولم يبع الكتاب، يعني هل بيع الحاشية ذريعة إلى بيع الكتاب الموقوف؟
لا، ليست بذريعة.
قال: "فلما بلغت أتيته بالجمل" بلغت ما اتفقنا عليه من الشرط وهو حملانه إلى أهله، لما بلغت يعني الغاية التي اشترط الحملان إليه أتيته بالجمل.
"فنقدني ثمنه" أوقية أربعين درهمًا، "ثم رجعتُ فأرسل في أثري" أرسل من يكون في أثري من خلفي، أرسل رجلاً يدعوني، "فقال -عليه الصلاة والسلام-: «أتراني ماكستك؟»" يعني حاورتك في قيمة الجمل وفي بيع الجمل أصلاً؛ لأن جابرًا ما عرضه للبيع، إنما طلب النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يشتريه، وحدد الثمن، «أتراني ماكستك؟» حاورتك، كلمتك، المماكسة المحاورة والمكالمة من أجل خفض الثمن والحط منه، «أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ أتراني ماكستك لآخذ جملك ودراهمك؟» ودراهمك يعني القدر النازل من قيمته الحقيقية احتمال أن يكون هذا الجمل يستحق أوقيتين أو ثلاثًا، فلما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: بعنيه بأوقية، هذا القدر النازل من قيمته الحقيقية هل كانت هدفًا للنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ «أتراني ماكستك لآخذ جملك ودراهمك؟» هو ما أخذ دراهمه، إنما أخذ القدر والفرق بين ما حدده -عليه الصلاة والسلام- وبين القيمة الحقيقية للجمل.
«أتراني ماكستك لآخذ جملك ودراهمك؟ خذ جملك ودراهمك، خذ جملك ودراهمك فهو لك»، ولا شك أن هذا مما جبل عليه -عليه الصلاة والسلام- من كريم الأخلاق وحسن السجايا والطباع، فهو كما قال كما قالت عائشة: خلقه القرآن، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [سورة القلم:4]، «خذ جملك ودراهمك فهو لك»، ما أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يشتريه لحاجة إليه أو أن يتاجر مع أن هذا من الأمور المباحة، لكن يبقى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعامل الناس بالفضل، يعامل الناس بالفضل.
"متفق عليهما، واللفظ لمسلم.
وعنه -رضي الله عنه- قال: أعتق رجل منا عبدًا له عن دبر، أعتق رجل منا عبدًا له عن دبر" وجابر أنصاري، وقوله: منا، يعني من الأنصار مع الخلاف في كونه أنصاريًّا أو لا، مع أن قوله: منا يعني بأي وصف يمكن أن ينسب إليه لا يلزم أن يكون من أنفسهم.
"أعتق رجل منا عبدًا له عن دبر" يعني بعد وفاته دبر حياته، بعد موته، وهذا الذي يسميه أهل العلم المدبَّر هو الذي يعلَّق عتقه بالموت، يعلَّق عتقه بموت المعتِق.
"أعتق رجل منا عبدًا له عن دبر، فدعا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- به فباعه، فباعه" التدبير حكمه حكم الوصية، لا يثبت إلا بالموت، وقبل الموت يمكن التصرف فيه قبل الموت يمكن التصرف، فيه بخلاف العتق المنجَز، والوقف المنجَز، فإنه لا يجوز التصرف فيه إلا لمعارِض راجح أن يكون مدينًا ثم يعتق جميع ما يملك، أو يتصدق بجميع ما يملك، هذا لا ليس له ذلك، إنما له التصرف بالثلث، التصرف بالثلث هنا.
"أعتق رجل منا عبدًا له من دبر" في بعض الروايات أنه ليس له مال غيره، "فدعا النبي -عليه الصلاة والسلام- به فباعه" ورد قيمته على صاحبه، وجاء في بعض الأحاديث أن رجلاً أعتق ستة أعبد، فأعتق النبي -عليه الصلاة والسلام- اثنين الذي هو الثلث، ورد عليه أربعًا، فليس له أن يتصرف بأكثر من الثلث في الوصية وما في حكمه، وفي هذا دليل على جواز بيع المدبَّر، وأن المدبر حكمه حكم الوصية؛ لأن الوصية لا تثبت إلا بالموت، والتدبير لا يثبت إلا بالموت؛ لأنه عُلِّق على موت المعتِق.
"متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه-" أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري سكن بدرًا فنُسِب إليها، ولم يشهدها في قول جمهور أهل السير ما شهد بدرًا، وإنما سكنها فنسب إليها، وإن أثبته الإمام البخاري في البدريين.
"رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن، نهى عن ثمن الكلب"؛ لأنه ليس بمال، ولأنه غير مباح النفع إلا لحاجة، ويشترط في العين في السلعة التي تباع أن تكون مباحة النفع بلا حاجة، يعني لا يربط نفعها بالحاجة، أما إذا ارتبط نفعها بالحاجة كالكلب فإنه نهي عن اقتنائه، والذي اقتنى كلبًا ينقص من أجره كل يوم قيراط إلا ما استثني كلب الزرع، كلب الصيد، كلب الماشية، هذا مستثنى، فنفعه للحاجة، وليس بمطرد، لذا فلا يجوز بيعه، وصح النهي عن ثمنه.
"ومهر البغي" البغي الزانية، ومهرها ما تأخذه في مقابل الزنى، طيب من احتاج كلب صيد، من احتاج كل صيد ولم يستطع الحصول عليه إلا بالشراء أمسكه صاحبه وقال: أنا ما أعطيك مجانًا، نهى عن ثمن الكلب، لكن أنا مثل ما تحتاج أنا أحتاج، كيف يحصل على كلب صيد أو كلب زرع أو كلب ماشية، الكلاب المأذون باقتنائها، وهي لا يجوز بيعها؟ ونظير ذلك المصحف، كل مسلم محتاج إلى مصحف ممن يقرأ يحتاج إلى مصحف يقرأ فيه، قالوا: لا يجوز بيع المصحف؛ لأن بيعه ابتذال وامتهان له ومساواة له بالسلع الأخرى، وهذا معروف عند الحنابلة وجمع من أهل العلم أنه لا يجوز بيعه، لكن المحتاج قالوا: من يحتاج يجوز له أن يشتري، يرخص له في الشراء، وحينئذ المنع للبائع، والإذن للمشتري؛ لوجود الحاجة، ومثل هذا في الكلب المأذون باقتنائه إذا لم تجد كلبًا وأنت محتاج له، بما أذن لك فيه تبذل قيمته، والإثم على البائع.
ويتفرع عن هذا مسائل كثيرة: هل يجوز للإنسان أن يقتني كلبًا ليعلمه أو يربي جروًا ليصير كلب صيد مثلاً؟
أصل الإمساك محرم، لكن كيف يتوصل إلى أن يكون الكلب نافعًا مأذونًا في اقتنائه؟ لا بد أن يمر على مرحلة من مراحل التعليم والتربية؛ ليكون مكلَّبا.
على كل حال مثل هذه الفروع تطول، وهي موجودة بالتفصيل في كتب الشروح المطولة، فتح الباري وغيره وأيضًا في كتب الفروع.
ومهر البغي ما تأخذه الزانية في مقابل الزنا، وهذا حرام بالإجماع، حرام دفعه، وحرام أخذه؛ لأن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه، والزنا كما هو معلوم من عظائم الأمور ومن الكبائر، {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [سورة الفرقان:68] جعله في مرتبة بعد الشرك وقتل النفس، لا شك أنه محرم في جميع الشرائع، اتفقت الشرائع على تحريمه، فلا يجوز أخذ العوض عليه، وسمي مهرًا؛ تشبيهًا له بالمهر الذي يدفعه من أراد الزواج من امرأة فإنه يصدقها ويدفع لها مهرًا في مقابل الزواج بها، ومهر البغي، طيب بغي تابت، أخذت من الناس أموالًا في مقابل الفاحشة، ثم تابت بعد ذلك، يقول أهل العلم: لا يجوز لها أن تعيد المال إلى أربابه من الزناة؛ لأنه دفعه بطيب نفس منه، فلا يجوز لها أن تعيدها إليه وتعينه على ما يريده من الفواحش، كما أنها لا يجوز لها أن تبني جسدها عليه؛ لأنه سحت، وكل جسد نبت على سحت فالنار أولى به، كما أنه لا يجوز لها أن تتصدق به؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ماذا تصنع به؟
جاء كسب الحجام خبيث، مهر البغي خبيث، وحلوان الكاهن خبيث، وقال للحجام: أطعمه ناضحك، فيصرف مثل هذه الأموال التي وصفت بهذا الخبث مع أنها متفاوتة، يعني هل يقال: إن كسب الحجام مثل مهر البغي أو مثل حلوان الكاهن؟ لا، النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحجام، أعطى أبا طيبة، فلا يقال: إن هذا مثل هذا، لكن قال: أطعمه ناضحك من باب التورع من هذا المال البذيء الذي ليس بطيب، فالخبيث لا شك أن الخبث مراتب، منها ما يقابل الحلال {يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}، ولا شك أن مهر البغي خبيث بهذا المعنى، وحلوان الكاهن خبيث بهذا المعنى، وأما كسب الحجام فإنه خبيث، لكنه ليس بهذا المعنى المقابل للطيب المباح، {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ} [سورة البقرة:267]، كسب الحجام الخبيث يعني رديء، {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ} [سورة البقرة:267] يعني الرديء، وإن كان صالحًا للاستعمال.
وعلى هذا لو أن إنسانًا عنده أنواع من التمر منها الفاخر جدًّا، ومنها المتوسط، ومنها الدون، النوع الثالث الذي هو الأقل بالنسبة للطيب، ومرد ذلك إذا كنت أسلمت في تمر بصفة معلومة من النوع الجيد، وأعطاك من الأقل، من الرديء، هل تقبله أم ما تقبله؟ تقبله أم ما تقبله؟ سلم، اشترطت عليه نوعًا معيَّنًا من الأنواع الفاخرة من التمر، ثم جاء لك بنوع أقل تقبل أم ما تقبل؟ {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [سورة البقرة:267]، ما تأخذه إلا إذا غلب على ظنك أنه ما عنده شيء، سيذهب مالك، ما عنده شيء فمثل هذا وهو صالح للاستعمال وصالح للأكل، ويتصدق به، لكن ينبغي أن يكون المنفَق من أطيب المال، {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [سورة آل عمران:92]، فالرديء في مقابل الطيب يمكن أن يسمى خبيثًا، ويدخل فيه {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [سورة البقرة:267]، فالخبث متفاوت، الخبث متفاوت مهر البغي خبيث من أشد أنواع الخبائث.
وكذلك "حلوان الكاهن"، وهو ما يأخذه الكاهن في مقابل كهانته، وسمي حلوانًا؛ لأنه حلو مال يأتي من غير تعب بنصب واحتيال، يخبره عن شيء، ثم يأخذ مقابله مالًا، هذا حلو سهل يأتي بغير تعب، ما هو مثل الكد والتعب مثل شخص بناء يأخذ أجرته في اليوم يشتغل عشر ساعات، ثم يأخذ يقال: هذا حلوان يأخذه بتعب، لكن الشيء الذي تأخذه من غير تعب يكون حلوًا في تقديرك، ومنه حلوان الكاهن، وما يأخذه في مقابل كهانته وسمي حلوانًا؛ لأنه يرد على صاحبه من دون تعب.
"وعن أبي الزبير قال: سألتُ جابرًا عن ثمن الكلب والسنور، سألت جابرًا عن ثمن الكلب والسنور فقال: زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذاك، رواه مسلم".
وهذا من رواية أبي الزبير عن جابر، ومعلوم أن أبا الزبير مدلِّس، ويروي عن جابر كثيرًا في صحيح مسلم، وخرّج له مسلم بصيغة العنعنة، وهو مدلِّس، وما خرِّج له في الصحيح لا كلام فيه، لا كلام فيه، ليس لأحد أن يتكلم في حديث مخرج في الصحيحين، أما ما يرويه أبو الزبير عن جابر خارج الصحيحين فهذا لا بد أن يصرح فيه أبو الزبير بالتحديث عن جابر، وفي حديثنا هذا صرح أبو الزبير بالتحديث قال: سألت جابرًا يحتمل واسطة؟
ما يحتمل واسطة.
"سألت جابرًا عن ثمن الكلب والسنور فقال: زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذاك، رواه مسلم" يعني نهى ونهى بشدة الزجر النهي بشدة ثمن الكلب مثل ما في الحديث السابق نهى عن ثمن الكلب والسنور وهو الهر القط لا يجوز بيعه؛ لأنه ليس فيه منفعة مرسلة مطلقة إلا لحاجة أن يكون يحتاج إليه أصحاب البيوت لأكل الفئران مثلاً والخشاش المؤذي، لكن هذه المنفعة هل هي مطلقة مرسلة أو مثل منفعة الكلب لحاجة، ومن شرط صحة بيع السلعة أن تكون مباحة النفع بغير حاجة.
"فقال: زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذاك، رواه مسلم" في بعض المحلات التي تعتني بالحيوانات يبيعون كل شيء ولا يتورعون عن بيع شيء، ومع الأسف أنه توجد في بلدان المسلمين مع هذه النصوص الصحيحة الصريحة، ولا يجدون من ينكر عليهم، الهر يباع في بعض المحلات، والكلب يباع، وغيرهما من الحيوانات تباع، وعلى مثل هؤلاء أن يتقوا الله- جل وعلا- نهى عن ثمن الكلب، ونهى عن ثمن الكلب والسنور، وكلها لا يجوز بيعها وقلنا: إنه إذا احتاجها الإنسان لمنفعتها المقرونة بالحاجة فإنه حينئذ يرخَّص له أن يشتري، لكن البائع لا يرخص له في البيع ألبتة فقال: زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذاك بهذا يخرج مثل هذا مثل هذه الصور عن القواعد ما حرم أخذه حرم دفعه، ما حرم أخذه حرم دفعه، «لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ» يستثنى من ذلك ما يحتاجه الإنسان مما لا يجوز بيعه مثل ما قلنا في الكلب والسنور.
"فقال: زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذاك، رواه مسلم.
وعنه -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن ثمن السنور والكلب إلا كلب صيد، إلا كلب صيد"، هذا الاستثناء المخرَّج في النسائي وغيره عند النسائي وقال النسائي: "ليس هو بصحيح" ليس بصحيح نهى عن ثمن السنور والكلب، هذا صحيح، لكن الاستثناء إلا كلب صيد فإنه ليس بصحيح، ونص النسائي على عدم صحته وضعفه، وضعفه كثير من المحدثين، وفي العلل الكبير للترمذي أنه سأل عنه الإمام البخاري فقال: هو منكر، وكذلك أبو حاتم الرازي وغيرهما من الأئمة حكموا عليه بأنه ليس بصحيح بل منكر، لفظ منكر، وزيادة منكرة في الحديث والمحفوظ الإطلاق، المحفوظ العموم، عموم الكلاب، نهى عن بيع الكلب مطلقًا، وهذا الاستثناء التخصيص بالاستثناء ضعيف، وممن ضعفه من أخرجه وهو الإمام النسائي، وهو إمام من أئمة الحديث معلِّل، يعني له يد طولى في علل الحديث.
"رواه النسائي، وقال: ليس هو بصحيح.
وعن ميمونة -رضي الله عنها-" أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث "وعن ميمونة -رضي الله عنها- أن فأرة وقعت في سمن فماتت فيه، فماتت فيه، فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: «ألقوها وما حولها»، رواه البخاري، وعند أبي داود والطيالسي وأحمد والنسائي: في سمن جامد، وفي هذه الزيادة نظر.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه» رواه أحمد وأبو داود وقال البخاري: هو خطأ، وقال الترمذي: هو حديث غير محفوظ، وقال أبو حاتم: هو وهم".
حديث ميمونة المخرج في البخاري ليس فيه تفريق بين المائع والجامد، "وقعت في سمن فماتت فيه فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: «ألقوها وما حولها وكلوه»، رواه البخاري، وعند أبي داود الطيالسي وأحمد والنسائي: بسمن جامد، وفي هذه الزيادة نظر"، وحكم عليها الحفاظ كما سيأتي في حديث أبي هريرة بأنها غير محفوظة، يعني شاذة أولاً بالنسبة لسندها فيه كلام لأهل العلم وأيضًا متنها فيه نكارة، متن هذا الخبر فيه نكارة، التفريق بين الجامد والمائع من حيث اللفظ فيه نكارة، كيف؟
سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عنها وقعت في سمن فماتت فيها، فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: «ألقوها وما حولها وكلوه» إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد تموت أم ما تموت؟ أصلاً ما تغوص ما تغوص كيف تموت وهي ما تغاص؟
طالب: ........
لا، ما هو هذا المقصود، ما هو هذا المقصود، هي وقعت في السمن المائع وغاصت فيه فحاست، حاست وماتت، الجزء الذي ماتت فيه قبل موتها تؤثر أم ما تؤثر قبل موتها، يعني هل هي نجسة العين؟ ليست بنجسة، فحركتها في داخل السمن المائع قبل موتها ما فيه إشكال لو خرجت نقول: ألقوه، لا، لكن ماتت في وسطه الجزء الذي ماتت فيه هذا يلقى وما حوله؛ لأنها إذا ماتت انتهت حركتها، وأمكن معرفة الجزء الذي ماتت فيه فتلقى وما حولها، هذا إذا كان مائعًا فما القدر الذي يلقى معها إذا ماتت ما فيه تحديد؟ كيف يقدَّر هذا القدر أنه حولها يعني القدر الذي يغطي جسدها، وقدره بعضهم بالقبضة من السمن، أما إذا وقعت في سمن جامد مثل ما قلنا: إنها لا تغاص ولا تموت، لا تغوص فيه، ولا تموت، وهذا هو مرد نكاردة المتن، ولذا في البخاري ما فيه التفريق بين المائع والجامد؛ لأن الجامد لا يمكن أن يرد؛ لأنها لا يمكن أن تغوص.
"وعند أبي داود الطيالسي وأحمد والنسائي: بسمن جامد" طيب إذا كان مائعًا، سمنًا جامدًا في حديث أبي هريرة مثلاً يقول: «إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه» يعني كله لماذا؟
لأنها تحركت فيه، وجالت فيه بجميع نواحيه مثل هذا لا يقرب، وهذا مبني على أنها نجسة إذًا كيف نفرق بينها في حال الحياة وفي حال الموت طبعًا حديث أبي هريرة «إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه»، يعني سواء ماتت أو لم تمت، يعني سواء ماتت أو لم تمت ألقوها فلا تقربوه إن كان مائعًا؛ لأنها نجسة العين على هذا فلا تقرب فلا يقرب السمن بالكلية يلقى، فإن كان جامدًا فألقوها وما حولها إذا كان جامدًا فإنها لا تؤثر فيما بعد عنها، أما ما قرب منها فهي تؤثر فيه، وليس فيه التنصيص على أنها ماتت أو لم تمت بخلاف حديث ميمونة، حديث ميمونة يفرق بينها في حال الحياة، وفي حال الموت في حال الحياة طاهرة ما تؤثر، وفي حال الموت يفرق بين الجامد والمائع على الرواية الأخيرة وقلنا: إنها منكرة، ولا فرق بينهما؛ لأنه لا يمكن أن يرد الجامد في حديث ميمونة، ولذلك أضرب عنها عن هذه اللفظة الإمام البخاري؛ لعدم ثبوتها وعدم صحتها، الحديث الأول حديث ميمونة يفرق بين حال الحياة وحال الموت، فحال الحياة لا يؤثر، وحال الموت يؤثر، فهي تنجس بالموت بالاتفاق وفي حديث أبي هريرة لا فرق؛ لأنها نجسة في حال الحياة، وفي حال الموت، وعرفنا أن الرواية الأولى في حديث ميمونة هي المحفوظة، وما عداها من الرواية الأخرى التي تفرق بين المائع والجامد في حديث ميمونة هذه شاذة، وكذلك حديث أبي هريرة شاذ سندًا ومتنًا، شاذ سندًا ومتنًا، عرفنا في الرواية الأولى في حديث ميمونة التقييد بالجامد، كذلك شاذ سندًا ومتنًا، وعرفنا سبب شذوذ المتن؛ أما حديث أبي هريرة فشذوذ متنه أنه لم يفرق بينه وقوعها دون موت فيه وبين وقوعها مع الموت هذا سبب الشذوذ؛ لأنها طاهرة العين، ولم يختلف فيها أهل العلم، أهل العلم يقولون: سؤر سؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر، سؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر، يعني بقية الشيء الذي تأكل منه وتشرب منه، يعني الفأرة إذا أكلت من شيء يتأثر؟ ما يتأثر، الهرة إذا شربت من ماء يتأثر «إنَّهَا لَيسَتْ بِنَجِسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَوّافِينَ عَلَيْكُمْ والطوَّافَاتِ»، والفأرة من باب أولى، لماذا قيدوا الحديث ورد في الهرة؟ لماذا قيدوا ما دون الهرة بخلاف ما فوقها في الخلقة العلماء الفقهاء يقولون: سؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر، نعم ما دونها لا يمكن التحرز منه الفأرة الهرة من الطوافين كما جاء في الحديث لا يمكن التحرز منها، والفأرة وما شابهها في الخلقة من باب أولى لا يمكن أن تغلق الأبواب دون الفأرة.
نعم الآن الأبواب محكمة الإغلاق، لكن مع ذلك هل يجزم الإنسان مع إحكامه للأبواب أنه لا يوجد فأر في بيته؟!
لا يجزم، لكن لو عندك حيوان أكبر من الهرة وأغلقت باب البيت انتهى الإشكال فلا يمكن أن يدخل، يمكن أو يتصور أن الإنسان وجد في الصالة المحكمة المغلقة حيوان كبير كالحمار مثلاً لا يمكن، لكن فأرة أم هرة تدخل تتحين الفرص، وتدخل ولا يمكن التحرز منها، ولوجود هذه المشقة قال أهل العلم: سؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر، وعلى هذا الفأرة؛ لعدم التحرز منها طاهرة وليست بنجسة، والتنصيص على الهرة أنها ليست بنجس، يجعل ما دونها في الخلقة مادامت حية طاهرة، وأما الميتة فهي نجسة بالاتفاق سواء كانت هرة أو دونها في الخلقة كل هذه الأشياء نجسة، ولا يستثنى من الميتة إلا الجراد والحوت، هذه طاهرة في الحياة وبعد الممات كلها طاهرة.
طالب: ............
قالوا: إن الفأر في جسده جراثيم، يمكن أن تنتقل بالمخالطة والمباشرة، لكن الناس على مر العصور والدهور يخالطون هذه الأمور، ومستودعاتهم مملوءة من الفئران، ثم ماذا؟
المسألة مسألة توكُّل الناس لما التفتوا إلى هذه الأمور أصيبوا بأمراض، وكثرت فيهم، وقل فيهم التوكل، قل فيهم التوكل، ذكرنا مثالًا في كتاب الحج من هذا النوع، أسماء بنت عميس أصابها الطلق وهي في بيتها، وولدت في المحرم عشرة كيلو من بيتها، وبقي على مكة أربعمائة كيلو وحجت مع الناس، ولدت في المحرم، وحجت مع الناس، ووقفت المواقف، وشهدت المشاهد وهي حديثة عهد بولادة الطريق كله في حال النفاس، ومكثت في مكة مدة طويلة تشهد المشاهد، وتقف مع الناس، وتفعل ما يفعله الناس وهي نفساء، لكن الآن لما التفت الناس إلى هذه الأمور، وصاروا وصار توكلهم واعتمادهم على الله ضعيف؛ خشية أن يسقط الحمل، وخشية كذا مجرد ما تطلع تخرج نسبة التحليل موجبًا تستلقي على ظهرها إلى الولادة، وما أكثر الإجهاض مع هذه الاحتياطات، ومع هذا التحري وعدم التعب وعدم الشغل، ومع ذلك يكثر الإجهاض كان في القديم لا يعرف مع التعب والمشقة، والنساء تعمل في المزارع، وتكد وتكدح كالرجال، والرجل يتزوج المرأة من أجل أن تعمل معه في مزرعته، ومع ذلك تلد وهي تعمل وتتولى نفسها بنفسها، وتلد في الغالب وهي ما عندها أحد، هل يمكن أن تلد امرأة في بيت الآن؟
ما يمكن على ما جرى عليه الناس اليوم ما يمكن، خلاص صار نزيفًا هذا حكم مقدَّم قبل كل شيء سبحان الله!
الآن يقولون: الفأر فيه طاعون، والذباب فيه، وكذا وكذا، ويحمل خمسة ملايين جرثوم في رجل واحدة، الذباب يا إخوان بذل الأسباب مطلوب، لكن الوسوسة غير مطلوبة، كل إنسان كلما ضعفت النفس تسلط عليها ما يؤذيها، ولذلك تجدون أكثر من يصاب بالعين أكثر الناس خوفًا منها هو الذي يصاب بالعين، والذي يعتمد على الله ويتوكل على الله في الغالب أنه لا يصاب،
فعلى الإنسان أن يعتمد على ربه الذي خلقه وأوجده ورزقه يتكفل به، فقولهم: إن الفأر فيه الطاعون، والذباب فيه كذا حتى الجراد حذروا من أكله، الصحابي يقول: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع سنوات نأكل الجراد.
طالب: العسل يدخل في هذا الباب.
مثل السمن، مثل السمن، لكن هذا من حيث الحكم من حيث الحكم الشرعي أنه لو أكله سواء كان سمن أو عسل مما لا يسرع فيه الانتشار، انتشار النجاسة لا يسرع في السمن والعسل، بينما الماء لو ماتت الفأرة في ماء فالماء يسرع انتشار النجاسة فيه، يسرع فيه انتشار النجاسة، فحكمه يختلف، فحكمه يختلف، في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام يقول: ثم إن قول معمر في الحديث الضعيف فلا تقربوه متروك عند عامة السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة، فإن جمهورهم جوزوا الاستصباح به، وكثير منهم يجوز بيعه أو تطهيره، وهذا مخالف لقوله: فلا تقربوه متروك عند.. فلا تقربوه؛ لأن عدم القربان أعم من عدم الأكل؛ لأن عدم القربان أعم من عدم الاستعمال في الأكل؛ لأنه قد لا يأكله الإنسان، يتقذره، ويجد نفسه تعافه، لكن مع ذلك يستعمله إما في الاستصباح فإن جمهورهم جوزوا الاستصباح به، يعني السمن معروف أنه يوقد به المصباح كما مضى في الشحم شحم الميتة فإن جمهورهم جوزوا الاستصباح به، وكثير منهم يجوز بيعه أو تطهيره يجوز بيعه باعتبار أنه لم ينجس أو تطهيره إذا نجس فتطهير السمن يصب عليه الماء، والماء لا يختلط بالسمن، الماء لا يختلط بالسمن، فيكون السمن في جهة والماء في جهة، والنجاسة تنتقل من السمن إذا قلنا بنجاسته تنتقل من هذا السمن إلى الماء تنتقل من السمن إلى الماء، وكثير منهم يجوّز بيعه أو تطهيره، وهذا مخالف لقوله: فلا تقربوه وقال أيضًا في مجموع الفتاوى وأكثر الرواة الذين رووا هذا الحديث عن معمر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة هم البصريون كعبد الواحد بن زياد وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، والاضطراب في المتن ظاهر، فإن هذا يقول: إن كان ذائبًا أو مائعًا لم يؤكل، وهذا يقول: وإن كان مائعًا فلا تنتفعوا به واستصبحوا به، وهذا يقول: فلا تقربوه، وهذا يقول: فأمر بها أن تؤخذ وما حولها فتطرح، فأطلق الجواب ولم يذكر التفصيل، يعني اختلافهم في الفاضل تختلف معانيها دليل على اضطرابهم في روايتهم للخبر؛ لأن المضطرب الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة ولا يمكن الترجيح بينها يكون مضطربًا، وهذا يقول: فأمر بها أن تؤخذ وما حولها فتطرح، فأطلق الجواب، ولم يذكر التفصيل، وهذا يبين أنه لم يروه من كتاب بلفظ مضبوط، وإنما رواه بحسب ما ضمه من المعنى فغلط، وبتقدير صحة هذا اللفظ وهو قوله: وإن كان مائعًا فلا تقربوه، فإنما يدل على نجاسة القليل الذي وقعت فيه النجاسة فإنما يدل على نجاسة القليل الذي وقعت فيه النجاسة، وهو ما يدل عليه فألقوها وما حولها. وبهذا تجتمع الروايات.
وقال ابن القيم في تهذيب السنن: فذكر البخاري فتوى الزهري في الدابة تموت في السمن وغيره الجامد والذائب أنه يؤكل، واحتجاجهم بالحديث من غير تفصيل دليل على أن المحفوظ من رواية الزهري إنما هو الحديث المطلق الذي لا تفصيل فيه، وأنه مذهبه فهو رأيه وروايته.