كتاب البيوع من المحرر في الحديث - 06
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
"بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.
قال الإمام ابن عبد الهادي في مصنفه:
وعن أبي أيوب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة»، رواه أحمد والترمذي وحسنه والدارقطني والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وفي قوله نظر؛ فإنه من رواية حيي بن عبد الله، ولم يخرج له في الصحيح بشيء، بل تكلم فيه البخاري وغير واحد، وقد روي من وجه آخر منقطع.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أبيع غلامين أخوين، فبعتهما ففرقت بينهما، فذكرت ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: «أدركهما فارتجعهما، ولا تبعهما إلا جميعًا»، رواه الإمام أحمد عن محمد بن جعفر عن سعيد بن أبي عروبة عن الحكم عنه، ورجاله مخرج لهم في الصحيحين، ولكن سعيدا لم يسمع من الحكم شيئًا، قاله غير واحد من الأئمة، وقد روي عن زيد بن أنسية وشعبة عن الحاكم، والله أعلم."
الحكم الحكم.
"وشعة عن الحكم، والله أعلم.
وعن أنس بن مالك قال: غلا السعر بالمدينة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس: يا رسول الله، غلا السعر فسعِّر لنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله هو المسعِّر القابض الباسط الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال»، رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه، وأبو حاتم البستي.
وعن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يحتكر إلا خاطئ»، رواه مسلم.
وعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها؛ إن شاء أمسك، وإن شاء ردها، وصاعًا من تمر»، رواه البخاري هكذا.
ولمسلم: «من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها صاعًا من طعام لا سمراء»، قال البخاري: «والتمر أكثر».
وقد روى عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: «من اشترى شاة محفلة فردها فليرد معها صاعًا»، ورواه البرقاني وزاد «من تمر».
وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟!» قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟! من غش فليس مني»، رواه مسلم.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «الخراج بالضمان»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه، وصححه أبو الحسن بن القطان."
يكفي حسبك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي أيوب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من فرَّق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة، من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة»".
هذا ظاهر في بيع الأم في جهة وبيع الولد، وهو جنس يشمل الذكر والأنثى من جهة أخرى، وهذا في المماليك واضح التفريق فيها واضح، قد تباع الأم على رجل من أهل المشرق، ويباع الولد على رجل من أهل المغرب ويمكن أن تنتهي حياتهما من غير لقاء، ولا شك أن قلب الأم معلَّق مرتبط بولدها، وكذلك الولد يحن إلى أمه، فلا يجوز التفريق بينهما، وفيه هذا الوعيد الشديد «فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة».
التفريق يقتضي اختلاف الدار، فيكون هو في جهة، وأحبته في جهة، والمتوقَّع من ظاهر والمفهوم من ظاهر السياق أنه وعيد شديد بأن يكون في دار غير دار أحبته؛ لأنه إذا كان في نفس الدار أمكن أن يجتمع كما لو كانوا كلهم في الجنة اجتمع، لكن هذا الوعيد الشديد قد يُفهَم منه أنه متوعَّد بالنار، نسأل الله العافية، وأحبته قد يكونون في الجنة، فيحصل التفريق بهذا، ولا شك أن هذا وعيد شديد مفاده التحريم، تحريم التفريق بين الأم وولدها، وإنما تباع الأم والولد على شخص واحد قد لا يوجد، قد يكون البائع مضطرًا، ولا يوجد من يشتري الأم ويشتري الولد، لا يوجد من يشتري، لا يوجد من عنده ما يبلغ قيمة الأم والولد معًا، فماذا يصنع هذا المالك؟ يعدل عن البيع أو يفرق بينهما، لم يجد من يشتري الأم والولد معًا. إذا افترضنا أن الأم بخمسمائة، والولد بخمسمائة أو أكثر أو أقل، ما وجد من يملك قيمة الاثنين، والبائع مضطر للبيع، محتاج للثمن، فماذا يصنع؟ لا بد أن يتصرف تصرفًا صحيحًا مع هذا الوعيد، ولا يعرض نفسه لعقوبة الله.
طالب: .........
طيب ما عنده مانع المشتري أن يشتري اثنين بقيمة واحد، لكن يتضرر البائع.
طالب: .........
قد يجمع بين المصلحتين ولا يقلل السعر، القيمة، يقول: ادفع ما معك، والباقي دَين في ذمتك، يمكن هذا، لكن هو يقول: أنا ما أحتاج الولد، أنا أحتاج هذه الأم؛ لتخدم عندنا بالبيت، والولد ما أحتاجه، ولا عندي استعداد أن أدفع مالًا في شيء لا أحتاجه، فماذا يصنع المالك؛ ليخرج من هذا الوعيد ويتحقق له ما يريد من قيمة مماليكه، وإلا بإمكانه أن يعتق الولد أو يعتق الأم، ويبيع الثاني بنفس القيمة، ولا يكون هناك تفريق؟
لا شك أن عقوبة الآخرة أشد، فعلى الإنسان أن يسعى لبراءة ذمته مما يعرضه لعقاب الله- جل علا- فيتصرف تصرفًا مناسبًا يخرجه من هذا الوعيد، ولا يتضرر به، بحيث يمكن أن يسدد ويقارب، وأن يؤجل القيمة، وأن يخفض منها شيئًا يدعو المشتري إلى شراء الاثنين معًا.
هناك صور للتفريق في غير البيع، في غير البيع:
تجد بعض الأمهات ما عندها إلا هذا الولد، وهي مضطرة إلى خدمته، ثم يأتي مَن يزيِّن له العمل أو الدراسة في بلد آخر مثلاً بحيث يحصل التفريق بينه وبين أمه بغير البيع، الأم مضطرة للولد، ومعلوم أن الأم إذا منعت الولد وكانت بحاجته حتى من طلب العلم، بل ما هو أعظم من ذلك من الجهاد في سبيل الله فإنه لا يجوز له أن يفارقها لا لجهاد ولا لغيره فضلاً عن طلب علم أو عمل دنيا، فجاءه من يقول له: الدراسة هناك، وفيها ما فيها، ويكثر عليه الكلام حتى يترك أمه.
يدخل في هذا الزوج إذا طلق الأم، وعندها أطفال صغار، قلبها متعلِّق بهم، ومعلوم أنها أحق بهم ما لم تتزوج، لكن قد يتخذ الزوج أساليب وضغوطًا على الأم حتى يأخذ الأولاد منها، وقد يدعي عليها دعاوى كاذبة بحيث يحكم عليها في القضاء أنها لا تستحق الحضانة، فيفرق بينها وبين أولادها.
ويزيد على ذلك ما هو واقع من بعض المسلمين مع الأسف أن يحرمها من أولادها السنين، ويمنعها من زيارتهم، ويمنعهم من زيارتها، هذا تفريق بين الأم والابن، فالحديث وإن كان في البيع إلا أنه يشمل بعمومه مثل هذه الصور وغيرها مما لم يذكر.
المقصود أن الأم يحترق قلبها على ولدها، وإن كان بعض الأولاد قد لا يشعر بهذا، لا يحس بمثل هذه الحرقة فتجده يخرج من البيت، وكأن ما وراءه أحد، ما وراءه أم أين ذهب وأين راح، ولا شك أن خدمة الأبوين والبقاء عندهم في البيت وفي البلد بحيث لا يفقدانه متى أرادوا لا شك أن به تتم نعمة الولد، والله -جل وعلا- حينما امتن على الوليد بن المغيرة، ما امتن عليه أن عنده أولادًا فقط، كثير من الناس عندهم أولاد، لكن العقم خير من كثير من هؤلاء الأولاد، إنما قال: {وَبَنِينَ شُهُوداً} [سورة المدثر:13] حاضرين عنده متى ما أرادهم، جاهزين لخدمته.
ومع الأسف أنه يوجَد من بعض الشباب حتى بعض من ينتسب إلى الخير وطلب العلم تجده لأدنى سبب وأقل مناسبة يخرج من البيت بعد صلاة العصر مثلاً، ولا يعود إلا منتصف الليل وأمه مع شفقتها عليه ما تنام إلى أن يحضر، أين راح؟ أين جاء والدنيا أخطار وما أشبه ذلك، وهم بكل بساطة يخرج ولا يلوي على شيء، ولا يلتفت لا إلى أم ولا إلى غير أم، بل قد تكون الأم بحاجة ماسة إلى هذا الولد فتقول له: أوصلني إلى أختي التي هي خالته في نفس الحي، ويتذرع بأنه مشغول إما بطلب علم أو بغيره، مشغول والله ما يقدر، وإذا مر عليه أحد زملائه وأصدقائه مجرد ما يسمع منبه السيارة يخرج الساعات معه، ما يقول: أنا مشغول، لا شك أن هذا خلل في التصور، يجب أن يعاد النظر في مثل هذه التصرفات.
طالب علم، طالب علم صحيح، لكن تبقى أولويات، المسألة هل العلم أولى من بر الوالدين؟ ليس بأولى من بر الوالدين، القصة التي ذكرناها لكم مرارًا الذي حج من بغداد ثلاث مرات على قدميه، على رجليه يحج من بغداد ويرجع، لا شك أنه يريد الثواب من الله- جل وعلا-، والحج ليس بالسهل على الأقدام، ولا من جدة أو الطائف فضلاً عن العراق، ليس بالسهل، لكنه حج ثلاثًا على قدميه من العراق آلاف الأميال، ولما عاد من الحجة الثالثة دخل البيت، فإذا بالأم نائمة فاضطجع قريبًا منها؛ خشية أن تستيقظ بهدوء، ثم استيقظت فرأته قد نام بجانبها فقالت: يا فلان اسقني ماءً، الماء في القربة قريب، أمتار أو أذرع منه، وهو يسمع كأنه لم يسمع، ثم قالت في الثانية: يا فلان اسقني ماءً ومثل الأول يسمع وكأنه لا يسمع، فلما قالت في الثالثة: يا فلان اسقني ماءً حاسب نفسه قال الآن: أحج من العراق نفلًا على قدمي آلاف الأميال، وهذه بضعة أمتار، بضعة أذرع في أمر واجب، وأتردد فيه، النية لا شك أن فيها خللاً كبيرًا، فراجع نفسه وسقاها الماء، فلما أصبح ذهب يستفتي.
لا شك أنه لو سأل فقيهًا من الفقهاء الذين يرتبون الأمور على أسبابها وشروطها وأركانها وواجباتها لقال: لا تعد لمثل هذا، وراجع لنفسك، وأخلص عملك، وانتهى الإشكال، لكنه سأل شخصًا له عناية بما يتعلق بالقلوب، بأعمال القلوب، فلما سأله قال له: أعد حجة الإسلام، أعد حجة الإسلام؛ لأن النية مدخولة، النية فيها خلل كبير، الآن تحج على قدميك ولا تطيع أمك تجيء لها بماء، ما حججت لله، لو كان حجك صحيحًا لله لآثرت أمك على مثل هذا الحج، والحج بلا شك يسقط به الطلب بلا إشكال، ولا يؤمر أن يعاد مرة ثانية؛ لأنه جاء به بأركانه وشروطه وواجباته، وأداه كما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا يؤمر بالحج، وهذا الظاهر من كلام أهل العلم.
لكن العلماء في فهمهم لحديث إنما الأعمال بالنيات ينقسمون إلى قسمين، كما قال الحافظ ابن رجب، ينقسمون إلى قسمين؛ منهم من يقول: إذا كان العمل الباعث عليه امتثال أمر الله- جل وعلا- وأنت حججت ممتثلاً للأمر، وأن هذا ركن من أركان الإسلام أن حجك صحيح، ومنهم من ينظر إلى ما هو أدق من ذلك، هذه نظرة فقهاء الظاهر، كما يقولون، ومنهم من ينظر إلى ما هو أدق من ذلك، مثل الذي أجاب بأن تعاد حجة الإسلام، ولابن رجب -رحمه الله- كلام نفيس جدًّا في شرح حديث الأعمال بالنيات من كتابه جامع العلوم والحكم.
المقصود أن قلب الأم وهو يحترق الولد، والولد لا شك أنه جبل على حب أمه، لكن النسبة تختلف، نسبة المحبة والمودة تختلف، والموفَّق من يتعامل مع الأوامر والنواهي على ترتيبها وأولوياتها كما جاءت بذلك النصوص، هناك أوامر لا شك أنها مطلوبة، مطلوب فعلها، لكن هناك ما هو أهم منها، فيبدأ بالأهم، ويبدأ بالأمر الذي يفوت ويؤجِّل الأمر الثاني وإن كان مهمًّا إلى أن يفرغ مما هو أهم منه، ويقدِّم الأمر الذي يفوت على الأمر الذي لا يفوت، وإن كان أهمَّ منه؛ لأن وقته موسَّع.
المقصود أن طالب العلم عليه أن ينظر إلى النصوص بهذا الاعتبار.
يقول -رحمه الله-: "رواه أحمد والترمذي، وحسنه والدارقطني والحاكم وقال" يعني الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، هل نحن بحاجة إلى قول الحاكم: ولم يخرجاه؟ مع أنه مستدرك على الصحيحين، الأصل أنه لم يخرج أحاديث في الصحيحين، هل نحن بحاجة إلى قوله: ولم يخرجاه؟
طالب: .........
لا، ما هو من هذه الحيثية، الآن المستدرك شيء مزيد على ما في الصحيحين، ويخرِّج أحاديث لا توجد في الصحيحين، يستدرك عليهما قدرًا زائدًا من الأحاديث الصحيحة، لا توجد في الصحيحين، هذا الأصل، لكن مع ذلك خرج أحاديث في الصحيحين، يعني قليلة، وهي خارجة عن شرطه، أما قوله: ولم يخرجاه فلعله يريد بذلك ولو عن غير الصحابي؛ لأنه لو خرجاه من طريق هذا الصحابي ما صار استدراكًا، ولو خرج الحديث عن صحابي آخر غير ما في الصحيحين نعم صار استدراكًا في محله.
صحيح على شرط مسلم، وقلنا: إنه إذا قال: صحيح على شرط مسلم فإن مراده أن يكون الإمام مسلم خرج لرواته، خرج لرواته، هذا مقتضى قوله: صحيح على شرط مسلم، يقولون: خرج لرواته.
قال المؤلف -رحمه الله-: "وفي قوله نظر، فإنه من رواية حيي بن عبد الله" يعني المعافري: و"لم يخرج له في الصحيح بشيء" كيف يكون على شرط مسلم وواحد من رواته لم يخرج له الإمام مسلم؟ "فإنه من رواية حيي بن عبد الله، ولم يخرج له في الصحيح بشيء، بل تكلم فيه البخاري وغير واحد".
يعني ضعفوه، يعني ولا المثلية التي ذكرها الحاكم في مقدمة صحيحه غير متحققة، لا حقيقتها ولا مجازها. وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث صحيحة احتج بمثل رواتها الشيخان.
فلا المثلية الحقيقية موجودة؛ لأنه متكلَّم فيه، ورواة الصحيحين ثقات، ولا المثلية المجازية التي هي عين رواة الصحيحين موجودة.
فإن حيي بن عبد الله لم يخرج له في صحيح مسلم، ولذا قال المؤلف: "في قوله نظر، فإنه من رواية حيي بن عبد الله ولم يخرج له في الصحيح بشيء، وقد تكلم فيه البخاري وغير واحد، وقد روي من وجه آخر منقطع"؛ لأنه من رواية العلاء الإسكندراني عن أبي أيوب، ولم يسمع منه، وعلى هذا تكون الرواية الأخرى منقطعة، هذه الرواية المنقطعة ضعيفة، والرواية التي معنا فيها كلام لأهل العلم في حيي بن عبد الله، يعني روي الحديث من رواية راوٍ متكلَّم فيه، لكن لا يعني أنه إذا تُكُلِّم فيه ينزل إلى الضعف، قد ينزل من الثقة إلى ما دون ذلك بأن يكون صدوقًا من رواة الحديث الحسن، ثم يروى الحديث من طريق غيره، ويكون أيضًا فيه كلام لأهل العلم مثل الانقطاع المذكور في الرواية الأخرى، وحينئذ يرتفع إلى درجة الاحتجاج، ومن الحسن إلى الصحيح لغيره، وله طرق أخرى ذكرها أهل العلم.
وعلى كل حال فالحديث صالح للحجية صالح للحجية ولو كان حسنًا فإن الحسن مما يحتج به في الأحكام عند عامة أهل العلم.
"وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أبيع غلامين أخوين" في الحديث السابق في تفريق الأم عن ولدها والولد عن أمه، وهذا في تفريق الإخوة.
"أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما ففرقت بينهما"؛ لأنه لو باعهما في الجملة بألف باعهما في الجملة بألف، ثم جاء من يقول: أنا أشتري هذا بسبعمائة، وجاء من يقول: أنا أشتري الثاني بسبعمائة، فرَّق بينهما؛ من أجل زيادة الثمن، هذا البائع هو الذي فرق، لكن قد يكون التفريق من المشتري، ينادى عليهما في السوق من يزيد فينادى عليهما الأخوان بألف، لكن ما تفرق يا.. للبائع يقولون: ما تفرق ونزيدك في الثمن قال: ما يجوز أن أفرق، اتفق واحد مع الثاني أن يشتريا بالألف، وكل واحد يأخذ واحدًا، هذا التفريق من قبل المشتري، والحكم واحد؛ لأن هناك في الحديث السابق من فرق ومَن من صيغ العموم والمعنى موجود في التفريق بين الأخوين، وإن كان أقل، التفريق بين الأم وولدها أشد، وهنا قال: "أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما ففرقت بينهما" يعني باع واحدًا على شخص، وباع الثاني على شخص آخر، "فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أدركهما فارتجعهما، ولا تبعهما إلا جميعًا، أدركهما فارتجعهما»" هذا يدل على أن البيع صحيح أم غير صحيح؟
غير صحيح، وهذا قول الأكثر، ومنهم من يقول: مادام النهي لم يعد إلى ذات العقد أو إلى شرطه فالعقد صحيح؛ لأن النهي عاد إلى أمر خارج عن الذات والشرط، فالعقد صحيح مع الإثم، طيب ماذا عن قوله: «أدركهما فارتجعهما»؟ قال: برضى المشتري أو بعقد جديد بشراء الجديد منه؟ يعني هل العلة وسبب النهي يعود إلى ذات العقد إيجاب وقبول وقيمة معلومة وسلعة معلومة، الثمن معلوم والمثمن معلوم، والإيجاب والقبول متوفِّر، الأركان كلها موجودة، فالعقد على هذا صحيح في الظاهر، وإن كان النهي عاد إلى أمر خارج عن ذات العقد أو عن شرطه فمقتضى القاعدة عند أهل العلم أن العقد صحيح، لكن قوله: «أدركهما فارتجعهما»، يعني لو أنه قال: من فرق بين أخوين فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة قلنا: النهي عاد إلى أمر خارج، فالعقد صحيح، لكن هنا فارتجعهما «أدركهما فارتجعهما» في الأخوين، وفي الأم وولدها من باب أولى، فالظاهر من قوله: فارتجعهما أن العقد غير صحيح، فارتجعهما؛ لأن العقد لم يثبت بعد، أما القول بأنه يرتجعهما برضى المشتري أو بعقد صحيح فلا شك أن هذا خلاف الظاهر.
«ولا تبعهما إلا جميعًا، ولا تبعهما إلا جميعًا» فهذا يدل على تحريم التفريق بين الإخوة في البيع.
طيب لو كانوا سبعة إخوة، ثمانية إخوة، واضطر المالك أن يبيعهم، ركبته ديون فاحتاج إلى قيمتهم، يعني إذا وجد من يشتري أخوين وهو بحاجة إلى واحد يعني متصوَّر، لكن إذا كانوا سبعة أو عشرة إخوة فماذا يصنع البائع؟ ما وجد من يشتري عشرة وهو بحاجة إلى قيمتهم.
طالب: .........
يفرقهم على اثنين يبيعهم على خمسة.
طالب: .........
وهذا تفريق بين الإخوة لو باعهم على خمسة أو على أربعة فهذا تفريق فرق بينهم.
طالب: .........
يعني وجود اثنين فقط يرفع هذا الحزم وما فيه الشك أن الأنس موجود، الأنس يوجد بين الاثنين، كما يوجد بين الثلاث وبين العشرة أكثر، ماذا يصنع صاحبهم؟
طالب: .........
هو ما فيه شك أن الإنسان إذا نظر إلى العواقب قدَّم الأمر والنهي على مراد النفس، لكن قد يكون مضطرًّا هذا، وقد يتحايل بعض الملاك أنه كل ما ولدت هذه الأمة واحدًا باعه؛ لئلا يقع في المحظور، أما إذا اجتمعوا عشرة فما يمكن لأحد يجيء يشتري عشرة جميعًا، ماذا يفعل بهم؟ على كل حال الشرع لا يلاحظ مصلحة طرف ويلغي مصالح الأطراف الأخرى، وحينئذ على الإنسان أن يسدد ويقارب، بحيث لا يقع في المحظور، ولا تفوت مصلحته في دنياه؛ لأن الشرع لا يأتي بإهدار مثل هذه المصلحة فيقع التخيير بينهم مثل ما قال الأخ: من ترغب من إخوانك من ترغب من إخوانك، أما أن واحد يجيء نقول: لا تبع العشرة إلا على واحد فهذا إضرار به إضرار به.
"رواه الإمام أحمد عن محمد بن جعفر" المعروف بإيش لقبه؟ غُندَر، "عن سعيد بن أبي عروبة عن الحكم عنه، عن الحكم عنه، ورجاله مخرج لهم في الصحيحين" رجاله كلهم روى لهم الشيخان، روى لهم الشيخان، فهل نستطيع أن نقول: إنه على شرط الشيخين؟ الاستدراك المذكور يمنع من ذلك "ولكن سعيدًا" يعني ابن أبي عروبة "لم يسمع من الحكم" وهو ابن عتيبة "شيئًا قاله غير واحد من الأئمة"، فالخبر منقطع، فالخبر منقطع، وعلى هذا لا يكون على شرط الشيخين، لا يكون على شرط الشيخين.
"وقد روي عن زيد بن أبي أنيسة وشعبة عن الحكم" شعبة سمع من الحكم، فالطريق الثاني يشد الطريق الأول ويقويه، ويقال فيه مثل ما قيل في الحديث السابق إنه صالح للاحتجاج، ارتقى بالطريق الثاني إلى أن وصل إلى درجة يحتج بها بين أن يكون حسنًا لذاته أو صحيحًا لغيره.
"فالله أعلم.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: غلا السعر بالمدينة" غلا يعني زاد، ارتفع السعر، "بالمدينة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وهذا لا شك أنه مألوف، زيادة الأسعار حينما يقل العرض، ويكثر الطلب فإنها تزيد الأسعار، وإذا كثر العرض، وقل الطلب فإن الأسعار تنخفض.
"غلا السعر بالمدينة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس: يا رسول الله غلا السعر"، وإذا غلا السعر معروف أن التجار إذا قل العرض، وكثر الطلب يزيدون في الأسعار، هذا شيء معروف قديمًا وحديثًا، وهذا في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، طلبوا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يسعر، يثبت السعر القديم؛ من أجل ألا يحصل استغلال من التجار.
"فسعِّر لنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله هو المسعِّر، إن الله هو المسعِّر القابض الباسط الرزاق»، «إن الله هو المسعِّر»" تعريف جزئي الجملة، تعريف جزئي الجملة يدل على الحصر، يدل على الحصر، وأنه لا يجوز لأحد أن يسعِّر؛ «لأن الله هو المسعِّر القابض الباسط الرزاق»، «إني لأرجو أن ألقى الله، إني لأرجو أن ألقى الله» هذه الألفاظ الأربعة المسعِّر القابض الباسط الرزاق سيقت على أنها أخبار عن الله -جل وعلا-، أو على أنها أسماء؟
الأول خبر عن الله -جل وعلا- «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» ما يجوز أن تقول: عبد الطيب، وهنا لا يجوز أن تقول: عبد المسعِّر، طيب السياق واحد، لماذا نفرق بينه وبين غيره؟ الألفاظ الأخرى جاءت بها نصوص أخرى، فتسمي عبد الرزاق، عبد الرازق، عبد الباسط، عبد القابض، جاءت فيها نصوص أخرى، لكن المسعر تسمي عبد المسعر؟!
لا؛ لأنه خبر عن الله -جل وعلا-، ويتوسع في الأخبار ما لا يتوسع في الأسماء، فدائرة الأخبار أضيق من دائرة الصفات، والصفات أضيق من الأسماء، فالاسم يشتق منه صفة، ولا عكس فضلاً عن الخبر.
«إني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال»؛ لأنه إذا سعر أضر بالتجار، أضر بالتجار؛ لأنه قد يكون التاجر مع قلة العرض يتكلف ويتحمل المشقة في الاستيراد وإحضار السلع، فيتطلب ذلك ارتفاعًا في السعر، كما أن التسعير يضر ببعض التجار الذين يتحملون مصاريف، يعني لو سعرت السلع بسعر واحد، وهذا استأجر محلًّا بعشرة آلاف، وهذا استأجر محلًّا بمائة ألف، والثالث على الرصيف ما خسر شيئًا، وألزمنا الجميع بسعر واحد، لا شك أنه يحصل الضرر على البعض، ضرر بالغ، لا شك أن المضرة اللاحقة بمن استأجر بمبالغ طائلة أعظم من الأضرار اللاحقة بمن هو دون ذلك في التكاليف والمصاريف عن السلع، والناس يتصرفون، كل يعرف مصلحة نفسه، يحرصون على عامة الناس، والطبقات الدنيا منهم في الدخول لا شك أنهم يحرصون أن يشتروا من الأرصفة؛ لتكون الأقيام رخيصة، والناس الذين دخلهم متوسط يذهبون إلى المحلات التي يسمونها شعبية، فيه ارتفاع قليل عن الأرصفة، لكن هم يرون أن مستواهم فوق من أن يشتروا من الأرصفة، وعلية القوم يشترون مما شاؤوا، دعوا الناس يرزق بعضهم من بعض.
لكن على التجار أن يتقوا الله -جل وعلا- في المسلمين، عليهم أن يتقوا الله -جل وعلا- في المسلمين، ولا يستغل غفلة بعضهم من النساء وأشباه النساء الذين يسارعون في الشراء دون معرفة للأسعار، فيغبنون غبنًا فاحشًا، وتجد في الأسواق بعض السلع في بعض المحلات تجدها عشرة أضعاف نفس السلعة في محل آخر، نعم للإنسان أن يربح، لكن ليس بهذه الطريقة، يستغل غفلة هذه المرأة، أو هذا الرجل، وكثير من الناس يكون تقويم السلعة بحسب قيمتها، قيمة السلعة أو نفاستها بقدر قيمتها، وهذا ليس بصحيح، ومستلزمات النساء فيها غبن فاحش عند كثير من التجار، هؤلاء عليهم أن يتقوا الله -جل وعلا-، وبعضهم يحتج ويتذرع بأنه لو ذكر الثمن الحقيقي للسلعة كسدت السلعة؛ لأن الناس يربطون نفاسة السلعة بقيمتها، يقول: لو هي زينة، الرخيص مخيس، هذا أسلوب العوام، وإذا رفع عليهم السعر، يعني يوجد قيمة المثل من القماش بعشرة، ويباع ببعض المحلات بمائة، لماذا؟
لأنه يقول: لو قلت بعشرة ما اشترى الناس، ما هو ذنبي هذا، فمثل هذا لا يبرِّر أن ترفع الأسعار إلى هذا الحد، فللإنسان أن يكسب ويربح، هو ما جلس عبثًا، ولا أنفق الأموال في الإيجار وفي غيره وحبس نفسه وماله ليخسر، لا، له أن يربح، لكن عليه أن يرفق بالمسلمين، وقد ثبت بالتجربة على مر العصور والدهور أن الذي يقنع بالربح اليسير يربح أكثر من غيره أضعافًا مضاعفة، وأنه بدلاً من أن يبيع حبة واحدة من هذه السلعة بثمن مرتفع ويجلس أيامًا وأسابيع ما باع شيئًا، ما باع الثانية، تجد الذي يخفف السعر يبيع أضعاف أضعاف ما باعه ذلك المستغل، حتى من النظرة المادية لا شك أن تقليل الأرباح سبب لجلب الزبائن وكثرة المبيعات، وعلى هذا يرتفع الدخل.
«إن الله هو المسعِّر القابض الباسط الرزاق، إني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال»؛ لأن التسعير على الناس قد يتضرر به من تكلف وتعب وخسر الأموال من أجل إيراد أو استيراد هذه البضاعة، وقد يكون تعب وتكلف وخسر على إيجار المحل مثل ما قلنا: إن بعض الناس يستأجر بعشرة آلاف، وبعضهم يستأجر بمائة ألف، وكل له زبائنه، وكل له كما يقول العامة جمهوره، وهذا يُرزَق، وذاك يُرزَق.
"رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه، رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه" يعني الترمذي، "وأبو حاتم البستي، وأبو حاتم البستي" يعني أبو حاتم معطوف على أحمد، يعني رواه أبو حاتم أو معطوف على صححه الترمذي وأبو حاتم البستي على رواه أحمد أو صححه الترمذي وأبو حاتم البستي؟
طالب: ............
أبو حاتم ما يصحح؟ ما مقتضى إخراجه في الصحيح، مقتضى قولنا: صححه ابن خزيمة يعني رواه في صحيحه، صححه أبو حاتم يعني رواه في الصحيح، لكن صححه وأبو حاتم يعني فيه عطف للضمير، عطف على الضمير المرفوع المتصل يجوز أم ما يجوز؟
طالب: .................
يجوز لماذا؟ لوجود الفاصل الذي هو ضمير النصب الذي هو ضمير النصب وإلا فالأصل لو قال: وصحح وأبو حاتم قلنا صحح هو وأبو حاتم، لا بد من ضمير الرفع.
"سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال" معمر هذا صحابي معروف "عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يحتكر إلا خاطئ»، رواه مسلم".
لا يحتكر بمعنى أنه يحبس الطعام وما يحتاجه الناس إلى أن يرتفع سعره ويقل في الأسواق، ثم بعد ذلك يرفع السلعة مادامت السلعة مبذولة في الأسواق..