كتاب النكاح من المحرر في الحديث - 04
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
"بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.
عن أبي موسى -رضي الله عنه-..
قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا نكاح إلا بولي»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وابن حبان وصححه المديني وغيره."
ابنُ.
"وصححه ابنُ المديني وغيره.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن»، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت»، متفق عليه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستـأمر، وإذنها سكوتها»، رواه مسلم، وفي لفظ: «ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر، وصمتها إقرارها»، رواه أبو داود والنسائي وأبو حاتم البستي والدارقطني.
وعنه -رضي الله عنه- أن جارية بكرًا أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني، وله علة بيَّنها أبو داود وأبو حاتم وغيرهما، وهي الإرسال.
وعن الحسن عن سمرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما امرأة زوَّجها وليان فهي للأول منهما، وأي رجل باع بيعًا من رجلين فهو للأول منهما»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسَّنه، وقد روي عن الحسن عن عقبة بن عامر، والصحيح من رواية من رواه.."
والصحيح روايةُ..
"والصحيح رواية من رواه عن سمرة.
وعن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عقيل عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه أو أهله فهو عاهر» رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن عقيل مختلف في الاحتجاج به."
يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي موسى" يعني عبد الله بن قيس الأشعري- رضي الله عنه- "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا نكاح إلا بولي لا نكاح لا نكاح إلا بولي»" لا، هذه نافية، وهي يحتمل أن تكون لنفي الحقيقة أو لنفي الصحة أو لنفي الكمال، مثل: لا عمل إلا بنية، لا عمل إلا بنية، فنفي العمل بسبب تخلف النية حقيقته وصورته موجودة، كما أن صورة النكاح موجودة مع انتفاء الولي في مثل هذا، فهذا الاحتمال الأول مرجوح، بل لا يتجه؛ لأن الصورة موجودة، إلا أنه قد يقال: إن الصورة التي لا حقيقة لها شرعية وجودها مثل عدمها، نعم يوجد عمل، لكن ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يتحقق فيه الشرط الأول، وهو الإخلاص، وجوده مثل عدمه، وجوده مثل عدمه.
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال للمسيء: «صلِّ فإنك لم تصلِّ»، المسيء بالنسبة للحقيقة والصورة الظاهرة ركع ورفع وقرأ وسجد، هذه صورة الصلاة، لكن هذه الصورة لما تخلف ركنها وهو الطمأنينة، فالجزء المؤثِّر فيها حكم عليها بالبطلان فصورتها الظاهرة مثل عدمها، فصح توجيه النفي إلى هذه الصورة، أي عمل ليس بصحيح فوجوده مثل عدمه، شخص صلى بغير طهور؛ «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ»، نسي أن يتوضأ، فصلى صلاة كاملة من حيث بقية الشروط والأركان والواجبات والسنن، فصورتها كاملة، اللهم إلا إن تخلف ركن من أركانها، أو شرط من شروطها كالوضوء فوجودها مثل عدمها؛ لأن مثل هذا التصرف الذي هو النسيان، والصلاة مع تخلف الشرط، ينزل الموجود منزلة المعدوم، وهنا النفي للنكاح لعدم تحقق الشرط نزَّل هذا النكاح منزلة المعدوم، فوجود الصورة الظاهرة مع تخلف الشرط أو الركن لا قيمة لها، «صل فإنك لم تصل» وردَّده مرارًا، «صل فإنك لم تصل»، والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا، ما قال: ما صليت، هو صلى في الظاهر، لكنها صلاة غير صحيحة؛ لتخلف ركن من أركانها، وهو الطمأنينة، صار وجودها مثل عدمها، فصح توجيه النفي إليها.
والاحتمال الثاني أنه نفي الصحة، وهو الحقيقة الشرعية لوجود العبادة من عدمها، ووجود العقل من عدمه، وهو أولى ما يتجه إليه النفي بعد نفي الحقيقة، أولى ما يتجه إليه النفي بعد نفي الحقيقة، ونفي الحقيقة غير متصوَّر، الحقيقة الصورة الظاهرة موجودة، لكن لما لم يمكن نفي الصورة الظاهرة نظرنا في الاحتمال الثاني، وهو نفي الحقيقة الشرعية؛ لأن الحقائق عند أهل العلم ثلاث: حقيقة لغوية، وحقيقة شرعية، وحقيقة عرفية، في عرف الناس وجد نكاح، لكن ما تنفع هذه الحقيقة العرفية مع معارضة ومخالفة الحقيقة الشرعية.
ودليل الترجيح لهذا الاحتمال ما سيأتي من أدلة أخرى في الباب، أما من قال: إن المراد بالنفي نفي الكمال فهذا من أجل تمرير المذهب، وهو مذهب قائم، وله أدلته، وستأتي الإشارة إليه.
«لا نكاح إلا بولي» أسلوب حصري، لا يمكن أن يتصور نكاح شرعي مع فقد الولي، وهو الأب أو الأقرب من بعده من العصبة، فإن لم يك أحد من عصبة المرأة فالسلطان ولي من لا ولي له.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وابن حبان وصححه ابن المديني وغيره" هذا الحديث مخرج في المسند والسنن، ولم يخرجه النسائي خلافًا لمن خرجه من أحمد والأربعة؛ لأن الأربعة فيهم النسائي، والنسائي لم يخرِّج هذا الحديث، خرجه الترمذي مع أبي داود وابن ماجه، إضافة إلى المسند، وخرَّجه أيضًا ابن حبان وغيره من أهل العلم، وصححه ابن المديني وغيره كالإمام البخاري، الإمام البخاري صححه أيضًا، ومنهم من حكم بإرساله، والحديث مما مُثِّل به في كتب علوم الحديث لتعارض الوصل والإرسال، لتعارض الوصل مع الإرسال.
ومعلوم أن في هذه المسألة اختلافًا كبيرًا بين أهل العلم فيما إذا تعارض الوصل مع الإرسال، أو الوقف مع الرفع، أو غيرهما من صور ما يندرج تحت زيادات الثقات، فالوصل زيادة، والرفع زيادة، ولذا لما قيل للبخاري عن هذا الحديث قال: الزيادة من الثقة مقبولة، وبعضهم يطلق هذه العبارة، بل بعضهم نقل عليها الاتفاق، مع أن الخلاف موجود بين أهل العلم، موجود بين الأئمة، منهم من يرجح الإرسال مطلقًا، ومنهم من يرجح الوصل مطلقًا، ومنهم من يحكم بالأحفظ، ومنهم من يحكم بالأكثر، ولا شك أن جادة أهل العلم في مثل هذا الاختلاف كما أشرنا إليه مرارًا أن الحكم في مثل هذه المسائل للقرائن.
طيب الإمام البخاري حكم بصحته، حكم بوصله، إذا قلنا: الحكم بالوصل مطلقًا، وأنه زيادة ثقة، وجدنا أن الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- حكم للإرسال في أحاديث كثيرة، فليست قاعدته المطردة أن يحكم بالوصل، وإذا قلنا: الحكم للأحفظ، فمن أحفظ من شعبة وسفيان، وقد روياه مرسلاً، وقد روياه مرسلاً، وفي هذا الحديث هناك قرائن خفية أشار إليها الترمذي بعد تخريج الحديث مما لا يلتفت إليه كثير من المتعلمين الذين تصدوا لتحقيق الكتب وتخريج الأحاديث والحكم على الأسانيد، في أمور تقصر رتبهم دونها، مما يجعل مثل هذا العلم، وهو التعليل والعلل، دونه خرط القتاد، كما يقول أهل العلم، وإلا من يدري؟
الآن شعبة وسفيان، ومن يوازي شعبة وسفيان في الحفظ والضبط والإتقان، ولذا يقول الحافظ العراقي:
....................
|
|
............وحكم البخاري
|
بوصل لا نكاح إلا بولي
|
|
مع كون من أرسله كالجبل
|
يقصد بذلك شعبة وسفيان، ننظر في كلام الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- ماذا يقول؟ أعطني إياه.
طالب: .............
يقول أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى: حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق، وحدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق ح وحدثنا محمد بن بشار. حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق، وحدثنا، الأصل أن يؤتى بالحاء حاء التحويل، كما أتى بها في الإسناد الثالث قال: وحدثنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق، ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق، ح وحدثنا عبد الله بن أبي زياد قال: حدثنا زيد بن حباب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا نكاح إلا بولي».
قال: وفي الباب عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة وعمران بن حصين وأنس، ثم قال: قال أبو عيسى: وحديث أبي موسى حديث فيه اختلاف، رواه إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، رواه إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع، خمسة، عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى أسباط بن محمد وزيد بن حباب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى أبو عبيدة الحداد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه، ولم يذكر فيه عن أبي إسحاق، وقد روي عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يعني مرسلاً، من غير ذكر أبي موسى.
وروى شعبة والثوري، شعبة وسفيان، وروى شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا نكاح إلا بولي»، شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي موسى، عن أبي إسحاق عن أبي موسى، من غير ذكر لأبي بردة قال: «لا نكاح إلا بولي»، وقد ذكر بعض أصحاب سفيان عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى، ولا يصح، يعني لا يصح من طريق سفيان، وإن صح من طريق غيره، ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي موسى عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا نكاح إلا بولي» عندي أصح.
يعني بذكر أبي بردة يعني خلافًا لما عرف عن شعبة وسفيان من الإرسال في هذا الإسناد. لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة؛ لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة، يعني كل واحد منهم رواه عن أبي إسحاق في مجلس مستقل، فيكون أبو إسحاق حدث به أكثر من مرة، وإن كان شعبة والثوري أحفظ وأثبت من الجميع، من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث، فإن رواية هؤلاء عندي أشبه وأصح؛ لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد.
يعني أبو إسحاق حدث به على الإرسال، إن ثبت في مجلس واحد، بينما كرره بالوصل في خمسة مجالس، من ينتبه لمثل هذا من الذين تقادم بهم العهد، ولا يعرفون مثل هذه الأمور، ولا يدركون مثل هذه المجالس؟!
أمامهم كتب مسطورة مزبورة يراجعون فيها كتب أهل العلم، لكن مثل هذه الأمور ومثل هذه الإشارات تخفى على كثير من المتعلمين إلا من كان عنده من الاطلاع ما عند أولئك الأئمة، وعنده من المحفوظ ما يساويهم أو يدانيهم، ولذلكم تجدون في أحكام المتعلمين من المتأخرين ما يختلف كثيرًا عن أحكام المتقدمين، نعم هم جروا على قواعد المتأخرين، وهذا لا بأس به للتدريب والتمرين من غير جزم بالحكم لاسيما إذا خالف أحكام الأئمة، ويجرؤ بعضهم من أصحاب الشهادات والمتمرنين على تحقيق الكتب، يجرؤ بعضهم فيخطئ إمامًا من الأئمة، ويقول: خفي عليه، أو فعل كذا أو كذا، والصواب عندي كذا، مثل هذا التصرف، كيف يدركه الطالب المتأخر الذي لا يعرف من الحديث إلا ما أمامه، النص الذي أمامه، والحديث الذي يخالفه ويعارضه في الباب الذي يليه ما يعرفه، فالأمر ليس بالسهل، والكلام في سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي وحي ومنسوبة إلى الله ورسوله، فليحذر وليخشَ وليتوقَّ طالب العلم من أن يجزم بثبوت حديث ما سُبِق إلى تصحيحه، أو بنفي ما سبق أو بإثبات ما سبق إلى تضعيفه؛ لأن الأئمة عندهم من الحفظ وسعة الاطلاع والمعرفة والخبرة بأحوال الرواة وأحوال المرويات وظروف الروايات ما لا يوجد عند من جاء بعدهم.
ولذا بعضهم يقصر الأحكام على المتقدمين، وأنه لا حكم على حديث من الأحاديث في العصور المتأخرة، كما أشار إلى ذلك ابن الصلاح في علوم الحديث، وقلَّده من قلَّده، لكن لا شك أن سد باب الاجتهاد بالنسبة للمتأهل غير متجه، فباب الاجتهاد مفتوح، لكن للمتأهِّل، والتأهل في هذا الشأن يحتاج إلى تعب، يحتاج إلى عناء، يحتاج إلى ممارسة وطول خبرة.
يقول: لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد، وأولئك الخمسة أو أكثر من خمسة سمعوه في مجالس متعددة، يعني أن أبا إسحاق حدث به في مجالس متعددة، بينما شعبة وسفيان كأنهما راوٍ واحد؛ لأنهما سمعا الحديث في مجلس واحد، ولا شك أن الراوي إذا كرر الحديث مرارًا دل على أنه ضابط له، ومتقن له، أما إذا حدَّث به مرة واحدة ولم يعد، لا يضمن أن يكون أخطأ، ويكون وهم؛ لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد.
ومما يدل على ذلك ما حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود- وهو الطيالسي- قال: أنبأنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق: أسمعت أبا بردة يقول: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا نكاح إلا بولي» قال: نعم، فدل هذا الحديث على أن سماع شعبة والثوري عن مكحول هذا الحديث في وقت واحد، وإسرائيل هو ثقة ثبت في أبي إسحاق، وهو من أهل بيته، وأهل البيت أعرف الناس بحديث الراوي.
سمعت محمد بن المثنى يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الذي فاتني إلا لما تكلمت به على إسرائيل؛ لأنه كان يأتي به أتم، ثم قال: وحديث عائشة..
لأن الترمذي عادته إذا أتى بالحديث الأصل، يردفه بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، يعني من الصحابة، ثم يذكر شواهد الحديث.
وبهذا نعرف السبب الذي حكم به الأئمة الجهابذة الحفاظ على الحديث بالوصل مع كون من أرسله كالجبل، شعبة وسفيان، يعني اسمان لهما بريق في الرواية، ولهما تصدر في الحفظ والضبط والإتقان، لكن هذه العلة التي أوردها الترمذي، وقلَّ من يتنبَّه لها، لا شك أنها مؤثرة، مما جعل أكثر العلماء على الحكم بوصله، ومنهم إمام الصنعة الإمام البخاري، وعلى هذا فالحديث صحيح، وصححه ابن المديني وغيره.
والحديث عمدة عند المالكية والشافعية والحنابلة في اشتراط الولي في النكاح، الشافعية والحنابلة قولهم واحد في اشتراط الولي في النكاح، وأن النكاح من غير ولي باطل، وعند المالكية التفريق بين الشريفة والوضيعة، بين الشريفة والوضيعة، فالشريفة لا تنكح إلا من طريق الولي، لا بد من وجود الولي، والوضيعة تنكح نفسها، وهذا القول مع مخالفته الصريحة لهذا الحديث أيضًا هو من حيث النظر ضعيف، غأيهما أولى باشتراط الولي الشريفة أو الوضيعة؟
طالب: الوضيعة.
الوضيعة أولى باشتراط الولي، فهي مظنة أن تسلك بعض الطرق غير المناسبة والطرق الملتوية، وهذا ما جرَّ إليه مذهب من لا يشترط الولي في هذا النوع من النساء، إذا خالفت، وسلكت الطرق غير السوية، واكتُشفت، أو خشيت أن تكتشف قالت: زوجتك نفسي، فقال: قبلت، هذه غير الشريفة، فهي أولى باشتراط الولي من الشريفة، مع أن الكل لا بد فيه من الولي، ولا نكاح إلا بولي.
وعند الحنفية أنه لا يشترط الولي لا لشريفة ولا لوضيعة، وسيأتي الحديث اللاحق «الثيب أحق بنفسها من وليها، الثيب أحق بنفسها من وليها»، والشافعي- رحمه الله- يستدل على اشتراط الولي بقوله- جل وعلا-: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} [سورة البقرة:232]، الخطاب موجَّه لمَن؟
طالب: للولي.
للأولياء الخطاب، موجَّه للأولياء، مما يدل على أنه لا تنكح المرأة إلا عن طريق وليها، وإلا لما ساغ توجيه الخطاب إليه في العضل، ما يسوغ توجيه الخطاب إليه وهي بإمكانها أن تزوج نفسها، كيف ينهى عن العضل ومنع المرأة من الرجوع إلى زوجها وهو ليس له عليها سلطان؟!
هذه من أصرح الأدلة على اشتراط الولي، وسبب النزول يؤكِّد هذا الفهم وهذا المعنى، معقل بن يسار زوَّج أخته من رجل كفء، ثم صار بينه وبينها خلاف فطلَّقها، فلما انتهت العدة جاء إلى معقل، إلى أخيها وقال: أريد أن أتزوج فلانة؛ لأنها إذا انتهت العدة في الطلاق الرجعي صار أسوة الخطاب، يأتي خاطبًا جديدًا مثله مثل غيره، ويشترط له بقية الشروط، جاء يخطب قال: زوجتكها، ثم طلقتها، ثم تأتي تطلبها ثانية؟! والله لا أزوجك أبدًا، فنزلت الآية خطابًا للولي الذي هو أخوها؛ لأنه يملك المنع، هو الولي، يعني بحسب السلطة المخوَّلة له شرعًا يملك المنع، لكنه نهي عن هذا المنع؛ لعدم وجود المبرِّر، الرجل كفؤ، الرجل كفؤ، والولي له سلطة شرعية، لكن مع ذلك لا يجوز له أن يستغل هذه السلطة فيعضل موليته لغرض من الأغراض، كثير من الناس يمنع بنته أو أخته من الزواج بفلان أو بفلان؛ لأنه يحبسها، أو يرغب في فلان دون فلان، ومنهم من يمنع تزويج من ولاه الله عليه؛ طمعًا في خدمتها، يريد أن تخدمه في البيت، وبعضهم يعضلها ويمنعها من الزواج؛ ليستفيد من مالها من راتبها، فلا يجوز له أن يعضل لأي أمر من الأمور إذا تقدم الكفؤ؛ «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه».
لا بد من تحقق هذه السنة النبوية الإلهية التي هي السبب في بقاء النوع، السبب الشرعي في بقاء النوع الإنساني، فلا يجوز أن تؤخّر المرأة؛ من أجل إرضاء فلان أو علان، وإذا عضل وتكرر منه ذلك تنقل الولاية منه، ولو كان الأب، تسقط ولايته بذلك، فالآية موجَّهة للولي، للأولياء، {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [سورة البقرة:232] وزوجها باعتبار ما سبق هو زوجها، لاسيما إذا كان له منها أولاد، فهو أولى الناس بها؛ حفاظا على هؤلاء الأولاد، فمادام الخطاب اتجه إلى الولي دل على أن الولي معتبَر شرعًا، إضافة إلى حديث الباب وما في معناه من الأحاديث.
الحنفية يستدلون بأدلة منها قوله -جل وعلا-: {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [سورة البقرة:230]، يصح أن يقال: نكحت، وأُنكِحَت، يعني نكحت بواسطة وليها، يصح أن ينسب الفعل للمباشر، كما يصح أن ينسب إلى من يقوم به، أو من يتسبب فيه، تقول: توفي فلان، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ} [سورة الزمر:42]، {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [سورة الأنعام:61]، كما تقول: مات فلان، وتقول: {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [سورة البقرة:230] بالنكاح الشرعي بأركانه وشروطه التي منها الولي، ولا يعني أنها تتولى النكاح بنفسها، الحنفية أيضًا قاسوا عقد النكاح على عقد البيع يقولون: تتصرف في أموالها، فلماذا لا تتصرف في نفسها؟ وهذا عند أهل العلم قياس فاسد الاعتبار، لماذا؟
لأنه في مقابل نص، هذا في مقابل نص، فهو فاسد الاعتبار.
وعلى كل حال المرجَّح في المسألة اشتراط الولي في النكاح، ولا شك أن الحكمة والمصلحة تقتضيه، ولما يخشى من الشرور والمفاسد المترتبة على إجراء النكاح بدون ولي، والرجال أعرف وأخبر بمن يتقدم إليهم من الرجال، وأعرف بالعوائل المناسبة وغير المناسبة، المرأة ما الذي يدريها؟ وما الذي يعرفها بزيد من الناس إذا تقدم لخطبتها؟ إن لم يوجد لها ولي يسأل ويتحرى.
قد يقول قائل: إن المرأة صارت مثل الرجل، خراجة ولاجة، تبيع وتتوظف وتعامل مع الناس، وفي المصانع، وفي كل مهنة يمتهنها الرجال، فما الفرق بينها وبين الرجل؟
نقول: هذا خلاف الأصل في الشرع، ولا يبنى عليه حكم، ولا يغيَّر من أجله حكم؛ لأن كل ما خالف الشرع لا اعتبار له، الأصل {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [سورة الأحزاب:33] هذا الأصل، تبعًا لهذا الأصل المقرَّر أن المرأة لا تعرف من يتقدم لخطبتها، لذا معرفة المرأة محدودة وقاصرة.
بعض النساء من طالبات العلم يحسنّ الظن بأهل العلم وبالمشايخ وطلاب العلم من العلماء والدعاة والوعاظ وغيره، يسمعون الكلام في الدروس وفي الأشرطة، يتبين أن الخبرة مهما كانت تكون محدودة عند المرأة، فتتقدم لخطبته، وهي مشكورة على هذا، الواهبة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتقدمت له تعرض نفسها عليه، هي عرفت عن هذا الشيخ بالكلام النظري في هذا الشريط وفي هذا الدرس، وهي ما تدري عن خلقه شيئًا، ولا عن معاملته شيئًا، والعلماء وإن كانوا أقرب الناس إلى امتثال للأوامر واجتناب النواهي إلا أن ظروفهم مشبهة لظروف الآخرين، ينتابهم ما ينتاب الآخرين، وكم من واحدة من الأخوات أقدمت على مثل هذا العمل فندمت؛ لأن هذا ما تدري عن خلقه ولا عن كرمه، قد يكون شحيحًا، وقد يكون سيئ الخلق، وقد يكون غضوبًا، وهي ما تدري، هذا يدلنا على قِصَر نظر النساء، والرجال لا يعرفهم إلا الرجال، لكن لو أن رجلًا سئل عن امرأة في بيت آل فلان فهل يدري؟!
ما يدري، الرجال يعرفون الرجال، والنساء يعرفن النساء، فلا شك أن وجود الرجل لحياطة المرأة وصيانتها، والبحث عن مصالحها، والبحث عمن يسعدها، لا شك أنه أولى وأخبر بجنسه من الرجال من المرأة، وهذا عين الحكمة وعين المصلحة.
قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تنكح الأيم حتى تُستَأمر، لا تنكح الأيم حتى تستأمر»"، السين والتاء للطلب، بمعنى أنه يُطلَب الأمر منها، والأيِّم من سبق لها الزواج، فتكون إما مطلقة، أو متوفًى عنها، هذه صار لها خبرة بالرجال، وقَلَّ حياؤها فيما يتعلق في هذا الشأن، فتستأمر، تقدم فلان خاطبًا لكِ، فهل تقبلين أو لا تقبلين، لا بد أن تصرِّح بالإثبات أو بالنفي، بينما البكر التي ليس لها خبرة ولا دربة ولا معرفة بالرجال، تُستأذن، لو الإذن أشكل عليهم، قالت عائشة: يا رسول الله، إنها تستحيي، البكر، قال: «إذنها صماتها»، وهنا قال: "قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت»".
وهذا وضع البنات قبل الانفتاح، صحيح تغيرت الأمور والأحوال في كثير من بيوت المسلمين؛ بسبب هذا الانفتاح والتواصل، والله المستعان، لكن ومع ذلك يبقى الحكم الشرعي، يبقى الحكم الشرعي، طيب لو أن أيمًا طُلب رأيها في زيد من الناس الذي تقدم لخطبتها فلم تنطق، يكفي أم ما يكفي؟ لا بد أن تتكلم، وهناك بكر استؤذنت في خاطب فتكلمت، يعتبر كلامها أم ما يعتبر؟
نعم يعتبر، هو ما لُجِئ إلى السكوت إلا عند تعذُّر الكلام، إلا عند تعذُّر الكلام، وإلا فالكلام هو الأصل، ولا ينسب لساكت قول، لكن لما احتيج إليه باعتبار أن البكر تستحيي أن تصرح بأنها تريد فلانًا، ولا تريد فلانًا، وأدركنا الشباب يستأذنه أبوه في أن يزوجه من فلانة أو فلانة فيسكت، صحيح هذا ما هو افتراض، هذا صحيح أدركناه، كان الحياء خلقًا مهيمنًا مسيطرًا على الناس، وما نزع الحياء إلا من كثرة الدخول والخروج.
ولذلك أهل العلم يفرقون بين المرأة المحافظة والمرأة التي يسمونها برزة، برزة خراجة ولاجة، مثل هذه حكمها حكم الرجال، ترجلت، قد تدعو الحاجة إلى الخروج، قد تدعو إلى بيع وشراء، لكن لا يصير عادة وديدنًا، والله المستعان.
"قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت»، متفق عليه.
وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الثيب»" وهي الأيم في الحديث السابق «الثيب أحق بنفسها». والثيب من وُطِئت بنكاح صحيح، يعني سبق لها أن تزوجت، والبكر ما سبق لها أن تزوجت، ولا وُطِئت بنكاح صحيح، لكن لو وُطِئت بوطء غير صحيح، إما بزنى، نسأل الله العافية، أو بشبهة، هذه بكر، هذه حكمًا بكر، دعونا من مسألة البكارة وأرش البكارة فهذا أمر ثانٍ، لكنها حكمًا بكر، ولذا يقولون في الثيب: من وطئت بنكاح صحيح، أما من وُطئت بنكاح غير صحيح سواء كان محرَّمًا كالزنى أو شبهة فهذه ليست بثيب؛ لأنه لم توطأ بنكاح صحيح، وعلى هذا لو زنت، نسأل الله السلامة والعافية، لو زنت مرارًا نقول: في المرة الأولى تجلد، وفي الثانية ترجم؛ لأنها وطئت؟
لا، هي بكر، بينما الثيب التي تزوجت، ووُطئت لو مرة واحدة هي ثيب؛ لحديث عبادة بن الصامت: «خذوا عني، خذوا عني، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة»، نسأل الله -جل وعلا- أن يحمي أعراض المسلمين.
«الثيب أحق بنفسها من وليها، الثيب أحق بنفسها من وليها» هذا من أدلة من لا يرى اشتراط الولي، هذا من أدلة من لا يرى اشتراط الولي؛ لأنها أحق بنفسها، لو اشترط الولي صار الولي أحق بها، ولا تعارض بين هذا الحديث والحديث السابق، بمعنى أنه لا يجرى العقد إلا على من يرتضيه الولي، والولي هو الذي يتولى إبرام العقد، لكن لو أصرت أنها لا تريد فلانًا، فإن الولي لا سلطان له عليها في إلزامها بالزواج ممن يريد، إذا تعارضت الإرادة بين إرادة المرأة وإرادة الولي، والمرأة ثيب، تقدم إرادتها، لكن لا تزوج على أحد لا يرضاه بمبرر شرعي، هي أحق مادام من تريده تكتمل فيه الشروط والكفاءة فإنه لا يجوز له أن يلزمها، فإرادتها أقوى من إرادتها، فهي أحق بنفسها من وليها، وهذا عند التعارض إرادة المرأة مع إرادة الولي فإرادتها مقدمة؛ لأنها أحق بنفسها، والمراد بذلك الثيب.
«والبكر تستأمر» هناك في الحديث السابق قال: تستأذن، وهنا قال: تستأمر، وفي بعض النسخ: تستأذن، وهي الموافقة للرواية السابقة، يعني يطلب إذنها، ولا يطلب أمرها، وإذنها سكوتها، فيكون إذا قلنا: والبكر تستأذن صار الحديثان متفقين، وإذا قلنا باللفظ المثبت في الكتاب: تستأمر قلنا: إنه لا فرق بين البكر والأيم، لا فرق بينهما؛ لأن الأيم حتى تستأمر، والبكر تستأمر، ما فيه فرق بينهما، فالمرجح من اللفظين تستأذن؛ ليتفق الحديثان.
قال "«وإذنها سكوتها»، رواه مسلم، وفي لفظ: «ليس للولي مع الثيب أمر، ليس للولي مع الثيب أمر»" يعني لا يستطيع أن يلزمها، ولا يكرهها على من لا ترتضيه، فهل يستطيع أن يلزم البكر، ويجبر البكر، كما أنه لا يستطيع أن يلزم الثيب؟ مفهوم «ليس للولي مع الثيب أمر» مفهومه أنه له أمر بالنسبة للبكر، ولهذا قال جمع من أهل العلم أن للأب أن يُجبِر ابنته البكر بالغة كانت أو غير بالغة، وهذا هو المعروف عند الحنابلة، لكن قوله في الحديثين: «ولا تُنكَح البكر حتى تستأذن» يدل على أنه ليس للولي أن يجبر موليته، لاسيما على من لا تريده، وسيأتي في الأحاديث اللاحقة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فسخ النكاح حيما زُوِّجَت على شخص لا ترتضيه.
«ليس للولي مع الثيب أمر» مفهومه ما تقدم أنه لا يجوز بحال أن تزوَّج بغير رغبتها، أو على من لا ترغب هذا منطوقه، ومفهومه أن البكر بخلاف ذلك، لكن هذا المفهوم معارَض بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «ولا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا تنكح البكر حتى تستأذن»، قال: «واليتيمة تستأمر» اليتيمة تستأمر، يعني لم تبلغ، اليتيمة هي التي مات أبوها وهي دون البلوغ، «وصمتها إقرارها»، والمراد باليتيمة الصغيرة، وهي في الغالب بكر، فيجري هذا الحديث مع الحديث الذي قبله، ولا تنكح البكر حتى تستأذن في مساق واحد "«وصمتها إقرارها».
رواه أبو داود والنسائي وأبو حاتم البستي والدارقطني".
الخلاصة أن الولي شرط من شروط صحة النكاح لقول أكثر أهل العلم، وعليه الأدلة الصحيحة الصريحة، والتفريق بين البكر والثيب، وأن الثيب لا بد من أن تنطق، وأن البكر يكفي سكوتها، وأن الولي سواء كان أبًا أو غيره ليس له أن يجبر موليته على النكاح، بكرًا كانت أو ثيبًا، نعم قد يلح عليها؛ لأنه يرى المصلحة الظاهرة، لكن لا يجري العقد عليها إلا بعد أن تقتنع وترضى.
طالب: .............
قال -رحمه الله-: "وعنه رضي الله عنه" يعني عن ابن عباس الصحابي في الحديث السابق، "قال: أن جارية بكرًا أتت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي -عليه الصلاة والسلام-، رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني، وله علة بينها أبو داود وأبو حاتم، وهي الإرسال" وهو المرجح في هذا الحديث، فالحديث ضعيف، والمحفوظ أن التي أخبرت ثيِّب، كما في الصحيح، التي جاءت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالت: إن أباها زوجها من ابن أخيه؛ ليرفع به خسيسته، ليرفع خسيسته، فخيرها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك أقرت ما أجراه أبوها إلا أنها أرادت أن تعلم النساء أنه ليس للأولياء سلطان يخوِّلهم على الإكراه والإجبار.
وعلى كل حال البنت سواء كانت بكرًا أو ثيبًا هذا من حيث الصناعة الحديث الذي معنا ضعيف؛ لأن الراجح إرساله، لكن معناه صحيح، فالإجبار والإكراه سواء كان لثيب أو لبكر لا يجوز من الولي، سواء كان الولي أبًا أو غيره من الأولياء؛ لأنها تملك نفسها، والولاية لا تعني الإجبار والإكراه والإلزام، وإنما تعني الرعاية والحياطة والبحث عن الأصلح وما يسعد جميع الأطراف، ولا شك أن المرأة لا تستقل بالأمر دون أوليائها، الأمر مشترك، لو أنها رغبت شخصًا لا يليق بأسرتها، لا يليق بأسرتها، أو رضيت رجلاً فاسقًا فإن لوليها أن يتدخل ويمنع، فله سلطان، لكن سلطانه بقدر ما يحقق المصلحة، وبقدر ما يدرأ المفسدة، فإذا وجدت المفسدة تدخل، ولأنه مؤتمن عليها، هي أمانة في عنقه، لا يجوز له أن يزج بها عند شخص تتضرر به في دينها أو في دنياها أو في بدنها، بل عليه أن ينصح لها، والوعيد الشديد على من مات وهو غاش لرعيته، وهذه من صور الغش للرعية، والله المستعان.
"أن جارية بكرًا أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني وله علة بينها أبو داود وأبو حاتم وغيرهما" وهذه العلة هي الإرسال، وهو المرجَّح في هذا الحديث.
البيهقي يقول: في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن خنساء بنت خدام أن أباها زوجها وهي ثيِّب فكرهت ذلك فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فردَّ نكاحها، والذي روي في البكر في مثل هذه القصة إنما روي مرسلاً عن عكرمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني بدون ذكر لابن عباس، وعن المهاجر بن عكرمة مرسلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن إبراهيم بن مرة عن عطاء مرسلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن وصل هذه الروايات وهم في وصلها في قول أهل العلم بالحديث.
وعلى كل حال الإجبار لا يجوز سواء كانت المولية بكرًا، كما أنه لا يجوز إذا كانت ثيبًا، خلافًا لما هو معروف ومشهور عند الحنابلة وبعض العلماء أنهم يرون أن للأب أن يجبر البكر؛ لأن الأب عنده من الحنو على بنته ورعاية المصلحة، بل هو في غالب الأحوال أعرف بمصلحتها عنها، لكن مع ذلك المرأة لها شأن في الإسلام، ولها وجود، ولها كيان، ولها استقلال، لا يجوز لأحد أن يتصرف في مصالحها إلا بإذنه،ا إذا كانت حرة مكلفة رشيدة، وأما إذا كانت مما يحتاج إلى ولاية فالولي يقوم بذلك إذا كانت ليست برشيدة لا في نفسها ولا في مالها، فيولَّى عليها من يقوم بمصالحها، كما هو الشأن في بعض الرجال، إذا وجد من الرجال من ليس برشيد فإنه يولى عليه من يقوم بشؤونه، ويتصرف في أمره، والمرأة كذلك.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.