كتاب النكاح من المحرر في الحديث - 07
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
قال -رحمه الله تعالى-: "وعن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر" معمر عن الزهري، معمر بن راشد عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر هذا الإسناد عند الإمام أحمد- رحمه الله- هو أصح الأسانيد هذا الإسناد عند الإمام أحمد هو أصح الأسانيد، يقول الحافظ العراقي:
وجزم ابن حنبل بالزهري
|
|
.........................
|
وجزم ابن حنبل بالزهري
|
|
عن سالم أي عن أبيه البر
|
هذا هو أصح الأسانيد عند الإمام أحمد بن حنبل ومع ذلك فالحديث مصحح عند أهل العلم بطرقه، فهو صحيح بغيره لا بذاته؛ لأن من أهل العلم من طعن فيه كما سيأتي في كلام الإمام البخاري -رحمه الله-.
قال -رحمه الله-: "عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتخير منهن أربعًا" في لفظ: «أمسك أربعًا وفارق سائرهن»، يعني فارق الباقي، فيه إقرار لعقود الجاهلية، فيه إقرار وتصحيح لعقود الجاهلية، وترتيب الآثار المرتبة على العقود الصحيحة عليها ما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: النكاح باطل، أجرى هذه العقود على ما كانوا يتعاطونه فقال: «أمسك أربعًا»؛ لأنه لا يجوز نكاح أكثر من أربع نسوة، وهذا محل إجماع بين أهل العلم، محل إجماع لم يخالف في هذا ممن يعتد بقوله ينسب لبعض طوائف البدع ما ينسب من الإطلاق في العَدَد أو التسع أخذًا من آية النساء، أو بعدد نسائه -عليه الصلاة والسلام-، وقد توفي -عليه الصلاة والسلام- عن تسع نسوة.
على كل حال هذه المسألة لا تحتمل البحث، وأنها محسومة بالنص، {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [سورة النساء:3] اثنتين أو ثلاثًا أو أربعًا من غير زيادة على ذلك، وهذا ما تقتضيه لغة العرب، ودلَّت عليه السنة كما في هذا الحديث وغيره، والمسألة إجماع بين أهل العلم.
"فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتخير منهن أربعًا" وفارق سائرهن، يعني طلق الست وما قيل: إن الأربع الأول الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة عقدها صحيح، والباقي باطل تلقائيًّا، كما لو حصل في الإسلام نكاح العشر أجري على أساس أنها صحيحة، لكن في الإسلام لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع، فأُمر بإمساك الأربع، العدد المسموح به شرعًا، وما عدا ذلك من القدر الزائد تجب مفارقته، وأن له الخيار سواء اختار الأولى أو الثانية أو الثالثة أو العاشرة أو الثامنة يختار أربعًا.
"فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتخير منهن أربعًا" يقول: "رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وابن حبان والحاكم وقال البخاري: هو حديث غير محفوظ، وتكلم فيه أبو زرعة وأبو حاتم وغيرهما".
على كل حال الحديث له طرق يثبت بمجموعها، وله شواهد، ودلالة القرآن تؤيده، أسلم رجل عن خمس نسوة، فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- بمفارقة الخامسة، واحدة منهن يقول: فنظرت فإذا عتود عندي منذ ستين سنة فطلقتها، يعني كأنها الأولى، اختار الأولى فطلقها؛ لأنها فيما يبدو غير صالحة للخدمة، فإذا عتود عندي منذ ستين سنة فطلقتها، والحديث دلالته ظاهرة على تحريم الزيادة على الأربع، وفي الباب ما يشهد له من الأحاديث الأخرى، وإن كانت مفرداتها لا تسلم من مقال.
قال -رحمه الله-: "وعن الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «طلق أيتهما شئت»".
وهذا كسابقه في إجراء العقود السابقة في الجاهلية على الصحة، وترتيب الآثار عليها، فالأولاد من هؤلاء النسوة في عقود الجاهلية منسوبون لآبائهم وإن كانت الشروط المعتبرة شرعًا قد لا تكون متوافرة، لكن مع ذلك لا بد من تصحيح هذه العقود؛ لثبوت الأنساب وترتيب الآثار عليها وإلا معناه لا يصح عقده.
"قلت: يا رسول الله، إني أسلمت وتحتي أختان"، تزوج امرأة ثم تزوج أختها، والجمع بين الأختين محرم في شريعة الإسلام؛ {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [سورة النساء:23]، منصوص عليه في القرآن، قل مثل ما لو كان تحته امرأة وعمتها وخالتها، فإنه لا يجوز له أن يستمر على هذا النكاح، بل يطلق أيتهما شاء.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «طلق أيتهما شئت»" وهذا كسابقه هناك، لا يجوز الزيادة على الأربع، فأمره أن يمسك الأربع، ويفارق سائرهن، يفارق الباقي، وفي هذا الحديث لا يجوز الجمع بين الأختين في الإسلام، فأمره أن يمسك واحدة، ويطلق الأخرى، والأمر بالطلاق دليل على صحة العقد، وإلا لو كان العقد باطلاً لحصلت الفرقة تلقائيًّا.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، وابن حبان والدارقطني، وصححه البيهقي، وتكلم فيه البخاري، وفي لفظ الترمذي: «اختر أيتهما شئت، اختر أيتهما شئت»". والجملة الثانية منطوقها مؤيد لمفهوم الأولى، منطوق الجملة الثانية، منطوق الرواية الثانية عند الترمذي مؤيد مطابق موافق لمفهوم الجملة الأولى؛ لأن منطوق الجملة الأولى فيه الأمر بطلاق الواحدة، ومفهومه لأنهما اثنتان إمساك واحدة والجملة الثانية اختر إمساك واحدة ومفهومه تطليق الثانية، فكل جملة منهما مفهومها مؤيد لمنطوق الجملة الأخرى، الحديث مختلف فيه بين التصحيح والتحسين، وفيه كلام للبخاري، ولذا المرجح في حكمه أنه حسن، يتوسط فيه، لا يهدر كلام الإمام البخاري، ولا يهدر أيضًا تصحيح البيهقي وتحسين الترمذي، في مثل هذه الحالة عند أهل العلم إذا اختلفت الأقوال من غير مرجِّح يجزم به فإنه يتوسط في الأحكام على الأحاديث وفي الكلام على الرواة.
ثم قال -رحمه الله-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: رد النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحا".
حديث ابن عباس "رد النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته زينب"، وهي أكبر بناته -عليه الصلاة والسلام- ورضي عنهن، وماتت في حياته، وغسلتها أم عطية، كما في صحيح مسلم، رد النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته زينب وهي أم أمامة التي حملها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، كما في الصحيحين وغيرهما، أنه صلى بهم -عليه الصلاة والسلام- وهو حامل أمامة بنت زينب، حامل أمامة بنت زينب، إذا قام حملها وإذا سجد وضعها، والقصة في الصحيح هي بنت زينب من أبي العاص بن الربيع، أبوها أبو العاص، ونسبت لأمها؛ لشرف النسبة إليه -عليه الصلاة والسلام-.
"على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدِث نكاحًا" أسلمت في بداية البعثة، وهاجرت في السنة الثانية، وهاجرت في السنة الثانية، وأسلم عام الفتح، سنة ثمانٍ، فالعدد، عدد السنين بناءً على ما بين هجرتها وإسلامه وإلا إذا نظرنا إلى ما بين إسلامها وإسلامه فمدة طويلة، ولذا يقدح بعض أهل العلم في هذا الرقم وفي هذا العدد، ومنهم من يقول بعد سنتين، بعد سنتين، وليس المراد سنتين من ما بين إسلامها وإسلامه، وإنما هذا العدد فيما بين تحريم المسلمة على المشرك {وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ} [سورة البقرة:221]، بين نزول هذه الآية وبين إسلامه عام الفتح سنتان.
وعلى كل حال سواء كانت السنين من أول البعثة إلى سنة ثمانٍ يعني ما يقرب من عشرين سنة، أو ست سنين على ما جاء في هذا الحديث، أو سنتين يستدل بالحديث من لا ينظر إلى العدة؛ لأن من أهل العلم من يقول: ترد إليه ما دامت في العدة فقط، وإذا انتهت العدة حصلت الفرقة، ومنهم من يقول: تنقطع العلاقة بمجرد إسلام أحد الزوجين، والحديث وما في معناه يدل على أن العلاقة باقية مادامت لم تتزوج، ولها رغبة فيه، أو له رغبة فيها، كما هو مفاد هذا الحديث، فأقل التقديرات السنتان بين تحريم المسلمة على المشرك وبين إسلامه سنتان، والعدة معروف أنها تنتهي بأقل من هذه المدة، فلا التفات إلى الانتهاء من العدة، وبهذا قال جمع من أهل العلم، وهو المؤيَّد بهذا الحديث، وأنها إذا انتظرته حتى يسلم فالأمر لا يعدوها، كالغائب إذا غاب الزوج عن زوجته مدة طويلة فلها أن تفسخ، لها أن تفسخ إذا لم تستطع الصبر، وترجحت مصلحتها في الفسخ، ورأت ذلك، فلها أن تفسخ؛ لأنها متضررة، لكن إذا رضيت بالبقاء إلى أن يقدم، وجلس سنتين، ثلاثًا، خمسًا، عشرًا، ثم جاء، يكون الحكم مثله؛ لأن الأمر لا يعدوها، والضرر واقع عليها، فإذا رضيت بذلك، رضيت أن تنتظر إلى أن يسلم فالأمر لها كانتظار الغائب، متى ما قدم هي راضية لا تريد غيره، إن جاء فبها ونعمت، وإن جاء فهي عازفة عن الرجال غيره، وكذلك إذا أسلمت قبله تنتظره حتى يسلم؛ لأنها لا تريد غيره، أما أن تبقى في عصمته، وتترتب على ذلك الآثار من المعاشرة وغيرها فلا، هذا محل إجماع، لا يجوز له أن يعاشرها وهو مشرك وهي مسلمة، لكن تنتظره حتى يسلم، فإذا أسلم ترجع إليه.
قال "رواه أحمد" الحديث مصحح عند أهل العلم إلا عدد السنين.
"رد النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدِث نكاحًا" بدون عقد، بدون عقد.
"رواه أحمد وأبو داود" يعني حديث ابن عباس، "وابن ماجه والترمذي وهذا لفظه، فقال: ليس بإسناده بأس، ليس بإسناده بأس، والحاكم وصححه، وكذلك صححه الإمام أحمد وغير واحد، صححه الإمام أحمد وغير واحد.
قال: "وعنه قال: أسلمت امرأة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أسلمت امرأة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم"- جاء في رواية أخرى للحديث السابق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه ردها بنكاح جديد، أنه ردها بنكاح جديد، وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا بد من تجديد النكاح إذا أسلمت قبله وانتهت العدة، أو أسلم قبلها، لكن حديث ابن عباس أقوى وأرجح.
"وعنه قال: أسلمت امرأة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتزوجت، فجاء زوجها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إني كنت أسلمت وعلمت بإسلامي، فانتزعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من زوجها الآخر، وردها إلى زوجها الأول".
أسلمت امرأة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتزوجت، هذا الحديث معناه صحيح، وحكمه المستنبط منه صحيح، وإن كان في إسناده ضعف، "أسلمت امرأة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتزوجت، فجاء زوجها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إني قد كنت أسلمت، وعلمت بإسلامي، فانتزعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من زوجها الآخر، وردها إلى الأول".
وهذا يشهد له الحديث السابق: «من عقد لها وليان فهي للأول منهما»؛ لأنها حينئذ لم تصادف محلاًّ، الثاني عقد له وهي في عصمة زوجها الأول، "فانتزعها النبي -عليه الصلاة والسلام- من الآخر، وردها إلى زوجها الأول. يقول: رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه."