كتاب القضاء من المحرر في الحديث - 03
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
طالب: بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر: "باب الدعاوى والبينات".
"عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه». متفق عليه، واللفظ لمسلم. وزعم بعض المتأخرين أنه لا يصح مرفوعًا، إنما هو من قول ابن عباس، وزعموه مردود".
وزَعْمُهُ.
طالب: أحسن الله إليك.
"وزَعْمُه مردود.
وللبيهقي أن النبي قال: «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر».
وعنه -رضي الله عنه-: «أن النبي ﷺ قضى بيمين وشاهد». رواه مسلم، وتكلم فيه البخاري والطحاوي.
وعن عقبة بن الحارث -رضي الله عنه-: «أنه لما تزوج أم يحيى بنت إهاب، فجاءت أمة سوداء، فقالت: قد أرضعتكما؟ قال: فذكرت ذلك للنبي ﷺ فأعرض عني! قال: فتنحيت فذكرت ذلك له، فقال: وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ فنهاه عنها». وفي لفظ: «دعها عنك». رواه البخاري والدارقطني: «دعها»".
وللدارقطني.
طالب: أحسن الله إليك.
"وللدارقطني: «دعها عنك لا خير لك فيها».
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «أن النبي ﷺ عرض على قوم اليمين، فأسرعوا، فأمر أن يسهَم بينهم في اليمين أيهم يحلف». رواه البخاري.
وعن سماك، عن علقمة بن وائل، عن أبيه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كِندة إلى النبي ، فقال الحضرمي: يا رسول الله! إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق. فقال النبي للحضرمي: «ألك بينة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه. قال: يا رسول الله! إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع عن شيء؟ فقال: ليس لك منه إلا ذلك! فانطلق ليحلف فقال رسول الله ﷺ لما أدبر: أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلمًا ليَلْقَيَنَّ الله وهو عنه معرض».
وعن أبي أمامة الحارثي أن رسول الله قال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة. فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإن قضيبًا من أراك». رواهما مسلم.
وعن الأشعث بن قيس قال: كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله فقال: «شاهداك أو يمينه، فقلت: إنه إذًا يحلف ولا يبالي! فقال: من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان». متفق عليه.
وعن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى: «أن رجلين اختصما إلى النبي ﷺ في دابة ليس لواحد منهما بينة، فقضى بها بينهما نصفين». رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي، وهذا لفظه وقال: إسناد هذا الحديث جيد.
وروى أبو داود من حديث همام عن قتادة بإسناده: «أن رجلين ادعيا بعيرًا على عهد النبي ﷺ، فبعث كل واحد منهما شاهدين، فقسمه النبي ﷺ بينهما نصفين».
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم؛ رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر، فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا، فصدقه وهو على غير ذلك، ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يَفِ». متفق عليه.
وللبخاري: «ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر؛ ليقتطع بها مال امرئ مسلم».
عن عبيد الله بن نسطاس، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، أن النبي قال: «من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوَّأ مقعده من النار». رواه الإمامان مالك وأحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي، وأبو حاتم البُستي".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعدُ، فيقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "باب الدعاوى والبينات".
دعاوى جمع دعوى، وما كان على هذا الوزن يُجمع بالألف وبالياء، ومنه دعاوي ودعاوى، فتاوي وفتاوى: (وبالفَعالي والفَعالى جُمع ما كصحرا)، فمن قال: دعاوى صحيح، يُجمع على ذلك، مثل من يقول: فتاوى، ومثله صحيح لو قال بالياء: دعاوي.
والدعوى: ما يدعيه الإنسان لنفسه، يدعي إنسان أن له حقًّا على فلان أو يدعي أن هذه العين له من دار أو غيرها، هذا يقال له: مُدَّعٍ، والطرف الآخر يقال له: مُدعًى عليه.
"والبينات": جمع بينة، وهي ما يُبين الحق ويوضحه من الشهود والأيمان والقرائن التي تبين الحق وتوضحه.
يقول -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي قال: «لو يُعطى الناس بدعواهم»"، لو كل من ادّعى شيئًا قيل له: خذه، صارت الدنيا فوضى، كلٌّ يدعي، وليس كل الناس، بل ليس كل المسلمين من أهل الورع والتقوى الذي يمنعه عن أن يدعي شيئًا ليس له.
"«لو يُعطى الناس بدعواهم لادّعى ناس دماء رجال وأموالهم»"، يدعي زيد على أن عَمرًا قتل أخاه أو أباه أو ابنه، لو أخذنا بمجرد هذه الدعوى والعمد يوجب القصاص؛ لقتلنا عمرًا، لكن هل يمكن هذا بدون بينة؟
لا يمكن.
"«لو يُعطى الناس بدعواهم»"، يعني بمجرد الدعوى من غير بينة، "«لادّعى ناس دماء رجال وأموالهم»"، يطالب هذا الشخص بدم أبيه أو بدم ابنه أو بدم أخيه، لو يُعطى بمجرد الدعوى جئنا بعمرو وقتلناه؛ لأن قتل العمد يوجب القصاص. لكن الشرع نظَّم الأمور، وقضى على الفوضى التي كانت موجودة قبل الإسلام؛ ولذا جاء في قوله -جَلَّ وعَلا-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]، لكن إذا ثبتت الدعوى ووجد القصاص انتفى القتل، يحسن إذا عرف أنه إذا قَتل يُقتل كفَّ عن القتل.
"«لادَّعى ناس دماء رجال وأموالهم»"، لو تُقبل الدعوى بدون بينة لقال: هذا الرجل مدين لي بمبلغ كذا قلَّ أو كثر، فلا يمكن أن يُعطى بدعواه المجردة؛ لأن الدعوى المجردة كلٌّ يستطيعها إذا لم يوجد الدين والورع فكل الناس، لا سيما في وقتنا هذا الأمر والدعاوى في المحاكم شيء لا يخطر على بال، المحاكم فيها من القضاة العدد الكبير، في بعض المحاكم خمسون قاضيًا والمواعيد بالأشهر، شهران، ثلاثة، خمسة، أكثر، أقل، وهم خمسون قاضيًا، فكم دعوى تُعرض في هذه المدة؟
ولذلكم الشرع الحكيم حسم هذه الفوضى، وقطع الطريق على من أراد أن يأكل أموال الناس بالباطل، وعلى من يدّعي دماء الناس بغير حق، فقال: "«لو يُعطى الناس بدعواهم لادَّعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدَّعى عليه»".
"«اليمين على المدعى عليه»"، ومتى تتجه اليمين على المدعى عليه؟ إذا أنكر، أما إذا اعترف انتهت القضية. واليمين على المدَّعى عليه إنما تُوجه إليه إذا لم يكن للمدَّعي بينة.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم، وزعم بعض المتأخرين" وهو الأَصِيلي "أنه لا يصح مرفوعًا، وإنما هو من قول ابن عباس"، يعني موقوف على ابن عباس، والحديث في الصحيحين في البخاري ومسلم، خرَّجاه من طريق ابن عباس مرفوعًا إلى النبي ﷺ، ولذا قال المؤلف: "وزعمه مردود"؛ لأن الحديث في الصحيحين، متفق عليه، مخرَّج في البخاري ومسلم، فلا يُقبل قول أحد فيه كائنًا من كان.
ثم قال: "وللبيهقي"، يعني عن ابن عباس، يقول ابن حجر: بإسناد صحيح. "وللبيهقي" بإسناد صحيح: "«البينة على المدَّعي، واليمين على من أنكر»".
"«البينة على المدَّعي»"، هذا يدَّعي أن له دينًا على فلان، يقال له: ألك بينة؟ كما سيأتي، "«شاهداك أو يمينه»".
يقول أهل العلم: إن المدعي ضعيف الجانب؛ لأنه يدعي خلاف الأصل، والمدعى عليه قوي الجانب؛ لأنه ينكر هذه الدعوة التي الأصل بخلافها. أو بيده العين، والمدعي ليس بيده شيء، إذا ادعى أن هذه الدابة له التي بيد زيد، أيهما أقوى جانبًا: الذي بيده العين أو الخارج؟ الذي بيده العين أقوى. ولذلك طُلبت البينة القوية ممن جانبه ضعيف، والبينة الضعيفة التي هي اليمين ممن جانبه قوي. فالبينة بالشاهدين أو بالرجلين أو بالرجل وامرأتين أو بالشاهد واليمين أو بالشاهد الواحد سواء كان رجلًا أو امرأة على ما سيأتي تفصيله، إن شاء الله تعالى.
كل باب له بينته؛ فأحيانًا تُطلب البينة من أربعة كما في الزنا، أربعة رجال، ولا يُقبل فيها نساء. وأحيانًا تكون البينة ثلاثة، كمن ادَّعى الفقر مع أن ظاهره الغناء؛ لحديث قَبيصة بن مُخارِق: «حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا» يقولون: إن فلانًا أصابته جائحة. في الزنا أربعة، وفي دعوى الفقر مع خلاف الظاهر؛ لأن الظاهر الغنى، فإنه حينئذ لا بد من ثلاثة. وفي الأموال، وما يؤول إلى الأموال رجلان أو رجل وامرأتان. وفي الحدود في السرقة أمرنا بشاهدين، لكن في السرقة لو شهد رجل وامرأتان بأن فلانًا سرق من فلان مبلغ كذا من الحرز ،مع توافر بقية الشروط، يُقطع أم ما يقطع؟ هل فيها حق لله -جَلَّ وعَلا-، وفيها شوب لحق المخلوق بالمال، وما كان من الحدود لا يُقبل فيه النساء، فلا يُقطع بالرجل والمرأتين؟ لكن يُطالب بالمال الذي سرقه بالرجل والمرأتين.
سيأتي أن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قضى بالشاهد واليمين، ولذا قال: "وعنه"، يعني عن ابن عباس صحابي الحديث الأول. "وعنه: «أن النبي ﷺ قضى بيمين وشاهد»". قلنا: إن المدعي جانبه ضعيف؛ لأنه يدعي خلاف الأصل، وهنا والأصل أن اليمين إنما تتوجه على المدعى عليه؛ لأن جانبه أقوى، وهنا "«قضى بيمين وشاهد»" لما جاء المدعي بالشاهد الذي هو نصف البينة قوي جانبه فصار كأنه مساوٍ للمدعى عليه مع الشاهد، فاكتُفي باليمين مع هذا الشاهد، قوي جانبه بالشاهد، وارتفع جانبه، وارتفعت دعواه بهذا الشاهد، لكن لا يكفي، الأصل أن الشهادة لا بد فيها من اثنين، جاء بشاهد عدل مقبول فقوي جانبه، فاكتُفي مع الشاهد باليمين كشأن المدعى عليه مع قوة جانبه يُكتفى باليمين.
"«أن النبي ﷺ قضى بشاهد ويمين». رواه مسلم، وتكلم فيه البخاري والطحاوي"، قال الترمذي في كتاب العلل: سألت محمدًا -يعني البخاري- عنه -عن هذا الحديث- فقال: لم يسمع عمرو -يعني ابن دينار- من ابن عباس. وعلى هذا يكون الخبر غير متصل، لم يسمع عمر من ابن عباس، وقال غيره: إن عمرًا سمع ابن عباس. فالبخاري نافٍ للسماع، وغيره مثبت للسماع، والمثبت مقدم على النافي؛ لأن معه زيادة علم خفيت على النافي؛ ولذا خرجه الإمام مسلم في صحيحه من طريق عمرو بن دينار عن ابن عباس. فإذا اختُلف في سماع لراوٍ عن غيره أو عدمه مع تفصيلات عند أهل العلم معروفة، ومع مرجِّحات للأقوال على غيرها، لكن تخريج مسلم لهذا الحديث قد يقول قائل: تخريج مسلم معارض بقول البخاري؟
نقول: لو كان التعارض بين الصحيحين اللذين تلقتهما الأمة بالقبول لقلنا: إن البخاري أرجح، (أول من صنف في الصحيح محمد وخُص بالترجيح، ومسلم بعدُ، وبعض الغرب مع أبي علي فضلوا ذا لو نفع). لكن ما ينفع، البخاري أرجح من وجوه كثيرة ترجع إلى: ثقة الرواة، وقوة الاتصال، وشدة التحري والتثبت من الإمام البخاري. لكن معارضة صحيح مسلم بقول للبخاري خارج الصحيح، هنا يُنظر في الترجيح. لو تعارض قول الإمام أحمد وهو إمام الأئمة في السنة مع قول البخاري، إن كان قول البخاري منقولاً عنه في غير الصحيح كما ينقله الترمذي كثيرًا نظرنا ورجحنا، لكن إذا كان قول البخاري في صحيحه الذي تلقته الأمة بالقبول فلا ننظر لمن خالفه.
فمثلاً حديث عبد الله بن عمر في رفع اليدين بعد القيام من الركعتين، خرَّجه البخاري عن ابن عمر مرفوعًا إلى النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، والإمام أحمد لا يرى رفع اليدين بعد الركعتين، وهذا موجود في كتب الحنابلة، لماذا؟ لأن الإمام أحمد يقول: موقوف على ابن عمر، والبخاري خرجه مرفوعًا. إذا نظرت من حيث القائلين كلهم أئمة كبار، لكن إذا نظرت إلى صحيح البخاري الذي تلقته الأمة بالقبول، ونُقل الإجماع على أن كل ما فيه صحيح، لا يعارض قوله بقول أحد، ولذا المرجح في هذه المسألة تخريج البخاري لحديث ابن عمر، وأنه مرفوع إلى النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-. هنا الكلام، معارضة كلام البخاري في غير صحيحه فيما نُقل عنه لتخريج مسلم الذي هو الآخر تلقته الأمة بالقبول يرجح أيش؟ تخريج مسلم، لا سيما وأنه جارٍ على القواعد؛ لأن مسلمًا مثبت للسماع، والبخاري نافٍ، ووافق مسلمًا جمع غفير من الحفاظ يثبتون سماع عمرو بن دينار من ابن عباس. ولذا خُرج في الصحيح، وحينئذ قد جاز القنطرة، كما يقول أهل العلم.
جمهور الصحابة -رَضِيَ اللهُ عنهُم- ومن بعدهم من التابعين والأئمة ذهبوا إلى الحكم بالشاهد واليمين لهذا الحديث وما جاء في معناه، وذهب الحنفية إلى عدم الحكم بمقتضى الحديث، وأنه لا بد من شاهدين، ما يكفي شاهد ويمين، الله -جَلَّ وعَلا- يقول: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، وما جاء في الحديث قالوا: إنه خبر واحد، فيكون زيادة على النص المذكور في القرآن، والزيادة على النص عندهم نسخ، الزيادة على النص عند الحنفية نسخ، وخبر الواحد لا ينسخ القطعي الذي هو القرآن. هذه قاعدتهم، لكن الحديث ثابت عن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، فهو أصل برأسه، تثبت به الأحكام ما دام ثابتًا عنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وعند التعارض يُبحث عن وجوه الترجيح المعروفة عند أهل العلم، والجمع ممكن بأن يُحمل قوله -جَلَّ وعَلا-: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] في البداية في تحمل الشهادة، بمعنى أنك إذا بعت أو اشتريت تأتي بشاهدي عدل وتشهدهما على العقد؛ لئلا يحصل خلاف، لكن إذا ما تيسر الشاهدان فإنه يُبحث عن الطرق التي يثبت بها الحكم وتُبِينُه من القرائن، وما دون الشاهدين من شاهد ويمين وما دونها بما يبين الحق ويوضحه.
يعني فرق بين التحمل والأداء، الآن أنت في وقت سعة، وعندك الشهود والعقد إلى الآن ما بعد تم، نقول: لا تستشهد إلا واحدًا حتى تحلف فيما بعد أو نقول: استشهد شاهدين من رجالكم؟ يعني فرق بين وقت التحمل ووقت الأداء. طيب، استشهدت شاهدين ذوي عدل، ثم مات واحد منها عند المطالبة يضيع الحق؟ أنا امتثلت {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: 282]، استشهدت شاهدين، ماذا يقول الحنفية؟
طالب: .......
نعم؟
طالب: .......
ما له حجة، يضيع الحق بدعوى أن الله -جَلَّ وعَلا- يقول: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: 282]، قلنا: استشهدنا شاهدين، والحديث صحيح في صحيح مسلم: "«قضى بالشاهد واليمين»". قد يخلو المكان من شهود، ما يُسعى لإثباته بأدنى بينة يقوم بها الحق؛ لئلا تضيع الحقوق؟
القرائن الدالة على صدق المدعي أو على كذبه معتبرة في الشرع. لو جاء شخص يدعي أن هذا ولده، ونظر القاضي إلى هذا الولد المدعى به أكبر سنًّا من المدعي، ماذا يقول القاضي؟ ولو لم يكن له معارض، يرد الدعوى مباشرة؛ لأنه مقترنة بما يكذبها. ذكر ابن القيم من الحكم بالقرائن: لو أن شخصًا عليه عمامة وبيده عمامة، يطالبه شخص حاسر الرأس يقول: هذا أخذ عمامتي، جانب المدعي حينئذ أقوى؛ لأنه ما يمكن أن يلبس عمامتين المدعى عليه الذي بيده العين، ثم بعد ذلك النظر في تفاصيل مثل هذه القضايا: لو أن صاحب العمامة، نفترض أنه مثلاً يلبس من الغتر خاصتنا، يدعيها شخص ليس من عرفهم في اللباس أن يلبسوا مثل هذا، يلبسون قبعات وطرابيش وما أشبه ذلك، فجاء وقال: هذا شماغي، ماذا يقول القاضي؟
طالب: .......
ولو كانت البينة ضعيفة، لكن القرائن مرجحة، قل مثل هذا في تفاصيل هذه المسائل الشيء الكثير.
وابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- وغيره من أهل العلم في كتب القضاء بيَّنوا أشياء يستفيد منها القضاء. أما {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فنص قطعي في القرآن لا ينكر أحد، لكن إذا لم يتيسر؟ أحيانًا ما يتيسر شهود أصلاً.
يعني متى تقبل شهادة الكافر؟ هو كافر، قد تقبل شهادته، قد تقبل شهادة الصبيان، صبيان فيما بينهم يلعبون فجاء واحد واعتدى على ثان ودفعه فانكسر، ما فيه غيره، يضيع الحق؟ ما يضيع الحق.
والفرق بين التحمل والأداء في الشهادة شيء، وفي الرواية شيء آخر: في الرواية يُقبل التحمل مع التغاضي عن الشروط، فتقبل رواية الكافر في حال التحمل، لكن لا تقبل في الأداء إلا إذا أسلم، تقبل رواية الصبي في التحمل، ولكن لا تقبل في الأداء إلا عند البلوغ. جبير بن مطعم لما جاء إلى النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- في فداء أسرى بدر، وسمعه يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، كافر جاء في فداء أسرى بدر، وهو كافر فسمعه يقرأ بسورة الطور، أداها بعدما أسلم، وخرَّجها الأئمة في كتبهم، هي مخرجة في البخاري وغيره، يقول: هذه رواية كافر؟ النظر في الشروط حال الأداء. محمود بن الربيع كما في صحيح البخاري عقل المجة التي مجها رسول الله ﷺ في وجهه وهو ابن خمس سنين، هل نقول: إن ابن خمس سنين مقبول الرواية؟ لا، إذا تحمّل وأدّى في حال تكليفه؛ لأنه حال الصبا لا يؤمَن أن يكذب؛ لأنه ما جرى عليه قلم التكليف، لكن في حال الأداء، لا بد أن يكون بالغًا عاقلاً تتوافر فيه شروط القبول، وهكذا.
ثم قال -رَحِمَهُ اللهُ- : "وعن عقبة بن الحارث: «أنه لما تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء، فقالت: أرضعتكما»"، يعني أرضعت عقبة وأم يحيى فصارا أخوين من الرضاعة، يجوز نكاح الأخت من الرضاعة؟ لا، بالإجماع، وبنص الكتاب.
"«فجاءت أمة سوداء فقالت: أرضعتكما. قال: فذكرت ذلك للنبي ﷺ»"، الشاهد: امرأة واحدة، وهي أمة ليست بحرة، "«فقالت: أرضعتكما»".
في هذه القضية وفي أمثالها لو طُلب لها من الرجال اثنان فيما لا يعرفه إلا النساء، يعني شهدت القابلة بأن هذا الطفل لما انفصل عن أمه صرخ، يرث أم ما يرث؟ إذا استهل المولود ورث، وهذا استهل، لكن ما عندهم إلا هذه القابلة، تقبل شهادتها في مثل هذا. وهنا في الرضاعة ما يدري أنها أرضعت إلا هي، ما فيه شهود.
"«فقالت: أرضعتكما. قال: فذكرت ذلك للنبي ﷺ فأعرض عني، فتنحيت، فذكرت ذلك»"، يعني مرة ثانية للنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- "«فقال: كيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ فنهاه عنها»، وفي لفظ: «دعها عنك». رواه البخاري".
الآن تزوج بمجرد عقد من غير دخول، ولم يحدث أولاد؛ من أجل أن يُحتاط لهم؛ لأن مثل هذا تدخله المرجحات. لو قالت: أرضعتكما، فحينئذ لا بد من الاستفسار: كم رضعة؟ وفي الحولين أو بعد الحولين؟ وهكذا، من أجل الاحتياط للأولاد لو وُجدوا، أما ما لم يوجد أولاد فالأمر فيه سهل، والشبهة قوية، ويترك الأمر للشبهة ما لم يوجد أولاد، وفي حديث: تداعى عبد بن زمعة والوليد في زياد، هذا يقول: أخي وُلد على فراش أبي، هو نعم، وُلد على فراش أبي، هو فيه شبه بزمعة، هذا يدعي، وذاك له الشبه، ولكنه وُلد على فراشه من غير رِشدة، ولد الولد على الفراش من الواطئ بزنا، فقضى النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.
طالب: .......
فقضى النبي ﷺ به للفراش، فقال: «هو لك يا عبد بن زمعة»؛ لأنه وُلد من أَمة لزمعة، فـ«الولد للفراش، وللعاهر الحجر»، كما قال النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، حكم به لزمعة: «هو لك يا عبد بن زمعة»، يصير أخاه؛ لأنه وُلد على فراش أبيه، قال: «واحتجبي منه يا سودة»، إذا قضى به لعبد بن زمعة، وهو أخوه، وسودة بنت زمعة ماذا تكون؟ تكون أخته، لكن «احتجبي عنه يا سودة»، لما رأى من التعارض، الحكم الشرعي شيء: «الولد للفراش»، وهناك شبه بعتبة، فقال: «احتجبي عنه»، هو أخ لها في الحكم الشرعي، والاحتجاب من أجل أيش؟ الشبه. فهناك مسائل تحتاج إلى دقة في النظر من أجل التعارض، هنا وُجد تعارض. الحكم الشرعي شيء، والورع شيء آخر، يعني تحتجب عنه من باب الورع، وإلا فهو في الحكم الشرعي أخوها، وتعارض هذا الحكم الشرعي مع الشبه البين بعتبة.
فمثل هذه الأمور في البينات والدعاوى تحتاج إلى دقة في النظر، وهنا قال: "«كيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ فنهاه عنها»، وفي لفظ: «دعها عنك»".
ترد أسئلة من هذا النوع كثيرة، يُفرق بين ما إذا كان النكاح من أمد بعيد وصار بينهما أولاد، إذا كانت دعوى واضحة، وتشهد بأنها أرضعتهما خمس رضعات في الحولين، ولم تتردد في ذلك، هذا حكم لا بد منه. لكن إذا ترددت أو قالت: ما أدري هل هم خمس أو أربع، ما أدري في الحولين أو بعد الحولين، على خلاف في ذلك في مسألة رضاع الكبير، فإنه حينئذ يُثبت النكاح، وتدرأ هذه الشبهة لوجود الأولاد الذين يتضررون بسبب هذه الدعوى من هذه المرأة.
"وللدارقطني" بسند صحيح أيضًا "«دعها عنك، لا خير لك فيها»". "«لا خير لك فيها»"، تزوجها عن رغبة وأحبها وأحبته، كيف "«لا خير لك فيها»"؟ لأنك في البداية الآن، وسوف تستمر طول حياتك وأنت تنظر إليها على أنها هي أختك أو ليست أختك، فيقع التردد كثيرًا في حياتك، وتسوء حالك، فـ"«لا خير لك فيها»"، وما دمت في أول الطريق فابحث عن غيرها.
ثم قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "وعن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ-: «أن النبي ﷺ عرض على قوم اليمين، فأسرعوا»" كل واحد منهم يؤدي اليمين ليأخذ المدعى به. "«فأسرعوا، فأمر أن يُسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف»"، يعني يُقرع بينهم، وهذا فيما إذا تساوت البينات، والعين في يد غيرهم، شخص يقول: أنا وجدت هذا البعير، بيده البعير، ليس لي، ثم جاء اثنان يدعيانه، كل منهما مدعٍ، فجاء هذا برجلين وذاك جاء برجلين، أو قال هذا: ما عندي بينة، وهذا قال: ما عندي بينة، تساويا في النفي والإثبات. في مثل هذه الحالة يُسهم بينهما، يعني قرعة أيهم يحلف ويأخذ البعير.
"«أن النبي ﷺ عرض على قوم اليمين فأسرعوا»"، كل واحد يقول: أنا الحالف، من أجل ماذا؟ ليأخذ البعير؛ لأنه ما فيه بينات.
"«فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف»"، قرعة، والقرعة شرعية. سيأتي من الأحاديث ما يدل على أنه يُقسم بينهما نصفين. القرعة هذه ثابتة في صحيح البخاري، وثبتت في نصوص كثيرة: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141]، قرعة، والنبي إذا أراد أن يسافر أقرع بين نسائه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، فالقرعة شرعية.
"رواه البخاري.
وعن سماك عن علقمة عن وائل بن حجر عن أبيه قال: «جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي ﷺ، فقال الحضرمي: يا رسول الله، إن هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي. فال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق»"، كل منهما يدعي أن الأرض له.
"«فقال النبي ﷺ للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا. قال: فلك يمينه»"؛ لأنك مدعٍ، عليك البينة، وهو مدعًّى عليه، عليه اليمين.
"«قال: لا. قال: فلك يمنه. قال: يا رسول الله إن الرجل فاجر»"، يعني لا يتردد في اليمين، ليس عنده من التقوى والورع ما يمنعه من أن يحلف كاذبًا.
"«إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء؟ فقال: ليس لك منه إلا ذلك»"، هذا الحكم: لك بينة، هات البينة، ما عندك ما لك إلا اليمين، «البينة على المدعي واليمين على المنكر».
"«ليس لك منه إلا ذلك. فانطلق ليحلف»" الكندي "«فانطلق ليحلف، فقال رسول الله ﷺ لما أدبر»" كأن اليمين ليست في مجلس الحكم؛ لأنه انطلق، ذهب ليحلف. "«فقال رسول الله ﷺ لما أدبر: أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلمًا ليلقين الله وهو عنه معرض»". وعيد شديد على من حلف؛ ليأكل مال غيره. ويأتي في هذا أحاديث تشدد في اقتطاع مال المسلم باليمين الكاذبة، وتسمى هذه اليمين: الغموس؛ لأنها تغمس صاحبها في النار، ولذا المقرر أنها لا كفارة لها، لا كفارة لها أعظم من أن تُكفر، كما أن القتل العمد ليس فيه كفارة؛ لأنه أعظم من أن يُكفر.
"«أما لئن حلف على ماله؛ ليأكله ظلمًا، ليلقين الله وهو عنه معرض».
وعن أبي أمامة الحارثي -رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ- أن رسول الله قال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا؟ فقال: وإن قضيبًا من أراك»"، يعني فيه حذف (كان) مع اسمها، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر» "«وإن قضيبًا»"، يعني "«وإن»" كان المحلوف عليه "«قضيبًا من أراك»"، الأراك شجر معروف تؤخذ منه أيش؟
طالب: ........
ماذا؟
طالب: السواك؟
لا، ماذا تقول؟ انطق، أريدها مجموعة.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: مساويك.
مساويك أم محاسن؟
طالب: .......
ما تجيء.
طالب: .......
لا، سواك مثل كتاب، اجمع كتابًا وافعل مثله في السواك.
طالب: سُوك.
سُوك، أما مساويك ضد محاسنك ...
طالب: .......
لا، ما فيه إشكال يا أخي، كلنا نتعلم.
"رواهما مسلم.
وعن الأشعث بن قيس قال: «كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله ﷺ فقال: شاهداك أو يمينه؟ فقلت: إنه إذًا يحلف ولا يبالي»"، مثل الكندي ذاك في القصة السابقة، يحلف ولا يبالي.
في القصة السابقة قال: "«إن الرجل فاجر»". طيب، أليس هذا قذفًا؟ يستحق عليه عقوبة أم ما يستحق؟ القذف لا بد فيه من مطالبة المقذوف، ولذلك ما ذُكر أنه طالَب وأنه جُلد.
"«كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله ﷺ فقال: شاهداك أو يمينه. فقلت: إنه إذًا يحلف ولا يبالي. فقال: من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان».متفق عليه".
الدنيا كلها بحذافيرها ما تقوم أمام هذا الوعيد، الدنيا بحذافيرها، لكن لو عقل الناس ما تتابعوا على النهم على هذه الدنيا وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة، فكيف وأن هذا الحطام الفاني الذي قد يكون شيئًا يسيرًا، في بئر: "«لقي الله وهو عليه غضبان»"، فلو التفت إلى الآخرة عرفت مقدار الدنيا: «ركعتا الفجر» بدقيقتين لا تزيد؛ لأن من صفة راتبة الفجر أنهما خفيفتان، لا تزيد على دقيقتين؛ لأن عائشة تقول: ما أدري -رَضِيَ اللهُ عَنها- أقرأ الفاتحة أم لا؟ وهما «خير من الدنيا وما فيها».
"«من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان»"، في هذا صفة الغضب لله -جَلَّ وعَلا-، وهي صفة ثابتة بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة على، تثبت لله -جَلَّ وعَلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا يُتعرض لتأويلها الذي يؤول إلى نفيها، المبتدعة أولوا صفة الغضب بأنه الانتقام، أو إرادة الانتقام، لماذا؟
هروبًا من إثبات الصفة التي أثبتها الله -جَلَّ وعَلا- لنفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؛ فرارًا من مشابهة المخلوق، الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ومع ذلك قال في الآية نفسها: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. الله يثبت لنفسه، ونحن نثبت له ما أثبته لنفسه على ما يليق بجلاله وعظمته، من غير تشبيه، ومن غير تأويل، ولا تحريف، ولا تعطيل، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، وهذه جادة مَن مصدره في التلقي ما جاء عن الله وعن رسوله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- على فهم الصحابة وسلف الأمة، ليس على أي فهم؛ لأن الذين تلقوا العلوم من الأمم الأخرى من الكتب المترجمة عن اليونان وغيرهم يفهمون النصوص على ضوء ما تلقوه، ونحن نفهم النصوص على ضوء ما بلغنا عن الصحابة والأئمة؛ لأنهم أعرف بنصوص الكتاب وأدرى؛ لأنهم عاصروا النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وعايشوا وفهموا عنه، أما من جاء بعد قرون عديدة بعد أن تلوَّثت الأفكار، واختلطت الأمة بغيره.
المقصود أن صفة الغضب ثابتة لله -جَلَّ وعَلا- كغيرها من الصفات الذاتية والفعلية. هذا المسكين الذي أملى عليه عقله أن إثبات الصفة يترتب عليه مشابهة المخلوق، فنفى الصفات، أو أوَّل الصفات، ماذا سيفعل إذا جاء الرب -جَلَّ وعَلا- يوم العرض بغير صفته، وحينئذ لا يسجد المؤمنون؛ لأنه بغير صفته، ثم إذا جاء بصفته سجدوا له. هذا الذي ينفي الصفات ما الذي عنده من شيء يعتمد عليه في الإثبات والنفي؟ عنده شيء؟ هو ينفي الصفات أصلاً، ولا يعترف بها، هو السميع البصير، له سمع وله بصر، وهذا يقول: لا سمع ولا بصر، إذا جاء على صفته وسجد له المؤمنون، كيف يسجد هذا الذي لا يثبت هذه الصفات؟ فالأمر ليس بالسهل.
"متفق عليه".
لهم مؤلفات ومصنفات وكلام طويل وكلام عريض في علم الكلام، وفيما يعتمدون عليه في الإثبات والنفي، وشرح المواقف ثمانية مجلدات كبار فيه من هذه العلوم التي يقررونها، تقرأ لا تقودك إلى الحق! كلام عقلي مجرد مردد مكرر مبني على قواعد وافدة من اليونان وغيرهم، وجاء عن السلف الكلام الكثير في ذم الكلام وأهله.