هذه السنة التي هُجِرت إلا ما ندر حقيقةً إنما يُحتاج إليها إذا كان هناك مشقة في الحضور إلى المسجد لأداء صلاة الجماعة، فإذا وُجدت المشقة والناس لن يحضروا للصلاة، فالسنة أن يقال مكان (حي على الصلاة، حي على الفلاح): (الصلاة في الرحال)، بمعنى: صلوا في رحالكم، أي: في بيوتكم، ولا تحضروا من أجل المشقة، فيؤذَّن أذانٌ كاملٌ ومكان (حي على الصلاة) يُقال: (الصلاة في الرحال)، وتُكرر مثلما يُقال في (حي على الصلاة، حي على الفلاح)؛ لأنها مكانها فهي بدلٌ عنها.
وإذا حضر الناس إلى المسجد في وقت الأولى مع وجود هذه المشقة بمطرٍ أو وحلٍ أو بردٍ شديدٍ أو اجتمعت هذه الأمور، فإنه حينئذٍ يُجمع بين الصلاتين التي يمكن فيها الجمع، وما لا يمكن فيه الجمع يبقى، وإن كانت الجماعة لن يحضروا فإنه حينئذٍ يُنادى: (الصلاة في الرحال)؛ دفعًا للمشقة، فقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما-: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالمدينة سبعًا وثمانيًا: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء» [البخاري: 543]، «في غير خوف، ولا سفر» [مسلم: 705]، وفي رواية: «في غير خوف، ولا مطر» [مسلم: 705]، والعلة في ذلك ألَّا يُحرجَ أمته «أراد ألَّا يُحْرِج أمته» [مسلم: 705]، فإذا وُجد الحرج وُجد السبب للجمع، وديننا -ولله الحمد- دين يسر وليس بدين عسر، عِلمًا بأنَّ الأوضاع في أيامنا اختلفت عن الأوضاع في السابق، فالوحل كان يحول دون وصول كثير من الناس إلى المساجد، فمن خرج من بيته سقط عند بابه؛ لوجود الوحل، وقد يسقط عليه أشياء من الجدران، وهذا شيء أدركه كبار السن، أما الآن -ولله الحمد- المشي على الأرصفة لا يؤثر كثيرًا مثل الوحل السابق، ولا يُشدَّد في هذه المسألة بحيث تُقطع الرخصة أو يُشق على الناس، ولا يُتساهل فيها كما يفعل كثير من الناس إذا وجد أدنى شيء جمع بين الصلاتين؛ لأن الوقت شرط، والمحافظة على الشرط أمر لا بد منه، وكثيرٌ من الناس يحث الإمام على الجمع: (اجمع اجمع، المطر المطر)، ثم بعد ذلك يخرج لينظر إلى المطر! يجمع بين الصلاتين ويخرج إلى البراري ينظر المطر، أو يجمع بين الصلاتين ويذهب إلى محله ومتجره يفتحه ليواصل من غير فاصل بالصلاة الثانية! فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا- في عبادته لا سيما مثل هذه العبادة التي هي أعظم العبادات بعد التوحيد، فلا يُفرَّط فيها ولا يُفرَّط بشروطها التي الوقت منها، ومع ذلك يبقى أن الرخص إذا وُجدتْ واستُحقتْ ووُجدتْ أسبابُها فإنها تعم، ما يقال: (الذي يسكن في المسجد لا يجمع؛ لأنه في المسجد ولا يشق عليه الخروج)، الرخص إذا وُجدتْ أسبابُها فإنها تعم الجميع، ولا يُشدَّد على الناس في هذا الباب ولا يُتساهل أيضًا. والذي يقيس المشقة وعدمها في الغالب هم أهلُ العلم، فالضابط في ذلك المشقة، فإذا وُجدت المشقة على الناس من وجود مطرٍ أو وحلٍ في الأرض، أو بردٍ شديدٍ، فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد ألَّا يُحرج أمته، وإذا كان بعض أهل المسجد يتضرر والبعض الآخر لا يتضرر فالأصل مَن يتضرر.