في تعريف السنة ذكر أهل العلم أنها ما نسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول، أو فعل، أو تقرير، أو وصف، وزاد بعضهم: حتى الهم، وفي شرح حديث: «لقد هممتُ أن آمر بحطب، فيحطب، ثم آمر بالصلاة، فيؤذن لها، ثم آمر رجلًا فيؤم الناس، ثم أُخالف إلى رجال، فأُحرِّق عليهم بيوتهم» [البخاري: 644] «لقد هممتُ»: ردَّ المخالفُ في وجوب صلاة الجماعة أنه همَّ ولم يفعل، فلا دليل في ذلك على وجوبها، ورد عليهم من يرى وجوب الجماعة وأن أمرها شديد بأنه -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله. فالهم من السنة وعلى هذا قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع» [مسلم: 1134] فيه مشروعية صيام اليوم التاسع مع العاشر.
قد يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام عاشوراء حينما قدم المدينة ورأى اليهود يصومونه فسألهم عن ذلك فقالوا ما قالوا فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «أنا أحق بموسى منكم» فصامه وأمر بصيامه [البخاري: 2004]، وهذا في السنة الثانية من الهجرة؛ لأنه قدم في شهر ربيع وقد فات عاشوراء في السنة الأولى، ففي السنة الثانية قال هذا الكلام ومضى على ذلك من السنة الثانية إلى السنة العاشرة، ثم قال: «لئن بقيتُ إلى قابل»، فهذه المدة التي هي تسع سنوات مدة طويلة، فلماذا لم يقل هذا القول قبل ذلك؟
الجواب عن ذلك أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يحب موافقة اليهود لعلَّ الله أن يهديهم ويستجيبوا لدعوته، فلما أيس منهم خالفهم وأمر بمخالفتهم.
يقول الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) في فوائد حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- حديث الهم بالتحريق: (وفيه جواز أخذ أهل الجرائم على غرّة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم- همّ بذلك في الوقت الذي عُهد منه فيه الاشتغال بالصلاة بالجماعة، فأراد أن يبغتهم في الوقت الذي يتحققون أنه لا يطرقهم فيه أحد)، وقال النووي في (شرح مسلم): (وفيه أنّ الإمام إذا عَرض له شغل يستخلف من يصلي بالناس، وإنما همَّ بإتيانهم بعد إقامة الصلاة؛ لأن بذلك الوقت يتحقق مخالفتهم وتخلفهم فيتوجه اللوم عليهم)، لأنه يأتيهم حال تلبسهم بالمخالفة إذ لو تركهم حتى صلى بالناس لقالوا: صلينا جماعة، ولو جاءهم قبل أن يصلي لقالوا: إلى الآن لم تصلّ بالناس بعد، ونحن ننوي أن نصلي معك. لكن في الوقت الذي كان يصلي فيه همَّ بما همَّ به -عليه الصلاة والسلام-، ولا شكّ أن الهم مرتبة من مراتب القصد فهي: الهاجس، ثم الخاطر، ثم حديث النفس، ثم الهم، ثم العزم:
مراتبُ القصدِ خمسٌ: هاجسٌ ذكروا . |
| فخاطرٌ، فحديثُ النفس فاستمعا . |
يليه همٌّ، فعزمٌ، كلها رُفعتْ . |
| إلا الأخير ففيه الإثمُ قد وقعا . |
هذا بالنسبة لعموم الناس، فلا شك أن الإنسان لا يؤاخذ على ما قبل العزم، وأما العزم فإنه يؤاخذ عليه مثل ما جاء في الحديث: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قالوا: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» [البخاري: 31]، وأما بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- فإن همه تشريع مُلْحَقٌ بسنته، والأدلة على ذلك كثيرة.