قيام الليل جاء عن النبي –عليه الصلاة والسلام- على صفاتٍ متعدِّدة، فصلى –عليه الصلاة والسلام- بابن عباس ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، بحيث بلغت الركعات ثلاثَ عشرة ركعة [البخاري: 992].
وجاء عن عائشة –رضي الله عنها- عنه –عليه الصلاة والسلام- أنه كان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة في رمضان ولا في غيره، تقول: «يصلي أربعًا، فلا تسل عن حُسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي أربعًا، فلا تسل عن حُسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي ثلاثًا» [البخاري: 1147]، «يُصلي أربعًا» يعني: بسلامين، بدلالة حديث «صلاة الليل مثنى مثنى» [البخاري: 990]، ولا يُصليها بسلامٍ واحد، إنما يُصلي الأربع بسلامين، ثم يرتاح قليلًا، ثم يُصلي أربعًا، ثم يرتاح قليلًا، ثم يُوتر بثلاث.
وجاء عنه أنه أوتر بثلاث، وبخمس، وبسبع، وبتسع، إن أوتر بثلاث بسلامين فلا بأس، وإن جمعها بسلامٍ واحد فلا بأس، وإن أوتر بخمس جلس بعد الرابعة وتشهَّد، ثم قام -من غير سلام- إلى الخامسة، وكذلك السبع يجلس بعد السادسة ويتشهَّد، ثم يقوم إلى السابعة، وكذلك التسع يجلس بعد الثامنة يتشهَّد، ثم يقوم إلى التاسعة، وله أن يُصلي أكثر من ذلك أو أقل، ولكن المطلوب إذا أكثر الركعات فتكون القراءة مناسبة، والركوع مناسبًا، والسجود مناسبًا، وإذا أقَّل عددَ الركعات أطال الركوع والسجود، وكذلك القراءة، فقد ثبت عنه –عليه الصلاة والسلام-أنه صلى بالليل فافتتح البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران [مسلم: 772]، أكثر من خمسة أجزاء في ركعةٍ واحدة، ولا يُتصوَّر مع هذا أن يُطبِّق حديث عائشة –رضي الله عنها- الذي فيه أنه ما كان يزيد على إحدى عشرة ركعة، فلا يُتصوَّر أنه يُصلي إحدى عشرة ركعة في هذه الصورة، بل إنما صلاة الليل تُحسب بالوقت {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا . نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 1-4]، {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [المزمل: 20]، فالقيام يُحسب بالوقت، فإذا أطال القراءة قَلَّ عددُ الركعات، وإذا قلَّل في القراءة أكثر من عدد الركعات.
والعلماء يختلفون في الأَولى من الإطالة أو تكثير الركعات، وفي الأَولى من إطالة القيام أو إطالة السجود، مسائل خلافية بين أهل العلم، لكن على الإنسان أن يحرص على ما ينفعه، وأن يكون من أهل القيام، فإنه دأب الصالحين كما قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «عليكم بقيام الليل فإنه دَأَبُ الصالحين قبلكم» [الترمذي: 3549]، و«نِعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل» فكان بعدُ لا ينام من الليل إلا قليلًا [البخاري: 1121].
المقصود أن القيام أفضل بذكره وهو القرآن، والسجود أفضل بوضعه وهو أن الساجد أقرب ما يكون إلى الله –جلَّ وعلا- «أقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد» [مسلم: 482]، فيُسدِّد ويُقارب، يُطيل القيام أحيانًا، ويُطيل السجود أحيانًا، على حسب ما يستروح إليه وتنشرح له نفسه، وهو على كل حال على خير سواء أطال القيام أو أطال السجود، كله على خير -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.