علم الحديث علم طويل، ويحتاج إلى صبرٍ ومصابرة ومثابرة وتدرُّج في طلبه، وكما قرَّر أهل العلم أنه بالنسبة للأحاديث النبوية يبدأ بــــ(الأربعين النووية) حفظًا وفهمًا، ثم يحفظ بعدها (عمدة الأحكام)، ثم يرتقي منها إلى (بلوغ المرام) أو (المحرر) لابن عبد الهادي، ثم بعد ذلك يقرأ في الكتب المُسندة، ويعتني بها بأسانيدها ومتونها ويراجع عليها الشروح، هذا بالنسبة لعلم الحديث.
وأمَّا بالنسبة لعلم مصطلح الحديث، أو علوم الحديث التي تُعينه على معرفة الصحيح من الضعيف من الأحاديث، فيبدأ بالمتن الأصغر وهو (البيقونية) –مثلًا-، وفيها أسامي الأبواب وتعريف المصطلحات في أربعةٍ وثلاثين بيتًا؛ ويقرأ شرحًا عليها، أو يسمع ما سُجِّل عليها. ثم بعد ذلك يقرأ في (النخبة)، ويحفظها، ويقرأ شرحها لمؤلفها، ويراجع شروحها، وما كُتِب عليها من المتقدمين والمعاصرين، وما سُجِّل عليها من شروح مسموعة، ومع ذلك يحاول أن يطبِّق هذه المصطلحات على ما قاله أهل العلم في الأحكام على الأحاديث.
ثم بعد ذلك يقرأ في (ألفية العراقي) وشروحها ويستمر في التطبيق، ومع ذلك يزاول العمل بنفسه، فيراجع كُتب الرجال، ويطبِّق عليهم ما عرفه من قواعد على أسانيد الأحاديث، ويُكثِر من التطبيق. فإذا استمر على هذه الطريقة مع سؤال أهل العلم وملازمتهم -لا سيما المعروفين بتحصيل هذا العلم والعناية به- تكوَّنت لديه مَلكة يعرف بها الأحاديث والحكم عليها، ويُكثِر من حفظ المتون، ويُطبِّق القواعد على الأسانيد، ويُقارن ما توصل إليه من الأحكام بأحكام الأئمة بحيث لا يَشِذ عنهم.
وقد كتبتُ مقدمةً لـ(ألفية العراقي) في صفحاتٍ يسيرة، قد يستفيد منها طالب العلم في التدرُّج في معرفة هذا العلم.
فمَن أراد ان يُهيِّئ نفسه ليكون مُحَدِّثًا لا بُد أن يتوصَّل إلى الأحكام بنفسه، ومَن اكتفى بالتقليد -تقليد المتقدمين أو المتأخرين- فهذا أمره سهل، كما هو الشأن في بقية العلوم: مَن أراد أن يكون فقيهًا مجتهدًا غير مَن يكتفي بحفظ مسائل الفقه ويكون مقلِّدًا، هذا غير هذا، وقُل مثل هذا في سائر العلوم، والله أعلم.