أما القول بأنه لا يَحسن ولا ينبغي أن يُحفَظ أكثر من نظم في فنٍّ واحد فهذا مجرَّب؛ لأنك إذا حفظتَ أكثر من نظم -لا سيما إذا كانت الحافظة ليست قوية تستطيع بواسطتها التمييز بين ما قاله فلان وما قاله فلان- فإن هذا يشوِّش عليك كثيرًا، وكثيرًا ما تحتاج إلى بيتٍ من (ألفية العراقي) –مثلًا- فيسبقه بيت من (نظم الصنعاني)، أو بيت من كذا، أو بيت من كذا من منظومات مصطلح الحديث، وقل مثل هذا في سائر العلوم، وهذا تعليل لعدم حفظ أكثر من نظم في فنٍّ واحد. لكن إذا كانت الحافظة قوية، وتستطيع بواسطتها التمييز بين ما قاله فلان وما قاله فلان، ولا يصعب عليك، ولا تتداخل عليك الأبيات، ولا تتسابق إلى لسانك، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
أما المنظومة التي يُنصح بحفظها في العقيدة، فالمنظومات كثيرة جدًّا، منها في توحيد العبادة (سلم الوصول) للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي، وقد شرحه بشرحٍ مستفيض مطوَّل في مجلدين أسماه (معارج القبول)، وهذا من أنفع ما يُقرَأ ويعين على فهم كتب أئمة الدعوة لا سيما (كتاب التوحيد) للإمام المجدِّد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، فإذا عكف على دراسة هذا الكتاب، وحفظ هذه المنظومة، وقرأ في شرحها أفاد فائدة عظيمة، ورسختْ لديه هذه العلوم في توحيد العبادة.
وهناك منظومات في أنواع من التوحيد منها (منظومة السفاريني)، منظومة جميلة وجيدة في الجملة، وقد شرحها مؤلِّفها السفاريني في شرح مطوَّل اسمه (لوامع الأنوار البهيَّة)، وقد طُبع قديمًا بمطبعة المنار باسم (لوائح الأنوار البهيَّة)، المنظومة جيدة، والشرح متين، وفيه فوائد، ومتعوب عليه، وفيه نقول كثيرة من كتب شتَّى، ولكن عليه ملاحظات يسيرة، مثل كلامه في الجوهر والعَرَض، وكلامه في أقسام أهل السُّنَّة، وما أشبه ذلك، وقد عُلِّق على الكتاب، والكتاب فيه نوع طول، ولكن فيه فوائد كثيرة جدًّا، فلا يُستغنى عنه.
ولكن الأصل في الباب ما جرى عليه علماؤنا من ترتيب كتب العقائد على طبقات المتعلمين، فتُحفظ (الأصول الثلاثة)، و(القواعد الأربع)، و(كتاب التوحيد)، و(كشف الشبهات)، ثم (الواسطية)، و(الحموية)، و(التدمرية)، و(الطحاوية) وغيرها من كتب العقيدة، هذا بالنسبة للعقيدة.
وأما المنظومة في النحو ففيه (نظم الآجرُّومية) للعمريطي، نظم سهل وميسَّر ومناسب للمبتدئين، وفيه أيضًا (مُلحة الإعراب) للحريري، وهي في غاية السهولة والوضوح، إلا أنها غير مطروقة في بلادنا، لكنها في بلدان أخرى من بلاد المسلمين لها شأن عظيم، فنحن تدرَّجنا في دراسة النحو بدءًا بـ(الآجرُّومية)، ثم (القطر)، ثم (الألفية)، وعندهم بدل (القطر) (مُلحة الإعراب) و(كافية ابن الحاجب)، و(الكافية) لها شأن عظيم في كثير من بلدان المسلمين، حتى تفرَّغ لها جمعٌ من أهل العلم؛ لتعليمها، وما نُسب الكافيجي إلَّا نسبةً لإقرائه (كافية ابن الحاجب)، وعندنا غير مطروقة لا (المُلحة) ولا (الكافية)، إلَّا في بعض الجهات من المملكة كالحجاز –مثلًا-، ولكن عندنا السلَّم –كما ذكرنا-: (الآجرُّومية)، ثم (القطر)، ثم (الألفية)، ومعها إذا أرادوا أن يراجعوا المسائل المطوَّلة في (شرح المفصل) أو غيره فإنهم يعمدون إلى الكتب الطويلة، والله أعلم.
فـ(نظم الآجرُّومية) للعمريطي مشروح ومتداول، وكذلك (المُلحة) للحريري، ثم بعد ذلك (ألفية ابن مالك)، وهي من خير ما يُحفظ في هذا الفن، وتُسعف طالب العلم عند الحاجة؛ ليُرشح منها ما يريد الكلام فيه من أبواب النحو، فهي مفيدة جدًّا، ومشروحة بشروح كثيرة، منها -وفي تقديري أنه أسهلها- (شرح ابن عقيل)، وكان مقرَّرًا في المعاهد العلمية، واستفاد منه الطلاب فائدة كبرى، ومن الأصل لمن حفظه -أعني: (ألفية ابن مالك)-، ومنها شرح ابن هشام (أوضح المسالك)، ومنها -وهو أوسعها- (شرح الأشموني)، وعليه حاشية للصبَّان مطوَّلة ومفيدة، وهناك حواشٍ كثيرة على هذه الشروح، يضيق الوقت عن عدِّها وحصرها وبيان مزاياها، والله أعلم.