لا شك أن المسلمين فيهم العالِم، وفيهم طالب العلم، وفيهم من هو أقل من ذلك، وفيهم العوام الذين لا يقرؤون ولا يكتبون، وفيهم مَن يسمع من أهل العلم، وفيهم مَن لا يسمع، وهم متفاوتون في تفاصيل هذه الأمور، ومتفاوتون أيضًا في قدراتهم العقلية، وفي فراغهم ومشاغلهم، فمن عامة الناس مَن هو مشغول بتحصيل المعيشة، فلا يُطالب بما يُطالب به المتفرغ لطلب العلم، فلا شك أن العالِم يلزمه أن يعتقد ويعمل بجميع ما بلغه.
والسؤال عن القدر خيره وشرِّه، لكن بالنسبة للإيمان بالرسل -مثلًا- يلزم المسلم أن يعتقد ويؤمن بأعيان من سُمِّي من الأنبياء، ويؤمن بالبقية إجمالًا، ويؤمن بأعيان ما سُمِّي من الكُتب، ويؤمن بالبقية إجمالًا، وهكذا، فما فُصِّل يؤمن به تفصيلًا، وما أُجمِل يؤمن به إجمالًا. والمقصود بمن سُمِّي هنا أي: مَن ذُكروا بأسمائهم في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، وما جاء عن سلف الأمة وأئمتها مما لا يختلفون فيه، فهذا يجب الإيمان به.
جاء في (صحيح مسلم) عن يحيى بن يعمر، قال: كان أولَ مَن قال في القدر بالبصرة معبدٌ الجهني -ويجوز أن تكون (أول) اسم كان مرفوعًا، و(معبد) خبرها منصوبًا- فانطلقتُ أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين -أو معتمرين- فقلنا: لو لقينا أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوُفِّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلًا المسجد، فاكتنفتُه أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننتُ أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلتُ: أبا عبد الرحمن –كُنية ابن عمر- إنه قد ظهر قِبلنا –يعني: بجهتنا- ناس يقرؤون القرآن، ويتقفَّرون العلم –أي: يطلبونه ويبحثون عنه في مواطنه من القاصي والداني، والبراري والقفار...، المقصود أنهم أهل حرص-، وذَكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، -هل ينفعهم عملهم وهم لا يؤمنون بركنٍ من أركان الإيمان؟- وأن الأمر أُنف –يعني: مستأنف، ولا يوجد شيء سابق-، قال: "فإذا لقيتَ أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أُحدٍ ذهبًا، فأنفقه ما قَبِل الله منه حتى يؤمن بالقدر" [8].
وأركان الإيمان الواردة في جواب النبي –عليه الصلاة والسلام- لجبريل لما سأله عن الإيمان، قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرِّه»، قال: صدقت [مسلم: 8].
ولا شك أن ما يُطالب به العالِم غير ما يُطالب به العامي؛ لأن المسلم إنما يُطالب بالتكليف بقدر ما بلغه من الحُجة، فكلٌّ يُطالَب على ما يُناسبه ويستوعبه، والله أعلم.