السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالموضوع الذي نتحدث عنه في قول الله جل وعلا في سورة يونس {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة يونس:62] من هم؟ {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [سورة يونس:63-64] {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} [سورة يونس:62] والكلام في الولاية والأولياء إذا تحدث عنها من لا يتصف بها وإن شمله اسم الإسلام قد لا يتقن ولا يجيد كما إذا تحدث عنها من اتصف بها ولكن لا يمنع كما ذكر ابن القيم رحمه الله لما شرح حال المقربين وذكر أنه لم يشم لهم رائحة ثم بيَّن رحمه الله لماذا يتحدث عن المقربين وهو ليس منهم؟! فقال لعل فيمن يسمع الكلام أو يقرأ الكلام وهو مكتوب في طريق الهجرتين يستفيد ويطبِّق البرنامج الذي ذكره ابن القيم مستمدًا له من نصوص الكتاب والسنة لعله يستفيد ممن يسمع أو يقرأ فيُكتَب له من الأجر والثواب مثل أجر الفاعل لأن من دل على هدى فله مثل أجر فاعله برنامج متكامل من أول اليوم إلى إلى النوم من الاستيقاظ إلى النوم رَسَمه ابن القيم مستوعبًا الساعات ساعات الاستيقاظ يجدر بطالب العلم أن يطلع عليه فإنه نافع جدًّا قد لا يستطيع الإنسان تطبيقه بالكلية فيقصر عنه لا بأس لأن منزلة المقربين عالية هذا من جهة وهذه الجهة تحث على الكلام في مثل هذه الموضوعات وإن تأخر العمل بما تقتضيه هذه الآيات لكن يُشكِل على ذلك آيات من كتاب الله مثل {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [سورة الصف:3] {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [سورة هود:88] {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [سورة البقرة:44] فالإنسان بين هذا وبين ذاك يحصل عنده شيء من التردد لكن لو كل إنسان قال أو استحضر هذه الآيات الثلاث ما وجدنا من يوجه الناس وينصح الناس إذا كان عنده شيء من التقصير والله المستعان ولذا يقول أهل العلم لا يشترط في الداعي ولا في الآمر والناهي أن يكون معصومًا مما يأمر به ويدعو إليه وينهى عنه فله أجر دعوته وله أجر أمره وإنكاره وعليه وزر مخالفته والميزان ذو كفتين كفة حسنات وكفة سيئات لكن على الإنسان الآمر والناهي والداعي أن يكون أول المبادرين والعاملين بما يدعو إليه ويأمر به والتاركين لما ينهى عنه ليحقق الموعود ويجتنب الوعيد وإلا من يتكلم في هذه الموضوعات الكبيرة التي هي لخُلَّص الأمة الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} [سورة يونس:62] الأولياء لله من عباده فالمؤمن التقي وليٌّ لله والله ولي الذين آمنوا الله مولى الذين آمنوا فالله ولي ومولى والمؤمن التقي ولي مَن هم الأولياء لله جل وعلا الذين قال الله فيهم {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة يونس:62] التفسير ليس معه اجتهاد لأنه بين في النص {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [سورة يونس:63] الذين آمنوا بالله جل وعلا وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره حققوا أركان الإيمان حققوا أركان الإيمان والإيمان عند أهل السنة والجماعة قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان فهذه أركانه الثلاثة لا يكفي القول وحده كما تقول الكرامية ولذا أدخلوا المنافقين في المؤمنين قول باللسان وتصديق بالقلب واعتقاد جازم لا يقبل النقيض ولا يكفي الاعتقاد وحده دون نطق والمعرفة كما تقول الجهمية ولذا قالوا بإيمان إبليس وإيمان فرعون كل من عرف مؤمن وإن لم ينطق ويعترف وإن جحد فلا بد أن ينطق حتى يعصم دمه وماله كما في قوله -عليه الصلاة والسلام- «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» ولا بد أن يعتقد اعتقادًا جازمًا لا يساوره أدنى شك ولا بد أن يعمل ما أمر به وأن يجتنب ما نهي عنه فالعمل ركن من أركان الإيمان وهو الركن الثالث وإن قال العلماء أنه شرط وجنس العمل شرط صحة فلا يصح الإيمان إلا به لا مفرداته كما تقوله الخوارج والمعتزلة جنس العمل لأن الذي يقول لا إله إلا الله ينطق ويعتقد ولا يعمل شيئًا هذه دعوى لا بد من تصديقها بعمل الجوارح إلا شخص لم يتمكن من العمل فهو شرط صحة وليس بشرط كمال كما هو معروف عند الأشعرية وغيرهم ويقول به المرجئة ولذا لما سئل الشيخ ابن باز رحمة الله عليه عمن يقول العمل شرط كمال قال هذا قول المرجئة وهو في حقيقته تناقض لأن الشرطية تقتضي عدم الصحة صحة المشروط إلا بوجود الشرط كالطهارة للصلاة والكمال يدل على أنه قدر زائد على المطلوب كما هو واضح ومعروف من اللفظ على كل حال هذه أركانه الثلاثة وهم يطلقون الشرطية وأنه شرط لصحة الإيمان العمل والمؤدَّى واحد فإذا قلنا ركن كالنطق والاعتقاد لأنه جزء من الماهية فالقول بالركنية صحيح وإذا قلنا شرط والمشروط لا يصح إلا به كان المُؤدَّى واحد وإن كان هناك فروق بين الشرط والركن كما قرره أهل العلم في تكبيرة الإحرام هل هي شرط أو ركن فقال الحنفية شرط والجمهور على أنها ركن وذكروا بعض الفوائد من هذا الخلاف وإن خرجنا عن موضوعنا لكن يبين المطلوب قالوا لو كبر وبيده نجاسة كبر تكبيرة الإحرام صلاته عند الجمهور باطلة لأنه عليه نجاسة في ركن وهو داخل الماهية وعند الحنفية لو وضعها عند نهاية التكبير ما تضره لأن الشرط خارج الماهيَّة الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان الذين آمنوا فإذا تحققت هذه الأركان الثلاثة مع الأركان الستة التي أجاب بها النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث جبريل حينما سأله عن الإيمان فقال «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره» الذين آمنوا {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [سورة يونس:62] لا خوف عليهم مما يستقبلهم فهم في الدنيا آمنون مطمئنون لا يخافون لا يخافون لأنهم على منهج وعلى طريق مستقيم كل شيء يواجههم حَله في الشرع مما يعلمونه من نصوص الكتاب والسنة فهم آمنون مطمئنون إن أُصيب بسراء شكر فكان خيرًا له وإن أصيب بسراء صبر فكان خيرًا له وليس ذلك إلا للمؤمن فمادام قد وطن نفسه على ما يستقبله من أمور سواء كانت سارة أو ضارة وجزم بأن ثوابه عند الله جل وعلا ثابت على الحالين فهو لا يخاف من شيء لا يخاف من شيء نعم جبل الناس على الخوف من المكروه بحيث لو قابله سَبُع خاف منه وهرب منه هذه أمور جبلية لكن مع ذلك إذا وطن نفسه على أنه أن هذه مصيبة بالنسبة له وصبر عليها وسعى في أسباب النجاة كما هو مأمور به لأن أسباب النجاة لا تنافي التوكل وما يدري أنه إذا ووجه من هذا السبع قد يكون الله جل وعلا أراد به خيرًا لما قد يقع في بقية حياته من فتنة أو انحراف أو شيء من هذا ولو سَلم منه وطاله عمره ويقن نفسه أن هذا خيرًا له لأنه تقدير الله جل وعلا وعمل في باقي عمره وما يستقبله في باقي حياته من الأعمال الصالحة خير له «خيركم من طال عمره وحسن عمله» فهو على خير على أي حال {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [سورة يونس:63] لا خوف عليهم فيما يستقبلونه سواء كان في حياتهم الدنيا أو في الآخرة في البرزخ والآخرة ولا هم يحزنون ولا هم يحزنون يعني مما فاتهم من أمور الدنيا نعم قد يحزن المؤمن على فوات شيء يقربه من الله جل وعلا ولذلك السلف الواحد منهم إذا فاتته تكبيرة الإحرام حزن على ذلك حزنا شديدًا فضلاً عن أن يفوته ركعة أو أكثر أو تفوت الصلاة أو يخرج الوقت من غير تفريط لا شك أنهم يحزنون لأن إدراك ما فاتهم يرضي الله جل وعلا فهم على حزن بالنسبة لما فاتهم فهو يرضي الله جل وعلا، ولا يحزنون أيضًا على ما خلفوه وراءهم على ما خلفوه وراءهم من أولاد ونساء وأموال لا يحزنون وبعض الناس يقلقه أن يترك الورثة بعده ويجزع ويحزن إذا أصيب بمرض عضال وقيل له إن المرض هذا لا علاج له و أكثر حزنه على ما وراءه من الذرية يخشى على الأولاد أن يحتاجوا إلى الناس ويخشى على البنات أن تزوج بغير أكفاء أو ما أشبه ذلك الله قد تكفّل بهم الذي أوجدهم تكفل بهم ولذا قيل لعمر بن عبد العزيز أنت ما تركت شيء لورثتك لم تترك شيئًا لورثتك قال ورثتي إما صالح فالله يتولاه وإما غير ذلك فلن أعينه على معصيته إذا تركت له شيئًا يستعين به على المعصية والصالح لن يضيعه ربه لكن مع ذلك ومع هذا الكلام من عمر بن عبد العزيز وهو يدل على ثقة بالله جل وعلا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لسعد بن أبي وقاص «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» فلا مانع أن يهتم بمن وراءه ولكن لا يحزن لا يصل إلى حد الحزن يبذل أسباب تعينهم من غير اعتراض على ما يقدره الله جل وعلا ويقضيه ولا يحزن إذا فاتهم شيء أو فاته شيء من أمور الدنيا ولذا تجد كثير من الناس أوقافهم على ذريتهم فتجده يخصص المحتاج من الذرية وهذا لا شيء فيه لا بأس لا بأس به لكن كونه يعتمد على هذا الوقف وأنه سوف يحميهم من الحاجة إلى الناس هذا هذا الاعتماد خلل خلل في التوكل على الله جل وعلا وخلل فيما يتعلق بالثقة بالله جل وعلا فعلى الإنسان أن يدور مع النصوص نعم لا يذر ورثته عالة يتكففون الناس يترك لهم شيء بقدر استطاعته ولا يعني أنه يسعى في كسب المال من أجل الورثة ولا ينظر في مصادره وموارده لأن بعض الناس هذا الخوف وهذا الهلع على من وراءه من النساء والذرية يجعله يكسب المال على أي وجه كان فيكون هذا المال وقُودًا عليه يوم القيامة ويحاسب عليه الحساب العسير من أجل ألا يترك ورثته عالة يتكففون الناس فألزم وأهم ما على الإنسان نجاة نفسه فيسعى في نجاة نفسه فيكسب المال من حله وينفقه فيما أحل الله له وأمره به ولا مانع أن أن يترك لورثته شيئًا يغنيهم عن التكفف على الناس ولا يعتمد على هذا الشيء ولا يحزن على فواته لأن بذل الأسباب مطلوبة شرعًا فترك الأسباب خلل في العقل والاعتماد على الأسباب خلل في الدين لأن من طوائف البدع من يرى أن السبب لا قيمة له ومنهم من يرى أنه مؤثر بنفسه والجادة عند أهل السنة والجماعة أنه مؤثر لكن بتأثير الله جل وعلا إنسان في شدة البرد إذا خرج بثوب يستر عورته لكنه لا يقيه من البرد وخرج بهذا الثوب وفيه بلل ورطوبة يعني هذا مفرِّط ويلام على ذلك فعليه أن يبذل السبب لحمايته من أثر البرد والبرد قاتل لكن لا يعني أنه يقول نجوت من البرد بالفروة مثلاً أو بالثياب الثقيلة نعم هي سبب لكن لا تؤثر بنفسها إنما الله جل وعلا جعل فيها من التأثير ما جعل وأهل السنة مثل ما قلنا أنهم يفعلون الأسباب ولا يعتمدون عليها طيب الذين يقولون إن الأسباب لا أثر لها طيب ما يفعلون الأسباب؟! يقولون إن الله جل وعلا يوجِد المسبَّب عند السبب لا به يوجِد عند المسبَّب عند السبب لا به يعني لو تشرب خمس من القوارير مثل هذه وتروى وأنت ما رويت بشرب الماء إنما رويت عند شرب الماء ولذا يقول بالحرف من هؤلاء من قال أن أعمى الصين يجوز أن يرى بقة الأندلس يعني في أقصى المشرق ويرى البقة صغار البعوض بالأندلس أقصى المغرب هذا كلام يعني لو نظرنا فيمن قاله من العباقرة يعني من حيث الذكاء أذكياء لكنهم لما بعدوا عن نصوص الكتاب والسنة وتكلموا بكلام واسترسلوا فيه مبناه على الكلام والفلسفة واسترسلوا مع عقولهم فأُلزموا بلوازم التزموا بها ومن هنا أُتوا وإلا قد يقول قائل أن هذا كلام مجانين يشبه كلام المجانين لكن إذا نظرت فيهم وقرأت في تراجمهم ونظرت في بعض كلامهم إذا هم أذكياء لكنهم أوتوا ذكاء ولم يُعطوا زكاءً كما قال شيخ الإسلام رحمه الله {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [سورة البقرة:38] يعني فيما يستقبلهم سواء كان في الدنيا أو في الآخرة أو في البرزخ فهم آمنون {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة:38] وهذا وعد من الله جل وعلا لمن حقق الشرط شرط الولاية {ألا إن أولياء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} فمن حقق الشرط حصل له ذلك بوعد الله جل وعلا لكن هل من سعى في تحقيق الشرط وطبق أركان الإيمان واجتنب ما نهي عنه وائتمر بما أمر به الذي هو حقيقة التقوى هل يجزم بنفسه لشيء من ذلك أو يأمن من مكر الله ويقول أنا ولي من أولياء الله ليس له ذلك لا بد أن يكون خائفًا وجِلاً وأن يكون واثقًا بربه جل وعلا فلا يأمن من مكر الله ولا ييأس من رحمة الله لا يأمن من مكر الله ولا ييأس من رحمة الله فهو بين الخوف والرجاء يعني قد يقول قائل الله جل وعلا لا يخلف الميعاد لا يخلف الميعاد فإذا حققنا هذا الشيء فنتيجته لا خوف ولا حزن نقول ليس الكلام في ثقته بربه إنما الكلام في عدم ثقته بنفسه وعمله هذا الذي يوجد الخوف والحزن هذا وعد الله {لا تبديل لكمات الله} {لا يبدل القول لدي} لكن المسألة في تطبيق ما طلبه الله جل وعلا من العبد هل هو طبقه على مراد الله وأحب ما يحبه الله وأبغض ما يبغضه الله والا في ذلك خلل يأتي بسببه الخوف والحزن السلف رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام يذكر عنهم في باب الخوف الشيء الذي مع حسن عملهم وإحسانهم أحسنوا العمل وخافوا ألا يقبل هذا العمل وخافوا ألا يقبل هذا العمل فالإنسان.. المسألة مقدِّمة ونتيجة الذين آمنوا وكانوا يتقون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لكن الكلام في المقدمة هل أتيت بها على مراد الله؟ وما يدريك وكل أمتي خطاء وخير الخطائين التوابون فالإنسان يحسن الظن بربه ويتحسس من عمله ومن نفسه الأمارة بالسوء ويدخل الإنسان إلى الصلاة وليس في باله أي خاطر أو شيء مما يجرح هذا القصد والتوجه ثم بعد ذلك يكبِّر فلا يدري النية شردت والتفت لشيء من أمور الدنيا أو نظر أو كذا ومن يراه وزاد شيئًا فحصل الخلل في إخلاصه فالإنسان لا بد أن يكون خائفًا راجيًا واثقًا بربه يظن بنفسه الخلل والتقصير ويلجأ إلى ربه جل وعلا باستمرار أن يخلص عمله أن يرزقه الإخلاص والقبول وأن يكون متابعًا لنبيه -عليه الصلاة والسلام- ليتم القبول المقصود أن هذا الوعد من الله جل وعلا وعد من لا يخلف الميعاد ومن لا يبدل القول لديه لكن الإنسان قد يقول الله جل وعلا ضمن النتيجة والسلف نسمع عنهم ما نسمع في باب الخوف والله جل وعلا يقول لا خوف عليهم كيف يخافون هم ما خافوا من موعود الله جل وعلا الذي لا يبدل لديه القول لكنهم من الخلل الحاصل منهم بسبب النفس الأمارة والشيطان هذا سبب خوفهم ولذلك يذكر عنهم الشيء الكبير النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قام يصلي سُمع لصدره أزيز كأزيز المرجل وقام -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكيف بمن دونه؟! السلف أهل عمل وأهل عباده أهل ذكر وأهل تلاوة أهل صيام وقيام أهل كف عن المحرمات ومع ذلك يخافون وقد جاء في حديث ابن مسعود وغيره «وإن العمل ليعمل بعمل أهل الجنة ثم ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها» هذا أيضًا مخيف الخوف من سوء العاقبة لا تدري بم يختم لك لا تدري بما يختم لك وجاء في الحديث الصحيح أيضًا «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس.. فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها» قد يقول أنا عملي ما هو فيما يبدو للناس نقول أنت تزكي نفسك الآن هذا قيد لم يعتبره السلف وإن كان في الحديث الصحيح وجاء عنهم أن النفاق أو ما أمنه إلا منافق وما خافه إلا مؤمن أدركت ثلاثين من الصحابة كلهم يخاف النفاق على نفسه فإذا كان هذا حال السلف فكيف بحالنا مع تفريطنا وتقصيرنا ومع وجود الصوارف والملهيات والفتن المتداركة علينا أن نكون من المؤمنين المتقين الذين آمنوا وكانوا يتقون لتحصل لنا الولاية نحرص على ذلك ونبذل الأسباب والنتائج بيد الله جل وعلا والمتقي هو من عمل بالأوامر واجتنب النواهي من عمل بالأوامر واجتنب النواهي هل يعني هذا أنه معصوم؟ لا، لا يعني أنه معصوم لكن يجاهد نفسه على فعل الأوامر ويجاهد نفسه على ترك النواهي وإذا حصل منه شيء وضعف أمام نفسه وشيطانه فإنه يبادر بالندم والتوبة والتوبة تهدم ما كان قبلها وإلا فالعصمة ليست إلا للأنبياء أما آحاد الناس فكلهم خطّاء ويحصل لهم من الأخطاء وهم يتفاوتون في ذلك تفاوتًا كبيرًا فمنهم من يوفق للتوبة وما يحصل منه إلا الهفوة أو الزلة اليسيرة ثم يتوب منها ومنهم من يسترسل في المنكرات والجرائم ثم بعد ذلك قد لا يوفق للتوبة لكن صاحب المنكرات صاحب الشرك صاحب القتل صاحب الزنا كما في آية الفرقان إن وفق للتوبة بدلت سيئاته حسنات وهذا من فضل الله جل وعلا وعظيم كرمه {والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} فإذا وفق للتوبة بدلت سيئاته حسنات ليس معنى أنهم آمنوا وكانوا يتقون لا يحصل لهم شيء من المخالفات لكن هم يحرصون على فعل الطاعات وترك المنكرات وإذا حصل منهم شيء من ذلك بأن ضعفت نفسه في وقت من الأوقات أو غلبه شيطانه فإنه يبادر بالتوبة ويمحو الله أثر الزلل هؤلاء المتقون هم الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة كما في سورة البقرة {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [سورة البقرة:3] يحرص الإنسان على الأسباب التي تحقق له هذا الوصف الإيمان له أركان وله شروط يسعى لتحقيقها ليتحقق له الوصف الأول والتقوى أيضًا لها شروط وأركان يسعى لتحقيقها بجميع ما ورد فيها من النصوص فيسعى لتحقيقها ليتصف بها ولا أنفع في ذلك من جمع نصوص الكتاب والسنة في هذه الأبواب مما يسمى عند أهل العلم بالتفسير الموضوعي والحديث الموضوعي تُجمع النصوص الواردة في الإيمان وينظر فيها ويوازن بينها ويعمل بما تقتضيه وكذلك نصوص التقوى وما تتطلبه هذه التقوى فإذا جمعت من الكتاب والسنة وطبّقها الإنسان على نفسه لأنه إذا نظر إلى نص قد يجد في نصوص أخرى قيود زائدة على ما اطلع عليه فلم يتمكن من العمل بها فما أحسن ولا أجمل ولا أكمل من أن يجمع الإنسان النصوص الموضوعية لأنه إذا نظر في الموضوع من جميع جوانبه من خلال نصوص الكتاب والسنة أمن من أن يفوت عليه شيء مع أنه مهما بلغ لن يخرج عن قوله جل وعلا {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [سورة الإسراء:85] لكن على الإنسان أن يبذل السبب والنتيجة بيد الله {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [سورة يونس:63] جاء في أحاديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أن هؤلاء هم الذين إذا رؤوا ذُكر الله هؤلاء الذين إذا رؤوا ذكر الله وأورد ابن جرير الطبري في تفسيره روايات كثيرة في هذا الموضوع روايات كثيرة في هذا النص الذين إذا رؤوا ذكر الله فيكون لهم بسبب إيمانهم وتقواهم تأثير في الناس وإن لم يتكلموا بمجرد الرؤية وإذا اهتدى أحد بسبب ولو بسبب رؤيتهم كان له من الأجر مثلهم وجاء في تفسير الآية ما يدل على أن هذه هي الرؤيا الصالحة {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة يونس:62] قالوا في قوله جل وعلا {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [سورة يونس:64] قالوا هذه الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له والبشرى والرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة فإذا رئيت للشخص فهي بشارة وعلامة خير إذا كانت صالحة وهي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة كما جاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره النبوة انقطعت بوفاته -عليه الصلاة والسلام- لكن فيها شبه من النبوة وليست نبوة لأن النبوة انقطعت في عهده -عليه الصلاة والسلام- بوفاته -عليه الصلاة والسلام- وقالوا أن التحديد بستة وأربعين جزءًا من النبوة لأن حياته -عليه الصلاة والسلام- مدة رسالته ثلاث ثلاث وعشرون سنة مدة حياته من بعثته إلى وفاته ثلاث وعشرون سنة ومكث -عليه الصلاة والسلام- ستة أشهر يرى الرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ستة أشهر والستة الأشهر بالنسبة للثلاث والعشرين جزء من ستة وأربعين جزءًا فهي مشبهة من هذه الحيثية لما جاء في الحديث {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [سورة يونس:64] يبشرون في الحياة الدنيا بالرؤى الصالحة وبمدح الأخيار وهذا من عاجل بشرى المؤمن بمدح الأخيار والناس شهداء الله في أرضه كما في الحديث الصحيح أنه مُر على النبي -عليه الصلاة والسلام- بجنازة فأثنوا عليها خيرًا فقال «وجبت وجبت وجبت» ومر بأخرى بأثني عليها شيئًا فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- «وجبت وجبت وجبت» قيل يا رسول الله ما وجبت؟ قال «أثنيتم على الأولى خيرًا فوجبت له الجنة وأثنيتم على الثانية شرًا فوجبت له النار أنتم شهداء الله في أرضه» ولذا قال بعض العلماء يعني المذهب عند أهل السنة والجماعة أنه لا يشهد لأحد بجنة ولا نار إلا من شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن قال بعض العلماء أخذًا من هذا الحديث أن من اتفقت ألسنة الناس على مدحه يشهد له بالجنة كمالك وأحمد وسفيان وغيرهم من أهل العلم المعروفين بالعلم والعمل لكن هذا قول مرجوح والأصل أنه لا يشهد لأحد إلا لمن شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحياة الدنيا وفي الآخرة قلنا في الحياة الدنيا من حيث الرؤى الصالحة وثناء الناس عليه هذه مؤشرات وفي الآخرة عند الاحتضار تنزل الملائكة تنزل الملائكة عليهم يبشرونهم ولذا رئي من يضحك {وجوه يومئذٍ مسفرة ضاحكة مستبشرة} وشوهد من يضحك بل يضحك بقهقهة وفي حياته ما عرف أنه يقهقه إنما يتبسم ولكنه على خلاف عادته كما في قوله {وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة} إذا بشر بما أمامه وأنه من أهل الجنة ضحك {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [سورة يونس:64] إذا أودع في قبره وسئل فأجاب وفتح له باب إلى الجنة هذه بشارة ثم بعد ذلك النعيم المقيم {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا} [سورة يونس:64] لا تبديل لكلمات الله ابن عمر يستمع إلى خطبة للحجاج ورأسه في حجر نافع مولاه فقال الحجاج إن ابن الزبير بدَّل كلام الله إن ابن الزبير بدَّل كلام الله فقام ابن عمر وقال لا أنت ولا ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [سورة يونس:64] لا أنت ولا ابن الزبير يستطيع والحجاج الحجاج يعني معروف سطوته وبأسه لكنهم لا يخافون في الله لومة لائم لأن هذا مصادمة لنص الكتاب الله جل وعلا يقول {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [سورة يونس:64] تقول ابن الزبير بَدَّل؟! والله المستعان في قوله جل وعلا {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [سورة فصلت:30-31] قريب من الآية التي شرحناها وفيهما اتفاق في المعنى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [سورة فصلت:30] اعترفوا وآمنوا وصدقوا وأيقنوا بأن الله ربهم وخالقهم ورازقهم وأنه إلههم لا معبود لهم سواه ثم استقاموا لزموا الطريق القويم لزموه ولم يحيدوا عنه يمنة ولا يسرة ولذلك معاوية بن الحكم لما قال للنبي -عليه الصلاة والسلام- قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك قال «قل آمنت بالله ثم استقم» فالاستقامة لزوم الطريق المستقيم فلا يمين ولا شمال على الصراط المستقيم فمن حاد عنه يمنة أو يسرة حصل له من الضلال بقدر عدوله عن الصراط المستقيم الاستقامة وهي الاعتدال والاستمرار وملازمة الطريق المستقيم جاءت في سورة هود فاستقم وهذه أو وهذا الأمر بالاستقامة للنبي -عليه الصلاة والسلام- جاء ما يدل على أنها هي السبب في شيبه -عليه الصلاة والسلام- «شيبتني هود وأخواتها» أمر بالاستقامة وإذا أمر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- المعصوم المؤيد بالوحي فكيف بغيره؟! على الإنسان أن يهتم بنفسه وأن يستقيم على الجادة وأن يُعنى بما جاءه عن الله وعن رسوله وأن يطبق ما أمر به وأن يجتنب ما نهي عنه.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.