اعتمد الأشاعرة عقولهم حتى وقَعوا في أشياء لا يُمكن أن تصدرَ حتى عن المجانين، وقرَّروها في مصنفاتهم، فعندهم مثلًا يجوز أن يرى الأعمى وهو بالصين بقَّة الأندلس، والبق: صغار البعوض؛ وذلك لأنهم قالوا: إن الأسبابَ لا أثرَ لها؛ ووجودها مثل عدمها، فالبصر الذي هو سبب للإبصارِ، عندهم لا أثر له، فالإبصار - أي: الرؤية - وقع عنده لا به، وعليه بنوا أنه إذا كان البصر مجرَّد سبب - والسبب لا أثر له - فلا مانع أن يرى الأعمى الذي في أقصى المشرقِ صغارَ البعوضِ التي في أقصى المغربِ.
وهذا كلام لو عُرض على مجنون لما أقرَّه، مع أنه كلام قال به أئمَّة كبار في مذاهبهم، أوتوا ذكاء ولم يؤتوا زكاء، والعبرة بالزكاةِ لا بالذكاءِ.