من أهل العلم من يقول: إن قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت» [البخاري: 305]، فيه دليل على أن الحائض تقرأ القرآن؛ لأن الحاج يقرأ القرآن، ولم يستثن من أفعال الحاج -عليه الصلاة والسلام- إلا الطواف. فالدلالة الأصلية للنص هي ما يتعلق بأمور الحج، وما عدا ذلك مما قد يتناوله اللفظ بعمومه، وإن كان غير مراد للمتكلم فإنه يعد من الأدلة الفرعية. وأهل العلم حينما يشرحون الأحاديث أو يفسرون الآيات، لا شك أنهم يستنبطون من الحديث الواحد مسائل كثيرة جدًا، منها ما يقرب من لفظ الخبر، ومنها ما يبعد، لكنهم لا يلتفتون إلى مثل هذا الاستدلال. نظير ذلك قول الحنفية: إن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثليه، والعصر يبدأ من هذا الوقت، ودليلهم على ذلك، قالوا: في الحديث الصحيح قال النبي -عليه الصلاة والسلام: «إنما مثلكم واليهود والنصارى كرجل استعمل عمالًا، فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار –يعني إلى الزوال- على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود على قيراط قيراط، ثم عملت النصارى على قيراط قيراط، ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغارب الشمس على قيراطين قيراطين، فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا: نحن أكثر عملًا وأقل عطاءً. قال: «هل ظلمتكم من حقكم شيئا؟» قالوا: لا، فقال: «فذلك فضلي أوتيه من أشاء» [البخاري: 2269]. قال الحنفية: لا يمكن أن يكون النصارى أكثر عملًا من المسلمين إلا إذا قلنا إن وقت الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه، مع أن النصوص الصحيحة الصريحة التي دلالتها أصلية في الباب تدل على أن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله، والعصر يبدأ من هنا. وقوله -عليه الصلاة والسلام- «افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت» دلالته الأصلية أنه في أعمال الحج. ودلالته على أن الحائض تقرأ القرآن دلالة فرعية، والالتفات إليها بعيد جدًا؛ لأن الحديث ما سيق لهذا. والشاطبي –رحمه الله- وهو يقرر هذه المسألة يرى أن الدلالة الفرعية لا يلتفت إليها، وإنما الدلالة الأصلية هي مفاد الخبر. وقول الشاطبي هذا ليس على إطلاقه، فلو استدل بالدلالة الفرعية حيث لا معارض، مع قوتها وظهورها ووضوحها، صح الاستدلال بها.