البيت الذي جعله الله مثابة للناس هو البيت الحرام، وأما المثابة فإن أهل العربية مختلفون في معناها، والسبب الذي من أجله أُنِّثَت، البيت مذكَّر، فكيف يقال: البيت مثابة؟ البيت مذكر فكيف يجعل أو يوصف بأنه مثابة؟ والتاء هذه تاء التأنيث؟
يقول الطبري: "وأما المثابة فإن أهل العربية مختلفون في معناها، والسبب الذي من أجله أنثت"، فقال بعض نحويي البصرة: ألحقت الهاء في (المثابة) لما كثر من يثوب إليه،كما يقال: (سيارة) لمن يكثر ذلك، (ونسابة) يعني تكون للمبالغة، تكون التاء حينئذ للمبالغة، هذا كلام بعض نحويي البصرة، وقال بعض نحويي الكوفة: بل (المثاب) و(المثابة) واحد، المثاب والمثابة واحد، نظيره: (المَقام) و(المُقامة) الآن عندنا المَقام {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ} [(125) سورة البقرة] {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ} [(35) سورة فاطر] فهل هذا المذكر مع المؤنث من باب واحد؟ لأنه يقول: نظيره المَقام والمُقامة، فإما أن نقول: مُقام إبراهيم ليكون الباب واحدًا، أو نقول: مَقامة، ليكون الباب واحدًا، إما أن نقول في الآية: مَقام، وفي الآية الأخرى: مُقامة، يكون الباب واحد وإلا لا؟
نكمل الكلام ليتبين. يقول: "والمقام ذُكِّر على قوله -يعني قول القائل من بعض نحويي الكوفة- ذُكِّر على قوله لأنه يريد به الموضع الذي يقام فيه، وأنثت (المقامة) لأنه أريد بها البقعة" يعني إذا مررت ببلد مثلاً أي بلد من البلدان، فإما أن تذكِّره أو تؤنثه، تذكره على إرادة الموضع والمكان، ولك أن تؤنثه على إرادة البقعة، ولذا يقول أهل العلم: إذا جهلت الجنازة لا يُدرى ذَكَر أو أنثى، فماذا تفعل في الضمائر؟ تقول: اللهم اغفر له وارحمه، أو اغفر لها وارحمها؟ إن شئت ذكرت، وإن شئت أنثت، إن شئت ذكرت على إرادة الميت، وإن شئت أنثت على إرادة الجنازة، فما ينتابه مثل هذا يجوز تذكيره وتأنيثه.
وأنكر هؤلاء -يعني بعض نحويي الكوفة- أن تكون (المثابة) مثل: (السيارة والنسابة)، وقالوا: إن ما أدخلت الهاء في (السيارة والنسابة) تشبيه الها بـ(الداعية) الأصل الداعي، وإذا أضيفت إليه الهاء دل على المبالغة.
و(المثابة) مفعلة من (ثاب القوم إلى الموضع) إذا رجعوا، فهم يثوبون إليه مثابًا ومثابةً وثوابًا.
فمعنى قوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} [(125) سورة البقرة] أي مرجعًا، ثاب القوم إلى الموضع إذا رجعوا {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} أي مرجعًا للناس يأتونه.
يقول الفقهاء في اللبن المحرِّم الذي ينشر الحرمة في الرضاع، هو ما ثاب عن حمل، يعني رجع أو اجتمع؟ أو تكوَّن؟ لأن المثابة هنا المرجع {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً} أي مرجعًا للناس يأتونه كل عام، ويرجعون إليه فلا يقضون منه وطرًا.