كتاب الديات من المحرر في الحديث - 02
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
فلايزال الكلام في حديث عمرو بن حزم المرسَل الذي تلقته الأمة بالقبول، ووقفنا على قوله: «وفي الموضحة خمس من الإبل» الموضحة التي تشق الجلد وتوضح العظم، ولا تكسر العظم ولا تهشمه، وإنما توضحه وتبرزه، هذه فيها خمس من الإبل.
«وأن الرجل يقتل بالمرأة، وأن الرجل يقتل بالمرأة»؛ لأنه قد يقول قائل: مادامت دية المرأة على النصف من دية الرجل فماذا عما لو قتلها عمدًا؟ ففي هذا الحديث وهو وإن كان مرسلاً فإن الأمة تلقته بالقبول، وعملت بموجبه، وله علة سيأتي ذكرها والجواب عنها «وأن الرجل يقتل بالمرأة»، وهذا مذهب عامة أهل العلم، ويشهد له حديث اليهودي الذي قُتِل بالمرأة الذي قتل المرأة على أوضاح لها، والحديث في الصحيحين، فسئلت وهي في النزع الأخير: من قتلكِ؟ أفلان؟ أفلان؟ أفلان؟ ثم أشارت برأسها أن نعم، فأُخِذ وقُرِّر، فلما اعترف قُتل بها، هو رجل قُتِل بامرأة.
وقد يقول قائل، وقد يقول قائل: إن هذا اليهودي قُتِل لنقضه العهد بقتله المرأة، وهذا صحيح، لكنه لا يعتمد عليه في أصل المسألة، وإنما هو يشهد لحديث الباب، وفي قوله- جل وعلا-: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة:45]، والمرأة نفس، فهي كالرجل من هذه الحيثية، فيُقتَل الرجل إذا قَتَل المرأة، وهذا قول عامة أهل العلم.
«وأن الرجل يُقتل بالمرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الذهب ألف دينار» وهذه الجملة استنكرها كثير من أهل العلم، وهي دليل لمن يقول: إن الذهب أصل في الديات كالإبل، دليل لمن يقول: إن الذهب أصل في الديات كالإبل، وأنها عند من لا يوجد عنده إبل أو أراد أن يدي قتيله بالذهب أن له ذلك، وسيأتي ما في الفضة من كلام لأهل العلم، ونص في المسألة، وأنها اثنا عشر ألف درهم سيأتي في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
فأصول الديات عند بعضهم ممن يثبت هذا الحديث والحديث الثاني خمسة: الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة، ويرى بعضهم أن الأصل مائة من الإبل، وتقوَّم بما يعادلها من البقر والغنم والذهب والفضة، هذه الجملة قالوا: لا تصح في المرفوع، في الخبر المرفوع لا تصح هذه الجملة «وعلى أهل الذهب ألف دينار». وفي حديث عبد الله بن عمرو المخرَّج في المسند للإمام أحمد أن الذي قضى به النبي -صلى الله عليه وسلم- ما بين أربعمائة إلى ثمانمائة من الدنانير، يعني لا تصل إلى الألف، وأن الذي قضى بالألف دينار هو عمر بن الخطاب، وهذا يدل على أن الذهب ليس بأصل، وأن الدية بالنسبة للذهب كالفضة تزيد وتنقص على حسب غلاء الإبل ورخصها، ورأينا هذا في واقعنا بالنسبة للدراهم زادت عما كانت عليه قبل، وذكرنا أنها قبل خمسين سنة كانت الدية ستة عشر ألفًا، ثم ارتفعت إلى أن وصلت إلى مائة ألف إلى وقت قريب قبل خمس سنوات، ثم ارتفعت لما ارتفعت أقيام الإبل إلى ثلاثمائة ألف بالنسبة للقتل الخطأ، وأربعمائة ألف إلى قتل العمد، بالنسبة لقتل العمد وشبه العمد، هذا يدلنا على أن المعتمد وهو المذهب عند الحنابلة أن الدية الأصل فيها الإبل، وأن ما عداها قيمة، وبدل عن الإبل؛ لأنه ليس كل الناس يجد الإبل، تكليف الناس بالإبل والوقوف عندها بحيث لا يتعداها الأمر بأن يكلَّف كل من قتل أن يشتري مائة من الإبل قد يكون في بلد الإبل فيه نادرة، ولذلك ساغت القيمة، وجاء فيها التقدير عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما بين أربعمائة إلى ثمانمائة كما في المسند، والتقدير بألف دينار عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
يقول: "رواه أحمد والنسائي، وهذا لفظه، وأبو حاتم البستي" يعني ابن حبان يقول: "وقد أُعِلَّ" يقول المؤلف ابن عبد الهادي: وقد أُعِلّ، يعني الحديث؛ بسبب أن الحكم بن موسى أخطأ فيه يعني في سنده فقال: عن سليمان بن داود، والصواب سليمان بن أرقم، سليمان بن أرقم، كأن من رواه عنه قال: عن سليمان مهملاً، وبيَّنه بأنه ابن داود، والصواب أنه سليمان بن أرقم، وبينهما فرق كبير، سليمان بن داود موثَّق، وسليمان بن أرقم قال فيه أبو زرعة: ذاهب الحديث، وقال أبو حاتم: متروك، وفرق بين هذا وهذا، يعني ضعفه شديد جدًّا، ولولا أن الأمة تلقت هذا الحديث بالقبول، وعملت بما فيه، وسبق الكلام في الدرس الماضي أن تلقي الأمة لهذا الحديث وأمثاله كما ذكرنا بالأمس مثل حديث «لا وصية لوارث»، وبعض الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول وعملوا بها كما يقول الحافظ ابن حجر، وهذا أقوى من مجرد كثرة الأسانيد، يعني ولو صحت؛ لأن الأمة لا يمكن أن تتلقى الخبر وتعمل به ويطبقون على العمل به وهو غير ثابت، مما يدل على أن له أصلاً، مما يدل على أن له أصلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول ابن عبد البر في التمهيد: وهو كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم، تستغني بشهرتها عن الإسناد، يعني طرقه وشهرته مستغنى بها عن الإسناد، قال: لأنه أشبه التواتر، أشبه التواتر في مجيئه؛ لتلقي الناس له بالقبول.
"رواه أحمد والنسائي، وهذا لفظه، وأبو حاتم البستي، وقد أعل، قال النسائي: وقد روي هذا الحديث عن الزهري، وقد روى هذا الحديث عن الزهري يونس بن يزيد مرسلاً".
القول بإرساله واضح، وهذا ذكرناه في الدرس الماضي، لكن مع ذلك هو مرسل، وتلقته الأمة بالقبول، وهذا أقوى من مجرد اتصال سنده على ما ذكرنا مرارًا.
ثم قال: "وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال «في المواضح»" جمع موضحة، وهي التي توضِح العظم كما تقدم، «خمس من الإبل»، وهذا شاهد للحديث السابق في هذه الجملة، تقدم أنا ذكرنا أن الحديث جاء في صحيفة عمرو بن حزم، وفيها جُمَل كثيرة تدل على أحكام كثيرة، منها ما في العبادات، ومنها ما في المعاملات، ومنها ما في الديات، ولجمله شواهد منها في هذه الجملة "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «في المواضح خمس من الإبل»"، وهذا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والكلام في عمرو بن شعيب وهذه السلسلة معروف عند أهل العلم، ورددناه مرارًا في دروس سابقة، فمنهم من يقول: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده منقطع؛ لأن الضمير في جده يعود على جد عمرو، وحينئذ جد عمرو اسمه محمد؛ لأنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فيكون حينئذ منقطعًا، أو يعود إلى شعيب، فيكون الجد عبدالله بن عمرو بن العاص، عبد الله بن عمرو بن العاص، وقالوا: إن عمرًا لم يسمع من جده شعيب، وحينئذ أيضًا يكون منقطعًا، هذا انقطاع اصطلاحي، وذاك بالإرسال، لكن قرر أهل العلم ورجحوا؛ لأنه جاء بالتصريح بالسماع عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص في خمسة أحاديث، وحينئذ يكون التردد في الضمير غير وارد، غير وارد، يكون الحديث مرويًّا، وما قيل من عدم سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو محل نظر، وأثبته كثير من أهل العلم، وقد صرَّح بسماعه من جده عبد الله بن عمرو في مواضع ذكرنا بعضها، ذكرنا أن منها خمسة مواضع قال: سمعت، أو عن جده عبد الله بن عمرو، وفي بعضها تصريح بالسماع.
وعلى كل حال ذكروا أنه عاش في بيت جده، وحينئذ ولو كان صغيرًا فإنه مادام عاش عنده فهو يضبط بعض أحاديثه، وقد يضبطها كلها إذا كان موصوفًا بالحفظ والضبط والإتقان، والقريب يضبط، نعرف أن من يعيش في كنف جده، يعني قد تكون الأم مطلقة، ويكون هذا الجد من الأم، تجد الأخبار كلها مضبوطة عنده ومتقنة؛ لأن هذا الجد جرت العادة أن الناس يكررون الكلام، والطفل يسمع فيضبط.
على كل حال أهل العلم يختلفون اختلافًا كبيرًا، والذي استقر عليه الأمر عند أكثر المتأخرين أنه إذا صح السند إلى عمرو بن شعيب فإن الحديث يتوسط فيه؛ للخلاف المذكور، فلا يكون في أعلى درجات الصحيح، ولا ينزل عن درجة القبول، فبعضهم يقول: حديثه حسن، يعني إذا صح السند إليه، وهذا هو الذي جرى عليه العمل عند المتأخرين.
يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وحسنه، واللفظ لأحمد وابن ماجه".
نعم حسنه؛ للخلاف المذكور المعروف في سلسلة عمرو بن شعيب. "زاد أحمد: «والأصابع سواء، والأصابع سواء كلهن عشر من الإبل»" وهذا أيضًا شاهد لجملة من جمل الحديث السابق، لجملة من جمل الحديث السابق، وفي أول حديث من أحاديث الباب في البخاري: «والأصابع سواء الخنصر والإبهام سواء»، فهذه الجملة لا إشكال فيها؛ لأنها يشهد لها ما في الصحيح في البخاري: «الأصابع سواء الخنصر والإبهام سواء».
"وعنه" يعني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل مؤمنًا متعمدًا، من قتل مؤمنًا متعمدًا دُفع إلى أولياء المقتول»"؛ لأن قتل العمد حكمه القصاص بالقتل، هذا الأصل، «من قتل مؤمنًا متعمدًا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا» قصاصًا، «وإن شاؤوا أخذوا الدية، إن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خَلِفَة»، يعني في بطونها أولادها، «وما صالحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد» العقل الذي هو الدية، «فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية».
طالب: .............
المقصود أنهم يطلبونه ويحددونه ويصرُّون عليه، وتنفيذ الحدود إنما هو للإمام، ولو اقتضى الأمر اقتضى نظر الإمام أن يقول: اقتلوه أو اعفوا عنه فالأمر إليه، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة تم لها سنة ودخلت في الثانية، يعني استحقت، يعني دخلت في السنة الرابعة الحقة، وثلاثون جذعة دخلت في الخامسة، وأربعون خَلِفَة في بطونها أولادها؛ لأن الخَلفَة هي الحامل.
إن شاؤوا قتلوا قصاصًا، وإن شاؤوا أخذوا الدية المغلظة أثلاثًا، وسيأتي ما يدل على أنها أرباع في حديث آخر، وما صالحوا عليه فهو لهم؛ لأنه قد يقول قائل: إذا كانت هذه الدية وجاءت في قتل العمد، فكيف نسمع بالملايين، بعضهم يطلب عشرة ملايين، وبعضهم عشرين، وبعضهم ثلاثين مليونًا؟ كيف يتاح لهم ذلك، والدية مثل ما ذُكر مائة من الإبل ما تزيد إلا أنها مغلظة، وعلى القاتل في ماله، وليست على العاقلة كقتل الخطأ؟
نقول: ما يؤخذ من الدية بهذه الأقيام الكبيرة ليست دية، هذه ليست دية، الدية مائة من الإبل، لكن هذا فداء، مصرون على القتل، ما يتنازلون، ما يقولون: نريد دية، مصرون على القتل فيفتدي نفسه بما صالحوا عليه، كما هنا، وما صالحوا عليه فهو لهم، ولو بلغ ما بلغ وما صالحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل، يعني الدية عليهم الدية مشددة أثلاث، وسيأتي ما يدل على أنها أرباع، وهي على كل حال حالة وليست منجمة على ثلاث سنوات، وفي مال القاتل، وليست على العاقلة، فهي أشد من دية قتل الخطأ، وما يُذكر من الأموال الطائلة التي تُطلب في مقابل العفو عن القصاص هذا ليس دية، وإنما هو فداء، يفدي نفسه، ويفديه من حوله بما يرضي أولياء القتيل.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وهذا لفظه وقال: هذا حديث حسن غريب"، حسن معروف؛ لأنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وغريب؛ لأنه سيأتي ما يخالفه وما قيل في ذلك.
"وعنه" يعني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وما يروى عن عمرو بن شعيب في هذا السياق هو أيضًا صحيفة، صحيفة تحتوي على مجموعة من الأحاديث، وهي كتاب كما قيل تروى بالوِجادة كصحيفة عمرو بن حزم السابقة.
والرواية بالكتابة كما أشرنا في الدرس الماضي رواية معتمدة عند أهل العلم، وهي إحدى طرق التحمل الثمانية، وفي الصحيحين المكاتبة بين الصحابي والتابعي والعكس وما بعدهم، وفي البخاري في أكثر من حديث: كتب إليَّ محمد بن بشار، وفي المسند أحاديث كثيرة يقول فيها عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت بخط أبي، فهي طريقة معتبرة من طرق التحمل بشرطها، بشرطها، إذا كان يعرف خط شيخه معرفة لا خفاء فيها ولا لبس، ولا يتردد في ذلك، فإنها تصح الرواية بها.
"وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين»"، يعني دية أهل الذمة نصف دية المسلمين، وأهل الذمة "«هم اليهود والنصارى»، رواه أحمد وابن ماجه والنسائي، واللفظ له، والترمذي وحسنه"، كسوابقه، "رواه أحمد وأبو داود والنسائي، واللفظ له، والترمذي وحسنه.
ولأبي داود: «دية المعاهَد نصف دية الحُر»" أهل الذمة اليهود والنصارى الذين يبذلون الجزية في مقابل البقاء في ديار الإسلام وتحت حكم المسلمين، ويذعنون لحكمهم يسمون أهل ذمة، والمعاهَد الذي دخل دار الإسلام بعهد وميثاق وأُذن له بذلك بسبب هذا العهد والميثاق أيضًا نصف دية الحر كالمعاهَد، وفي هذه الرواية التي لأبي داود فيها عنعنة ابن إسحاق، ابن إسحاق إمام أهل المغازي مدلِّس، فإذا عنعن لا يقبل، وإذا صرح بالسماع فالمرجَّح أن حديثه من قبيل الحسن.
على كل حال كون دية الذمي نصف دية المسلم قال به الإمام مالك، وقال أحمد: إذا قتله عمدًا، إذا قتل المسلمُ ذميًّا عمدًا تضعَّف عليه الدية، فتكون مثل دية المسلم؛ لأن عثمان -رضي الله عنه- قضى بذلك إذا قتله عمدًا يغلَّظ عليه الأمر، فتكون ديته كدية المسلم، وقال الشافعي: دية الذمي ثلث دية المسلم، وذكر أنه قضى بذلك عمر وعثمان- رضي الله عنهما-، وقال أبو حنيفة: دية غير المسلم كدية المسلم؛ لعموم {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة:45]، ولكن هذا العموم مخصوص بما جاء في الباب من هذا الحديث، وما يشهد له ويدل عليه الكافر غير الكتابي، يعني من أهل العلم من قال: هو كالكتابي نصف دية المسلم، وأبو حنيفة طردًا لمذهبه أن دية غير الذمي من الكفار كدية الذمي، وديتهما كدية المسلم؛ لعموم {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [سورة المائدة:45].
ومن أهل العلم، وهو قول الحنابلة، والشافعية أن دية الكافر وغير الكتابي ثمانمائة درهم، ثمانمائة درهم.
"وللنسائي: «عقل المرأة»" يعني دية المرأة "«مثل عقل الرجل»"، ولكن بالنسبة للدية الكاملة في القتل هي على النصف من دية الرجل بالإجماع، فلا تدخل قتل النفس كاملة في هذا الحديث، دية المرأة كاملة في القتل نصف دية الرجل، وهذا أمر مجمع عليه، وهو أحد المواضع الخمسة التي فيها المرأة على النصف من الرجل، هنا في الدية، وفي الميراث، وفي الشهادة، وفي العتق، وفي العقيقة، المرأة على النصف من الرجل في خمسة أشياء، نعيد؟
طالب: ............
نعيد الخمسة أم..؟
طالب: ............
كتبتها أنت!
طالب: ............
المرأة على النصف من الرجل في خمسة مواضع في الديات التي معنا، وفي الميراث، وفي العقيقة، وفي الشهادة، وفي العتق، العتق ما معنى العتق؟ أن عتق امرأتين يعادل عتق رجل في الأجر.
عقل المرأة مثل عقل الرجل. قد يقول قائل: ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحيحين أن المرأة ناقصة عقل ودين، وهنا يقول: عقل المرأة مثل عقل الرجل، يصح هذا الكلام؟
لا يصح الذي يقرأ وما عنده.. يقرأ الحديث: عقل المرأة مثل عقل الرجل، كيف يمشي هذا مع قوله في الصحيحين: المرأة ناقصة عقل ودين؟
نقول: لا، ليس المراد بالعقل العقل المعروف الذي هو مناط التكليف، لا، المقصود به الدية مثل دية الرجل في الأعضاء، وفي الجراح، وليس في النفس؛ لأن دية المرأة في قتلها كاملة نصف دية الرجل، وهذا مجمع عليه.
يقول: «حتى يبلغ الثلث من ديتها»، فإذا وصل المرأة تساوي الرجل في الدية إلى أن يصل إلى ثلث ديتها، ثلث ديتها، فإذا وصل الثلث صارت على النصف من الرجل، مثال ذلك الأصبع بعشر، أصبعان بعشرين، ثلاثة أصابع بثلاثين، الرابع يتعدى الثلث أربعين، فتكون حينئذ نصف الرجل الواحد بعشرة من الإبل، والاثنين بعشرين، والثلاثة بثلاثين، والأربعة بعشرين؛ لأنها صارت على النصف.
قد يقول قائل: إن هذا يكون فيه ذريعة، ذريعة للمعتدي أن يزيد يقول: بدال ما أدفع ثلاثين إذا قطعت ثلاثة أدفع عشرين، أزيد رابعًا وأدفع عشرين. ابن المسيب قال: هذه السنة، هذه هي السنة، وبهذا قال مالك والشافعي، قال: تبعت مالكًا في هذا، فإذا به يريد سنة أهل المدينة.
على كل حال هذا من حيث الأثر، والأثر ضعيف على ما سيأتي، لكن من حيث النظر لو ثبت الخبر ما كان لأحد كلام، لو ثبت الخبر ما كان لأحد كلام، لكن الخبر فيه كلام.
الآن إذا المعتدي قطع ثلاثة أصابع يلزمه كم؟ يلزمه ثلاثون من الإبل، فإذا قطع الرابع صارت على النصف، صارت عشرين، وبهذا يكون ذريعة لأن يزيد في جرمه؛ لتخف عليه العقوبة، يعني في القوانين الوضعية الرجل إذا تسبب في إعاقة شخص جاء ودهسه بسيارته وصدمه، وتسبب في إعاقته يلزمه أن ينفق عليه حتى يموت، وهذا يجعل بعض من حصل منه مثل هذا أن يجهز عليه حتى ينتهي في مكانه. لا، هنا قتل، وبدل ما يُلزَم به حتى يموت ينتهي منه في مكانه، وهذا من شؤم العدول والتنكُّب لشرع الله.
هذا الحديث من رواية قال: "ورواه النسائي من رواية إسماعيل بن عيَّاش عن ابن جريج"، ابن جريج مدلِّس، وقد عنعن، ورواه عنه إسماعيل بن عياش، "وقال: إسماعيل ضعيف كثير الخطأ"، يعني في روايته عن غير أهل بلده الشاميين إذا روى عن الشاميين فروايته مقبولة، لكن إذا روى عن غيرهم فإنه كثير الخطأ، وهذا من روايته عن غير أهل بلده، يرويه عن ابن جريج، وابن جريج مكي، ابن جريج مكي، رواه عن غير أهل بلده فأخطأ فيه، فالحديث على هذا ضعيف.
"وعنه" يعني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، "وعنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «عقل شبه العمد مغلَّظ مثل عقل العمد»، يعني أثلاثًا على ما تقدم، أو أرباع على ما جاء في بعض الروايات، عقل شبه العمد يعني ما كان بالسيف والعصا، بالسوط والعصا، السيف عمد، ما كان بالسوط والعصا يعني بشيء لا يقتل هو قصد الجناية، ولم يقصد القتل، ضربه بسوط أو ضربه بعصا فمات، العادة أنه ما يموت في مثل هذا، لكن الله كتب وقدَّر أجله في هذا الظرف، هذا يسمونه شبه عمد، شبه عمد، العمد يقصد القتل والآلة قاتلة، شبه العمد يقصد الضرر والآلة غير قاتلة، والخطأ لا يقصد الضرر أصلاً، ما يقصد ضررًا، لا يريد هذا الإنسان، وإنما حصل له ما حصل من غير قصد.
«عقل شبه العمد مغلَّظ مثل قتل مثل عقل العمد»، قتل العمد والخطأ ثبت بالقرآن، ثبت بالقرآن: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً}[سورة النساء:93]، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأًً} [سورة النساء:92]، هذا ثابت بالقرآن، وقتل العمد: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} [سورة النساء:93] إلى آخره ثابت أيضًا في القرآن، هل يختلف في هذا أحد من أهل العلم؟ قتل العمد والخطأ لم يختلف فيهما أحد من أهل العلم، شبه العمد الذي لم يرد في القرآن، بل ورد في السنة اختُلف في ثبوته، فأثبته الجمهور، ونفاه مالك، نفاه الإمام مالك.
«عقل شبه العمد مغلَّظ مثل عقل العمد، ولا يُقتَل صاحبه»، يعني من حيث التغليظ في الدية ملحَق بالعمد، ومن جهة أنه لا يُقتَل به هو مشبه بقتل الخطأ، ولا يُقتَل صاحبه، هذا الحديث وثبوت النوع الثالث من أنواع القتل وهو شبه العمد استدل به الحنابلة والشافعية والحنفية وبعض المالكية، والمذهب عندهم، عند المالكية أن القتل نوعان على ضوء ما جاء في القرآن عمد، وخطأ.
«ولا يقتل صاحبه، وذلك أن ينزو الشيطان» ينزو في رواية أحمد ينزغ {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [سورة الأعراف:200]، ينزغ أي يهيج على الأذى فيعتدي أحد على أحد فيؤذيه بشيء لا يقتل غالبًا، لكنه قاصد للأذى، «أن ينزو الشيطان بين الناس، فتكون دماء في عميا، دماء في عميا» يعني في هوشة مشتركة تكون بين حي وحي، أو بين مجموعة من الشباب ومجموعة آخرين عند شيء تافه في الغالب إما كلمة نابية، وإما أمر، كثيرًا ما نسمع في القتل بين شباب على أمور لا تستحق، وحصل بينهم على شيء يسير على قارورة بيبسي أو شيء يتعاندون، وكل واحد يزيد في الكلام، ثم يضرب أحدهما الآخر فيموت.
«فتكون دماء في عميا في غير ضغينة»، ما فيه عداوات ولا حزازات سابقة، إنما حضر الشيطان في هذه اللحظة وحصل ما حصل «في غير ضغينة ولا حمل سلاح، ولا حمل سلاح»؛ لأن حمل السلاح آلة قاتلة، فيكون عمدًا، لكن ما فيه سلاح، فيه أشياء يسيرة سوط أو عصا أو ضربه مع مقتل بيده أو شيء أو ضربه فأصابت قدرًا.
"رواه أحمد وأبو داود" وهو أيضًا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ثم بعد ذلك: "عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال" هذا ليس من رواية عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال، ولذلك الحديث هذا مصحَّح عند أهل العلم.
قال: «قتيل الخطأ قتيل الخطأ شبه العمد» كيف خطأ شبه عمد؟ هو خطأ باعتبار أن الآلة غير قاتلة، فلا يُقتَل به، ولا يُقاد به، وشبه عمد؛ لأنه قاصد للأذى، «قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا» هذا مثال «قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل»، مدرس ضرب الطالب بقلم مع أصابعه، فحصل للطالب هذا ما حصل، أُدخل المستشفى ثم مات، الآلة غير قاتلة، قلم ما تقتل، لكنه قاصد أذاه، فليس بخطأ، وليست الآلة قاتلة، فليس بعمد، إنما يكون من قبيل شبه العمد، «قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها»، يعني أثلاثًا كالحديث السابق في العمد، كالحديث السابق في العمد.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي" وصحَّحه ابن حبان وابن القطان، وأقر ابن حجر تصحيحه لما نقل كلام ابن القطان أقره في التلخيص، "وفي إسناده اختلاف"، ولهذا قال ابن عبد البر: هذا حديث مضطرب.
كم بقي؟
طالب: ............
ثلاثة عشر؟
طالب: ............
المقصود أنه بقي عشر.. خلاص..
طالب: ............
لا، ست..
طالب: ............
نعم.
طالب: ............
هذا اختلاف أيضًا! وفي إسناده اختلاف!
قال ابن عبد البر: هذا حديث مضطرب، والحديث المضطرب -كما هو معروف- هو الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، هذا الحديث المضطرب عند أهل العلم، والمضطرب من قبيل الضعيف، من قبيل أو من أقسام الضعيف، لكن الحديث صححه ابن حبان كما قلنا وابن القطان في بيان الوهم والإيهام، وأقره ابن حجر في التلخيص، ومفاده أن دية شبه العمد مغلَّظة مثل دية العمد.
ثم قال: "وعن حجاج" بن أرطاة، عن حجاج هو ابن أرطاة، الحجاج هو ابن أرطاة، وهو مضعَّف.
"عن زيد بن جبير، عن خشف بن مالك"، قال أهل العلم: مجهول، ففيه الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف، وخشف بن مالك مجهول، قال: قال ابن مسعود: "قال: سمعت ابن مسعود، قال: سمعت ابن مسعود يقول: قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دية الخطأ عشرين بنت مخاض، وعشرين ابن مخاض ذكور، وعشرين بنت لبون، وعشرين جذعة، وعشرين حقة".
أخماس بدل ما هي أثلاث، أو أرباع في دية العمد وشبه العمد، صارت أخماسًا، أُلغي الأخير القسم الأخير الذي هو في بطونها أولادها، ووضع مكانها ابن مخاض، يعني أرخص الإبل، فدية الخطأ مخففة، وهي على العاقلة، وليست على القاتل، ومنجَّمة على ثلاث سنين، بخلاف دية العمد وشبه العمد، مقسمة إلى أخماس فيها، ومنها عشرون بنات مخاض، وعشرون أبناء لبون ذكور، وعشرون بنات لبون، وعشرون أبناء مخاض ذكور، وعشرون بنات لبون، وعشرون جذعة، وعشرون حقة.
قال: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي والنسائي وقال: الحجاج بن أرطاة ضعيف، ضعيف لا يُحتَج به، وقد بالغ الدارقطني في تضعيف هذا الحديث، وقد بالغ الدارقطني في تضعيف هذا الحديث وقال الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه".
فيه الحجاج بن أرطاة، وفيه خشف المجهول التابعي الذي يرويه عن ابن مسعود مجهول عند أهل العلم، لا يُعرَف، فهو ضعيف. عند الدارقطني، الحديث ضعّفه الدارقطني، ضعفه، وشدد في تضعيفه، ورواه بلفظ آخر وجعل فيه عشرين بني لبون بدل ابن مخاض، كلها ذكور، لكن بدل ابن مخاض، ابن سنة، صار ابن لبون ابن سنتين، واختلف اختلف العلماء في الخامس هل هو ابن لبون أو ابن مخاض، بناءً على رواية الجماعة أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي والنسائي يعني الخمسة، بناءً على رواية الخمسة التي تقول: فيها عشرون بنو مخاض، وفيها ضعف على ما ذكرنا، ورواية الدارقطني التي تقول: فيها عشرون بنو لبون، فقال أحمد وأبو حنيفة: العشرون بنو مخاض على ما جاء في رواية الخمسة.
وقال مالك والشافعي: بنو لبون على رواية الدارقطني، على رواية الدارقطني، يعني على رواية الدارقطني في بحثنا وتقريرنا، وإلا فمالك والشافعي قبل الدارقطني، ما يمكن أن يستدل مالك بحديث رواه الدارقطني، هما من قبله بأكثر من قرنين، لكن في بحثنا واستقرار الأحاديث في المصنفات والدواوين المعتبَرة في الإسلام نقول: استدل مالك، أو استدلوا لمالك بما رواه البخاري، وقد يكون البخاري رواه من طريق مالك، لكن هذا الذي أمامنا من دواوين الإسلام، والذي استقر العمل بها عند أهل العلم يمكن أن نقول هذا.
قال مالك والشافعي: بنو لبون يعني طبقًا لما جاء في رواية الدارقطني، وأما بالنسبة للإمام أحمد وأبي حنيفة فقالوا بمقتضى رواية الجماعة.
"وعن عكرمة عن ابن عباس، وعن عكرمة عن ابن عباس قال: قتل رجلٌ رجلاً على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ديته اثني عشر ألفًا". يعني دراهم من الفضة، والذهب -كما تقدم- ألف أو من أربعمائة إلى ثمانمائة، وهذا يقول: اثنا عشر ألفًا، واثنا عشر ألفًا هي صرف ألف دينار؛ لأن الدينار باثني عشر درهمًا، وقد يزيد الذهب، وقد تنقص الفضة، وهكذا ليس فيه شيء مستقر، وهناك قلنا في دية الذهب: إنها مقدَّرة منه -عليه الصلاة والسلام-، كما عند أحمد، من أربعمائة إلى ثمانمائة، هذا يدل على أن الذهب ليس بأصل، وإنما هو تبع لقيمة الإبل ارتفاعًا وانخفاضًا، وهذا اثنا عشر ألفا من الدراهم كما بيَّن ذلك البيهقي في روايته.
وقد يستدل به من يقول: إن الخمسة الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة كلها أصول، والراجح أن الأصل هو الإبل، وما عداها أقيام، وما عداها أقيام تعادَل بها، قد تزيد أقيام الإبل فيزداد أقيامها، وقد تنخفض فتنخفض أقيامها، وإن صح الخبر مع أنه مرسل، الصواب فيه الإرسال كأكثر الرواة لا يذكرون ابن عباس، وإنما يقفونه عند عكرمة، فيكون مرسلاً، إن صح هذا الحديث أن قيمة المائة من الإبل في ذلك الوقت اثنا عشر ألفًا.
"وذلك قوله -عز وجل-: {وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} [سورة التوبة:74] في أخذهم الدية"، {وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِ} [سورة التوبة:74] يعني في أخذهم الدية ما وجه الاستدلال بهذه الآية على ما جاء في الخبر؟
أولاً بدلاً من أن أتكلف اعتبار وإيجاد مناسبة الحديث.
"رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وهذا لفظه وقال: والصواب مرسل" ورجح إرساله البخاري وأبو داود وابن حزم، "وقال أبو حاتم بعد أن رواه مرسلاً: المرسَل أصح، المرسَل أصح"، فالمرجَّح إرساله، وأكثر الرواة لا يذكرون ابن عباس، وإنما يقفونه عند عكرمة..
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا...
"