استثنيت العرايا من المزابنة التي جاء تحريمها، والمزابنة مفضية إلى الربا؛ لأنه لا تتحقق فيها المماثلة، والمزابنة: بيع التمر رطبًا على رؤوس النخل بكيله من الجاف، أو بما يؤول إليه من الجاف، ولعدم تحقق المماثلة وجد الربا في هذه الصورة، لكن استثنيت العرايا في خمسة أوسق، أو ما دون خمسة أوسق، فالعرايا نوع من المزابنة، إلا أنها خُصّت بقوله صلى الله عليه وسلم: «إلا العرايا» [البخاري (2198)، ومسلم (1575)]، فمَن احتاج إلى تمر رطب يأكله مع أولاده وأسرته، ولا يكون عنده من النقود ما يشتري به إلا التمر الباقي من العام الماضي الجاف، ولو باعه لما حصلت له القيمة التي يشتري بها ما يكفيه ويكفي أولاده، فيقال له رفقًا به: لك أن تشتري به رطبًا.
والربا ثبَت تحريمه بالكتاب في أكثر من آية، منها قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، والعرايا ربا لعدم التماثل، فالجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، ولم تتحقق المماثلة في المزابنة ولا في العرايا، فالمزابنة باقية على النهي، والعرايا مستثناة، واستثناؤها تخصيص لتحريم الربا، لكنها خُصَّت للحاجة، لكن ليست كل حاجة تبيح المحَرَّم، وقد تكون بعض الحاجات أشدّ من حاجة مريد العرية، لكن لا يجوز له أن يتجاوزَ ما حرم الله عليه بنص من الكتاب أو من السنة إلا لضرورة، أما ما مُنع باعتباره فردًا من أفراد قاعدة عامة، أو قاعدة أغلبية، أو حرُم بعمومات ولم ينص عليه بذاته، فمثل هذا من أهل العلم مَن يرى أن الحاجة تبيحه.